عرض مشاركة واحدة
قديم 2013/03/05, 07:31 AM   #1
ابن الناصريه

موالي فضي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1121
تاريخ التسجيل: 2013/03/02
المشاركات: 768
ابن الناصريه غير متواجد حالياً
المستوى : ابن الناصريه is on a distinguished road




عرض البوم صور ابن الناصريه
افتراضي جواب الامام الصادق عمن سأله عن لقمان الحكيم

أما والله ما أوتى لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ، ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله ، متورعا في الله ، ساكتا ، سكينا ، عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغنٍ بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستّره وعموق نظره وتحفّظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قط مخافة الإثم ، ولم يغضب قط ، ولم يمازح إنسانا قط ، ولم يفرح لشيء إن أتاه من أمر الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قط .
وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم إفراطا ( أي مات له أولاد صغار قبل البلوغ ) فما بكى على موت أحد منهم .. ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحاجزا .. ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه .. وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء ، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين ، فيرثي للقضاة مما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لغرّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ، ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ، ويجاهد به هواه ، ويحترز به من الشيطان .. وكان يداوي قلبه بالتفكر ، ويداري نفسه بالعِبَر .. وكان لا يظعن إلا فيما يعنيه ، فبذلك اوتي الحكمة ، ومُنح العصمة .
وإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة ، فنادوا لقمان - حيث يسمع ولا يراهم - فقالوا : يا لقمان!.. هل لك أن يجعلك الله خليفة في الارض ، تحكم بين الناس ؟.. فقال لقمان : إن أمرني ربي بذلك فالسمع والطاعة ، لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني ، وإن هو خيّرني قبلت العافية ، فقالت الملائكة : يا لقمان لمَ ؟.. قال : لان الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين ، وأكثر فتنا وبلاء ما يُخذل ولا يُعان ، ويغشاه الظلم من كل مكان ، وصاحبه منه بين أمرين :
إن أصاب فيه الحق فبالحريّ أن يسلم ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا ، كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريّا شريفا .. ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما ، تزول هذه ولا تدرك تلك .. فتعجبت الملائكة من حكمته ، واستحسن الرحمن منطقه ، فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل ، أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم ، وغطّاه بالحكمة غطاء ، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه ، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبيّنها فيها .
قال : فلما أوتى الحكم ولم يقبلها ، أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبها ولم يشترط فيها بشرط لقمان ، فأعطاه الله الخلافة في الارض وابتلي فيها غير مرة ، وكل ذلك يهوي في الخطأ يقيله الله ويغفر له .. وكان لقمان يكثر زيارة داود (ع) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه ، وكان يقول داود له : طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة ، وصُرفت عنك البلية ، وأعطي داود الخلافة ، وابتلي بالخطأ والفتنة .
ثم قال أبوعبدالله (ع) في قول الله : {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } ، قال : فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطّر وانشقّ ، وكان فيما وعظه به يا حماد أن قال :
يا بني!.. إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدارٌ أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد .
يا بني!.. جالس العلماء وازحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام .
يا بني!.. إن الدنيا بحر عميق ، قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك .
يا بني !..إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عنى بالأدب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتدّ له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة ، فإنك تُخلف في سَلَفك ، وتنفع به من خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب .
وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فإن غلبت على الدنيا فلا تُغلبنّ على الآخرة ، فإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غُلبت على الآخرة ، واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم ، فإنك لم تجد له تضييعا أشد من تركه ، ولا تمارين فيه لجوجا ، ولا تجادلن فقيها ، ولا تعادين سلطانا ، ولا تماشين ظلوما ، ولا تصادقنه ، ولا تؤاخين فاسقا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تحزن ورقك .
يا بني!.. خف الله خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك ، وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك .. فقال له ابنه : يا أبه ، وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟.. فقال له لقمان :
يا بني !..لو استخرج قلب المؤمن فشُقّ لوجد فيه نوران : نور للخوف ، ونور للرجاء ، لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة ، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله ، ومن يصدّق ما قال الله يفعل ما أمر الله ، ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدّق ما قال الله ، فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض ، فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ، ومن يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا ، ومن يطع الله خافه ، ومن خافه فقد أحبه ، ومن أحبه اتبع أمره ، ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته ، ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه ، نعوذ بالله من سخط الله ..
يا بني!.. لا تركن إلى الدنيا ، ولا تشغل قلبك بها ، فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها ، ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين



[,hf hghlhl hgwh]r ulk sHgi uk grlhk hgp;dl



رد مع اقتباس