الواردة في تصوير عرضية الحياة الدنيا وزوالها.. وكونها منطقة عبور، وممر للآخرة، ومرحلة تمهيدية لها.. والغرض من هذا ليس (تفهيم) المسلمين هذه القضية الواضحة لديهم، وانما (تحسيسهم) بذلك وتوعيتهم عليه حتى تكون لديهم (بصيرة) من بصائرهم ورؤية فكرية واضحة لديهم تهديهم الطريق، وتدفعهم الى العمل.
ان وعي الحياة الدنيا على حقيقتها، والاحساس بنهايتها ومرحليتها هو الطريق الطبيعي لانهاء حالة الركون الى الدنيا، ومعانيها، والركض وراءها والهم لها.. يضيع الانسان
المؤمن احياناً في هذه الدنيا.. فتراه يبني له أحلاماً واسعة، يستهدف بها الجاه، والمركز.. والمجد والذكر الحسن عند الناس، وينهمك في هذه الحياة.. فيتصارع مع اخوته على معان زائفة فيها.. لماذا ؟ لانه يفتقد في هذه اللحظات احاسيس المؤمنين، ومشاعرهم ولا يملك فعلاً وعياً كونياً عاماً يهديه الطريق ويحدد له القيم الكبيرة لمعاني الايمان، والقيم الصغيرة لتوافه الحياة الدنيا، ومعانيها المبتذلة.
ان مشكلة الانسان المسلم، وكل انسان أن يفهم اكثر بكثير مما يعي، ويعيش في مداركه، ومشاعره، ويعي اكثر مما يطبق، وينسجم نفسياً مع ما يعيه، ويشعر به.
ان هذا الوعي بعرضية الحياة الدنيا، ومرحليتها لا يعطي قيمته في مقام العمل الاعتيادي.. وانما ايضاً في مجال المواجهة، والتصدي لاضطهاد الجاهلية وسخرية الناس واستهزائهم، ومن هنا أكد عليه القرآن الكريم في عملية إعداد الرسول (ص) في موارد متعددة.
(واصبر على ما يقولون، واهجرهم هجراً جميلاً. وذرني والمكذبين اولي النعمة، ومهلهم قليلاً. ان لدينا انكالاً، وجحيماً، وطعاماً ذا غصة، وعذاباً اليماً)
(لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم، وبئس المهاد)
(فاصبر صبراً جميلاً.. انهم يرونه بعيداً. ونراه قريباً. يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميماً)
ان تنمية الوعي الكوني، وتوسيع افق المؤمن، واطار تفكيره من اهم ما يعتني به القرآن الكريم.. وذلك ان شخصية الانسان تنمو بمقدار توسع آفاقه، ونمو وعيه الكوني الكلي الشامل، فانت اذ تتحسس الحياة بشمولها وتعي هذه الحياة مرحلة عابرة. وتعيش هذا الوعي فسوف ترى كم يكون الطغيان تافهاً، وكم يكون الطغاة صغاراً في الحساب التأريخي، وحساب الحياة في شمولها وسعتها.. وحساب الكون، وخالق الكون.. وسوف تبصر بعينيك القيمة الصغيرة لكل جاهلية، وللجاهلية كلها في حساب الحياة.
3 - الاحساس بالحياة الدنيا على انها دار فتنة واختبار، على انها مرحلة لاختبار الفعالية البشرية، واخلاقية هذا الانسان في مقام عبوديته،
وتعامله مع الله، ودوره في هذه الحياة.
(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملاً، وهو العزيز الغفور)
(وان اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب، ولا عمل)