عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/08/17, 09:16 AM   #74
السيد مرتضي

موالي ممتاز

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3744
تاريخ التسجيل: 2015/03/16
المشاركات: 369
السيد مرتضي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد مرتضي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد مرتضي
افتراضي

إليك ملخّص الجلسة السابعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

نحن مازلنا مضطرين إلى مخالفة بعض أميالنا


لقد انتهى بحثنا في الجلسات السابقة إلى أننا مضطرون إلى مخالفة بعض أهوائنا، وأن هذا الاضطرار هو بسبب تركيبة وجود الإنسان وتركيبة الحياة في هذه الدنيا. وقد ذكر في ما يرتبط بتركيبة وجود الإنسان أن الطريق الوحيد لنماء قوى الإنسان الروحيّة وحتّى الجسميّة هو مخالفة بعض الأهواء والرغائب. و أمّا سبب ما تقتضيه تركيبة الحياة من مخالفة الأهواء فهي عوامل شتّى من قبيل استحالة وصول الإنسان إلى جميع آماله، وأن لابدّ للإنسان من هرم ومشيب إذا عمّر في الدنيا، وغيرها من العوامل التي تفرض على الإنسان أن يجاهد نفسه ويخالف بعض أهوائه.
يشكّل الإيمان الحافز اللازم لجهاد النفس/ التقوى هي برنامج لجهاد النفس


الحافز اللازم لجهاد النفس هو الإيمان، وبرنامجه التقوى. إن دور الإيمان في هذه المعمعة هو أن يحدّد لك الهدف لتقدر على اجتياز هذه الساحة الخطرة بحافز قويّ وشوق بالغ. يعدك الإيمان بوجود عالم آخر أبدي خالد بعد هذه الدنيا، ويشرح لك سبب الآلام والمحن الموجودة في هذه الدنيا لكي تعرف أنها كانت لصالحك، ولتعرف أن الذي جعلك في خضمّ هذه المحن والصعاب لم يتركك سدى بلا برنامج وخارطة الطريق، فثق به واركن إليه.

بعد مرحلة الإيمان، يأتي دور اجتياز ساحة الألغام عبر برنامج التقوى. فالإجابة عن كيفية جهاد النفس وما هي الرغبات التي يجب مخالفتها، وأسلوب طيّ هذا الطريق هي تشكّل نقطة الانطلاق في حركة الإنسان الدينيّة.
العلاقة بين التقوى والعبودية


بعد أن اقتنعنا بضرورة الكفّ عن بعض رغباتنا، يطرح هذا السؤال نفسه، وهو: عن أيّ رغباتنا يجب أن نكفّ؟ فلو سألنا الله سبحانه بهذا السؤال لأجابنا: عليكم أن تغضّوا عن رغباتكم حتى لا يبقى أثر من «الأنا» في داخلكم. لذلك إن خالفت بعض أهوائك ولكنك بقيت محافظا على «أنانيتك» فقد نقضت الغرض ولا فائدة في مثل هذا الجهاد إلّا في الدنيا. إنك إن قمت بتصميم هذا البرنامج بنفسك، ففي الواقع قد أبقيت «الأنا» على حالها، أو لعلّك كبّرتها إذ قد أعددت البرنامج بها وقد أطعتها في كيفيّة مخالفة الهوى. نحن إذا برمجنا بأنفسنا لجهاد النفس، تنتفخ أنانيّتنا، فلا يبقى بدّ سوى أن يبرمج الله لنا، وقد تصدّى سبحانه لهذا الأمر عبر أوامره ونواهيه وحلاله وحرامه وواجباته وعباداته.

لقد أعطانا الله برنامجا أدار به عمليّة جهاد النفس وكأنه يقول: «إذا أردت أن أدير حياتك وجهادك فلابدّ لك أن تكون لي عبدا ذليلا». والعبد لا يملك شيئا لنفسه. إن ما أراد الله منّا هو أن نترك اللذات والرغبات ولا نزال كذلك إلى أن لا يبقى شيء من أنانيّتنا ونلتذّ بعد ذلك بالعلاقة مع الله نفسه، وهذا هو معنى العبوديّة. ثم ليس هناك شراكة بيننا وبين الله بحيث يأمر الله تارة ونرتأي نحن تارة أخرى. وكلّما أخفقنا في الطريق يجب أن نتوب وسوف يمهلنا ربّنا، فإن الله أرحم الراحمين وليس بشديد على المؤمنين. ولكن بعد ما أصبحنا عبادا للّه، فكلّما حدثت منّا مخالفة للأوامر الإلهيّة يجب أن نستغفر ونعترف بالذنب.
التقوى هو البرنامج الوحيد الذي يضمن القضاء على أنانيتك


أنت بحاجة إلى برنامج يعينك على إزالة أنانيّتك، لتصبح بعد ذلك عبدا ذليلا لله وتحظى بلذّة العبوديّة. ومن لوازم القضاء على هذه «الأنا»، هو العمل ببرنامج لا دور لك فيه.

ولذلك عندما كان يُسأل الشيخ بهجت(ره) عن برنامج للسير والسلوك أو يسأل عن كتاب مفيد في هذا المجال، كان يقول: «حسبكم هذه الرسالة العمليّة». يعني برنامج طي هذا الطريق والسير والسلوك هو العمل بهذه الرسائل العمليّة. ولعلمكم كان المجاهدون في أيّام الدفاع المقدّس يعشقون الرسائل العمليّة، إذ كانوا قد بلغوا درجة الاستعداد للتضحية، فأيقض الله في قلوبهم شوقَ عبادته فأصبحوا يوّدون أن يسمعوا أوامر الله ليمتثلوها، فكانت الرسائل العملية دواء قلوبهم. حتى أن بعض المجاهدين كانوا قد حفظوا رسالة الإمام الخميني(ره) من قبيل «الشهيد أحمد نيكجو» الذي استشهد في عمليات كربلاء خمسة، فقد نقل عنه أنه كان قد حفظ رسالة الإمام.

إن برنامج جهاد النفس هذا، يرقّينا إلى درجة العبوديّة


إذا أدرنا عمليّة جهاد النفس بأنفسنا، فلا فائدة فيها ولا تزال تسمّى «عبادة النفس» لا «عبادة الله»، ولا نفرق حينئذ عن أولئك الذين يتحملّون الكبد والعناء ولكنّهم لا يتطوّرون. فإنْ تحمّل المعاناة أحد من الناس ولم يتنوّر قلبه فليعرف أن قد عانى وكابد بغير صواب، يعني أنه جاهد نفسه وعانى ما عانى ولكنّه لم يسيطر على هوى نفسه بعد. مضافا إلى أن المعاناة أمر لابدّ منه في هذه الدنيا، فإن لم يعان الإنسان في سبيل الله، فسوف يعاني لا محالة في سبيل نفسه.

إن جهاد النفس يصيّرنا عبادا لله، إذ أن العبد الحقیقي، هو من كان على استعداد من امتثال أمر مولاه والتحرّك ضمن برنامج مولاه، كالعبيد حين يمتثلون أوامر أسيادهم.

إن علاقتنا مع الله تختلف كثيرا عن علاقتنا مع شرطيّ المرور. إذ تهدف أوامر شرطي المرور إلى تنظيم السياقة والمرور في المدينة على أساس قوانين المرور، ولا دخل له بحديثنا داخل السيّارة مثلا. ولكن علاقتنا مع ربّ العالمين ليست هكذا. إنه يصدر مجموعة من الأوامر، ثم ينظر إلينا فردا فردا ليرى هل بقى شيء من أنانيتنا أم لا، حتى إذا وجد لها أثرا يقضي عليها عبر الامتحانات ومحن الحياة. طبعا يفعل الله ذلك بمنتهى الرحمة والصبر والصفح، فإنه يرضى بالقليل من أعمالنا ويصفح عن كثير. فلابدّ أن نرى جميع صفات الله ولا نؤكّد على جانب منها فقط. فإنّ الله يحاول أن يقضي على هوى نفسنا في هذه الدنيا ولكن بمنتهى الرأفة.

يتبع إن شاء الله...



توقيع : السيد مرتضي
رد مع اقتباس