قال ياسر: فلما کان في آخر يومه الذي قبض فيه کان ضعيفاً في ذلک اليوم فقال لي بعدما صلّی الظهر: يا ياسر، ما أکل الناس شيئاً؟
قلت: يا سيدي من يأکل هاهنا مع ما أنت فيه.
ولما سمع الامام الرؤوف سلام الله عليه قول الخادم انتصب واقفاً علی الرغم من شدة ما هو فيه من آلام، ثم أمربأن تعد المائدة ويجلب الطعام قال ياسر: ولم يدع
(عليه السلام) من حشمه احداً الا اقعده معه علی المائدة يتفقد واحداً واحداً، فلما أکلوا، قال
(عليه السلام): ابعثوا الی النساء بالطعام، فحمل الطعام الی النساء فلما فرغوا من الأکل أغمي عليه وضعف فوقعت الصيحة!!
ونبقی مع ياسر الخادم، وهو يتابع رواية ما شاهده فينقل لنا صورة عن نفاق الطاغية العباسي وسعيه لإخفاء جريمته، قال ياسر الخادم بعد ان ذکر الامام
(عليه السلام) بعد ان اطعم من کانوا معه قال: وجاء المأمون حافياً حاسراً يضرب علی رأسه ويقبض علی لحيته ويتأسف ويبکي.
فوقف علی
الرضا (عليه السلام) وقد أفاق فقال: يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين اعظم عليّ فقدي لک وفراقي إياک أو تهمة الناس لي أني اغتلتک وقتلتک.
قال ياسر: فرفع
(عليه السلام) طرفه اليه ثم قال: احسن يا امير المؤمنين معاشرة ابي جعفر [يعني الامام الجواد
(عليه السلام)] فان عمرک وعمره هکذا! وجمع
(عليه السلام) بين سبابتيه، وذلک في اشارة الی انه لواقدم المأمون علی التعرض بسوء لحياة الامام الجواد
(عليه السلام) فانه سيعرض نفسه لعقاب الهي سريع.
ان الامام الرضا سلام الله عليه لم يجب علی کلام المامون بشان انزعاجه من اتهام الناس له بقتل الامام الرضا (عليه السلام) بل اجابه بتحذيره من ايذاء خليفته الجواد (عليه السلام) وفي ذلک تصديق بذلک الاتهام واشارة الی ان الطاغية المأمون کان ينوي اغتيال الامام الجواد (عليه السلام) لاحقاً لولا تحذير الامام له بأن بذلک يحفرقبره بيده ودنه لن يبقی حياً عندئذٍ.
هذه الرواية صورة ثالثة تبين اشتراک الصديق الشهيد
الرضا (عليه السلام) مع جدته الصديقة الزهراء سلام الله عليه في کونه قد دفن جثمانه الطاهرليلاً.
فقد جاء في هذه الرواية قول الراوي: فلما کان من تلک الليلة - يعني التي دخل المأمون علی الامام
(عليه السلام) وجری بينهما الکلام المتقدم - قضی
(عليه السلام) نحبه بعد ما ذهب من الليل بعضه فلما أصبح إجتمع الخلق وقالوا: ان هذا - يعنون المأمون - قتله واغتاله، وقالوا: قتل ابن رسول الله (صلی الله عليه وآله) وکثر القول والجلبة.
وهنا خشي المأمون من حدوث ما يخشاه من غضب المسلمين خلال تشييع الامام لذلک لجأ الی عم الامام (عليه السلام) وهو محمد بن جعفرالصادق وقال له: يا ابا جعفرأخرج الی الناس وأعلمهم أن ابا الحسن لا يخرج اليوم [يعني لتشييعه ودفنه].
قال الراوي: وکره المأمون أن يخرجه
(عليه السلام) فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفرالی الناس فقال: ايها الناس، تفرقوا فان ابا الحسن
(عليه السلام) لا يخرج اليوم. فتفرق الناس وغسل ابوالحسن في اليل ودفن!
*******