عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/11/28, 11:24 PM   #2
بشار الربيعي

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 535
تاريخ التسجيل: 2012/10/18
المشاركات: 1,009
بشار الربيعي غير متواجد حالياً
المستوى : بشار الربيعي is on a distinguished road




عرض البوم صور بشار الربيعي
افتراضي

اسلامه

ومن هذه التفاصيل، ان الرسول كان يجتمع مع اصحابه في دارالارقم، فالتقى عمار عند بابها صهيبا بن سنان، فدخلا معا على الرسول الذي، اقنعهما بالدخول في الاسلام(7).
وقد لايكون الامر مجرد مصادفة، اذ ان عمارا المختلف نشاة وخيارات، قد تعرف قبل الدعوة الى محمد وغدا من اصحابه‏المقربين اليه.
وفي هذا يروي اليعقوبي قولا عنه: (كنت صديقا له (محمد)، فانا لنمشي، بين الصفا والمروة، اذا بخديجة ‏بنت خويلد واختها هالة.
فلما رات رسول اللّه جاءتني هالة اختها فقالت: يا عمار! ما لصاحبك، حاجة في خديجة؟ فقلت: واللّه ما ادري. فرجعت فذكرت ذلك، له، فقال: ارجع فواضعها وعدها يوما ناتيها فيه...». ثم جاء رسول اللّه في نفرمن اعمامه تقدمهم ابو طالب (لخطبتها من ابيها، خويلد بن اسد بن عبد العزى‏) (8)ع‏82.
كان عمار اذا من طلائع الدعوة الاسلامية في عهدها السري على انها ليست(الاسبقية‏) التي منحته الموقع المتميز، في‏الدعوة، وانما الالتزام على ذلك النحو من العمق والاندفاع.
فقد عرف جيدا (وامه ايضا) حجم التضحية التي عليه ‏تقديمها،، خصوصا انه كان فاقدا الحصانة (القبلية)، حيث المجتمع آنئذ، في تكوينه الاجتماعي لا يحمي الضعفاء الخارجين علىالتقاليد، وغير المنضوين تحت راية احد البطون فيه.
فكان على عمار، من هذا المنظور، ان يدفع ثمنا باهظا، وان يكابد من المعاناة مكابدة الكثيرين من اقرانه.
وفي ذلك ‏يروي ابن الاثير: (كان (الرسول) مستترا بدعوته لا يظهرها الا لمن يثق به، فكان اصحابه اذا ارادوا الصلاة ذهبوا الى‏الشعاب، فاستخفوا.
فبينما سعد بن ابي وقاص وعمار وابن مسعود، وخباب وسعيد بن زيد يصلون في شعب، اطلع‏عليهم نفر من المشركين منهم: ابو سفيان بن حرب والاخنس بن شريف، وغيرهما، فسبوهم وعابوهم حتى قاتلوهم، فضرب سعد رجلا، من المشركين... فشجه، فكان اول دم اريق في الاسلام‏)(9).
واذا كان سعد وهو من وجوه (زهرة‏) من قريش قد نجا من، العقاب متحصنا بالعصبية، لا سيما وان الرواية لم تذكرعشيرة الرجل الذي سال دمه، فان عمارا واصحابه من (المستضعفين‏)، الذين وصفهم ابن سعد بانهم (قوم لا عشائر لهم ‏بمكة وليست لهم منعة ولا قوة‏)(10) تعرضوا للتعذيب، سجنا وضربا، وجوعا وعطشا، لارغامهم على العودة عن‏الاسلام.
كان هؤلاء طليعة الدين وقافلته الاولى على طريق النضال الصعب، وقد واجهوا من التحدي ما لم تواجهه‏الطلائع الاخرى من قريش، هذه الطليعة يتقدم صفوفها عمار، ومعه صهيب بن سنان، وبلال بن رباح الحبشي، وخباب‏ بن الارت التميمي، وعامر بن فهيرة، وافلح ابو فكيهة (حليف بني جمح)، وغيرهم(11) ، وربما كثيرون من امثالهم عانواوطاة التعذيب الذي بلغ ذروته، بارغامهم على الوقوف وقتا طويلا في العراء، تكوي رؤوسهم وجسومهم ‏الشمس‏الحارقة.
بعضهم (فتن‏) وهو مصطلح العودة عن الاسلام او عاد مهاجرا في اللّه(12) وبعضهم، صمد على‏البلاء وقاوم حتى الموت.
فرادة في الجهاد، كثيرون من اولئك المناضلين الاوائل، عانوا المحنة الشديدة، وواجهوا بشجاعة فائقة تنكيل المشركين بهم. غير ان عماراكان، المناضل بامتياز، وكان الاكثر تحملا لتبعات الالتزام في تلك، المرحلة التي ما كانت الدعوة لتجتازها وتخرج سالمة‏منها، لولا، صمود هذه النخبة وتضحياتها وعطاءاتها المطلقة. فلم يكن، عمار مجرد فرد كالاخرين ممن اتت على ذكرهم‏الرواية، التاريخية، او ممن طواهم النسيان، وانما كان يناضل بوصفه، فردا من اسرة دخل الاسلام اليها بالصفاء عينه، فلم ‏تدخر وسيلة، لنصرته وبذل اقصى ما يستطيعه انسان في سبيله. وهي حالة لا، نجد مثيلا لها في تاريخ المرحلة، اذ كان‏الاب والام والابن على، الوتيرة نفسها من الاندفاع والمجاهرة بالموقف الشجاع، لنظام، تشتبك معه المصالح الحيوية ‏لقبائل الحجاز وشبه جزيرة، العرب.
، وقبل التوقف عند الرؤية التاريخية وما حملته من بعض معاناة، هذه الاسرة، ربما تجدر بنا الاشارة الى معنى ان يكون في ‏ذلك، الزمن (شيخ‏) مثل ياسر في صميم حركة الاسلام، مخترقا، مالوف التقاليد التي تجعل (الشيوخ‏) يترددون على الاقل ‏في، مغادرة مواقعهم الراسخة، مصالح والتزامات اجتماعية، في، وقت لم يغادر هذه المواقع سوى القليلين جدا الى‏الاسلام.
، كذلك من فرادة الاسرة ان تكون الام (سمية) متميزة بنضالها، امراة تخرج الى ساحة المواجهة المباشرة، فيماكان الرجال، (المسلمون)، او غالبيتهم، يتخذون الحيطة في التصدي، للنظام الوثني.
فلم تقاتل سمية على هذه الجبهة، الابوصفها، واحدا من المسلمين. ولم تصنف امراة عندما قضت في سبيل، المبدا، ووصفت بانها (اول شهيد في الاسلام‏)، وان كان، المقصود هنا، انها اول الشهداء من النساء والرجال، مع العلم ان، زوجها سبقها الى الموت تحت وطاة تعذيب‏المشركين، كما، سنرى لاحقا في الرواية.
يروي ابن الاثير(13) في هذا الصدد، عن بني ياسر العنسي: (كانوا يخرجون عمارا واباه وامه الى الابطح اذا حميت‏الرمضاء، يعذبونهم بحر الرمضاء، فمر بهم النبي (ص)، فقال: صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة.
فمات ياسر في العذاب، واغلظت، امراته سمية القول لابي جهل، فطعنها في قبلها بحربة في يديه، فماتت، وهي اول شهيد في الاسلام، وشددواالعذاب على، عمار بالحر تارة وبوضع الصخر على صدره اخرى، وبالتفريق، اخرى، فقالوا: لا نتركك حتى تسب محمداوتقول في اللات، والعزى خيرا، ففعل، فتركوه، فاتى النبي يبكي، فقال: ما، وراءك؟ قال ياسر: شر يا رسول اللّه، كان الامركذا وكذا.
قال:، فكيف تجد قلبك؟ قال: اجده مطمئنا بالايمان. فقال: يا عمار، ان عادوا فعد، فانزل اللّه تعالى (الا من اكره‏وقلبه مطمئن، بالايمان) [النحل: 206].
لقد استحقت سمية هذا التوصيف الريادي في الرواية التاريخية، التي قدمتها على زوجها في الشهادة، ليس من باب‏الاسبقية،، ولكن انطلاقا من شجاعتها في الاعلان عن التزامها بالاسلام، في الموقف الصعب. فهي تتحدى، وبجراة، شيخ‏بني مخزوم، وهي واسرتها من مواليهم، قبل ان يحررها بصورة كاملة، الاسلام.
من هنا كانت شراسة ابي جهل(المخزومي) في الرد، عليها طعنا حاقدا، عندما اغلظت له القول، وفقا للرواية السالفة.
وهكذا عمار الرائد دائما، وحين تصل الامور الى مستوى، التضحية، يكون في المقدمة. فهو شاهد لاول دم اريق، ومواكب، لاول الشهداء في الاسلام، ومثقل بمختلف انواع التعذيب على، يد عتاة الشرك.
ورضوخه في النهاية لامرهؤلاء، باعلانه التخلي، عن الاسلام، لم يكن هربا من مصير الاب والام، ولكن لان مثل، عمار ما تحتاج اليه حينئذ الدعوة‏الطرية العود، ممن تعمر، قلوبهم بالايمان، ولا يمس قناعاتهم اي ريب.
وعمار في معاناته، يتجلى واحدا من رموزالمرحلة الكبار، وهو دائما على طريق، الشهادة، وان تاخر عن موكب ابويه الرائدين.
للفقراء والمراة دور ريادي في نصرة الدعوة، ولابد للمؤرخ هنا من ان يسجل ملاحظتين: الاولى تتعلق، باستجابة الفقراء للدعوة الاسلامية، وهو امر طبيعي، اذا، توقفناعند الخلل الذي اصاب معادلة (التكافل‏) في مكة، وادى، الى توسيع الثغرة بين شريحتين في المجتمع: اقلية، فاحشة‏الثراء، واكثرية معظمها من موالي قريش، او البطون، الصغيرة من الاخيرة، وقد تدهورت اوضاعها، الاقتصادية ‏والاجتماعية، الامر الذي شجعها على الانخراط في، الدعوة، حيث وجدت القناعة الدينية موقعا يضمن لها، العدالة‏والمساواة.
والملاحظة الثانية لها علاقة بحجم الدور الذي اتخذته المراة، في ذلك الشوط من المسيرة.
فهي اول المؤمنين، بالاسلام(خديجة)، واول شهدائه (سمية)، وهي حاضرة بين، الرواد (فاطمة بنت الخطاب)، كذلك هي مناضلة في، مقدمة‏الصفوف، ونالها من التعذيب والاضطهاد، ما نال كبار، المجاهدين من الرجال.
وقد ذكر ابن الاثير عددا من هؤلاء، النساء، ومنهن من فقدت البصر(14) لارغامهن على الرجوع، عن الاسلام، وهن في الغالب جاريات لبني عبد الدار، وعدي ‏وزهرة من بطون قريش(15) اي من الشريحة التي، ينتمي اليها عمار بن ياسر ورفاقه.
هذه التي اسست لقاعدة، الاسلام‏وعبرت عن وعي مبكر بالتاريخ، وبحتمية انتصار، التوحيد على الشرك، وانهيار الفكر الوثني امام قيم الدين، الجديدومشروعه الانساني المتكامل.
ريادة تقصيها الرؤية المنحازة، في ظل هذا الواقع التصارعي نشا عمار، وساقته قدماه الى، حيث يجتمع الرسول سرا باصحابه وكانه يبحث عن ذاته، التي ‏وجدها في الاسلام، فيذهب فيها بعيدا، ويتجذر بعمق،، وبالتالي يصبح لشدة التصاقه بصاحب الدعوة، الحاضر دائمافي، المسار الخطر للاخيرة، وفي تحدياتها لقوى الشرك، يتجلى، ذلك في مؤشرين مهمين:
1ـ ان آية قرآنية نزلت فيه، بناء على رواية ابن سعد عن وكيع، بن الجراح(16) عندما اشتدت وطاة التعذيب عليه، كما سلف القول.
2ـ ان اول مسجد في الاسلام، واستنادا الى رواية عن قبيصة، بن عقبة، اقامه عمار بن ياسر في داره، وكان يصلي، سرافيه(17).
وهكذا فان عمارا الذي اعتنق الاسلام وكان، قد تقدم في الكهولة، طوى صفحة الماضي وتطهرت نفسه، من‏رواسب الوثنية، لينخرط في الدعوة وكانه لم يعبر تلك، المسافة البعيدة عنها.
من هذا المنظور يكتسب دوره، تلك‏الاهمية، على مستوى الريادة والتضحية والمعاناة، مما لا، نجد مثيلا لذلك لدى النخب باستثناء قلة قليلة، الذين‏اقترنت اسماؤهم بتوصيفات شبه قدسية، او احيطت هذه، بهالة تفوق ما قدمته من تضحيات في سبيل الاسلام. لعل‏الرؤية، التاريخية المنحازة اصلا، تدخلت لمصلحة هؤلاء النخب، المنتمين الى قريش، القبيلة التي كان لها امتيازها لدى‏علماء، الانساب. فتراجع نتيجة لذلك حضور مناضلين كبار، وبعضهم، تتوجت مسيرته بالشهادة، ليس في المواقع‏السياسية فحسب، ولكن ايضا في المصنفات التاريخية، المشدودة الى مراكز، النفوذ.
والمؤرخ، بشكل عام، وان اخذته التفاصيل، تظل تبهره، المنجزات، ولا تكاد تتعدى انظاره الصفوف الاولى من، مواكب‏النصر، فيما صانعو الاخير حقيقة، وهم يؤثرون، بطبيعتهم الابتعاد عن الضجيج، تسقط اسماؤهم من اللوائح، او، تقبع في‏الهوامش من اوراقها.، وعمار لا يهتم لمثل ذلك، وهو يعرف ايضا ان موقعه، بوصفه، حليفا لعشيرة ثانوية في قريش، لا يتيح له التقدم فوق‏المراحل.، فما طمح حينذاك اليه، هو ان تنتصر الدعوة التي وجد فيها ما، افتقده في المجتمع المكي الوثني، وهو ماينفك بالتالي يخوض، معركتها بكل ما يملكه من ارادة وصبر وايمان. كان الى جانب، الرسول دائما، ولم يفترق عنه الا في‏الهجرة الثانية الى، الحبشة(18).

ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
7 - المصدر نفسه، ج‏3، ص 247 248.
8 - تاريخ اليعقوبي، ج‏2، ص 20 21.
9 - الكامل في التاريخ، ج‏2، ص 60.
10 - الطبقات، ج‏3، ص 248.
11 - المصدر نفسه، ج‏3، ص 248، ابن الاثير، الكامل، ج‏2، ص ، 68.
12 - (ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا ، وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم) سورة النحل، الاية: 110.
13 - الكامل، ج‏2، ص 67.
14 - زنيرة، وكانت جارية لبني عدي، ابن الاثير، الكامل، ج‏2، ، ص 69.
15 - المصدر نفسه، ج‏2، ص 69 70. ، 144 - الطبقات، ج‏3، ص 250.
16 - المصدر نفسه. ، 146 - المصدر نفسه، ج‏3، ص 250.
17 - بيعة العقبة الثانية، 622 م.
18 - ابن سعد، الطبقات، ج‏3، ص 250.


توقيع : بشار الربيعي



يقول الله عز وجل
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين


نسألكم الدعاء
بشار الربيعي

رد مع اقتباس