عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/11/28, 11:27 PM   #7
بشار الربيعي

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 535
تاريخ التسجيل: 2012/10/18
المشاركات: 1,009
بشار الربيعي غير متواجد حالياً
المستوى : بشار الربيعي is on a distinguished road




عرض البوم صور بشار الربيعي
افتراضي

خارج السلطة

موقع عمار في الصيغة الجديدة للسلطة، تراجع عمار الى حيث موقعه الطبيعي، مناضلا يحسن استخدام، دوره خارج السلطة اكثر من داخلها. ولكن التجربة، ظلت‏مرارتها في نفسه، ولم يخف ذلك في حواره مع الخليفة، في اعقاب عزله(58) فانزوى آنذاك في داره، (عائذا باللّه من ‏فتنة‏)، كما ورد في (الطبقات‏) لابن سعد الذي يضيف في، هذا السياق: (كان عمار بن ياسر من اطول الناس سكوتا، واقله(اقلهم) كلاما(59).
ولما توفي عبداللّه بن مسعود،، ظهر لاول مرة من عزلته، وكان هذا الصحابي قد انزوى بدوره، اثرخلاف شديد مع الخليفة عثمان، وترك وصية جاء فيها ان، (يصلي عليه عمار بن ياسر) حسب الرواية في، انساب‏البلاذري(60).
ولكن عمارا في سكوته، يبقى حاضرا، ولا يعدم تمردا على، صمته، عندما يحتاج الموقف الى كلمة صادقة جريئة..حدث، ذلك، لاول مرة على الاقل، في عهد عثمان الذي واجهت، النخب امثال عمار في عهده اعظم تحدياتها، ونالهامنه، الاضطهاد والنفي، وصولا الى العقاب الجسدي، من ابن، مسعود، الى ابي ذر الى عمار.
هؤلاء وغيرهم، حلت نقمة‏العهد، بهم، لانهم رفضوا الانصياع للانحراف، يمارسه اعوان الخليفة، الذي اصبح في النهاية تحت وصايتهم، ولم يعدقادرا على اتخاذ، قرار بمعزل عنهم.
ويروي البلاذري، في هذا المجال، (ان المقداد وعمار بن ياسر وطلحة والزبير في‏عدة اصحاب رسول، اللّه (ص) كتبوا كتابا عددوا فيه احداث عثمان وخوفوه ربه، واعلموه انهم مواثبوه ان لم يقلع‏) (61).
وكان عمار حسب، الرواية عينها قد انتدبه اصحابه لتلاوة الكتاب (التحذيري‏)، فما كاد يبدا حتى (غشي عليه‏)، لكثرة ماتلقى من ضرب وركل،، وذلك لانه اجترا بالنقد على الخليفة، خصوصا وان المتفوه به، من خارج (الطبقة‏) المسموح لهابمثل هذا النقد، او على الاقل، بهذه الوتيرة منه.
ومرة اخرى تواجه النخب في هذا العهد، الذي يتصل ببعض مفاهيمه‏بالسلطة التي تصدت للاسلام في، مكة ما واجهته في الاخيرة من نظرة فوقية وعدم اعتراف، بحقوقها السياسية، في‏السلطة او في المعارضة.، على ان الخليفة عثمان، وهو الذي ترك (طبقته‏) طوعا في، الظروف الصعبة ليلتحق بالاسلام في بداياته، لم يكن في‏العمق، من قرارة نفسه مقتنعا بهذا النهج الذي دفع الى السير فيه.
هذا، على الاقل ما تشير اليه بعض الروايات، واصفة مايختلج في، نفس الخليفة من شعور بالاسف لما الحقه بصحابة الرسول.
نجد ذلك في محاولته الاعتذار من عبداللّه بن ‏مسعود، وفي، سعيه لاسترضاء عمار وتكليفه بمهمة صعبة، وهي (الشخوص، الى مصر)(62) لتطويق الازمة التي فجرهامحمد بن ابي، حذيفة، بتزعمه تيار المعارضة فيها. وكان قد اتهم الخليفة بانه، (يخادعه على دينه‏) حين بعث اليه بمبلغ‏ كبير من المال،، للعمل على ايقاف الطعن عليه في هذا الاقليم(63).
ولا يجد المؤرخ صعوبة في تعليل الاسباب التي حدت بالخليفة، الى الاستعانة بعمار في مثل هذه المهمة. فهو قريب‏الى التيار، المعارض في مصر، ان لم يكن في صميمه، وبالتالي فهو يملك،، من هذا المنظور، مقومات التحاور مع ابن ابي‏حذيفة واصحابه.
ومن جانب عمار كان الامر مختلفا، فهو لن يستطيع اتخاذ، موقف حيادي، بين نهج يعبر عن افكاره، وبين نهج تمادى في، الانحراف بقيادة الوالي المتغطرس عبداللّه بن سعد بن ابي، سرح. وثمة من ربط هذه المهمة بتفشي ‏تيار (السبئية‏) في، الاقاليم، خصوصا في مصر، ما اضطر الخليفة الى الاستعانة بعمار لمعالجة ازمتها، فيما استعان‏بخرين، من خارج السلطة، ايضا وهم: محمد بن مسلمة (الكوفة)، واسامة بن زيد (البصرة)،، وعبداللّه بن عمر (الشام)(64)، اسطورة ابن سبا، هذه الرواية المقتبسة عن الاخباري سيف بن عمر، وهو، المتفرد بذكرها، يحيط بها لبس يصل الى حد الغموض،، بشان‏الدور الذي قام به عبداللّه بن سبا، وما قيل عن استدراج، بعض الصحابة الى حركته، ومنهم عمار بن ياسر وآخرون،، ممن‏اصبحوا بعد ذلك من كبار معاوني علي بن ابي طالب ابان، توليه الخلافة.
هذا الدور يشكل في الحقيقة عنصر اللبس، في‏الحركة التي هي في تكوينها وظروف نشاتها، غير مؤهلة، لاستقطاب شخصيات على هذا المستوى، النخبوي ‏والقيادي(65) ولعل تهمة السبئية لعمار، انما، لفقت بسبب تاخره في مصر، حيث اقام كما يروي البلاذري، (يحرض‏الناس على عثمان، ودعاهم الى خلعه واشعلها عليه،، وقوى راي ابن ابي حذيفة وابن ابي بكر وشجعهما على، المسيرالى المدينة)(66).
ولا يستبعد ان يكون والي مصر، (ابن سعد) وراء هذه التهمة، عندما كتب حينذاك الى، (رؤسائه‏)، يعلمهم ان (عمارا قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا، اليه، منهم عبداللّه بن السوداء (ابن سبا)، وخالد بن ملجم وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر)، من رواية في تاريخ، الطبري(67).
ومما يلفت الانتباه ان هؤلاء الذين اتى على ذكرهم ابن سعد، سيتهمون او بعضهم بعد ذلك بقتل عثمان، من دون ان‏يجد المؤرخ ما يسوغ زج ابن سبا في الحركة المناوئة، للخليفة في مصر، والتي كان وراءها ابن ابي حذيفة ومحمد بن ابي ‏بكر، وهي حركة وجدت مثيلا لها، ومن قبل هذا الوقت، في، (انتفاضة‏) الكوفة بقيادة الاشتر النخعي وكميل بن زياد وآخرين(68) ممن كان لهم بعيد ذلك دور في حركة، الامصار ضد الخلافة، ويبقى ان نتساءل عما اذا كان ابن، سبا، يتحرك بمثل هذه السرعة في كافة الولايات؟ واذا كان حقا، قد التقاه عمار في مصر؟ هذا اذا سلمنا بوجود هذه، الشخصية‏التي شكك فيهااو رفضها عدد من كبار الباحثين منذ ثلاثينات هذا القرن.
ان نقمة، باجماع الروايات، بدات تجتاح الامصار في السنوات، الاخيرة من عهد عثمان، وكانت الفسطاط اكثرها، سخطا، واستعدادا للقيام بحركة ما ضد نهج الخليفة.
ولقد انبهر، عمار، الثوري النزعة، بهذه الحركة في مصر، خصوصا، الحماسة‏الطاغية على سلوك قادتها الشبان، والذين يكنون، بدورهم تقديرا للصحابي الكبير.
وفي ضوء ذلك، كان عمار على، اتم‏الانسجام مع ذاته، عندما حرض هؤلاء (المتمردين‏) وفقا لمروية البلاذري السالفة على الخليفة، بدل المحاورة، معهم‏للعودة الى طاعته. بالاضافة الى ذلك، وجد الصحابي من، بين اسباب النقمة لدى القوم على الخلافة، سوء تصرفها، معه، وهو ما عبر عنه موقف (المصريين‏)، بعيد ذلك في المدينة، اذ قال وفدهم لعثمان ردا على التساؤل عن اسباب، نقمتهم ‏عليه: (اول ذلك ضربك عمارا(69) الامر الذي، حاول الخليفة التنصل منه، بالقاء مسؤوليته على، مساعديه(70).
لم يكن لعمار بن ياسر اذا دور سوى ذلك ابان خلافة، عثمان، شان الاخرين من كبار الصحابة الذين فقدتهم ادارته، بع دشحنها بالاقارب والمقربين، مما اسقط عليها صبغة، ان لم، تكن قبلية في المطلق، فقد مهد هذا العهد من، دون ‏شك ‏لطغيانها بعد وقت غير بعيد.
واذا كان الخليفة قد، حاول بداية تطعيم ادارته بوجوه صحابية قليلة، متاثرا، ربمابالعلاقة الشخصية، مثل ابن مسعود (صاحب بيت المال في الكوفة)، وابن ابي الارقم (صاحب بيت المال في المدينة)، فان، التصادم سرعان ما ظهر بينها وبين الخلافة، بعد اصرار هذه، على فرض سياستها التي تصدى لها بجراة كلاالصحابيين، فنالهما بسبب ذلك عقاب لم يكن اقله العزل(71).
عوامل النقمة على نهج السلطة، كان ذلك من عوامل النقمة على سياسة عثمان، الذي اخذت، الازمة المحيطة به تتفاقم وتشتد عزلته يوما بعد آخر، عن‏جمهور المسلمين.
فقد توحدت الاسباب، ما بين النخب، المعترضة على نهج اخذ في التعرج، بما يتواءم ومصالح، الفئة‏الحاكمة، وبين اهل الامصار، ممن شكلوا مادة الفتوح، الاساسية، قادة وجنودا، والذين اخذ يستبد بهم القلق، على‏مصيرهم في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ العرب، المسلمين.
والواقع ان الامصار انطوت حينذاك على غليان شديد، من دون، ان تكون المدينة بعيدة عما يجري من حولها، على‏الرغم من، محاولة اركان السلطة التقليل من الخطر، وبالتالي تمويه صورة، الواقع لدى عثمان.
اما الصحابة، لا سيما النخبة، فقد عانوا قلقا، عظيما ازاء تلك التطورات وتعبيراتها، وحاولوا بكل ثقلهم، المعنوي، منع هبوب الرياح المتجهة صوب‏عاصمة الاسلام.
، ولكن الازمة، وقد اخذت في الاقتراب، قبل ان تتحول المدينة، الى ساحة ثورة حقيقية، افقدت‏الصحابة تماسكهم، فاعتزل، بعضهم، وتثاقل آخر، وثالث اغرته الازمة، فغرق في تفاصيلها، طمعا بدور او مارب وسط‏تلك الاحداث العاصفة(72).
وكان، علي بن ابي طالب الذي طالما توحدت مواقف المهاجرين، (قريش)، او غالبيتهم، لابعاده عن الخلافة، لا يعنى في صخب، الازمة سوى بانقاذ الخلافة من السقوط، فيما عثمان وهو الرمز، يجب انقاذه ايضا، لتفادى الفتنة المهددة لوحدة الاسلام. من، هذا المنظور، لم يشكل اسقاطه اية مصلحة للثائرين من، الامصار، بقدرما يخدم المتربصين من حوله، والذين بدوا، بصورة او باخرى يدفعون بالازمة نحو منعطفها، الخطير(73).
، كانت تلك هواجس علي عندما تصدى للازمة، محاولا ما، استطاع الوصول الى تسوية تنقذ الخلافة عمليا وليس، الخليفة الذي تورط في اخطاء من حملهم على (رقاب المسلمين‏)، كما تقول الرواية التاريخية المعروفة.
وقد عانى، في سبيل ‏ذلك ما عاناه، من تقلب عثمان، وتردده، وجفائه، وصولا الى رفض التدخل في شؤونه، ولعل هذه المعاناة التي، جمعت ‏سابقا بين علي والانصار في جبهة واحدة، هي نفسها، التي جمعت بين الاول وقادة الثائرين من الامصار، وقبل ذلك، بينه ‏وبين تلك النخبة التي رفضت السكوت على الانحراف، وهيمنة الاقلية واستئثار ذوي القربى بالاموال والمناصب، من‏امثال ابي ذر وابن مسعود والمقداد، وليس اخيرا عمار، احد، كبار الصامدين على جبهة المعاناة، والذي نستطيع في، ضوء ذلك تفسير انحيازه المطلق الى علي، وانخراطه بالمطلق، في تياره، ومن ثم الاستشهاد مقاتلا في صفوفه.
وهكذا فان المدافعين الحقيقيين عن عثمان، كانوا بحكم، موقعهم السياسي الاصلاحي من معارضيه، فيما كان، يحرض‏عليه، ضمنا او جهرا، من اصابتهم خيرات عهده، من السلطة، الى الاموال، الى الضياع.. والذين نفذوا القتل في النهاية، كانوا يبحثون عن الغنائم، و(بيت المال‏)(74) كان، من ابرز حوافزهم الى تنفيذ عملية لم تكن بالضرورة من، تخطيطهم.
والقتلة معروفون (سودان بن حمران والغافقي بن، حرب وكنانة بن بشر النجيبي)(75) واسماؤهم مثبتة في، الروايات، ولكن ثمة من حاول الزج بمحمد بن ابي بكر بين، هؤلاء، وذلك لتوريط علي في هذه العملية، كما سيحدث بعد، ذلك‏ من جانب معاوية الطامح الى وراثة عثمان من خلال، علاقة الدم، مستغلا (القميص‏) الملوث به، ليصنع منه عباءة على‏ قياسه.
موقع عمار ابان احداث المدينة الخطيرة، ولو تساءلنا عن مكان عمار في تلك الاحداث الخطيرة، فلن، نتردد في الاجابة بانه كان من الناقمين على عثمان ‏والرافضين، لنهج حكمه، ولكنه لن يكون موضع شبهة بصدد اغتياله، وربما، كان بعيدا عن مسرح العملية.. هذا ما تؤكده‏ الروايات التاريخية، لا سيما الرواية المنسوبة للواقدي، بان عمارا كان في عداد، مجموعة من اهل مصر، فارتاب بهم‏عثمان وشكا مخاوفه لعلي، الذي اقنعهم بالعودة الى قطرهم(76) كما يبدو مستاء ممن، حرضوا على الخليفة من ‏الصحابة، واظهروا حزنا عليه بعد، مقتله(77) اولئك الذين كانوا اول من بايعوا عليا، ثم، (اعتزلوا) و(نكثوا) بعيد ذلك.
ولكن عمارا في رواية للمدائني، لن ينجو من تهمة الضلوع في الاغتيال، وهي تهمة اسقطت، على جميع اصحاب علي، وفي طليعتهم محمد بن ابي بكر كما سلفت الاشارة.
وقد جاء في الرواية ان (نائلة بنت الفرافصة امراة عثمان، (ارسلت) كتابا الى معاوية تخبره فيه بامر عثمان ومقتله، وتعلمه ان اهل مصر اسندوا امرهم الى علي بن ابي طالب وابن، ابي بكر وعمار بن ياسر فامروهم بقتله..)(78).
بين كبار مساعدي الخليفة الجديد، وفي سياق المقارنة بين رواية الواقدي ورواية المدائني التي بدا، من خلالها ارتباك نائلة عندما جوبهت بصدد تهمتها لمحمد بن ابي بكر، ثم تراجعها عن ذلك(79) لتبين ان مسؤولية، الاغتيال القيت او جرى القاؤها على (اهل مصر)، لتصيب في النهاية المقربين من علي، وهي تهمة سياسية في مطلق، الاحوال.
ولكن ما يعنينا من رواية المدائني ان عمارايرد اسمه، بين كبار مساعدي الخليفة الجديد، الذي عمل بداية على، تشكيل ادارة نخبوية، معظم عناصرها من الانصار وممن (تحزبوا) له منذ البداية من (اهل السابقة‏) في الاسلام.
وسيكون واضحا ان قريشا باستثناء محمد بن ابي بكر وقلة قليلة جدا، ستناصبه العداء، وستحاربه بكل امكاناتها لاسقاطه، الامر الذي، ترك في نفسه مرارة تلحظ في ثنايا كتابه‏الشهير (نهج البلاغة‏).

ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
58 - المكان نفسه.
59 - انساب الاشراف، ج‏4، ص 525 و526.
60 - المصدر نفسه، ج‏4، ص 538. ،
61 - المصدر نفسه، ج‏4، ص 541.
62 - المكان نفسه.
63 - الطبري، ج‏4، ص 341.
64 - للتعرف الى حركة ابن سبا، انظر كتابنا: عبداللّه بن سبا، ، اشكالية النص والدور...، (1997).
65 - انساب، ج‏4، ص 54.
66 - الطبري، ج‏4، ص 341.
67 - المصدر نفسه، ج‏4، ص 308.
68 - البلاذري، انساب، ج‏4، ص 541.
69 - المكان نفسه.
70 - المصدر نفسه، ج‏5، ص 30 وما بعدها.
71 - انظر كتابنا: الحجاز والدولة الاسلامية، ص 188 وما ، بعدها.
72 - ابن الاثير، الكامل ج‏3، ص 183.
73 - ابن الاثير، الكامل، ج‏3، ص 179.
74 - المصدر نفسه، ج‏3، ص 178 179.
75 - انساب الاشراف، ج‏4، ص 551.
76 - المصدر نفسه، ج‏4، ص 560.
77 - المصدر نفسه، ج‏4، ص 592.
78 - المصدر نفسه، ج‏4، ص 560.
79 - ابن الاثير، ج‏3، ص 228، 260.


توقيع : بشار الربيعي



يقول الله عز وجل
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين


نسألكم الدعاء
بشار الربيعي

رد مع اقتباس