عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/11/29, 06:43 PM   #30
بشار الربيعي

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 535
تاريخ التسجيل: 2012/10/18
المشاركات: 1,009
بشار الربيعي غير متواجد حالياً
المستوى : بشار الربيعي is on a distinguished road




عرض البوم صور بشار الربيعي
افتراضي




( الدكتور / محمد التيجاني السماوي )

البطاقة الشخصية
مقدمة : إعتمد الدكتور التيجاني على العقل السليم والفهم القويم ، ثمّ شدّ الرحال في دنيا المعتقدات وفي خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية ، من أجل تمحيص الحق ومعرفته بين ركام الباطل ، فوزن الأقوال بميزان العدل ليرجح كفة المعقول ، وقارن الكلام والأحاديث ليتبين له المنطقي من اللاّمعقول والقوي من المهزول ، وبذل أقصى جهده لمعرفة الحق ، فتلقته الألطاف الإلهية وشملته التسديدات الربانية ، فأنارت قلبه ليرى الحق حقاًً لا غبار عليه وليرى الباطل باطلاً لا لبس فيه ، ثم شرح الباري صدره وهداه سواء السبيل ، ثم وفّقه ليكون سبباًًً في هداية جمع غفير ، قرؤوا كتبه وإستمعوا إلى محاضراته فزالت عن بصيرتهم الحجب الداكنة وعرفوا السبيل إلى الطريق الآمنة.

مولده ونشأته : ولد الدكتور التيجاني السماوي عام 1943م بمدينة قفصة الواقعة في جنوب دولة تونس ، درس العلوم الدينية والعلوم الحديثة في بلاده ، وأنهى دراسته في جامعة الزيتونة العريقة في القدم ، عمل في سلك التدريس 17 عاماًً ، حصل على شهادة الماجستير من جامعة باريس وكانت إطروحته التي قدّمها حول المقارنة بين الأديان ، ثم حاز على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون وذلك بعد قبول إطروحته التي قدمها لهذه الجامعة تحت عنوان : النظريات الفلسفية في نهج البلاغة ، نشأ وترعرع في أوساط عائلة متدينة منتمية إلى المذهب المالكي ومتشربة بالطريقه الصوفية التيجانية المنتشرة في شمال أفريقيا ، إنتهز الأجواء الدينية المحيطة له لينال أسمى درجات التكامل العلمي والمعرفي والديني في أقصر مدة ممكنة ، فحفظ نصف القرآن وهو بعد لم يبلغ العاشرة من عمره ، وقد تشرف بحج بيت الله الحراأوله من العمر ثمانية عشر عاماًً.

بداية إثارة التساؤلات حول العقيدة الموروثة : التقى الدكتور التيجاني خلال إقامته في مكة أثناء أداء فريضة الحج بمجموعة من العلماء الوهابيين وإستمع إلى محاضراتهم فإنجذب إلى جملة من أفكارهم وتأثر ببعض مبادئهم التي نالت إعجابه ، لكنه بعد العودة إلى بلده وجد أن ما حمل معه من الفكر الوهابي يتناقض ويصطدم مع الطقوس الصوفية ، فإعترته حالة من التشويش الفكري ونشأ في نفسه صراعاً سلب منه حالة الإعتدال والتوازن ، فبقي متحيراً بين الأخذ بعقيدة تعتبر التوسل بغير الله شرك وبين الطريقة الصوفية التي فيها يتم التقرب إلى الله عن طريق التوسل بالأولياء الصالحين ، وكان دأب الدكتور التيجاني هو كثرة السفر لا سيما خلال العطل الصيفية ، فصادف ذات يوم خلال سفره من الإسكندرية إلى بيروت أن تعرف في الباخرة على شخص عراقي وهو أستاذ في جامعة بغداد إسمه منعم وقد جاء إلى القاهرة لتقديم إطروحة الدكتوراه في الأزهر ، فدار بينهما حديث طويل أدى إلى توثيق العلاقة بينهما ، وتحدث معه الأستاذ منعم بكلام نزل على قلب الأستاذ التيجاني نزول الماء الزلال على قلب العطشان فتحوّل إلى باحث طالب للحق ، ثمّ دعاه الأستاذ منعم لزيارة العراق للإتصال بعلماء الشيعة ، وتعهّد له بتكفل جميع نفقات سفره ذهاباً وإياباً ، وذكر له أن إقامته بالعراق ستكون معه في بيته ، ففرح الدكتور التيجاني بهذا العرض وجعل في قرارة نفسه أن يلبّي دعوة الأستاذ في أول فرصة ممكنة.

سفر الدكتور التيجاني إلى العراق : وبالفعل تحققت أمنية التيجاني لرؤية عاصمة الدولة العباسية ، فسافر إلى العراق ونزل ضيفاً عند الأستاذ منعم ثم التقى هناك بكبار علماء الشيعة في مدينة النجف الأشرف كالسيد الخوئي والشهيد الصدر والكثير من الأساتذة ، فإنكشف له خلال ذلك قلة مستوى المامه بالتاريخ الإسلامي ، وعرف أن سبب ذلك هو إن الأساتذة والمعلمين الذين تتلمذ على أيديهم كانوا يمنعونه من قراءة التاريخ مدّعين بأنه تاريخ أسود مظلم لا فائدة من قراءته ، كما تبيّن للدكتور التيجاني أن جميع الصور السلبية التي كان يعتقد بها عن الشيعة ليست إلاّّ إشاعات وإدعاءات باطلة وأنّ التشيّع يحمل فكراً منطقياً يدخل العقول بدون إستئذان ، ثمّ تحاور عدّة مرات مع صديقه الأستاذ منعم فيقول الدكتور التيجاني في وصفه لهذه الحوارات : " كان كلامه يطرق سمعي وينفد إلى قلبي ويجد في نفسي صدىً إيجابياً ".

وكان لكلام السيد الخوئي مع الدكتور حول التشيّع وقع خاص ، فيقول الدكتور في ذلك : " بقيت اُفكر في أقواله وأنا مطرق أحلل وأتذوق هذا الحديث المنطقي الذي نفذ إلى أعماقي وأزال غشاوة عن بصري " ، ويقول الدكتور التيجاني عن لقائه بالشهيد محمد باقر الصدر وأجوبته حول الإستفسارات التي كانت تدور في خاطره : " كانت أجوبة السيد محمد باقر الصدر واضحة ومقنعة ... وبقيت بين الشك والحيرة ، الشك الذي أدخله علماء الشيعة في عقلي ، لأنّ كلامهم معقول ومنطقي ".

الأنفتاح على كتب الشيعة : بعد رجوع الدكتور التيجاني إلى أرض الوطن فوجىء عند دخوله إلى المنزل بكثرة الكتب التي بعثها علماء وفضلاء الشيعة الذين أخذوا عنوانه ووعدوه بإرسال الكتب إليه ، ففرح بهذه الهدية الثمينة ونظم الكتب في مكتبته ثمّ بدأ بمطالعة الكتب المرسله له ، فقرأ كتاب ( عقائد الإمامية ) و ( أصل الشيعة واُصولها ) فإرتاح ضميره لتلك العقائد التي يرتئيها الشيعة ، ثمّ قرأ كتاب ( المراجعات ) للسيد شرف الدين الموسوي ، ولم يقرأ منه بضع صفحات حتى إستهواه هذا الكتاب وإنشد إليه إنشداداً لا يوصف حيث يقول الدكتور التيجاني ، عن إنطباعه في هذا المجال : " كان الكتاب بحق يمثّل دوري كباحث يفتش ، عن الحقيقة ويقبلها : أينما وجدت ، وعلى هذا كان الكتاب مفيداً جداًً وله فضل علي عميم " ، وكان من أهم المقاطع التي أدهشته في هذا الكتاب هي عدم إمتثال الصحابة لأوامر الرسول في عدّة مواقف والتي منها حادثة رزية يوم الخميس ، فيقول الدكتور : " لم أكن أتصور أن سيدنا عمر بن الخطاب يعترض على أمر رسول الله ويرميه بالهجر ، وظننت بادئ الأمر أن الرواية من كتب الشيعة ، وإزدادت دهشتي عندما رأيت العالم الشيعي ينقلها من صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وقلت : في نفسي : إن وجدت هذا في صحيح البخاري فسيكون لي رأي " ، فلمّا وقع كتاب البخاري بيده جعل يتصفحه باحثاً فيه ، عن رزية يوم الخميس متمنياً أن لا يعثر عليها ، فيقول : " ورغم أنفي وجدتها وقرأتها مرات عديدة فكانت كما نقلها السيد شرف الدين وحاولت تكذيب الحادثة برمتها وإستبعدت أن يقوم سيدنا عمر بذلك الدور الخطير ولكن إني لي تكذيب ما ورد في صحاحنا وهي صحاح أهل السنة والجماعة التي ألزمنا بها أنفسنا وشهدنا بصحتها ".

بداية التوجه إلى البحث الجاد : أدرك الدكتور التيجاني أنه بحاجة إلى دراسة معمقة وبحث جاد في رحاب العقيدة ليتمكّن من الوصول إلى الحقيقة ، كما أدرك أن الأمر هذا لا يتحقق إلاّّ بالإعتماد على الأحاديث الصحيحة والإبتعاد عن المؤثرات العاطفية والتعصّبات المذهبية والنزعات القومية أو الوطنية ، فخاض في هذا المضمار بروح بناءه وعقلية منفتحة محاولاً عدم التهرب من الحقيقة وعدم محاولة طمسها عندما لا تتماشى مع ميوله وأهوائه وأغراضه ، فواجه نصوصاً صريحة قلبت عنده الموازين ، ثمّ أدرك الحقالذي لا يصل إليه إلاّّ الذي يتحرر ، عن تعصّبه الأعمى وكبريائه وينصاع للدليل الواضح.

الشك والحيرة ثمّ الإستبصار : بقي الدكتور التيجاني متحيّراً لفترة تتجاذبه الأفكار وتموج به الظنون والأوهام ، خائفاًً من مواصلة البحث لا سيّما حول تاريخ الصحابة خشية أن يقف على بعض المفارقات المذهلة في سلوكهم ، فإستغفر اللهمرات عديدة ثمّ قرر عدم مواصلة البحث ، لكن دفعه حرصه على بلوغ الحقيقة إلى أن يقحم نفسه في البحث والتتبّع في مجال العقيدة ليكون على بصيرة من أمره ، وإستمر في بحثه مقتحماً جميع العقبات التي كانت تعتري سبيله حتى أشرقت له الحقيقة ، فأبدل أفكاراً متحجّرة متعصّبة تؤمن بالتناقضات بأفكار نيّرة متحررة ومنفتحة تؤمن بالدليل والحجّة والبرهان ، فيقول في هذا الجانب : " غسلت دماغي من أوساخ رانت عليها ـ طوال ثلاثين عاماًً ـ أضاليل بني أمية ، وطهّرته بعقيدة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ".

وصف حالة الإستبصار : يقول الدكتور التيجاني حول إستبصاره : " كان التحوّل بداية السعادة الروحية ، إذ أحسست براحة الضمير وإنشرح صدري للمذهب الحق الذي إكتشفته أو قل للإسلام الحقيقي الذي لاشكّ فيه ، وغمرتنى فرحة كبيرة وإعتزاز بما إنعم الله على من هداية ورشاد ، ولم يسعني السكوت والتكتم على ما يختلج في صدري ، وقلت في نفسي : لابد لي من إفشاء هذه الحقيقة على الناس ( وأما بنعمة ربك فحدّث ) وهي من أكبر النعم أوهي النعمة الكبرى في الدنيا وفي الآخرة " ، ويضيف قائلاً : " والذي زاد شعوري يقيناًًً لنشر هذه الحقيقة هو براءة أهل السنة والجماعة الذين يحبّون رسول الله وأهل بيته ويكفي أن يزول الغشاء الذي نسجه التاريخ حتّى يتّبعون الحقّ ".

مؤلفاته :

1 - ثم إهتديت : طبع عشرات الطبعات في بريطانيا ولبنان وايران و ... ، وسيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية بتحقيق جديد وتعليقات وردّ على الشبهات التي أثيرت حوله مع إضافات للمؤلّف ، وذلك ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين ، ذكر المؤلف في تعريفه لهذا الكتاب : " هو قصة رحلة ، قصة إكتشاف جديد ، ليس إكتشافاً في عالم الإختراعات التقنية أو الطبيعية ، ولكن في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية " ، وبيّن المؤلف في بداية الكتاب لمحة وجيزة عن حياته ، ثم ذكر كيفية إستبصاره ، والتقائه بعلماء الشيعة ، وقد طرح جملة من المواضيع على طاولة البحث منها : الصحابة عند السنة والشيعة ، رأي القرآن في الصحابة ، رأي الرسول في الصحابة ، رأي الصحابة بعضهم ببعض الأحاديث الصحيحة في وجوب أتباع أهل البيت (ع).

مصيبتنا في الإجتهاد مقابل النص : وقد كان هذا الكتاب سبباًًً في إستبصار الكثير من الناس وإعتناقهم لمذهب أهل البيت (ع) فلهذا ترجم هذا الكتاب إلى العديد من اللغات منها :

(1) - الأردو : ترجمه روشن علي صاحب نجفي ، وصدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(2) - الإنجليزية : صدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(3) - الفرنسية : صدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(4) - التركية : ترجمة حسن يلدرم ، وصدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(5) - الفارسية : ترجمة السيد محمد جواد المهري ، وصدر عن مؤسسة المعارف الإسلامية ، وطبعت الترجمة حتى سنة 1997م (20) طبعة.
(6) - السواحلية : ترجمة موسى باه شعبان ما پيندا ، وصدر في تنزانيا سنة 1420هـ.

2 - لأكون مع الصادقين : طبع عدّة مرات ، وكانت طبعته الثانية عن المؤسسة الجامعية للدراسات الإسلامية سنة 1993م ، سيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية بتحقيق جديد وتعليقات وردّ على الشبهات التي أُثيرت حوله ، وذلك ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.
ذكر المؤلف في مقدمة هذا الكتاب : " لقي كتابي " ثم إهتديت " قبولاً حسناًًً لدى القراء الأعزاء الذين أيدوا بعض الملاحظات الهامة حول موضوعات متفرقة في الكتاب المذكور وطلبوا المزيد من التوضيح في المسائل التي إختلف في فهمها كثير من المسلمين سنة وشيعة ، ومن أجل رفع اللبس والغموض عن ذلك لمن أراد التحقيق والوقوف على جلية الأمر فقد ألفت هذا الكتاب بنفس الإسلوب الذي إتبعته هناك، ليسهل على الباحث المنصف الوصول إلى الحقيقة من أقرب سبلها ، كما وصلت إليها من خلال البحث والمقارنة " ، ويحتوي هذا الكتاب على أربعة فصول :

الفصل الأول : القرآن عند السنة والشيعة الإمامية.
الفصل الثاني : السنة النبوية عند السنة والشيعة الإمامية.
الفصل الثالث : العقائد عند الشيعة والسنة.
الفصل الرابع : العقائد التي يشنع بها أهل السنة على الشيعة.

ترجم هذا الكتاب إلى عدّة لغات منها :

(1) - الفارسية : ترجمة السيد محمد جواد المهري وصدر ، عن مؤسسة المعارف الإسلامية وصدر منه حتى 1996م ثماني طبعات.
(2) - الإنجليزية : ترجمة حسن نجفي وصدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(3) - الأردوية : ترجمة روشن علي صاحب، وصدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(4) - التركية : صدر عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.

3 - فإسئلوا أهل الذكر : طبع عدّة مرات ، وصدر في إيران ، عن مؤسسة أنصاريان ـ قم ، وسيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية بتحقيق جديد وتعليقات وردّ على الشبهات التي أُثيرت حوله ، وذلك ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين ، ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب : " أقدم كتابي هذا ( فإسئلوا أهل الذكر ) وهو جملة من الأسئلة مع الإجابة عليها من خلال مواقف وتعاليم أئمة أهل البيت (ع)عسى أن يستفيد منها المسلمون في كل البلاد الإسلامية ، ويعملوا على تقريب وجهات النظر للوحدة المنشودة ، وهذه الأسئلة أعددتها للمسلمين الباحثين خاصة منهم أهل السنة الذين يظنون أنهم هم وحدهم المتمسكون بالسنة النبوية الصحيحة ، بل ويشدّدون نكيرهم على غيرهم من المسلمين وينبزونهم بالألقاب " ، ويحتوي هذا الكتاب على ثمانية فصول تدور حول : ( الخالق جلّ جلاله ، الرسول (ص) ، أهل البيت (ع) الصحابة عامة ، الخلفاء الثلاثة أبوبكر وعمر وعثمان ، الخلافة ، الحديث الشريف حسبما جاء في صحاح أهل السنة ، الصحيحين ( البخاري ومسلم).

ترجم هذا الكتاب إلى عدّة لغات منها :
(1) - الإنجليزية : صدرت عن مؤسسة أنصاريان ـ قم.
(2) - الأردوية: صدرت عن مؤسسة أنصاريان ـ قم حتى سنة 1417هـ ، ثلاثة طبعات وترجمه نثار أحمد زين پورى.
(3) - التركية : صدرت عن مؤسسة أنصاريان ـ قم سنة 1998 وترجمه جواد إسلامي.
(4) - الفارسية : صدرت عن مؤسسة المعارف الإسلامية وحتى سنة 1375هـ ، طبع منها أربع طبعات.

4 - الشيعة هم أهل السنة : طبع عدّة مرات ، وصدر في إيران عن مؤسسة أنصاريان ـ قم ، وسيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية بتحقيق جديد وتعليقات وردّ على الشبهات التي أثيرت حوله ، وذلك ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين ، ذكر المؤلف في المقدمة : " هذا الكتاب الذي أضعه بين يدي المسلمين الباحثين ، والذي يدور في فلك الكتب الثلاثة السابقة عسى أن ينتفع بها بعض المثقفين والباحثين عن الحق ليعلموا أن الفرقة المستهدفة والتي تسمّى بـ " الشيعة الإمامية " هي الفرقة الناجية ، وإنهم ـ أي الشيعة ـ هم أهل السنة الحقيقية وأقصد بالسنة الحقيقة السنة المحمدية التي صدع بها نبيّ الإسلام بوحي من رب العالمين ".

وقد تطرق الدكتور التيجاني في هذا الكتاب إلى مواضيع عديدة منها :
ـ الشيعة وأهل السنة وأسباب الفرقة والخلاف.
ـ السنة النبوية بين الحقائق والأوهام.
ـ السر في إنتشار المذاهب السنّية.
ـ حديث الثقلين عند الشيعة والسنة.
ـ التقليد والمرجعية عند الشيعة والسنة.
ـ أئمة أهل السنة والجماعة وأقطابهم.
ـ الصحابة عند الشيعة وعند السنة.
ـ مع الدكتور الموسوي و" التصحيح ".

ترجم هذا الكتاب إلى عدة لغات منها:

(1) - الأردوية : صدرت عن مؤسسة أنصاريان سنة 1993 وترجمه نثار أحمد زين پورى.
(2) - الإنجليزية : صدر عن مؤسسة أنصاريان سنة 1995، وترجمه حسن محمد نجفي.
(3) - الفارسية : صدر عن مؤسسة المعارف الإسلامية وحتى سنة 1376 طبعت خمس مرات ، وترجمها عباس علي براتي.

5 - إتقوا الله : صدر عن دار المجتبى ، بيروت 1414هـ ـ 1993م ، وهو عبارة ، عن محاورة يدور معظمها في بحث الإمامة وأحقية الإمام عليّ (ع) ومن ثم أهل البيت (ع) وقد جاء في مقدمة الناشر : " هذه محاورة جرت بين الدكتور محمد التيجاني السماوي في تونس مع بعض علماء السنة ، وحرصاً منا على إيصال الفكر إلى كل من يهمه التفكير والتدقيق قمنا بعونه تعالى بتحقيقها وإثبات مصادرها بشكل مفصّل كي يزول أي التباس " ، ترجمه إلى اللغة الفارسية لطيف راشدي وصدر عن إنتشارات قدس ـ قم.

6 - أعرف الحق : صدر في طبعته الأولى سنة 1418هـ ـ 1997م عن دار المجتبى وصدر في طبعته الثانية سنة 1999م ـ 1420ه- عن مكتبة باب الحوائج ـ قم ، جاء في مقدمة الناشر : " هذا الكتاب ... هو حوار شيق ذا قيمة علمية بين الدكتور التيجاني وبعض الأخوة المتعطّشين للحق ، وقد قمنا بذكر المصادر الأساسية كي يسهل على الباحث الوصول إلى مبتغاه بأفضل الطرق ".

7 - كل الحلول عند آل الرسول : صدر سنة 1416هـ ـ 1995م عن دار المجتبى ـ بيروت ، يقول المؤلّف في المقدّمة : " كتاب ( كل الحلول عند آل الرسول ) الذي حاولت فيه جهدي تجنب القضايا الحساسة التي تثير حفيظة البعض وتستفزهم ، وبالتالي تحجبهم عن الحق فلا يصلون إليه فينتفي الغرض من هدايتهم ، وإن كنت أعتقد بأنّ الإسلوب الإستفزازي الذي يحرك النفوس الأبية والذي إعتمدته في الكتب السابقة قد أتى بنتائج مثمرة ومذهلة ، لكن لا مانع من توخي الإسلوب اللين المسالم الذي يقنع الكثير من الناس فتكون ثماره ألذ وأشهى.

ويتضمّن هذا الكتاب جملة من المواضيع منها : ( أهل البيت هم الإمتداد الطبيعي لرسالة جدّهم رسول الله ، هل يقبل الإسلام التطوّر؟ ، الشيعة في سطور ، الشيعة وأهل السنة يردّون على الوهابية ، الحلّ في مدرسة أهل البيت (ع ) ) ، ترجمه إلى اللغة الفارسية السيد محمد جواد المهري ، وصدر عن مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم سنة 1376هـ. ش.

8 - فسيروا في الأرض فإنظروا : صدر عن دار المحجة البيضاء ـ بيروت سنة 1420 هـ ، والكتاب عبارة عن شرح موجز ، عن رحلات ومذكرات الدكتور التيجاني طيلة ثلاثين عاماًً أمضاها في سبيل الدعوة إلى مذهب أهل البيت (ع) فى شتّى أنحاء العالم ، وقد قسّم المؤلف كتابه إلى قسمين : الأوّل : رحلاته في البلدان العربية ، الثاني : رحلاته في البلدان الإسلامية والغربية ، فكان له في معظم البلدان التي سافر إليها ذكريات عديدة ومحاضرات ألقاها هناك ، ودار بينه وبين علماء المذاهب الإسلامية حوارات ومناقشات ، فدوّن المؤلف منها في كتابه هذا ما يستحقالذكر ، مع مراعاة الإختصار.

وقفة مع كتابه : " ثم إهتديت " ، إن الأستاذ التيجاني السماوي مرَ بتجربة هداية فريدة من نوعها لها ظروفها الخاصة ، قد تجلت فيها القدرة الإلهية على هداية من تشاء من البشر ، فمن ركوب السفينة التي يلتقي فيها بأحد المهتدين والحوار معه ، وعبور البحر إلى حيث يُعطى تأشيرة الدخول بسرعة والتي لا يحصل عليها بسهولة عادة ، إلى الديار التي إحتضت أئمة الهدى واللقاء بالعلماء الذين يسيرون على طريقهم و ... و ... ، ومن ثم الهداية إلى صراط أهل البيت (ع) المستقيم ، والركوب في سفينة النجاة والإهتداء بمصابيح هدايتهم ، وإعلان التشيع لهم في ذكرى يوم الغدير ، ذلك اليوم الذي نصب فيه أولهم علناً ورسماً وإمام الجميع من قبل رسول الله (ص) ولياً للمسلمين ، ليهديهم إلى سبيل الرشاد والحق والرأفة والرحمة ، ولا يكرههم في الدين بالقوة والإجبار كما فعل ويفعل الآخرون من أئمة الكفر والضلال.

والهداية تكون من الله فهو الهادي والمضل لمن يشاء ، ولكن هذا لا يعني الجبر من الله فالله لا يهدي الكافرين والظالمين والفاسقين كما إنّه يهدي المجاهدين ومن يتبع رضوانه سبحانه وتعالى ، وهذا بعض ما عرفنا الله به وهو ليس كل ما في الأمر ، لأن الهداية من مختصات الله سبحانه وتعالى فنحن لا نعرف من قوانينها وحكمته فيها إلاّّ اليسير اليسير ، فلم يشأ الله سبحانه أن يهدي كل الناس ، كما إنّ الرسول (ص) : لا يهدي من أحب من الناس بل الهداية بيد الله وحده ، ومن طبيعة الهداية أنّها تحتاج إلى نفوس مستعدة وأرواح متشوقة ، وإلاّّ فإن الإنسان يستطيع أن يرفضها لو أتته فيعاند ويكابر كما فعل قوم ثمود الذين ، إستحبوا العمى على الهدى كما عبّر القرآن الكريم.

والهداية من الله سبحانه تكون على أيدي أئمة الحق الذين يهدون بأمره ، وهؤلاء ليسوا أشخاص عاديين بل إصطفتهم الإرادة الإلهية وطهّرتهم من الأرجاس فجعلتهم أئمة يستحقون الإتباع ، والهداية تكون إلى الصراط المستقيم ، وعلى المهتدي أن يسير على الطريق ولا ينحرف عنه يمنة ولا يسرة ، وعليه فالهداية ، ليست هي الفوز والفلاح الأبدي ، بل هي أول الطريق إلى الرشاد والتكامل الذي يوصل إلى الهدف المرجومن الفلاح والفوز العظيم إذا واصله الإنسان ، وهو طريق صعب مستصعب يوصف بأنه أحدّ من السيف وأرق من الشعرة ، والسائرون عليه قليلون غرباء في معظم الأحيان يواصلون الطريق ولا يهمهم بعد أن إهتدوا أن لا يهتدي الآخرون بظلم أنفسهم لأنفسهم ، وكم من أناس هم في الظاهر مع أهل النجاة وعند الإمتحان الإلهي تحق عليهم الضلالة فيرتدون على أعقابهم ، وكم من أناس هم من أهل الباطل يهديهم الله إلى الصراط المستقيم ولله في خلقه شؤون.

الشيعة وفهمهم لمسألة التقليد : يتحدّث الأستاذ التيجاني عن مشاهداته في النجف الأشرف ولقاءاته في زيارته الأولى لها مع العلماء والمثقفين والطلبة وهو لا يزال سنياً فيقول : " سألني أحدهم ـ أحد الطلبة الشباب في الحوزة العلمية ـ ما هو المذهب المتبع في تونس؟
قلت : المذهب المالكي ... ، قال : إلاّ تعرفون المذهب الجعفري؟ ، فقلت : خير إن شاء الله ، ما هذا الإسم الجديد؟ لا ، نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة وما عداها فليس من الإسلام في شيء ، وإبتسم قائلاً : عفواً ، إنّ المذهب الجعفري هو محض الإسلام ، ألم تعرف بأنّ الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق؟ ، وفي ذلك يقول أبو حنيفة : " لولا السنتان لهلك النعمان " ، سكتُّ ولم أبدِ جواباًً ، فقد إدخل عليّ إسماًً جديداًً ما سمعت به قبل ذلك اليوم ، ولكني حمدت الله أنه ـ أي إمامهم جعفر الصادق ـ لم يكن أستاذاً للإمام مالك ، وقلت : نحن مالكية ولسنا أحنافاً ، فقال : إنّ المذاهب الأربعة أخذوا عن بعضهم البعض ، فأحمد بن حنبل أخذ ، عن الشافعي والشافعي أخذ ، عن مالك وأخذ مالك ، عن أبي حنيفة وأبو حنيفة أخذ ، عن جعفر الصادق ، وعلى هذا فكلهم تلاميذ لجعفر بن محمد ، وهو أول من فتح جامعة إسلامية في مسجد جدّه رسول الله ، وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة الآف محدّث وفقيه " ، ثمّ أضاف : " كيف تقلّد ميّت بينك وبينه أربعة عشر قرناًً ، فإذا أردت أن تسإله إلاّن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك؟ ، فكرت قليلاً وقلت : وأنت جعفرك مات أيضاًًً منذ أربعة عشر قرناًً فمن تقلد؟ ، أجاب بسرعة : نحن نقلّد السيد الخوئي فهو إمامنا ، ولم أفهم أكان الخوئي أعلم أم جعفر الصادق ...

ثمّ يتحدث الأستاذ التيجاني ، عن لقائه بأحد المراجع الكبار فيقول : " رجعنا بصحبة السيد الذي أولاني من الرعاية والعناية وحسن الضيافة ما أنساني أهلي وعشيرتي ، وأحسست بأني لو بقيت معه شهراًًً واحداًًً لتشيعت لحسن أخلاقه وتواضعه وكرم معاملته ، فلم أنظر إليه إلاّّ وإبتسم في وجهي وإبتدرني بالكلام ، وسألني هل ينقصني شيء ، فكنت لا أغادره طيلة الأيام الأربعة إلاّّ للنّوم ، رغم كثرة زوّاره والعلماء الوافدين عليه من كل الأقطار ، فقد رأيت السعوديين هناك ولم أكن أتصور بأنّ في الحجاز شيعة ، وكذلك علماء من البحرين ومن قطر ومن الإمارات ومن لبنان وسوريا وإيران وأفغانستان ومن تركيا ومن إفريقيا السوداء ، وكان السيد يتكلم معهم ويقضي حوائجهم ولا يخرجون من عنده إلاّّ وهم فرحون مسرورون ، ولا يفوتني أن إذكر هنا قضية حضرتها وأعجبت في كيفية فصلها ، وأذكرها للتاريخ لما لها من أهميّة بالغة حتى يعرف المسلمون ماذا خسروا بتركهم حكم الله.

جاء إلى السيد أربعة رجال أظنّهم عراقيين عرفت ذلك من لهجتهم ، كان أحدهم ورث مسكناً من جدّه الذي توفي منذ سنوات وباع ذلك المسكن إلى شخص ثان كان هو الآخر حاضراًً ، وبعد سنة من تاريخ البيع جاء أخوان ، وأثبتاً أنهما وارثان شرعيان للميّت ، وجلس أربعتهم إمام السيد وأخرج كل واحد منهم أوراقه وما عنده من حجج وبعدما قرأ السيد كل أوراقهم وتحدّث معهم لبضع دقائق حكم بينهم بالعدل ، فاعطى الشاري حقه في التصرف بالمسكن وطلب من البائع أن يدفع للأخوين نصيبهما من الثمن المقبوض ، وقام الجميع يقبلون يده ، ويتعانقون ، ودهشت لهذا ولم أصدق وسألت ـ صاحبي العراقي ـ أبا شبّر ، هل إنتهت القضية؟ ، قال : ( خلاص كلّ أخذ حقّه ) ، سبحان الله! بهذه السهولة ، وبهذا الوقت الوجيز ، بضع دقائق كافية لحسم النزاع؟! إن مثل هذه القضية في بلادنا تستغرق عشر سنوات على أقل تقدير ويموت بعضهم ، ويواصل أولاده بعده تتبع القضية ويصرفون لرسوم المحكمة والمحامين ما يكلفهم في أغلب الأحيان ثمن المسكن نفسه ، ومن المحكمة الإبتدائية إلى محكمة الإستئناف ثم إلى التعقيب وفي النهاية يكون الجميع غير راضين بعدما يكونوا قد أنهكوا بالتعب والمصاريف والرشوة ، والعداوة والبغضاء بين عشائرهم وذويهم.

أجابني أبو شبّر : وعندنا أيضاًًً نفس الشيء أو أكثر فقلت : كيف؟ ، قال : إذا رفع الناس شكواهم إلى المحاكم الحكومية ، فيكون مثل ما حكيت أما إذا كانوا يقلّدون المرجع الديني ويلتزمون بالأحكام الإسلامية ، فلا يرفعون قضاياهم إلاّّ إليه فيفصلها في بضع دقائق كما رأيت ، ومن أحسن من الله حكماًً لقوم يعقلون؟ والسيد لم يأخذ منهم فلساً واحداًًً ، ولو ذهبوا إلى المحاكم الرسمية لتعرت رؤوسهم ، ضحكت لهذا التعبير الذي هو سار عندنا أيضاًًً وقلت : سبحان الله! أنا لا زلت مكذباً ما رأيت ، ولولا ما شاهدته بعينيّ ما كنت لاصدق أبداًً ، فقال أبو شبّر : لا تكذب يا أخي فهذه بسيطة بالنسبة إلى غيرها من القضايا التي هي أشدّ تعقيداًً وفيها دماء ومع ذلك يحكم فيها المراجع ويفصلونها في سويعات.

إنها حادثة حركت في نفسي شعور الرضا بأحكام الله سبحانه وتعالى ، وفهمت معنى قوله تعالى في كتابه المجيد : ومن لم يحكم بمآ أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بمآ أنزل اللّه فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بمآ أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون ...

كما حركت في نفسي شعور النقمة والثورة على هؤلاء الظلمة الذين يبدّلون أحكام الله العادلة بأحكام وضعية بشرية جائرة ، ولا يكفيهم كل ذلك بل ينتقدون بكل وقاحة وسخرية الأحكام الإلهية ، ويقولون : بأنها بربرية ووحشية لأنها تقيم الحدود فتقطع يد السارق ، وترجم الزاني ، وتقتل القاتل ، فمن أين يا ترى جاءتنا هذه النظريات الغريبة ، عنّا وعن تراثنا لاشك أنها من الغرب ومن أعداء الإسلام الذين يدركون أن تطبيق أحكام الله يعني القضاء عليهم نهائياً ، لأنهم سراق ، خونه ، زناة ، مجرمون وقتلة ، ولو طبقت أحكام الله عليهم لإسترحنا من هؤلاء جميعاًًًً " ، فلاحظ معي أخي القارىء أين كان الأستاذ التيجاني وإلى أين وصل ، وكل ذلك بفضل الهداية الإلهية التي جرت معه على يد العلماء العاملين المخلصين إتباع أئمة الهدى وبقية الله في أرضه الإمام المهدي (ع).

الشيعة وزيارة القبور : إن الباحث عن الحق لابدّ له من التأني في إصدار الأحكام حتى يسمع جوابات وأدلّة من يخالفه ، وهذا ما كان يفعله الدكتور التيجاني الطالب للحقّ ، فيذكر التيجاني الحوار الذي دار بينه وبين أحد مراجع الشيعة آن ذاك ، وكان في ضمن ما ذكره قوله : " قلت : إن علماء السعودية يقولون : أن التمسح بالقبور ودعوة الصالحين والتبرك بهم ، شرك بالله، فما هو رأيكم؟ ، أجاب السيد : إذا كان التمسح بالقبور ودعوة أصحابها بنيّة أنهم يضرون وينفعون فهذا شرك لاشكّ فيه ، وإنما المسلمون موحدون ويعلمون أنّ الله وحده هو الضار والنافع وإنما يدعون الأولياء والأئمة (ع) ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك ، والمسلمون سنة وشيعة متفقون على ذلك من زمن الرسول إلى هذا اليوم ، عدا الوهابية وهم علماء السعودية الذين ذكرت والذين خالفوا إجماع المسلمين بمذهبهم الجديد الذي ظهر في هذا القرن ، وقد فتنوا المسلمين بهذا الإعتقاد وكفّروهم وأباحوا دماءهم ، فهم يضربون الشيوخ من حجاج بيت الله الحرام لمجرد قول أحدهم : السلام عليك يا رسول الله ، ولا يتركون أحداًًً يتمسّح بضريحه الطاهر ، وقد كان لهم مع علمائنا مناظرات ، ولكنهم أصروا على العناد وإستكبروا إستكباراً.

فإن السيد شرف الدين من علماء الشيعة لمّا حجّ بيت الله الحرام في زمن عبدالعزيز آل سعود ، كان من جملة المدعوين لقصر الملك لتهنئته بعيد الأضحى كما جرت العادة هناك ولمّا وصل الدور إليه وصافح الملك قدّم إليه هدية وكانت مصحفاًً ملفوفاً في جلد ، فأخذه الملك وقبّله ووضعه على جبهته تعظيماًً له وتشريفاً ، فقال له السيد شرف الدين عندئذ : أيها الملك لماذا تقبل الجلد وتعظّمه وهو جلد ماعز؟ أجاب الملك : أنا قصدت القرآن الكريم الذي بداخله ولم أقصد تعظيم الجلد! فقال : السيد شرف الدين عند ذلك : أحسنت أيها الملك ، فكذلك نفعل عندما نقبّل شبّاك الحجرة النبوية أو بابها فنحن نعلم أنه حديد لا يضر ولا ينفع ، ولكننا نقصد ما وراء الحديد وما وراء الأخشاب نحن نقصد بذلك تعظيم رسول الله (ص) ، كما قصدت أنت القرآن بتقبيلك جلد الماعز الذي يغلّفه ، فكبّر الحاضرون إعجاباًً له ، وقالوا : صدقت ، وإضطر الملك الى السماح للحجاج أن يتبركوا بآثار الرسول حتى جاء الذي بعده فعاد إلى القرار الأول ـ فالقضية ليست خوفهم أن يشرك الناس بالله ، بقدر ما هي قضية سياسية قامت على مخالفة المسلمين وقتلهِم لتدعيم ملكهم وسلطتهم على المسلمين والتاريخ أكبر شاهد على ما فعلوا في أمّة محمد (ص) ".

الصحابة عند الشيعة : يقول الأستاذ التيجاني : " من أهم الأبحاث التي أعتبرها الحجر الأساسي في كل البحوث التي تقود إلى الحقيقة ، هو البحث في حياة الصّحابة وشؤونهم وما فعلوه وما إعتقدوه ، لأنهم عماد كل شيء ، وعنهم أخذنا ديننا وبهم نستضيء في الظلمات لمعرفة أحكام الله ، ولقد سبق لعلماء الإسلام ـ لقناعتهم بذلك ـ البحث عنهم وعن سيرتهم ، فألّفوا في ذلك كتباً عديدة أمثال : ( أسد الغابة في تمييز الصحابة ) ، و ( الإصابة في معرفة الصحابة ) ، و ( ميزان الإعتدال ) ، وغيرها من الكتب التي تناولت حياة الصحابة بالنّقد والتحليل ولكنّها من وجهة نظر أهل السنّة والجماعة ، وثمة إشكال يتلخص في أن العلماء الأوائل غالباًً ما كانوا يكتبون ويؤرخون بالنحو الذي يوافق آراء الحكام من الأمويين والعباسيين الذين عرفوا بعدائهم لأهل البيت النبويّ ، بل ولكل من يشايعهم ويتبع نهجهم ، ولهذا فليس من الأنصاف الإعتماد على أقوالهم دون أقوال غيرهم من علماء المسلمين الذين إضطهدتهم تلك الحكومات وشردتهم وقتلتهم لأنهم كانوا أتباع أهل البيت وكانوا مصدر تلك الثورات ضد السلطات الغاشمة والمنحرفة ، والمشكل الأساسي في كل ذلك هو الصحابة ، فهم الذين إختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام السّاعة وإختلافهم هذا هو الذي حرم الأمة الإسلامية من هذه الفضيلة ورماها في الضلالة حتى إنقسمت وتفرقت وتنازعت وفشلت وذهبت ريحها.

وهم الذين إختلفوا في الخلافة فتوزعوا بين حزب حاكم وحزب معارض وسبّب ذلك تخلّف الأمة وإنقسامها إلى شيعة علي وشيعة معاوية ، وهم الذين إختلفوا في تفسير كتاب الله وأحاديث رسوله فكانت المذاهب والفرق والملل والنحل ، ونشأت من ذلك المدارس الكلامية والفكرية المختلفة وبرزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سياسية محضة تتصل بطموحات الهيمنة على السلطة والحكم ... ، فالمسلمون لم ينقسموا ولم يختلفوا في شيء لولا الصحابة وكل خلاف نشأ وينشأ إنما يعود إلى إختلافهم في الصحابة ، فالربّ واحد والقرآن واحد والرسول واحد والقبلة واحدة وهم متّفقون على ذلك ، وبدأ الخلاف والإختلاف في الصحابة من اليوم الأول بعد وفاة الرسول (ص) في سقيفة بني ساعدة ، وإستمر إلى يوم الناس هذا وسيستمر إلى أن يشاء الله ، وقد إستنتجت من خلال الحديث مع علماء الشيعة أنّ الصحابة في نظرهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :

فالقسم الأول : وهم الصحابة الأخيار الذين عرفوا الله ورسوله حق المعرفة وبايعوه على الموت وصاحبوه بصدق في القول وبإخلاص في العمل ، ولم ينقلبوا بعده ، بل ثبتوا على العهد وقد إمتدحهم الله جلّ جلاله ، في كتابه العزيز في العديد من المواقع ، وقد أثنى عليهم رسول الله في العديد من المواقع أيضاًًً ، والشيعة يذكرونهم بإحترام وتقديس ويترضّون عليهم كما يذكرهم أهل السنّة باحترام وتقديس أيضاًًً.

والقسم الثاني : هم الصحابة الذين إعتنقوا الإسلام وإتبعوا رسول الله أما رغبة أو رهبة ، وهؤلاء كانوا يمنّون إسلامهم على رسول الله ، وكانوا يؤذونه في بعض الأوقات ولا يمتثلون لأوامره ونواهيه بل يجعلون لآرائهم مجالاً في مقابل النصوص الصريحة حتى ينزل القرآن بتوبيخهم مرة وتهديدهم أخرى وقد فضحهم الله في العديد من الآيات وحذّرهم رسول الله أيضاًًً في العديد من الأحاديث النبويّة والشيعة لا يذكرونهم إلاّّ بأفعالهم بدون إحترام ولا تقديس.

أما القسم الثالث : من الصحابة : فهم المنافقون الذين صحبوا رسول الله للكيد له وقد أظهروا الإسلام وإنطوت سرائرهم على الكفر ، وقد تقربوا ليكيدوا للإسلام والمسلمين عامّة وقد أنزل الله فيهم سورة كاملة وذكرهم في العديد من المواقع وتوعّدهم بالدرك الأسفل من النار ، وقد ذكرهم رسول الله (ص) وحذّر منهم وعلّم بعضاًًً من أصحابه أسماءهم وعلاماتهم ، وهؤلاء يتفق الشيعة والسنّة على لعنهم والبراءة منهم.

وهناك قسم خاصّ وإنْ كانوا من الصّحابة فهم يتميّزون عليهم بالقرابة وبفضائل خلقية ونفسية وخصوصيات إختصّهم الله ورسوله بها لا يلحقهم فيها لاحق ، وهؤلاء هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجّس وطهّرهم تطهيراً ، وأوجب الصلاة عليهم كما أوجبها على رسوله ، وأوجب لهم سهم من الخمس ، كما أوجب مودّتهم على كل مسلم كأجر للرسالة المحمدية ، فهم أولوا الأمر الذين أمر بطاعتهم ، وهم الراسخون في العلم الذين يعلمون تأويل القرآن ويعلمون المتشابه منه والمحكم ، وهم أهل الذكر الذين قرنهم رسول الله بالقرآن في حديث الثقلين وأوجب التمسّك بهما ، وجعلهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، والصحابة يعرفون قدر أهل البيت ويعظّمونهم ويحترمونهم ، والشيعة يقتدون بهم ويقدّمونهم على كل الصحابة [ بل لا يقاس بهم أحد ] ، ولهم في ذلك أدلّة من النصوص الصريحة.

أما أهل السنّة والجماعة مع احترامهم لأهل البيت وتعظيمهم وتفضيلهم إلاّ أنهم لا يعترفون بهذا التقسيم للصحابة ولا يعدّون المنافقين في الصحابة ، بل الصحابة في نظرهم خير الخلق بعد رسول الله ، وإذا كان هناك تقسيم فهو من باب فضيلة السبق للإسلام والبلاء الحسن فيه ، فيفضّلون الخلفاء الراشدون بالدرجة الأولى ثم الستّة الباقين من العشرة المبشّرين بالجنة على ما يروونه ، ولذلك تراهم عندما يصلّون على النبيّ وأهل بيته يلحقون بهم الصحابة أجميعن بدون إستثناء ".

إختلاف المذاهب الأربعة في الفقه : يذكر التيجاني السماوي واقعة جرت له ومنها يتبين للجميع من أين تستمد المذاهب فقهها بعد تركهم لمذهب أهل البيت(ع) يقول : في إحدى قرى الجنوب التونسي وخلال حفل زفاف كانت النساء يتحدّثن عن فلانة زوجة فلان ، وإستغربت العجوزة الكبيرة التي كانت تجلس وسطهن وتسمع حديثهنّ أن تكون فلانة قد تزوجت فلاناًً ولمّا سألنها عن سبب إستغرابها أخبرتهن بأنها أرضعت الإثنين فهماً أخوان في الرضاعة ، ونقل النّسوة هذا النبأ العظيم إلى أزواجهن وتثبّت الرجال فشهد والد المرأة بأن إبنته أرضعتها تلك العجوز المعروفة لدى الجميع بأنها مرضعة كما شهد والد الزوج بأن إبنه أرضعته نفس المرضعة ، وقامت قيامة العشيرتين وتقاتلوا بالعصي كلّ منهما تتهم الأخرى بأنها سبب الكارثة التي سوف تجرهم إلى سخط الله وعقابه وخصوصاًً وأنّ هذا الزواج مر عليه عشرة أعوام وأنجبت المرأة خلالها ثلاثة أطفال وقد هربت عند سماعها الخبر إلى بيت أبيها وإمتنعت عن الأكل والشرب وأرادت الإنتحار لأنها لم تتحمّل الصدمة وكيف أنها تزوجت من أخيها وولدت منه وهي لا تعلم ، وسقط عدد من الجرحى من العشيرتين وتدخّل أحد الشيوخ الكبار وأوقف المعارك ونصحهم بأن يطوفوا على العلماء ليستفتوهم في هذه القضية عسى أن يجدوا حلاً.

فصاروا يتجوّلون في المدن الكبرى المجاورة يسألون علماءها عن حلّ لقضيتهم وكلّما اتّصلوا بعالم وأطلعوه على الأمر أخبرهم بحرمة الزواج وضرورة تفريق الزوجين إلى الأبد وتحرير رقبة أو صيام شهرين إلى غير ذلك من الفتاوى ، ووصلوا إلى قفصة وسألوا علماءها فكان الجواب نفس الشيء ، لأنّ المالكية كلهم يحرمون الرضاعة ولو من قطرة واحدة إقتداء بالإمام مالك الذي قاس الحليب على الخمر إذ أنّ ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) ، فتحرم الرضاعة ولو من قطرة واحدة من الحليب ، والذي وقع أن أحد الحاضرين إختلى بهم ودلّهم على بيتي قائلاً لهم : إسألوا التيجاني في مثل هذه القضايا فإنه يعرف كل المذاهب وقد رأيته يجادل هؤلاء العلماء عدّة مرات فيبزّهم بالحجّة البالغة.

هذا ما نقله إليّ زوج المرأة حرفيّاً عندما أدخلته إلى المكتبة وحكى لي كل القضيّة بالتفصيل من أولها إلى آخرها ، وقال : " يا سيدي أنّ زوجتي تريد الإنتحار وأولادي مهملين ونحن لا نعرف حلاّ لهذه المشكلة وقد دلّونا عليك وقد إستبشرت خيراًًًً لمّا رأيت عندك هذه الكتب التي لم أشهد في حياتي مثلها فعسى أن يكون الحلّ عندك " ، أحضرت له قهوة وفكّرت قليلاً ثم سألته عن عدد الرضعات التي رضعها هو من المرأة فقال : لا أدري غير أنّ زوجتي رضعت منها مرتين أو ثلاث وقد شهد أبوها بأنه حملها مرتين أو ثلاث مرات لتلك العجوز المرضعة ، فقلت : إذا كان هذا صحيحاًًً فليس عليكما شيء والزواج صحيح وحلال محلّل ، وإرتمى المسكين عليّ يقبّل رأسي ويديّ ويقول : بشّرك الله بالخير لقد فتحت أبواب السكينة أمامي ، ونهض مسرعاًً ولم يكمل قهوته ولا إستفسر منّي ولا طلب الدّليل غير أنّه إستأذن للخروج حتى يسرع فيبشر زوجته وأولاده وأهله وعشيرته ، لكنه رجع في اليوم التالي ومعه سبعة رجال وقدّمهم إليّ قائلاً : هذا والدي وهذا والد زوجتي والثالث هو عمدة القرية والرابع إمام الجمعة والجماعة والخامس هو المرشد الدّيني والسادس شيخ العشيرة والسابع هو مدير المدرسة ، وقد جاؤوا يستفسرون عن قضية الرضاعة وبماذا حلّلتها؟ ، وأدخلت الجميع إلى المكتبة وكنت أتوقّع جدالهم وإحضرت لهم القهوة ، ورحّبت بهم : قالوا : إنّما جئناك نناقشك عن تحليلك الرضاعة وقد حرمها الله في القرآن ، وحرمها رسوله بقوله : يحرم بالرضاعة ما يحرم بالنّسب ، وكذلك حرمها الإمام مالك.

قلت : يا سادتي أنتم ما شاء الله ، ثمانية وأنا واحد فإذا تكلّمت مع الجميع فسوف لن أقنعكم وتضيع المناقشة في الهامشيات ، وإنما إقترح عليكم إختيار أحدكم حتّى أتناقش معه وأنتم تكونون حكماًً بيني وبينه! ، وأعجبتهم الفكرة وإستحسنوها ، وسلّموا أمرهم إلى المرشد الديني قائلين بأنه أعلمهم وأقدرهم ، وبدأ السيد يسألني كيف أحلّل ما حرم الله ورسوله والأئمة؟!.

قلت : أعوذ بالله أن أفعل ذلك! ولكنّ الله حرم الرضاعة بآية مجملة ولم يبيّن تفصيل ذلك وإنما أوكل ذلك إلى رسوله فأوضح مقصود الآية بالكيف والكم ، قال : فإنّ الإمام مالك يحرم الرضاعة من قطرة واحدة ، قلت : أعرف ذلك ، ولكن الإمام مالك ليس حجّة على المسلمين وإلاّّ فما هو قولك بالأئمة الآخرين؟ ، أجاب : (ر) وأرضاهم فكلّهم من رسول الله ملتمس ، قلت : فما هو إذن حجتك عند الله في تقليدك الإمام مالك الذي يخالف رأيه نصّ الرسول (ص)؟ ، قال : محتاراًً : سبحان الله أنا لا أعلم بأنّ الإمام مالك إمام دار الهجرة يخالف النصوص النبويّة ، وتحيّر الحاضرون من هذا القول ، وإستغربوا منّي هذه الجرأة على الإمام مالك والتي لم يعهدوها من قبل في غيري وإستدركت قائلاً : هل كان الإمام مالك من الصحابة؟ ، قال : لا ، قلت : هل كان من التابعين؟ ، قال : لا ، وإنما هو من تابعي التابعين ، قلت : فأيهما أقرب هو أم الإمام عليّ بن أبي طالب؟ ، قال الإمام عليّ أقرب فهو من الخلفاء الراشدين ، وتكلّم أحد الحاضرين قائلاً : سيدنا عليّ كرم الله وجهه هو باب مدينة العلم.

فقلت : فلماذا تركتم باب مدينة العلم وإتبعتم رجلاًًً ليس من الصحابة ولا من التابعين وإنما ولد بعد الفتنة وبعدما أبيحت مدينة رسول الله لجيش يزيد وفعلوا فيما ما فعلوا وقتلوا خيار الصحابة وإنتهكوا فيها المحارم ، وغيروا سنّة الرسول ببدع إبتدعوها ، فكيف يطمئنّ الإنسان بعد ذلك إلى هؤلاء الأئمة الّذين رضيت عنهم السلطة الحاكمة لأنّهم أفتوها بما يلائم أهواءهم.

وتكلّم أحدهم وقال : سمعنا أنّك شيعي تعبد الإمام علياًً فلكزه صاحبه الذي كان بجانبه لكزة أوجعته وقال له : إسكت أما تستحي أن تقول مثل هذا القول لرجل فاضل مثل هذا وقد عرفت العلماء وحتّى الآن لم ترعيني مكتبة مثل هذه المكتبة ، وهذا الرجل يتكلّم عن معرفة ووثوق ممّا يقول! ، أجبته قائلاً : أنا شيعي هذا صحيح ولكنّ الشيعة لا يعبدون علياًً وإنما عوض أن يقّلدوا الإمام مالك فهم يقلّدون الإمام علياًً لأنه باب مدينة العلم حسب شهادتكم ، قال المرشد الديني : وهل حلّل الإمام عليّ زواج الرضيعين؟ ، قلت : لا ولكنّه يحرم ذلك إذا بلغت الرضاعة خمس عشرة رضعة مشبعات ومتواليات ، أو ما إنبت لحماًً وعظماً ، وتهلّل وجه والد الزوجة وقال : الحمد لله فإبنتي لم ترضع إلاّّ مرتين أو ثلاث مرات فقط ، وإنّ في قول الإمام عليّ هذا مخرجاًً لنا من هذه الورطة ورحمة لنا من الله بعد أن يئسنا ، فقال المرشد : أعطنا الدليل على هذا القول حتّى نقتنع ، فأعطيتهم كتاب منهاج الصالحين للسيد الخوئي ، وقرأ هو بنفسه عليهم باب الرضاعة ، وفرحوا بذلك فرحاًً عظيماًً وخصوصاًً الزوج الذي كان خائفاًً أن لا يكون لديّ الدليل المقنع ، وطلبوا منّي إعارتهم الكتاب حتّى يحتجّوا به في قريتهم فسلّمته إليهم وخرجوا مودّعين داعين معتذرين.

وبمجرد خروجهم من بيتي التقى بهم أحد المناوئين وحملهم إلى بعض علماء السّوء فخوّفوهم وحذّروهم بأنّي عميل لإسرائيل وأنّ كتاب منهاج الصالحين الذي أعطيتهم إياه كلّه ضلالة وأنّ أهل العراق هم أهل الكفر والنّفاق وأنّ الشيعة مجوس يبيحون نكاح الأخوات فلا غرابة إذن في إباحتي لهم نكاح الأخت من الرضاعة إلى غير ذلك من التّهم والأراجيف وما زال بهم يحذّرهم حتّى إرتدوا على أعقابهم وأنقلبوا بعد إقتناعهم ، وأجبروا الزوج أن يقوم بقضية عدلية في الطلاق لدى المحكمة الإبتدائية في قفصة وطلب منهم رئيس المحكمة أن يذهبوا للعاصمة ويتّصلوا بمفتي الجمهورية ليحلّ هذا الإشكال ، وسافر الزوج وبقي هناك شهراًًً كاملاً حتّى تمكن من مقابلته وقصّ عليه قصّته من أولها لآخرها وسأله مفتي الجمهورية ، عن العلماء الذين قالوا : بحلّية الزواج وصحته وأجاب الزوج بأنه ليس هناك من قال : بحلّيته غير شخص واحد هو التيجاني السماوي وسجّل المفتي إسمي وقال : للزوج : إرجع أنت وسوف إبعث أنا برسالة إلى رئيس المحكمة في قفصة ، وبالفعل جاءت الرسالة من مفتي الجمهورية وإطلع عليها وكيل الزوج وأعلمه بأن مفتي الجمهورية حرم ذلك الزواج ، هذا ما قصّه عليّ زوج المرأة الذي بدا على الضعف والإرهاق من كثرة التعب وهو يعتذر إليّ لما سبّبه لي : من إزعاج وحرج ، فشكرته على عواطفه متعجّباً كيف يُبطل مفتي الجمهورية الزواج القائم في مثل هذه القضية ، وطلبت منه أن يأتني برسالته التي بعثها إلى المحكمة حتى أنشرها في الصحف التونسية وأبيّن أن مفتي الجمهورية يجهل المذاهب الإسلامية ولا يعرف إختلافهم الفقهي في مسألة الرضاعة ، وقال : الزوج بأنه لا يمكنه أن يطّلع على ملفّ قضيّته فضلاً عن أن يأتيني برسالة منه ، وإفترقنا.

وبعد بضعة أيام جاءتني دعوة من رئيس المحكمة وهو يأمرني بإحضار الكتاب والأدلّة على عدم بطلان ذلك الزواج بين ( الرضيعين )! ، وذهبت محمّلا بعدّة مصادر إنتقيتها مسبقاًً ووضعت في كلّ منها بطاقة في باب الرضاعة ليسهل تخريجه في لحظة واحدة ، وذهبت في اليوم والساعة المذكورة وإستقبلني كاتب الرئيس وأدخلني إلى مكتب الرئيس وفوجئت برئيس المحكمة الإبتدائية ورئيس محكمة الناحية ووكيل الجمهورية ومعهم ثلاثة أعضاء وكلهم يرتدون لباسهم الخاص للقضاء وكانّهم في جلسة رسمية ، ولاحظت أيضاًًً أن زوج المرأة يجلس في آخر القاعة قبالهم ، وسلّمت على الجميع فكانوا كلّهم ينظرون إلي بإشمئزاز وإحتقار ولمّا جلست كلّمني الرئيس بلهجة خشنة قائلاً :

ـ أنت هو التيجاني السماوي؟ ، قلت : نعم.
ـ قال : أنت الذي أفتيت بصحّة الزواج في هذه القضية؟.
ـ قلت : لا لست إنابمفت ، ولكنّ الأئمة وعلماء المسلمين هم الذين أفتوا بحلّيته وصحّته!.
ـ قال : ومن أجل ذلك دعوناك ، وأنت الآن في قفص الإتهام ، فإذا لم تثبت دعواك بالدّليل فسوف نحكم بسجنك وسوف لن تخرج من هنا إلاّّ إلى السجن ، عرفت وقتها أنّني بالفعل في قفص الإتهام ، لا لأنني أفتيت في هذه القضية ، ولكن لأنّ بعض علماء السّوء حدّث هؤلاء الحكام بأنّني صاحب فتنة وأنّني أسبّ الصحابة وأبثّ التشيّع لآل البيت النبوي ، وقد قال له رئيس المحكمة إذا أتيتني بشاهدين ضدّه فسوف ألقيه في السجن ، أضف إلى ذلك فأنّ جماعة الإخوان المسلمين إستغلّوا هذه الفتوى وروّجوا لدى الخاص والعام بأنّني أبيح نكاح الأخوات وهو قول الشيعة على زعمهم! ، كل ذلك عرفته من قبل وتيقنته عندما هدّدني رئيس المحكمة بالسجن فلم يبق أمامي إلاّّ التحدّي والدفاع ، عن نفسي بكل شجاعة فقلت للرئيس : هل لي أنت أتكلّم بصراحة وبدون خوف ، قال : نعم تكلّم فأنت ليس لك محام ... ، قلت : قبل كل شيء أنا لم إنصب نفسي للإفتاء ، ولكن ها هو زوج المرأة إمامكم فإسألوه ، فهو الذي جاءني إلى بيتي يطرق بابي ويسألني ، فكان واجباًًً علي : أن أجيبه بما أعلم وقد سألته بدوري ، عن عدد الرضعات ولمّا أعلمني بأنّ زوجته لم ترضع غير مرتين أعطيته وقتها حكم الإسلام فيها ، فلست أنا من المجتهدين ولا من المشرعين ، قال الرئيس : عجباً ، أنت الآن تدّعي أنك تعرف الإسلام ونحن جهله! ، قلت : أستغفر الله أنا لم أقصد هذا ، ولكن كل الناس هنا يعرفون مذهب الإمام مالك ويتوقّفون عنده ، وأنا فتّشت في كلّ المذاهب ووجدت حلاّ لهذه القضية ، قال الرئيس : أين وجدت الحل؟ ، قلت: قبل كل شيء هل لي أن أسئلكم سوآلاً يا سيدي الرئيس؟ ، قال : اسأل كل ما تريد ، قلت : ما قولكم في المذاهب الإسلامية؟ ، قال : كلّها صحيحة ، فكلّهم من رسول الله ملتمس ، وفي إختلافهم رحمة ، قلت : فإرحموا إذن هذا المسكين " مشيراً إلى زوج المرأة " الذي قضى الآن أكثر من شهرين وهو مفارق لزوجه وولده بينما هناك من المذاهب الإسلامية من حلّ مشكلته ، فقال : الرئيس مغضباًًً : هات الدّليل وكفاك تهريجاً ، نحن سمحنا لك بالدفاع عن نفسك فأصبحت محامياً لغيرك ، فأخرجت له من حقيبتي كتاب منهاج الصالحين للسيد الخوئي وقلت : هذا مذهب أهل البيت ، وفيه الدّليل وقاطعني قائلاً : دعنا من مذهب أهل البيت فنحن لا نعرفه ولا نؤمن به.

كنت متوقّعاً هذا ولذلك أحضرت معي بعد البحث والتنقيب عدّة مصادر لأهل السنّة والجماعة وكنت رتّبتها حسب علمي فوضعت البخاري في المرتبة الأولى ثم صحيح مسلم وبعده ، كتاب الفتاوى لمحمود شلتوت وكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لإبن رشد ، وكتاب زاد المسير في علم التفسير لإبن الجوزي وعدّة مصادر أخرى من كتب ( أهل السنّة ) ، ولمّا رفض الرئيس أن ينظر في كتاب السيد الخوئي سألته عن الكتب التي يثق بها ، قال البخاري ومسلم ، وأخرجت صحيح البخاري وفتحته على الصفحة المعينة وقلت : تفضلّ يا سيدي إقرأ ، قال : إقرأ أنت؟ ، وقرأت : حدثنا : فلان ، عن فلان ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : توفيّ رسول الله (ص) ولم يحرم من الرضعات إلاّّ خمسة فما فوق.

وأخذ الرئيس مني الكتاب وقرأ بنفسه وأعطاه إلى وكيل الجمهورية بجانبه وقرأ هو الآخر وناوله لمن بعده في حين أخرجت صحيح مسلم وأطلعته على نفس الأحاديث ثم فتحت كتاب الفتاوى لشيخ الأزهر شلتوت وقد ذكر هو الآخر اختلافات الأئمة في مسألة الرضاعة فمنهم من ذهب إلى القول بأن المحرم ما بلغ خمس عشرة رضعة ومنهم من قال : بسبعة ومنهم من حرم فوق الخمسة عدا مالك الذي خالف النصّ وحرم قطرة واحدة ثم قال شلتوت : وأنا أميل إلى أوسط الآراء فأقول سبعة فما فوق، وبعد ما إطلع رئيس المحكمة على كل ذلك قال : يكفي ثم إلتفت إلى زوج المرأة وقال له: أذهب الآن وأتني بوالد زوجتك ليشهد أمامي بأنها رضعت مرتين أو ثلاثة وسوف تأخذ زوجتك معك هذا اليوم ... وطار المسكين فرحاًً ، وإعتذر وكيل الجمهورية وبقية الأعضاء الحاضرين للإلتحاق بأعمالهم وأذن لهم الرئيس ، ولمّا خلا بنا المجلس إلتفت إليّ معتذراًً ، وقال : سامحني يا أستاذ لقد غلّطوني فيك وقالوا : فيك أشياءً غريبة وأنا الأن عرفت بأنهم حاسدون ومغرضون يريدون بك شراًً ، وطار قلبي فرحاًً بهذا التحوّل السّريع وقلت : الحمد لله الذي جعل نصري على يديك يا سيدي الرئيس.

فقال : سمعت بأنّ عندك مكتبة عظيمة فهل يوجد فيها كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري؟ ، قلت : نعم ، قال : هل تعيرني إياه ، فقد مضى عامان وأنا أبحث عنه : قلت : هو لك يا سيدي متى أردت ، قال : هل عندك وقت يسمح لك بالمجيء إلى مكتبتي لنتحدث وأستفيد منك ، قلت : إستغفر الله فأنا الذي أستفيد منك ، فأنت أكبر مني سناًً وقدراًً ، وعندي أربعة أيام راحة في الأسبوع وإنارهن إشارتك.

وإتفقنا على يوم السبت من كل إسبوع لأنه ليس له جلسات للمحكمة في ذلك اليوم ، وبعدما طلب منّي أن أترك له كتاب البخاري ومسلم وكتاب الفتاوى لمحمود شلتوت لكي يحرر منهم النصّ قام بنفسه وأخرجني من مكتبه مودّعاً.

وخرجت فرحاًً أحمد الله سبحانه على هذا النّصر وقد دخلت خائفاًً مهدّداً بالسجن وخرجت وقد إنقلب رئيس المحكمة إلى صديق حميم يحترمني ويطلب منّي مجالسته ليستفيد مني ، إنها بركات طريق أهل البيت الذين لا يخيب من تمسّك بهم ويأمن من لجأ إليهم.

وتحدث زوج المرأة في قريته وشاع الخبر في كلّ القرى المجاورة بعدما رجعت المرأة إلى بيت زوجها وإنتهت القضية بحلّية الزواج ، فأصبح الناس يقولون : بأنّي أعلم من الجميع وأعلم حتى من مفتي الجمهورية.

وقد جاء زوج المرأة إلى البيت ومعه سيارة كبيرة ودعاني إلى القرية أنا وكل عائلتي وأعلمني بأن كل الأهالي ينتظرون قدومي وسيذبحون ثلاثة عجول لإقامة الفرح وإعتذرت إليه بسبب إنشغالي في قفصة وقلت له : سوف أزوركم مرة أخرى إن شاء الله.
وتحدّث رئيس المحكمة إلى أصدقائه وإشتهرت القضية ورد الله كيد الكائدين وجاء بعضهم معتذرين وقد فتح الله بصيرة البعض منهم فإستبصروا وأصبحوا من المخلصين ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمّد وعلى إله الطيبين الطاهرين.


توقيع : بشار الربيعي



يقول الله عز وجل
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين


نسألكم الدعاء
بشار الربيعي

رد مع اقتباس