الموضوع: الموت وما بعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/12/02, 03:25 PM   #2
بشار الربيعي

موالي ذهبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 535
تاريخ التسجيل: 2012/10/18
المشاركات: 1,009
بشار الربيعي غير متواجد حالياً
المستوى : بشار الربيعي is on a distinguished road




عرض البوم صور بشار الربيعي
افتراضي


فلتعلم إذن أن سعادتك وشقاءك لقاء عملك كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"الصدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم، نُصب أعينهم في آجالهم"10.
فعليك إذن أن تستعد لمرحلة ما بعد الموت.

الإستعداد للموت وعدم الغفلة عنه:
ولأمير المؤمنين عليه السلام كلام كثير في الاستعداد للموت، وهو عليه السلام كان المستعد لهذه الساعة.
يقول عليه السلام مشيراً إلى استعداده:
"واللّه ما فاجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلاّ كقارب ورد، وطالبٍ وجد، وما عند اللّه خير للأبرار"11.
وها هو عليه السلام من قلب شفيق ينصح الناس ليستعدوا لهذه الساعة التي لا بد منها.
"واستعدوا للموت فقد أظلَّكم"12.


ويحذّر من الغفلة عنه:
"فيا لها حسرة على كلّ‏ِ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجَّة"13.

ذكر الموت:
ولأجل أن لا تغفل عن الموت، وتكون مستعداً لهذه الساعة، عليك أن تذكرها دائماً، ليس ذكر الخوف والقلق واليأس، بل ذكر الطمأنينة وإعمار الحياة، وكبح جماح الشهوات وارتكاب المعاصي لأن ذكر الموت هو من أهم المنبهات إلى طريق الاستقامة.
يقول الإمام عليه السلام في ذكر الموت:
".. وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات، عند المساورة14"15.
"ضع منخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك"16.
"أحي قلبك بالموعظة... وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء..."17.
"ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات"18.
إن العبد بعد موته وبعد أن يفرغ من حسابه فلا بد له من مقرٍ يسكنه، فهنا تظهر الوجوه فإما أن تكون ناعمة ناظرة إلى ربها ناضرة لسعيها راضية وإما أن تكون عليها غبرة ترهقها قترة، أي إما أن يكون من أهل الجنة أو من أهل النار.
يقول عليه السلام:
"وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به"19.
ويقول عليه السلام في موضع آخر:
"فكفى بالجنة ثواباً ونوالاً وكفى بالنار عقاباً ووبالاً".
ونراه قد وصف لنا الجنة والنار وكأنه قد رآهما وعاينهما.
من هنا علينا أن لا نغفل عن السعي في فكاك رقابنا من النار خصوصاً أن باب


التوبة ما زال مفتوحاً أمام الطالبين ولا نسوِّف إلى أن يحين الأجل فعندها لا نرى من أعمالنا ما نستحق به دخول الجنة وتجنب النار يقول مولى الموحدين عليه السلام:
"فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها"20.
وأيضاً:
"وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا"21.

بعض ما يوجب دخول النار:
1- القتل:
إن من أبرز ما يوجب دخول النار هو سفك الدماء المحترمة التي حرَّم اللّه قتلها، وذلك ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:
"واللّه سبحانه مبتدى‏ء بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء، يوم القيامة"22.

2- كثرة الكلام قد يورد النار:
يقول عليه السلام:
"ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار"23.

3- الإمام (السلطان) الجائر:
يقول عليه السلام:
"وإن شر الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ وضُلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة"24.

4- من كان خصماؤه المساكين:
يقول عليه السلام:
"... وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤسى لمن


خصمه عند اللّه الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون، والغارمون وأبناء السبيل، ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها"25.

بعض ما يقرّب من الجنة:
1- طاعة الإمام:
طاعة ولي الأمر هي من الأمور المهمة التي تدخل الجنة لأنه بطاعته يكون الإنسان قد أدَّى التكليف المفترض عليه لأنه أعرف بمصالح الأمة ومفاسدها وأن اللّه تعالى أكدَّ على هذه المسألة في القرآن الكريم:
?أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ? 26.
ويقول الإمام علي عليه السلام في هذا المجال:
"وإنما الأئمة قوَّام اللّه على خلقه، وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه فإن أطعتموني فإني حاملكم إنشاء اللّه على سبيل الجنة"27.
2- أداء الفرائض:
إن من أفضل الأعمال عند اللّه (عز وجل) هو أداء الفرائض المتوجبة على الإنسان لأن اللّه تعالى إما يُعبد بأدائها على نحو الخلوص إليه تعالى في النية ومن يفعل ذلك فإن مثواه الجنة لأنه أدى ما عليه.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"الفرائض، الفرائض: أدّوها إلى اللّه تؤدكم إلى الجنة"28.
3- صدق النية:
إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امري‏ء ما نوى وبالنية يجازى الإنسان على عمله إن كانت خالصة لوجه اللّه تعالى خالية من الرياء فعندها تؤدي بصاحبها إلى الجنة.


يقول إمامنا عليه السلام:
"وإن اللّه يُدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة"29.
4- الجهاد في سبيل اللّه:
هو من أفضل الأبواب التي تورد إلى الجنة لما فيه من إعلاء كلمة اللّه تعالى وحفظ الأمة وتقوية شوكتها وبما فيها من الانتصار للمؤمنين والمستضعفين وكسر شوكة المستكبرين، لذلك في الجنة باب باسم الجهاد يرد منه المجاهدون الذين انتصروا إما بدمائهم وشهادتهم أو بالعزة التي منحوها للأمة بثباتهم وإخلاصهم وعزيمتهم.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه اللّه لخاصة أوليائه..."30.
في الختام:
إن طريق الجنة وطريق النار واضحان، ويمكن أن يختبر ذلك كل واحد منا داخل نفسه من خلال سلوكه مع قليلٍ من المراقبة للنفس ومسلكها، فإن طريق الجنة طريق صعب مستصعب لأن الإنسان في هذا الطريق سوف يتنازل عن كثير من مشتهايته وملذاته الشخصية التي تحصل بغير رضا اللّه ولا يراعى فيها مصلحة الآخرين والمصلحة الأخروية فلذلك تسمى بطريق ذات الشوكة وكل هذا الألم ألم آنيّ ينقضي بانتهاء الدنيا حتى يحل مكانه السعادة الأبدية والدائمة. هذا بخلاف طريق النار المحفوف بالشهوات والملذات وما يزينّه الشيطان وأعوانه للإنسان حيث يزين له القبيح ويقبِّح له الحسن حتى يصل الإنسان في هذا الطريق إلى مرحلة الاغترار بالإثم.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"إن الجنة حفَّت بالمكاره وإن النار حفَّت بالشهوات"31.
ويقول عليه السلام في موضع آخر:
"وليكن همّك فيما بعد الموت"32.


لأن ما بعد الموت هو الحياة الأبدية الدائمة... الموت يأتي بغتة فما أسرع الملتقى، فعلينا أن نتهيأ لهذه اللقيا ونتزود بخير الزائد:
"فإن كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى"33.





هوامش

1- نهج البلاغة، خطبة المتقين.
2- ن.م، ق 77، 150 ص 284.
3- ن.م، ك 14، 38 ص 264.
4- خطبة 5،193.
5- ن.م، خطبة 5، 5، ص 263.
6- أغمض: لم يبالي من أين طلبها وجمعها. من حلالٍ أو حرام.
7- ن.م، خ 108، 109 ص 269.
8- ن.م، خطبة 189، 198 ص 276.
9- ن.م، خطبة 221، 230 ص 293.
10- ن.م، ق 6، 7 ص 287.
11- ن.م، ك 23، ص 283.
12- ن.م، خطبة 64، ص 96.
13- ن.م، خطبة 64، ص 264.
14- المشاورة.
15- ن.م، خطبة 99، ص 268.
16- ن.م، قصار الكلمات 398، ص 285.
17- ن.م، ك 31، ص 286.
18- ن.م، قصار الكلمات 31، ص‏283.
19- خطبة 64.
20- خطبة 183.
21- كتاب 69.
22- كتاب 53.
23- ن.م، ق 349، ص 304.
24- ن.م، كلام له عليه السلام 164 ص‏293.
25- ن.م، كلام له 26، ص 294.
26- النساء: 59.
27- خطبة 156.
28- خطبة 167.
29- قصار الحكم 42.
30- خطبة 27.
31- خطبة 176.
32- كتاب 2، 22.
33- قصار الحكم 29.
34- اصطفاف الأشجار: تضارب أوراقها بالنسيم بحيث يسمع لها صوت.
35- الكثبان: جمع كثيب وهو التل.
36- الأفنان: جمع فنن وهو الغصن.
37- غلف: جمع غلاف والأكمام: جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الطلع وغظاء النوار.
38- تجنى: تقطف.
39- المصفقة: المصفاة.
40- خطبة 32 ،165.
41- السرابيل: القمصان.
42- كلب: هيجان.
43- لجب: الصوت المرتفع.
44- القصيف: أشد الصوت.
45- كبولها: قيودها.
46- خطبة 108 ،109.
47- خازن النار.
48- خطبة 182 ،183.
49- خطبة 232 ،190.
50- ينابيع المودّة، ص‏85.

من كتاب قبسات من نهج البلاغة




توقيع : بشار الربيعي



يقول الله عز وجل
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين


نسألكم الدعاء
بشار الربيعي

رد مع اقتباس