عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/24, 04:30 AM   #4
معلومات إضافية
رقم العضوية : 4414
تاريخ التسجيل: 2016/02/20
المشاركات: 1,006
ابو الحسن غير متواجد حالياً
المستوى : ابو الحسن is on a distinguished road




عرض البوم صور ابو الحسن
افتراضي



الإعداد النفسي و الانتظار



الاعداد النفسي

أثر الإعداد النفسي على الفرد و المجتمع في عصر الغيبة

الانتظار

الانتظار في اللغة

الانتظار في القرآن

الانتظار في الأخبار

فضائل المنتظرين

هل الانتظار واجب على كل أحد؟





الاعداد النفسي

لا شكّ أنّ أعداء الإسلام والمنافقين، الذين انشدُّوا إلى زخارف الدنيا وتعلّقوا بأهداب الحياة الرخيصة، دأبوا على إثارة الشكوك وزرع اليأس والقنوط في قلوب المسلمين، وخصوصاً الشيعة منهم، فقد انصبّت جهودهم على تدميرنا وتفريقنا من داخل نفوسنا، من استئصال واجتثاث جذور عقيدتنا; لكي يتحوّل هذا إلى مرض عُضال وسلاح قاتل.

ومن هنا نجد اهتمام القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام) في معالجة هذا الداء، ووضع العلاج والمناهج القويمة للقضاء عليه، فنلاحظ تارةً من خلال زرع الأمل وتحريم اليأس، والحثّ على الانتظار والمرابطة، كما سيأتي، وكلّ ذلك لأجل إعداد النفوس وجعلها قادرة على الصمود بوجه الأفكار والإثارات الغريبة، واستقبالها بروح متفائلة مطمئنة هادئة; لكي تنقشع غيوم الإحباط والقنوط، ويتجدّد الأمل ويتجدد معه العزم والنشاط والسعي، وتتمكّن من خلال ذلك من الاستمرار ومواصلة مسيرتها نحو هدفها المرسوم لها، ومن ثمّ يكون قلب المؤمن مشدوداً إلى ربّه، معتصماً به،ويكون على اُهبة الاستعداد النفسي والمعنوي للمشاركة مع إمامه(عليه السلام)في نشر العدل وإقامة الدولة الكريمة.

وعلى هذا الأساس تتضح أهمية هذا الجانب، وضرورة الاهتمام به، لمِا له الأثر الكبير في حياة الفرد والمجتمع المؤمن في عصر الغيبة.



أثر الإعداد النفسي على الفرد والمجتمع في عصر الغيبة :

إنّ شيعة أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم يهدفون في حركتهم إلى تحقيق هدفهم المرسوم، والقيام بتحمّل المسؤولية في دولتهم المباركة بقيادة إمامهم المنتظر(عليه السلام)، وعلى هذا الضوء نجد أنّهم يستمدّون وقود حركتهم من هذا الهدف العظيم، ومن هنا لكي لا يصيبنا الخواء والضعف الروحي والمعنوي ـ الذي يعبّر عنه القرآن الكريم (بالوهن)، الذي إذا اُصيب به المجتمع الشيعي وسرى في جسده، سوف تتراكم عليه الانكسارات والهزائم، ومن ثمّ يتضاءل إرتباطه بالله تعالى، ويضعف إيمانه بهدفه وبالتالي يصل إلى مجتمع خاو فاقد للارادة ـ تتّضح أهمية الإعداد النفسي، ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال النقاط التالية:

1 ـ إنّ عملية إعداد الفرد والمجتمع تجعلهما ذات إحساس قوي بالهدف،ويجعل عقيدته ذات حضور دائم في كلّ حركة من حركاته، ممّا يجعله يعيش معها في أفكاره ومشاعره، وفي علاقاته ومطامحه، فتتسع في قلبه وتتحوّل إلى همٍّ يوميٍّ متحرّك، بدلا من أن تكون عقيدته مختفية في زاوية محدودة من زوايا الفكر. وربّما يمكن استيحاء هذا المعنى ـ من حضور العقيدة ـ من الكلمة العظيمة لأمير المؤمنين(عليه السلام): «ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله وبعده وفيه»([1]).

2 ـ إنّ عملية الإعداد النفسي تربّي الفرد والمجتمع، وتجعلهما قادرين على مواجهة الرياح العاصفة، فلا يتزلزل أمام أيّة ريح، ولا يهتز أمام أيّ تحدّي.

3 ـ الإعداد النفسي للفرد والمجتمع يساهم في تصعيد درجة الإخلاص، ومن ثمّ يساهم في تحقيق شرط الظهور.

4 ـ من خلال الإعداد النفسي للظهور تتعمّق الصلة مع الإمام(عليه السلام)، ومن ثم تتجذّر عقيدته أكثر فأكثر، وهذا بدوره يسهم في إصلاح نفسه وإصلاح مجتمعه ومَن حوله.

5 ـ إنّ الإعداد النفسي يربّي عند الفرد المؤمن والمجتمع حالة الشعور بالمسؤولية، الذي يُعدّ من العناصر الأساسية في المسيرة التكاملية للفرد والمجتمع، فبمقدار قوة هذا الشعور في نفس المؤمن يكون له اضطلاع بتحمّل المسؤولية، وبمقدار تحمله للمسؤولية يتلقّى مدده بالتوفيق من الله تعالى لنيل الغاية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الُْمحْسِنِينَ )([2]).

وسوف تتضح ثمرات اُخرى في بحث الانتظار والمرابطة إن شاء الله تعالى. ويمكن تحصيل الإعداد النفسي من خلال:



الانتظار:

اهتمّ القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام) بعملية إعداد الفرد والمجتمع بالتمهيد لظهور الإمام; لأجل قيام دولة العدل في الأرض، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً )([3]).

ومن أهم المرتكزات التي اعتمد عليها أهل البيت(عليهم السلام) تبعاً للقرآن الكريم في عملية الإعداد هي الانتظار، ومن هنا نودّ أن نلقي الضوء ـ على عجالة ـ على بُعد من أبعاد هذه الوظيفة العظيمة، ودورها في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة.

الانتظار في اللغة:

الانتظار لغةً: هو التوقّع إلاّ أنّ المعنى الذي يمكن استفادته من حصيلة النصوص الواردة في الانتظار هو: التمهيد والتوطئة، لتنفيذ الفرض الإلهي الكبير وحصول اليوم الموعود الذي تعيش فيه البشرية العدل الكامل بقيادة الإمام المهدي(عليه السلام).

ومن الواضح أنّ التمهيد والتوطئة لمثل هكذا فرض عظيم لا يتحقق باللفظ فقط، وإنّما يحتاج الى عقيدة راسخة وعمل دؤوب، ابتداءً من النفس والعقيدة والأخلاق وفق الشريعة; ليتوفّر الفرد أو المجتمع على الكيفية والهيئة التي تنبعث منها حالة الاستعداد للقيام والمشاركة بتحقيق هذا الهدف العظيم.

الانتظار في القرآن:

من الملاحظ أنّ الانتظار ذو جذر قرآني، حيث أراد منه القرآن الكريم أن يزوّد به قلب كلّ نفس مؤمنة; لكي ينير عواطفها ومشاعرها وآمالها. ففي تفسير قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى )، قال السيد العلاّمة الطباطبائي([4]):

التربّص: الانتظار... وقوله: (كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ): أي كلّ منّا ومنكم منتظر، فنحن ننتظر ما وعده الله لنا فيكم وفي تقدّم دينه وتمام نوره.

وعن البزنطي قال: قال الرضا(عليه السلام): «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول الله تعالى: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ )، وقوله عزّوجلّ:(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ الْمُنتَظِرِينَ )، فعليكم بالصبر....»([5]).

وبالإسناد عن محمد بن فضيل، عن الرضا(عليه السلام) قال: سألته عن شيء من الفرج؟ فقال: أليس انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ الله عزّوجل يقول: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ الْمُنتَظِرِينَ )([6])، وقوله تعالى: (وَقُل لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ )([7]).

ويمكن القول بأنّ الانتظار يمثّل الحالة الوسطى بين حرمة اليأس من روح الله وبين حرمة الأمن من مكر الله.

إذن الانتظار في واحدة من أبعاده أنّه ذو أصل قرآني مهمّ، ويعتبر واحدة من الركائز الأساسية التي تسيّر حركة المجتمع إلى هدفه وغايته، فبالانتظار تُفتح المغالق، وتُذلَّل المصاعب، وتُنوَّر السبل في متاهات هذه الحياة.

الانتظار في الأخبار:

وقد تواترت الأخبار بين العامّة والخاصّة على ضرورة وأهمية الانتظار في عصر الغيبة، وهذا ما نلاحظه من خلال الحشد المتنوّع لروايات الانتظار، ممّا يكشف عن أنّ الانتظار ذو مفهوم روائي وركيزة أساسية من الركائز التي اعتمدتها السُنّة الشريفة في مسيرة المجتمع المسلم، لا سيّما ما نلاحظه في توجيه أهل البيت(عليهم السلام) لأتباعهم على ضرورة التزام منهج الانتظار في هذه الفترة، فمن الروايات:

1 ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له، كان كمن كان في فسطاط القائم(عليه السلام)»([8]).

2 ـ وعن أبي عبدالله(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) قال: «المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»([9]).

3 ـ وعن الصادق(عليه السلام) أيضاً قال: «طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته، المطيعين له في ظهوره، اُولئك أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولا هُم يحزنون»([10]).

4 ـ عن الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام) قال: «انتظار الفرج من أعظم الفرج»([11]).

5 ـ وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «تمتدّ الغيبة بوليّ الله عزّوجلّ الثاني عشر من أوصياء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة بعده، يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان; لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بالسيف، اُولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عزّوجلّ سرّاً وجهراً»([12]).

6 ـ عن المفضّل بن عمر قال: ذكرنا القائم(عليه السلام) ومَن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبدالله(عليه السلام): «إذا قام اُتي المؤمن في قبره، فيقال له: ياهذا، إنّه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحَقْ، وإن تشأ أن تُقيم في كرامة ربّك فأقم»([13]).

7 ـ وعن أبي عبدالله، عن آبائه(عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله»([14]).

8 ـ وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): جعلت فداك متى الفرج؟ فقال: «ياأبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا، مَن عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره»([15]).

9 ـ وعن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر(عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إليّ: «إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج»([16]).

10 ـ عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ انتظار الفرج»([17]).

11 ـ وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أيضاً قال: «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»([18]).

12 ـ وعن الفيض بن المختار، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه، قال: ثمّ مكث هنيئة ثمّ قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثمّ قال(عليه السلام): لا والله كمن استشهد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([19]).

13 ـ وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): حقيق على الله أن يدخل أهل الضلال الجنة، وإنّما عنى بهذا المؤمنين الذين قاموا في زمن الفتنة على الائتمام بالإمام الخفيّ المكان المستور عن الأعيان، فهم بامامته مقرّون، وبعروته مستمسكون، ولخروجه منتظرون، موقنون غير شاكّين، صابرون مسلّمون، وإنّما ضلّوا عن مكان إمامهم وعن معرفة شخصه....»([20]).

14 ـ وعن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله عزّوجل: (الم * ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) فقال: «المتقون: شيعة علي(عليه السلام)، والغيب هو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قول الله عزّوجل: (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ )([21])».

15 ـ وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «ما ضرَّ مَن مات منتظراً لأمرنا أن يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره»([22]).

16 ـ وعن أبي عبدالله(عليه السلام) مخاطباً عمار الساباطي، قال: «أما والله ياعمار، لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلاّ كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر واُحد، فأبشروا»([23]).

17 ـ وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «... واعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم، ومَن أدرك قائمنا فخرج معه فقَتل عدوّنا كان له أجر عشرين شهيداً، ومَن قُتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً»([24]).

18 ـ وعن الحرث بن المغيرة قال: كنّا عند أبي جعفر(عليه السلام) فقال: «العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بسيفه»، ثمّ قال: «بل والله كمن جاهد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بسيفه»، ثمّ قال الثالثة: «بل والله كمن استشهد مع رسول الله في فسطاطه»([25]).

19 ـ وفي تفسير البرهان، عن ابن أبي حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): جعلت فداك، قد كبر سنّي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت، قال: فقال لي: «يا أبا حمزة، مَن آمن بنا وصدّق حديثنا، وانتظر أمرنا كان كمن قتل تحت راية القائم، بل والله تحت راية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([26]).

20 ـ وعن إسحاق بن عمار قال: حدّثني رجل من أصحابنا، قال: أقبل رجل على أبي جعفر(عليه السلام)، ثمّ قال: يابن رسول الله، أدنِني منك جعلني الله فداك، فوالله إنّي لاُحبكم واُحبّ مَن يحبّكم، فوالله ما أحبّكم وأحب مَن يحبكم لطمع في دنيا، وإنّي لأبغض عدوّكم، وأبرأ منه، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه، والله إنّي لاُحلّ حلالكم، واُحرّم حرامكم، وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟

فقال أبو جعفر(عليه السلام): «إليَّ إليَّ حتى أقعده إلى جنبه»، ثمّ قال: «أيّها الشيخ، إنّ أبي علي بن الحسين(عليه السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي(عليه السلام): إنْ تَمُتْ ترِدْ على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى عليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك، وتقرّ عينك، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسك هاهنا ـ وأهوى بيده الى حلقه ـ وإن تَعشْ تَرَ ما يقرّ الله به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى...»([27]).

21 ـ وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «إنّ لنا دولةً يجيء الله بها إذا شاء»، ثمّ قال: «مَن سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر»([28]).

22 ـ وعن الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً قال: «مِن دِين الأئمّة: الورع والعفّة والصلاح وانتظار الفرج بالصبر...»([29]).

23 ـ وكذا قال الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا مات المنتظِر، وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر مَن أدركه، فجِدّوا وانتظروا، هنيئاً أيّتها العصابة المرحومة...»([30]).

هذا، مضافاً إلى وجود العشرات من الروايات الواردة في فضل الانتظار والمنتظِرِين...

ومن حصيلة النصوص الشريفة المتقدّمة، وغيرها ممّا يشاركها في المضمون تتّضح فضيلة الانتظار وأهمّيته في عصر الغيبة، كذلك تتّضح أهم الصفات التي يتمتع بها المنتظر، ويمكن الإشارة الإجمالية لها مراعاةً للاختصار (وقد تقدّمت الإشارة إليها في الفصول السابقة) منها:

1 ـ المعرفة بإمام الزمان(عليه السلام).

2 ـ الإخلاص لله ولإمامه ولدينه بأعلى درجات الإخلاص.

3 ـ الولاية لأهل البيت(عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم.

4 ـ التسليم لله تعالى والرضا بقضائه.

5 ـ الصبر على الأذى والبلاء.

6 ـ التمسّك بأهل البيت(عليهم السلام).

7 ـ الورع عن محارم الله تعالى.

8 ـ الالتزام الدقيق بأوامر الله ونواهيه.

9 ـ العفة وحسن الأخلاق.

10 ـ المُرابطة (تأتي الإشارة إليها).

11 ـ العمل بالتقية (تأتي الإشارة اليها).



فضائل المنتظِرِين:

وردت نصوص كثيرة في فضل المنتظرين لليوم الموعود، الصامدين على الحق، منها:

1 ـ عن الإمام الحسين(عليه السلام) قال في كلام له عن المهدي(عليه السلام): «له غيبة يرتدّ فيها أقوام، ويثبت على الدين فيها آخرون، ويُقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين. أمّا الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([31]).

2 ـ وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يارسول الله، نحن كنّا معك ببدر واُحد وحنين، وحين نزل القرآن، فقال: إنّكم لو تحملون لما حملوا لم تصبروا صبرهم»([32]).

إلى غيرها من عشرات الروايات في هذا المضمون التي تكشف عن فضل المنتظِرِين، ومراعاة للإسهاب نقتصر على ذكر أهمّ هذه الفضائل التي مُنحت للمنتظرين، مستقاة من روايات أهل بيت العصمة(عليهم السلام) مع ذكر مصادرها:

1 ـ المنتظر لظهور إمامه(عليه السلام) أفضل من أهل كلّ زمان([33]).

2 ـ المنتظر الذي يموت وهو على حالة انتظار إمامه مثل الذي استشهد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)([34]).

3 ـ المنتِظر دائماً في حالة طاعة وعبادة لله تعالى «أفضل عبادة المؤمن انتظار الفرج»([35]).

4 ـ المنتظر الذي يموت على هذا الأمر يكون كالذي يستشهد مع إمامه(عليه السلام).

5 ـ الذي يموت وهو في حالة الانتظار لإمامه (عليه السلام) كمن كان في فسطاط الإمام المهدي (عليه السلام)([36]).

6 ـ المنتظر كالمتشحّط بدمه في سبيل الله([37]).

7 ـ المنتظر مفرّج عليه وهو في حالة انتظاره لإمامه «انتظار الفرج من الفرج»([38]).

8 ـ الميّت وهو في حالة الانتظار لإمامه أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر واُحد([39]).

9 ـ المنتظرون: مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة([40]).

10 ـ المنتظر لإمامه الغائب(عليه السلام) له مثل أجر الصائم القائم([41]).

11 ـ المنتظر لإمامه الغائب(عليه السلام) يحشر في زمرة أهل البيت(عليهم السلام)([42]).





هل الانتظار واجب على كل أحد؟

لا يخفى على المتأمّل في هذا الحشد الواسع من روايات أهل بيت العصمة(عليهم السلام) الخاصّة في الانتظار، يجد أنّها تولي الانتظار أهمية متميزة وتشدد على ضرورة الالتزام به، وترفعه إلى درجة الوجوب على كل أحد، وتعدّه من الركائز الأساسية في حياة المؤمن في عصر الغيبة. ونكتفي بالإشارة المفهمة لذلك من خلال ذكر بعض الروايات في هذا الباب، مضافاً إلى ما ذكرنا من روايات في هذا الجانب.

ومن الروايات: عن أبي جعفر(عليه السلام) مخاطباً أبي الجارود، قال: «والله لاُعطينّك ديني ودين آبائي الذي تدين الله عزّوجل به: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لوليّنا، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد والورع»([43]).

وما رواه الصدوق بإسناده، عن عبدالعظيم الحسني قال: دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن القائم هو المهدي أو غيره؟ فابتدأني فقال لي: «ياأبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي»([44]).

وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال ذات يوم: «ألا اُخبركم بما لا يقبل الله عزّوجلّ من العباد عملا إلاّ به؟»، فقلت: بلى، فقال: «شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم(عليه السلام)»([45]).

وفي اُصول الكافي بإسناده، عن إسماعيل الجعفي، قال: دخل رجل على أبي جعفر(عليه السلام) ومعه صحيفة، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): «هذه صحيفة مخاصم([46]) سأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل»، فقال: رحمك الله، هذا الذي اُريد، فقال أبو جعفر(عليه السلام): «شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وتُقرُّ بما جاء من عند الله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، والورع، والتواضع، وانتظار قائمنا، فإنّ لنا دولةً إذا شاء الله جاء بها»([47]).

ونود الإشارة إلى أنّ مفهوم الانتظار من المفاهيم المُشكّكة، أي أنّ هنالك تناسباً طردياً على صعيد العلاقة بين درجة وشدّة الانتظار، وبين درجة وشدة حبّ المنتظر، فهنالك ترابط وثيق بينهما، حيث تبدأ مناشئ ومبادئ الانتظار من المعرفة السليمة ودرجة حبّ المنتظر، وهذا من البديهيات التي تعلو على البرهنة، ألا ترى إذا كان لديك مسافر تنتظر قدومه، فإنّ مقدار تهيّئك لاستقباله ربّما تصل إلى درجة تسلب منك النوم، وتجعلك مشدوداً ومتوجّهاً نحوه فيما إذا كان مَن تنتظر قدومه على درجة عالية من المحبّة عندك؟

إذن المؤمن المنتِظر لقدوم مولاه كلّما كان انتظاره شديداً كان تهيّؤه ـ من خلال الاستعانة بالورع والاجتهاد، وتهذيب نفسه من الرذيلة، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة ـ أكثر وأشدّ.

إذن الحلقة التأسيسية للانتظار إنّما تكمن في درجة حبّ ومعرفة المنتظر، فكلّما غاب أو ضعف انتظارنا لإمامنا(عليه السلام) علينا أن نشك بسلامة معرفتنا وحبّنا لإمامنا الغائب المنتظر(عليه السلام).





--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ اللمعة البيضاء: 169 .

[2] ـ العنكبوت : 69 .

[3] ـ النور: 55 .

[4] ـ الميزان في تفسير القرآن : 14/240 .

[5] ـ تفسير العياشي : 2/20 ح52 ، كمال الدين: 645/4، بحار الأنوار: 52/129 .

[6] ـ تفسير العياشي : 2/168/62 ، كمال الدين: 645/4، بحار الأنوار : 52/128/22 .

[7] ـ هود : 11 / 21 .

[8] ـ كمال الدين : 2/644/1 .

[9] ـ كمال الدين: 2/645/6 .

[10] ـ كمال الدين : 2/357/54.

[11] ـ كمال الدين : 2/320/2 .

[12] ـ كمال الدين : 1/319/2 .

[13] ـ الغيبة للطوسي : 459/470 .

[14] ـ المحاسن: 1/453 / 1044، بحار الأنوار : 52/ 131/33 .

[15] ـ اُصول الكافي : 1/371/3 .

[16] ـ كمال الدين : 2/380/3 .

[17] ـ الخصال: 675/10/، بحار الأنوار : /52/123/7 .

[18] ـ المصدر السابق: 685/10، بحار الأنوار : 52/123/7.

[19] ـ المحاسن: 1/277 / 543، بحار الأنوار : /52/126/18 .

[20] ـ بحار الأنوار : 52/143/61 عن تفسير النعماني.

[21] ـ كمال الدين : 2/340/20، والاية في الاعراف: 71.

[22] ـ اُصول الكافي : 1/372/6 .

[23] ـ الكافي : 1/334/2 .

[24] ـ الكافي : 2/222/4 .

[25] ـ مجمع البيان : 9/359 .

[26] ـ تأويل الآيات: 2/666 ح21، عنه، تفسير البرهان : 7/449/9 .

[27] ـ الكافي : 8/76/30 .

[28] ـ غيبة النعماني: 207 ح16، عنه البحار: 52/140ح 5، مكيال المكارم: 135.

[29] ـ الخصال: 124، عنه البحار: 52/122 ح1.

[30] ـ غيبة النعماني : 207 ذيل ح16، عنه البحار: 52/140 ذيل ح50 .

[31] ـ عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/69 ح36، عنه البحار: 36/385 ح6.

[32] ـ الغيبة للطوسي: 457/467، بحار الأنوار : 52/130/26 .

[33] ـ إكمال الدين : 2/357 .

[34] ـ المحاسن: 1/277/542، البحار : 52/126/18 .

[35] ـ المحاسن: 1/453/1044، البحار : 52/131/ 33 .

[36] ـ الكافي : 5/22/2 .

[37] ـ كمال الدين : 2/645/ 6 .

[38] ـ الغيبة: 459/471، بحار الأنوار: 52/125/29 .

[39] ـ الكافي : 1/ 334 / 2 .

[40] ـ بصائر الدرجات: 104/4، بحار الأنوار : 52/124/8 .

[41] ـ الكافي : 2/222/4 .

[42] ـ الغيبة للطوسي : 456 ح466 .

[43] ـ الكافي : 2/22 / 10 .

[44] ـ كمال الدين وتمام النعمة : 2/ 377/ 1 .

[45] ـ الغيبة للنعماني : 207/ 16.

[46] ـ الظاهر من الخبر أنّ «مخاصم» اسم رجل، وهو اسم السائل.

[47] ـ اُصول الكافي : 2/ 22 /13 .


يتبع

-






توقيع : ابو الحسن
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس