عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/05/25, 09:03 PM   #7
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

الحلقة الواحد والثلاثون

عندما قالت الملائكة علينا ان ننتظر أمر الجليل الأعلى ، في هذا الوقت قال سعيد
: ازددت شوقا إلى لقاء ربي ومرضاته ، واحسست بانقلاب عظيم في نفسي حتى بدأت اشعر أن حاجتي الى الله تغيرت وتجاوزت حدود الخلاص من عذاب سنة اخرى واصبحت اطلب النجاة من عذاب فراق ربي
( ان نقاء الانسان وتطهره من الذنوب يؤدي الى قرب المقام من الله تعالى ، وكلما كانت درجة النقاء اكبر كان القرب الى الله اعظم حتى يصل الى مرتبة العشق والشوق الى الله ، وقد حلّق الامام علي ( ع ) في فضاء تلك المرتبة وهو لم يزل في عالم الدنيا ، وذلك يبدو واضحا في هذا المقطع من دعاء كميل)
فدعوته مرددا: ((الهي هبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك ، وهبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر عن النظر الى كرامتك، ام كيف اسكن في النار ورجائي عفوك، فبعزتك يامولاي اقسم لأن تركتني ناطقا لأضجن اليك بين اهلها ضجيج الآملين ، ولأصرخن اليك صراخ المستصرخين ولإبكين عليك بكاء الفاقدين ، ولأنادينك ياولي المؤمنين.....))
ازدادت حيرة الملائكة حولي ، وتركوني بحالي ابكي واناجي ، وبينما انا بهذه الحال واذا بي اسمع صوت ملك اقبل علينا وهو ينادي
: اتركوه قد انتهى عذابه وعفي عنه ، قد جعل الاه نفسه شفيعا عليه. اقترب منا اكثر حتى وصل الينا وانا انظر اليه مبهورا
غير مصدق لما أرى ، لقد كان وجه ذلك الملك يشع بالنور الساطع والجمال الباهر ويبشر بالخير لمن يراه
ضمني بجناحيه وقال : ان الجليل الاعلى يبلغك السلام ويقول: عبدي اني ماتخليت عنك ، ولاطردتك من رحمتي ، لانك كنتٓ تقترب مني مرة وتبتعد اخرى ، وانا دائما اناديك وادعوك بالتقرب والزلفى لدي ، اما عذابك في جهنم فهو لروحك تزكية ونقاء كي تعيش حياة الابد طاهرا لايحبك عني شئ
بكيت بكاءا شديدا عندما سمعت كلام الملك وخطاب الجليل، وصعقت صعقة غشيتُ على أثرها ، فلم اعد أرى ولا أسمع ولا أشعر بشئ، وغرقت في إغماء عميق عميق.......

الحلقة الثانية والثلاثون


قال سعيد: بعد أن غرقت في إغماء عميق وعميق، كان لقائي مع أول حبيب لي وأنا في أحضانه ، هو عملي الصالح الذي عندما أفقتُ وفتحتُ عيني ، أطلّت علي إشراقته المنيرة وابتسامته اللطيفة .
قال بصوته العذب : كيف حالك ياسعيد ، مدة طويلة مضت وأنا أسعى لخلاصك من المأزق الذي وقعتٓ فيه ، ولنجاتك من بلايا أعمالك السيئة
لم أصدق ما أرى ، هل هو حقيقة أم أنني أعيش في عالم الوهم والخيال؟ بقيت حيرانا انظر إليه أُغلق عيني مرة وافتحها أخرى
فبادرني بكلامه مرة ثانية : سعيد أنا عملك الصالح ، أنا رفيقك وهاديك ، هل نسيت لقائي معك قبل ثلاثين عاما؟
بدأ يمسح دموعي الجارية فرحا للقائه، إنها دموع لقاء الحبيب لحبيبه ، لقاء المشتاق إلى من اشتقت إليه سنين وسنين
قلت له معاتبا: أين كنت طوال هذه المدة ، أنسيت وعدك لي في مرافقتي والدفاع عني عند الشدائد والبلايا؟ لقد قضيت اقسى وأمرّ العذاب ، وما كان لك حضور معي لتواسيني على مصائبي ، أو تخفف عني آلامي .
قال العمل الصالح : إنني لم أتخل عنك ابدا، وسعيت جاهدا طوال هذه المدة لنجاتك إذ كان لي علم بما تعانيه ، وأول عمل أنجزته لك هو إيصال خبر إلى ابنك مرتضى في المنام بأن والده يتعذب بسبب أن عليه دَين سابق إلى صديق له اسمه أحمد لم يؤده إليه . وعندما ذهب مرتضى الى الرجل أحمد وجده قد توفي ، فأعطى المبلغ الى ابنه الاكبر ، وطلب منه براءة الذمة في تأخير سداد المبلغ، وهذا العمل أدى إلى فرار العقرب العالق من قدمك أليس كذلك؟
: آه الآن فهمت سبب فرار العقرب ، جزاك الله عني خير الجزاء، لا أعاده الله لي. وإنني فرحت كثيرا عندما علمت بهدية مرتضى اليك ، ومنذ ذلك الوقت سعيت بكل وجودي لخلاصك الأخير من جهنم ، كما إنني هيأت لك دار استقرارك ومحل سكناك في الجنان التي سوف نرحل اليها بعد ثلاثة أيام ،
( في أمالي المفيد ((...... قال سمعت أبا عبد الله جعفر ابن محمد صلوات الله عليهما يقول: إن العمل الصالح ليذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له ، ثم قرأ: وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون))
قال سعيد : لاأعلم كيف اشكرك، جزاك الله عني خير الجزاء.
قال العمل الصالح: لاتنسى اني خلاصة أعمالك الصالحة ، وكلما استكثرت منها في الدنيا كانت قدرتي على الدفاع عنك أكبر، وجاهي عند الملأ الأعلى أعظم .
بينما كنا نتحدث وإذا بثلاثة وجوه منيرة أقبلت علينا ، واقتربت أكثر وأكثر فتمعنت فيها وإذا بها نفس الكائنات النورانية التي اجتمعت حولي في القبر ، أنها الولاية والصلاة والصوم ، جاءوا ليباركوا لي نجاتي وخلاصي من عالم البرزخ ، اجتمعوا حولي وتذكرت اجتماعهم أيام القبر الأولى ووعدهم لي باللقاء مرة أخرى . بقينا ثلاثة أيام في هذا المكان الذي كان بمثابة محطة استراحة مؤقتة ، وقد توافد خلالها وفود عديدة من الأنس والملائكة لتهنئني بمناسبة الخلاص من عذاب البرزخ .
انقضت الأيام الثلاثة فأخبرني عملي الصالح بأنه استلم الإذن بمغادرة المكان .

إلى أين سوف يذهب سعيد.....

الحلقة الثالثة والثلاثون


قال سعيد: بعد أن أخبرني عملي الصالح بأنه استلم الإذن بمغادرة المكان ، سألته إلى أين إنشاء الله
قال الملك : إلى وادي السلام
( في بحار الأنوار) روي عن أبي عبدالله(ع) أنه قال: ((مامن مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلا وحشر الله روحه إلى وادي السلام )) حيث هناك مقر المؤمنين، وجنات عدن التي وعد الله عباده المتقين.
قال سعيد : تهيأنا للسفر وسألت صاحبي عن كيفية الذهاب
فقال: هناك دابة سوف تأتينا لنستقر على ظهرها ونرحل. جاءت الدابة وبدأنا الرحيل أنا وعملي ، اذ لا رفيق لي غيره ، ولا أنيس لي سواه .......
سألته في الطريق عن مسائل عدة منها عن جبل النار فقال: إن جبل النار هو تجّسم لصفة التكبر عند الإنسان ، وهو الذي قال عنه الله تعالى في كتابه :
(( سَأُرهِقُه صٓعُودٓا )) ،
ويحوي على أنواع من العذاب هي تجسّمات لآثار ذلك التكبر كما أن درجة العذاب فيه تختلف من شخص إلى آخر تبعا لدرجة تكبره ومعاصيه حتى تصل إلى المتكبرين على الله تعالى ، وأما ماكان مقررا لك فهو أدنى درجاته .
قال سعيد : وماذا عن الوحوش المفترسة الجائعة في الوادي المظلم المعتم بعد جبل النار؟
قال العمل الصالح: إنها حالات الغضب التي كانت تعتريك، وتجعلك كالوحش المفترس لمن تغضب عليه ، إذ كنت تنحّي عقلك جانبا، ويغمرك ظلام الجهل المعتم الذي لايسمح لك بالنظر إلى من تغضب عليه إلا بمنظار صٓورة الغضب الضيقة .
أستمر بنا الحديث ونحن محلّقين على الدابة التي كانت تسير بسرعة لا توصف
كان يغمرني شوق كبير لرؤية جنان البرزخ التي كثيرا ماقرأت عنها في الدنيا، وشوقي للقاء أحبتي كان أكبر تذكرت والدي ووالدتي وأهلي وزوجتي ، لا أدري أين مستقرهم الآن ، وهل نجواكما نجوتُ ، أم لازالوا ......
بينما كنت غارقا في عالم الفكر والخيال ، وإذا برائحة عطرة عذبة تغمر مشامي وتخرجني من عالم فكري .
نظرتُ لما حولي فرأيت خضرة واسعة ليس لها حدود . لم تمض دقائق حتى توقفنا عندها واستقرت أقدامنا فوقها .
استأذنت الدابة للذهاب ، وحلّقت بجناحيها الشفافين إلى حيث قال عملي وقد أشار إلى احدى الجهات
: لنترجّل قليلا إلى تلك الأشجار المثمرة حيث هناك نهر ماء عذب وثمار مختلفة .
ذهبنا وأكلنا من أنواع الفواكه التي لا عين في الدنيا رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر، كانت من الألوان بما لاتُعد ومن الطعم بما لايوصف ، ومن الرائحة بما لايرغب من يشمّها أن يبتعد عنها ويفارقها .
قال عملي: إن هذا الذي تراه هو مقدمة لجنان البرزخ وماينتظرك اكبر وأكبر .
قال سعيد: وماذا عن جنان الخلد بعد يوم القيامة ؟
قال عملي : أما نعيم جنان الخلد فلا أستطيع وصفه لك الآن لأنك لن تستطيع أن تتخيل أو تتصور ما أقوله لك، ولكن أعلم أن كل ماتراه من جنة ونعيم وثمار واشجار وحور وانهار ولذة في عالم البرزخ ، إنما هي صورة وانعكاس لحقيقة النعيم والجنان والحور والأنهار واللذات في عالم الأبد بعد الحشر والحساب .
في الاثناء اقبل علينا ملك في غاية الجمال فسلّم علينا
وقال: لقد أتيت لكما بالإذن لدخول وادي السلام ، تعالوا معي .
قال سعيد : سألته مستغربا: وأين هو وادي السلام ؟
قال الملك : انتم الآن على مشارفه ، تقدموا قليلا .
قال سعيد: تقدمنا خطوة بعد خطوة وقدما بعد قدم، فإذا بباب عظيمة شفافة وقد اصطفت الملائكة عن يمينها ويسارها وهم ينتظرون قدومنا. تقدمنا نحوهم ، واقتربنا منهم فسمعنا أولهم يقول: (( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)).

إلى أين يتقدموا بعد ذلك .

الحلقة الرابعة والثلاثون


بعد أن استقبلت الملائكة العمل الصالح وسعيد. .
قال سعيد : تقدمنا نحوهم ، واقتربنا منهم وسمعنا اولهم
يقول : (( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)).
تقدمنا أكثر فقال آخرهم : (( ادخلوها بسلام آمنين))
قال سعيد : دخلت انا وعملي بسم الله الرحمن الرحيم ..... ياإلهي ماذا أرى ! أهو حقيقة أم خيال ؟ ماهذه الخضرة الواسعة المطعّمة بأجمل الألوان ، يا لسعتها وجمالها ، وماهذه الأشجار والبساتين الرائعة ، وماهذه الأنهار الجارية والأنوار المضيئة ، ومن هؤلاء الجالسين مجاميع مجاميع ووجوههم تشع نورا وبهاءا ، يبدو أنهم من جنس البشر ، نعم إنهم سكان جنان البرزخ جالسين مجتمعين ،
(( في الكافي بإسناده إلى حبة العرني قال: خرجت مع أمير المؤمنين ( ع ) إلى الظهر، فوقف بوادي السلام كأنه مخاطبا لأقوام .... فقال : يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته ، ولو كشفت لك الغطاء لرأيتهم حلقا حلقا يتحادثون ، فقلت: أجساد أم أرواح ؟ فقال : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه الحقي بوادي السلام وإنها لبقعة من جنة عدن)).
قال سعيد: ليتني أصل اليهم فأسألهم عن أهلي وأحبتي . أردت التحرك نحوهم ولكني تذكرت أني جديد العهد هنا ، لذا سألت الملك المرافق لي
: ماذا نفعل الآن؟
قال: علينا أن ننتظر حتى يأتي أمر الله .
قال سعيد : سمعت اسم الله فأحسست بحب عظيم له وشوق للقائه ، ورغبة في رضوانه ،
وتذكرت الآية الكريمة: (( ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم)).
قال سعيد: سررت عندما رأيت الدابة بنورها المشع وابتسامتها البهية
وقالت : اركبوا بسم الله مجراها ومرساها.
قلت لها: بالله عليك اخبريني من أنت؟
قالت : أنا تجسم مساعداتك للناس وقضائك حوائج المؤمنين في الدنيا ، وقد خلقني الله لأقضي حوائجك وأكون وسيلة تنقلاتك في عالم البرزخ .
قال سعيد: وكيف استدعيك عند الحاجة إليكِ؟
قالت : إن من خلقني أودع لدي القدرة على الحضور أمامك بمجرد حصول نية استدعائك لي.
انطلقت بنا وحلقت فوق الجنان وأي جنان!
قلت لعملي: إلى أين المقصد هذه المرة ؟
قال : إلى مسكنك البرزخي ، إلى مثواك ومقرك الذي طالما كان في انتظارك ، إلى ما غرسته في الدنيا ونما لك في الآخرة ،
إلى (( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا)).
لحظات لا توصف ، ومشاعر لا تقاس بشئ وأنا في طريقي إلى ماوعدني به ربي .....
قال عملي : لدي مايسرك أكثر ،هل أخبرك به ؟
قال سعيد: نعم ، وهل هناك من لايرغب في سماع مايسره .
قال العمل: اعلم أن الإنسان الذي يدخل السرور في قلوب المؤمنين سوف يخلق الله له من يسره ، وهذا المخلوق سوف تلاقيه وقد اعد لك الكثير مما تقرّ به عينك.
: وهل تعلم ماذا أعد لي؟
قال العمل: إن المستقبل سوف يكشف لك ذلك.....

إذا ماذا أعد له المستقبل .؟

الحلقة الخامسة والثلاثون


بعد أن قال العمل الصالح لسعيد ان المستقبل سوف يكشف لك مايسرك .
وبعد أن وصل الى مسكنه البرزخي كان أول مستقبليه هي زوجته في عالم البرزخ وهي من الحور العين التي قال عنها الله سبحانه وتعالى
في سورة الرحمن (( حور مقصورات في الخيام ))
كان جمالها يفوق جمال أهل الدنيا، ويحير العقول ولا طاقة لهم على رؤيتها ولو أنها طلعت على عالم الدنيا لطغى نورها على نور الشمس المشرقة.
قال لها سعيد : إنني أرى جمالك يفوق جمال حور العين التي رأيتها في طريقي إلى هنا ، فهل ترين شخصي ما يناسب جمالك وكمالك الذي أراه؟
قالت حور العين : نعم إنني أرى فيك ذلك ، فجمالك عظيم يفوق جمال يوسف(ع) الذي كنا نسمع عنه .
قال سعيد : استمر الحديث بنا طويلا وأحسست خلاله بسعادة عظيمة ، وكانت الأطباق تأتينا بين الحين والآخر بأيدي الولدان المخلدين الذين كانوا يطوفون علينا فهم كاللؤلؤ المنثور.
في سورة الإنسان قال تعالى (( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا))
تجولنا في الحدائق حتى وصلنا الى نهر يجري فيه ماء زلال يشاهد من خلاله قعره الذي يبدو انه من الياقوت الأحمر ، ثم تقدمنا أكثر فرأينا نهرا آخر من لبن بياضه كبياض الثلج ، وهناك نهر آخر وهو من عسل مصفى .
قال تعالى في سورة محمد (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات....)) .
يقول سعيد : وبمجرد أن نوينا لحم طير مشوي سمعنا نداءا لأحد طيور الجنة من على غصن فيها
وهو يقول بصوت جميل: أنا طير خلقني الله في الجنة ، وليس في الجنة عين إلا شربت منها، ولافاكهة إلا أكلت منها ، فهل تشتهي
الأكل منه؟
قال سعيد مستغربا: نعم
وما أن قلت ذلك حتى ألقى بنفسه أمامنا وخفق بجناحيه ثم خرج من كل ريشة منه قطعة لحم ،
قلت لحور العين: تفضلي بسم الله، هذا من فضل الله.
ولما انتهينا من تناول اللحم فوجئنا بعودة الطائر إلى حالته الأولى،
قال سعيد للحورية : العجيب إن مانشاهده في عالم البرزخ ليس إلا انعكاسا لحقيقة عالم البرزخ ، والبرزخ قطرة من بحر عالم الخلود......
قال سعيد في الأثناء أقبل علينا شخص تظهر عليه ابتسامات لطيفة استأذن منا وبادرنا بالسلام
وقال: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. أجبناه معا وبصوت واحد
: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
سأله سعيد : من تكون .
قال : أنا السرور الذي ادخلته في قلوب المؤمنين....
قال سعيد : قاطعته مسرورا: نعم نعم أخبرني عملي الصالح أني سألاقيك ، وان لديك مفاجآت سارة قد أعددتها لي . فأين هي ،
أشار السرور الى زوجته حور العين
وقال: زوجة من الخيرات الحسان ألم تدخل السرور في قلبك ؟
قال سعيد: كيف لا، بل غمرتني فرحا وسرورا لاحدود لهما، ولكن أخبرني مادورك بذلك الأمر؟

ماذا رد عليه السرور ...

الحلقة السادسة والثلاثون


عندما قال سعيد ان حور العين غمرتني فرحة وسرورا..،
وقال للسرور أخبرني ما دورك من ذلك ،
قال السرور:كنت أنا الوسيط بينكما، وقد سعيت بهذا الأمر منذ نجاتك وخلاصك من تبعات ملكاتك وأعمالك السيئة .
توقف قليلا ثم ابتسم وقال : ولَدَي أمر آخر يسرك كثيرا .
قال سعيد: قل لي بالله عليك ماهذا الأمر الذي يسرني كثيرا؟
قال السرور سوف يزورك في قصرك بعد ثلاثة أيام شخص عزيز عليك ، قد كان لك في الدنيا سندا وهاديا ، وهو الآن في مقامات عالية اعظم من مقامك الذي انت فيه ، فهو يتمكن من زيارتك بينما أنت لاتستطيع ذلك إلا للأشخاص الذين هم أدنى منك .
غمرتني فرحة كبيرة بسماع هذا الخبر ياترى من سيكون هذا الزائر
طلبت من سرور أن يخبرني باسمه فأبى إلا أن يجعلها مفاجأة لي في يوم اللقاء.
سألت سرور : كيف تمكنت من تهيئة هذا الأمر كله ؟
قال : إن خدمتك لضيوفك في الدنيا وسعيك لتوفير كل الراحة لهم بما يسرهم ويزيل عنهم أتعاب السفر وعناء الطريق كانت خالصة لله ، وقد تجسّم عملك هذا بهيئة قوة مكنتني من هذا الأمر .
مضت ثلاثة أيام وجاء اليوم الموعود ،
كان كل من في القصر متهيأ لساعات اللقاء ومتشوقا لرؤية الضيوف الكرام ، ويبدو على سكان القصر نشاط دؤوب وحركة كبرى بعدما عرف كل منهم دوره وواجبه ، وترى الواحد منهم يبشر الآخر ويحثه على العمل،
فقلت في نفسي : عجبا! يبدو أن الجواري والخدم فرحون اكثر منا بقدوم الزائر ،
اقترب الموعد وبلغ التهيؤ لاستقبال الزائر ذروته وحان اللقاء ،
: نعم إنها علامات تدل على قدومه، فها هي جنتي تزداد نورا فوق نورها ، وها هي الطيور زادت تغاريدها، والورود من ألوانها وروائحها ، والأشجار من ثمارها .... أقبل الزائر والنور يسعى بين يديه ، والبسمة على شفتيه ، الملائكة تحفه يمينا وشمالا، عانقني وضمني إلى صدره
وقال: هل وجدت ما وعدك ربك حقا ياسعيد؟
أجبته ودموعي جارية لفرحة لقائه : نعم وجدت ماوعدني حقا وزيادة يا مؤمن .
أجل انه صديقه مؤمن الذي كان يبدي النصائح لسعيد في الدنيا الفانية ،
يقول سعيد : كلما رأيت آثار نصائحه في الآخرة ازداد شوقا اليه ورغبة في لقائه .
ضمه مؤمن مرة أخرى وقال له: يبدو انك مازلت تذكرني يا سعيد.
قلت له : كيف أنساك وقد تربيت على يديك ، وسهرت الليالي من اجلي وتتحمل العناء في تعليمي مفاهيم ديني وأحكام أسلامي ، انت الذي وضعت وردة الأسلام في يدي وسقيتها حتى نمت وترعرعت ودخلت في قلبي ، انت يامؤمن كنت نورا استضئ به في ظلمات الدنيا وشبهاتها واستعين به من الزلق والمتاهات ، كنت اقتبس منك نورا في عالم الفناء فكيف يزول عن قلبي شوق لقائك في عالم البقاء.

الى هنا انتهى عالم البرزخ سوف ندخل في أمواج يوم القيامة


قال سعيد : سمعت صوتا يقول أفق من نومك ياسعيد، أما علمت باقتراب قيام الساعة والقيامة الكبرى ؟ كيف تنام رغدا في جنان البرزخ ، وبين أحضان الحور، وقد تحقق أول شرط من أشراطها !
نداء هز كياني كله ولم أكن نائما ، بل غارقا في بحر من الفكر ، سابحا في أمواج ذكريات عالم مضى ، عالم الدنيا الذي انقضى وكأنه لم يكن إلا ساعة او اقل ، كنت اتذكر عالم البرزخ ومراحل العذاب والنعيم فيه ، وها هي آلاف من السنين مضت وتمضي والجميع بانتظار القيامة الكبرى! ....

الحلقة السابعة والثلاثون


عندما قال سعيد وها هي آلاف السنين مضت وتمضي والجميع بانتظار القيامة الكبرى ،
قال تعالى: (( وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)).
قال سعيد : على الرغم من أني أعيش في جنات ونعيم عالم البرزخ ، وبرغم القصور والبساتين ، والحور والخدم من الملائكة الذين سخرهم ربي لخدمتي ، وليس لهم شغل شاغل غير ذلك.
( عالم البرزخ هو الفترة التي تتوسط بين عالم الدنيا وعالم القيامة الكبرى ، وهو أرقى درجة من الدنيا وأدنى من القيامة . تعيش فيه أرواح الأموات بأبدان لطيفة شفافة ، ويكون فيه ثواب وعقاب جزئي من الأعمال والعقائد والملكات، حينها إما أن يعيش الأنسان فيه داخل جنة ونعيم أو في عذاب نار أليم ) .
مرت سنين وسنين ، وكلما تحقق شرط من أشراط قيام الساعة في عالم الدنيا ، تحدث ضجة كبرى في عالم البرزخ ، وترى الخوف والأضطراب يغمرهم ،
حتى أصحاب الدرجات العالية كانوا يعيشون حالة بين الخوف من الساعة والحساب ، وبين الرجاء والنجاة من أهوال ذلك اليوم العظيم.
مرت الأيام ، وتشابكت الأحداث ، وسالت دماء كثيرة على الأرض حتى غيّرت لون أنهارها، بل أصبح اللون الأحمر هو السائد فيها......
أحسست بيقين لايخالطه الشك بأن الساعة آتية عن قريب ولاريب فيها، خصوصا بعد ان كسفت الشمس في وسط رمضان، وخسف القمر في آخره ، وخرج يأجوج ومأجوج منتشرين في الأرض ، وهم من كل حدب ينسلون .
قال تعالى : (( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون- واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين))
وتوالت أحداث وآيات عجيبة فير مأهولة على أهل الأرض كان آخرها أن أشرقت الشمس من مغربها ، وخرجت دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآيات الله لايوقنون ،
قال تعالى: (( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لايوقنون)).
حينها تحقق مصداق الآية الكريمة .
(( يوم يأتي بعض آيات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)).
أما الأرض فقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الأنسان مالها ، هنالك نطقت بإذن ربها ،
وقالت : إنما هو أمر الجبار إذ أوحى لها بأن ُتخرج مافي بطونها من أثقال وأسرار ، واستمرت أحداث الأرض زلزال بعد زلزال ، حتى ابتلعت معظم سكانها، وغاصوا في أعماقها الملتهبة ، فلم تر لهم باقية . كل شئ يشير الى قرب حدوث تغير شامل وواسع في عالم الوجود ، وبات الناس حيارى سكارى ، يرتطم بعضهم ببعض ، وكل شخص يفكر في مصيره ويتخلى عما سواه حتى الأم اهلت عن ولدها والمرضعة عن رضيعها ، بل لشدة الخوف من العذاب المرتقب وضعت كل ذات حمل حملها ، تيقنت أنها مقدمات الساعة
فأصابني خوف كبير ورعشة شديدة ، وكلما التقيت جماعة من سكان البرزخ ، أرى صورهم قد تغيرت واصفرت من قيام الساعة ، وما رأيت أحدا مطمئن القلب ، فيسليني ويعوِن علي ماسألاقيه في المستقبل المجهول ، ثم .....
(( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله))
إنها نفخة إسرافيل الأولى لإماتة خلق الله، إلا أولئك العارفون بحائق الوجود وأسراره، وقلوبهم غريقة بالمعرفة والمحبة الإلهية.
لم يسلم حتى جبرائيل وميكائيل من صعقة الموت ، بل حتى اسرافيل وعزرائيل الذي كان آخر من بقي
فقال له الله: مت ياملك الموت ،
فمات !
لم تتوقف الأرض عن أمر ربها ، إذ ألقت ما فيها وتخلت ، واندكا اجزائها دكا،
قال تعالى (( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا))
وتشققت أنهارها وسجّرت بحارها فالتهبت، وتحركت الجبال ونسفت نسفا اما السماء فقد عمّ فيه دخان عظيم مما زاد على الظلمة ظلمة ، فلا شمس تشع ولا قمر ينير ولا شمس براقة ،

الحلقة الثامنة والثلاثون


من التغيرات التي حصلت وفي هذا الوسط من الظلمة المعتمة انطوت السماء كطي السجل للكتب ،
قال تعالى: (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)).
سكنت الحركات ، وخمدت الأصوات ، وخلت من سكانها الأرض والسموات، وساد صمت وهدوء مطلق في أرجاء الكون ، اذ بقيت السموات خالية من املاكها ، والأرض من إنسها وجنّها وطيرها وهواها ،
وبقي المُلك لله الواحد القهار، المتصرف في الملك والملكوت ،
وكأن ربي يسأل خلقه:(( لمن الملك اليوم)).
لاأحد يجيب بل لاأحد غير الله ينطق حتى يجيب
ويقول: ((... لله الواحد القهار)).
طال سُبات الخلائق وسكونها ، والله أعلم كم كانت مدته ،
حتى حان ذلك اليوم الذي سمعنا فيه صوت نفخة الصور الثانية وصيحته
إنه إسرافيل عاد بعد أن أحياه الله
لينادي في خلقه: أن قوموا ليوم الحشر والحساب
ولكن أي صيحة كانت ! بل أي نداء هذا الذي يحي الأموات من أولهم ألى آخرهم ، ويخرجهم من الأرض قياما ينظرون ! ومن الاجداث مسرعين ، يرتطم بعضهم ببعض ، أبصارهم خاشعة ، وقلوبهم خائفة مضطربة ، كأنهم جراد منتشر إلى ربهم ينسلون .
قال تعالى (( فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر)).
حقا انه منظر مرعب ومهول أن تخرج كل الأجيال من البشر منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة في وقت ومشهد واحد ! والكل يسوق بنفسه مسرعا مضطربا ، والبعض زاحفا ... إلى ساحة المحشر والحساب.
قال سعيد : أسرعت مع هذا الجمع العظيم من الخلق وبين الحين والآخر أتعثر ، فأقع ذليلا على وجهي ، وأحس بأقدام الخلق فوقي ، ولكن سرعان ماأنهض قائما بمساعدة مخلوق كان يرافقني منذ خروجي من قبري ، ولشدة الزحام والأضطراب لم أتعرف عليه ، بل ماتمكنت من رؤيته بصورة تسمح لي بمعرفته . كنت ارى الكثير ممن بعثوا تتأجج النار من أفواههم ، وهم يتعثرون ، وتحت الأقدام يسحقون، هم كالأقزام في صغرهم وقد لاترى لهم أثر عند مرور الجمع عليهم ،
(عن رسول الله ( ص ) قال: يبعث يوم القيامة ناسا في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم ، فيقال ماهؤلاء في صور الذر ؟ فيقال هؤلاء المتكبرون في الدنيا ).
والعجيب أن البعض منهم كلما أراد القيام أركسه مخلوق قبيح كان يرافقه ليلقيه على الأرض مرة أخرى !
فقلت : بسم الله، هذا أول مشهد من مشاهد الذلّة والعذاب.
وبين هذه الوجوه رأيت شخصا يشع نورا ، ولاتبدو عليه آثار التعب سوى الدهشة التي كانت تظهر على ملامح وجهه،
سألته : هل تعلم مالذي حدث ؟ والى اين يساق بنا ؟
تمعن في وجهي ثم أجاب : أرى في صورتك ملامح الأيمان والتقوى ، ولكني أيضا أرى نورك صعيف لايكاد يضئ الطريق اليك .
نظر الى الجمع العظيم ،
ثم عاد ليقول : إن الله بعثنا بعد أن أماتنا موتة البرزخ ، ونحن الآن في يوم البعث الذي وعدنا به لنساق به الى الحشر والحساب ، ثم تجزى كل نفس بما كسبت ، ولايظلم ربك أحدا .
قال سعيد : سبحان الله ماأقصر لبثنا في عالم الدنيا والبرزخ ، وكأننا لم نقض فيهما إلاساعة أو أقل .
قال تعالى : (( يوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وماكانوا مهتدين ))
نظرت لما حولي فرأيت أحسنهم حالا من وجد لقدمه موضعا ، ورأيت من الرجال والنساء مالايحصى عدده ، ولانهاية لحدوده وهم في صور مختلفة
: فبعضهم ذات صور قبيحة ومهولة موحشة، ابدانهم عراة لايغطيها ولايسترها شئ، وهم في حالة يكاد الخجل يذيبهم ، والذلة والحسرة تقتلهم ، ولاملاذ لهم فيستترون فيه ، او يحتجبون به عن انظار غيرهم .

لنتابع ماهي الصور الأخرى التي هم عليها ...........

الحلقة التاسعة والثلاثون


من الصور الأخرى التي كان عليها البشر في يوم الحشر ،
كان البعض منهم على صورة القردة، وآخرين على صورة الخنازير،
وبعضهم منكسون على وجوههم وقد علت ارجلهم رؤوسهم وهم يسحبون عليها،
وبعضهم عمي يترددون،
وبعضهم صم وبكم ،
وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاّت على صدورهم ، ويسيل القيح من أفواههم فيتقذرهم أهل المحشر،
وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ،
وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ،
وبعضهم أشد نتنا من الجيفة ،
بينما هناك آخرون ملبّسون جبابا سابغة من قطران نار لاصقة بجلودهم .
( سأل معاذ بن جبل رسول الله ( ص ) عن قوله تعالى: (( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا)) .، فقال ( ص ) يامعاذ سألت عن عظيم من الأمر ، ثم أرسل عينيه ثم قال : تُحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا ، قد ميزهم الله تعالى من المسلمين وبدل صورهم، فبعضهم على صورة القِرَدة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، و....)
وفي الوقت نفسه كنت أرى البعض الآخر على صور جميلة متفاوتة ، كل حسب درجته وكماله الذي اكتسبه في عالم الدنيا ، وهم يرتدون ألبسة متغايرة فيما بينها.
قلت : سبحان الله ! ماهذا التفاوت في خلقه؟
وتساءلتُ مستغربا عن أي أرض أو سماء يمكن لها ان تسع كل هذا الحشر العظيم ؟!
قال سعيد : التفت نحوي شخص يبدو أنه من أهل الإيمان ، وكتابه القرآن ،
فقال : أما قرأتَ في القرآن : (( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار)).
قال سعيد: بهرني نور وجهه المشع، ،
فسألته : أخبرني ، كم سيطول وقوفنا في عرصة المحشر؟
أجاب قائلا: إن للقيامة خمسون موقفا، وكل موقف يستغرق ألف سنة ، أما قرأت في القرآن : (( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)) وأهوال هذه المواقف وشدتها مرتبط بدرجتك التي حُشرتَ عليها ، فإن (( لكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون)).
صمت قليلا ثم قال: أراك وقد حُشرتَ على هيئة إنسان ، ولباس التقوى يسترك، ولكني ألاحظ نورك ضعيف ، قد لايهديك في ظلمات القيامة والصراط.
أصابني هول مما سمعته منه ، وحسرة على ماقصرت به في عالم الدنيا ، إذ لم أرفع درجتي بأعمالي وملَكاتي ، ولم اوصلها إلى مراتب الإنسان الكامل الذي يشع نوره بين العباد في يومٍ يجمع الله به الأولين والآخرين.
بكيت بكاءا شديدا ، فاختلطت دموعي مع العرق الذي راح يجري جريانا من بدني ،
إذ أصبحت الشمس محرقة بعد أن اقتربت شيئا فشيئا فوق رؤوس العباد ، وانشغل كل واحد بهمه وغمه ، وأصبح لا يبالي بغيره.
وإذ أنا في ذلك الوضع من الحزن والقلق وبّختُ نفسي
وقلت لها: يا نفسي أصبحتِ كما قال إمامي زين العابدين في دعائه :(( أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي ، إذ الخلائق في شأنٍ غير شأني ، لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأن يُغنيه ، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة ٌ مستبشرة ، ووجوه يومئذٍ عليها غَبَرة ترهقها قَتَرة....)).
قال سعيد : لفت نظري مخلوق كان حسن الوجه ، جميل المنظر . اقترب مني والأبتسامه على وجهه ، ثم نادى باسمي !

من يكون هذا المخلوق ......

الحلقة الأربعون


عندما قال سعيد : لقد لفت نظري شخص حسن الوجه .... .
قال لسعيد : ألا تعرفني ؟
قال سعيد : نظرت إليه ، وهو أول من ينادي باسمي في ساحة المحشر ، ولكني لم اتعرف عليه ،
لذا أجبته مستغربا: كلا، إن أهوال القيامة أنستني كل شئ، فمن تكون ؟
قال له: أنا الذي كنت من البعث إلى المحشر أُنجيك كلما صرتَ تحت أقدام العباد، أنا الذي كنتُ أنير لك الطريق كلما دخلت في الظلام ، أنا الذي كنتُ أزيل عنك اليأس ، وأبشرك بالجنة ، وادعوك الى ترك القنوط من رحمة الرحمن،
في الكافي ، قال ابو عبد الله( ع) في حديث طويل : إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدِم أمامه ، وكلما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لاتفزع ولاتحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل......)).
شكر سعيد الشخص الجميل المنظر وقال له لولاك لكنت في أسوء حال قل لي بالله عليك من أنت ، فإني أحب ان تكون دائما برفقتي .
قال ذو الوجه الحسن : سأكون كذلك إنشاء الله ، إلا في المواضع التي لايسمح لي بتجاوزها.
تمعنت فيه جيدا وقلت له مترددا : هل أنت عملي الصالح؟
قال: نعم .
قال سعيد : كادت روحي تحلّق من فرحة لقائه ، فعانقته طويلا ،
ثم نظرت إليه مستغربا تَغَير صورته عما عهدتها عليه في عالم البرزخ وسألته عن ذلك ،
أجاب : في البرزخ كانت تظهر بعض تجسمات حقائق أعمالك ، وكنت أنا خلاصة لها ، أما في عالم القيامة فتظهر جميع أعمالك ، ودقائق إحساساتك ، وملكاتك التي كانت معك في الدنيا ،
أمَا قرأت في القرآن : (( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )).
قال سعيد : اذا من كلامك إني سألاقي الكثير من تبعات أعمالي السيئة ومصائبها.
قال ذو الوجه الحسن: نعم ياسعيد ومما يزيد الطين بلّه أن القيامه ليست كالبرزخ ، اذ لم يبق مخلوق في الدنيا حتى يتصدق نيابة عنك ، أو يذكرك بذكر أو دعاء ، بل تلاشت الدنيا ومافيها ، وأنت الآن في نشأة أخرى لها نظامها الخاص بها، وقوانينها التي تميزها عن غيرها ، وهذه القوانين الجديدة مما لم ترها من قبل ، بل لم تكن قادرا على تخيلها إن سمعتَ عنها.....
مضت أربعون عاما وحالة أغلب من في المحشر سيئة للغاية
إذ زادت حرارة الشمس باقترابها ، ولشدة حرارتها أصبح العرق يجري من أبداننا
أما الأرض فتكلمت ، وأخبرت من في المحشر أنها أُمرت بعدم السماح لعرَق العباد أن ينفذ فيها ، مما زاد ضجيج أهل المحشر واستيائهم .
واشتدت حرارة الشمس أكثر وأكثر بركوبها فوق رؤوسنا، وهي ليست كشمس الدنيا ، بل أشد وأقسى ، ولايمكن التستر أو التهرب منها
وبلغ العرق لدى البعض منا حتى قدميه ، وازداد الصراخ والعويل ومامن مغيث.....
في الأثناء خطر على فكري أمر الشفاعة ، ولكن شفاعة في هذا الوقت ولجميع أهل المحشر تحتاج إلى شفيع يكون أهل لها، وذي درجة عالية من المنزلة والقرب من الله.

فمن هذا الشفيع ياترى..........


الى اللقاء في الخلقة القادمة...بأذن الله تعالى


رد مع اقتباس