عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/05/26, 03:48 PM   #8
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي

الحلقة الواحد والأربعون


عندما فكر سعيد بالشفاعة وتوجه الى أحد الأنوار المشعة وطرح عليه هذه الفكرة لنجاته من هذا الموقف،
لكن أحد ذوي الأنوار المشعة قال لسعيد: أنت تعلم أنني لستُ ذا درجة عالية في المقام حتى أتمكن من الشفاعة لنفسي ، فضلا عن غيري .
قال سعيد : وماذا نفعل ، وإلى أي وجهة نتوجه؟
قال النور المشع: علينا بالأولياء المخلصين .
قال سعيد مستغربا: ألستَ أنت منهم ؟!
قال النور المشع وهو يتحسر من أمر ما: إنني من الأولياء المخلصين لله ، وأعلى من مقامي الأولياء المخلصين الذين استخلصهم الله لنفسه بعد أن رأى صدق اخلاصهم له.
قال سعيد: انطلقنا ومعنا جمع غفير إلى أحد أولياء الله المخلصين. وكنت ألاحظ خلال مسيرنا ما تبقى من أهل المحشر ،
فرأيتُ ذوي الابدان العارية ، والصور القبيحة ، لايتجرءون على الذهاب معنا ، بل لشدة خجلهم وذهاب ماء وجههم نكسوا رؤوسهم ،
وبعضهم من ذوي الدرجات السفلى لايتمكنون من القيام ، فضلا عن المسير ، فتراهم قد غرقوا في عرق أهل المحشر ، وهم في كل مرة يخرجون رؤوسهم ثم يدخلونها ، وهذا هو حالهم ، وأول مراحل عذابهم .
اقتربنا من أحد أولياء الله المخلصين ، اذ دلنا عليه نوره المشع الذي طغى على أنوار الأولياء الذين كنا برفقتهم ، دنونا منه اكثر واكثر حتى بان بياض وجهه ، وتألق ضياء صورته وهيبة وقفته و.......
يإلهي ماذا أرى ! أحقيقة هو ام خيال ! توقفت عن التقدم نحوه . فالتفت لي ولي الله الذي أتيت معه
وقال: ماالذي حدث؟ أراك مندهشا مستغربا مضطربا !
قال سعيد : أجبته بدموع جارية: إنه مؤمن ، إنه صديقي مؤمن ، إنه....... آه بأي وجه سألاقيه ، وبأي مقام أتقابل معه ، لا، لا ، اراد الولي أن يهون علي موقفي ، فقال: إنك بحمد الله على صورة إنسان ، وعليك لباس التقوى يسترك، فماذا تقول في غيرك ممن تخلفوا عنا من أهل المعاصي والذنوب؟
قال سعيد : نظرت إلى بدني ولباسي ، وقلت الحمد لله على كل حال ، ولولا هداية ربي لكنت اسوأ من ذلك .
نظرت إلى مؤمن مرة أخرى ، ورأيت عرق أهل المحشر لم يغط سوى قدميه وجزء يسير من ساقيه .
ياإلهي إنه يتقدم نحوي ، لابد إنه قد علم بقدومي ، ماذا أفعل ، إنه يقصدني لا غيري ، نعم ها هو أمامي .... عانقني وضمني إلى صدره ،
وقال: لا ياسعيد، لماذا تهرب مني ألست انا الذي ادخلتك خيمة الأسلام في الدنيا بعد أن رأيتها اهلا لها؟ وماتخليت عنك حتى عند فراقك الدنيا ونزولك في منزلك البرزخي ، فكيف أتخلى عنك الآن ، ألم يقل الله تعالى في قرآنه الكريم: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) وأنا وأنت الحمد لله من المتقين ، رغم اختلاف مقاماتنا ، وإن شاء الله سأشفع لك في مواضع عدة ، لترفع من مقامك الذي انت عليه الآن .
كنتُ أنصت لكلامه والعبرة تحرقني ، والدمعة تغلبني وكلما نطق بكلمة يعظم بكائي ،
أمسك بي وأوقفني بجنبه ليتحدث مع أولياء الله بعد أن طرحوا عليه أمر المأزق الذي يمر به أهل المحشر
فقال : إن أمرا كهذا لا أتمكن منه ، وقد طرحته على أمثالي في المقام ،
واتفقنا على ان ننطلق إلى أهل مقامات الرضا، الذين هم أعلى درجة منّا، ونرى مايمكن لهم ان يفعلوه.
طلب الحاضرون مرافقته ، ولكنه تعذر وقال: إن المقامات التي سوف ننطلق إليها ليس من الهين وصولها إلا لأمثالي في الدرجة والمقام ، وسوف أبذل مافي وسعي إن شاء الله لتحقيق ماطلبتموه مني .
انصرف الحاضرون ، ثم التفت مؤمن إلي
وقال: ما من إنسان في عالم القيامة إلا وهو محتاج لشفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام، حتى الأولياء والأنبياء .
قال سعيد: وكيف ذلك ؟ وهل هناك نبي يدخل النار ، أو يتعرض إلى عذاب كي يحتاج الشفاعة .
قال مؤمن: الأنبياء على تفاوت في الدرجة ، أما قرأت في القرآن : (( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات)). فكل رسول منهم يحتاج شفاعة رسول أعلى منه كي يرفع درجته ، لا أن ينجيه من النار والعذاب .
قال سعيد : سألته مستغربا من كلامه: حتى أولياء أولي العزم ؟
: نعم حتى هؤلاء.

الحلقة الثانية والأربعون


الكثير من البشر في عالم يوم القيامة محتاج الى شفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام حتى الأولياء والأنبياء بل وحتى أنبياء أولي العزم ، نعم حتى هؤلاء ، فهم بحاجة إلى شفاعة الخاتم ( ص ) وأظن أن مشكلة أهل المحشر ليس لها إلا الرسول الأعظم الذي ختم مقامات القرب إلى الله بمقامه ، وبلغ موقعا لم يبلغه أحد قبله ولابعده ،
فهو الذي قال القرآن بشأنه : (( ثم دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى )).
طلب سعيد من مؤمن ان يرافقه في رحلته،
تبسم مؤمن وقال : لا يمكن السماح لك بمرافقتي إذ أن درجتك التي اكتسبتها في عالم الدنيا والبرزخ لاتمكنك من ذلك.
قال سعيد: عدنا الى مواضعنا على أمل ان تصلنا أخبار مسيرة مؤمن وامثاله ، وفعلا علمنا أن الأمر قد وصل إلى نبي الله آدم ، ثم قطع مراحل أخرى ومراتب عدة حتى ان الأنبياء من غير أولي العزم انطلقوا الى نبي الله نوح
وقال لهم : أن هذا الأمر عظيم وأنا لست له ، اذهبوا إلى نبي الله ابراهيم ،
نبي الله ابراهيم دلهم على نبي الله موسى الذي دلهم على نبي الله عيسى ، وعندما وصلوا اليه
قال لهم : إن الله خص مقام المحمودية للرسول الخاتم محمد ، وهو أهل لهذا الأمر .
جمعوا أمرهم ، وانطلقوا إلى الخاتم ( ص ) وقالوا له: يامن ختم الرسالات برسالته ، والمقامات بمقامه ، يامن هو أولنا إسلاما ، وأرفعنا درجة ، وأوجهنا عند النار ، يا من أقو للعبودية لله وآدم بين الروح والجسد ،
عن رسول الله (ص) قال: (كنت نبيا ، وآدم بين الروح والجسد ) يامن يشهد على الشهداء ونحن الشهداء ،
قال تعالى : (( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) .
يارسول الله أشفع لنا ولأهل المحشر عند الله ، فًإن الحرارة كادت تذيب أبدانهم ، والعرق يصل الى أعناقهم ، بل إلى أفواه البعض منهم.
أجابهم الرسول الخاتم اذ قال: أنا لها يا أنبياء الله وأولياءه.
وانطلق الخاتم ( ص ) وسجد لله سجدة أطال فيها ، ومارفع رأسه الشريف منها حتى قيل له
: يا محمد إسئل تُعطى واشفع تُشَفّع ،
فقال : يارب أُمّتي أُمّتي. هنالك ارتفعت الشمس عن رؤوس العباد ، ونفذ العرق في الأرض،
وعاد الرسول الخاتم ، وكل من في المحشر ينطق باسمه ، ويحمده على شفاعته ،
وذلك قوله تعالى: (( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا))
قال سعيد: بعد ان رفع البلاء العام وقد شمل عموم أهل المحشر بشفاعة خاتم الأنبياء( ص ) .
قال سعيد: بقي كل شخص منا يعيش عذاب نفسه ، وحسرة أعماله، والذي يزيد من العذاب عذابا، أن كل شخص منا كان معروفا بين أهل المحشر بملامحه أنه فلان الذي كان في الدنيا ، رغم تغير صور وأبدان البعض منهم الى صور قبيحة منبوذة ، كهيئة الخنازير والقردة وأمثالها ، والبعض تفوح منه رائحة كريهة نتنه تجعل أهل المحشر يفرون منهم ، وذلك يجعلهم في عزلة وذلة منبوذين لدى الخلائق أجمعين ،
ثم قال سعيد : كنت أجول في عرصة المحشر عسى أن أجد ما ينفس كربتي في أول موقف من مواقف القيامة فأرى بعض أصحاب الدرجة السفلى يتمسكون بأطرافي ، ويتوسلون بي لنجاتهم ، أو على الأقل بتأمين لباس يسترون به أبدانهم ، وذات مرة سألني أحدهم أن أهب له شيئا من نوري رغم ضعفه
اذ قال: أعطني نورك ، أو دلني من أين أتيت به ؟
تذكرت آية القرآن التي تشير إلى هذا الطلب من المنافقين يوم القيامة ،
والتي تقول: (( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا)). حينها أجبته بما أجابهم القرآن ،
إذ قلت له : ارجع ورائك فالتمس نوراً.
قال: أتسخر مني ، أين النور الذي تقول عنه ورائي ؟
قال له سعيد : أنا أقول ارجع إلى الدنيا والتمس النور من هناك ، وهيهات لك ذلك . لقد تركتم نور الله ورائكم ، فلماذا لم تستضيئوا به ، ولم تلتمسوا منه وقد قضيتم عمرا فيها ! أما المخاصمات يوم المحشر فحدث ولاحرج ، وكثيرا ما كنت أشاهد مخاصمات بين أفراد يبدو من كلامهم أنهم كانوا في الدنيا أصدقاء على السوء ، أو شركاء على الباطل ، أما الآن فقد أصبح الواحد منهم أشد الأعداء للآخر ويود لو يقطّعه قِطَعا قِطَعا. .....

الحلقة الثالثة والأربعون


رأى سعيد في المحشر مخاصمات بين الأفراد كانوا أصدقاء في الدنيا وفي الآخرة أعداء ، وذلك عندما شاهد سعيد مشاجرة شديدة بين أفراد المحشر وقال إنهم ليسوا غرباء عني ، ويبدو أني أعرفهم دنوت منهم وتمعنت فيهم .....
ياإلهي ماذا أرى ! إنه جمال !! نعم ، إن ما أشاهده حقيقة لاخيال ، هو جمال بعينه وشخصه ، إنه هو الذي كان سبب مفارقتي للدنيا بعد أن ألقى بي من سطح مبنى ذي خمس طوابق ، والشخص الذي كان يتشاجر معه صديقه في العمل ، ومعروف بسيرته الحسنة في الشركة توقفت في موضعي ، وأصغيت لهما .
قال جمال وهو في أبشع صورة، عاري البدن ، أسود الوجه ، نتن الرائحة ، يقطر الدم من جروحه التي ملأت جميع أنحاء جسده ، وهو يتلوى ألما منها،
قال لصاحبه: أنت الذي غررتني ودفعت بي إلى سرقة أموال الشركة دفعة بعد أخرى ، حتى انكشف أمري ،وقتلنا سعيد بسببها.
صرخ صاحبه في وجهه وهو يقول: لاتقل قتلنا سعيدا ، بل انت قتلته ، وأنت الذي كنت تأخذ جميع أموال سرقاتك ، ولاتعطيني إلا القليل منها ، و.....
قلتُ سبحان الله ! هنا تنكشف الأسرار، وتظهر الحقائق المكنونة في الصدور، فجمال كنتُ أعرف سرقاته وقتله لي ، أما الآخر فكنت أحسبه من المخلصين في عمله وتعامله، وقد ظهر الآن أنه شريك جمال في سرقاته .
تركتهما يتشاجران وانصرفتُ عنهما موكلا الأمر الى الله تعالى،
وقلت : ربي أريد العدل والقصاص منهما، فأنت الشاهد وانت الحاكم .
وكانت نار جهنم تزفر بلهيبها بين فترة وأخرى على أهل المحشر ، فيبلغ حرها الأجوف ، وتسيل لها الأعراق ، وتذوب لشدة حرارتها الجلود ، وكل يتألم حسب درجته ومقامه.
كان عسيرا المكوث لحظة واحدة في تلك العرصة ، ونحن في اول موقف من مواقف يوم القيامة الكبرى ،
فكيف بي ومدته تطول الف سنة ،
أم كيف بي في المواقف الأخرى التي تليه حتى الخمسين.
قال تعالى: (( .....في يوم كان مقداره خمسين الف سنة )).
جفت دموعي من شدة البكاء على نفسي فأصبحت أبكي دما ، ومارأيت أحدا قبل هذا الموقف يبكي ولكنني بكيت .... ! أسفا على لحظات الدنيا التي انقضت ولم استثمرها كما ينبغي .
كل من في المحشر مشغول بنفسه ، فلا أحد من الجن أو الانس. ، ولا من الملائكة ينظر إلي فيسالني عما بي او يترحم علي سوى عملي ........ قلت لعملي الصالح : بالله عليك قل لي شيئا يهون علي مانزل بي ، ويطمئن قلبي الملتهب حسرة وندما .
قال العمل الصالح : إنشاء الله ستنال الشفاعة في آخر المطاف ، وسأقودك حينها الى الجنة ، فإن لدي الأمل بذلك .
سألته مستغربا : ومتى يكون ماتقوله ؟
طأطأ رأسه وقال: إن ذلك لايكون إلا في آخر موقف من مواقف القيامة الكبرى ، إذ لاسبيل لها الآن .
قال سعيد: إنك لم تطفئ ناري المشتعلة في أحشائي ، إن قلبي يلتهب الآن ، وتقول أني أنال الشفاعة بعد خمسين الف سنة !
قال العمل الصالح : ياعزيزي ، إنك تعلم أني خلاصة أعمالك الصالحة ، وملكاتك الحسنة ، فلا تتوقع مني أكثر مما ادخرته لنفسك في عالم الدنيا ، ولو كنت أعطيتني من القوة أكثر مما لدي الآن ، لتمكنتُ من تخفيف بعض آلامك ، ولكن لاتقنط من رحمة الله ، ولاتيأس من فضله ....
لم يكمل كلامه حتى سمعنا نداءا هزّ أهل المحشر ، وسمعه أولهم كما سمعه آخرهم .

ماهو هذا النداء الهزاز ...........


الحلقة الرابعة والأربعون


بعد ان قال العمل الصالح لسعيد لاتقنط من رحمة الله ولا تيأس من فضله
لم يكمل كلامه حتى سمعوا نداءا هزّ أهل المحشر ، وسمعه أولهم كما سمعه آخرهم
: (( يامعشر الخلائق أنصتوا واستمعوا منادي الجبار )).
انكسرت الأصوات عند ذلك ، وخشعت الأبصار ، وفزعت القلوب، ورفع الجميع رؤوسهم منصتين (( مهطعين إلى الداع ))،
فكان النداء : يامعشر الخلائق إن الله تعالى يقول: (( أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لايجور ، اليوم احكم بينكم بعدلي وقسطي ، لايُظلم اليوم عندي أحد، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه، ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات، وأثيب على الهبات، ولايجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا أحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها لصاحبها ، وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب)).
قال سعيد : توجه عملي الصالح نحوي
وقال: إن الله تعالى جعل هذا الموقف موقف تصفية الحقوق بين أهل المحشر ، إذ هنا يأخذ المظلوم حقه من ظالمه ، والمسروق من سارقه ، والمغتاب ممن اغتابه و.....
قاطعتُ كلامه بقولي له: وهل أخذُ حقي منهم يخفف عني ما أعانيه ، وما أتألم منه ؟
قال العمل الصالح: بالتأكيد ، وجميع ذلك ينفعك في موقف الميزان والحساب .
بعدها اصطحبنا عدد من الملائكة ، يسمونهم ملائكة أخذ المظالم ، وقد كان معهم كتابا سجل فيه كل مظلمة وتبعة كانت لي ولم استوفي حقي منها في عالم الدنيا .
كان أول إنسان توجهوا إليه هو جمال!.... ولكن بأي حال سيء كان . رأيته عاري البدن مسود الوجه والجسم وقد اختلط سواده بالدماء السائلة من جروحه ، يحاول ستر نفسه ، ولكن بأي شئ يستره !
قلتُ: سبحان الله ! أهذا جمال الذي كان يتكبر ويتملق لمسؤولي الشركة، أهذا جمال الذي كان يرتدي الملابس الفاخرة ، ويركب السيارة الحديثة ، ويسكن المنزل المجهّز بأحدث الوسائل والإمكانات ! أهذا المهندس الذي كان يصرخ باطلا على العمال ، ولايحترم أحدا دونه ، بل كان ينقص من حقهم ، ولا يبالي بأجورهم.
التفت نحو عملي الصالح وقلت له مشيرا بيدي إلى جمال: اترجو من هذا شئ وهو بتلك الحالة؟ ! هل لديه حسنة واحدة حتى أرجو أن تُعطى لي ، لا أظن ذلك.
قال العمل الصالح : لاتعجل الأمور ياعزيزي ، وترقب ماسيحدث .
اقترب المأمور من جمال ، وقال مخاطبا إياه بلهجة غاضبة
: إن لسعيد هذا مظلومية عندك، فماذا لديك كي يستوفيها منك ؟
صاعقة كبرى نزلت على جمال حينما رآني لأول مرة في ساحة المحشر ، وصُدِم صدمة عظيمة جعلته ساكنا جامدا، لاترى في أعضائه حركة ولادبيب إلا دبيب العرق الجاري ، والدماء السائلة على بدنه المحترق .
قال سعيد: العجيب أني شاهدت عليه نفس ملكاته التي كانت حاكمة عليه في عالم الدنيا ، من الغضب والكذب ونكران الحق ،
فاشتعل وجهه غضبا ، وازداد سوادا وتفحما ، وصرخ بوجه الملك قائلا: إنني لم أعرف سعيد ، وليس لديه أي مظلومية عندي.
غضبت لكلامه ، وصرخت بوجهه: إنك قتلتني ، وعدمتني الحياة في الدنيا ، حرمتني من فرصة لاتقدّر بأثمان ، ولولا فعلتك هذه لشغلتُ مابقي من عمري في طاعة الله ، ولرفعت درجتي بأعمالي ، ولادخرت ليومي هذا ما وسعني .
قال الملك المأمور: إن حالك وصورتك ياجمال تدل وتشهد على ذنبك بحقه.
صرخ جمال مرة أخرى وقال: إنه يكذب إنه يكذب......
وبين ذلك الصراخ والعويل ، وأذا بصوت يخرج من نفس بدن جمال
صمت الجميع وإذا بيديه تنطقان وتقولان
كما قال تعالى: (( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون))
: ونحن نشهد عليه ، إنه قتل سعيدا ظلما، اذ استعملَنا لإلقائه من أعلى الطابق الخامس إلى الأرض، وكنا شاهدين على ذلك.
دُهش الجميع من شهادة اليدين
وبقي جمال مبهورا مدهوشا، لايعلم مايقول
وقبل ان يتفوه بكلمة واحدة نطق جلده ليشهد هو الآخر بقوله
: وأنا أشهد عليه ، إنه قتل سعيدا ظلما بغير حق .
أما جمال فعاد يصرخ على يديه وجلده: لِمَ شهدتما بهذه الشهادة ، ألا تخافان أن يصيبكما العذاب والنار ؟
نطق جلده مرة أخرى وقال: لقد كنتَ غافلا يا جمال عن اليوم الذي يتحقق فيه قول الله تعالى : (( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)).

مَن شهد عليه أيضاً .............

الحلقة الخامسة والأربعون


عندما انطق الله اليدين والجلد حيث اتم حديثه مع جمال
وقال: لقد عدت يا جمال إلى الله الذي خلقك أول مرة ، ولكن إلى اسمه المنتقم الجبار ، بينما عاد غيرك إلى الله باسمه الرحيم الغفار ، والعذاب يصيبك أنت لاغيرك ، وما انا سوى ناقل له إليك ، وسوف يتحقق وعيد الله لك، ويكون حالك معي
كما قال تعالى : (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب)).
ما أن أكمل الجلد كلامه حتى سمعنا نداءا من الأرض ، ويبدو أنها كانت منتظرة فرصتها في الشهادة ،
إذ قالت : أنا الأرض أشهد أن جمال ألقى بسعيد من مكان مرتفع ، وفارق حياته الدنيا على سطحي الممتلئ بقطع من الحديد المبعثر.
لم يبقَ لجمال كلمة واحدة يتفوه بها ليدافع عن نفسه أو يكذب بها شهوده ، لذا استسلم ونكس رأسه منتظرا ماسيُفعل به .
قال الملك المأمور لمرافقيه من الملائكة : لا أحد في كتابه حسنات يمكن إعطائها لغريمه ، لذا علينا نقل سيئات من سعيد إليه بمقدار جرم القتل الذي ارتكبه بحقه.
( في شرح أصول الكافي ، سأل رجل من قريش الإمام السجاد قائلا له : يابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة ، أي شئ يأخذ من الرجل الكافر وهو من أهل النار ؟ فقال له السجاد (ع) يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ماله على الكافر فيعذب الكافر بها......)).؟
قال سعيد : ما أن أنهى الملك كلامه حتى أحسست ُ بخفة الثقل على ظهري ، وزيادة في نوري ، وانخفاض الحرارة التي كانت تحرق أحشائي ،
وفي الوقت نفسه رأيت جمالا قد ازداد صراخه ، وشدة آلامه ، وسواد وجهه الذي خالطه دمه الجاري عليه ، فازددت وحشة منه ، ونفرة من رائحته النتنة.
توجه الملك نحوي ، وقال: ألديك حق آخر تأخذه منه ؟ التفت لعملي الصالح أسأله وقبل ان ينطق بكلمة واحدة سمعنا نداءا من الأرض
يقول: نعم ، أنا أشهد أنه كان المدبر لقتل زوجة سعيد بحادث سيارة متعَّمد ! قلت سبحان الله ! وهذا سر آخر ما كنت أعلمه
نظرت لعملي الصالح متسائلا عما يجب فعله ، فأشار إلى الملك الذي بادرني بقوله
: كل حق ، صغير أو كبير ، مدون في هذا الكتاب الذي لا يضل ولا ينسى ، سواءً كان حرمانك من تكميل حياتك مع زوجتك في الدنيا ، أو غيبته لك، أو تسقيطه لسمعتك بأكاذيب وافتراءات عليك ، او سرقاته لأموالك ، ومامن ذرة مظلمة لك عنده إلا وانتزعنا لك حقها منه .
قال سعيد : تحسن حالي بعد تصفية الحساب مع جمال ، بينما هو اصبح أسوأ حالا مما سبق .
كنتُ أشاهد دخّان ناره المحترقة فيه يخرج من جميع أنحاء بدنه، أما نار باطنه فهي سوداء تتأجج في أعماق قلبه ، وتخرج من فمه ومناخره ، وهو يقوم ويقعد ، ويعوي كعويل الكلاب والذئاب.
كنت مستحضرا في فكري كبرياء جمال وتملقاته ، وافتراءاته علي في دار الدنيا . استحضرت نصائحي له بترك الأعمال السيئة وسرقاته من الشركة ،
ولكنه ما كان يصغي لجملة واحدة منها .
ولم أفق من هذه الذكريات إلا بنداء عملي الصالح الذي قال: سعيد أرأيتَ ماحصل لجمال ؟
قال سعيد : نعم قد رأيتُ .
انطلقنا نبحث عن مظالم أخرى نأخذها، وخلال مسيرتنا لفت نظري شخص مسودا وجهه ، مزرقة عيناه، مائلا شدقه، سائلا لعابه ، دالعا لسانه من قفاه ، بيده قدح وهو أنتن من كل جيفة على وجه الأرض ، يلعنه كل من يمر به من الخلائق
فقلت لعملي الصالح : ماذا كان يفعل هذا في دنياه؟
تمعن به قليلا ثم قال: لايشرب عبد خمرا في دنياه إلا وحشره الله بهذه الهيئة التي تراها، وقد أقسم ربي جل جلاله انه لايشرب عبد خمرا إلا وسقاه يوم القيامة مثل ماشرب منه من الحميم.
( بحار الأنوار، (( عن الصادق ( ع ) عن النبي ( ص ) انه قال: اقسم ربي جل جلاله لايشرب عبد لي خمرا في الدنيا إلا سقيته يوم القيامة مثل ماشرب من الحميم معذبا بعد أو مغفورا له ، ثم قال: إن شارب الخمر يجئ يوم القيامه مسودا وجهه ، مزرقه عيناه ، مائلا شدقه ، سائلا لعابه ، دالعا لسانه من قفاه))
وصل بنا الملك المأمور إلى رجل كان بدنه عاريا متعفنا ، تخرج منه رائحة جيفة الأموات، وهو يقطّع لحم بدنه المتعفن ويأكل منه ، كان يتلوى ألما حينما يمضغ لحمه بأسنانه الصفراء !
أمر عجيب ! لماذا يأكل هذا الشخص بهذه الصورة ، تحيرت أكثر عندما أخبرني الملك أن لي مظلمة عنده ، فتمعنت فيه أكثر ولكني ماعرفته .
سألت الملك عن أي حق لي عند هذا الشخص .

لنتابع الحلقة التالية ماهو هذا الحق ...........

الحلقة السادسة والأربعون


عندما سأل سعيد الملك عن هذا الشخص السالف الذكر عن حالته التي عليها، وعن أي حق له عنده ،
قال الملك: إنه كان يجلس مجالس الغيبة والبهتان عليك، ويشارك فيها ولايدافع عنك ، ولايقوم من مجلسه عندما تُذكر فيه بسوء ، أو تُفترى عليك الأقاويل . انه أحد رفاق جمال الذين لم تتعرف عليهم في دنياك.
سأله الملك عن سبب مشاركته في مجالس الغيبة والبهتان ، فأنكر ذلك ،
وقال : متى كان ذلك ؟ إنني لم أنطق أو أسمع أي غيبة عن هذا الشخص ، لم أسمع أي شئ عنه .....
أراد أن يبكي بدموع التماسيح ، ولكن فضحه سمعه بشهادته عليه اذ نطق
وقال: نعم انه كان يستعملني كثيرا لسماع الغيبة ، بل لسماع افتراءات كاذبة على سعيد ، وكان لايرد على أهل تلك المجالس ، بل يتلذذ بسماعها، ويضحك معهم ، وأنا شاهد على ذلك ، أنه كان غافلا عن الآية الكريمة: (( حتى إذا ماجاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون))
نكس الرجل رأسه للأرض وبكى بكاءا شديدا، وتمسك بأطراف ثيابي متوسلا أن أهبه حقي الذي عنده ، فأليت ذلك . لم يتركني على حالي ، بل راح يتوسل ، ويقّبل يدي مرة وقدمي أخرى ، وفي كل ذلك كنتُ أعرض عنه ولا أقبل منه .
التفت إلى عملي الصالح ، فقلت له : إنني كلما راجعت نفسي ، ما وجدت في قلبي ذرة تحنن ورأفة عليه أو رقة على حاله ، أيكون ذلك بسبب انحطاط درجته وتدنّي مقامه ؟
قال العمل الصالح : صحيح ماتقوله ، وصورته وحاله يدلك على ذلك ، ولو كان من المتقين لألقى الله في قلبك حبا له ، ولوهبته مظلمتك التي عنده ، والله يعطيك مثلها من الأجر.
قال سعيد : أخذت حقي منه ، وانطلقنا نبحث عن مظالم أخرى، ولكن خلال مسيرتنا أقبل علينا شخص مسودّ الوجه ، يصرخ بصوت عال
: أين فلان أين فلان .
أصغيت جيدا لما يقول .
عجيب أمره أنه ينادي بأسمي ويطلبني! تُرى ماذا يريد مني ؟
استوحشت منه أكثر عندما رأيتُ معه ملك مأمور وجمع من ملائكة أخذ المظالم .
اقترب مني وأراد أن يمسكني من عنقي ، فمنعه الملائكة الذين برفقته ، وكلما حاول ذلك مُنع منه.
تمعنت في صورته وملامحه أكثر وأكثر حتى تذكرته ، لقد كان صاحب محل صغير بالقرب من محل سكني أيام دراستي في الجامعة ، ولكن ترى ماذا يريد مني الآن ؟! بادرني الملك المأمور معه بقوله: إن لهذا مبلغ لديك لم تؤده إليه في الدنيا ، وهو الآن يريد أخذ مايعادله منك.
قال سعيد : سألته مستغربا عن زمن ذلك وكيفيته ،
فأجاب المأمور: لقد كنت تتسوق منه يوميا مايلزمك للعشاء لك ولرفاقك
، وذات مرة اشتريتَ منه بيضه واحدة ، فأعطيته مبلغا بعملة ذات فئة كبيرة ، فاستحى أن يصرفها لك لأن المبلغ كان زهيدا، لذا قال لك أن لاتثريب في ذلك ، يمكنك إضافتها على الحساب القادم ، ولكنك استحقرتها ولم تؤدها إليه ، فبقي مبلغها في عنقك حتى انتقلتَ من الدنيا للبرزخ بالموت ، وانقطع بك السبيل ، وماكان أحد في الدنيا يعلم بالأمر كي يؤديه عنك .
خاطبتُ الرجل ملتمسا إياه : ألا تهبها لي ؟ إني بأمس الحاجة إلى حسنة واحدة ، وأنت تريد أن تأخذ مني حسنات .
لم يعبأ الرجل بكلامي ، وقال: ألا ترى بدني يتوهج من شدة حرارته ؟ إنني أريد أن أضع اصبعي في بدنك فلعله يبرد قليلا ... ولو للحظة واحدة .
قال سعيد : نظرت إلى أصبعه فرأيته متوقدا محمرا كالجمرة الحمراء ! لم يترك لي فرصة النطق بكلمة واحدة ، إذ مد يده نحوي وغرز إصبعه في عنقي ، ولشدة حرارته أحدث ثقب فيه ، وصهر ماحوله،
صرخت صرخة عظيمة من شدة الألم سمعها من في المحشر، وبقيت أتلوى ألما وحرقة ،
وبكيت بكاءً عظيماً
فلا أدري على أي شئ أبكي
أبكي لعظيم ألمي
أم لحرقة بدني
أم لندامتي على غفلتي
واستحقاري لهذه وغيرها من تبعات عالم الدنيا.
مضت مدة طويلة وأنا أتألم مما أحدثه هذا الرجل في بدني ، بل أُضيفت فوقه تبعات أخرى ومظالم عدة ماكانت في الحسبان ، بل ماكنت أتوقع يوما أن يأتي أصحابها وينتزعوا مايعادلها مني ، وذلك لتفاهة قيمتها كما كنتُ أتصور في دار الدنيا .
ذات مرة أتاني شخص ماكنت أعرفه ، وقال إن مظلمته عندي ، مظلمته هي انه كان يشتري خبزا ، وكنت أنا أيضا واقفا لشراء الخبز ،
عمال الشركة قدموني عليه باعتباري مهندس فيها ، فامتعض من فعلي هذا ، وجاء اليوم ليأخذ حقه مني ، وقد أخذه وذهب بحاله .
وذات مرة جاءني شخص يطالبني بحقه في الجلوس في الصف الأول من صلاة الجماعة ، عندما اردت صلاة الجماعة في دار الدنيا قدمني أحد المصلين وطلب من هذا الشخص القيام وأحل محله ، فقام دون رضاه ، وقبلت أنا ذلك لغفلتي أني قد أخذت حق أسبقيته في المكان .
وعندما اخذ حقه مني الآن نكست نكسة كبيرة وانكسار عظيم .

ماهي هذه النكسة والأنكسار.......

الحلقة السابعة والأربعون


النكسة والأنكسار التي أصابت سعيد ان نوره قد ضعف ، وثقل سيئاته قد كبر ، وكفة حسناته قد خفت ، وبياض وجهه قد خالطه السواد .......
قال سعيد : أصبحت أرتجف كلما أرى شخصا يُقبِل نحوي أو يناديني ، التفت الى عملي الصالح ،
وقلت له : انطلقنا لنبحث عن مظالم تنفعنا ولكني أرى حصول خلاف ما تأملناه .
قال لي عملي الصالح: المشكلة انك تبت إلى الله توبة صادقة في الدنيا، ولكنك غفلت عن أداء حقوق الناس التي بقيت في عنقك ، والتوبة لاتكون كاملة إلا بإرجاع كل حق إلى صاحبه وإن صغر ، وأنت تعلم أن كل إنسان في المحشر بأمسّ الحاجة إلى زيادة رصيده من الحسنات ، ولو كان بمقدار ذرة أو أقل منها ،
و( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولافي السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )(يونس ٦١) .
قال سعيد : وماذا أفعل الآن ، وماهو حلك لهذه المشكلة؟
قال العمل الصالح : كان الحل بيدك في الدنيا ، وهو ان تذهب الى كل واحد من هؤلاء وتطلب منه براءة ذمة أو توفيه حقه. على كل لا تحزن ، فانك لازلتَ ضمن حدود درجة المؤمنين، ولم تبتعد عنها كثيرا.
قال سعيد : طأطأت رأسي الى الأرض ،
وقلت له : إني أخاف فقدان حتى هذه الدرجة وما سيؤول اليه مصيري . وجرت دموعي مرة أخرى أسفا وحزنا على تقصيري وغفلتي في عالم الدنيا ،اذ كنت غافلا عن ان حق الناس لايسقط بالتوبة فقط ، وصحيح أني تركت المعاصي ورعاية حقوق الخلق ، والتزمت بكلامي بيني وبين الله بعد اعلان توبتي ، لكني نسيت تبعات الماضي ولم أسعى لتصفيتها مع خلقه.
بقيت على هذه الحال مدة طويلة ، أرى كل شخص مشغول بنفسه عن غيره ، بل يفر حتى من أهله وأخوته ، ويهرب من أمه وأبيه ، وزوجته وبنيه
قال تعالى في سورة عبس: ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) .
أما أنا فكنت أعيش بين الخوف من قلة الحسنات ، وبين الأمل بالنجاة.....بل حتى ذلك الأمل صار ضعيفا
فوجئت بلقاء زوجتي في المحشر!
نعم كانت تقصدني وتبحث عني ، ولم يكن حالها أفضل من حالي .
تمعنت فيها جيدا وتيقنت ُ من شخصها ..... أجل هي آمنة أم مرتضى بعينها ، والتي فارقت الدنيا أثر حادث السيارة ، كان مرتضى صغيرا لم يتجاوز الرابعة من عمره .
سلمت عليها ، وسألتها عن حالها ،
فأجابتني : ليت الموت أعدمني الحياة يا سعيد ، وليتني لم أُخلق في الدنيا لأعيش حسرتها الآن ، وليت ال.......
لم تتمكن من إكمال جملتها ، حتى جرت دموعها بغزارة، وارتفع صوت بكائها ،
وما أن هدأت حتى سألتها : ولكن مالذي تطلبيه مني ؟ ولماذا تبحثين عني في صحراء المحشر ؟
كانت مترددة في الجواب ، وقد طغى على وجهها الخجل والحياء ، ولكنها تغلبت عليه ،
وقالت : كنت أبحث عنك كي أأخذ حقي منك .
: وماهو حقك عندي ؟
قالت: إن الله جعل للزوجة حقوقا على زوجها ، وأنت لم تراعي الكثير منها ، فهل كنت غافلا عنها ؟ أم أنك انجرفت مع العُرف السائد في مجتمعنا يوم ذاك ، والذي يفرض على المرأة واجبات لم يفرضها الله عليها.
لم تعطني فرصة السؤال عن أي حقوق تتكلم، واسترسلت في كلامها،
وقالت : أتذكر ياسعيد يوما دعوت فيه أصدقائك للعشاء في بيتنا ، وتعذرت لأني كنت متعبة وجلبت الطعام من السوق وبعدها أعرضت عني ولم تكلمني ليومين وقد جرحتني كثيرا بكلامك لي بعده ، مع أن الأسلام اعتبر خدمات المرأة في بيت زوجها تطوعا وإيثارا منها لاوجوبا عليها.
كما إنك كنت تتعامل معي كخادمة في بيتك ، تأمرني بجلب الطعام والأوراق ، والأعظم من ذلك إنك كنت تغضب علي إذا تأخرت في جلبها ، هل هذا كان يتوافق مع الأسلام الذي كنت تعتنقه وتدافع عنه؟
قال سعيد : نكست رأسي ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي ، فبأي جواب أرد عليها ؟ وبأي كلمة أجيبها؟ وكل كلامها كان صحيحا ، لذا التزمت الصمت ثم استأنفت حديثها
وقالت : كنت افتقد منك العون ببعض أعمال المنزل اذ ان كبرياءك يمنعك من ذلك واستحيائك من الناس يحول بيني وبينك. ولا أعلم أي عيب فيه ، ألم يساعد إمامنا زوجته فاطمة في منزلها بأعمال الطبخ وتربية الأطفال وغيرها؟ ألم تسمع قول نبينا ( ص ) لأمير المؤمنين بعد أن رآه ينقي العدس ، وفاطمة جالسة قرب القدر إذ قال له : (( مامن رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله من الثواب مثل ماأعطاه الصابرين )). ياسعيد ، أين كنت من كل هذا الثواب وأنت الآن في أشد الحاجة إليه ، وأراك تبحث عن الحسنة من هنا وهناك ، ومن فلان وفلان .
إحترق قلبي ألما وحسرة لما ضيعته من الثواب العظيم في الدنيا ،ولما قصرتُ به من حُسن العشرة مع الأهل والعيال، ولم تكتفي آمنة من عتابها لي ، بل استأنفت كلامها مرة أخرى

ماهو العتاب الآخر لسعيد من زوجته آمنه ..........

الحلقة الثامنة والأربعون


قال سعيد : استأنفت آمنة كلامها مرة أخرى لتوقد شعلة الندم والحسرة أكثر في قلبي
فقالت: ياسعيد إن كل واحد منا الآن يتمنى لو أفدى بدنياه ومافيها مقابل ان تزيد حسناته ولو واحدة ، أو تطفئ نيران سيئاته ولو للحظات ، وأنت ضيعتَ الكثير الكثير ، أين كنت من وصية خاتم الأنبياء لعلي إذ قال له: (( ياعلي، خدمة العيال كفارة للكبائر، وتطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، وتزيد في الحسنات والدرجات)).
اعترفت لها بتقصيري معها ، اذ لامجال لنكران الحقيقة ، أو التهرب منها ،
ولكني سألتها عما إذا كانت نادمة على خدمتها في بيتها طوال حياتها معي
فأجابت : إنني غير نادمة قط ، ولولا هذه الخدمات لما رأيت نوري بالدرجة التي تراها الأن، بل انني متأسفة على عدم المزيد منها ، ونادمة على أني لم أتلقى بجد تلك الأحاديث التي كانت توعد بالثواب العظيم للمرأة التي تخدم زوجها ، وأن هذه الخدمة تغلق عنها أبواب النيران وتفتح لها ابواب الجنان
( كتاب ميزان الحكمة ، عن الأمام الباقر ( ع ) : أيما أمرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار ، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت).
أو تلك التي توعد بالغفران للمرأة التي تسقي زوجها شربة ماء، وأن هذا العمل خيرٌ لها من صيام نهارها وقيام ليلها.
( وسائل الشيعة، عن الأمام الباقر ( ع ) ما من أمراة تسقى زوجها شربة من ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ، ويبني الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة) .
توقفت عن الكلام، وجرّت حسرة طويلة
ثم قالت : لافائدة من التأسف والندم الآن ، فقد انتهى التكليف ، وهيهات العودة الى الدنيا مرة أخرى .
قال سعيد : تأثرت كثيرا من كلامها ، واحسست بالخجل العظيم أمام الملائكة الذين كانوا برفقتها ، لذا حاولت أبراز جانب الإيجاب مني معها
اذ قلت لها : لم أنكر خدماتك لي في المنزل ولك الحق في كل ماقلتيه ، كان يجب عليّ حسن العشرة والخلق معكم ، وكان الأجدر بي أن أشكرك بدلا من اظهار عدم الرضا عليكِ.
كان الجميع ينصت لكلامي ويترقب نتيجة الحوار بيننا، ولم أجد من يقاطعني
فاستأنفت الحديث بقولي: لقد رفع الله درجتي ونوري بين أهل المحشر بسبب إخلاصي له تعالى في كدّي عليكم ، ولولا ذلك لما كان نوري بالدرجة التي ترينها.
( قال رسول الله ( ص ) : الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) .
وأسفي أن لم أكن حَسنَ الخلُق معكِ كما أوصى نبينا به ، وقد عُذّبتُ عظيم العذاب في البرزخ لأجله ،وخوفي الآن أعظم من آثاره في عالم القيامة الكبرى .
نويت لطلب منها أن تهبني ظلمي لها ، ولكني قبل أن أعرض عليها ذلك
قلت لها: إن من واجبات الزوجة في العشرة مع زوجها أن تطيعه ولاتعصيه ، ولاتخرج من بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها ، وأيما أمرأة باتت وزوجها ساخط عليها في حق ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها
(( جواهر الكلام، ومن حقه عليها أن تطيعه ولاتعصيه ولاتتصدق من بيته إلا بإذنه ولاتصوم تطوعا إلا بإذنه ، ولاتمنعه نفسها، ولو كانت على ظهر قتب ، ولاتخرج من بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها ولو لعيادة والدها أو في عزائه وأن تطيب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتتزين بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها غدوة وعشية .....))
فهل عملتِ بما فرضه الله عليكِ ، أم كنتِ غافلة عنه؟
ولقد ذكر لها موارد كثيرة كانت مقصرة فيها لعدم الرغبة منها في السفر معه وغيرها من الأمور التي يجب طاعتها له .
قال سعيد : التزمت الصمت الذي يدل على اعترافها بأخطائها . حينها رأيت الوقت المناسب لعرض طلبي منها ،
فقلت لها : أطلب منك يا آمنة أن تهبي لي ظلمي لك ، وأنا أهب لكِ تقصيركِ معي ،
(( في بحار الأنوار ، عن سيد العابدين ( ع ) قال: حدثني أبي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب ( ع ) يحدث الناس ، قال: إذا كان يوم القيامة .... ولايجوز هذه العقبة عندي ظالم ولأحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها لصاحبها وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ...)).
عسى الله أن يعف عنا ، ويتجاوز علينا ، وهو ارحم الراحمين . لم تمانع طلبي منها ، بل استقبلته بلهفه وترحيب طمعا برحمة العزيز الغفار ، ولعل عفوي عنها يخفف عنها شيئا من أهوال المحشر ومابعده ، ثم حان الوداع ، وآن الفراق ، ليشق كل منا طريقه المجهول ومضيت مرة أخرى في صحراء المحشر ، ولشدة حرارة الموقف أحسستُ بجفاف بدني ويبوسته ، وضعف في جوارحي .
أصبحتُ أقوم وأقع ، وأمشي وأتعثر ، ولم تعد لي طاقة على الحركة والأنتقال ، ومما زاد في الطين بلة أنه أتاني مخلوق قبيح الشكل ، أسود اللون ، يتلفت يمينا ويسارا ، وكأنه يخاف من شئ ما، فأمسك بيدي ،
وقال لي بلهجة ساخره :.........

الحلقة التاسعة والأربعون


قال المخلوق القبيح لسعيد: أبشرك بالنار ياسعيد ، أبشرك بالنار ، سوف تدخلها لا محالة في ذلك ، وإني أرى مستقبلك أسوء وأخزى بكثير مما أنت فيه الآن !
صعقني بكلامه وقلت له : وماذا يجب علي فعله حتى أنجو مما تقوله؟
ضحك مستهزئا من قولي ، ثم قال: لاسبيل لنجاتك ، وكل ماعليك فعله أن تتحمل أحقابا في نار جهنم ، قد تكون آلاف من السنين ، إن لم تكن ملايين !
صرخت في وجهه ، وحاولت إبعاده عني فما تمكنت من ذلك
حتى أتى عملي الصالح ، حينها ولى هاربا بعيدا عني , لا أعاده الله لي ،
قلت لعملي الصالح : من يكون ذلك الذي أرعبني ، وقد ولى هاربا حين حضورك؟
أجابني بقوله: إنه خلاصة أعمالك السيئة ، ولكن لا عليك به ، فإنه ضعيف ولا يتمكن منك إلا في بعض المواضع، إنه يستثمر أوقات الدنيا التي كنت َ بعيدا فيها عن الأعمال الصالحة فيأتي فيها الآن ليرعبك ويؤذيك ، ولكن عليك الحذر منه عند عبورك الصراط ، إذ سيكون لك في المرصاد ، ويستخدم كل ما لديه من قوة وسلطان كي يزلك عنه ، ويوقعك في الهاوية .
ومضت آلاف من سنين المحشر ، وفي عرصته التي لا ظل فيها ولا ظليل ، ومررت فيها بمواقف عسيرة غير يسيرة ، وفترات مريرة طويلة جدا لقيتُ فيها ما لقيت من مرارة وآلام ، وفي بعضها ذلة وانكسار ، ولماء وجهي خزي واندثار.
كنت أخجل كثيرا ، وتحرقني العبرة والحسرة عندما أرى أفراد من أقربائي في الدنيا ، وقد نالوا درجات عليا ونور عظيم ، وهم الآن في مقامات عالية .
والعجيب أنني كنت ُ أحسبهم أناس بسطاء ، إذ لم يكن ظاهر للناس قربهم من الله في دار الدنيا ، ولاتحس لأعمالهم الصالحة ضجيجا ، ولا لخيراتهم إلى الناس حسيسا.
سألت أحدهم وقد كنتُ أنا الذي حثثته على التوبة في الدنيا ، وتعاهدنا سويا على أن تكون توبتنا خالصة لله
سألته عن أي شئ أوصله إلى هذا المقام ؟
فأجاب : لاتظن أنني نلت هذا المقام من عمل وجهاد مع النفس و....
قاطعته ، وقلت له : هل تذكر أنا الذي فاتحتك بالتوبة إلى الله ، وقد تعاهدنا عليها ، وبدأنا بها في وقت واحد ، فبماذا افترقنا؟
: صحيح ماتقول ، لكنك لم تجاهد نفسك كما ينبغي ، ولم تمنعها من الرياء الذي كان يخالط الكثير من أعمالك . كنتَ تعمل قربة إلى الله ، لكنك لم تكن تراجع باطن قلبك ، وتتفحص حقيقة نيتك ، ولو فعلتَ ذلك وحاسبتها في وقتها ، لوجدت أن عملك مشوب ، ونيتك غير خالصة ، ولرأيت هدفا آخر قد لصق به ، واخترق صدق خلوصه .
: شكوت إليه طول الفترة التي مضت في المحشر ،
فتعجب من كلامي ، وقال: لقد كانت مدة قصيرة ولم أحس بطولها كما تقول ، فعن أي شئ تتحدث؟
إستغربت من جوابه ، وقلت له : أتحدث عن الفترة من أول الحشر حتى ساعتنا هذه .
أطرق قليلا ، ثم قال : أنت صادق فيما تقول ياسعيد ، إن طول مواقف القيامه تختلف من شخص لآخر ، وكلٌ حسب درجته ومقامه ، فبعض يحس به آلاف بل ملايين السنين ، وبعضهم لايحس به كذلك ، بل يمر عليه وكأنه نهر يقطعه ، أو جسر يعبر فوقه ، والخلق بهذا الأمر في تباين كبير........
سكنت الأصوات ، وساد الصمت بين العباد حينما سمعوا نداءا كان معناه
: يامعشر الخلائق إن العزيز الجبار يقول: (( يابني آدم إن صراطي مستقيما منذ خلقتكم وقد أمرتكم به ، وقلت لكم أكثروا من الزاد إلى طريق بعيد ، وخففوا الحمل فالصراط دقيق ( الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، يابن آدم أكثر من الزاد إلى طريق بعيد ، وخفف الحمل فالصراط دقيق ، وأخلص العمل ،فان الناقد بصير ، وأخر نومك إلى القبور ، وفخرك إلى الميزان ، ولذاتك إلى الجنة ، وكن لي أكن لك .....)). فمن سار عليه في دنياه نجى عندي ، ومن أعرض عنه ، ووضع فيه العقبات فعليه اليوم أن يتجاوزها.))
كان لكل واحد من أهل المحشر أمل بتجاوز عقبات الوصول إلى جنة الخلد ، والذي زاد من ذلك أن الجنة بدت للجميع فرأوها ، واشتاقوا لها .
ولولا خلود عالم القيامة لمات الجميع شوقا لها!
إنطلق الجميع أملاً باقتحام عقبات الجنة وتجاوزها ، وانطلقت أنا معهم ....
ياله من أمر عجيب ! ومنظر غريب ! جلب أنظار الخلق أجمعين ، دهشت أنا مما شاهدته
وسألت عملي الصالح عن أولئك الأشخاص ذوي الأنوار العظيمة الذين اقتحموا العقبات ، ثم قطعوا الصراط كالبرق الخاطف في سرعتهم ، ليقفوا على أبواب الجنان ، ثم يتعالون ويستقرون فوق أعرافها
فقال: أول تلك الأنوار هو الرسول الخاتم ( ص ) وتبعه أوصيائه بعده ، ثم الأنبياء أولوا العزم وسائر الأنبياء ثم أوصيائهم ، وتلك سيدة نساء العالمين يحاذي نورها نور خاتم الأنبياء . وتلك مريم العذراء مع مجموعة من النساء اللواتي كُنَّ من أفضل نساء عالم الدنيا في المرتبة بعد الزهراء البتول.
سأل سعيد العمل الصالح : ماهذا المكان المرتفع الذي وقفوا فوقه؟
قال العمل الصالح : إنه مكان من الجنان ، يشرف على الجنة والنار ، ويقال له الأعراف ....
قاطعه سعيد مستغربا: الأعراف ؟! وماذا يفعلون في مكان كهذا؟
قال العمل الصالح : انه مقام وهبه الله لهم ، وقد أوكل إذن ورود الجنة لهم، فهم الشهداء على أفعال الخلق ، ويعرفون ظواهرهم وبواطنهم .
قال سعيد : أطرقت قليلا ، ثم استأنفتُ الحديث معه بسؤالي منه: أيكونوا هم من قال الله تعالى عنهم : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ؟
: نعم ، فهم الرجال الذين يعرفون أهل النار بسيماهم ، وأهل الجنة بسيماهم ، ولهم حق الشفاعة ولاينالها إلا من ارتبط بهم في دنياهم وعرفهم وعرفوه ، واتبع سبيلهم ، وخطى بخطاهم .
قال سعيد: كنت أرى بعد الوجبة الأولى أُناس يقتحمون عقباتهم بسهولة بالغة ويعبرون فُراداً فرادا، ويصلون إلى الجنان ، ولكن ليس بمرتبة رجال الأعراف .
على كل حال ، لابد من البدء بالرحيل .... كانت الصلاة أول عقبات الطريق .

لنتابع ماهي العقبات التي تعرض لها سعيد .........

الحلقة الخمسون


قال سعيد: كانت الصلاة أول عقبات الطريق ، وقد مكثت ُ في محطاتها عددا من السنين حتى تم تحميلي بكل ماقصّرتُ بحقها ، كما أن صورة صلاتي الحقّة قد تجسمت وحضرت لتزيل عني بعض أشواك طريق اقتحامها ، وألقت باللوم علي أن لم أراعي أدائها في أوقاتها ، ولم أستحي من ربي حين الوقوف بين يديه فيها ، إذ كان فكري يهرب منه هنا وهناك !
قلت للصلاة : كلما أحاول أن يبقى تفكيري في الصلاة ، أشعر أن الفكر قد ذهب إلى أمر من أمور الدنيا ، تاركا بدني يقيم الصلاة وحده ، دون حضور القلب معه .
أجابتني الصلاة وقد أنكرت علي كلامي ، وأبطلت حجّتي : إن القلب إذا تعلق بشئ أَحبه ، يكون ذلك المحبوب قبلة لتوجه فكره حيثما كان ، وأنت ياسعيد ....
قاطعها سعيد قائلا: إن محبوبي لم يكن سوى الله .
قالت الصلاة : من أحب الله لم يتركه وهو في حضرته وبين يديه ، أليس كذلك؟
قال سعيد : ماذا بوسعي أن أقول لها؟ لزمتُ الصمت ، ولم أجبها بشئ .
قالت : كان حبك للدنيا أكبر من حبك لله وقد أنكرت على نفسك ذلك .
كما قالت : كنتَ إذا حان وقت الصلاة وكبّرتَ تكبيرة الاحرام مستنفراً كل قواك لأن تكون مع الله، سرعان ما يطير قلبك إلى حب الدنيا ، لتتعلق بها مرة أخرى .
وصلاتك هذه لم تقربك من مقام الحق تعالى،
( مستدرك الوسائل، عن النبي (ص): إن من الصلاة لما يقبل نصفها، وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإن منها لما يُلف كما يُلف الثوب الخلق، فيُضرَب بها وجه صاحبها، وإنما لك من صلاتك ما أقبلتَ عليه لقلبك)،
ولم تُزيل عن قلبك الظلُمة والكُدورة التي كُنتَ تشكو منها.
قال سعيد: توقفتْ قليلا لتعطيني فرصة التعليق على كلامها،
فسألتها: إذن سبب فرار الفكر في الصلاة هو التعلق بالدنيا؟
قالت الصلاة: نعم.
قال سعيد: وماذا كان بوسعي أن أعمل كي أتخلص من حالةٍ كهذه.
قالت الصلاة: كان عليك أن تخلع شجرة حب الدنيا بجذورها من قلبك، بالتفكر والتدبر في حقارتها، وزوالها مقابل عظمة الآخرة وأبديتها، وكان عليك أن تعرف الله، وتستحضر عظمة من تقف بين يديه، وحقارة شأنك أمامه، وكلما ازددت معرفة بالله ازددت حباً له وتوجهاً إليه وتعلقاً به، أما علِمتَ أن أول الدين معرفة الله، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده.
قال سعيد: كان عملي الصالح يصاحبني أحيانا ويرافقني أخرى، وذات مره سألته عن عقبة مساعدة الفقراء والمساكين
فتعجب من سؤالي وقال: ما الذي يذكرك بهذه العقبة؟
قال سعيد: إني لم أحصي جميع العقبات، بل الكثير منها كنت غافلا عنها ولكن عقبة مساعدة الفقراء والمساكين ذُكرت في القرآن الكريم بقوله تعالى: ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة )
ما إن انتهيتُ من تلاوة الآية حتى قال العمل الصالح: لو تمعنت في هذه الآية، لرأيت أنها لم تُذكر فقط عقبة مساعدة الفقراء بل ذُكِرتْ عقبات أخرى كرعاية اليتيم وأداء حقوقه ابتداءً من ذوي الأرحام وانتهاءً بعموم يتامى المجتمع والأخرى مساعدة الفقراء والمساكين وسد حاجاتهم من الطعام وغيره، ثم ذُكِرت عقبة الايمان، والصبر، والرأفة بالناس، حيث قوله تعالى: ( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة )
قال سعيد: عَلِمتُ أن العقبة القادمة هي عقبة صلة الرحم، فاستحضرت علاقتي بأقربائي وأهل بيتي،
وقلتُ لعملي الصالح: إنني كنتُ أصل رحمي، وأتفقد القريب والبعيد منهم وأساعد المحتاج منهم وأرشد من يلزم الرشاد.
قال سعيد: كنتُ لا أبخل عن مد يد العون إلى أي شخص يطلبها مني.........
قاطعه العمل الصالح بقوله: إذا كنت كذلك فلماذا أراكَ قد اصطحبت الخوف معك، فهل كان يُخالط أعمالك رياء، وحبّ سمعة بينهم؟
قال سعيد: الله يشهد أني كنتُ مراقباً لنفسي في كل أعمالي، كنتُ أحادث نفسي وأُصارعها، وفي آخر المطاف أُقنعها بأن الفضل أولا وآخرا لله تعالى، فهو المتفضل عليّ برزقه وهو الذي أعطاني العافية بالجوارح لعيادتهم وتفقدهم، وهو الذي وهبني العزة والكرامة بينهم، فأي فضل لي عليهم؟
قال العمل الصالح: إذن لم تخبرني عن أي شيء يُخيفك في تجاوز واقتحام هذه العقبة.
أكملنا جميع متطلبات العبور واقتربنا من الخروج منها و .....
يا إلهي ماذا أرى؟!

نتابع في الحلقة التالية ماذا رأى سعيد ..............

الى اللقاء في الحلقة القادمة مع رحلة البقاء


رد مع اقتباس