عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/05/28, 10:41 PM   #9
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

الحلقة الواحد والخمسون :~


عندما قال سعيد : ياإلهي ماذا أرى؟! إني أرى والدتي ، هي بعينها !
اقتربت منها أكثر فرأيتها
جالسة تبكي ، قد بدا عليها أثر إرهاق وألم شديدين .
ناديتها باسمها فالتفتتْ نحوي ، وفوجئتْ واضطربتْ كثيرا حينما رأتني واقفا أمامها
أحسست أن الخجل والحياء الشديدين قد خالجاها وقد ترددتْ في جوابي
فناديتها مرة أخرى : أماه أنا سعيد ، ابنكِ في الدنيا ، هل تعرفيني ؟
رفعتْ رأسها ، وأجابتني بصوت ضعيف : كيف لاأعرفك ياسعيد
: أراكِ شاحبة الوجه ، سيئة الحال، فما الذي حدث ؟
تحسرتْ ، وجرت دمعتها من عينيها، وقالت : أتذكر خالتك ياسعيد ؟
نعم أذكرها ، أعلم أنكِ لمدة يسيرة كنتِ لاتتحدثين معها .
ارتفع بكائها ، وقالت : ليتني ماقطعت علاقتي معها وهي أختي ، ليتني ماأصغيت للشيطان الذي كان يمنعني من الوصول إليها ، ليتني قبّلت ُ قدميها بدلا عن الإعراض عنها حينما أتتني إلى منزلي تريد المصالحة ، وتحذّرني من عواقب الآخرة
صمتت قليلا، ثم عادت تقول والحسرة تحرقها ، والندامة تكاد تميتها لولا خلود الحياة في عالم القيامة
: ليتني أصغيتُ لكلامها ياسعيد يوم أخذتَ بيدي تجرها وتقول: ( لنذهب إلى بيت خالتي نصالحها ، ونزيل الكدورة بينكِ وبينها ). آه ... ليتني سحقتُ تكبّري ، وذهبتُ معك يوم ذاك وقبّلتُ قدميها قبل يديها.
كنت أعلم أن تأنيبها لنفسها هذا لايزيدها إلا عذابا فوق عذابها ولكن ماذا عساي أن افعل لها. ابتعدت عنها ، وتركتها تتلوى ألما ، وراحت تجر بشعرها ، وتقطّعه ، وتنادي
: لاتتركني ياسعيد ، أنا أمك، ألستُ أنا التي تحملتُ العناء من أجلك ، وسهرتُ الليالي في رعايتك ؟
قال سعيد: تألمت من كلامها ، وعدتُ إليها لأقول لها: أماه ، إن كل إنسان هنا رهين عمله ، وأنا هنا رهين عملي
قال تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة)) ، لا أتمكن من التقدم خطوة واحدة إلا إذا كانت أعمالي وملكاتي تؤهلني لذلك، ولكن لعلي أتمكن من الشفاعة لك في المواقف الأخيرة إن كانت درجتي آنذاك تسمح لي ، ودرجتكِ تجيز لكِ استقبالها.
غادرتها هذه المرة دون عودة ، وابتعدت عنها رغم سماعي لصراخها وندائها لي .
خرجت من عقبة صلة الرحم ، ودخلت في عقبة المسؤولية ، دخلت فيها ولامناص من الدخول ، ولامجال للفرار منها....
تلقتني ملائكة الغضب بأشكالها المخيفة المرعبة وهيئتها الموحشة! فأصابني خوف عظيم منهم ، وأصبح بدني يرتجف لرؤيتهم ، ويرتعش كلما نظرتُ إليهم .
ضربني أحدهم بسوطه فوقعت أرضا ، وانشل بدني عن الحركة ، نظرتُ لما حولي أبحث عن عملي فلم أجده ، بل رأيتُ آلاف من الخلق قد سقطوا أرضا ، وحال بعضهم مثل حالي ، والكثير منهم أسوء مني . وبجهد جاهد ، رفعت رأسي لعلي أجد من يسعفني ويترحم على حالي ، ولكني رأيت شخصا قبيحا ، أسود اللون من أعلاه لأسفله ، قائم الشعر مكشرا ، قد برزت أنيابه الصفراء ، ونزلت إلى نصف بدنه ، وهو ينظر إلي ويقهقه بصوت عالي ، وما أن رفعت رأسي ، واستقر في مكانه حتى لطمه برجله ، ولم يكتفي بذلك بل راح يضغط على وجهي ويسحقه
ويقول: هل ظننتَ أنك لاتقع في مخالبي مرة أخرى، أين عملك الصالح لينجيك ؟ لقد هرب ولاترى له أثرا ، وبقيتَ وحيدا في قبضتي .
ماكان لدي القدرة على الكلام معه كي أسأله من يكون، ولكني ظننتُ أنه خلاصة أعمالي السيئة ، وقد كان كما ظننت .
قال لي مستهزئا: كانت تأخذك نشوة الرئاسة عندما يقال لكَ مدير مشاريع، وتفرح كثيراً بهذا الأسم ، وتحس بالعلو على غيرك ممن دونك في المسؤولية والوظيفة.
أحسست بزيادة ضرب الأقدام على وجهي وصدري ، ولاأعلم أين ذهب ملائكة الغضب ، إذ لم أعد أسمع لهم صوتا ، ولاأحس لهم أثرا ، وأصبحتُ عاجزاً تماماً عن أداء أي شئ، حتى عن رؤيتهم والتكلم معهم......
مضت فترة طويلة وأنا بهذه الحالة ، حتى أتى الوقت الذي أحسستُ فيه بأن شخصاً ما يجرني ، وجهتُ نظري نحوه وإذا بهم ملائكة الغضب قد عادوا ،
: فسألتهم عما يريدون فعله بي،
:فجاء الجواب أنه يُراد بي إلى غرفة المحاسبة التي كثيرا مادخلتها في العقبات السابقة .
دخلتُ غرفة المحاسبة وقد حضر الجميع من متهم ، وشهود ، وقضاة، ومحامين ......
محكمة الآخرة لاتتصوروها كمحكمة عالم الدنيا في مصاديقها ، بل في مفاهيمها فقط، فالمتهم أنا،
ولكن ليس كمتهمي محاكم الدنيا ، إذ كل سمات بدني تشير إلى تهمتي ،
والشهود ليس كشهود الدنيا يُحتمل فيهم الصدق والكذب ، بل لامجال للكذب والخداع هنا ،
ونفس أعضاء بدني تشهد ، والأرض تشهد ، والملكان المرافقان لي في الدنيا على يميني وعلى يساري يشهدان ، وقادة الأمة يشهدون من الأئمة والأولياء .
أما المحامين فهم أعمالي الصالحة وملكاتي الحسنة !
أما القضاة فهم من الملائكة الذين لايأخذون رشوة ، ولاتؤثر فيهم قرابة أو صداقة ، وهم موكّلون من الله تعالى الحاكم المطلق الذي هو شاهد على أعمال الخلائق ، بل على خواطر أفكارهم ، وهمسات قلوبهم ونياتهم ، قبل أن يشاهد الشهود ما وقع.
عرض القاضي علي كثيرا مما قصرتُ به في مسؤولياتي تجاه عائلتي والمجتمع الذي كنت فيه ، وحسبت على ذلك حسابا دقيقا ،
حتى وصل المطاف بنا إلى فترة تحمّلتُ فيها مسؤولية إدارة قسم المشاريع في الشركة التي كنتُ أعمل فيها ، وليتني ماتحملتها ولاقبلتُها .

ماذا سأل القاضي سعيد في محكمة الآخرة ؟ وماذا أجاب سعيد ؟ .........


الحلقة الثانية والخمسون :~


أخذ القاضي بطرح الأسئلة الدقيقة التي لم تترك منها صغيرة ولا كبيرة ، وبدأت الأسئلة

قال سعيد : سألني القاضي عن سبب قبولي في إدارة المشاريع في الشركة عند سفر مديرها لمدة شهرين
أجبته: لقد أصر المدير علي كثيرا على قبول طلبه وعدم رفضه ، لأنه لم يجد رجلا نزيها يعتمد عليه ، فاستحييت منه ولم ارفض طلبه.
القاضي : ماشعورك بهذا الأمر هل هو تقربا إلى الله ، ام لبروز نشوة حب الرئاسة لديك ؟
قال سعيد: لم أجبه .
فأذن القاضي لأحد الملكين اللذين كانا يرافقاني قي الدنيا ، فقال الملك الأول بعد أن توجه نحوي
: نحن الملكان اللذان كنا معك في الدنيا حيثما كنتَ، أحدنا على يمينك ، والآخر على يسارك ، نراقب أعمالك ، ونسجّل خواطرك، ولايفوتنا شئ عنك،

نحن الذين قال الله عنا: (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )).
قال سعيد: سبحان الله ، كيف يخفى على الله شئ وأنتما ترافقاني في الدنيا اينما ذهبت و خلوت .
أجاب الملك الآخر : الله لا يخفى عليه شئ في السماوات ولا في الأرض ، سواء كنا معك ام لم نكن فهو يعلم ما في نفسي ونفسك ، وقد محى عنك الكثير مما ثبتناه عليك من الذنوب والخطايا ، وأنسانا إياها لأنك تبتَ منها إذ سترها عليك في دار الدنيا وفي الآخرة ، ولايعلم بها الآن أحد غيره .
إذن فما وجه مرافقتكما لي مع ان الله يعلم كل شئ بدونكما؟
أجاب الملك : إن الله أراد أن نكون عليك حجة وشهودا على أعمالك ونياتك .
قال سعيد أخذتني العبرة ، وسالت دموعي أسفا على معصيتي لربي ، ربي الذي ستر علي عيوبي وذنوبي التي تبتُ منها ، وكم كان يناديني في القرآن ، ويدعوني في التوبة ، ويوعدني بالغفران والجنان ، وسِتر الذنوب ، وتبديل السيئات حسنات .... لقد صدق ربي وعده ولم يخلفه.
طلب القاضي من الرقيب الاستمرار في حديثه
قال الرقيب : لقد استحضر سعيد ذكر الله تعالى في قلبه ، لكنه تخيل نفسه يجلس خلف طاولة الإدارة والمهندسون حوله فأحس بسعادة ورغبة فيما تخيله ، وهذا الذي دفعه لقبول المنصب .
توجه القاضي للملك الآخر، وسأله : هل كان لديه أيضا لحظة القبول قصد إصلاح وضع المشاريع ، والحد من السرقات والفساد فيها؟
: نعم كان في قلبه ذلك أيضا.
القاضي: وماكانت غايته وراء قصده هذا؟ هل كان قصد إصلاح المشاريع خالصا لله وطلبا للآخرة ، أم كان لأجل أن يقال له أنه مهندس نزيه مخلص ؟ أم لأجل أن يرضى عليه مدير شركته ؟
كنت مندهشا من دقة السؤال والجواب الذي يدور بين القاضي والملك الرقيب الذي أجابه بقوله
: كانت نسبة إخلاصه لله في لحظة الموافقة ظ§ظ،، اختلط معها حب الرئاسة بدرجة ظ¤ظ¢، وحب السمعة بدرجةظ،ظ¥، وإرضاء مدير شركته بدرجة ظ£ظ،.
قال القاضي وهل كانت هناك نيات أخرى في قلبه؟
أجاب الملك سريعا: نعم كان لديه طموح في زيادة راتبه أيضا.
القاضي : وكم كانت درجة هذه النية لديه؟
الملك: أحد عشر درجة.
لم أكن أفهم مايقصدوه من هذه الأرقام والدرجات ، وكنت مبهورا من دقة الأسئلة وتشعبها،
وقلت في نفسي : الويل لي ، هذه المحاكمة كلها عن قبولي على موافقة تحمل المسؤولية ، فكيف سيكون الحساب على ساعات وأيام مابعد تولي هذه المسؤولية؟!
عاد القاضي يسأل اذ توجه نحوي وسألني عن هدفي من زيادة راتبي وأين صرفتها وكيف كنت أدير المشاريع ، وكيف اتعامل مع المهندسين والعمال وغيرهم، ومن قبيل حالات التكبر التي كانت تراودني
وسألني عن الأموال هل صرفت في موردها الصحيح ، وهل تم إعطاء العمال والمقاولين حقوقهم بصورة عادلة ، وفي كل ذلك كان هناك شهود على الأفعال ، إذ شهدت الأرض على بعضها ، وفي الأخرى ختم على فمي ، ونطقت أعضاء بدني لتقول الذي تماهلت ُ عن أدائه في الدنيا، ولم أعطه تمام حقه.
وأخيرا وبعد جهد جاهد ، وعناء كبير ، ومدة طويلة دامت سنين وسنين من الألم والحرقة ، تجاوزتُ عقبة المسؤولية ، وسُجّلت لي نتيجتها الأخيرة لتضاف الى العقبات السابقة واللاحقة ، إذ على ضوء مجموعها سيكون الحكم النهائي ، وتحديد مصير كل إنسان أهو للجنة والنعيم ، أم للنار والعذاب الأليم ....
انتهت العقبات وماكادت ان تنتهي لولا أعمالي الصالحة. وملكاتي الحسنة التي كنتُ استغيثُ بها عند كل شدة وبلاء .
أخبروني أن نتيجة كل هذه العقبات سوف تكون في آخرها ، ولكني لا أرى شيئا يدل عليها ،
ترى أين أجدها ؟ سألت أحد الملائكة عن هذا الأمر ،
فقال: (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا))
قلت له متسائلا: إنني لا أرى كتابا حتى أقرأه ، فأين هو ؟
قال الملك : إن نفسك هي كتاب أعمالك ، كما إنها سوف تظهر حين عبورك الصراط الذي يمر في وسط جهنم ، وأنت الآن على مشارفه ، ولايتخلف أي إنسان عن عبوره ، حتى الأولياء والمؤمنين ، فضلا عن الكافرين والفاسقين ، من كان مصيره الجنة يسلكه دون السقوط في الهاوية ، وأما من كان مصيره النار فسوف يقع ويمكث فيها.
التفت إلى عملي الصالح بعدما أصابتني رجفة وخوف عظيم، ورحت أنظر إليه قلقا مضطربا
فقال: (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)).
عظم خوفي واضطرابي ، وأمسكت بعملي الصالح ملتمسا إياه أن لايتركني وحدي ، فإني أرى الصراط حاد كالسيف ، وأرى جهنم سوداء مظلمة تحته .

ماذا حدث لسعيد عندما شاهد الصراط المستقيم .........

الحلقة الثالثة والخمسون :~


عندما شاهد سعيد الصراط المستقيم قال:كنت أُشاهد العديد قد ركبوه بأمل العبور إلى الضفه الأخرى، ولظ°كن انحرفوا عنه ، وسقطوا في جهنم التي كانت تلتهم كل من يسقط فيها، فتأكله نارها ، وتغمره ظلمتها، حتى لا نرى له اثراً إلا صراخه وعويله ،
وبين فترةٍ وأخرى ينادي المنادي لجهنم
: ((هل امتلأتِ))،
فتجيب وتقول : (( هل من مزيد)).
(يوم نقول لجهنم هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد)
في مقابل ذظ°لك كنت اشاهد ايضاً أناس تمكنوا من العبور الى الضفة الاخرى، ولم يزلوا عن الصراط، رغم تفاوت فترات عبورهم وصعوبة نجاتهم ، فكان البعض تلفحه النار بعد مساسها له ، وهم على الصراط وبعضهم من احترق اطرافهم فيصرخون، وبعض من يعبر الصراط بسرعة فلا يحس بتاتاً بحرارة ما تحته...
وهظ°كذا كان الحال لمن سبقوني ، اذ كل حسب عمله ودرجته التي خرج بها من الحساب.
تملكني الخوف والقلق العظيم الذي احاط بي ، فجلست ابكي بكاءً شديداً، ورفعت يدي متضرعاً الى الله ، داعياً إياه
:"ربي ها انا ذا بين يديك خاضعٌ ذليل، إن تعذبني فإني لذظ°لك أهل و هو يا ربِ منك عدلٌ، وإن تعفو عني فقديماً شملني عفوك ، وألبستَني عافيتك ، فأسألك اللهم بالمخزون من اسمائك ، وبما وارته الحجب من بهائك ، الا رحمْتَ هذه النفس الجزوعة، التي لا تستطيع حرَّ شمسك فكيف تستطيع حر نارك، والتي لا تستطيع صوت رعدك فكيف تستطيع صوت غضبك" .
قال سعيد : جاءني النداء من العلي الأعلى فكان معناه : "أي عبدي، إني خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ، بمشيأتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت انت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبظل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبسوءِ ظنك بي قنطت من رحمتي، لم أدع تحذيرك ولم اكلفك فوق طاقتك ، ولم احملك من الأمانة إلا ما قدرت عليه ".
ارتفع بكائي بعد سماعي خطاب الجليل لي ، فناديته معترفاً بكل ما اقترفته من المعاصي والذنوب أن يا ربي
: "أنا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته، وأنا الخائف الذي آمنته... أنا ياربي الذي لم استحيك في الخلاء ، ولم أراقبك في الملاء ، أنا صاحب الدواعي العظمى ، أنا الذي على سيده أجترى ، أنا الذي عصيت جبار السماء ، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا ،أنا الذي حين بشرت بها خرجت إليها أسعى ، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت، وسترت علي فما استحييت، وعملت بالمعاصي فتعديت، وأسقطتني من عينك فما باليت".
جاءني النداء مرة اخرى : عبدي ماذا تريد مني ؟
: أي ربي أنت تعلم ما في نفسي ولا أعلم مافي نفسك ، أريد النجاة من النار.
تأخر الجواب هذه المرة من العلي الأعلى ، فخشيت أن يكون قد أعرض بوجهه الكريم عني ، فناديته
: " إلظ°هي لم اعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخف ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولا لوعيدك متهاون ، لظ°كن خطيئة عرضت وسوَّلت لي نفسي، وغلبني هواي وأعانني عليها شقوتي ، وغرني سترك المرخى علي ".
ما أن اكملت مناجاتي حتى اطرق وجودي كله جواب الملك القدوس
: "إني اكرمت اوليائي بأن اعطيتهم مقام الشفاعة لخلفي ، فالتمس شفعاتهم، وأنا أشفع الشافعين".
قم من مقامي بسم الله الرحمظ°ن الرحيم، متوكلاً على الحي القيوم ، ملتمساً النجاة بحبي واتباع للنبي وآله، فخطوت خطوة بعد خطوة نحو الصراط، واخذت عملي الصالح بأن اعمالي وملكاتي أوصلتني لهذا المقام والدرجة، وإني سأمضي أملا من شفاعة محمد وآله ، ولا اظن أنهم يبخلون بشفاعتهم لي ، لأني ما برحت أمشي على هداهم في الدنيا، واخطو خطاهم ، وما خلى قلبي من حبّهم.
تقدمت لأضع القدم الأولى على الصراط، فسمعت نداءا من عملي الصالح ينادي باسمي ،
ويقول :سعيد، احذر أعمالك السيئة أن تزلك على الصراط، فتقع في هاوية العذاب .
إلتفت إليه و أجبته: إن شاء الله.
قال سعيد : عزمت على المضيُ،
فسمعته ينادي مرة أخرى: سعيد ، لا تخدعك المظاهر، وانظر إلى حقائق الأمور ، ولا تغرنك الدنيا بمغرياتها وزينتها.
استغربت من كلامه، فعن أي دنيا يتحدث، فقد ولّت وادبرت؟! لا اعلم! على كل حال،
وضعت القدم الأولى ولساني يردد:"يا محمد يا علي، يا علي يا محمد، إكفياني فإنكما كافيان ، وانصراني فإنكما ناصران".
قال سعيد: اصبحت لي جرأة على التقدم والعبور، فوضعت القدم الثانية، وأنا اتلو الآية الكريمة: "وأن هظ°ذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذظ°لكم ما وصاكم به لعلكم تتقون ".
وضعت القدم الثالثة ، وقدمت الرابعة أملاً في المضي اكثر ، إذ رأيت نفسي لا تزال بخير، ولم أزلّ عن الصراط حتى الآن ، ولظ°كن.....!
فوجئت بظهور القبيح الأسود أمامي . آه إنه خلاصة أعمالي السيئة ظهر مرة اخرى ليوقعني في الهاوية. يا إلظ°هي ، انه يقف في مسيري ، ولا مجال للفرار منه ،تقدم نحوي، ووقفت أنا في مكاني مثل خشبة يابسة أنظر إلى الصراط فأراه شعرة في دقته ، وسيف في حدته ، وأنظر لما تحته ، فأرى جهنم سوداء مظلمة ملتهبة ، تنادي هل من مزيد.
وصل بالقرب مني فسألته : ماذا تريد مني في هذا الموقف؟
: أريد أن اوقعك في النار لتحترق فيها
: لماذا؟
: إسأل نفسك قبل أن تسألني الآن .
: وكيف؟
: أما كنت تعلم أن عمل السيئات يدخلك النار ، ألم يقل لك ربك "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون".
إذن فلا تلومني ولوم نفسك ، وإنما معاملتي هي طبق القانون التكويني الذي وضعه الله لخلقه ، وقد أرسل لكم في الأرض من يبلغكم به ، ويحذركم منه.
قال سعيد: أبرز أنيابه الصفراء مقهقهاً بصوت عالٍ ، فخرجت منه رائحة كريهة نتنه . تنفرت منه ،
وقلت : سبحان الله هذا من صنع نفسي!

ماذا فعل القبيح الأسود بسعيد وهو على الهاوية

الحلقة الرابعة والخمسون :~


بعد أن تقرب القبيح الأسود من سعيد
قال سعيد : أخرج سوطه ، وراح يضربني به حتى تحركت قدمي وزلت عن موضعها ، وأصبحت على وشك الوقوع ،
فناديت بأعلى صوتي : يازهراء ........
بصعوبة بالغة أرجعت قدمي إلى موضعها بعد أن لفحتني جهنم ببعض نيرانها ، وقفت حائرا بين العودة إلى ماكنت عليه ، وبين السير والتقدم للأمام . نظرتُ أمامي ، وإذا بامرأة حسناء جميلة واقفة على الصراط ! تمعنت فيها جيدا فرأيتها قد لبست أنواع من الحلي ، ولوّنت وجهها بألوان متباينة!
أما القبيح فلم يغادرني ، بل راح يحثني على النظر إليها ، والتمتع بجمالها ، وكدت أفعل ذلك ، لولا تذكري كلام عملي الصالح حين غادرته ،
إذ قال لي : (( لاتخدعك المظاهر ، وأنظر إاى حقائق الأمور...))، فيا ترى ما هي حقيقة هذه المرأة ، وماهو باطنها وغايتها؟ أتكون كالأفعى ظاهرها ناعم أملس ، وباطنها سم قاتل ؟ لاأعلم.
رفعت رأسي فوقع نظري عليها مرة أخرى وهي تبتسم لي وتدعوني للأقبال عليها ، فبقيت حائرا في أمرها ، وإذا بالقبيح يقول لي بأعلى صوته ، لاتضيع هذه الفرصة ، تقدم نحوها وتمسك بها ، سوف تأخذك بأمان إلى الضفة الأخرى .
سألته مستغربا من كلامه : كنت دائما تتوعدني بالعذاب والنار ، فلماذا هذه المرة تدعوني للسعادة والنعيم ؟!
أجاب سريعا : إن أعمالك الصالحة وملكاتك الحسنة لم تترك لي مجالا لذلك ، فيئست منك، لذا إردت إرشادك في نهاية مسيرتك إلى مايسعدك ، لعلك تذكرني بخير فيما بعد.
تقدمت نحوها خطوة بعد خطوة وأنا في حيرة عظيمة من أمري ، مترددا بين الخوف منها ، وبين الأمل بالنجاة بواسطتها ، دنوت ثم دنوت ، حتى وقفت أمامها، فارتفع صوت القبيح مقهقها فرحا، فقلت في نفسي : عجبا أن يفرح هذا القبيح لسعادتي!
قررت تركها وعدم الذهاب معها إن طلبت مني ذلك ،
لذا قلت لها : افتحي الطريق أمامي كي أسلكه وحدي ، فإني لستُ بحاجة إليك .
قالت ، وهي ضاحكة ساخرة مني : هيهات لك ذلك ، كيف أتركك وقد وقعتَ في مخالبي ؟!
قلت لها : من أنتِ؟
قالت : أنا الدنيا.
: وماذا تفعلين هنا؟ لقد انتهى دوركِ بعد أن غرزتي بزينتك الكاذبة ما لايحصى من خلق ربي.
في (( نهج البلاغة ، من كتاب له ( ع ) الى سلمان الفارسي : أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية : لين مسها، قاتل سمها ، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة مايصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها وتصرف حالاتها ، وكن آنس ماتكون بها أحذر ماتكون منها ، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور اشخصته عنه إلى الغرور....))
ضحكت مرة أخرى وقالت : وخدعتك أنت أيضا ، أليس كذلك ؟
لا أظن ذلك ، وليس لديك دليل عليه . أعظم دليل هو إقبالك نحوي الآن ، وهذا الإقبال إنما هو تعلقك بعالم الدنيا ، بعد أن خدعتك وجذبتك وأنت على الصراط.
قال سعيد : وماذا تريدين فعله معي ؟
إن كل من يتعلق بي ، ويخلد الى الأرض ، ويعمل لأجلي ، ظنا منه أني دار مقر لاممر ، سوف يسقط في الهاوية ، وتكون النار مستقرا له في الآخرة ، ومقدار العذاب فيها إنما يتبع درجة تعلقه بي.
قالت ذلك ودفعت بي جانبا ، فزلّت قدمي عن موضعها ، وتحركت الأخرى ، وخرجتُ عن الصراط لأسقط في هاوية النار...
لحظات لاتنسى ، إنها لحظات السقوط من الصراط متجها نحو جهنم....
نعم إنها لحظات الوقوع في النار ، وقد بلغت فيها حسرتي وندامتي ذروتها، وملامتي لنفسي قمتها،
فقلت لها يانفسي : أما كنت تعلمين أن من تغره الدنيا وزينتها يكون مصيره الآن ما أنا سائر إليه ؟ أما كان الأجدر بكِ أن تستثمري ساعات الدنيا القصيرة بما ينجيك من ذلة وعذاب مواقف القيامة التي مضت ، وماينتظرك ِ أقسى وأمر؟ أما وضعتِ القدم الثابتة على صراط جسر الدنيا الذي أرشدكِ أهل الدين إليه ؟ يانفسي ذوقي عذاب النار ، فما أصبرك عليها.
وصلت الطبقة الأولى من جهنم ، فجرني خزانها اليهم ، وسحبوني نحوهم. ، قيدوني بالسلاسل
فقلت لهم : لِمَ تعاملوني بهذه المعاملة القاسية ؟ إني كنتُ سيد جنة في عالم البرزخ بعدما تطهرتُ فيه ، فأين ذهب كل ذلك ؟
أجابني أحدهم برفقة سوط شلّني عن الكلام ،
فقال: انك لم تحاسب في البرزخ إلا على الجزء اليسير من أعمالك وعقائدك ، فتطهرتَ منها ودخلت جنته ، ولكن في عالم القيامة يكون الحساب شامل ودقيق على كل أعمالك وعقائدك ، وأفكارك، وملكاتك ، صغيرها وكبيرها ، مما لم تحاسب عليها في البرزخ . لم ينفعني ذلك معهم ، إذ حملوني وسلكوا بي طريقا طويلا في جهنم ، وخلال ذلك شاهدت مناظر يشيب الرأس لرؤيتها ، فكيف بمن هو مستقر فيها......

ماهي المناظر التي يشيب الرأس لرؤيتها ...............

الحلقة الخامسة والخمسون :~


قال سعيد : عندما سلك خزان جهنم بي الى طريق طويل في جهنم وشاهدت منظراً يشيب له الرأس لرؤيته.
رأيتُ بركة تسمى (( ماء الحميم)) يُسمع من على ُبعدٍ فوران مافيها، ورأيت أناسا يشربون منها، فتتورم شفاههم العليا حتى تغطي أنوفهم وأعينهم ، وتتورم شفاههم السفلى حتى تصل إلى صدورهم .
وهناك أناس آخرون يشربون من بركة ، ذات رائحة نتنة عفنة مملوءة بعرق الكفار ودمائهم ، تسمى (( غسّاقا)) .
قال تعالى : (( لايذوقون فيها بردا ولاشرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا)).
ومررنا من بعيد على مواقع في جهنم ، فرأيت نارا عظيمة مشتعلة ، وملائكة الغضب يُلقون الناس فيها وينادونهم ألم يأتكم نذير ، وكلما ألقوا فيها فوج ازدادت توقدا وسعيرا ، وسُمع لها شهيقاً وزفيراً ،
قال تعالى : (( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما أُلقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ))
وبين مدة وأخرى يُخرَجون منها وقد احترقت جلودهم ، فصارت كالفحم الأسود ، والنار ملتهبة في أحشائهم التي باتت ظاهرة بعد أن انسلخ الجلد منها .
كنتُ أشاهد توسلهم بالملائكة حين يُخرجون أن لا يلقوهم في النار مرة أخرى ، وأسمع صراخهم وندائهم أن يا مالك ليقض علينا ربك ، فيأتيهم الجواب من خازن تلك النار أن لا فائدة من صراخكم هذا ، إنكم فيها ماكثون.
قال تعالى (( ونادَوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون))
إزددت خوفا واضطراباً حين شاهدتُ تلك المناظر المرعبة والمشاهد المخيفة ، فسألتُ الملائكة المأمورين معي
: عمّا يراد فعله بي ، فلم يجبني أحد ! بل لم يلتفت لكلامي حتى يجيبني.
مضينا إلى حيث يشاء الله لنا ، ولاأعلم أي شئ أراد الله لي ، وإلى أي أمر سيؤول مصيري .....
مضينا حتى وقفنا عند مجموعة من الملائكة وقد اجتمعوا حول إنسان يعذبوه .
شاهدت ملكا أتاه فثقب صدره الى ظهره ،وآخر نتف شعر رأسه ، وآخرون كانوا يضربوه بمقامع من حديد مُحمر
بينما كان ذلك الشخص يصرخ ، ويقول : أما ترحموني ....
أتاه الجواب من الزبانية : ياشقي ، كيف نرحمك ولايرحمك ارحم الراحمين ، أفيؤذيك هذا؟
فقال : اشد الأذى
فأجابوه : ياشقي ، كيف لو قذفنا بك في نار جهنم التي لم تدخلها بعد!
صرفت نظري عنه بعد أن أصابتني رعشة في بدني من قساوة ماشاهدته ، وشاب شعر رأسي خوفا من أن يكون عذابي مثله .
لم يمضي وقت حتى سمعتُ ذلك الإنسان وقد صرخ صرخة عظيمة ، فالتفتُ نحوه وإذا به قد قذفوه في أعماق النار....
توجه أحد الزبانية الذين كانوا يعذبونه إلى الزبانية المأمورين معي
وقال لهم:لقد هوى في العذاب سبعين ألف سنة ! فماذا عن صاحبكم؟
أجابوه ، وقالوا له : انه من أمة النبي الخاتم محمد( ص ) ونحن قد أُمرنا بإيصاله إلى وادي عذاب الموحدين من أمته .
قال الملك :إذن صاحبكم ذو حظ عظيم ، وسوف لن يشاهد مراحل العذاب الكبرى في الطبقات السفلى .
مضينا في مسيرنا مرة أخرى ، ويبدو أن الطبقة الأولى من جهنم أيضا لها دركات مختلفة من العذاب ، وشاهدت في بعضها رجالا تُقطّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار ، ثم يرمى بها ، وبعد السؤال علمتُ أنهم كانوا خطباء الناس وشعرائهم الذين يقولون مالا يفعلون.
وفي بعضها رأيتُ عقارب سوداء حجمها كالبغال، تلسع بعض الناس ، فيهربون منها ، ولكن هيهات لهم الفرار، إذ تستقبلهم حيات سوداء ، مرعبة ضخمة في هيئتها ، طويلة أنيابها ، تخرج النيران من أفواهها لتلسعهم هي الأخرى ، فيصرخون ويهربون منها ليعودوا للعقارب من جديد ، وهم كذلك في دوّارة بين هذه وتلك.
كان الزبانية معي يعاملوني بقسوة خلال مسيري معهم ، ولكنها كانت في نظرهم جيدة ، رغم الضرب والسياط منهم ، والذي كان يأتيني من كل جانب وبين الحين والآخر
إذ قال لي أحدهم ذات مرة : إن مأموريتنا إيصالك إلى وادي الموحدين ، لذلك فنحن نُظهر لك احترامنا حتى وصولنا إليه، ولاتخف كثيرا، فإن ما تشاهده في هذه الطبقة من جهنم هو أدنى درجات العذاب فيها ، وسوف لانقودك إلى الطبقات السفلى منها.
استمر مسيرنا في أخف طبقات جهنم كما يزعمون ! حتى انتهينا إلى مجاميع من نسوة كُنَّ يُعذَّبن بألوان العذاب .
أوقفوني هناك ، وقال لي أحد الملائكة المأمورين معي بعد أن أشار أليهن
: لاتظن أنهن من الأمم السالفة ، بل من أمة نبيكم خاتم الأنبياء . تمعنت فيهن فأنكرتُ شأنهن ، وارتعشت فرائصي لعذابهن ،
إذ رأيتُ امرأة معلقة من شعرها ، ويُسمع صوت غليان دماغها ، وفوران أحشاء رأسها . وأخرى معلقة من لسانها ، والحميم يُصب في حلقها ، وأخرى كانت تأكل لحم جسدها وتقطّعه بأنيابها ، وقد توقدت النار من تحتها .
ألوان عذاب لايتحملها الناظر لها ، فكيف بمن وقع فيها!
وجهت نظري نحو مجاميع أخرى ، فوقع نظري على امرأة قد شُدّت رجلاها إلى يديها ، وقد سُلطت عليها العقارب والأفاعي تلدغ بها ، ولفت نظري امرأة أخرى كان رأسها رأس خنزير ، وبدنها بدن حمار ، وهي تُعذب بأنواع لاتحصى من العذاب . وأخرى على صورة كلب والنار تدخل فيها

الحلقة السادسة والخمسون :~


عندما سأل سعيد أحد الملائكة عن عمل وسيرة النساء في الدنيا حتى يُسلط عليهن هكذا أنواع من العذاب .
أجابه ، وقال: أما المعلقة من شعرها فإنها كانت لا تستره عن الرجال
وأما المعلقة من لسانها فكانت تؤذي زوجها
وأما التي تأكل جسدها وتقطعه بأنيابها ، فهي التي كانت تزيّن بدنها وتجملّه للناس
وأما التي شُدّت يداها إلى رجليها ، والعقارب والأفاعي تلدغ بها ، فإنها كانت قذرة في ثيابها ، ولاتراعي وضوئها، ولاتتنظف بالأغتسال من النجاسات التي توجب الغُسل عليها.
ثم سأل سعيد الملك: وما بال التي رأسها رأس خنزير ، وبدنها بدن حمار؟
أجاب وقال: هي النمامة الكذابة ،
والأخرى على صورة الكلب فهي النواّحة المغنّية .
انطلقنا بعد توقف يسير حتى اقتربنا من شجرة كبيرة جدا تخرج في أصل الجحيم ، فطلبت من الملائكة المأمورين معي الذهاب إليها لأكل بعض الشئ منها ، إذ بلغ بي الجوع مبلغه ، وأصبحت حاضراً لتناول أي شئ أسد به رمقي ، وأطفئ به عطشي ، والغريب أن هذه المرة استجابوا لطلبي ، وقادوني لتلك الشجرة !
اقتربنا منها أكثر وأكثر ، فإذا بها شجرة مرعبة موحشة في شكلها وطلعها ، إنها شجرة الزّقوم
وهي كما قال عنها القرآن الكريم : (( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )).
عليها سبعون ألف غصن من نار ، وفي كل غصن سبعون ألف ثمرة من نار ، وكل ثمرة كأنها رأس شيطان قُبحا ونتنا، وقد تعلق على كل غصن من الزقوم سبعون ألف من الرجال والنساء ،
حاولت العودة ، وتوسلت بهم للتراجع عن طلبي ، ولكن لاجدوى ولاسبيل لذلك. أكلت من ثمرها كُرهاً فإذا بها أمرّ من الحنظل ، وانتن من الجيف ، وأحر من الجمر، واصلب من الحديد! وقعت في بطني فأصبحت تغلي في أحشائي كغلي الحميم .
إلهي ماذا أفعل ، ثمرة واحدة عملت بي ماعملت ، فكيف بمن طعامه الدائم منها!
رميتُ بنفسي من أعلى الشجرة إلى أودية أسفلها ، لعل وضعها يكون أفضل ، وحرارتها أقل ، ولكنها كانت أودية مذابة من الصفر والنحاس، واشد حرّا
من النار والزقوم التي هربتُ منها .
وقعت في تلك الأودية فرأيت فيها أناساً سبقوني السقوط فيها ، وهي تغلي بهم ، ثم ترميهم على حوافها ، حيث هوام النار من الحيات والعقارب والوحوش المرعبة في أشكالها ، إذ رمي بي إلى حافة الوادي ، فراحت العقارب تقترب مني ، والحيات تتراقص فرَحاً بقدومي ....!
اجتمعت وحوش أخرى من جهة ، والأفاعي والعقارب من جهة أخرى ، وتعلقوا بي ، وراح كل واحد منها يلدغ في بدني ، ثم يمزّقه ويقطعّه ، ثم يفعل فيه مايشاء ، وأنا أصرخ وأستغيث ومامن مغيث......
أشار لهم خازن النار بالأبتعاد عني، فابتعدوا لكن بأي حال تركوني ....
تركوني ممدودا على الأرض ، لاأعلم أي الآلام أشكوها ، وأي الجروح أداويها ، فكل بدني سموم وجروح وقروح .
فتحت عيني بعد جهد كبير ، وإذا بكلاب ضخمة كالجمال ، سوداء في لونها ، مخيفة في هيئتها ، إنها كلاب من نار ، تنتظر أمر الحملة على هذا العبد المسكين ! وقد جاءها الأمر بذلك ، فحملت حملة واحدة ، وراح كل واحد منها يقطع قطعة من بدني ، فتسيل الدماء منه ، ثم يُدفع بتلك القطعة في حلقي لتمزق أمعائي بحرارتها مع ما بها من رائحة نتنة عفنة ، وتتكرر ذلك حتى لن يبق لجلدي وجود ، وانكشفت أحشائي ، فراحت الكلاب تدوس على عظامي وتنهشها ، آه ليت في النار عدم وفناء ... ظهر خازن النار وسط هذه الغبرة وهو يشير نحوي ،
ويقول: أتأكل لحم أخيك في الدنيا وتطلب الفناء الآن ، أتسمع الغيبة على المؤمنين ولاترد عليها .
ناديته بما لدي من طاقة وقوة ضعيفة : متى كان ذلك ؟ إني تركت الغيبة وفررتُ منها كفراري منكم الآن .
وبعد هذه المدة الطويلة جاءني الجواب من خازن النار،
وقد أعطى الأمر للجميع بالأنصراف : في يوم كذا أُغتيب في حضرتك فلان فلم تنصره ، ولم تنطق بكلمة واحدة تدافع بها عنه مع قدرتك على ذلك ، وفي يوم كذا مرّ فلان أمامك فغيّرت َ ملامح وجهك ، وأشرتَ اليه بيدك اشارة فهم الحاضرون منها استحقارك له. لم يكن لي سبيل لإنكار ماذكره ، ولكني اعترضت عليه من جهة أخرى ، وقلت : ثلاث سنين طول مدة العذاب لأجل هذا الذنب الصغير ؟
غضب الملك وقال: أما علمت في الدنيا أن الغيبة اشد من الزنا؟
في الخصال (( عن النبي ( ص ) أنه قال: الغيبة أشد من الزنى ، فقيل يارسول الله ولما ذلك ، قال: صاحب الزنى يتوب فيتوب الله عليه ، وصاحب الغيبة يتوب فلايتوب الله عليه حتى يكون صاحبه الذي يحلّه ))
نكست رأسي ، وأجبته : نعم قد علمت ذلك ، ولكن هل جزاءه ثلاث سنين من العذاب ، وبهذا الشكل منه ؟ أمن العدل ذلك ؟ أم هل هناك تناسب بين العمل والجزاء الذي تعذبون به عباد الله؟
رفع الملك كل أنواع العذاب عني ، وأزال آلامي ، فتمكنت من الجلوس والتحدث معه ، حينها قال لي : إن عذابك عندي قد انتهى .
اردت منه تعليقا وجوابا على ما اعترضت عليه ، لكنه لم ينطق بشئ، فبادرته هذه المرة بالشكوى منه .

الى من يشكو وماهي هذه الشكوى ؟...........

الحلقة ستة وخمسين :~


عندما قال الملك لسعيد ان عذابك عندي قد انتهى .
قال له سعيد : إني أشكوك الى الله الواحد القهار الذي لايظلم عباده مثقال ذرة ، ولايجازي أحدا بأكثر من ذنبه .
توجه نحوي ، وقال: أي أمر تعني.
: إني لم أعصِ الله إلا لحظات ، ولم أجلس في مجالس الغيبة إلا ساعات ، فلماذا هذا العذاب ثلاث سنين ؟ لماذا لايكون ساعات أيضاً؟
أطرق الملك قليلا ، ثم أجاب: أما رأيتَ في الدنيا إنسانا قذف بنفسه من جبل ، فتكسّرت أعضائه ، وأصبح عاجزا عن المشي والحركة طوال حياته في دنياه ؟ لماذا لم تقل إن الخطأ كان لحظات فقط ، فلماذا حُرِم من الحركة عمراً بأكمله ؟ وهل أن أحدا عاقبه بهذا الجزاء في العجز عن الحركة ، أم أنه كان جزاء وأثر طبيعي لعمله هذا؟
لم أجبه لان كلامه لاشائبة فيه ،
ثم استمر في حديثه : إن كل ما لاقيته في جهنم وستلاقيه ، إنما هو أثر أعمالك السيئة ، وأنت صنعته لنفسك ، وليس لك الحق في الأعتراض عليه ،
لم يبق لي أي مجال في محاججته ، لذا سلك فكري طريقاً آخر ،
وذهب خيالي إلى مسألة الشفاعة والتوسل بها، ولكن الملك بادرني سريعاً بقوله : حتى الشفاعة التي تتأملها من أهل المقامات العالية ، إنما هي اثر لارتباطك بهم ، وسلوكك طريقهم ، كما إنها لاتتحقق لك إلا إذا كنتَ قد هيأتَ شروطها في عالم الدنيا ، ورفعتَ موانعها.
لم تمض فترة طويلة حتى أتاني مجموعة من زبانية جهنم ، فأصابني خوف عظيم منهم ، وارتعش كل بدني حين رأيتهم .
امسكوا بي وسحبوني بقسوة ، فقلت لهم : إلى أين هذه المرة ؟
فقال أحدهم : إن في جهنم واديا تعوذ منه النار كل يوم أربعمائة مرة ، أُعدّ للمرائين من القرّاء، ويسمى وادي جب الحزن
في كتاب جامع السعادات (( قال ( ص ) استعيذوا بالله من جب الحزن ، قيل وماهو يارسول الله ؟ قال: واد في جهنم أُعد للقراء المرائين )).
ولكني لم أكن من قراء المنابر على الناس .
قال ملك آخر : كنتَ تقرأ على زملائك النصائح والمواعظ حتى يُقال عنك أنك إنسان تحب الخير لهم ، ولاتبغي إلا رضوان الله فيهم ، وكنت تنصح رياءً بما لم تفعله ، كنتّ تظن أن عملك هذا لله ، ولكن لو تمعنت فيه قليلا لوجدته للناس قبل أن يكون لله .
في تلك الأثناء مرّ بنا مجموعة كبيرة من الملائكة ومعهم آلاف مؤلفة من الناس المسودة وجوههم ، المحترقة أبدانهم ، يصرخون ويستغيثون، وقد شدت في أعناقهم سلاسل غليظة من نار. انهم المتكبرون على الناس وعلى الله والمكذبون لرسوله ، وهم المخلدون في النار ، والآن يساقون إلى وادي سقر ، وهل تعلم ما وادي سقر ؟
قال سعيد : كلا ، لا أعلم .
قال الملك :إنه وادي يفوق جميع وديان جهنم في حرارته ، وأنه دار عذاب للمتكبرين .
بعد ذلك سيق بي الى وادي المرائين فرأيت فيه مد البصر من البشر ما لاتحصى أعدادهم ، والكل يبكي وينادي بالويل على نفسه .
استقبلتني الزبانية بأسواط مؤلمة ، ومقامع من نار ملتهبة ،
ثم قال لي أحدهم : يا شقي هل تريد ثواب أعمالك الصالحة التي عملتها في الدنيا ؟
استغربت من سؤاله هذا ، فأجبته : نعم أريدها ، فلعلها تنجيني من شر هذا الوادي وعذابه ؟
ضحك ساخرا من كلامي ، وقال: ياخاسر ، لقد عملتَ بما أمر الله عز وجل، ولكنك أردتَ به غيره ، ورغبت في مدح سواه . وياشقي لقد حبط عملك ، وبطل أجرك ، ولاخلاق لك اليوم ،
فالتمس ثوابها ممن كنت تعمل له ، وهيهات لك ذلك.
في الكافي (( قال ابو عبدالله ( ع ) : كل رياء شرك، إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله ))
قال كلامه هذا ، وألقى بي من أعلى الوادي ، ولم أصل إلى أسفله إلا وأنا مكسر الأضلاع ، مهشم العظام ، وقد دخلت الأشواك في جميع أنحاء بدني ، وما أن وصلت حتى استقبلتني زبانيته وأنا في هذه الحال لتقودني إلى النار ، وأنواع من العذاب...
قال سعيد : بقيت في هذا الوادي سنين عدة ، وأي سنين ! كل لحظة فيها كانت تعادل ألف عام أو تزيد عن ذلك لقسوتها ، وشدة ألم العذاب فيها ، حتى جاء اليوم الذي أتتني فيه ملائكة الغضب الذين ساقوا بي إلى هنا ليخرجوني منه وينقلوني إلى مكان آخر .
سألتهم عن أي مكان يراد بي ،
فجاءني الجواب : إلى وادي عذاب الموحدين من أصحاب الذنوب الكبيرة .
اعترضت عليهم إنني لم ارتكب في الحياة الدنيا ذنوبا كبيرة . إن كنتم على صواب ، فقولوا لي اي ذنوب كبيرة قد عملتها؟
جاءني الجواب برفقة سوط من أحدهم : هناك الكثير من الذنوب الكبيرة عملتها وتظن انها صغيرة ، ثم أما علمت أن الأستهانة بصغائر الذنوب ، والإصرار عليها يُعد من الكبائر؟

هاهو سعيد في وادي الموحدين وكلهم من أصحاب الذنوب الكبيرة لنرى ماذا ارتكب سعيد من الذنوب الكبيرة ..........

الحلقة الثامنة والخمسون :~


قال سعيد : دخلنا وادي الموحدين ، فإذا به من البشر مالايحصى عدده ، وكلهم من أصحاب الكبائر من الموحدين الذين ماتوا على كبائرهم ، غير تائبين منها .
كنتُ ضمن مجاميع الموحدين من أمة النبي الخاتم (ص )
فسألتُ أحدهم حين الدخول معهم : كم سيكون المكث هنا ؟
فقال: بعضهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث سنة ، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خُلقت إلى أن فنيت !
في تفسير الميزان : ( عن علي بن أبي طالب ( ع ) قال: قال رسول الله ( ص) : إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم ، غير نادمين ولاتائبين ، ....... فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ، ومنهم من تأخذه إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ..)
جزعت من جوابه ، فما أصبرني على العذاب فيه !
مضت فترة ونحن بانتظار أمر الجليل فينا ، حتى أتى الوقت الذي جاءنا فيه (( مالك )) خازن كل النار وهو يحمل أمر العزيز الجبار .
لم يمض وقت حتى أتى مالك، وهو ملك عظيم الخلقة ، مهيب الشكل ، مرعب الوجه ، قاطب عابس ، له من الهيبة والعظمة بدرجة أن زبانية النار لايتجرؤون على الكلام معه ، إلا من أذن له .
توجه مالك نحو بعض من الملائكة ، وسألهم: من هؤلاء؟ ما ورد علي من الأشقياء أعجب منهم ، لِمَ لمْ تسود وجوههم ، ولم توضع السلاسل والأغلال في أعناقهم ؟
تكلم احد الملائكة ، ويبدو انه رئيس مجموعة فيهم ،
فقال: هكذا أتونا ، فسقناهم إلى هنا بانتظار أمركَ فيهم.
توجه مالك نحونا، فارتعشت أبداننا رهبة منه ، ثم قال: يامعشر الأشقياء من انتم ؟
أجاب جمع منا وكنتُ معهم: نحن ممن أُنزل علينا القرآن ، ونحن ممن كنا نصوم شهر رمضان ، ونحج بيت الله الحرام ، و....
قال مالك : ما نزل القرآن إلا على النبي الخاتم محمد.
قال سعيد : سمعنا اسم محمد( ص ) فصحنا وصاح الجميع معنا
: نعم ، نحن من أمة النبي الخاتم محمد.
قال:أما كان لكم في القرآن زاجراً عن معاصي الله ، أما كان لكم في رسول الله وعترته أسوة حسنة إن كنتم ترجون الله واليوم الآخر ؟
أصابتنا الخيبة من كلامه ، ونكسنا رؤوسنا إلى الأرض خجلاً واستحياءً منه، وارتفعت أصواتنا بالبكاء ، حتى لم تبق لعيوننا دموعا بعد جفافها، فبكينا دماً!
إستغرب مالك منا ذلك ،
فقال: أتبكون دماً ، فما أحسن لو كان هذا في الدنيا من خشية الله ، ولو كنتم كذلك ما مستكم النار اليوم .
توجه نحو الزبانية ، وقال لهم : ياخزنة جهنم ، ألقوهم في النار ، فإنهم قد عصوا أمر الجبار ، ويا نار خذيهم .
ضج الجميع ، وعلت الأصوات ، والكل ينادي
: ((لاإله إلا الله )) حتى تراجعت النار عن موضعها ، فتوجه مالك نحوها
وقال: يانار أمرتكِ بإحراقهم ، فافعلي ماتُأمرين به .
ارتعشت النار خوفا من مخالفة أمر مالك ،
ثم قالت: كيف أأخذهم يامالك وهم يقولون (( لاإله إلا الله ))
قال مالك لها: نعم خذيهم ، فبذلك أمر رب العرش .
لم ترفض النار أمر مالك بعد أن علمت أن الأمر من العلي الأعلى، فبدأت تأخذ بنا كل حسب منزلته، ولاسبيل للفرار والتخلف عنها ، فمنّا من أخذته إلى قدميه ، ومنا من أخذته إلى ركبتيه ، ومنا من أخذته إلى عنقه ، أما أنا فقد أتتني النار لتأخذني ، فهربت منها ولحقتني حتى حُجزتُ في موضع لامجال للفرار منه، حينها وقفت النار أمامي وفرائصي ترتعش منها ،
وقالت : يا شقي ، أما علمتَ أن لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الأستغفار ؟
قلت لها : إني تبتُ من كل ذنب كبير ، والصغائر كنت غافلاً عنها ، فلماذا احترق بكِ؟
اشتد لهيبها وكأنها غضبت من كلامي ، ثم قالت : هي الغفلة يا شقي ،هي الغفلة .
قالت ذلك وارتفع شهيقها، وقفزت نحو قدمي ، فصرخت ألما من حرارتها ،
وناديت بأعلى صوتي : لا، لاتحرقي قدمي ، لاتحرقيها ....
لم تسمع ندائي ، ولم ترحم صراخي ، فلصقت بهما حتى احترق جلديهما ، وراحت تتوغل في أحشائهما وعظامهما.......
العجب كل العجب أني سمعت شخصاً بجنبي قد أخذته النار إلى فخذيه يحسدني على حالي ، ويقول لي : ليتني كنت مثلك ، ليت النار لم تحرق إلا قدمي !
أرادت النار أن تأخذ وجوه بعض من في الوادي
فصاح بها مالك : لاتحرقي جباههم فلطالما سجدت للرحمن عليها ، ولاتحرقي قلوبهم فلطالما عطشت في شهر رمضان ، ولاتحرقي لهم السنة فلطالما تلو بها القرآن .
أنفذ الله حكمه فينا، وبقينا على هذه الحالة ماشاء الله لنا من المدة الطويلة ، وبرغم تلك الآلام العظيمة، والمصيبة الجسيمة، وشدة الزحام وضيق المكان
وبرغم صراخ المعذبين وصياح المحترقين ، وجدت لي موضع جلوس في الوادي فجلست للتفكير والدعاء للجبار ،
وقلت في نفسي : أليس كل عمل في الدنيا يظهر باطنه هنا، فأين بواطن دعائي في ليالي الجمعة ؟ ومناجاتي بدعاء الجوشن الكبير ليلة القدر ، وأين تجسمات دموعي خوفا من ناره وطمعا في جنته ؟

ناديت ربي بجمل من دعاء كميل بأقدام محترقة ودموع جارية ...........

الحلقة التاسعة والخمسون :~


عندما قال سعيد : مضت فترة ونحن ندعو الله ونتوسل اليه ، ونطلب منه أن يأذن بشفاعة نبينا محمد فينا، حتى وصلتنا الأخبار من الملأ الأعلى تقول بأن الله سأل جبرائيل : (( مافعل العاصون من أمة محمد ؟
فقال جبرائل : (( إلهي أنت أعلم بهم ))،
فقال عز وجل : (( انطلق ياجبرائيل وانظر ماحالهم )).
بعد انطلاقه الى مالك وجده جالسا على سرير من نار وسط جهنم
فقال له : يامالك ، ماحال العصابة من أمة محمد خاتم الأنبياء؟
أجابه مالك، وقال: ما أسوء حالهم ، وأضيق مكانهم ، قد أحرقت النار أجسامهم ، وأكلت لحومهم ، وبقيت وجوههم وقلوبهم يتلألأ فيها الإيمان . يا جبرائيل أنت تعلم أني لو خالفتُ العزيز الجبار قيد أنملة فيهم لاحترقتُ .
سمع جبرائيل منه ذلك فطلب منه أن يرفع الطبق عنا لينظر الينا .
بعد ان رفع الطبق عنا، وإذا بأنظارنا تقع على مخلوق في غاية الجمال والهيبة بين صفوف الملائكة
تمعنت فيه فعلمت أنه ليس من ملائكة العذاب ، وهو يستبشر كل من يشاهده وينظر إليه ، تسائلنا فيما بيننا عمن يكون، لم نر مخلوق من قبل أحسن منه وجها ، واجمل منه صورة .
نادى مالك ليخبرنا أن الذي أمامكم هو جبرائيل الكريم على الله ، الذي قال الله تعالى بشأنه في القرآن
: (( ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين )) ، فهو أمين الوحي على نبيكم الخاتم محمد ، فهل عرفتموه؟
ضج الجميع ، وراح الناس يتسائلون فيما بينهم عن سبب مجيئه
قال سعيد : أما أنا فاستبشرت كثيرا بقدومه ، ولعل ذلك مقدمة لنجاتنا .
تقدمتُ نحوه بصعوبة بالغة ، إذ كنتُ أحسنهم حالا رغم أن النار أحرقت قدماي ، وكلما تقدمتُ أكثر أصطحبت أُناسا هم في درجتي حتى وصلناه ، فانبهرنا أكثر من عظمة خلقه.
اضطربتُ عندما توجه نحوي جبرائيل وأنا في حالة يرثى لها ،
فقال لي: كيف حالكم وماذا تريدون ؟
أجبته بلسان من يتلكأ في كلامه : ياجبرائيل ، يامن حمل أعظم أمانة إلى أكمل إنسان خلقه الله، يامن هو في الملأ الأعلى مطاع ثم أمين ، اقرأ نبينا محمد منا السلام ، وأخبره أن معاصينا قد فرّقت بيننا وبينه ، وأخبره بسوء حالنا وأننا بانتظار شفاعته فينا .
لم يطل بقائه فينا حتى غادرنا وأُغلق طبق جهنم علينا ، ولم نعلم بعدها ماذا حدث ، حتى وصلنا خبر يقول
: بعد أن ذهب جبرائيل وقام بين يدي الله ، قال الله تعالى له : (( ياجبرائيل كيف رأيت العصاة الموحدين من أمة محمد؟))،
فأجاب جبرائيل : (( يارب أنت أعلم بهم ، ما أشد حالهم وأضيق مكانهم ، تركتهم يستغيثون بنبيهم ، ويطلبون شفاعته فيهم )).
قال الله تعالى : (( هل سألوك شيئا؟))،
فقال جبرائيل : (( نعم يارب ، سألوني أن اقرأ على نبيهم السلام واخبره بسوء حالهم ))
فقال الله تعالى : (( انطلق الى حبيبي محمد وابلغه ذلك)) .
انطلق جبرائيل ودخل على النبي محمد (ص) وهو في خيمة من درة بيضاء ، ولها أربعة آلاف باب ، ولها مصراعان من ذهب ، فقال له بعد السلام عليه : (( يامحمد جئتك من عند العصاة الموحّدين من أمتك ، وقد تركتهم يُعذَّبون في النار ، وهم يقرءوك السلام ، ويقولون : ما أسوء حالنا ، وأضيق مكاننا، فأين نبينا ليشفع فينا))
(( في كتاب عالم مابعد الموت ، للفيض الكاشاني )).
لم يترك النبي الحال كما هو ، وهو مظهر رحمة الله، إذ أتى عند العرش وخر ساجدا ، وأثنى على الله ثناءً لم يثنه أحد مثله ،
فقال الله عز وجل : (( ارفع رأسك يامحمد ، واسأل تعطى، واشفع تُشفَّع))،
فقال النبي(ص) : (( يارب ، إن الأشقياء من أمتي قد أنفذتَ فيهم حكمك ، وأنت أرحم الراحمين ))،
فقال الله تعالى : (( قد شفعتك فيهم يامحمد ، فأت النار وأخرج منها من قال لااله إلا الله ، وكان أهلا لشفاعتك )).
قال سعيد : بلغ شوقي أشده لرؤية النبي الخاتم وأهل بيته بعد علمي بما حدث ، فهم شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء .
تعقّبتُ أخبار النبي وآله ، فعلمتُ أنهم قد وصلوا إلى مالك ، وحين نظر إليهم قام لهم تعظيما لمقامهم ،
فقال النبي الخاتم ( ص ) بعد السلام عليه : (( يامالك ماحال أمتي من الأشقياء ؟))،
فقال مالك: (( هم في حالة سيئة جدا، قد أحرقتهم ذنوبهم حتى وصلت لدى بعضهم إلى أعناقهم، وهم يستغيثون ويصطرخون ، ولشفاعتك يتألمون)).
قال الخاتم (ص) : (( يامالك افتح الباب ، وارفع الطبق عنهم )).
فتح الباب ، ورُفع الطبق عنا......
: ياإلهي ماذا أرى ، إنهم خمسة أنوار يحيط بهم الملائكة من كل جانب ، إنهم أصحاب الكساء الخمسة ، نعم ، هم فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ، هم أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة......
أجل ها هو رسول الله يتقدمهم ، وقد أضاء الوادي من انعكاس أنوارهم بعد ان كان معتماً شديد الظلمة، وقامت الملائكة اجلالاً ، وأمروا الناس بالقيام إكراما للنبي وآله .
: حاول جمع من المعذبين التوجه نحو خاتم الأنبياء والأقتراب منه ، فلم يتمكنوا من ذلك ، إذ هم لايطيقون نوره عن قرب ، ومقامهم لايسمح بنيل ما يرمون إليه، لذا نادوه من مكان بعيد ، وطلبوا شفاعته فيهم ونجاتهم مما أصابهم .
قال لهم الخاتم ( ص ) : (( ياأهل هذا الوادي من أمتي، أجيبوني ماذا فعلتم بالثقلَين من بعدي؟)).
في الكافي ، (( قال أبو جعفر ( ع ) قال رسول الله ( ص ) : أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي ، ثم أسألهم مافعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي)).
صمت الجميع ولم يجبه ، وأصابتهم دهشة شديدة من سؤاله منهم .
تعالت الأصوات وهي تقول: يارسول الله ، وما الثقلين ؟
أجابهم خاتم الأنبياء مستنكرا سؤالهم ، إذ قال : ألم أقل لكم : (( إني قد تركت فيكم الثقلين ماإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وأحدهما من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
اجتمع أصحاب الأصوات المتفرقة في مكان واحد ، ودار الحديث بينهم وبين الخاتم ( ص ) إذ قالوا له .

ماهو الحديث الذي دار بين الأصوات المتفرقة والخاتم ( ص )

الحلقة الستون :~


بعد أن اجتمع أصحاب الاصوات المتفرقة في مكان واحد، دار الحديث بينهم وبين الخاتم (ص)
اذ قالوا له: أما كتاب الله فقد عملنا به ، وأما عترتك فلم نعرفهم يارسول الله .
رد الرسول معترضا على جوابهم ، فقال: (( كيف تدّعون أنكم عملتم بكتاب الله دون العترة ، وقد أخبرتكم أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وقد فرقتم بينهما ، انتم لم تعرفوا اسرار القرآن لأنكم لم تعرفوا عترتي حتى يعرفوكم به وهل يمكن العمل بالشئ دون معرفته؟ )).
قالوا : إن علماؤنا لم يعرفونا بعترتك ، ولم يذكروها في كتبهم ونحن تبعناهم ، من أجل الوصول الى الجنة .
أجابهم الخاتم بقوله : (( إن علمائكم الذين عرفوا الحقيقة، واستيقنوا بها ، ثم جحدوها وحجبوها عنكم ، إنما هم الآن في الدركات السفلى من النار . أما أنتم فهلاّ سألتم عن الثقل الأصغر الذي لايفارق كتاب الله من هم؟ وهلاّ حاسبتم علمائكم عن سبب تركهم لهم )) .

( إن كلام وخطابات خاتم الأنبياء (ص) والتي ذكرناها في هذه الأحداث من الرواية ورَد معناها في الأحاديث والروايات والكتب المعتبرة ، وليس بالنص الحرفي منه(ص ).

استمر كلام الخاتم (ص) ليقول: (( ثم كيف تقولون أنكم عملتم بكتاب الله، وكتاب الله يقول لكم : (( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ، وقد بين القرآن من هم ولاة أمركم ، كما بينت أنا لكم ذلك ، فلا أطعتم الله ، ولارسوله فيكم ، ولاأطعتم ولاة أمركم)).
استأنف الرسول عتابه لهم وقال: الم أقل لكم: (( إن مثَل أهل بيتي فيكم مثَل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)).
ألم أقل لكم : (( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الأختلاف)).
ضج الناس جميعا بالبكاء على اثر عتاب الرسول الخاتم لهم، ولكنه استمر في كلامه وقال
: إن أحاديثي هذه وعشرات أمثالها موجودة في كتب مذهبكم لو تفحصتم وتعقبتم لعرفتم ، لكنكم أسلمتم رقابكم لأئمتكم ، واتبعتموهم دون تحكيم عقل ، أو تدقيق أمر)) .
قال سعيد : أصبحنا لانسمع إلا أنين وبكاء وطغى صراخ جمع من النساء والرجال ، ودعائهم على انفسهم بالويل والثبور، وهناك أصوات أخرى تنادي رسول الله أن
(( نستميحك العذر ياخاتم الأنبياء)).
توجه رسول الله (ص) نحو علي ( ع ) وأشار إليه ، ثم خاطب الناس ،
وقال : ثم مالكم اختلفتم من بعدي في علي وذريته ، وقد أخبرتكم في أول بعثتي أن (( هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم)) .
وأمرتكم بالسمع والطاعة له ، لكنكم قطّعتم دينكم إلى فرق ومذاهب ، وتركتم حبل الله المتين ، فبقي القرآن وحيداً غريبا يفقد صاحبه ، ومفسّره ، ومَن يعلم تأويله وبواطنه.
وفي موطن آخر قلتُ لكم: (( من أراد أن يحي حياتي ويموت ميتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي ابن ابي طالب ، فانه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة)).
طال الحديث بين الطرفين حتى لم يبق للناس حجة على رسول الله ، حينها أعرض عنهم ، وأشار إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، وقال للناس الكلام الأخير في حقهم : (( إن الله تعالى خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين في عالم الملكوت قبل أن يخلق أبيكم آدم (ع) بألفي عام ، حين لاسماء مبنية ، ولا أرض مدحية ، ولاجبال مرسية ، ولابحار مجرية ، ولارياح مسرية ، ولاشمس مضيئة ، ولاقمر منور، ولاظلمة ولانور ، ولاجنة ولا نار )).
قال خاتم النبوة كلامه هذا ، ثم أشار لعلي وفاطمة أن اشفعوا في أمتي لمن ترونه لائقا لشفاعتكم ، متّبعا لولايتكم.
قال سعيد : غمرتني فرحة كبيرة حين علمتُ بذلك ،
لذا جمعت عددا من المؤمنين بولايتهم ، والسائرين على نهجهم ، وتوجهت بهم نحو النفوس العارفة ، والأنوار المنيرة .
تمكنا من الدنو منهم ، حتى توقفنا عند الحد الذي لايجوز لنا تخطّيه، فناديتهم بقلب عاشق لهم ، وأديتُ التحية بخطابي إياهم ،
والجمع يردد معي ما أقول : (( السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزّان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الأمم)).
السلام عليكم يا من هم: (( الصراط الأقوم ، وشهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء ، والرحمة الموصولة ، والآية المخزونة ، والأمانة المحفوظة ، والباب المبتلى به الناس ، منأتاكم نجا ومن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون وعليه تدلون)).
قال سعيد : توقفت عن مدحتي لهم ، وساد صمت بين جموع الناس في الوادي ، فقام الجميع إجلالا للنبي وآله بعد علمهم بمقامهم ومنزلتهم عند الله، وتغيرت ملامح معظم الناس ، خجلا مما جهلوه عن نبيهم وأوصيائه ، وبين دهشة البعض وخجل الآخر ، وبين بكاء الباكين أسفا وحسرة المتحسرين ندما ,
تقدمت الزهراء بنورها البراق ....
نعم ، تقدمت الزهراء بعد أن أوحى الله عز وجل لها أن يافاطمة : سليني أعطك وتمني أُرضك ،
قالت فاطمة ( ع ) ..........

لنتابع الحلقة التالية ماذا قالت فاطمة لله الأعز الأجل الأكرم ...................


تابع



التعديل الأخير تم بواسطة ولاية علي ; 2015/05/28 الساعة 10:44 PM
رد مع اقتباس