عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/05/29, 12:13 AM   #10
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

الحلقة الواحد والستون :~



بعد ان قال الله عز وجل لفاطمة : (( سليني أعطك وتمني علي أُرضك ))
فقالت : (( الهي أنت المنى وفوق المنى ، أسألك أن لاتعذّب محبي ومحبي عترتي بالنار )).
توقفت عن الدعاء ، وألقت نظرة على جموع الناس وكأنها عرفت سرائرهم وأحوالهم ، ثم عادت تناجي الرب العظيم
وتقول : (( الهي وسيدي ، سميتني فاطمة وفطمتَ بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحق ، وأنت لاتخلف الميعاد)).
جاء النداء من العلي الأعلى أن: (( صدقت يافاطمة إني سميتكِ فاطمة ، وفطمتُ بك من أحبكِ وتولاكِ وأحب ذريتكِ وتولاهم من النار ، ووعدي الحق وأنا لااخلف الميعاد ، يافاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والارض بألفي عام أن لاأعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار . يافاطمة قد أوكلت أمر هؤلاء لكِ لتشفعي فيهم فأشفّعك، حتى يتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقعك مني، ومكانتك عندي . يافاطمة من قرأتِ بين عينيه مؤمنا ومحبا فخذي بيده وادخليه الجنة )).
بدأت فاطمة ( ع ) تلتقط شيعتها ومحبيها من النار كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، تلاها علي ثم الحسن ، ثم الحسين ، قال سعيد: حتى أصبحت أعدادنا كبيرة جدا ، وكنتُ أنا أحدهم ، نعم كنتُ ممن التقطتني فاطمة ( ع ) بشفاعتها.
قادتنا ملائكة الرحمة ، وأخرجونا من النار ، وتركنا ورائنا جمع كثير من الناس يصطرخون ويستغيثون ، مرة للزهراء يلتمسون ، وأخرى بأبيها يتوسلون ، وآخرين لعلي يطلبون ، ويقولون: (( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) ، وآخرون يئسوا من الشفاعة ، فراحوا يتمنون العودة للدنيا ، لا لشئ إلا لأن يكونوا من المتمسكين بثقل الولاية ،
إذ كانوا يقولون: ( فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين).....
قال سعيد : لا أكاد اصدّق أننا خرجنا من جهنم ، نعم، خرجنا منها وحال أكثرنا بأسوأ مايكون ، فهو كالحمم والفحم ، لذا ذهبوا بنا إلى نهر يُقال له نهر الحياة ، يُرش عليه من ماء الجنة فألقينا أنفسنا فيه ، حينها زالت عنا كل آثار النار والعذاب ، وخرج الواحد منا كالبدر في ليلة تمامه ، ولكن مكتوب على جباهنا جهنميون. في عوالي اللئالي، (( قال رسول الله ( ص) إن أهل النار يموتون ولايحيون ، وإن الذين يخرجون منها وهم كالحمم والفحم ، فيلقون على نهر يُقال له الحياة أو الحيوان ، فيرش عليهم أهل الجنة من مائه فينبتون ، ثم يدخلون الجنة وفيهم سيماء أهل النار ، فيقال هؤلاء جهنميون، فيطلبون الى الرحيم عز وجل إذهاب ذلك الإسم عنهم فيذهبه عنهم ، فيزول عنهم الأسم ، فيلحقون بأهل الجنة )
سرنا مع الملائكة بأمر فاطمة ، حتى وصلت جنة الفردوس ، فاستقبلتها اثنتا عشرة ألف حوراء لم يستقبلن أحد قبلها ولابعدها إكراماً لها،
ثم غادرتنا بنت خاتم الانبياء عند حدود الجنة ، غادرتنا بعد أن تركت في قلوبنا العشق لها ، وكل واحد منا يشعر بالمنة العظيمة منها عليه .
تقدمنا أكثر نحو الجنان برفقة الملائكة ودلالتهم ، وخلال مسيرنا هذا سمعت تلاوة ممن كانوا معي فأصغيت له اذ كان يقول :
(( لايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) .
مررنا في الطريق على عين ماء كبيرة توقفنا عندها ، وأمرونا بالأغتسال من مائها، فقذفت بنفسي فيها ، وأحسست بخفة الثقل عليَّ بعد طهارتي وتغير لون وجهي وحسنه ، إذ ازداد بهجة وسرورا، حتى خرج في أحسن صورة وأتم نور، مستعدا لجوار الله تعالى في جنانه.
انطلقنا إلى العين الأخرى وإذا بمائها يضئ من تلألؤ الحواري التي كانت واقفة على جوانبها .
تقدمت نحو إحداهن لأتناول الكأس الذي تحمله
فقلت لها وقد أدهشني جمالها ، وحسن هيئة الإناء الذي بيدها
: من أنتِ؟
قالت بعذوبة وأدب: أنا حورية خلقني الله من سعيك في الدنيا لتطهير نفسك رغبة في لقاء ربك .
ولكني لم أتمكن من تطهيرها كما ينبغي ، وكنتُ في دنياي متحسرا على ذلك عندما أرى أولياء الله سبقوني في القرب والمقام.
قال سعيد: تبسمت الحورية
وقالت :لايأس عليك ، فقد شفع لك شخص .....

من هو هذا الشخص ؟

الحلقة الثانية والستون :~


بعد أن قالت الحورية : لابأس عليك ، فقد شفع لك شخص اسمه مؤمن ، ورُفعت درجتك إلى درجات المتطهرين بعد أن قبل الله شفاعته فيك .
فرحت كثيراً بعد أن سمعت اسم صديقي مؤمن ، وتمنيت اللقاء به لأشكره على ذكره لي ، ووفاءه بوعده معي ، عندما قال لي في ساحة المحشر انه لن ينساني ، وانه سوف يشفع لي في المواطن التي يمكن له فيها ذلك، أنني لا أنسى فضله في دار الدنيا حيث زرع بذرة الإيمان في قلبي .
شربت من كأس ماء العين التي بيدها ...
سبحان الله ما أعذب هذا الشراب ، وما أعظم أثره على نفسي ، بعد شرابه أحسست بطهارة في قلبي من كل رجس وغل وملكة لاتليق بمقام القرب من الله
فقلت لها : وهل كل من شرب من أيدي الحواري الواقفة على ضفاف هذه العين سينال مانلته؟
قالت الحورية: : هم على تفاوت كبير، وكل ذلك بحسب شدة وضعف سعيه إلى ربه.
وقفنا على أبواب الجنة مع زمر العابدين ، ووفود المتقين ، وكل واحد منهم يسعى نوره بين يديه ، يحمل كتابه بيمينه ، موقناً برضا ربه....
ولم يطل وقوفنا كثيراً حتى أطلت علي إشراقة عملي الصالح بعد فراق طويل ، سلّم علي وعانقني ،
ثم قال : ألم أقل لك ياسعيد سيأتي اليوم الذي أقودك فيه إلى الجنة ، وها أنت على أبوابها.
انطلقنا نحو أبواب الجنان بعد أن استكملنا طهارة القلب والبدن ، وجاء أمر الجليل إلى خزان الجنة من الملائكة أن افتحوا أبواب الجنان لأحبائي من عبادي .
لم يتخلف أحد من الملائكة عن أمر الله ، وأنى لهم ذلك وهم : ((... لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون )).
امتلأ قلبي سرورا عندما سمعت حسن صرير أبواب الجنة ، ولكني رفضتُ الدخول ، وتأخرت عمن دخلها ،
فسألني الملائكة عن سبب تأخري فأخبرتهم أني لا أدخل الجنة حتى أشفع لأهل بيتي .
في بحار الأنوار ،((..... ثم قال ابو حعفر ( ع ) : إن لرسول الله ( ص ) الشفاعة في أمته ، ولنا شفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم ...)).
قال سعيد : أريد الشفاعة لأمي المسكينة التي تركتها خلفي في عقبة صلة الرحم ، ولا أعلم أين سارت بها أمواج الحساب.
أريد أن أشفع لأختي التي لاأنسى فضلها علي في دار الدنيا ، هداها الله الى الجنة ، التي تكفلت بتربية ولدي اليتيم الأبوين حتى أصبح من المؤمنين المتخلقين بأخلاق الأسلام، والمدافعين عنه بالقلم واللسان .
تقدم نحوي أحد الملائكة ، فتكلم معي بلطف بعد أن بارك لي بالنجاة والفوز بالجنة ونعيمها ،
وقال لي: إن مرتبتك لاتُجيز لك الشفاعة في جميع أهل بيتك ، وإن البعض منهم من له ذنوب ما لاتسمح له باستقبال شفاعتك فيه .
قال سعيد : أخبرني عن أي شخص منهم يمكنني الشفاعة له .
قال الملك : يمكنك ذلك لأختك فقط دون غيرها.
قال سعيد : آه ، والآخرون ، وأمي كيف السبيل لنجاتها؟
قال الملك : إن أمك لاتزال محبوسة معذّبة في عقبة صلة الرحم ، وأمامها عقبات عديدة لم تتجاوزها بعد.
أحاطت بي الملائكة من كل جانب يلتمسوا مني الدخول الى الجنة مع أقراني .
ولما رأوا إصراري على مطلبي قبل دخول جنتي ، قال أحدهم إذا أدعوا الله أن يشفعك في أختك .
قال سعيد : ألقيت بنفسي ساجداً داعياً الله تعالى ، باكياً، مستحضراً فضل الله العظيم علي بنجاتي من النار .
ناجيت ربي أن: (( ياإلهي ، يامن سلطان الآخرة بيده ، يامن لايشفع أحد في غيره إلا بأذنه ، أسألك بحق الأنوار التي خلقتها وخلقت كل نور منها إلا ألحقت أختي بالجنة.))
لم أغادر موقعي ولم أدخل جنتي ، وكنتُ أنتظر قدومها بشوق عظيم، ولا أعلم لماذا تخلفت عني ، وهي كما عرفتها كانت من المتقين ، ترى بأي عقبة تأخرت ؟
طال انتظاري على أبواب الجنة حتى جائتني حورية منها ، تلتمسني دخول الجنة ، وتخبرني أن رفيقاتها بانتظاري .
قلت لها : ومن أنتنَّ ؟
قالت: كل واحدة منا هي صفة من صفاتك الحسنة التي اصبحت ملَكة عندك في الدنيا. الجميع بانتظارك ياسعيد ، من خدم وجواري .و...
قاطع سعيد كلامها قائلا: أشكركِ كثيراً مع رفيقاتكِ، ولكني انتظر قدوم أختي معي ، وقبل رحلتي من الدنيا تعاهدنا في يوم الغدير أن لايدخل أحدنا أبواب الجنة حتى يشفع كل منا للآخر ، وأنا لاأريد أن أخلف عهدي معها .
لم تنطق بشئ ردا على كلامي ، لذا استأذنتْ العودة إلى رفيقاتها ، فأذنت لها .

طال بي الأنتظار ...
ماذا حدث بعد هذا الأنتظار الطويل ..........

الحلقة الثالثة والستون :~


بعد أن طال الانتظار بسعيد وهو ينتظر قدوم أخته حتى جائته البشرى.
قال سعيد: نعم قد وصلني خبر قدومها وأنها في الطريق إلينا إنها في المراحل الأخيرة من التطهير .
لم تزل عيني تراقب الطريق ، وتنظر الى كل قادم حتى أتت ....
نعم قد جاءت بنفسها وعرفتها من أول نظرة رغم تغير صورتها ، وشدة بياض وجهها ، عانقتها بعد فراق آلاف السنين ،
وأول كلمة قلت لها ودموع الفرح قد اختلطت بدموعها : أوفيتُ بعهدي معك يا أختي؟
رفعت رأسها وقالت: نعم ، قد وفيت َ يا سعيد ، وكنت وفيا للعهد في الدنيا والآخرة ، كنا ندعو الله سوية أن يجمعنا في الجنة وقد استجاب لنا ، فنعم الرب ربنا .
علم الجميع بقدومها ، وفتحت الجنة أبوابها ، اقتربنا أكثر ورأينا حشود الملائكة المستبشرة بقدومنا قد وقفت على باب الجنة ، وعند المرور بهم
نادى أولهم بصوت جميل : (..... سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ).
وتقدمنا أكثر ، فنادى آخرهم مشيرا إلى الجنة ونعيمها: (( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون)).
وبدأ الحفل بموسيقى التسبيح ، وتعالت نغمات التهليل ، فاختلط معها لحن تكبير الحاضرين ، وحمد الحامدين ،
لتكوّن بذلك أنشودة الخلود أن: (( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
نظرتُ إلى هدى وهي مبهورة بما ترى ، فرحة بالنعيم الذي ينتظرها، والملائكة التي ترافقها ، والجواري التي تخدمها والطيور التي تغرد بأغانيها فرحا بقدومي وقدومها ، حينها سمعتها تقول : (( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين )).
قال سعيد : لم يشغلني النعيم عن والدتي ،
فالتفت إلى هدى ، وقلت لها : إن أمي بحاجة إلى شفاعتنا ، وقد تركتها في عقبة صلة الرحم تتلوى ألما، وتحترق حسرة ، وطلبت من الملائكة الشفاعة لها، ولكنهم أخبروني بعدم تمكني من ذلك لأن درجتي ضعيفة لاتسمح لي بالشفاعة لأمثالها.
أجابتني هدى ، وقالت : صحيح ماقالوا ، لذا علينا التوسل بأصحاب المقامات العالية.
: وهل تعنين أحدا في كلامك يا أختي ؟
: نعم ، إن والدتي كانت تطلب دائما الشفاعة في دنياها من الحسين سلام الله عليه ، كانت تبكي كثيرا عندما أقرأ لها زيارة عاشوراء ، وخصوصا عند المقطع الذي يقول : (( اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود ، وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين(ع) ))، ونحن اليوم على الورود على الله ، أليس كذلك ياسعيد ؟
: آه، صحيح جدا ماقلتيه ، كانت تقيم مجالس العزاء للقربى من الله لا لشيء آخر .
قال سعيد لأخته : أختي العزيزة ، اتركي هذا الأمر لي واذهبي إلى جنتك التي أعدها الله لك ، فكل ماعملتِ في الدنيا من خير قد تجسم لك بشكل قصور جذابة ، وبساتين خلابة ، وخدم من الجواري والولدان المخلدين ، الذين وصفهم الله تعالى في قرآنه كأنهم لؤلؤ مكنون ، أختي: إني مسرور جدا لك ، وسوف أزورك عن قريب في جنتك ، ولعله مع والدتنا إن شاء الله .
عندما فارقتها ، سألت عملي الصالح عن الطريق إلى طلب شفاعة الحسين لوالدتي ، فذهب سريعا ثم عاد بالملك ، وقال لي أسأله بما تشاء ،
فسألته:كيف الطريق الى نيل شفاعة الحسين لوالدتي ، أريدها أن تلحق بنا .
إن والدتي من الصعب إخراجها من مأزقها الذي وقعت فيه إلا بشفاعة أصحاب المقامات العالية عند الله، وبما أنها كانت تطلب شفاعة الحسين وهي في الدنيا، وكانت تطلب القربى من الله بزيارته والبكاء عليه، فلا أظنه يتركها في الآخره وهي بأشد الحاجة إليه، ولا أظن الله يرفض شفاعته فيها،
قال سعيد: لذا سألت الملك عن كيفية الوصول إلى الحسين والتحدث معه فقال الملك إن قوانين الآخرة ليست كقوانين عالم الدنيا الذي كان مقيدا بالزمان والمكان، فلا يحتاج أن تذهب إليه حتى تتحدث معه، لقد كنت تزوره في الدنيا من على بُعد في المكان منه، وتعتقد أنه يسمع كلامك، ويرد جواب سلامك، فكيف وأنت الآن في عالم الآخرة؟
لم يكن حديثنا ينتهي حتى قدِم علينا مَلَك ساطع نوره، عظيم بهاءه وجماله واقترب منّا، ويبدو منه أنه قادم من الجنان العالية ثم توجه نحوي
وقال: إن الحسين سيد شباب جنان الخلد يبلغك السلام مع كل اخوانك المؤمنين ويريد زيارتكم عن قريب، فهل ترغب في ذلك؟
قال سعيد: طُرت فرحا وسرورا حينما علمتُ أن مولاي يرغب في زيارتنا، ولم أكن أُصدق ذلك لولا علمي بأن عالَم القيامة هو عالمَ الحقيقة المطلقة وليس فيه حلم ولا نوم ولا خيال لذا جمعتُ أمري
وقلت له: كيف لا أرغب في لقاء مولاي الحسين، وقد كنت أذرف الدموع شوقا لزيارة قبره، فكيف والآن يدعوني للقاء شخصه، أخبره أن سعادتي ليس بالجنة التي سأدخلها بل إن سعادتي بلقائه والنظر إلى جمال وجهه.

ماهي الطريقة التي سوف يستقبل بها سعيد الأمام الحسين عليه السلام؟

الحلقة الرابعة والستون :~


كان سعيد بشوق شديد لرؤية الأمام الحسين ( ع ) وان سعادته ليس بجنته ولا بالنعيم الذي فيها ولا بالأنهار التي تجري من تحتها بل سعادته بلقاء الأمام الحسين ( ع) والنظر الى جمال وجهه.
قال سعيد : كان الملك يمعن النظر في وجهي ويصغي لقولي ، وعندما توقفت عن الكلام
قال لي : إذا اذهب وادخل جنتك ، وحشّد مالديك فيها لاستقبال مولاك ....
قال سعيد : ارسلتُ عملي الصالح لاستطلاع الأوضاع ، وتهيئة أمر دخول جنتي ، لم يمكث كثيرا حتى جاءني مع جمع عظيم من الملائكة
وقال:إن كل شئ حاضر ومهيأ، وآلاف من الملائكة والخدم والجواري والحور بانتظار قدومك إلى مملكتك .
قال سعيد للملك: أحقا ماتقول ؟ ومن أكون أنا حتى يعطيني ربي كل هذه الكرامة من عنده ؟!
قال الملك: (( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا))، وانت من المتقين ياسعيد.
ثم دخل سعيد جنته .....
واي جنة ساحرة! وأين هي من جنات الدنيا وجنات عالم البرزخ !
تقدمنا في المسير داخل الجنان ، وفيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، حتى وصلنا إلى أول قصر من قصورها ، نظرت إليه فرأيته من فضة ، مشرقا بالدر والياقوت قد وقف على أبوابه الملائكة وحور العين ،
قال الملك : ياسعيد إن هذا القصر مُلكك ، ولك أعظم منه أمامنا فلنسري إليه .
انطلقنا ، حتى أتينا إلى قصر من ذهب مرصع بالدر والياقوت ، فأخبرني الملك أنه ملكي ، وهناك ماهو أعظم منه .
تابعنا مسيرنا ومررنا بقصور عديدة أخرى ، حتى وصلنا الى قصر في غاية الجمال ، يرى باطنه من ظاهره ، وظاهره من باطنه ، ليس له حد في سعته ، ولانهاية في علوه ، وما رأيتُ مثيلاً له في جماله وعظمته .
إن مواده من الذهب والفضة ، والدر والياقوت ، ذات الألوان المتعددة التي لم تكن في عالم الدنيا .
تخلف عنا الحشد العظيم ، ودخلتُ أنا وعملي الصالح والملك إلى حديقة القصر .
تبسم عملي الصالح بعد أن شاهد القصر ، وتمعن فيه
ثم قال: ياسعيد ، لقد كنت مهندسا في الدنيا، وذو خبرة عالية في تصميم الأبنية ، فما رأيك بهذا القصر؟
أجبته مبتسماً: لو اجتمع عظماء مهندسي الدنيا على بناء غرفة واحدة من غرفه ، ماتمكنوا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
تجولنا قليلا في حديقة القصر ، وكانت الورود تحيينا ، وتغّير من ألوانها بين الحين والآخر، وتطلق أنغاماً موسيقية رائعة بحركة ازهارها ورنين أوراقها ، يطرب لها سامعها . توقفت عند أحدها بعد أن رأيتها مسرورة جدا بقدومنا،
وقالت: أنا وردة خلقني الله قبل آلاف من السنين ، وكنتَ انت السبب في خلقي ، فلك المنة علي أن أخرجتني إلى عالم الوجود !
سألتها مستغربا : وكيف كنتُ أنا سبب وجودكِ ؟
قالت وكأنها واثقة من كلامها: انت الذي صنعت هذا بعملك الصالح في الدنيا والذي تراه أمامك الآن ، وهذا القصر العظيم أنت بنيته بعملك لبنة بعد لبنة منذ ذلك الوقت ، وهذه الورود والأشجار والأنهار أيضا .
توجهنا بعد ذلك نحو شجرة لفتت نظري من بين الأشجار، وتوقفت عندها فبهرني جمالها وظلها الممدود الذي استظل به جميع سكان القصر وحدائقه ومافيها، فكان المناخ ذا عذوبة بالغة ، ونور معتدل ، لاترى فيه شمس ولا زمهرير . التفت نحو الملك ،
وقلتُ له : مااسم هذه الشجرة؟
قال: إنها غصن من أغصان شجرة طوبى التي يمتد جناح ظلها على الجنان كلها . وأصلها من رضوان ، وماءها من تسنيم ، ومافي الجنة من قصر ولا دار إلا وفيه فرع منها.
قلت مندهشاً: سبحان الله إذا كان هذا غصن من أغصانها فكيف يكون أصلها ؟!
قال: إن أصلها في دار خاتم الأنبياء ووصيه علي.
: وهل دارهما واحدة ؟
: نعم ان دارهما واحدة وفي مكان واحد من جنة عدن ، عند قبة الرضوان ، وماقصرك وجميع ملكك إلا كذرّة من ذرات تراب جنة الخاتم وأهل بيته!
ثم قال الملك: من الأفضل أن نترك التجول في حدائق القصر إلى وقت آخر ، وندخل الآن الى غرفه . فإن زوجتك علمت بقدومك ، وقد بلغ شوقها اليك .

من هي زوجته التي تنتظره ؟

الحلقة الخامسة والستون :~

بعد أن قال الملك لسعيد لنترك التجول في حدائق القصر وندخل الى غرفه لان زوجتك علمت بقدومك وهي بشوق كبير إليك .
قال سعيد : دخلنا القصر ، فكان على شكل غرف من فوقها غرف مبنية بالدر والياقوت والزبرجد ، وسقوفها من الذهب محبوكة بالفضة ، ولصفاء جدرانها وأرضها ، كنتُ أرى صورتي فيها ، ولكثرة أبوابها لم أحصها ، وكان على كل باب ملك موكل به،
كانت في الغرف فرش مرفوعة بعضها فوق بعض ، بطائنها من استبرق ، وظاهرها من الحرير والديباج بألوان مختلفة ، تفوح منها رائحة المسك والعنبر ، وهي أخف من الريش وألين من الحرير.
اتجهنا الى غرفة في أعالي القصر تشرف على كل حدائقه . سألت الملك عنها ،
فقال: إنها غرفتك ، ولها من الميزات ما ليس لغيرها .
دخلتُ غرفتي بسم الله الرحمن الرحيم .....
سبحان الذي خلقني وخلقها ! إنها جنة صغرى داخل مملكة كبرى ، لها من الجمال والكمال ما ليس لغيرها من الغرف الأخرى تجري من تحتها الأنهار ، من غير أخدود ولاشقوق .
تحيرت في منابعها ومصباتها ، فلايعلم من أين تأتي وإلى أين تسير ! نهر من ماء غير آسن ، ونهر من لبن لم يتغير طعمه ، ونهر من خمر لذة للشاربين ، ونهر من عسل مصفّى ، فقلتُ سبحان الله والحمد لله ، وهذا أيضا مما وعدني الله به
إذ قال : (( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لايخلف الله الميعاد )).
قمت لاستطلاع مافي الغرفة ، وتذكرت قول الملك عن انتظار زوجتي لي ، فأين هي ؟ هممت بمناداة الملك الحاجب على باب الغرفة ، وإذا به ينفتح ويدخل النور معه ، ليزيد النور على النور سألت الجاجب عنه ، فقال هذا شعاع نورها!
: سبحان الله ! وأين هي الآن ؟
: مع وصيفاتها وجواريها ، وسوف تأتيك عن قريب .
نعم ، أقبلت وحولها وصيفاتها ، وآلاف الخدم والجواري من خلفها، والملائكة تحفها من كل جانب ، وتزفها بأعذب النغمات ، وأجمل الأنشودات .
كنت انظر إليها ، فانشغلت بجمالها الساحر عن الكلام معها،
وقلتُ سبحان ربي حينما قال: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)).
قال سعيد : اقتربت منها ،
وقلت لها : من أنت؟
قالت بصوت عذب : أنا إحدى زوجاتك في الجنة ، وأنا من الخالدات اللاتي لا يمتن ، والراضيات اللاتي لايسخطن .
: وهل أنت من نساء الدنيا أم من حور الجنان ؟
: أنا من حور العين التي قال عنها الله سبحانه : (( حور مقصورات في الخيام ))، وأنا من اللواتي قال الله عنها : (( إنا أنشأناهن إنشاءً. فجعلناهن أبكارا. عرباً أترابا )). وأنا من اللواتي خلقهن الله من تراب الجنة ، وعطرهن من عطرها.
قال سعيد : استانستُ كثيرا بكلامها ، وطربتُ لحديثها ، وماأحببتُ سكوتها .
فسألتها : ولماذا يطلق عليكم الحور العين ؟
: لتحيّر العقول في جمالنا
: ولماذا يطلق عليكن عُرُبا أترابا ؟
: لأننا نحن الوالهات لأزواجنا .
ثم قالت لسعيد : إن كل ماتراه من جمال وكمال عندي ، انت وهبته لي .
:وكيف ذلك ؟
:إن الله تعالى خلقني منذ آلاف السنين ، عندما كنت أنت في دار الدنيا تقضي عمرك فيه ، خلقني الله من امتناعك عن النظر إلى ما حرم الله عليك من نساء الدنيا امتثالاً لأمره ، ورغبة في ثوابه ، على الرغم من نزغات الشيطان إليك ، ووساوسه عليك . في أول خلقي لم أكن بهذه الدرجة من الجمال والكمال الذي تراه الآن ، ولكن كلما امتنعتَ عن النظر المحرم وكلما دمعت عيناكّ في الأسحار من خشية الله ، زادني ربي جمالا فوق جمالي ، ونورا فوق نوري، فلك الفضل علي أن كنت السبب في خروجي من العدم الى عالم الوجود ، ولك المنة علي أن جعلتني بتلك الدرجة الرفيعة ، والمرتبة العالية ،
قال سعيد : أظهرت لها بالغ الترحيب ، وأجلستها في مكان مرتفع من الغرفة لتتكأ على إحدى الأرائك المطلة على حدائق القصر، واتكأت أنا على أريكة تقابلها .
التفتُ الى زوجتي الحوراء ، فرأيت الأبتسامة والسرور على وجهها ،
وقلت لها : إن جلوسنا هذا مصداق لقول ربي : (( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون))
أجل جلسنا نشاهد الأنهار ، إنها اربعة أنهار تجري ، طينها مسك أذفر ، وحصاها الدر والياقوت ، شعرت برغبة من تناول شئ من تلك الأنهار وثمار الأشجار المطلة عليها ولحوم الطيور السائحة فوقها، فهممت أن أقول لها ، دخل علينا الملك الحاجب فسلّم ، وقال:
إن ما اشتهيته حاضر، فهل تأذن بإدخاله إليكما؟
نظرت إليه مندهشاً مستغربا مايحدث ، تبسمت له وأذنت له .
دخل علينا ملائكة في غاية الجمال لم أرهم من قبل هذا ،
فقالوا جميعا: (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)) ورددنا عليهم السلام .

فمن هم هؤلاء الملائكة ...........

الحلقة السادسة والستون:~


قال سعيد : عندما دخل علينا الملائكة وهم في غاية الجمال
قالوا جميعاً لنا (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) .
ورددنا عليهم السلام.
كان أحدهم يحمل طبقين في كل طبق أربعة أكواب ،
وآخر يحمل طبق فيه أنواع الفاكهه،
وآخر يحمل طبق فيه لحم طير مشوي ،
سألهم سعيد من يكونون،
فأجاب أحدهم : نحن خدام الجنة من الولدان المخلدين .
قال سعيد : التفت الى زوجتي الحوراء
وقلت لها: ماأَصْدَقَ وعد ربنا حينما
قال: (( يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. ولحم طير مما يشتهون. وحور عين. كأمثال اللؤلؤ المكنون. جزاء بما كانوا يعملون.)).
وضعوا كل ما أتوا به وانصرفوا ، فأحسست بعظيم نعم الله التي أعطانيها ، ماذا فعلت خلال عمري القصير حتى أجازى بكل هذا، وأُعطي كل هذه الكرامة من عنده ؟
ناديت ربي نداء العبد لمعبوده ، والفقير إلى المنعم عليه
: ياربي (( تقدست أسمائك ، وعظمت آلائك ، فأي نعمك يا إلهي أحصي عددا وذكرا، أم أي عطاياك أقوم بها شكرا ، وهي يارب أكثر من أن يحصيها العادون ، أو يبلغ علماً بها الحافظون)).
جرت على خدي دموع المقصّر المعتذر من ربه مقابل عظيم نعمه، وتنحيت جانبا من الغرفة ، ودعوت ربي متذللاً خاشعا
: ياإلهي (( لو حاولتُ واجتهدتُ مدى الأعصار والأحقاب لو عُمّرتها ، أن أؤدي شُكر واحدةٍ من أنعمك ما استطعتُ ذلك ، إلا بمنك الموجب عليَّ به شكرك )).
استغربت الحوراء حالي بعد أن تركتها مع ما لذ وطاب من الطعام والشراب .
لحقتني وجلست جنبي لتهب لي الطمأنينة والسكون
ثم قالت : عزيزي سعيد ، ليس أنت الوحيد الذي يشعر بتقصيره أمام خالقه ، إن الله تعالى متفضل على كل مخلوقاته ، ومامن أحد له المنة عليه في طاعته ، ولو حاسب الله الجن والأنس بعدله ما نجا أحد منهم قط ، أطاعوه بالجوارح التي وهبها لهم ، وذكروه باللسان الذي منحه اليهم ، وأعطوا الصدقة والخمس والزكاة من المال الذي وكّلهم عليه ، فأي منة للخلق على الله ؟ لكنه مع ذلك يهب من أطاعه كل هذه الجنان والنعيم !
: صحيح ياعزيزتي ، ولكن ألا يستحق ربنا العشق من عباده ؟ وهل يغفل العاشق عن معشوقه ؟ أو يهدأ الحبيب عند فراق محبوبه ؟ وأنا أشعر الآن بالتقصير أمام ربي أن عبدته وأطعته في الدنيا خوفاً من ناره وطمعاً في جنته ، لاحبا له وشكراً له على أنعمه ، وأنا لا أهدأ الآن حتى يغشيني ربي برضاه
وعاد الدمع يجري لأناجي ربي هذه المرة بلسان العاشق له : (( إلهي لو قرنتني بالأصفاد ، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد ، ودللتَ على فضايحي عين العباد ، وأمرتَ بي إلى النار ، وحلتَ بيني وبين الأبرار، ماقطعت رجائي منك ، ... ولا خرج حبك من قلبي )) فكيف وقد أدخلتني الآن جنتك ، وأغرقتني في نعمك التي لا تفنى ولا تزول ، أريد ياإلهي أن يعلم سكان سماواتك وأرضك أني أحبك.
لم يمضِ وقت طويل حتى جاءني رسول من العلي الأعلى ، فدخل علينا بعد الأستئذان ،
وقال: جئتك من العلي الأعلى لأبلّغك السلام ، وأنقل لك المعنى الذي أمرني بنقله إليك : (( عبدي: إني أحب خلقي منذ خلقتهم ، وأردت لهم الجنة ، وعرّفتها لهم ،
(( ويدخلهم الجنة عرفها لهم )) وأنرتُ لهم طريقها عبر أنبيائي ورسلي ، وضاعفتُ لهم أعمالهم ، فجعلتُ الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها ، كي تثقل موازينهم ،(( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)). ورأيت منهم التثاقل في طاعتي فأوجدت لهم ليلة القدر كي ترتفع هممهم ، ويتزود الفقير والغني منها بأضعاف من الزاد ليوم فاقتهم ، وقبلت منهم يسير الطاعة ، وغفرتُ لهم عظيم المعصية،كل ذلك كي يدخلوا جنتي ، ويتنعموا بنعمتي ، وقد رضيتُ على كل من دخلها ، وكتبت له الأبدية فيها )).
كان كلام الملك وخطاب الجليل لي كالماء البارد الذي صُب على قلبي الملتهب ، وأحسست بتمام السعادة وكمالها حين علمتُ برضا الرب عني .
كما عزز ذلك الرضا أن جاءني ألف ملك بعد أن استأذنوا مني ، وفُتحت لهم الأبواب ، ودخل كل واحد منهم يحمل باقة من ورود جنة المليك المقتدر .
أَخبَرَني كبيرهم بعد أداء التحية والسلام أن : العلي الأعلى قد أرسلهم لتهنئتي ، والمباركة بزواجي من الحور العين .
في كتاب الكافي ،((.... ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء ، وقال: فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه : استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه ، فيقول لهم الملك : حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم ...)).
قال سعيد : خرجت أنا والحوراء نتجول سوية في حدائق القصر ، وكان كل من يمر علينا يبدأنا بالسلام ، حتى الورود والأشجار والطيور والأنهار ، اقتربنا من نهر يختلف عن الأنهار الأربعة الأخرى ، شواطئه من اللؤلؤ والزبرجد ، وحصاه من الياقوت والمرجان ، وحشيشه من الزعفران ، وترابه من المسك ، على جانبيه تقف الجواري بين ظلال الأشجار العالية المتشابكة الأغصان وكلما هبت عليها ريح هادئة ، لايبقى غصن إلا وراح يغني بصوت عذب يطرب له سكان الجنان!
أما مياهه من شدة صفائها نرى صورنا المضيئة فيه، وأما تلاطم أمواجها كانت تسبح لخالقها بأنواع التسبيح ، وكان على شاطئه قباب مضيئة من الياقوت والدر الأبيض .
سألت الحوراء عن اسم هذا النهر ،
فقالت: إنه أحد فروع نهر الكوثر .
تقدمنا في مسيرنا تحت ظلال الأشجار المنتشرة على شواطئ الكوثر، وإذا بها تحيينا بأغصانها، وتدلي لنا بثمارها ، علّنا نقتطف شيئا منها ،
(( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا)).
وكل ثمرة نأكلها تعود بأذن الله الى هيئتها وموضعها فلا تنقص من شجرتها شئ.
إنه مصداق قول الله تعالى : (( وفاكهة كثيرة. لا مقطوعة ولا ممنوعة. )).
انطلقنا حتى جلسنا بالقرب من الورود ، ذات الروائح العطرة ، وراحت تحيينا بألوانها الجذابة ، التفتُ إلى الحوراء وإذا بها تحمل كأسا بيدها قدمته لي ،
ثم قالت : اشربه بسم الله .
تناولته منها ، وشربتُ منه ، فأحسست بلذة لا توصف ، وطعم لم أتذوقه من قبل هذا ،
فسألتها : ماهذا الشراب ياعزيزتي ؟ ومن أين أتيت به؟
: أتاني به أحد خدامي ، انه شراب مزيج من تسنيم ، أما قرأت في القرآن : (( ومزاجه من تسنيم. عينا يشرب بها المقربون )).
إذا كان هذا خليط من شراب تسنيم ، فمن يشرب خالصه ؟ وكيف يكون طعمه؟!
إن توحيدك في الدنيا لم يكن خالصا تمام الخلوص لله ، لذا فأن أصل هذا الشراب اختص الله به أنبيائه وأوليائه المقربون ، ممن طهروا قلوبهم من كل شئ سوى الله ، وكانوا لاينظرون إلى شئ إلا ورأوا الله فيه وقبله وبعده.
شكرتها على هذا الشراب ، ثم قلت لها
: رغم كل هذه النعم ولذاتها ، لم يغادر فكري أمر مولاي الحسين ، ورغبته في زيارة جنتي و....
قاطعتني بلهجة المتعجب المضطرب،
وقالت : عن أي أمر تتحدث ؟ أتقصد الحسين سيد شباب جنان الخلد ؟
نعم ياعزيزتي ، وعلينا تحشيد ما لدي ولديكِ لاستقباله كما ينبغي، وبقدر مانستطيع.....

في الحلقة التاليه سوف نعيش مع احداث الرواية باستقبال سيد شباب جنان الخلد

الحلقة السابعة والستون والأخيرة :~



لقاء واستقبال أمامنا و شفيعنا لجنة سعيد.
كان الجميع متشوق
((ونحن أيضا متشوقون )) لساعة اللقاء ،
((ومتلهفون)) ومتلهفاً لرؤية من كان منبع نوره ، وعنوان وجوده ،
(( ومتعطشون)) متعطشا لسماع حديث صاحب الشهادة العظمى ، والمنزلة العليا والدرجة الرفيعة ، إنه ابن بنت خاتم الأنبياء ...
قال سعيد : أجل كنتُ أرى في مملكتي حركة كبيرة وعمل دؤوب ، والكل قد علم ماعليه فعله ، فترى الملائكة والخدم كأنهم مضطربون ، والحور والولدان متحيرون ، ولكن الحقيقة أن الجميع كان يعمل بنسق ونظام ، دون ملل وسئام ، يفعلون مايؤمرون به ممن هو أعلى منهم في الدرجة والمقام ، والجميع فرح ، ويلتهب شوقا لرؤية سيده ، والتشرف بزيارته ، والأقتباس من نوره العظيم.
واقترب موعد اللقاء ، ودعوت أصحاب بقية الجنان ممن كانوا في مرتبتي ،
كما دعوت أختي للحضور مع زوجها الذي لاينقص عنها في النور والجمال ،
وسألتها عن ذلك الأمر ،
فقالت: خيرني ربي بين اختيار زوجي الذي كان في الدنيا ، وهو أقل مرتبة مني ، وبين اختيار زوج آخر ، فاخترت زوجي الذي كان في الدنيا ، ِلمَ رأيتُ فيه من النور والبهاء ، ووفاءً لإخلاصه معي ، وها أنت تراه وقد رفعه الله إلى مرتبتي.
وحان الموعد واللقاء ......
وجاء الشهيد في موكب من نور على نور ، وساد الصمت إذعانا للحق إذ جاء ، ولاتقل صف لي المجئ، وكيف يستطيع من هو ذرة من شعاع الحسين أن يصف الحسين ....!
جرت مراسم الأستقبال والترحيب ، ودار الحديث ، وسألته عن مسائل عدة ، كان منها عن سبب تكريمي بزيارته لي في جنتي ،
فقال: نحن الشهداء على أعمال الخلائق في الدنيا والآخرة،
في كتاب الكافي (( عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } قال : نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه... فرسول الله -ص- الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل ، ونحن الشهداء على الناس فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة )) .
فمن زارني في الدنيا عارفا بحقي ، مخلصا لربي ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشهدت له يوم القيامة بالخير ، وزرته ، وكنت شفيعه فيها .
قلت له : سيدي ، وما حكمة البكاء عليكّ وأنت في نعمةٍ ومقامٍ يغبطك به الأولون والآخرون ؟ ولماذا يثيب الله من بكى عليكّ ، وأنت قد حلّقت إلى ربك في جنته يوم سالت دمائك الطاهرة على أرض الدنيا ؟
أجاب سيد شباب أهل الجنة ، فقال : البكاء دليل علاقة الحبيب مع محبوبه ، والفقيد بمفقوده ، وكلما زادت رابطة الحب بينهما ، زاد البكاء لفقده ومصيبته ، ونحن ندعوا إلى كل ما يدعم هذه العلاقة التي إن ثبتت ثبت معها السير على طريق المحبوب ، والإقتداء بسلوكه .
توقف قليلا ، ثم استأنف كلامه ،
وقال : وإنما يثاب الزائر لي ، والباكي على مصيبتي إذا كان عارفا بحقي ، مخلصا في عمله هذا لربي . أما بدون ذلك فمهما أجهد نفسه ، وأتعب بدنه ، وقطع المسافات على قدمه ، لا ينفعه ذلك بشيء ، ولا تناله شفاعتي يوم الورود على الحق المتعال ، وإن ذرف بحراً من الدموع .
قام أحد المؤمنين ، فسأله قائلا : وما معنى أن يكون الزائر لك في الدنيا عارفاً بحقك ؟ ولما جعلتم هذا الشرط علامة لزواركم ؟
قال : إن أي شخص تزوره ولا تعرف قدره ، ومنزلته السامية ، وكمالاته العاليه ، لا يتعلق قلبك به، ولا يكون حبك صادقاً له ، ونحن أهل بيتٍ لا يعرفنا شخص حقّ معرفتنا إلا أحبنا واتّبع سبيلنا ، وسلك طريقنا ، كما إنه من عرفنا فقد عرف الله، ومن عرف الله أحبه ، ومن أحبه أطاعه، وأخلص له ، ومن أخلص له نجا من النار ، وفاز بجنان العزيز الغفار .
كان الجميع ينصت بكلامه ، ويقتبس من أنوار حديثه ، وبعد توقف قليل توجه نحوي
وقال : قد شفعت لوالدتك ، وهي الآن تقضي بقية عقبات الصراط ، وسوف تصلك إن شاءالله فيما بعد .
سررت كثيرا لهذا الأمر و شكرت إمامي على ذلك، ثم قادني طمعي إلى سؤاله الشفاعة لوالدي ،
فقلت له : سيدي ، إن والدي كان في الدنيا يقيم مجالس العزاء على مصيبتك ، ويمشي راجلاً إلى مرقدك ويصرف من أمواله الكثير في خدمة زوارك ، فهل له نصيب من شفاعتك ؟
أطرق الإمام قليلاً ثم قال: إن على والدك المرور ببعض الاهوال قبل الحصول على شفاعتي.
قال سعيد : ولماذا يا مولاي لا يصل إلى شفاعتك؟
قال الحسين -ع- : إن نهضتي أراد الله لها أن تكون مدرسة خالدة لا ترضى بمظاهر الظلم والفساد ، أرادها الله أن تضيء دروب الحق ، وتنير سبل الوصول إليه، أما والدك فقد شارك في وضع ستائر الظلمة أمامها ، وحجب الأمة أن تستنير بأنوارها .
صحيح ان والدك كان يقيم مجالس العزاء ولكن همه الاول والاخير ابكاء الناس واضفاء حرارة قصوى على مجلسه وان كان ذلك بعرض مآسي مفتعلة، واكاذيب مختلفة تهين الحسين ونهضته. كان يعلم بكذب القارئ فلماذا يدعوه؟ ولماذا يصرف الاموال له ويكرمه؟
كان يمشي راجلا اياما طوالا لزيارتي لا لشيء انما ليقول الناس عنه انه محب للحسين. ولم يجعل لله نصيبا في نيته وعمله هذا. والويل لمن يعمل للمملوك ويترك المالك المطلق، اننا اردنا ان تبقى مواقف عاشوراء حية الى الابد تنادي: "الا ترون ان الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا" واردنا من نهضة عاشوراء تعليم الاجيال كيف يكون الاخلاص لله والعشق للقائه. أردنا ان يبقى جواب زينب لابن زياد -حين سألها كيف رأت صنع الله بها وبأهل بيتها- خالدا ما بقيت الدنيا، يطرق اسماع اهلها (ما رأيت الا جميلا.. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون اليه وتختصمون عنده...) في كتاب اعيان الشيعة...
ثم أضاف عليه السلام: انني اتأسف كثيرا على والدك وأمثاله من الذين جرتهم حبائل حب الدنيا الى اصطناع القصص الواهية علينا املا في جذب الناس لهم ورغبة ﻷن تكون مجالس عزائهم مملوءة بالبكاء والنحيب.
قال سعيد : طال اللقاء ، ولا أحد يرغب في نهايته وقُدّم للحاضرين ما شاء ربي من نعيم الجنة ومأكلها ومشربها ، وارتفعت درجات العديد منا بشفاعته ، ثم غادرنا ودموع الحاضرين تسيل أسفاً على فراقه.
مضى وقت طويل ، ونحن ننتظر قدوم والدتي إلينا حتى جاء خبرها أنها في الطريق عند جنة من جنان الخلد .
وصلنا المكان المقصود ، فكان جنة من أوسع الجنان ، تفوق جنتي بكثير ، وفيها من الخدم والجواري ما يزيد على مملكتي ، تقدمنا أكثر بهدف الوصول إلى موقع اللقاء ، ماألطف تلك اللحظات وهي لحظات اللقاء مع والدتي ، وكذلك لاأعلم أي من أهل بيتي نجا ، وأيهم هلك في نار نزاعة للشوى ، تذكرتُ ابني مرتضى الذي فارقته صغيراً ، وتذكرت هديته لي بعد ثلاثين عاما من فراقه والتي كانت سبب نجاتي من عذاب عالم البرزخ،
وصلنا المكان المقصود ، ودخلتُ مع الوفد الذي برفقتي ، واستقبلتنا الملائكة بأشد الترحيب ، وأعذب الأناشيد ، وساروا بنا إلى المقصد المنشود ، واللقاء الموعود ، فأطلت علينا اشراقاتهم ....
أجل إنهم أهل بيتي بعينهم وحقيقتهم ، عرفتهم وماجهلتُ واحدا منهم ، ولكني افتقدت بعضهم .
انبهرت عندما شاهدت والدتي فقد كانت تبدو بنت الخامسة والعشرين من عمرها ، وكانت ذات جمال باهر ووجه زاهر ، تقدمت نحوي وضمتني الى صدرها باكيةً
وقالت : قد وفيت بوعدك لي ياسعيد .
أجبتها ودموع الفرح بلقائنا كانت كثيرة
:الفضل اولا وآخرا لله جل جلاله الذي صدقنا وعده ، ومن أصدق من الله قيلا......
اجتمعنا جميعا انا واهل بيتي منتظرين وصول والدي المحتوم الينا بعد ان يجتاز ما عليه من الاهوال لتطهير روحه والفوز بشفاعة ال بيت المصطفى محمد وال محمد.


بعد هذه الجولة في الحياة الخالدة ، تعايشنا مع الرواية ( رحلة البقاء ) بكل جوارحنا وعقولنا ،
وعلمتنا الكثير من الأمور التي نجهلها والتي لانجهلها بل نبهتنا إلى معرفة الله بالقلب والفكر ، وكل عمل صغير أو كبير هو قربة لله تعالى ،
إن الله سبحانه وتعالى أعطى الوجود للأنسان وكرّمه فيها ،
فمن الخطر والخطأ ان يتجه هذا العبد الى حب الدنيا حتى عدّه أهل البيت سلام الله عليهم
بأنه ( رأس كل خطيئة ) ، فأصلاح النفس ، واتباع طريق النجاة ، هو العمل بخلاف رغباتها. ختاما نتوجه بهذا الدعاء الى الله جلا وعلا
فنقول ((اللهم وانطقني بالهدى وألهمني التقوى ، ووفقني للتي هي أزكى ، واستعملني بما هو أرضى ، اللهم اسلم بي الطريقة المثلى ، واجعلني على ملتك أموت وأحيا.))
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ..



التعديل الأخير تم بواسطة ولاية علي ; 2015/05/29 الساعة 12:43 AM
رد مع اقتباس