عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/05/02, 01:33 AM   #1
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي القيمة المعرفية للأحلام

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ [1]
آمنا بالله صدق الله العلي العظيم
انطلاقًا من الآية المباركة التي تتحدث عن الرّؤيا الحقة ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾
نتحدّث في محاورَ ثلاثةٍ:
المحور الأوّل: ما هي حقيقة الرؤيا التي يراها الإنسانُ أثناء نومه؟

لا إشكال أنّ بعض الرّؤى التي يراها الإنسانُ أثناء نومه هي رؤىً صادقة، سواءً كانت هذه الرؤيا من الأنبياء والأولياء أم من البشر العاديين، فالقرآن قد تحدّث عن الرؤيا الصادقة:
1.فقال في حقّ إبراهيم الخليل : ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [2] .
2.وقال أيضًا عن يوسف : ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [3] .
3.وقال في حق النبي محمّدٍ : ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [4] .
4.وقال أيضًا عن رؤيا غير الأنبياء وغير الأولياء: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [5] .
5.وقال في حق ملك مصر: ﴿قَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [6] .

فالرؤيا الصادقة من نبي أو حتى إنسان عادي أمرٌ لا إشكال فيه ذكره القرآن الكريم، لكن ما هو تحليل حقيقة الرؤيا؟

تحليل حقيقة الرؤيا يعتمد على أن نتعرّض إلى ركيزتين:
الركيزة الأول: في تقسيم العوالم كما ذكره الفلاسفة.
الفلاسفة المسلمون يقولون: أوّل ما خلق اللهُ وبرأ اللهُ في هذا الوجود النور المحمدي، نور محمّدٍ وآل محمّدٍ المعبّر عنه ب «الحقيقة المحمدية»، وكان هذا النور وجودًا إجماليًا لهذا الكون كله، ثم هذا النور المحمدي انبثق وتجلى في عدة عوالمَ أخرى، فالعوالم كلها هي انبثاقٌ من مادة نوريّة ترجع إلى النور المحمّدي الذي تحدث عنه النبيُ الأعظمُ في قوله: ”أول ما خلق اللهُ نوري ونور علي قبل أن يخلق الكونَ بألفي عام“، انبثقت العوالم تفصيلاً لذلك الوجود الإجمالي المرتبط بالنور المحمدي فكانت هناك ثلاثة عوالم:
العالم الأول: عالم العقول.
وهو عالم الحقائق الكلية، فإنّ جميع الحقائق التي تتحقق وتصدق في هذا الوجود موجودة أسرارُها وأسبابُها في أوّل عالم ألا وهو عالم العقول، عالم الحقائق الكليّة، كل ما يحدث في عالم الوجود فحقيقته وسرّه موجودٌ في أول عالم ألا وهو عالم العقول.
العالم الثاني: عالم المثال.
عالم المثال هو عالم الصور، بمعنى أنّ الحوادث التي تقع في هذا العالم لها صورٌ قبل أن تقع، صورها لا مادتها، إنما سُمّي العالمُ الثاني عالمَ المثال لأنّه مماثلٌ لعالمنا - العالم المادي - مماثلٌ له من حيث الصّورة، لكنه مغايرٌ له من حيث المادة، عالم المثال ليس فيه كتلة مادية، ليس فيه مادة تشغل حيزًا من الفراغ كما في عالمنا المادي، فالعالم الثاني المسمّى بعالم المثال يختزن الصورَ صورَ جميع الحوادث التي تقع في هذا العالم.
العالم الثالث: عالم المادة.
الذي نحن نعيش فيه، هذا العالم الثالث ما هو إلا انعكاسٌ لتلك الصّور المرتسِمة في العالم الثاني وهو عالم المثال، وتلك الصّور المرتسِمة في العالم الثاني ما هي إلا حاكية عن حقائقَ نوريّةٍ مجرّدةٍ مرتسِمةٍ في عالم العقول ألا وهو العالم الأول، فكل عالم هو منشأ للعالم الذي بعده.
إذن هناك عوالم ثلاثة: عالم الحقائق «وهو عالم العقول»، وعالم المثال «وهو عالم الصور»، وعالم المادة «وهو عالم تحقق المسببات والظواهر المادية»، هذه الركيزة الأولى: بيان الفرق بين العوالم.
الركيزة الثانية: كيف الإنسان يرى رؤيا؟
يرى الرؤيا بالارتباط بهذه العوالم، الرؤيا إمّا انكشافٌ أو عملٌ تخيليٌ، معنى ذلك أنّ ما يراه الإنسان في عالم الرؤيا يرجع إلى إحدى صور ثلاث: إما انكشافٌ تجرديٌ، وإما انكشافٌ مثاليٌ، وإما فعلٌ خياليٌ.
الصّورة الأولى: الانكشاف التجرّدي.
النفس وهي في عالم المادة، أنا الآن موجودٌ في عالم المادة، أعيش في هذا العالم، هل يمكن لنفسي وهي في عالم المادة أنْ تتّصل بالعالم الأول - وهو عالم العقول، عالم الحقائق - فتبصر الحقائق وتطلع عليها أم لا؟
نعم ممكنٌ هذا لبعض البشر، ممكنٌ لبعض البشر إمّا في حال اليقظة، إمّا في حال النوم، إمّا في حال اليقظة: هناك قسمٌ من البشر لشدّة صفاء نفوسهم ولشدّة نقاء سريرتهم قادرون - كما يسمّونه على علم العرفان - على مرتبة الخلع، كيف يعني الخلع؟!
يعني: قادرٌ على أن يخلع هذا السّجن المادي الذي هو فيه، الإنسان يعيش سجنًا ماديًا، هذا الجسم بمثابة السجن، هذا الجسم الذي يتلبّس به الإنسانُ سجنٌ ماديٌ يحجب الإنسان عن الاتصال بالعوالم الأخرى، عن الارتباط بالعوالم الأخرى، هناك نفوسٌ لشدّة صفائها وشدة نقائها تستطيع أنْ تصل إلى مرتبة الخلع، خلع هذه صورة الماديّة، وإذا خلعت الصّورة المادية وصلت إلى منزلة التعلق بعز القدس الذي يقول عنه الدّعاءُ الشريفُ: ”اللهم وأنر أبصارَ قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصارُ القلوب حجبَ النور“، حجب النور هو هذا عالم المادة، الزمن، المكان، المادة، هي هذه حجب النور، ”حتى تخرق أبصارُ القلوب حجبَ النور، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك“ الروح حينئذٍ تصبح معلقة بعز القدس، يعني: اتصلت بعالم العقول، عالم الحقائق، عالم المجرّدات، تتصل به النفسُ وهي في حال اليقظة.
وهذه النفوس هي التي يعبّر عنها الإمامُ أميرُ المؤمنين عليٌ «عليه السّلام»: ”لو كُشِفَ ليَ الغطاءُ ما ازددتُ يقينًا“ أي أنّني وأنا في حال الحياة، وأنا في حال الدنيا، وأنا أعيش في عالم المادة، مع ذلك أنا خلعتُ هذه الصّورة المادية وتجاوزتُ حجبَ النور ووصلتُ إلى معدن العظمة فانكشفت لي حقائقُ العالم الأول ألا وهو عالم العقول بحيث لو متُ بعد ذلك وانتقلتُ عن هذا العالم لم يتغيّر يقيني، فإنّي وصلتُ إلى درجة من اليقين ليس فوقها درجة أخرى، ”لو كُشِفَ ليَ الغطاءُ ما ازددتُ يقينًا“.
وقد يحصل هذا في حال النوم، أحيانًا الإنسان المؤمن في حال النوم لا في حال اليقظة، في حال النوم تتصل نفسُه بعالم العقول فتنكشف له الحقائقُ في حال النوم، وإذا انكشفت له الحقائقُ في حال النوم فتلك الرّؤيا المعبّر عنها ب «الرّؤيا الصّريحة»، الرؤيا الصّريحة يعني: لا تحتاج إلى تعبير، لا تحتاج إلى تفسير، إذا اتّصل بعالم العقول رأى الحقائق كما هي، فلا يحتاج إلى تفسير ولا إلى تعبير، بل تكون هذه الرّؤيا كما ورد في الحديث جزءًا من النبوة؛ لأنّه انكشفت له الحقائقُ عبر النوم انكشافًا تجريديًا، فلا تحتاج رؤياه لا إلى تعبير ولا إلى تفسير، وهذا كما حصل لإبراهيم الخليل، نفس الذي رآه تحقق في الواقع: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾، لا يحتاج إلى تفسير، نفس الذي رآه النبيُ : ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾، فهذا القسم الأول من الرؤى ألا وهو ما يرجع إلى الانكشاف التجريدي.
الصورة الثانية: ما يرجع إلى الانكشاف المثالي.
والمقصود بذلك أنّ النفوس تتفاوت، لا تصعد إلى عالم العقول لكنها تصعد إلى العالم الثاني «عالم المثال» فترى الحقائق بواسطة صور لا أنها ترى الحقائق المجرّدة كما هي، بل ترى الحقائق بواسطة صور ترمز إليها وتكنّي عنها، لم تصعد النفسُ إلى عالم العقول لكن صعدت إلى عالم المثال فرأت الحقائقَ بواسطة صورٍ، من أين تأتي هذه الصورُ؟
الصور يستوردها الإنسانُ وتستوردها النفسُ ممّا يأنس به من الثقافة الاجتماعية، كيف؟
يعني الآن مثلاً: في الثقافة الاجتماعية التي نحن نعيشها الأسد صورة عن الشجاعة، الكلب صورة عن الود، الثعلب صورة عن المكر، النار صورة عن الهلاك... وأمثال ذلك، هذه المعاني والمضامين التي يكتسبها الإنسانُ من ثقافته الاجتماعية هي التي تتجلى له في النوم لترمز إلى حقائقَ معينةٍ، فإذا رأى في النوم صورة ثعلب كان هذا رمزًا إلى مكر يُكَاد له، إذا رأى في النوم مثلاً صورة نار معها دخانٌ كان هذا رمزًا إلى هلاكٍ يستقبله وينتظره، هو ما رآه في المنام حقٌ، هو رأى حقائق لكن لم يرَ الحقائق بذاتها، رأى الحقائق بصور ترمز إليها، وإنّما كانت هذه الصّور ترمز إلى هذه الحقائق بواسطة الثقافة البيئيّة والاجتماعيّة التي اكتسبها، فما رآه حقٌ وإنْ كانت رمزية الصورة مكتسبة ومستوردة من الثقافة البيئية والاجتماعية التي يعيشها.
لذلك إذا شخص عنده ثقافة دينية تصير الصور بما يتناسب مع ثقافته، كما يذكر بعضُ علماء تفسير الأحلام: أنّ من سمع في المنام أذانًا فإنّه سيحجّ إلى بيت الله، الأذان رمزٌ إلى الحج بحسب الثقافة الدينية، إذا رأى في المنام دمًا هذا يرمز إلى الكذب ﴿جَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ [7] .
إذن هو وثقافته، المهم أنّ ما رآه من الصور يرمز إلى حقائق، لكن رمزية هذه الصور تتبع ثقافته التي يعتنقها ويعتقد بها، من هنا تحتاج الرؤيا إلى تفسير، يعني: إلى ربط بين الرمز وما يُرْمَز إليه، تحتاج الرّؤيا إلى تعبير وإلى تفسير ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾.
الصورة الثالثة: فعل المتخيّلة.
بمعنى أنّ الإنسان في الصّورة الثالثة لم ينكشف له شيءٌ لا من عالم العقول ولا من عالم المثال وإنّما الذي رآه في النوم صورٌ صنعتها القوّة المتخيّلة التي هي من قوى النفس البشرية، ومنشأ الصّنع إمّا الخوف، الخائف: يرى رؤىً مفزعة في المنام، لكن هذه لا حقيقة لها، إنّما هي نابعة من خوفه، المحبّ: الإنسان إذا أحب شخصًا يراه في المنام، هذا لا يعني أنّه رآه وإنّما الحب منشأ صنع هذه الصّورة، أو امتلاء المعدة: إذا امتلأت معدته يرى في المنام صورًا مرتبكة، ما يراه في المنام ناشئًا عن خوفٍ أو حبٍ أو فزعٍ أو شبعٍ كل ذلك فعلٌ للقوة المتخيّلة وليس انكشافًا، لا انكشاف لعالم المجردات، ولا انكشاف لعالم المثال.
وما يشير إلى أنّ النفس في حال النوم قد يحصل لها هذه الانكشافات الآية المباركة، وهي قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [8] يعني: التي لم تمت أيضًا تتوفى، الوفاة غير الموت، الوفاة بمعنى قطع العلاقة الحسّيّة بين النفس وبين البدن، هذا قد يستتبعه موتٌ، قد يستتبعه نومٌ، قطع العلاقة بين النفس وبين الحواس الجسميّة هذا القطع يعبّر عنه بالتوفي، وهو قد يكون مع الموت وقد يكون مع النوم، ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ إذا حصل التوفي صعدت النفسُ إمّا إلى عالم المجردات، إمّا إلى عالم المثال، حينئذٍ يأتي قوله تعالى: ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، هذا هو تحليل حقيقة الرّؤيا التي يراها الإنسانُ في منامه.
المحور الثاني: هل الرّؤيا تُعَدّ حجة في الفكر الديني بحيث يُعْتَمَدُ على الرّؤيا في مفهوم عقائدي أو في مفهوم شرعي؟
لو أنّ إنسانًا رأى في منامه النبيَ أو أحدَ الأئمة وذكر له قضيّة دينيّة عقائديّة أو فقهيّة هل يمكن للإنسان أنْ يعتمد على هذه الرّؤيا فيقول: أنا رأيتُ إمامًا معصومًا في المنام وقال لي: كذا ولا يقول المعصومُ كذبًا! فهل يمكن الاعتماد على الرّؤيا دليلاً وحجة في الفكر الديني سواءً كان في مستوى الأصول أو كان في مستوى الفروع أم لا؟
قد يقول شخصٌ: نعم يمكن الاعتماد على الرّؤيا كدليلٍ في الفكر الديني:
أولاً: لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام عن النبي محمّدٍ
صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى الشّيخ الصدوقُ بسنده عن الإمام الرّضا عليه السلام قال: لقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه أنّ رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: ”مَنْ رآني في منامه فقد رآني؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحدٍ من أوصيائي، ولا في صورة أحدٍ من شيعتهم“
، وفي رواية سليم بن قيس قال: ”مَنْ رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحدٍ من أوصيائي إلى يوم القيامة“، فيقال بأنّ ظاهر هذه الرّواية أنّ من رأى النبي في صورته أو صورة أحدٍ من أوصيائه أو صورة أحدٍ من الشيعة فقد رآه، وإذا كان قد رآه فما ينطق به أثناءَ الرّؤيا يُعَدّ فكرًا صحيحًا وقولاً معتمدًا.

ثانيًا: أنّه ورد عن الإمام الصّادق : من داوم على قراءة سورة المزمل - ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ [9] - من داوم على قراءة سورة المزمل رأى النبي محمّدًا ، فلولا أنّ الرؤيا طريقٌ صحيحٌ لما أرشد الإمامُ الصادقُ إليه.
وثالثًا: أنّ الأئمة تعاملوا مع الرّؤيا معاملة القبول، فنلاحظ أنّ الرسول قَبِلَ إسلامَ خالد بن سعيد لأنّه رأى رؤيا، والإمام الحسين قَبِلَ نصرة وهب بن حباب لأنه رأى رؤيا، ونرجس أمّ الإمام الحجّة «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» وصلت إلى الإمام العسكري واقترنت به نتيجة رؤيا رأتها، فلولا أنّ الرؤى للأئمة رؤىً صادقة وحقة لما اعتمد الأئمة على هذه الرّؤى.
هذه الاتجاه نحن نعلق عليه بعدة تأمّلات:
التأمّل الأول: لا يمكن الأخذ بكل رؤيا بحجّة أنّ هذه الرّؤيا رؤيا لإمام معصوم، لماذا؟
لوجود قيود في الرّوايات الأخرى، لاحظوا صحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي عبد الله الصادق ، قال: ”الرؤيا على ثلاثة وجوهٍ: بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام“، فالرؤيا ليست على وجهٍ واحدٍ كي يقال: كل رؤيا يُرَى فيها المعصومُ فهي رؤيا حقة، بل لابدّ من وضع قيودٍ لذلك، ما هي هذه القيود؟
ما وراه الشيخ الكليني في الكافي عن أبي بصير، قال: قلتُ لأبي عبد الله الصّادق : جُعِلتُ فداك الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحدٍ، كلاهما في النفس، قال: ”صدقت، أمّا الكاذبة مختلفة، فإنّ الرّجل يراها في أول الليل - يعني: الرؤيا في أول الليل رؤيا كاذبة - يراها في أول الليل في سلطان المردة الفسقة، وإنّما هي شيءٌ يخيّل إلى الرجل، وهي كاذبة مخالفة لا خير فيها، وأمّا الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة وذلك قبل السحر فهي صادقة لا تتخلف إن شاء الله، إلا أن يكون جنبًا، أو ينام على غير طهور ولم يذكر الله عزّ وجلّ حقيقة ذكره، فإنّها تختلف وتبطئ على صاحبها“.
إذن ظاهر هذه الرواية أنّ هناك قيودًا للرؤيا الصادقة، وليس كل رؤيا تعتبر صادقة على إطلاقها، لذلك ورى الشيخ الصدوق في أماليه عن محمد بن القاسم النوفلي، قال: قلتُ لأبي عبد الله الصادق : المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربما يرى الرؤيا فلا تكون شيئًا، يعني: أحيانًا تصدق، أحيانًا لا تصدق، فقال: ”إنّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكل ما رآه روحُ المؤمن في ملكوت السماء فهو في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكل ما رآه وهو في الأرض فهو أضغاث أحلام“، هذا التأمّل الأوّل.
التأمّل الثاني:
هذا الحديث يقول: ”من رآني في المنام فقد رآني“ إذن من رآه فقد رآه، لكنّ الإنسان أحيانًا قد يخطئ ويتوهّم أنّه رأى شيئًا في المنام وهو لم يرَ شيئًا، إذ أي فرق بين عالم النوم وعالم اليقظة؟! ألا يخطئ الإنسانُ أحيانًا في عالم اليقظة؟! أحيانًا الإنسان يمشي بالسيارة في وسط الصحراء فيرى سرابًا يعتقد أنّه ماءٌ، بل يقطع أنّه ماءٌ، ولو قيل له أنّه ليس ماءً لا يصدّق، مع أنّه مخطئٌ في الواقع وهو لم يرَ شيئًا، فكما أنّ الإنسان في وقت اليقظة ووقت الصحوة قد يخطئ فيعتقد أنّه رأى شيئًا وهو لم يره أصلاً كذلك من الممكن - بل من باب أولى - أن يخطئ حال النوم، فيجلس من النوم ويقول: أنا رأيتُ، وهو لم يرَ شيئًا، إنّما يعتقد أنّه رأى شيئًا لكنه لم يرَ شيئًا في الواقع، والحديث يتكلم عمّن رأى لا عمّن توهّم أنّه رأى، أو من اعتقد أنّه رأى ولكنه لم يرَ، إذن لا يمكن التعميم لكل ما يعتقد الإنسانُ أنّه رأى، هذا التأمّل الثاني.
التأمل الثالث:
هناك فرقٌ بين التمثل بالصورة وبين الانتحال للشخصية، إبليس لا يتمثل بصورة النبي الحقيقيّة، لا يتمثل بصورة أحد الأوصياء الأئمة الاثني عشر «صلوات الله وسلامه عليهم» الحقيقية، هذا شيءٌ صحيحٌ، لكنه يمكن أن يفتعل وأن ينتحل شخصياتهم بصورة أخرى.
افترضوا مثلاً شخصًا سواءً كان شخصًا في زمان الأئمة المعصومين أو في زماننا، شخصٌ رأى في المنام شخصًا، وهذا الشخص قال له: أنا النبي، أو: أنا الإمام، لكنه لا يعرف أنّ هذه الصورة هي صورة النبي، هل هذه الصورة صورة أحد الأوصياء، هل هذه الصورة صورة أحد الشيعة الثابت تشيعهم، إذا رأى شخصًا في المنام بصورةٍ لا يعرف أنّها صورة النبي ولا يعرف أنّها صورة أحد الأوصياء ولا يعرف أنّها صورة أحد الشيعة الثابت أنّهم من الشيعة فلعل من رآه في المنام منتحلٌ لشخصية النبي الأعظم أو الأئمة المعصومين، ومن الممكن أن ينتحل إبليسُ ذلك، ففرقٌ بين التمثل والانتحال، إبليس لا يتمثل بصورتهم، لكنه قد ينتحل شخصيتهم بصورة أخرى، فمن رأى أي صورةٍ واعتقد أنّها النبيُ أو الإمامُ هذا لا يدل على أنّه رأى النبي، لعلّ هذا انتحالٌ من إبليس لهذه الشخصية بصورةٍ أخرى.
لاحظوا ما تذكره الرواياتُ الشريفة في هذا الباب: مثلاً روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر ، قال: سمعتُه يقول: ”إنّ لإبليس شيطانًا يقال له: هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كل ليلةٍ ويأتي الناسَ في المنام“ هذا وظيفته أن ينتحل صورًا مختلفة، الشيخ المفيد «عليه الرحمة» في كتاب «كنز الفوائد» يقول: إذا جاز من بشرٍ أن يدّعي في اليقظة أنّه إلهٌ كفرعون، فرعون في عالم اليقظة قال ماذا؟ أنا إله، فكيف إبليس لا يأتي في النوم؟! هو في عالم اليقظة قال: أنا إله، كيف في النوم لا يمكن أن ينتحل شخصية أخرى؟! إذا جاز من بشرٍ أن يدّعي في اليقظة أنّه إلهٌ كفرعون ومن جرى مجراه فما المانع من أن يدّعي إبليس حال النوم بوسوسته أنّه نبيٌ مع تمكّن إبليس بما لا يتمكّن منه البشر؟! إذن الذي لا يعقل أن يتمثل إبليس بالصورة الحقيقيّة للنبي، أو بالصورة الحقيقيّة للوصي، أو بالصورة الحقيقيّة لأحد الشيعة الثابت تشيّعهم، وأمّا أن ينتحل إبليس شخصية المعصومُ بصورةٍ أخرى فهذا أمرٌ ممّا لا مانع له عقلاً.
لاحظ هذه الرواية: روى الكشي بسنده عن بريد بن معاوية العجلي، قال: كان حمزة بن عمارة الزبيدي يقول لأصحابه، رجلٌ اسمه حمزة بن عمارة يقول لأصحابه: إنّ أبا جعفر - يعني: الباقر - يأتيني في كلّ ليلة، يعني: كل ليلة يأتيني في النوم! كل ليلة أنا أرى الإمام الباقر في النوم! يأتيني في كل ليلة، هذا الراوي «بريد بن معاوية» يقول: فقدّر لي أني لقيتُ أبا جعفر - رأيتُ الإمام الباقر بنفسي - فحدثته بما يقول حمزة، يقول: الإمام الباقر يأتيه في كل ليلة! قال: ”كذب عليه لعنة الله، ما يقدر الشيطان أن يتمثل في صورة نبي ولا وصي نبي“، يعني: الشيطان يمكن أن ينتحل شخصية أخرى ويوهمه أنّه أنا لكنّه لستُ أنا، لا أكون أنا إلا إذا رآني بصورتي الحقيقيّة لا بصورةٍ أخرى.
بل العامّة تتطوّروا، بعض الشيعة قليلاً لم يتطور، قال: أنا فقط أرى الأئمة، وإلا بعض أهل السنة يقول: أنا أرى الله!!! يعني ماذا أعظم من هذا؟! وقد روى الشيخ الصدوق «عليه الرحمة» في أماليه بسنده عن إبراهيم الكرخي: قال: قلتُ للصادق: إنّ رجلاً رأى ربّه عزّ وجلّ في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ”ذاك رجلٌ لا دين له، إنّ الله تبارك وتعالى لا يُرَى في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا والآخرة“، هذا التأمّل الثالث.
التأمّل الرّابع: لو سلمنا أنّ الشروط كلها توفرت، رأى الرؤيا عند السحر، وهو على وضوءٍ، وكان المرئي صورة حقيقيّة للنبي أو صورة حقيقية لأحد الأوصياء «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» وقال له المعصومُ شيئًا إمّا على مستوى العقائد أو على مستوى الفروع، قال له مثلاً: فلانٌ إمامٌ، فلانٌ سفير إمام، فلانٌ عالمٌ، فلانٌ مؤمنٌ، فلانٌ كذا.. أو قال له: الصلاة كذا والصوم كذا... تحدّث معه في الفكر الديني بصفةٍ عامةٍ، هل تكون هذه الرؤيا حجة يعتمد عليها في تحصيل العقائد الدينية أو تحصيل الأحكام الشرعية أم لا؟ لا، ليست حجة، ولذلك لم يعتمد أحدٌ من علماء المسلمين على الرؤيا كحجةٍ، لم نسمع بعالم أفتى على طبق الرؤيا، أو قضى على طبق الرؤيا، أو أقام حدًا على طبق الرؤيا، لماذا؟
لأنّ هذه الروايات - كما يقول علماؤنا - ليست في مقام التزيل المطلق، هي في مقام التزيل الحيثي، ما هو الفرق بين التنزيل الحيثي والتنزيل المطلق؟ مثلاً: عندما يرد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه يقول: ”علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل“ تنزيل العلماء منزلة الأنبياء هل هو تنزيلٌ مطلقٌ؟ يعني: العلماء كالأنبياء في العصمة؟! كالأنبياء في الوحي؟! كالأنبياء في الولاية التكوينية؟! أم هو تنزيلٌ حيثيٌ - يعني: تنزيلٌ من جهةٍ من الجهات - وليس تنزيلاً مطلقًا؟
يقول علماؤنا: هذه النصوص ليست في مقام بيان التنزيل المطلق، إنّما هي في مقام بيان التنزيل الحيثي، يعني: تنزيل العلماء منزلة الأنبياء في جهةٍ واحدةٍ، وهي أنّ الأمر الصّادر من العالم إذا كان في القضايا الشرعية فهو حجّة عليك، لو أخذت به لكان أخذك به معذرًا لك أمام الله، فقط، لا يستفاد من هذا التنزيل أكثر من ذلك، أنّك لو أخذت بقول العالم فأخذك به معذرٌ لك أمام الله لا أكثر من هذا، لا أنّ العلماء كالأنبياء في العصمة والوحي وسائر الشؤون، فهو تنزيلٌ حيثيٌ وليس تنزيلاً مطلقًا.
أيضًا هذه الأحاديث التي تقول: ”من رآني فقد رآني“ تنزل رؤيا المنام منزلة رؤيا اليقظة، هل على نحو التنزيل المطلق، يعني: من رآني في المنام كمن رآني في اليقظة - في العقائد، في الأحكام، في جميع الشؤون - أو هو تنزيل حيثيٌ؟ هو تنزيلٌ حيثيٌ، يعني: من تشرّف برؤية صورتي في المنام فهو كمن تشرّف برؤية صورتي في عالم اليقظة، فهو تنزيلٌ من حيث جهةٍ معيّنةٍ وهي شرف اللقاء؛ لأنّ اللقاء بالمعصوم شرفٌ يترتب عليه مقامٌ في الدنيا وفي الآخرة، ليس المقصود بهذه الروايات إلا التنزيل الحيثي، يعني: التنزيل من حيث شرف اللقاء، لا التنزيل من تمام الجهات حتى نعتمد على الرؤيا في المجال الشرعي.
وإلا إذا واحد رأى رؤيا أنّ فلانًا زانٍ يعني يطلع من الرؤيا ويذهب ليقيم عليه حدّ الزنا؟! أو أنّ فلانًا قاتلٌ يعني ينتهي من الرؤيا ويذهب ليقيم عليه حد القتل؟! أو أنّ الأرض لفلان دون فلان هل يقضي بذلك اعتمادًا على الرؤيا؟! ليست الرؤيا دليلاً ولا حجة حتى على الرائي نفسه فضلاً عن غيره من الناس، ويؤكّد ذلك الرواياتُ الواردة عن أهل بيت النبوّة «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، صحيحة عمر بن أذينة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي عن أبي عبد الله الصادق، قال: ما تروي هذه الناصبة؟! قلتُ: جُعْلتُ فداك! في ماذا؟ قال: في أذانهم وركعوهم وسجودهم؟ فقلتُ: إنّهم يقولون: إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم، هم يقولون: الأذان أخذناه من النوم! واحد رأى الأذان بهذه الصورة وصار هو الأذان! يعني الأذان مأخوذٌ من عالم النوم، من عالم الرؤيا! إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم، فقال: ”كذبوا، فإنّ دين الله أعزّ من أن يُرَى في النوم“.
الدّين الإسلامي والفكر الإمامي بالذات فكرٌ عقلانيٌ بُنِيَ على منطق العقل، ولم يُبَنَ على منطق الرؤيا أو الحلم أو القصة، بُنِيَ على المنطق العقلي، وهو المنطق الذي ركّز عليه القرآنُ الكريمُ في قوله: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ - البينة هي المنطق العقلي، هي الحجة العقلية - وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [10] ، ويقول القرآن الكريم: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [11] ، إذن الفكر الإسلامي والفكر الإمامي عمدته الحجّة والبرهان العقلي وليس قائمًا على هذا المنطق الذي يتفاوت بين مجتمع وآخر وثقافةٍ وأخرى وشخصٍ وآخر، فربّما شخصٌ يرى النبي ويقول له النبيُ: الإمام علي هو الخليفة، ويرى شخصٌ آخر النبي ويقول له: لا، أبو بكر هو الخليفة، فمن الذي يُصَدّق منهما وكلاهما رأى النبي ؟! لا يمكن الاعتماد في إثبات الحقائق على مثل هذه الطرق الواهية التي تختلف باختلاف الناس واختلاف ثقافاتهم واختلاف معتقداتهم ومجتمعاتهم، ”إنّ دين الله أعزّ من أن يُرَى في المنام“.
وأمّا تعامل الأئمة مع بعض الرّؤى تعاملاً صادقًا: هذا صحيحٌ، لكن إذا صدّقه الإمامُ، يعني: الإمام إذا صدّق الرؤيا علمنا أنّها رؤيا صادقة، النبي صدّق رؤيا خالد بن سعيد فعلمنا أنّها رؤيا صادقة، الإمام الحسين صدّق رؤيا وهب بن حباب الكلبي فعلمنا أنّها رؤيا صادقة، الإمام العسكري صدّق رؤيا نرجس فعلمنا أنّها رؤيا صادقة، إنّما علمنا أنّ هذه الرؤى التي تعامل معها الأئمة أنّها رؤى صادقة لتصديق الأئمة لها، وإلا لو لم يقم تصديقُ الأئمة لها فلا دليل عندنا على أنّها رؤىً صادقة.
وأمّا ما ورد عن الإمام الصادق : ”من داوم على قراءة سورة المزمّل رأى النبي “ فهذا كما يقول علماؤنا: محمولٌ على سبيل الاقتضاء لا سبيل العليّة التامّة، ما معنى ذلك؟
مثلاً: ورد عن الإمام الصادق : ”من أكل سفرجلاً والتقى بأهله ولدت له ولدًا صبيحًا“، هل هذا معناه خلاص كل واحد يأكل سفرجلة يكون أولاده صبيحين وانتهى؟! لا، هذا محمولٌ على نحو الاقتضاء لا على نحو العلة التامّة، يعني: أكل السفرجل فيه اقتضاءٌ واستعدادٌ لأنْ يكون سببًا لخروج الولد ولدًا صبيحًا، لا أنّه سببٌ تامٌ بحيث لا يتخلف ولا يختلف، قد يتخلف، فإنّ هذا مجرّد مقتضٍ، وإنّما يتحول إلى سبب تام إذا اجتمعت معه شرائط أخرى وارتفعت الموانعُ من أمامه، لا أنّه علة تامة لوقوع هذا الأمر، هذا يُحْمَل على نحو الاقتضاء.
أيضًا قوله : ”من داوم على قراءة سورة المزمّل رأى النبي“ يعني: المداومة على هذه السورة فيه اقتضاءٌ لأنْ يرى النبي، لكنه قد يتخلف عن ذلك، لِمَ؟ لعدم توفر الشروط، كأن ينام على جنابة، كأن ينام بدون طهور، كأن تكون الرؤيا في غير وقتها، كأن يكون الشخصُ من أهل الفسوق الذي لا يليق أن يرى النبي ، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [12] ، رين الذنوب أحيانًا يحجب القلبَ عن الرؤيا، يحجب القلبَ عن الوعي، يحجب القلبَ عن الانكشاف وشرف مثل هذا اللقاء، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، إذن هذه الأحاديث تُحْمَل على الاقتضاء لا على العليّة التامّة.
المحور الثالث: كيف يتعامل الإنسان مع الرؤيا إذا رآها في المنام؟
وهنا عدّة بنودٍ نستفيدها من الرّوايات الشريفة في التعامل مع الرؤيا:
البند الأول هو: طريقة النوم، فإنّ لها أثرًا في استقبال الرؤيا.
لاحظوا هذه الرواية: رواية أحمد بن إسحاق، قال: دخلتُ على أبي محمّد - الذي هو الإمام العسكري - فقلتُ: يا سيدي رُويَ لنا عن آبائك: ”إنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم «يعني: النبي ينام على ظهره»، ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم المنافقين على شمائلهم، ونوم الشياطين على وجوههم“ فقال: كذلك هو، يعني: هذه هي كيفية النوم، هذه الكيفية مؤثرة في حقيقة الرؤيا وفي صدق الرؤيا.
فقلتُ: يا سيدي إنّي أجهد أن أنام على يميني فلا يمكنني - أنا أريد أن أصير من المؤمنين ولستُ قادرًا - أجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النومُ عليها، فسكت ساعة ثم قال: يا أحمد ادنُ مني، فدنوتُ منه، قال: أدخل يدك تحت ثيابك، فأدخلتها، فأخرج يده من تحت ثيابه وأدخلها تحت ثيابي، فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر، وبيده اليسرى على جانبي الأيمن، ثلاث مرات، قال أحمد: فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل بي ذلك ولا أنام إلا على يميني.
البند الثاني: إذا رأى الإنسان في منامه رؤيا فزع منها أو كرهها فكيف يتعامل معها؟
هنا رواية صحيحة السند: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله قال: ”إذا رأى الرجلُ ما يكره في منامه فليتحول عن شقه الذي كان عليه نائمًا“، إذا كان نائمًا على اليسار فلينم على اليمين، كان نائمًا مثلاً على اليمين فلينم على ظهره، المهم أن يتحول، يغير طريقة النوم، وليقل: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [13] ثم يقول: ”عذتُ بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصّالحون من شرّ ما رأيتُ ومن شرّ الشّيطان الرّجيم“، ويستحبّ أن يقرأ الإنسانُ قبل النوم، يتوضّأ، فإذا جلس على منامه يستحب أن يقرأ ﴿قل هو الله أحد﴾ ثم يقرأ هذا الدعاء: ”اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ الأحلام وشرّ الاحتلام، وأن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة والمنام“، إذن هذا بندٌ من بنود التعامل مع الرؤيا.
البند الثالث:
إذا أراد الإنسان أن يفسّر الرؤيا فلا يفسرها حتى يرى شخصًا يطمئن له بأنّه أهل علم في مجال تفسير الرؤيا، لِمَ؟ لأنّ الرؤيا - كما يقولون - على ما تفسّر به أوّل مرة، فلا يبادر إلى تفسيرها، وهذه رواياتٌ وردت عن الأئمة «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» في هذه الجهة، ورد في رواية معمّر بن خلاد، قال: سمعتُ أبا الحسن موسى يقول: ”ربّما رأيتُ الرؤيا فأعبّرها والرؤيا على ما تعبّر“، إذن لا تبادر إلى تعبير الرؤيا بشيءٍ مكروهٍ، لا تبارد إلى تفسير الرؤيا بشيءٍ مذموم، حاول أن تتصدق، أن تتوّسل بالأئمة الطاهرين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» إلى أن تجد شخصًا تطمئن بأنه أهلُ علم وخبرةٍ بتفسير الرؤيا لتعرضها عليه، هكذا ذكِرَ في عدّةٍ من الروايات في طريقة التعامل مع الرؤيا.
ونعود لنقول: الرؤيا الصادقة لها شروط وقيودٌ، وأمّا رؤيا الأئمة ورؤيا الأنبياء فهي نوعٌ من الوحي والانكشاف التجريدي الذي تحدثنا عنه في المحور الأول، ولذلك نرى الأئمة الطاهرين يعوّلون على بعض الرّؤى لأنّها انكشافٌ تجريديٌ بالنسبة لهم، الإمام الحسين لما قال له أخوه محمد بن الحنفية، قال له: لقد وعدتني أن تنظر في الأمر فما أعجلك على الخروج؟ قال: ”إنّي رأيتُ جدي رسولَ الله في المنام، وقد أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ فيه“، الإمام المعصوم رؤياه انكشافٌ، ولذلك تُعَدّ الرؤيا تكليفًا شخصيًا بالنسبة له لا ينطبق على غيره من المكلفين.
كما أنّ الأئمة الطاهرين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» قد يتجلون أحيانًا بأجسادهم المثاليّة حتى في عالم اليقظة فضلاً عن عالم النوم، قد يظهرون بأجسادهم المثالية النورانيّة كما يتجلون في عالم النوم، ولذلك كثيرٌ من الروايات الواردة في أحداث كربلاء تتعلق بتجسّد الأئمة وتجليهم من خلال أجسادهم المثاليّة النوريّة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين




hgrdlm hgluvtdm ggHpghl hgluvtdm



توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
رد مع اقتباس