عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/03/01, 07:17 PM   #2
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). وحدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان - رحمه الله -، قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين الهمداني، قال: حدثنا محمد بن رزام المروزي، قال: حدثنا خلف بن عبد العزيز، قال: أخبرني أبي عبد العزيز بن عثمان، عن جدي: عثمان بن أبي جبلة، قال: كما أخبرني عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن يهودية أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إما شاة مسمومة، وإما برقا مسموطا مسموما، فلما قربته إليه وبسط القوم أيديهم، قال: أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة فدعا صاحبتها، فقال: أسممت هذا؟ قالت: نعم، قال: ما حملك عليه؟ قالت: أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت رسولا أنك ستطلع عليه، فلم يعاقبها (2). هذه الروايات تثبت أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يأكل من ذلك الطعام المسموم، وكان الحادث في سنة 7 هجرية، والرسول (صلى الله عليه وآله) قتل في سنة 11 هجرية، إذن لم يمت الرسول (صلى الله عليه وآله) بفعل سم خيبر قطعا. ابن مسعود: لم يأكل النبي طعام خيبر المسموم ولقد جاءت عدة روايات في مسمومية رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها: أحب العراق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذراع، ذراع الشاة، وقد كان سم فيها
(هامش)
(1) نقله ابن كثير في تاريخه 4 / 209. (2) راجع الحاشية (2)، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 208). (*)
وكان يرى أن اليهود سموه (1). وجاء قول أبي هريرة: إن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة مسمومة، فقال لأصحابه: أمسكوا فإنها مسمومة (2). ولا علاقة لموت النبي (صلى الله عليه وآله) في سنة 11 هجرية بسم خيبر في سنة 7 هجرية، إذ الفارق الزمني كان طويلا، هذا أولا، وثانيا إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأكل الطعام المسموم. لأن الذراع المسمومة أخبرته بذلك. بينما حاول إعلام السلطة القاء المسؤولية في شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله) على أكلة خيبر، إذ رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديثا كاذبا هو: ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام (3). ومن طبيعة مفعول السموم قتلها للضحايا في أيام معدودة ولا تعطي فرصة أكثر من ذلك، وهذا مأخوذ من تجارب السموم في التاريخ، والعلم الحديث يؤيد ذلك. وجاء عن عبد الله بن مسعود قوله: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام - يعني بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وكلمه ذراع الشاة المسمومة، وأعلمه بما فيه من
(هامش)
(1) أخرجه أبو داود ص 3781، في الأطعمة باب في أكل اللحم، شمائل الترمذي ص 163، باب ما جاء في صفة إدام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، المصنف لابن أبي شيبة ص 13 رقم 15382، وطبقات خليفة ص 96، وتاريخه ص 71، 198، 239، 271، ومسند أحمد 3 / 2، والمحبر ص 291، 429. (2) تاريخ ابن كثير 4 / 209. (3) كنز العمال 11 / 32189. (*)
السم (1). إذن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم بالطعام المسموم من قبل الله سبحانه وتعالى مثلما كلمه الذراع المسموم، فلم يأكل منه، ولم يمضغه، وهذا من دلائل النبوة. وإخبار الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله) يستوجب عدم أكله من ذلك الطعام. فنفهم بأن الرواية الصحيحة من قبل عبد الله بن مسعود تقول بأنه (صلى الله عليه وآله) لم يأكل طعام خيبر المسموم، وذكر البخاري رواية صحيحة في عدم أكل النبي (صلى الله عليه وآله) من طعام خيبر (2).
الفتنة والغدر

حذر الرسول (صلى الله عليه وآله) من الفتنة وخطرها وأنذر الناس بذلك. وقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بارتداد المسلمين قائلا: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه! قالوا: فاليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن إذن؟! (3) وحذر الرسول (صلى الله عليه وآله) الناس بهذه الآية: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا
(هامش)
(1) البداية والنهاية، ابن كثير 6 / 317، 322. (2) صحيح البخاري 4 / 66 دار الفكر - بيروت. (3) الشافي، المرتضى 3 / 132، أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية ص 38. (*)
منكم خاصة } (1). وقد ذكرت فاطمة (عليها السلام) هذه الآية الكريمة أمام الناس بعد سلب أبي بكر لفدك إذ قالت: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا } (2). وقالت: إيها بني قيلة أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع (3). وقرأ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية: { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ثم قال عن نفسه وخاصته من المؤمنين والمؤمنات والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات، أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني (4). وجاء في حوار بين حذيفة وعمر قال حذيفة: أنا سمعته (صلى الله عليه وآله) يقول: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. قال (عمر): ليس أسأل عن هذه إنما أسأل عن التي تموج كما يموج
(هامش)
(1) الأنفال: 25. (2) آل عمران: 144. (3) بلاغات النساء، ابن طيفور ص 12، شرح النهج، المعتزلي 16 / 212 - 213، النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير 4 / 273، مروج الذهب، المسعودي 2 / 311، الشافي، المرتضى 4 / 69 - 72، الأمالي، المفيد 4 / 8. (4) تفسير ابن كثير 1 / 643. (*)
البحر؟ قال حذيفة: وإن دون ذلك بابا مغلقا. قال (عمر): فيفتح أو يكسر؟ قال (حذيفة): يكسر. قال (عمر): ذلك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة (1). وكانت عمليات الغدر في التاريخ كثيرة ومثيرة ولم يكتشف البشر من عمليات الغدر والقتل إلا القليل، إذ حاول القتلة الستر عليها وإخفاءها. وقد وقف الله تعالى موقفا معارضا من الغدر، وقد ذكر رسوله (صلى الله عليه وآله) ذلك. والغدر جزء من الفتنة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم (2). وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): من أمن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة، وقال (صلى الله عليه وآله): من إئتمنه رجل على دم فقتله، فأنا منه برئ، وإن كان المقتول كافرا (3). وأوصى النبي (صلى الله عليه وآله) جنوده في الحروب: لا تغلوا ولا تغدروا (4). وقال علي (عليه السلام): كل غادر فاجر وكل فاجر كافر (5).
(هامش)
(1) صحيح البخاري 4 / 46. (2) البدء والتاريخ 1 / 108. (3) أنساب الأشراف 5 / 233. (4) العقد الفريد 1 / 128. (5) شرح نهج البلاغة 10 / 211. (*)
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة (1). وقال علي (عليه السلام): لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة (2). والغدر ارتداد عن الدين وانقلاب عن الحق إذ قال رجل من اليهود لعلي (عليه السلام): ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيف وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضا بالسيف (أي غدرا وظلما). فقال (عليه السلام): فأنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم: { يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } (3). وقال علي (عليه السلام) للأشتر: إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم تبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله (4).
(هامش)
(1) نهج البلاغة، الخطبة 200. (2) نهج البلاغة، الخطبة 200. (3) الأعراف: 138. (4) نهاية الأرب 6 / 31. (*)
السم

السم: هو كل مادة إذا دخلت إلى الجسم الحيواني بمقادير قليلة قلبت نظامه أو أبطلت وظائفه الحيوية، ويعم هذا الاسم عددا عظيما من المعادن والنباتات والحيوانات، بعضها جامد والبعض الآخر منها سائل أو غازي. وسم الحيات يؤثر في المجموع العصبي فيجمد الدم. ويختلف تأثير السموم بحسب أحوال كثيرة فيزداد بارتفاع درجة الحرارة وقوة الحيوان المسمم. ويتسمم الجسم بالرصاص والزئبق والزرنيخ والأفيون (ومعتادو الأفيون يبتلعون منه جرعات كبيرة لو ابتلعها غير متعود عليه قتلته) والكبريت وسلفات النحاس، والزنجار (1). وإليك أنواع من السم ذكرها العلماء والمختصون في كتبهم وبعض أسماء من السم: سم ناقع: أي قاتل، والنقع موضع قرب مكة في جنبات الطائف (2). وقال الجاحظ: لو عمل بعض السم في العصب، وبعض في
(هامش)
(1) دائرة المعارف، بطرس البستاني 10 / 680. (2) معجم البلدان 5 / 300. (*)
الدم، وبعضه فيهما جميعا، ولو كان بعضه سم نجاز وبعضه سم جهاز (1). السلع: نبات، يقال: هو سم، قال العجاج: فظل يسقيها السمام إلا سلعا. أي السم الأشد (2). والعنقز: السم الذعاف الذي لا يناظر أي يقتل في ساعته (3). الضبح والضباح: لغة نبات من السم في الفارسي سعن (4). الهلهل: السم القاتل والهلال: الحية الذكر (5). وكأنه مأخوذ من الحية الذكر. الذيفان: السم القاتل (6).
(هامش)
(1) رسالة التربيع والتدوير، الجاحظ ص 48. (2) كتاب العين، الفراهيدي 1 / 335. (3) كتاب العين، الفراهيدي 3 / 293. (4) المصدر السابق 3 / 203. (5) كتاب العين 3 / 354. (6) الصحاح 4 / 362. (*)
الذعاف بالضم: السم ومنه طعام مذعوف (1). الضريع: نبت يقال له الشبرق تسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس هو سم (2). سم الذراريح: كما جاء في لسان العرب مادة ذرح. الذرحة: واحدة من الذراريح. ويقال ذريحة الواحدة، ويقال: طعام مذروح، وهو شيء أعظم من الذباب قليلا مجزع مبرقش بحمرة وسواد. لها جناحان تطير بهما، وسمها قاتل (3). ولم يسلم البشر قديما ولا حديثا من الموت بالسم ولم يسلم الأطباء ولا الزعماء منه فقد مات جالينوس الحكيم بالسم (4). تذريب السيف: أي ينقع في السم فإذا أنعم سقيه أخرج فشحذ (5).
(هامش)
(1) مجمع البحرين 2 / 94. (2) سنن البخاري 6 / 83. (3) كتاب العين، الفراهيدي 3 / 200. (4) تاريخ اليعقوبي 1 / 119. (5) العين 8 / 184. (*)
كتب السموم

وكتبوا في السموم كتبا كثيرة منها: منقذ المسموم، للحكيم جالينوس من الكتب الخطية في مكتبة السيد الگلبايگاني في مدينة قم (1). وكتاب السموم لجابر بن حيان، موجود في الخزانة التيمورية بالقاهرة كما في معجم البلدان 1513 سموئيل جانسون. وكتاب معرفة السموم لأبي علي سينا. وكتب محمد بن زكريا الرازي المتوفى سنة 311 هجرية في السموم. ووفق ما قرأنا نجد بأن الكثير من الحكماء والعلماء قد كتبوا عن السموم، ولم يكن ذلك إلا لمواجهة حالة القتل بالسم التي قادتها الحكومات السالفة للقضاء على معارضيها. وكيف لا يكتبون في هذا الموضوع وقد هزت تلك الموجة المجتمعات المختلفة وفي أزمان متعاقبة، وقد شجع الملوك العلماء على الكتابة في هذا الموضوع لأنهم أنفسهم أصبحوا ضحية للاغتيال بالسم. وكيف لا يهتم الملوك والعلماء والحكماء بالسم وقد ذهب رسول البشرية محمد (صلى الله عليه وآله) ضحية القتل بالسم، وكذلك أبو بكر! (2)
(هامش)
(1) كتاب المسموم، جالينوس 3 / 133. (2) راجع كتاب اغتيال الخليفة أبي بكر والسيدة عائشة، المؤلف. (*)
من حوادث الغدر

كثرت حوادث الغدر في التاريخ من قبل الظالمين فتعرض الكثير من الناس لعمليات الغدر تحت ظروف شتى وفي أماكن مختلفة. وكانت بعض تلك العمليات تحت عذر وبعضها لا عذر لها ولا عنوان! وفي زمن النبي داود (صلى الله عليه وآله) استعدى رجل على رجل، فادعى عليه أنه أخذ منه بقرا فأنكر المدعى عليه، فسأل داود (عليه السلام) المدعي البينة فلم يقمها فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه، فتثبت داود (عليه السلام)، وقال: هو المنام، فأتاه الوحي بعد ذلك أن يقتله فأحضره ثم أعلمه أن الله يأمر بقتله، فقال المدعى عليه: إن الله ما أخذني بهذا الذنب، وإني قتلت أبا هذا غيلة، فقتله داود (1). وقد سم عمرو بن جفنة ملك العرب في الشام عثمان بن جفنة وقيل ألبسه قميصا مسموما فمات (2). وفي سنة 31 هجرية قتل ملك الفرس يزدجرد بن شهريار، وكان قد فر والتجأ إلى بيت نقار رحى، فطمع النقار فيما معه، وفي ثيابه، فقتله غيلة وهو نائم (3).
(هامش)
(1) لسان العرب، ابن منظور 3 / 233. (2) تاريخ ابن خلدون 3 / 327. (3) تاريخ ابن الأثير 3 / 119 - 123. (*)
واغتيال الخوارج الإمام علي (عليه السلام) وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال له: ستغدر بك الأمة من بعدي. وقتل معاوية أصحاب الإمام علي (عليه السلام) غيلة (1). ومن حوادث الغدر اغتيال أبي بكر وعمر لسعد بن عبادة واغتيال الحزب القرشي لأبي بكر. واغتيال عمر بن الخطاب، واغتيال عثمان بن عفان لعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وأبي ذر وأبي بن كعب والمقداد بن الأسود. وغدر زياد بن أبيه بعمير بن قيس الكندي بعد أن أعطاه أمانا (2). وقتل الحجاج في معركة دير الجماجم ضد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أحد عشر ألفا غدرا بعد أن خدعهم بالأمان (3). وغدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق (4)، وغدر عمرو بن العاص بمحمد بن حذيفة سنة 36 هجرية إذ أوهمه بأن في نيته مبايعة علي واتعد معه على الاجتماع بالعريش من أرض مصر، فقدم عليه وكان عمرو قد جعل له كمينا فأخذه وثلاثين من أصحابه فقتلهم (5). ولما قتل عمرو بن العاص مع معاوية بن حديج محمد بن أبي بكر
(هامش)
(1) العقد الفريد 3 / 234. (2) تاريخ الطبري 5 / 263، 264. (3) تاريخ الطبري 6 / 322 - 359. (4) الكامل في التاريخ 4 / 297. (5) تاريخ ابن الأثير 3 / 267، تاريخ الطبري 4 / 546. (*)
وأحرقاه بالنار وجئ برأس محمد إلى دار عثمان أعلن الأمويون في المدينة الفرح بذلك، فكان أول رأس حمل في الإسلام، وعندها أمرت أم حبيبة بنت أبي سفيان بكبش مشوي وبعثت به إلى عائشة تقول لها: هذا شوى أخيك، ولما قدم معاوية بن حديج المدينة قامت إليه نائلة (1) امرأة عثمان، وقبلت رجله وقالت له: بك أدركت ثاري من ابن الخثعمية تعني محمد بن أبي بكر (2). فقالت عائشة: قاتل الله ابنة العاهرة (3). وقد قتل معظم رجال الاغتيال إذ قتل سليمان بن عبد الملك أفراد عائلة الحجاج بعد أن عذبهم (4). واغتيل موسى بن نصير (فاتح الأندلس) سنة 97 هجرية (5).
(هامش)
(1) وكان معاوية بن حديج يهوديا ونائلة نصرانية! الكامل 3 / 357. (2) مروج الذهب 1 / 406، والولاة للكندي ص 30، 31، تاريخ ابن الأثير 3 / 357. (3) تذكرة خواص الأمة ص 144 ط. النجف، التمهيد والبيان ص 209. (4) ابن الأثير 4 / 588، والطبري 6 / 506. (5) تاريخ ابن الأثير 5 / 22، وكان الحجاج يطعم المسجونين في سجنه الشعير مخلوطا بالرماد، محاضرات الأدباء 3 / 195. ومن ظلم الغدرة: ودق المنصور الأوتاد في العيون، ودفن الناس وهم أحياء وسمر المعذبين في الحيطان، اليعقوبي 2 / 38. وهدم البيوت على المعارضين، الطبري 8 / 7 - 9، والعيون والحدائق 3 / 227. ونبش المتوكل القبور، مقاتل الطالبيين ص 597، تاريخ الخلفاء ص 347، الطبري 9 / 85، وفوات الوفاة 1 / 203. فقتل الناس وهلكوا في زمن العباسيين بينما ازداد عدد العباسيين ففي سنة 200 هجرية كان عدد العباسيين ثلاثة وثلاثين ألفا!، مروج الذهب 2 / 347، والعيون والحدائق 3 / 351. (*)
غضب الحزب القرشي لمدح النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) في الحديبية

غضبت عصبة قريش في الحديبية لقول النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): هذا أمير البررة، قاتل الفجرة منصور من نصره، مخذول من خذله (1). فعارض الحزب القرشي ذلك وحزنوا وغضبوا، فحاول عمر تحطيم معاهدة الحديبية بطلبه قتل سفير قريش سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري. وفر عثمان من بيعة الحديبية (الرضوان) (2)، فلم يبايع النبي (صلى الله عليه وآله)، مما حدا بعبد الرحمن بن عوف إلى فضحه في أيام حكمه (3). وفي الطائف لما أطال الرسول (صلى الله عليه وآله) مناجاة علي (عليه السلام) رأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم (4). فقال (صلى الله عليه وآله): ما أنا بالذي انتجيته بل الله انتجاه.
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 17 / 356. (2) السيرة الحلبية 2 / 19، السيرة النبوية، دحلان المرفقة بسيرة الحلبي 2 / 165 - 183، البداية والنهاية، ابن كثير 4 / 200، تفسير ابن كثير 1 / 657. (3) راجع المصدر السابق. (4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 17 / 378، 379. (*)
استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته

لقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع وفي غدير خم في السنة الحادية عشرة موضوعين مهمين: الأول وفاته القريبة. والثاني خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) له. ولقد ذكرنا في هذا الكتاب النصوص المؤيدة لقوله (صلى الله عليه وآله) في وفاته الوشيكة، وذكرنا الأدلة الصريحة في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) للخلافة مثل قوله (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي (1). وقوله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله (2). ونزلت قبل ذلك آية: { بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } (3). كانت سورة المائدة آخر سورة في القرآن الكريم، إذ نزلت آية البلاغ في غدير خم بعد عودة الرسول (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع وقد أيد ذلك أحمد بن حنبل والترمذي وابن مردويه والبيهقي والحاكم.
(هامش)
(1) صحيح مسلم 4 / 1873 حديث 36 / 2408 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت، 5 / 22 ح 2408، مسند أحمد 5 / 492 ح 18780، كنز العمال 1 / 178 ح 898. (2) سنن الترمذي 2 / 298، سنن ابن ماجة 1 / 26 ح 94 - 116 طبع مكتب التربية لدول الخليج، مستدرك الصحيحين 3 / 109، 533. (3) المائدة: 67، الدر المنثور، السيوطي 2 / 252. (*)
ذكر البيهقي في سننه عن جبير بن نفير قائلا: حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه (1). وقال ابن جرير عن الربيع بن أنس: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسير في حجة الوداع وهو راكب على راحلته فبركت به راحلته من ثقلها (2). ونزلت بعد ذلك آية: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (3). وبعد عودته إلى المدينة دعا الصحابة للالتحاق بحملة أسامة بن زيد إلى الشام. وجعل في ذلك الجيش أبا بكر وعمر وابن الجراح وباقي رجال قريش والأنصار، واستثنى من ذلك البعث علي بن أبي طالب (عليه السلام) (4). وهنا طار صواب رجال الحزب القرشي لأن مسيرهم في حملة الشام الطويلة المسافة، يتزامن مع أمور:
(هامش)
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي 2 / 352. (2) المصدر السابق 2 / 252. (3) المائدة: 3، تاريخ بغداد 8 / 289، مسند أحمد 4 / 281، الصواعق المحرقة ص 43. (4) الطبقات، ابن سعد 2 / 190. (*)
الأول: خبر النبي (صلى الله عليه وآله) بوفاته الوشيكة. الثاني: إعلانه في غدير خم عن خلافة علي (عليه السلام) له. الثالث: محاربة الروم، وكيف يحاربون الروم وقد هربوا في أحد وخيبر وحنين! فاعتقد رجال الحزب القرشي بأن ذهابهم في تلك الحملة يعني تحول الحكم إلى علي (عليه السلام) وهزيمة اطروحتهم المتمثلة في تناوب الخلافة بين قبائل قريش. واحتمال مقتلهم بيد الروم. فامتنعوا من المسير في تلك الحملة، وقتلوا النبي (صلى الله عليه وآله)، واغتصبوا الخلافة!
منزلته مثل هارون من موسى (عليه السلام)

لما خلف النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) على المدينة قال له علي (عليه السلام): أتخلفني في النساء والأطفال؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنه لا نبي من بعدي (1). وكان البعض يخاف أشد الخوف من وصول الإمام علي (عليه السلام) إلى خلافة النبي (صلى الله عليه وآله)، لأن ذلك يعني سيطرة بني هاشم على الحكم، وحرمان قريش من الخلافة، وعرفت خلافة علي (عليه السلام) الإلهية أكثر عندما تركه الرسول (صلى الله عليه وآله) على
(هامش)
(1) الكامل في التاريخ 2 / 278. (*)
المدينة المنورة خليفة له ليحفظها واصفا إياه بهارون من موسى. والملاحظ لحركة المنافقين يجد أن بعض المسلمين قد تحرك تحركا جديدا يختلف عن الأساليب السابقة متمثلا في إنشاء مسجد يكون قلعة لضرب الإسلام المحمدي. ولأول مرة في تاريخ المسلمين هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجدا لأنه مسجد ضرار. وتحرك آخرون لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) قبل انتقال الحكم إلى علي (عليه السلام). والذي يفهم تاريخ السيرة جيدا يجد أن المنافس القوي لبني هاشم على السلطة هم قريش وليس الأنصار. لذلك دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة على قريش ولم يدع على الأنصار بل دعا لهم. ودعا الإمام علي (عليه السلام) على قريش ودعا للأنصار. وهناك نتيجة مفادها: إن دهاة قريش قد فعلوا عدة أمور قد خفيت على كثير من العلماء والمحققين إلى يومنا هذا تبين حرصهم على السلطة منها: حرفوا حديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر أولهم علي (عليه السلام) إلى صالحهم، فجعلوا الحكم إلى يوم القيامة في قبائل قريش. وأبعدوا الأنصار وغيرهم عن الخلافة بلا سند إلهي وعقلي. وأرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في أثناء عودته من تبوك، يوم كان الإمام علي (عليه السلام)
في المدينة. ولم يكتفوا بذلك بل ألقوا بتبعة الأمر على الأنصار (1). وكانت عصبة قريش قد ألقت بتبعة لدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على العباس (2). فهم يتهمون الآخرين بعمليات الاغتيال التي يخططونها وينفذونها هم. وجاء عن نافع بن جبير بن مطعم: لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك وهم اثنا عشر رجلا. وزادوا في الحديث قولهم: ليس فيهم قرشي وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم! (3). وفي قضية السقيفة فعل رجال قريش نفس الشيء، فهم قد تركوا مراسم دفن النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعوا أبا بكر في السقيفة، ولم يكتفوا بذلك، بل حاولوا القضاء على منافسيهم (الأنصار) قضاء تاما. وتمثل ذلك باتهام الأنصار بمحاولة بيعة سعد بن عبادة في السقيفة واغتصاب الحكم من قريش؟! في حين لم يجتمع الأنصار لمبايعة سعد، ولم يبايعوه، ولم يكن
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253. (2) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (3) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 6 / 253. (*)
عندهم خطة لذلك، وما تلك الأخبار الكاذبة إلا هجمة لتحطيم الأنصار (1)، وإيجاد العذر اللازم لسقيفتهم. وقد جاء: لما رجع رسول الله قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق، مكر به ناس من أصحابه، وتآمروا أن يطرحوه في العقبة (2) وأرادوا أن يسلكوها معه لهذه الغاية، فأخبر رسول الله خبرهم، فقال لأصحابه من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم. فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به، فقد استعدوا وتلثموا، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فبينما هم يسيرون، إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم، قد غشوهم. فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يراهم، ويتعرف عليهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، وضربها بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، فأرعبوا حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر، فاسرعوا حتى خالطوا الناس. وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله، فلما أدركه، قال (صلى الله عليه وآله): اضرب الناقة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فاسرعوا وخرجوا من العقبة، ينتظرون
(هامش)
(1) أنظر كتاب السقيفة، لعبد الفتاح، والسقيفة للمؤلف. (2) العقبة: مرقى صعب من الجبال، والطريق في أعلاها، والجمع عقاب وعقبات وواحدة العقب. أقرب الموارد 2 / 807. (*)
الناس. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا حذيفة هل عرفت أحدا منهم؟ فقال: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم متلثمون. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل عرفت ما شأنهم وما يريدون؟ قال: لا يا رسول الله. قال (صلى الله عليه وآله): فإنهم فكروا أن يسيروا معي، حتى إذا صرت في العقبة طرحوني فيها! فقال: أفلا ترأف بهم إذا جاءك الناس. قال: أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا: إن محمدا قتل أصحابه، ثم سماهم بأسمائهم (1). وفي كتاب أبان بن عثمان بن عفان، قال الأعمش: وكانوا اثني عشر، سبعة من قريش. وقال أبو البختري، قال حذيفة: لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم. فقال: ففطن له شاب، فقال: من يصدقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا! فقال: إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) كانوا يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير، وكنت
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 3 / 143 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت، ودلائل النبوة لأبي بكر أحمد البيهقي * 5 / 260 - 262 طبع دار الكتب العلمية - بيروت، وأخرجه مسلم في ص 50 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، كتاب أبان بن عثمان. (*)
أسأله عن الشر. قال: فقيل له: ما حملك على ذلك؟ فقال: إنه من اعترف بالشر، وقع في الخير (1). وقال الحسن بن علي (عليه السلام): يوم أوقفوا الرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة ليستنفروا ناقته كانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان (2). وذكر ابن عبد البر الأندلسي في كتابه الاستيعاب: كان أبو سفيان كهفا للمنافقين منذ أسلم (3). وجاء أيضا: لدى العودة تآمر 12 منافقا ثمانية منهم من قريش، والباقي من أهل المدينة، لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله) في أثناء الطريق، وقبل أن يصل إلى المدينة، وذلك بتنفير ناقة النبي (صلى الله عليه وآله) في عقبة بين المدينة والشام، ليطرحوه في واد كان هناك. وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى بداية تلك المنطقة (العقبة) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي، فإنه أوسع لكم. فأخذ الناس بطن الوادي. ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بطريق العقبة، فيما يسوق حذيفة بن اليمان ناقة النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقودها عمار بن ياسر، فبينما هم يسيرون إذ التفت رسول
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 259. (2) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 103 ط. دار الفكر 1388 ه‍. (3) الاستيعاب 2 / 690. (*)
الله (صلى الله عليه وآله) إلى خلفه، فرأى في ضوء ليلة مقمرة فرسانا متلثمين، لحقوا به من ورائه، لينفروا به ناقته، وهم يتخافتون، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاح بهم، وأمر حذيفة أن يضرب وجوه رواحلهم. قائلا: اضرب وجوه رواحلهم. فأرعبهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصياحه بهم إرعابا شديدا، وعرفوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم بمكرهم ومؤامرتهم، فاسرعوا تاركين العقبة حتى خالطوا الناس. يقول حذيفة فعرفتهم برواحلهم وذكرتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم لتقتلهم؟ فأجابه رسول الله في لحن ملؤه الحنان والعاطفة: إن الله أمرني أن أعرض عنهم، وأكره أن يقول الناس: إنه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه، فاستجابوا له، فقاتل بهم، حتى ظهر على عدوه، ثم أقبل فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد (1). ولما جمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبرهم بما قالوه وأجمعوا له فحلفوا بالله ما قالوا. فأنزل الله تعالى: { يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم
(هامش)
(1) المغازي النبوية 3 / 1042 - 1045، مجمع البيان 3 / 46، إمتاع الأسماع 1 / 477. (*)
ينالوا... } (1). وروى مسلم في صحيحه عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل: قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم أخبره إذ سألك؟ فقال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر (2). لقد أخفى مسلم ذكر اسم ذلك الرجل والظاهر أنه أبو موسى الأشعري، ولو كان من الأنصار لذكر اسمه! ووفق رواية حذيفة بن اليمان كان في هؤلاء الرجال أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (3).
روايات في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة

لقد حدثت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. وقد ذكرها الواقدي
(هامش)
(1) التوبة: 74، تفسير ابن كثير 2 / 604، 605، طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (2) تفسير ابن كثير 2 / 605. (3) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225 طبع دار الفكر، وابن حزم قد توفي سنة 456 هجرية. (*)
في مغازيه (1) قائلا: إنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة. وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه. ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم (إذ كانوا يقدمون عليهم تجارا) من العدد والعدة والكراع. وكان رسول الله لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حر شديد . وقال الجلاس بن سويد: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن ينزل فيها القرآن بمقالتكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا. فذهب إليهم عمار فقال لهم. فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذرون إليه..
(هامش)
(1) المغازي 2 / 989. (*)
فأنزل الله { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } إلى قوله { بأنهم كانوا مجرمين } (1). ولما أحتاج المسلمون إلى الماء في تلك الصحراء بصيفها الحار، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسقط المطر. فقال أوس بن قيظي المنافق: سحابة مارة (2). وكانت غزوة تبوك بعد انتصار المسلمين على المشركين، وسيطرتهم على جزيرة العرب، فوجد المنافقون أن ملك المسلمين أصبح عظيما، وبلادهم واسعة، فسعوا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) للسيطرة على خلافته. وقد نزلت آيات كثيرة في تبوك في المنافقين وأفعالهم منها: { وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } (3). و{ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين } (4). وذكر البيهقي عن عروة، قال: ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله (صلى الله عليه وآله) ناس من أصحابه فتآمروا [عليه] (5) أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم
(هامش)
(1) سورة التوبة 65، 66. (2) المغازي للواقدي 2 / 1009. (3) التوبة 81، 82. (4) التوبة 107. (5) الزيادة من (أ) فقط. (*)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبر خبرهم (1)، فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله عز وجل حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أدركه، قال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لحذيفة: هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب، أو أحدا منهم؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل، وغشيتهم وهم متلثمون، فقال (صلى الله عليه وآله): هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا
(هامش)
(1) في (ح): أخبرهم خبره . (*)
تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمدا قد وضع يده في أصحابه، فسماهم لهما، وقال: اكتماهم (1). إذن كان حذيفة وعمار يعرفان أسماء المنافقين. وقد عودنا الناشرون وبعض الرواة على وضع كلمتي فلان بدل أبي بكر وعمر. وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي عمر وعثمان بدل فلان عند ذكر المنهزمين من معركة أحد (2). وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثنية نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن خذوا بطن الوادي فهو أوسع عليكم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخذ الثنية، فذكر الحديث في مكر المنافقين بنحو مما ذكرنا في رواية عروة إلى قوله لحذيفة: هل عرفت من القوم أحدا؟ فقال: لا ولكني أعرف رواحلهم، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم، وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فانطلق إذا أصبحت فأجمعهم، فلما أصبح، قال: ادع عبد الله أظنه
(هامش)
(1) نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5: 19)، عن المصنف، وقد روى الخبر الإمام أحمد عن أبي الطفيل، وابن سعد عن جبير بن مطعم. دلائل النبوة، البيهقي 5 / 256، 257 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (2) نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 266، شرح النهج، المعتزلي 3 / 390 طبع دار الكتب العلمية - مصر. (*)
ابن سعد بن أبي سرح (1)، وفي الأصل عبد الله بن أبي، وسعد بن أبي سرح إلا أن ابن إسحاق ذكر قبل هذا أن ابن أبي تخلف في غزوة تبوك ولا أدري كيف هذا (2). وأخبرنا أبو علي: الحسين بن محمد الروذباري، أخبرنا أبو العباس: عبد الله بن عبد الرحمن بن حماد العسكري [ببغداد]، قالا: حدثنا أحمد بن الوليد الفحام، أخبرنا شاذان، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (3). رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن الأسود بن عامر شاذان (4). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ [قال]: حدثنا أبو الفضل بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن سلمة، [قال]: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن
(هامش)
(1) وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، ولم يعرف له إسلام . (2) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) المصدر السابق. (4) أخرجه مسلم في: 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، الحديث (9)، ص (4: 2143) عن أبي بكر بن أبي شيبة. (*)
جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة عن قيس بن عباد، قال: قلنا لعمار بن ياسر أرأيت قتالكم هذا أرأيا رأيتموه، فإن الرأي يخطئ ويصيب، أم عهدا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) - شيئا لم يعهده في الناس كافة - وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في أمتي ، قال شعبة: وأحسبه قال حدثني حذيفة أنه قال إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة شراج من النار تظهر بين أكتافهم حتى تنجم من صدورهم. رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار (1). وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر، أو خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا المنادي، ولا علمنا ما أراد القوم (2). رواية حذيفة في كتاب المحلى ذكر حذيفة بن اليمان العبسي (صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله) كما وصفه الخليفة عمر) (3) محاولة بعض الصحابة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك،
(هامش)
(1) أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (10) عن محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى. (2) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) أسد الغابة، ابن الأثير، ترجمة حذيفة 1 / 468، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
وذلك بإلقائه من العقبة (1) في الوادي. وقد ذكر ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 ه‍ هذه الحادثة في كتابه المحلى قائلا: وأما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنه قد روى أخبارا فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلقائه من العقبة في تبوك، ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم، وعاذوا بالتوبة، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم (2). والوليد بن جميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع. جاء في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي (3): الوليد بن جميع وثقه ابن معين، والعجلي، وقال أحمد، وأبو زرعة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وجاء في كتاب الجرح والتعديل للرازي (4): عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، أنه قال: الوليد بن جميع ثقة.
(هامش)
(1) العقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو طويل صعب شديد، لسان العرب لابن منظور 1 / 621. (2) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225. (3) ميزان الاعتدال 4 / 337 رقم 9362 طبع دار المعرفة - بيروت. (4) الجرح والتعديل ج 9 / 8 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (*)


يتبع


رد مع اقتباس