عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/16, 01:06 AM   #61
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

الفصـــل الثاني
..............................

الشطر الأوّل من المقطع الثاني

قوله تعالى : ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ﴾

إنّ المتأمل إلى أقوال المفسِّرين حول هذه الآية المباركة يجد العجب العجيب والطريف الغريب، حيث إنّهم لم يذكروا في تأويلاتهم ما يفيد الرد إلى أولي الأمر لا من قريب ولا من بعيد ؛ وخلاصة ما جاؤوا به :

الرد إلى الله يعني الرد إلى كتاب الله. وهذا صحيح ولا غبار عليه.
غير أنّ الإشكال وموضع العجب هو في معنى الرد إلى الرسول، حيث قالوا : الرد إلى الرسول يعني الرد إلى السنة النبوية ، وذَكَرَ بعضُهم أنّ الرد إلى الرسول في حال حياته والرد إلى سنّته بعد مماته.
ذلك مبلغهم من العلم في تفسير الآية ، ولكن العقل السليم والطبع المستقيم لا يتمكن من قبول هذا التفسير البارد، السطحي العشوائي، ولعمر الحقّ إنّ تأويلاتهم تبعث في النفس الكآبة والضجر ؛ ويمكن لأي أحد أن يورد العديدَ من المآخذ والإشكالات على تلك التفاسير :-

١ - أين صرّفتم أيّها المفسرون أولي الأمر، وأنّى غيّبتموهم ومدار الآية وجوهرها قائم على الولاية ووجوب طاعة أولي الأمر ؟

٢ - أخبرونا ما الحكمة الشرعية من إيجاب طاعة أولي الأمر؟ وهل يعني ـ وفقاً لتأويلاتكم المسطورة ـ أنّ الله أوجبَ طاعةَ أولي الأمر لهواً وعبثا ؟

٣ - أخبرونا لماذا الرد إلى الرسول واجب؟ وما حال ولاية الأمر في السنّة عندكم؟ هل للدّين الإسلامي دورٌ ووجهة نظر في مسألة الإمامة ؟ أم أنّ الشرع اكتفى بأن علّمَ أتباعه " الخرأة " - كما يزعم فقهاء السوء وعلماء السلاطين - وأغفلَ قضيةً كبرى لا يزال المسلمون يقتتلون بسببها إلى اليوم ؟

٤ - ألا تعلمون أنّ الإعتماد على تأويلكم المسطور وتصديقه معناه نسبة الظلم إلى الله ـ تعالى وجلّ عن ذلك ـ كونه قد تَعَبّدَ خلقَه بما لا مصلحةَ فيه ؟
فقد أوجب لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول، والمكلَّفون في هذه الحالة محاسبون ومسؤولون إن لم يؤدوا الطاعة الواجبة التي افترضها الله عليهم.
فإذا لم يكن الرد إلى أولي الأمر واجبا، كما تتوهمون، فكيف نطيعهم إذن؟

٥ - ألا تعلمون أنّ أي تفسيرٍ للآية لا يفيد الرد إلى أولي الأمر يعني أنّ الخطاب القرآني عبثٌ ولهوٌ، وتصبح الآيـــة بلا فـائدة ، وفاقدة للحكم التشريعي الذي جاءت به ؟.
ألسنا معشر المسلمين نعلم أنّ الرد إلى كتاب الله والسُّنّة النبوية واجبٌ اعتمادا ًعلى العديد من آيات الذكر الحكيم غير آية الإطاعة ؟
قال تعالى : ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ﴾
وقال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾.

أليست هذه الآيات ونظائرها كافية شافية، واضحة الدلالة على وجوب تحاكم المسلمين إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ؟

٦ - يا مشائخ التفسير، ما الحكمة الشرعية من فرض طاعة أولي الأمر على المكلَّفين ؟.
هنا بيت القصيد في الآية الشريفة.

نحن نجزم أنّ أصحاب التفسير قد ارتكبوا خطيئة عندما قاموا بتأويل هذه الآية على النحو المسطور في كتب التفسير، فإن كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون فالمصيبة أعظم !.

وأنعِم بقول العلّامة عبدالقاهر الجرجاني بخصوص المفسرين :
( ومن عادة قومٍ ممن يتعاطى التفسير بغير علمٍ أن توهموا أبداً في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنّها على ظواهرها فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسَهم والسامعَ منهم العلمَ بموضع البلاغة وبمكان الشرف، وناهيك بهم إذا أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل! هناك تجد ما شئت من باب جهلٍ قد فتحوه وزند ضلالةٍ قد قدحوا به، ونسأل الله العصمة والتوفيق ).
(دلائل الإعجاز - عبدالقاهرالجرجاني ).

نعم، إنّ التّأويل الخاطئ لهذه الآية الشريفة يفتح باباً عظيماً من أبواب الضّلال والفُرقة بين المسلمين.

والتأويل الصحيح والسليم ، يرشد المسلمين إلى الحقّ المبين والمنهاج القويم الذي جاء به سيدُ المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم.
ونحن بحول الله وقوته، عازمون على إرشاد المسلمين، وكشف المعنى المراد، وإيضاح مكنون التبيان ، فإنّ الآية المباركة قد حوت من المعارف اللغوية والأحكام الشرعية ما ليس موجوداً في كلام، وهي بحقّ كنزٌ من كنوز الإعجاز.

أولاً : الرّد إلى الله

يعني : الرد إلى كتاب الله ، القرآن الكريم ؛ مجازٌ عقلي.

وذلك لمَّا ثبت أنّ الله هو وليُّنا بباهر قدرته وبالغ عدله وحكمته، ولَمّا لم يجز لنا مشاهدته وملامسته وإدراكه فإنّه أنزل الكتب السماوية المعبّرة عن عدله وجلاله وكماله.

والقرآن الكريم خاتمة الشرائع، الكتاب المُنزَل على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وهو المعجزة الخالدة والمنظومة التشريعية المُثلَى.
ومعلوم أنّه ليس بمقدور كلّ أحدٍ أن يفهَمَ كتابَ الله ويُبيِّن ما جاء فيه على الوجه الأكمل المطابق لإرادة الله عزّ وجلّ ؛ ولأجل ذلك، فإنّ الله جلّت عظمته قد أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب، وجعلهم حكاماً على الناس قائمين على شؤون الدين والدنيا، يُعلِّمون العبادَ ويهدونهم سبيل الرشاد، ويقيمون الحقَّ والعدل في البلاد.

قال جلّ شأنه : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ ﴾.
وقال جل شأنه : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾.
وقال جل شأنه : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ ﴾.

الله هو الوليّ، الحاكمية حقٌّ لله جلّ شأنه، يجعلها لمن يشاء من عباده في دار التكليف.
قال تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾.

ثانياً : الرد إلى الرسول

الرّد إلى الرسول يعني : الرد إلى أولي الأمر واحدا بعد الآخر، كلّ في حال حياته وزمانه ؛ والرسول هو وليّ الأمر في حياته، فإن مات أو قُتِل انتقلت منه الولايةُ إلى أولي الأمر الذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول، واحداً بعد الآخر كلّ في حياته وزمانه.

هذا هو المعنى الذي لم يهتدِ إليه مشائخ التفسير، وكلّ ما في المسألة أنّه وقع في الشطر إيجاز قِصَرٍ من وجه، وإيجاز حذفٍ من وجهٍ آخر، والإيجاز في كلا الوجهين يفيد أنّ الرد إلى الرسول معناه الرد إلى أولي الأمر، ابتداءً بالرسول وانتهاءً بآخر ولي أمر وجبت له الطاعة في الآية الشريفة.
ونؤكِّد هذا المعنى بوجوه :

الوجه الأول : إيجاز قِصَر في لفظ ( الرسول )

الرسول، لفظٌ يسيرٌ فيه المعنى الكثير، إنه بمثابة صندوق مغلق ! عندما نقوم بفتحه نجد أنّه يحتوي على العديد من المعاني.
الرسول : نبيّ، وليّ أمر، حاكم، قاضي، معصوم، عالم ......... إلخ
أنت تجد أخي القارئ، أنّ ( وليّ الأمر ) معنى من المعاني المنطوية في لفظ ( الرسول ) والعبرة في المعنى وإن اختلفتِ الألفاظ.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو معلوم شرعاً ، هو وليُّ الأمرِ في حال حياته ، فإن مات أو قُتِلَ صلى الله عليه وآله انتقلَتْ منه ولايةُ الأمر إلى أولي الأمر الذين أوجب اللهُ طاعتهم، واحدا بعد واحد، كلّ في عصره وزمانه.
فالرد إلى الرسول يعني الرد إلى وليّ الأمر.

هذا هو مفهوم إيجاز القِصَر من وجهة نظر علم المعاني، إيجاز القِصَر : لفظٌ يسيرٌ يتضمّن المعنى الكثير.

والإيجاز في هذا الموضع مستحسَنٌ مُساغ لأنّ المقام مقام أمر، وفيه تكثير الفائدة كون الرد إلى الرسول دلّ، في نفس الوقت، على معنىً آخرَ وهو الرد إلى أولي الأمر ولا خصوصية في كونه نبياً صلى الله عليه وآله.

يقول علماء البلاغة :( الكلام الذي يوصف بالبلاغة هو الذي يدل بلفظه على معناه اللغوي أو العُرفي أو الشرعي، ثمّ تجد لذلك دلالة ثانية على المعنى المقصود الذي يريد المتكلِّمُ إثباته أو نفيه ).
(جواهر البلاغة - أحمد الهاشمي - باب علم المعاني ).

نقول : هذا الذي ذكره علماء البلاغة ينطبق تماما على الشطر القرآني موضع البحث، إذ أنّ " الرسول " لفظٌ دال على أكثر من معنى. فالرد إلى الرسول دلّ في نفس الوقت على معنىً آخر، وهو الرد إلى أولي الأمر، لأنّ (وليّ الأمر ) معنىً من المعاني المندرجة تحت لفظ الرسول. هكذا يكون الكلام البليغ.
خيرُ الكلامِ قليـــلُ
على الكثيرِ دليــلُ.

فالرّد إلى أولي الأمر واجبٌ تماماً، حُكْمُهُ حكمُ الردِّ إلى الرسول؛ الطاعة واحدة فالرد واحد، وتم ذِكر الرسول لكون ذكره الأصل ، وولاية أولي الأمر امتداد لولاية الرسول وفرع لها.
إنّ الولاية باقية ومستمرة بعد الرسول، أمّا النبوة فقد رُفِعَتْ وخُتِمت، فلا نبوةَ بعد خاتم النبيين صلىالله عليه وآله.

وعليه، تظهر الحكمة الشرعية من فرض طاعة أولي الأمر، وهي أنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله، يقومون مقامه ويؤدون وظيفته في جميع الأمور الدينية والدنياوية.

إنّ الآية أوجبت للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، فالرد واحد، وقد ذكرنا آنفا أنّ المقطع الأوّل من الآية يُعتَبر الأساس الذي انبنى عليه بقية الخطاب في الآية الشريفة.

الوجه الثاني : إيجاز حذف

المحذوف هو لفظ ( أولي الأمر ). محذوف لفظاً غير أنّه مرادٌ في المعنى.
والحذف في هذا الموضع أبلغ من الذكر وأفصح.

☆ القرائن الدالة على الحذف والمؤكِّدة للمعنى الّذي حكيناه

١ - قرينة لفظية : إيجاز القِصَر في لفظ الرسول، وتم ذكر الرسول كون ذكره الأصل ، فالرد إلى الرسول كافٍ لإثبات المقصود. تماما كما أوضحنا في آنفا.

٢ - قرينة عهدية : الرد إلى أولي الأمر معهود بالذكر في القرآن الكريم ، حكمه حكم الرد إلى الرسول، وهذه القرينة، لوحدها، تعتبر دليلاً كافياً يؤكِّد وجوب الرد إلى أولي الأمر ؛ قال تعالى :
﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾.
الرسول وأولوا الأمر المذكورون في هذا النّص القرآني ، هم الذين أوجب الله طاعتهم في آية الإطاعة - الآية 59 من سورة النساء.
فلو لم يكن الرد واجبا إلى أولي الأمر في آية الإطاعة لما كان هناك أي معنى أو فائدة لقوله تعالى : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ..... ". لأننا نجد دلالة النّصّ الواضحة على التشريك بين الرسول وأولي الأمر في حكم الرد ، بحيث صار من المُسَلَّمات والثوابت الشرعية.
وفي النص القرآني من التأنيب والتعريض ما لا يخفى على مُتدبِّر.
فكيف يقال بعد هذا : إن الشرع لم يوجب الرد إلى أولي الأمر ؟!

٣ - قرينة عقلية : إنّ الله لا يأمر أو ينهى إلا لحكمة ، ولا يتعبد خلقه بما لا مصلحة فيه، الله جلّ وعلا لا يمزح !. الحكمة من فرض طاعة أولي الأمر هي أنّهم خلفاء الرسول، يقومون مقامه صلى الله عليه وآله بعد موته ، فيثبت لهم حكم الرد إلى الرسول لأنّ الطاعة واحدة.
ولو لم يكن الرد إليهم واجبا لما عرفنا كيف نطيعهم، ولما كان هناك حكمة أو فائدة من فرض طاعتهم شرعا ، وهذا يؤدي إلى جعل الحكم التشريعي في الآية لهواً وعبثاً . تعالى اللهُ عن ذلك.
فلم يبق إلا الحكم، عقلاً، بوجوب الرد إليهم، لأنّ هذا هو مقتضى العدل الإلهي واللطف الربّاني.

٤ - قرينة حالية : مطابقة الكلام لمقتضى الحال

علمنا أنّ الغاية التشريعية والفائدة الجليلة التي جاءت بها آية الإطاعة هي إيجاب الطاعة لأولي الأمر؛ أما بالنسبة لطاعة الله وطاعة الرسول فنحن نعلم حكم وجوبها من آيات أخرى غير آية الإطاعة.
فلو لم يكن الرد إلى أولي الأمر واجباً لخرج الكلام عن مطابقته لمقتضى الحال ولأصبح التغريد خارج السرب ! وهذا يؤدي إلى فقدان قيمة الخطاب، ويحطّ تماماً من شأنه ، فيكون وجوده وعدمه سيّان.
فأنّى يكون ذلك والخطاب الذي بين أيدينا كلام الله عز وجل !.
هو في غاية الحسن والرفعة.
إنّ الرد إلى أولي الأمر واجبٌ، حكمه حكم الرد إلى الرسول، وما نَزَلتِ الآية إلّا من أجل خاطر عيون أولي الأمر !.
هذا هو المعنى المنسجم تماما مع قوانين الفصاحة وقواعد البلاغة.

٥ - قرينة عُرفية : لابد للخلق من حكومة ؛

المحذوف في هذا الموضع مقصود حقيقة، لأنّ الرد لا يصلح إلا إليهم، إذِ المعنى : فإن اختلفتم في أمر من الأمور فارجعوا به إلى ولاة أمركم، أي حكّامكم ؛ وحُكّامنا هم الرسول وأولي الأمر الذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول ، واحدا بعد واحد كل في وقته وزمانه.
والفرق بين هؤلاء الحكّام وبين غيرهم، أنّ هؤلاء يتمتعون بالشرعية، اختارهم الله قادةً للبشرية ، فمَن أطاعهم فقد أطاع اللهَ وهُدِيَ إلى صراط مستقيم.

٦ - قرينة نظمية :

إيجاز الحذف الواقع في الشطر نفسه، قال : " فردوه إلى الله والرسول " ولم يقل: فردوه إلى الله وردوه إلى الرسول ، وفقاً لِمَا عليه النظم المقرر في الطاعة، الوارد في صدر الآية. وهذا يفيد أنّ المعنى المراد هو : فردوه إلى مَن وجبت له الطاعة عليكم ؛ والطاعة قد وجبت لله وللرسول وأولي الأمر.
فالطاعة أصل والرد حكم مترتب عليها وفرع من فروعها، ولولا وجوب الطاعة لما وجب الرد أصلاً.

٧ - قرينة معنوية حرفية : حرف العطف (الفاء)

المقطع الثاني من الآية، بشطرَيهِ، معطوف على المقطع الأوّل، ولِحرف العطف دلالاته المعنوية في كلٍ من الشطرين.
الدلالة المعنوية لحرف العطف (الفاء) في الشطر الأول هي التشريك، والترتيب، والإيجاز ؛ أقصد التشريك بين قوله تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وبين قوله تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ".
حرف العطف الفاء أفاد التشريك والترتيب والإيجاز : -

١- التشريك :
أ - التشريك في الحكم : حكم الطاعة وحكم الرد
الرسول وأولوا الأمر مشتركون في حكم الطاعة ، طاعتهم واجبة، وهذا يستلزم التشريك بينهم في حكم الرد، فالرد إليهم واجب، وتم ذكر الرسول لكون ذكره الأصل.
كما أنّ الطاعة أصلٌ والرد فرع من فروعها وحكم مترتب عليها، فلا طاعة بدون رد لأنّ الرد هو التجسيد العملي للطاعة.
فإن لم يكن الرد إلى أولي الأمر واجباً يكون المكلف قد جهِل كيفية طاعتهم، وفي هذه الحالة لم تتحقق من المكلف طاعة أولي الأمر، وهذا باطل لأنّ الآية قد أوجبت لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول والمكلَّف مسؤول ومحاسَب على هذه الطاعة؛ فالرد إلى أولي الأمر واجب حكمه حكم الرد إلى الرسول صلىالله عليه وآله.
وبوجوب الرد يكون الله جلّ وعلا قد أخبرَنا كيفية طاعة الرسول و أولي الأمر.
ب - التشريك في المعنى : بين الطاعة وبين الرد
فالرد يعني إرجاع الشيء المتنازَع فيه إلى الحكام الشرعيين من أجل معرفة خبر ذلك الشيء والعلم بحكمه، ويترتب على هذا الرد وجوب الإتباع والتسليم لمن أوجب الله طاعته، فما بعد العلم والمعرفة إلا الإتباع ولزوم المهيَع الذي شرعه الله.
فالرد هو العمل، هو التجسيد العملي للطاعة ، طاعة الله وطاعة الرسول و أولي الأمر.
وبناءً على ذلك نعلم أنّ الرد معنى ً من معاني الطاعة. الطاعة هي العمل.
عرفتم فالزموا، فالمعرفة أو العلم تقتضي التنفيذ لمقتضاها، وإن لم يعمل العارفُ بما عَلِمَ عُـدّ جاهلاً ويُعامَل معاملة الجاهل.

٢ - الترتيب : وضع كلّ شيءٍ في مرتبته

قوله تعالى : ( إن تنازعتم ) معطوف على ( يا أيها الذين ءامنوا ).
وقوله تعالى : ( فردّوه ) معطوف على ( أطيعوا )

فطاعة الله يترتب عليها الرد إلى كتاب الله، وطاعة الرسول وأولي الأمر يترتب عليها الرد إلى الرسول وأولي الأمر، بالترتيب والتعاقب، كلٌ في زمانه وحياته ، واحداً بعد الآخر.

هذا هو الذي يفيده حرف العطف، حرف العطف الفاء، يفيد الترتيب، وتم الحذف لأغراض بلاغية وتشريعية.
وحمل المعنى على خلاف الدلالة المعنوية لحرف العطف يستلزم أن يكون الحذف في هذا الموضع قبيحاً رديئاً، مخِلّاً بالنظم والبلاغة، مفسِداً لمعنى الخطاب، فيكون ذلك من أكبر المطاعن على القرآن الكريم، وذلك لا يقول به إنسان عرف أساليب اللغة العربية وفنونها، وعرف جلالة القرآن ومرامي أرباب الفصاحة والبيان.

٣ - الإيجاز أو الاختصار : نوعه إيجاز حذف وإيجاز قِصَر، إيجاز قصر في لفظ " الرسول " وإيجاز حذف في لفظ "أولي الأمر" ، ووقع الإيجاز لأنّ " أولي الأمر " قد تقدّم ذِكرُهم في مطلع الآية، واستخدام حروف العطف أسلوب يستعمله البلغاء عند إرادة الإيجاز والاختصار.
ولمّا كانت طاعة الرسول وأولي الأمر واحدة كان الرّد إلى أحدِهم كافياً لإثبات المقصود، وهذا النّوع من الحذف يسمّى حذف اكتفاء.
(أنظر معجم الكليات للكفوي).

والحذف في هذا الموضع أبلغ من الذِّكر وأفصح لأنّه تضمّنَ الكثير من الفوائد الشرعية والمعرفية.
ولو لم يتم الحذف في هذا الشطر لصار النظم على هذا النحو :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".

ولا شك أنّ نظماً كهذا يستنكره اللّسان العربي والذوق السليم،
وذلك للأسباب التالية : -
*كونه إطناباً مملاً لا فائدةَ فيه ، وتم الحذف احترازاً من العبث، التطويل والحشو.
* كونه يُفقِدُ النصَّ القرآني َّ ما فيه من البهجة والحلاوة والطلاوة، وقد قيل : رب حذف هو قلادة الجيد وقاعدة التجويد.
* كونه يؤدي إلى فقدان الفوائد الجليلة للحذف، ونحن ذاكروها لك إن شاء الله.

٨ - قرينة صرفية :

الرسول، من الناحية الصرفية ، لفظ يستوي فيه المفرد والجمع، ( رسول ) على وزن (فَعُول) ؛ من صيغ المبالغة.

قال تعالى : ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
لم يقل : رُسُل ؛ لأنّ رسول على وزن فعول يستوي فيه المفرد والجمع.
قوله تعالى : ﴿ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ﴾ هو بمنزلة : ﴿ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ﴾.
يجب الإيمان بجميع الرسل دون استثناء ، صلوات الله عليهم أجمعين.

وبناءً على ذلك، فإنّ الرد إلى الرسول = الرد إلى الرسل = الرد إلى أولي الأمر ؛ كلّ رسولٍ يعتبر وليَّ أمر القوم الذين بُعِث فيهم.
الرسل أنبياء ، وفي الوقت نفسه ، هم أولوا أمر.
و " أولوا الأمر " لفظ يستوي فيه المفرد والجمع.

وبالمحصلة ، فإنّ الرد إلى رسولنا = الرد إلى أولي الأمر منا.

" منكم " في الآية ، بيانية ، أي من المسلمين وليس من اليهود أو النصارى.
وأولوا الأمر منّا هم الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وأولوا الأمر الذين أوجب الله طاعتهم في الآية.

النبوة قد ختمت ولا نبوة بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله ، أمّا الولاية فإنّها باقية مستمرة بعد رحيل الرسول عن هذه الدنيا.

وسيّد المرسلين هو وليّ أمر المؤمنين في حال وجوده وحياته ، فإن مات أو قتل صارت الولاية لأولي الأمر المجعولين خلفاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفقاً لمقتضى الآية الشريفة.

٩ - قرينة ترتيبية : والمقصود هنا الترتيب اصطلاحاً :
(جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد ، ويكون لبعض أجزائه نسبةً إلى البعض بالتقدم والتأخر )
(معجم التعريفات - علي الجرجاني ).

فالرسول لفظ واحد جُعِلَ فيه الكثير من الصفات الحميدة والمعاني الشريفة الدالة على أكثر من مقصود، وهو لفظ يستوي فيه الواحد والجمع ؛ كما أن أولي الأمر يستوي فيه الواحد والجمع، والعامل المشترك الجامع للرسول وأولي الأمر هو الولاية بخصائصها وصفات استحقاقها ؛
ولا اختلاف بينهم إلا في أن الرسول يتمتع بالمنزلتين معاً، منزلة النبوة ومنزلة الولاية، وفي أن ولايته متقدمة زماناً على ولاية أولي الأمر، فهو صلى الله عليه وآله إمام الحكام وولي الأمر في زمانه، فإن مات أو قتل انتقلت الولاية إلى أولي الأمر بالترتيب ، إمام بعد إمام كل في زمانه وحياته.

الترتيب في الاصطلاح يماثل مفهوم إيجاز القصر، غير أن الترتيب يتميز بأنّ المفرد والجمع فيه سواء.

وعليـــه، فإنّ الرد إلى الرسول معناه الرد إلى أولي الأمر، واحداً بعد واحد وفق الترتيب الذي رتبهم الله فيه.

١٠ - قرينة نحـويـــة : عِـلم النّحو،

الفعل " رَدّ " من أفعال التصيير أو التحويل، ينصب مفعولين.
ومن القواعد النحوية المتعلقة بهذه الأفعال أنه :
( يجوز حذف أحد المفعولين أو كليهما إذا اقترن الكلام بما يدل على الحذف )
(أنظر : مختصر النحو - د . عبد الهادي الفضلي).

ووفقاً لهذه القاعدة النحوية ، يتضح جلياً أنّ المعنى هو :

" فردّوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منكم ".
وهو مؤلَّف من فعل التحويل + مفعولين.

فعل التحويل : " فردوا ". ينصب مفعولين.
" الواو " : ضمير متصل في محل رفع فاعل.
" الهاء " : ضمير مبني في محل نصب مفعولٌ به أوّل.
الضمير يعود على " شيء ".
" الله والرسول وأولي الأمر" : في محل نصب مفعولٌ به ثانٍ.
وتمّ حذف " أولي الأمر" لأنّ ذلك جائز مع أفعال التحويل إذا توفرت القرائن الدالة على الحذف ؛ والقرائن هاهنا موجودة ، وهي كلّ ما ذكرناه آنفاً.
فآية الإطاعة في غاية الحسن والفصاحة.

الرد إلى أولي الأمر واجب تماماً، حكمه حكم الرد إلى الرسول، فما ثبت للرسول من الأحكام الشرعية الخاصة بالولاية يثبت تماما لأولي الأمر المعصومين.

وقد ذكرنا آنفاً أنّ المقطع الأول يعتبر الأساس الذي انبنى عليه بقية الخطاب في الآية الشريفة.
" قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون ".

الوجه الثالث : قرينة معنوية بلاغية

التورية في لفظ الرسول . قال : " فردوه إلى الرسول " ولم يقل : فردوه إلى النبي؛ لأنّ " الرسول " لفظٌ له معنيان، الأول قريب إلى الذهن غير مراد وهو النبيّ، والآخر بعيد عن الذهن هو ولي الأمر وهو المعنى المراد.
إذاً، الرسول هو " النّبيّ " : المعنى غير المراد في الشطر.
الرسول هو " وليّ الأمر" : المعنى المراد في الشطر.

فمعنى الرد إلى الرسول هو : الرد إلى وليّ الأمر، كلّ في حال حياته وزمانه، ابتداءً بالرسول (وانتهاءً بآخر وليّ أمر أوجبَ اللهُ طاعته في آية الإطاعة.
تماماً كما أوضحنا ذلك بالأدلة المذكورة آنفاً.

وهذا الوجه البلاغي يوضح التغاير المعنوي بين لفظ " الرسول " ولفظ " النبي ".
أي أنّ الرسول نبيٌّ ووليُّ أمر، أمّا النبي فليس كذلك، النبي ليس وليّ أمر.
وسوف نؤكد هذا المعنى بمزيد من الأدلة :

١ - أوجب الشرع للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، فلو كانت طاعة الرسول واجبة لكونه نبياً على وجه الخصوص لما صحّ إيجاب الطاعة نفسها لأولي الأمر، لأنهم ليسوا أنبياء. لا نبوةَ بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.

٢ - القرآن الكريم عندما يذكر لفظ النبي، ويريد التعبير عن ولايته فإنّه يضيف كلمة أولى إلى لفظ النبي.
يقول تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾.
ويقول :
﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.

" النبي أولى بالمؤمنين. هذا النبي أولى بإبراهيم ".
وهذا يفيد أنّ لفظ " النبي " لِوحده لا يدلّ على معنى الولاية.
٣ - إنّ الله أعطى إبراهيم عليه السلام الولاية، وجعله إماماً بعد أن كان نبياً، فلو كان عليه السلام وليّ أمر الناس حال نبوته لما كان هناك وجه صحيح لقوله تعالى : ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾.
لأنّ هذه الآية الشريفة ـ إني جاعلك للناس إماما - أفادت أنّ الله جلّ شأنه آتى إبراهيمَ عليه السلام الحُكمَ، أي الولاية، فأكرمه الله بالمنزلتين معا : النبوة والإمامة.

وبالإمامة صار إبراهيم عليه السلام رسولاً نبياً، ولم يكن قبل ذلك كذلك ؛ كان نبياً فقط.

٤ - القرآن الكريم يؤكد التغاير المعنوي بين الرسول والنبيّ :

قال تعالى : ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴾.
قال تعالى : ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴾.
وقال تعالى : ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ﴾.

نجد في هذه الآيات ونظائرها أنّ القرآن الكريم يأتي باللفظين معاً، الرسول والنبي، نظراً لوجود التغاير في المعنى بين اللفظين.
لأنّه لو كان معنى الرسول هو نفسه معنى النبي في الآيات المتضمنة للفظين معاً لأصبح معناها : وكان رسولاً رسولاً أو وكان نبياً نبياً !.
وهذا المعنى ضعيف ، يتعارض تماماً مع بلاغة اللسان العربي ، لأنّه ترادف لا معنى له ، وإطناب لا فائدة فيه.

إنّ القرآن العظيم يستوقف عقول المخاطبين وأذهانهم، وكأنّه ينادي : انتبهوا ودقّقوا في الدلالات، هناك فرق معنوي بين لفظ الرسول ولفظ النبي، ليجعل المخاطبَ اللبيب مدركاً للدلالات اللفظية . وهذا مما يؤكد التغاير في المعنى.
" الرسول " لفظ يدل على الرئاسة العامة والسيادة التامة.
الدلالة المعنوية للفظ الرسول هي ولاية الأمر.

ووفقاً لهذا المعنى الشريف ، تكون آية الإطاعة قد حدّدت الضابط الرئيس والفرق الجوهري بين الرسول والنبي.
هذا الضابط هو الولاية ، الإمامة : الرئاسة العامة في الدِّين والدّنيا ، والأولوية في التصرف، وتدبير شؤون الحكم وحق الأمر والنهي.

فالرسول نبيّ ووليّ أمر، أي اجتمعت له المنزلتين معاً : النبوة والولاية.
وكلّ نبيٍّ ثبتت له الإمامة فهو رسول نبيّ ، مالم فإنّه يبقى نبيّاً وحسب.
لذلك يُقال : كلّ رسولٍ نبيّ وليس كل نبيٍّ رسولاً.

وبناءً على ذلك، يتضح أنّ الرد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وآله، ولزوم الأخذ منه ، والخضوع لِحُكْمه ، واتّباعه في جميع أوامره ونواهيه ، واجبٌ في المقام الأول لكونه وليّ أمر معصوماً ، ولا خصوصية في كونه نبياً.
والرسول صلى الله عليه وآله هو وليّ الأمر منذ نزول القرآن وحتى رحيله عن الدنيا، وبوفاته تصير الولاية حقاً لأولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم في الآية المباركة.

إنّ النبوة قد رُفِعَت وخُتمَت، أما الولاية فإنها باقية، متواصلة بعد الرسول، تنتقل منه صلى الله عليه وآله إلى الأئمة الشرعيين الذين أوجب الله ولايتهم في محكم التنزيل.
إنّ الله جلّ شأنه حكيم عدل، لا يوجب الطاعة لأحدٍ لهواً وعبثاً، ولا يوجبها لمجهولين، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

وبناءً على كل ما سبق من الوجوه، والقرائن، والشواهد يتضح جلياً أنّ الرّد إلى الرسول يعني الرد إلى أولي الأمر، واحداً بعد الآخر وفق الترتيب الذي رتبهم الله فيه، ابتداءً بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وانتهاءً بآخر إمام وجبت له الطاعة في الآية.
فالمعنى المقصود في الخطاب القرآني هكذا :
" فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى وليّكم ". أي الأَولى بكم الذي وجبت له الطاعة عليكم ، الله والرسول وأولي الأمر المعصومين.
أو
" فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى إمامكم " :
إلى كتاب الله والرسول والأئمة المعصومين ".

قال تعالى :
﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ ﴾.

القرآن الكريم إمام لأنّه متبوع ، مطاع في جميع أمره ونهيه وله الكلمة العليا، فهو كلام الله عزَّ وجلّ.
القرآن الكريم إمامٌ هادٍ له قائدٌ يهدي به وهو الرسول والأئمّة الذي أوجب الله طاعتهم.

.............................


وتستمر الحكاية .............


الفوائـــد المترتبـة على الحذف ......


رد مع اقتباس