عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/10/30, 07:42 PM   #1
العقيلة

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3785
تاريخ التسجيل: 2015/04/19
المشاركات: 805
العقيلة غير متواجد حالياً
المستوى : العقيلة is on a distinguished road




عرض البوم صور العقيلة
افتراضي مائدة من السماء

مائدة السماء
نجد أن سورة قرآنية كاملة ، وهي آخر سور القرآن الكريم التي نزلت على صدر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي التي ‏تنسخ سائر السور ولا ينسخها شي‏ء ، قد سميت باسم سورة المائدة ، وذلك لقصة تأريخية محورها نبي اللَّه عيسى بن مريم‏ عليهما السلام والحواريون الذين نصروا نبيهم وكانوا بيضاً في ظاهرهم وباطنهم ، حيث اجتمعوا حول نبيهم قائلين له : ﴿ ... هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ... ﴾ 12. وهذه المقولة رمز لتلكم الفكرة الجميلة التي تتنزل من‏السماء فيجتمع الناس حولها .
ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى أن تساؤل الحواريين بقولهم هل يستطيع ربك لا يعني تشكيكهم أو كفرهم بقدرة اللَّه ‏سبحانه وتعالى ، بقدر رغبتهم في معرفة هل أن ما يطلبونه مناسب إلى اللَّه . . .
وكان أول شي‏ء واجههم به النبي عيسى‏عليه السلام هو قوله : ﴿ ... اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ 12أي أنكم إذا كنتم تريدون‏ مائدة من السماء فعليكم بالتمحور حول مبدأ وثقافة التقوى التي هي أفضل مائدة وأطيب كلمة .
ولم يكن أمام الحواريين الذين تربوا في ظل الرعاية النبوية إلاّ التسليم لهذه الحقيقة الربانية ، ولكنهم في الوقت نفسه‏ تمادوا في الاستكثار من الطلب ، حيث طلبوا إلى نبيهم أن يسأل اللَّه لأن ينبئهم بقبول تقواهم وعبادتهم فينزل عليهم‏ المائدة لكي تتجسد التقوى في شي‏ء ملموس يرونه ، فكان أن قالوا :
1 ـ ﴿ ... نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا ... ﴾ 13ومن الطبيعي أنهم لم يكونوا جياعاً حتى يطلبوا أكلاً لمجرد إشباع بطونهم ، بل إن‏ الأكل من المائدة السماوية الإلهية ليتجسد لديهم رمز المحبة بينهم وبين اللَّه . وبعبارة أخرى ؛ إنهم طلبوا من النبي‏ عيسى‏ عليه السلام أن يحملهم إلى ضيافة اللَّه بشكل مباشر وملموس ، تماماً كما يستضيف اللَّه أمة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان ‏الكريم ، حيث يضاعف اللَّه على المسلمين بركاته ونعمه ورحماته في شهر الصيام .
2 ـ والأهم من الأكل الظاهري هو أنهم قالوا : ﴿ ... وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ... ﴾ 13 إذ نحن ـ الحواريون ـ مؤمنون بأنك روح ‏اللَّه وكلمته وأن الكتاب والحكمة قد أنزلها اللَّه عليك ، ولكننا نريد تكريس هذا الإيمان . فأن يسعى المرء إلى حقيقة يطمئن إليها قلبه ، فإنه في واقع الأمر يسعى إلى هدف مقدس .
3 ـ وبعد اطمئنان القلب ؛ قلب الحوارين لنبيهم ﴿ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ 13فإنك ـ يا نبي اللَّه ـ حينما بشرتنا بالجنة ، نريد أن نرى شيئاً منها على هذه الأرض ، وهذه كلها رموز لها مصاديقها ، تماماً كما بشر رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بالجنة وبشرهم أيضاً بأنهم ‏سيكونون ملوكاً في الأرض أيضاً ، وقد تحقق لهم ذلك ، فصدقهم الرسول .
4 ـ وحينما يطمئن القلب ، ويتضاعف الإيمان بمزيد من العلم ، وتشبع البطن ، ويقوى الجسم ، هنالك يتوجب على المرء أكثر من أي وقت مضى أن يقوم بدوره التأريخي ، فيكرس كل جهده ليرفع راية كلمة السماء الطيبة ، فيشهد لها بين‏ الناس ويحثهم على اتخاذها محوراً في حياتهم .
5 ـ وحينما اطمأن النبي عيسى‏عليه السلام إلى عهدهم دعا ربه بقوله : ﴿ ... اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ ... ﴾ 14نظراً إلى أن إطمئنان القلب وتضاعف الإيمان وقوة الجسم يعني تجدد الحياة ، وهذا هو معنى العيد والعودة إلى ممارسة الواجبات وتحقيق المسؤوليات . وها هم المسلمون حينما يلتزمون بواجبات ‏شهر الصيام ويستوعبون القدر الممكن من حكمته فإنهم يحتفلون بالعيد ، ليس لانتهاء أيام هذا الشهر الكريم ، وإنما لأنهم تزودوا منه بخير الزاد ، فتراهم يعودون إلى تحقيق وتطبيق ما تعلموه من مفاهيم ربانية طيلة الشهور القادمة حتى ‏يحل عليهم شهر رمضان آخر فيعيدون الكرة من جديد . . .
ولم يكن طلب النبي عيسى‏عليه السلام ـ الناطق باسم الحواريين ـ من ربه مجرد طلباً مؤقتاً ، بقدر كونه طلبه أبدياً يعم أول ‏المؤمنين كما يعم آخرهم إلى يوم القيامة ، حيث تكون قصة نزول المائدة مبعثاً للأجيال لأن يتذاكرونها فيزداد ايمانهم‏ و حيويتهم .
6 ـ﴿ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ 15وهذا قانون سماوي صارم لا يقبل التغيير والتبديل مطلقاً .
بعد هذه الاطلالة القرآنية على ما دار بين النبي عيسى‏عليه السلام وحواريه ، لابد أن نقول : إن النبي عيسى‏عليه السلام وقصته ليس‏ للمسيحيين فقط ، كما أن النبي موسى‏عليه السلام وسيرته ليسا حكراً على اليهود ؛ بل وحتى رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم ليس للمسلمين ‏فقط ، وإنما هو رحمة للعالمين .
إن أساس الحكمة الربانية من بعثة النبي عيسى خصوصاً والديانة المسيحية عموماً إنما يكمن في التبشير بخاتم الأنبياء و الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قال اللَّه تعالى في ذلك : ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ 16. فكان دوره الأول البشارة ودوره الأخير هو البشارة أيضاً ، حيث سيأتي يوم ينزل اللَّه‏ فيه النبي عيسى‏عليه السلام من جديد ليبشر الناس بظهور الإمام الحجة المهدي عجل اللَّه فرجه الشريف ، وهذه هي حكمة خلقة وبعثة النبي عيسى‏عليه السلام .
وعليه فإن الديانة المسيحية ليست إلاّ تمهيداً للديانة الإسلامية ؛ أي ان الديانة المسيحية كلما توسعت كلما تضاعفت ‏فرص انتشار الدين الإسلامي ، لذلك تجد القرآن الكريم يذكرنا بأن أقرب الناس إلى المسلمين هم . ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ 17لأن فيهم قسيسين يقرؤون الكتاب ويصبحون ‏من ذوي العلاقة بالإسلام .

السيد محمد تقي المدرسي
جزء من مقال




lhz]m lk hgslhx ghzpm hgsghl



رد مع اقتباس