عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/06/14, 04:00 PM   #3
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

السؤال: الأدلّة على جواز اللطم ونشوئه
اللطم أثناء المأتم الحسيني، ما هو الدليل الشرعي عليه؟ وبداية نشوئه في أيّ فترة من التاريخ الإسلامي؟
الجواب:

من الأدلّة على جواز اللطم في المجالس الحسينية هو الحديث الوارد عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)؛ فإنّه فيه مأجور)(1)، واللطم نوع من الجزع.
ولا يخفى عليكم، أنّ النهي عن الجزع نهي تشريعي، وليس نهياً تكوينياً، وبالتالي فهو قابل للتخصيص، وقد ورد تخصيص من الشارع المقدّس لعموم النهي عن الجزع، هذا أوّلاً.
وثانياً: لأصالة الإباحة؛ فطالما لم يكن في اللطم ضرر، فمقتضى أصل الإباحة هو عدم الإشكال في اللطم ما لم يرد نهي.
وثالثاً: اللطم على مصائب أهل البيت(عليهم السلام) يدخل في باب تعظيم الشعائر، وشدّ الناس إلى قضية الإمام الحسين(عليه السلام) التي هي قضية الإسلام.
وأمّا بداية نشوئه، فالظاهر أنّه عريق، كما يبدو من بعض الحوادث التي يذكرها ابن الأثير في (تاريخه)، فقد ذكر في الحوادث الواقعة في القرن الرابع والخامس الهجري، أنّه وقع خلاف وصدام بين الشيعة والسُنّة، بسبب بعض أعمال يوم عاشوراء من اللطم وغيره(2).

(1) كامل الزيارات: 201 الباب (32) حديث (286).
(2) انظر: الكامل في التاريخ 8: 549 حوادث سنة 352هـ، 8: 558 حوادث سنة 353هـ، 9: 155 حوادث سنة 389هـ.

تعليق على الجواب (1)
عن أبي عبد الله(عليه السلام): (لا ينبغي الصياح على الميّت، ولا تشقّ الثياب)(الكافي 3/225، وسائل الشيعة 2/916).
عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: (لا يصلح الصياح على الميّت، ولا ينبغي، ولكن الناس لا يعرفون)(الكافي 3/226، الوافي 12/88، وسائل الشيعة 2/916).
عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: (صوتان ملعونان يبغضهما الله: إعوال عند مصيبة، وصوت عند نغمة، يعني: النوح والغناء)(مستدرك الوسائل للنوري 1/144، بحار الأنوار 82/101).
عن أبي سعيد: أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لعن النائحة والمستمعة) مستدرك..
أخي العزيز! ما أوردته نهياً عامّاً عن اللطم، وإذا كان اللطم سيّئاً فسيكون سيّئاً حتّى على الحسين، وإلاّ لماذا نهى الله عنه؟ وقولك: لا يضرّ، غير صحيح؛ فله عدّة أضرار، منها: إيذاء الجسد، والاساءة لآل البيت والمسلمين؛ حيث أنّ المشهد غير حضاري، وأيضا أنّه: بدعة، وهذا أهم، وأنا أعتبر كلّ شيء لم يأتِ به رسول الله بدعة؛ لأنّه أكمل الدين، ولم يبق لمن جاء بعده إلاّ الطاعة.
الجواب:

ينبغي الالتفات إلى أنّ اللطم على الإمام الحسين(عليه السلام) ليس هو لطماً لأجل مقتل شخص مسلم عادي؛ فالحسين(عليه السلام) هو إمام المسلمين وقدوتهم، وخليفة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو يمثّل الإسلام... وحينئذٍ فإنّ ورود الاستثناء بشأن اللطم عليه له ما يبرّره.
مع أنّ المسألة ليست استحسانية حتّى يسوغ لك المقارنة بين الإمام الحسين(عليه السلام) وسائر الناس! وإنّما ورد النهي عن اللطم على الميّت؛ لأنّه غالباً ما يكون مصاحباً للجزع وعدم التسليم والرضا بالقضاء.. وهذا العنصر مفقود في حال اللطم على أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)؛ لأنّ الجزع عليه ليس اعتراضاً على القضاء، بل إشفاقاً على الدين وإمام المسلمين والقرآن الناطق، ومن هو بمنزلة لحم ودم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل نفسه كما يدلّ عليه قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (حسين منّي وأنا من حسين)(1).. فيرجع الأمر في النهاية إلى التعلّق بالدين والمودّة لآل البيت الطاهرين(عليهم السلام) والتعبير عن الولاء لهم؛ فتأمّل!

(1) مسند أحمد بن حنبل 4: 172، سنن الترمذي 5: 324 حديث (3864)، المستدرك على الصحيحين 3: 177، مجمع الزوائد 9: 181.

السؤال: مشروعية اللطم
بحثت عن إجابة لأسئلة تقدّم بها صديق لي من إخواننا السُنّة، وهو زميل لي بالعمل.. وكان السؤال عن مشروعية اللطم على الحسين خاصّة وأهل البيت عامّة.. بعدما أجبته عن كثير من الأسئلة المتعلّقة بمذهب أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..
وأتيت إلى صفحتكم المباركة في (إقامة المجالس لأحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام)/اللطم على الصدور)، ولكنّي لم أستشف ما أرجوه لكي أنقله إلى صديقي وأخي السُنّي..
لذلك أرجو إذا تكرّمتم علَيَّ بالإجابة الوافية حول مشروعية اللطم والاستدلالات المستند عليها في فقه الشيعة؟
الجواب:

الاستدلال على مشروعية اللطم يتم من خلال نقاط:
أولاً: إنّ الأصل في الأشياء: الإباحة، أيّ: أنّ كلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة ونهي، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم من أنّ الأصل في الأشياء الحرمة. فإنّ أصالة الإباحة أصل أُصّل في علم أُصول الفقه، فيه بحوث علمية لا يعرفها أبناء المذهب المخالف - ويمكنك اطّلاعهم عليها - .. وعليه فإنّ مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل، وليس العكس.
ثانياً: بل إنّ اللطم على الإمام الحسين(عليه السلام) مستحبّ؛ لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر الله (( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) (الحج:32)، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر الله، فإنّ يوم الحسين يوم من أيام الله بلا جدال.
ثالثاً: ولكن مع كلّ هذا فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات، التي فيها إقرار اللطم على الحسين(عليه السلام) والمعصومين(عليهم السلام)، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم: (برزن من الخدور، ناشرات الشعور، على الوجوه لاطمات)(1)؛ إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدين(عليه السلام) زمن الحادثة الدال على تقريره.
وأيضاً ما رواه الصدوق من أنّ دعبل الخزاعي لمّا أنشد الإمام الرضا(عليه السلام):
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنـده ***** وأجريت دمع العين في الوجنات
لطمت النساء وعلا الصراخ من وراء الستار، وبكى الإمام الرضا(عليه السلام) حتّى أُغمي عليه مرّتين(2)، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى؛ إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكره(عليه السلام).
وفي (التهذيب) عن الإمام الصادق(عليه السلام): (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشقّ الجيوب)(3).
وقال في (الجواهر): ((إنّ ما يحكى من فعل الفاطميات... ربّما قيل: إنّه متواتر))(4).
وفي (اللهوف) لابن طاووس: إنّه لمّا رجع السبايا إلى كربلاء: ((فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد وردوا لزيارة قبر الحسين(عليه السلام): فوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، إجتمع إليهم نساء ذلك السواد، فأقاموا على ذلك أيّاماً))(5).
ومن المعلوم أنّ الإمام السجّاد(عليه السلام) كان معهم.
وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسين(عليه السلام)، وفسّر الإمام الباقر(عليه السلام) الجزع بقوله: (أشدّ الجزع: الصراخ بالويل والعويل، ولطم الوجه والصدر)(6).
وغيرها من الروايات. أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم!!!
نعم إنّ ذلك مختصّ بالإمام الحسين(عليه السلام)، كما ذكر الفقهاء.
ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي، منها:
1- أنّه إلقاء في التهلكة، وقد قال جلّ وعلا: (( وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَى التَّهلُكَةِ )) (البقرة:195)، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة، ولو سلّمنا فإنّه ليس في ما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا. وإن حدث حادث في بعض الحالات النادرة، أي: إن مات أحدهم مثلاً، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً؛ فهو كما يتّفق في كلّ شيء مباح، مثل: ركوب السيارة مثلاً.
2- أنّه إضرار بالنفس، والإضرار حرام، مع أنّه لم يثبت حرمة كلّ إضرار بالنفس، بل الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ. والعقلاء يُقدِمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر، بل قد يُقدِمون على أمور فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
3- أنّ هذه الممارسات ومنها: اللطم، فيها توهين للمذهب.
وجوابه: إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف، وإنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف من صدق التوهين هنا أو لا؟ ولو أردنا مجاراة كلّ من خالفنا وشنّع علينا ممارساتنا الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء، حتّى الحجّ والصلاة.
4- قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة، ولكن تعريف البدعة هو: إدخال في الدين ما ليس من الدين (أو ليس منه)(7)، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه وأنّه من الدين.

(1) المزار: 504 زيارة أُخرى يوم عاشوراء.
(2) انظر: عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 154 حديث (8)، 294 حديث (34)، 297 حديث (35).
(3) تهذيب الأحكام 8: 325 كتاب الأيمان والنذور والكفّارات حديث (1207).
(4) جواهر الكلام 4: 371.
(5) اللهوف في قتلى الطفوف: 114.
(6) الكافي 3: 222 كتاب الجنائز باب (الصبر والجزع والاسترجاع)، وسائل الشيعة 3: 217 حديث (3625).
(7) انظر: المحصول 2: 298، الحدائق الناضرة 8: 311.

لسؤال: اللطم جائز للإقرار وللأصل
من المتعارف عليه بين أبناء الشيعة الإمامية إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، ويصاحب ذلك في كثير من الأحيان اللطم، أو ما عرف بالعزاء.
وهو إنشاد القصائد الرثائية في أهل البيت، ويصحب ذلك اللطم على الصدور، وحسب اطّلاعي المتواضع، فإنّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا يحيون هذه الأيّام، ولكن لم يرد بأنّهم كانوا يلطمون على صدورهم، أو كانوا يحثّون على ذلك، ولو كانت هذه العادة هي شعيرة خاصّة، أو لها أهمّية لجاءت أخبار الأئمّة بالحثّ عليها، بل ربّما هناك ما يتعارض مع مثل ذلك.
فنحن نعرف وصية الإمام الحسين(عليه السلام) لأخته زينب(عليها السلام) ليلة العاشر: بأن تتعزّى بعزاء الله، ولا تشقّ عليه جيباً، أو تلطم عليه خدّاً... مع أنّ السيّدة زينب ليست بحاجة لذلك، إلاّ أنّ الإمام ربّما قال لها ذلك من باب: إيّاك أعني واسمعي يا جارة.
كذلك سمعت من البعض: بأنّ أوّل ظهور لهذه العادة كان في عصر الشيخ المفيد، وكان الشيخ يقف موقفاً سلبياً ممّن يمارسون هذه العادة.
أودّ أن أسمع تعليقكم حول هذا الموضوع بالتفصيل؟ شاكراً ومقدّراً لكم.
الجواب:

نلخّص الجواب في نقاط:
أولاً: هناك كلّية صحيحة يُرجع إليها في الاستدلال، وهي: كُلّ ما يأمر به، أو يحثّ عليه، أو يفعله، أو يقرّه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو الإمام(عليه السلام) فهو جائز بالمعنى العام، أي: أعمّ من الواجب والمستحبّ والمباح.
وهناك قضية يأتي بها المغالطون كثيراً على أنّها كلّية صحيحة يمكن الاستدلال بها، ليموّهوا على مناقشيهم بنوع من المغالطة، وهي: إنّ كُلّ جائز - وليس الواجب - يجب أن يفعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو الإمام(عليه السلام)، وهي عكس الأُولى، وهذه الكلّية غير صحيحة وباطلة، ولم تثبت لا عقلاً ولا شرعاً.
ومن راجع علم المنطق يعرف: إنّ العكس المستوي في الموجبة الكلّية يكون موجبة جزئية، فعكس القاعدة الأُولى: كُلّ ما يفعله الإمام فهو جائز، وهي موجبة كلّية، يكون: بعض ما هو جائز يفعله الإمام، وهي موجبة جزئية، ثمّ إنّه لم يثبت في الشرع أنّ كُلّ شيء جائز - سواء كان مستحبّاً أو مباحاً - يجب أن يفعله الإمام.
ملاحظة: نحن اقتصرنا في القضية على فعل الإمام(عليه السلام)؛ لأنّ المخالفين الذين يتعمّدون المغالطة يحتجّون دائماً علينا بأنّ الإمام لم يفعل كذا، ولم يفعل كذا، فهو غير جائز، ولا يحتجّون علينا بعدم فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ نادراً.
أمّا نحن، فإنّ هذه القاعدة واضحة عندنا، فلا نحتجّ عليهم بعدم فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لشيء لإثبات عدم جوازه إلاّ من باب النقض.
ومن هنا عرفت الجواب على كُلّ من يعترض على فعلٍ ما بأنّ الإمام(عليه السلام) لم يفعله، أو لم يثبت فعله له، ومنها: الاستدلال بعدم فعل الإمام(عليه السلام) للّطم.
ثانياً: تبيّن أنّ إقرار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو الإمام(عليه السلام) لفعل ما يدلّ على جوازه بالمعنى الأعم، ولا يثبت به الوجوب، فهو يحتاج إلى دليل آخر.
وفي موردنا جاءت عدّة روايات تثبت إقرار الإمام(عليه السلام) لِما فعله الآخرون من اللطم أمامَه، أو لم ينكر على من ذكر اللطم على الإمام الحسين(عليه السلام)، ويبيّن له المنع من ذلك..
منها: ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق(عليه السلام): (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ(عليه السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشقّ الجيوب)(1).
ومنها ما رواه الشيخ الصدوق: إنّ دعبل الخزاعي أنشد الإمام الرضا(عليه السلام) قصيدته التي فيها:
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
إذاً للطمت الخدّ عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجنات(2)
فلم يعترض عليه الإمام(عليه السلام) بأنّ فاطمة(عليها السلام) لا تفعل الحرام، وهو اللطم، بل بكى(عليه السلام).
ومنها: ما ورد في زيارة الناحية المقدّسة: (فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا، ونظرن سرجك عليه ملويّا، برزن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، الوجوه سافرات، وبالعويل داعيات...)(3)، وغيرها.
ثالثاً: إنّ استنباط الحكم الشرعي لقضية معيّنة يتمّ من خلال قواعد مقرّرة في أُصول الفقه وعلم الفقه، ويستدلّ بها من القرآن والسنّة والعقل والإجماع، ولا ينحصر الدليل بقول المعصوم أو فعله، وإذا فقد الدليل من هذه الأربعة يرجع إلى الأُصول العملية التي تحدّد الوظيفة العملية للمكلّف باتجاه هذه القضية.
وقد قرّروا أنّ الأصل في الأشياء: الإباحة ما لم يأتِ فيه تحريم، فإذا سلّمنا بفقد الدليل على اللطم، نرجع إلى هذا الأصل الأوّلي فيه، وهو: الإباحة، ولم يثبت في هذه القضية أصل ثانوي من أنّه إضرار بالنفس، وعلى فرض ثبوته فليس كُلّ ضرر - وإن كان لا يعتدّ به - حراماً.
رابعاً: ومثل هذا يثبت بخصوص خروج المواكب في الطرقات وإنشاد المراثي، على أنّ شعائر خروج المواكب في الطرقات كان من عهد البويهيين في بغداد في القرن الرابع الهجري، وهو عصر علماء عظام من الإمامية - كالمفيد وابن قولويه والمرتضى والرضي - ولم يُسمع من أحد منهم الاعتراض والنهي عن ذلك، ولم نعرف المصدر الذي نقلت منه موقف الشيخ المفيد السلبي بخصوص ذلك، فنرجو أن تذكر المصدر حتّى ننظر فيه.
خامساً: وأمّا ما أوردته من الرواية عن الإمام الحسين(عليه السلام) يخاطب زينب(عليها السلام): بأن تتعزّى بعزاء الله، ولا تشقّ عليه جيباً، أو تلطم عليه خدّاً...، فإنّ متن الرواية هكذا، كما في (اللهوف) لابن طاووس (ت664هـ): (انظرن إذا أنا قتلت، فلا تشققن عليّ جيباً، ولا تخمشن عليّ وجهاً...)(4)، ومثله في (الفتوح) لابن أعثم (ت314هـ)(5).
وليس فيها: ((ولا تلطمن عليّ خدّاً)) حتّى تستدلّ بها على النهي عن اللطم.
بل عن رواية الأقدم منهما، وهو: أبو مخنف - المتوفّى (ت158هــ) - عن الحارث بن كعب وأبي الضحّاك، عن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)؛ أنّ المخاطبة كانت زينب(عليها السلام)، إذ قال لها الحسين(عليه السلام): (يا أُخية! إنّي أُقسم عليك فأبري قسمي: لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور، إذا أنا هلكت)(6).
مع ملاحظة أنّ القضية في كُلّ الروايات واحدة، وهي خبر إنشاد الحسين لعدّة أبيات، والتي أوّلها: يا دهر أُفٍّ لك من خليل...، ليلة عاشوراء، فمرّة مخاطباً النساء معاً، ومرّة مخاطباً زينب(عليها السلام) وحدها، إضافة إلى أنّ رواية ابن أعثم والسيّد ابن طاووس مرسلة.
نعم، قد يستدلّ برواية أُخرى في (دعائم الإسلام) عن الإمام الصادق(عليه السلام): أنّه أوصى عندما احتضر فقال: (لا يلطمن عليّ خدّ، ولا يشقّن عليّ جيب، فما من امرأة تشقّ جيبها إلاّ صدع لها في جهنّم صدع، كلّما زادت زيدت)(7).
ولكن، بغضّ النظر عمّا قيل في توثيق كتاب (دعائم الإسلام)، فقد قال السيّد الخوئي بخصوص هذه الرواية وغيرها: (إلاّ أنّ الأخبار لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه)(8).
ولذا أفتى علماؤنا بجواز شقّ الثوب على الأب والأخ؛ فراجع!
فيتّضح أنّ ما تقدّم من الروايات لا تنهض حجّة لمقاومة الأدلّة التي ذكرناها.

(1) تهذيب الأحكام 8: 325 حديث (1207) كتاب الإيمان باب الكفّارات.
(2) بحار الأنوار 45: 257 الباب (44).
(3) المزار: 504 الباب (18).
(4) اللهوف في قتلى الطفوف: 50.
(5) كتاب الفتوح 5: 84 ذكر نزول الحسين(رضي الله عنه) بكربلاء.
(6) مقتل الحسين لابن مخنف: 111.
(7) دعائم الإسلام 1: 226 كتاب الجنائز ذكر التعازي والصبر وما رخص فيه من البكاء.
(8) التنقيح في شرح العروة الوثقى 9: 232 كتاب الطهارة فصل في أحكام الأموات.

السؤال: أدلّة جواز اللطم على الإمام الحسين(عليه السلام)
هل توجد روايات تكشف عن رضى المعصوم من ممارسة اللطم حزناً على الإمام الحسين(عليه السلام)؟
الجواب:

إنّ الروايات الدالّة على اللطم، بحضور المعصوم، وظهور موافقته، ورضاه، وفي بعضها الحثّ عليه منه (عليه السلام)، كثيرة، منها:
1- عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشقّ الجيوب)(1).
وفي الجواهر: ((وما يحكى من فعل الفاطميّات، كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق(عليه السلام)، بل ربّما قيل: إنّه متواتر))(2)، ونقل القول بإجماع الأصحاب عن ابن إدريس أيضاً(3).
2- وحين سمعت السيّد زينب(عليها السلام) أخاها الإمام الحسين(عليه السلام) ينشد:
يا دهر أُفٍّ لك من خليلِ، الخ...
لطمت وجهها، وهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ خرت مغشياً عليها...(4).
3- وحين أخبر الإمام الحسين(عليه السلام) أُخته بأنّه (عليه السلام) رأى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه قال له: إنّك تروح إلينا، ((فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، الخ...))(5).
4- ولمّا مروا بالسبايا على الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه عليهم السلام، وهم صرعى، ((صاحت النساء، ولطمن وجوههنّ، وصاحت السيّدة زينب: يا محمّداه...))(6).
5- وفي زيارة الناحية: ((فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، إلى أن قال: على الخدود لاطمات، الخ...))(7).
6- وحين رجع السبايا من الشام إلى كربلاء، ووجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم، ((تلاقوا بالبكاء، والحزن، واللطم. وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد))(8). وكان الإمام السجّاد(عليه السلام) معهم يرى ويسمع.
7- وحين أنشد دعبل الخزاعي تائيته المشهورة، بحضرة الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، قال فيها:
أفاطم لو خِلتِ الحسين مجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجناتِ(9)
لم يعترض الإمام عليه، ولم يقل: إنّ أُمّنا فاطمة(عليها السلام) لا تفعل ذلك لأنّه حرام، أو مكروه، بل هو قد بكى وأعطى الشاعر جائزة، وأقرّه على ما قال.
8- وقد روي في الأحاديث الكثيرة: أنّ الجزع مستحبّ على الإمام الحسين(عليه السلام)، وفسّر هذا الجزع بما يشمل اللطم؛ فقال(عليه السلام): (أشدّ الجزع: الصراخ بالويل، والعويل، ولطم الوجه، والصدر...)(10).

(1) تهذيب الأحكام 8: 325 حديث (1207) كتاب الإيمان والنذور والكفّارات.
(2) جواهر الكلام 4: 371 أحكام الأموات.
(3) جواهر الكلام 33: 84 الكفّارات، السرائر 3: 78 باب الكفارات.
(4) الإرشاد للمفيد 2: 93 تاريخ الإمام الحسين(عليه السلام)، مقاتل الطالبيين: 75 مقتل الحسين بن عليّ(عليه السلام)، تاريخ اليعقوبي 2: 244 مقتل الحسين(عليه السلام)، تاريخ الطبري 4: 319 سنة إحدى وستّين.
(5) الإرشاد للمفيد 2: 90 تاريخ الإمام الحسين(عليه السلام).
(6) مقتل الحسين للخوارزمي 2: 44 حديث (10)، مقتل الحسين لأبي مخنف: 203، تاريخ الطبري 4: 348 سنة احدى وستّين.
(7) المزار لابن المشهدي: 504 الباب (18) الزيارة (9).
(8) انظر: اللهوف: 144 في رجوع السبايا إلى كربلاء.
(9) كشف الغمّة 3: 112 ذكر الإمام الثامن أبي الحسن علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، بحار الأنوار 45: 257 الباب (44).
(10) الكافي 3: 222 كتاب الجنائز باب الصبر والجزع والاسترجاع، وسائل الشيعة 2: 915

لسؤال: الكلام عن حديث النهي عن شقّ الجيوب ولطم الخدود وتنافيه مع الشعائر الحسينية!
روى الشيخ الطبرسي رواية عن الرسول الكريم محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنّه قال: (ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)، وحتّى إن كانت هذه الرواية على لسان أحد الأئمّة الأطهار، فما هو المغزى من هذا الكلام؟
وهل هناك استثناء في قضية لطم الخدود وشقّ الجيوب على سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)؟
وبما أنّ الحديث لا يشير هنا إلى أيّ استثناء، والواو إحداهما معطوفة على الأُخرى، فما هو الدليل على لطم الخدود وشقّ الجيوب؟ وكيف نحاور الطرف الآخر من المسلمين حول هذه المسألة؟.
الجواب:

هذا الحديث لم يُرو في مصادرنا الحديثية، وإنّما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من العامّة، عن أبي موسى وابن مسعود(1)، وذكره بعض فقهائنا، كالشهيدين في (الترغيب والترهيب)، عن العامّة، وهو حديث معارَض بأحاديث الإباحة، كشقّ أبي محمّد الحسن على أبيه الهادي(عليهما السلام)، وقوله: (قد شقّ موسى على هارون)(2)، مع أنّ معناه مروي(3)، وهو محمول على الكراهة إلاّ على الأنبياء والأئمّة(عليه السلام)، فترتفع الكراهة لوجود النصوص المصرّحة بالجواز، كالتي ذكرناها، وغيرها.
ومن الواضح أنّ النوح بالباطل هو المنهي عنه بقرينة (الدعوة بدعوى الجاهلية) المذكورة والمعطوفة في الحديث، إن صحّ! وهي مسألة فقهية صرّح بعض أساطين علماء العامّة، كالشافعي، فيها بالكراهة(4)، وكلّ مكروه مباح فعله؛ إذ لا إثم على مرتكب المكروه بالاتّفاق!
هذا والحديث المذكور لم نجده في كتب الشيخ الطبرسي على ما بحثناه, إلاّ إذا كان المقصود: النوري الطبرسي، فهو يرويها في المستدرك(5)، عن (مسكّن الفؤاد) للشهيد الثاني، وهو يرويها من طريق العامّة عن أبي مسعود(6).

(1) انظر: مسند أحمد بن حنبل 1: 386، 432، 442، 456، 465، مسند عبد الله بن مسعود،صحيح البخاري 2: 82، 83 باب في الجنائز، 4: 160 كتاب بدء الخلق باب قصّة زمزم، صحيح مسلم 1: 70 كتاب الإيمان باب تحريم ضرب الخدود.
(2) اختيار معرفة الرجال 2: 842 حديث (1084، 1085)، كشف الغمّة 3: 214 ذكر الإمام الحادي عشر(عليه السلام).
(3) تهذيب الأحكام 8: 325 حديث (1208) باب الكفّارات.
(4) كتاب الأمّ 1: 318 كتاب الجنائز باب القيام للجنائز.
(5) مستدرك الوسائل 2: 452 حديث (2443).
(6) مسكّن الفؤاد: 99 الباب الرابع.

السؤال: قول الحسين (عليه السلام) لزينب (لا تشقي عليّ جيباً)
قال الحسين لأُخته زينب في كربلاء كما نقله صاحب (منتهى الآمال) بالفارسية وترجمته بالعربية:
(يا أُختي، أحلفك بالله عليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قتلت فلا تشقّي علَيَّ الجيب، ولا تخمشي وجهك بأظفارك، ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي).
فلماذا تندبون وتصرخون في ذكراه؟ وتمارسون أغرب الطقوس رغم نهيه؟ ألا يعد هذا عصياناً له رضي الله عنه?
الجواب:

بالنسبة إلى قول الإمام الحسين(عليه السلام) لأُخته الحوراء زينب(عليها السلام) فلا حاجة لذهابكم إلى ترجمة كتاب فارسي، فالقول متداول منشور في كتبنا العربية، كـ(الإرشاد) للمفيد(1)، و(بحار الأنوار) للمجلسي(2). وعلى أيّة حال فالأُمور التي ينبغي عليكم ملاحظتها في هذا الحديث هي:
1- الحديث مرسل، فهو ليس بحجّة من حيث السند.
2- ليس كلّ نهي يدلّ على الحرمة؛ فإنّه كما يوجد النهي التحريمي يوجد النهي التنزيهي، ويمكن أن يكون طلب الإمام الحسين(عليه السلام) لأُخته زينب(عليها السلام) عدم شقّ الجيب من باب الشفقة، أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء، ومع عدم وجود الدليل على تعيين أحد المحتملات، فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية من الحديث.
3- ولو سلّم؛ فإنّ الحديث لم يتعرّض إلى لطم الخد، بل المنهي عنه هو خمش الوجه، ومن الجائز أن يكون النهي مخصّصاً بالأُمور الثلاثة دون غيرها، وبالتالي لا ينافي البكاء واللطم والحزن على الحسين(عليه السلام).
4- ولو سلّم؛ فهو معارَض بما ورد عندنا بالسند الصحيح عن الإمام الصادق(عليه السلام) على ما رواه الشيخ الطوسي في (الأمالي)(3) من جواز الجزع على الإمام الحسين(عليه السلام)، بل هذا الخبر الصحيح وغيره من الأخبار الواردة في الحثّ على البكاء على مصيبة الحسين(عليه السلام) مقدّمة على هذا الحديث المرسل؛ إذ التعارض هو فرع الحجّية، أي: أن يكون الخبر حجّة من حيث السند، والخبر الذي أوردتموه مرسل لا حجّية له.

(1) الإرشاد 2: 94 ليلة عاشوراء.
(2) بحار الأنوار 45: 3 بقية الباب (37).
(3) أمالي الطوسي: 162 المجلس(6) حديث (268).

لسؤال: شقّ الجيوب وخمش الخدود ولطم الخدود
هل الإمام الحسين(عليه السلام) أوصى السيّدة زينب(عليها السلام) بعدم النياح وشقّ الجيب وخدش الخدود وغير ذلك؛ حيث يدّعي الخصوم أنّ هناك حديثاً للإمام الحسين(عليه السلام) وهو يخاطب السيّدة زينب(عليها السلام) به، بما معناه أن لا تقوم بنياح عليه وغيره ممّا فعلته زينب بنطح رأسها، وما نفعله الآن في المجالس الحسينية.
أرجو منكم الردّ، وهل هناك حديث من هذا القبيل؟

الجواب:

بخصوص الحديث الوارد عن الإمام الحسين(عليه السلام) لزينب بنت أمير المؤمنين(عليه السلام), فنقول: إنّه لا يخلو إمّا أن يكون خطاباً وحكماً خاصّاً بزينب(عليها السلام)، أو أنّه يشمل غيرها أيضاً؟
فعلى القول الأوّل، فلا علاقة له بغيرها, ومع ذلك فإنّ هناك ملاحظات على هذا الخبر:
أ - إنّ أصل هذا الخبر عندنا حسب تتبّعنا هو: ما رواه الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد), وعنه العلامّة المجلسي في (بحار الأنوار)، وجاء فيه: أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قال لزينب(عليها السلام): (لا تشقّي علَيَّ جيباً, ولا تخمشي عليَّ وجهاً, ولا تدعي علَيَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت).
نعم، رواه اليعقوبي في تاريخه مرسلاً أيضاً، ولكن الطبري رواه عند أبي مخنف بإسناد ضعيف(1).
وهذا الخبر لا تعرّض فيه إلى اللطم وغيره من الشعائر التي يقوم بها الشيعة الآن, بل المنهي عنه فيه هو: شقّ الجيب، وخمش الوجه، والدعاء بالويل والثبور، ومن الجائز أن يكون النهي مخصّصاً بالأُمور الثلاثة دون غيرها, وبالتالي لا تنافي رواية ضرب زينب(عليها السلام) رأسها بمقدّم المحمل إن صحّت في ذلك الرواية!
ب - إنّ إثبات صحّة صدور الخبر وبالتالي التكليف الشرعي من الإمام(عليه السلام) لزينب(عليها السلام) يحتاج إلى دليل, ولو كان يمكن إثبات صدور النهي لزينب(عليها السلام) لمجرّد كونها رواية، لصحّ لنا في المقابل أن نثبت صدور نطح زينب(عليها السلام) جبينها بمقدّم المحمل بعد العاشر من المحرّم لوجود الرواية؛ إذ لا مرجّح لرواية على أُخرى.
والرواية التي تنهى زينب(عليها السلام) عن الخمش والشقّ مرسلة كرواية نطح زينب(عليها السلام) رأسها, ولا مرجّح لأحدهما من هذه الجهة على الأُخرى إلاّ أنّ رواية النطح تتوافق مع ما ثبت في السند الصحيح عن الإمام الصادق(عليه السلام) على ما رواه الشيخ الطوسي في (الأمالي)(2) من جواز الجزع على الإمام الحسين(عليه السلام).
ج - ومع كلّ هذا فليس كلّ نهي يدلّ على الحرمة, وكما يوجد النهي التحريمي فهناك النهي التنزيهي أيضاً, مع إمكانية أن يكون طلب عدم شقّ الجيب من باب الشفقة من الإمام على زينب(عليها السلام), أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء, ودواعي صيغة (لا تفعل) متعدّدة كما تعلمون, وكما هو ثابت في اللغة والبلاغة, ومع عدم وجود الدليل على تعيّن أحد المحتملات فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية.
أمّا على القول الثاني, فهناك ملاحظات أيضاً، وهي:
أ - كما توجد مثل هذه الرواية فهناك روايات أُخرى في مقابلها, منها: ما روي في آخر الكفّارات من (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي عن الإمام الصادق(عليه السلام): (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ(عليهما السلام), وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب)(3).
ومنها: ما روي عن الإمام الحجّة(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء: (فلمّا رأين النساء جوادك مخزياً... على الخدود، لاطمات الوجوه)(4).
ب - لم يلتزم أحد من الفقهاء بهذه الرواية لإثبات الحرمة.
ج - إنّ هناك اختلافاً بين الفقهاء في أصل حرمة اللطم والخدش, وفي (التنقيح في شرح العروة الوثقى) للسيّد الخوئي يقول تعليقاً على عبارة: ((لا يجوز اللطم والخدش)): ((وهذا كسابقه؛ وإن ورد النهي عنه في بعض الأخبار - إلى أن قال: - إلاّ أنّ الأخبار لضعف أسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه))(5).
وعلى فرض القول بالحرمة فقد استثنيت تلك المحرّمات في عزاء الإمام الحسين(عليه السلام) عند الفقهاء..
يقول السيّد الخوئي في المصدر السابق نفسه: ((نعم استثنى الأصحاب من حرمة تلك الأُمور: الإتيان بها في حقّ الأئمّة والحسين(عليهم السلام), مستندين فيه إلى ما فعلته الفاطميات على الحسين بن عليّ، من لطم الخد وشقّ الجيب, كما ورد في رواية خالد بن سدير))(6).

(1) الإرشاد 2: 94 تاريخ الإمام الحسين(عليه السلام) أحداث ليلة عاشوراء، بحار الأنوار 45: 3، تاريخ اليعقوبي 2: 244 أحداث مقتل الحسين(عليه السلام)، تاريخ الطبري 4: 319 أحداث سنة (61)، الكامل في التاريخ 4: 559.
(2) أمالي الطوسي: 162 المجلس(6) حديث (268).
(3) تهذيب الأحكام 8: 325 كتاب الأيمان والنذور والكفّارات باب الكفّارات حديث (1208).
(4) المزار الكبير للشيخ المشهدي: 504 الباب (18) زيارة الناحية.
(5) التنقيح في شرح العروة الوثقى 9: 231.
(6) التنقيح في شرح العروة الوثقى 9: 235 - 236.

السؤال: الدليل على مشروعية لبس السواد
بالنسبة للبس السواد في مناسبات وفيات أهل البيت(عليهم السلام)، وبالخصوص في أيّام عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، أحببت لو تزوّدوني بالأدلّة التي تجوّز هذا الأمر، وبخاصّة من مصادر إخواننا العامّة.
وما هو الردّ على بعض الروايات الموجودة في الكافي وغيره، والتي تنهى عن لبس السواد؟
مثل هذه الرواية: ((عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: (لمّا فتح رسول الله مكّة بايع الرجال، ثمّ جاء النساء يبايعنه، فأنزل الله عزّ وجلّ... وقالت أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله! ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟
قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تلطمن خدّاً، ولا تخمشن وجهاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تشققن جيباً، ولا تسوّدن ثوباً...) ) ))(1).
علماً أنّ هذه الرواية وجدتها مع مصدرها في نشرة دأب الوهّابيون على نشرها في أيّام محرّم، أفيدونا جزاكم الله تعالى خيراً.
(1) الكافي 5: 527 كتاب النكاح.
الجواب:

لقد ناقش الفقهاء في أصل مشروعية لبس السواد، إلاّ أنّ هناك ما يشبه الاتّفاق على جوازه، بل استحبابه في محرّم وعاشوراء حزناً على مصاب الإمام الحسين(عليه السلام)، وإليك ما أورده بعضهم:
1- واستثنى بعضهم ما لبسه للحسين(عليه السلام) فإنّه لا يكره، بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر الله على ذلك، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة، يستفاد منها ذلك(1).
2- لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين(عليه السلام) من هذه الأخبار؛ لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان(2).
ولم يبيّن المحقّق البحراني الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك! والوجه في عدم الشمول هو: إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمّة(عليهم السلام)، وبالخصوص في أيّام محرّم الحرام، وشهر صفر إظهاراً لمودّتهم وحبّهم لأهل البيت(عليهم السلام)، فيحزنون لحزنهم، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت(عليهم السلام).
وقد روي عنهم(عليهم السلام): (رحم الله من أحيا أمرنا)(3)، فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود، كان ذلك ظاهرة إجتماعية تلفت نظر الغريب، فيسأل: ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد؟!
فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الإمام الحسين(عليه السلام)، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره(عليه السلام)، ولهذا اشتهر أنّ: بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييا بواقعة كربلاء، وهذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه، لتراه الأجيال القادمة ماثلاً أمامهم، فيحصل لهم اليقين به، فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع، وأبطل ما عداه.
ثمّ من الروايات الواردة في استحباب لبس السواد على الإمام الحسين(عليه السلام):
1- ما رواه ابن قولويه: (إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى، نزل على البحر، فنشر أجنحته عليها، ثمّ صاح صيحة وقال: يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن، فإنّ فرخ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مذبوح)(4).
وفهم الشيخ النوري من هذه الرواية: عدم كراهة لبس السواد، أو رجحانه حزناً على أبي عبد الله(عليه السلام)، كما عليه سيرة كثير من الناس في أيّام حزنه ومأتمه(5).
2- ما رواه البرقي، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين، قال: (لمّا قتل الحسين بن عليّ(عليه السلام)، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين(عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم)(6).
وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد، بل استحبابه في عاشوراء، تدلّ على أُمور أُخرى، منها: استحباب إقامة المأتم، والإطعام، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، حيث كان الإمام السجّاد(عليه السلام) شخصيّاً يقوم بهذه الخدمة، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم.
وفي الفتاوى نرى ما يلي: إنّ من الثابت استحباب مواساة أهل البيت(عليهم السلام) مطلقاً، بحزنهم وفرحهم؛ لعموم ما دلّ على ذلك، ولاستحباب التأسّي بهم، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم..
فقد ورد أنّ بعض الأئمّة(عليهم السلام) كانت أيّام محرّم أيّام حزنه، وعزائه ومصابه، ونحن مأمورون باتّخاذهم أُسوة مطلقاً.
وأمّا بالنسبة إلى الرواية المانعة التي ذكرتموها عن الكافي - إن صحّت سنداً - فإنّها تدلّ على المنع على نحو الإطلاق، فيخصّص ذلك الإطلاق بالروايات المجوّزة، كالرواية التي يرويها الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ(عليه السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود، وتشقّ الجيوب)(7).
وما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)؛ فإنّه فيه مأجور)(8).
فلبس السواد، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، وغيرها، وإن كانت مكروهة إلاّ أنّ كراهيتها ترتفع إذا كانت للإمام الحسين(عليه السلام).

(1) شرائع الإسلام 1: 56 لباس المصلّي هامش(84) للسيّد صادق الشيرازي.
(2) الحدائق الناضرة 7: 118 كتاب الصلاة، لباس المصلّي.
(3) قرب الأسناد: 36 حديث (117).
(4) كامل الزيارات: 143 الباب (22) حديث (168).
(5) مستدرك الوسائل 3: 328 كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس الباب (48) ذيل حديث (3704).
(6) المحاسن 2: 420 كتاب المأكل الباب (25) حديث (195).
(7) تهذيب الأحكام 8: 325 كتاب الأيمان والنذور والكفّارات باب الكفّارات حديث (1207).
(8) كامل الزيارات: 201 الباب (32) حديث (286).

السؤال: تخصيص روايات كراهة لبس السواد بما إذا كان حزناً على الحسين(عليه السلام)
سمعت رواية تقول: (لا تلبسوا السواد فإنّه لباس فرعون)!!
هل هذه الرواية صحيحة، وإذا كانت كذلك أليس فيها تعارض مع لبسنا السواد في أحزان محمّد وآل محمّد؟.
الجواب:

حمل العلماء هذه الرواية على كراهة لبس السواد مطلقاً، أو النهي عن اتّخاذه زيّاً وشعاراً، كما اتّخذه فرعون وبني العبّاس, وأمّا لبس السواد على الحسين(عليه السلام) فهو مخصص لهذا الإطلاق؛ لما ورد فيه من روايات.
وقد نصّ العلماء على ذلك؛ فقد قال البحراني: ((لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين(عليه السلام) من هذه الأخبار؛ لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الحزن، ويؤيّده: ما رواه شيخنا المجلسي(قدس) عن البرقي في كتاب المحاسن، أنّه روى عن عمر بن زين العابدين(عليه السلام)، أنّه قال: (لمّا قتل جدّي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد...).. الحديث(1).

(1) الحدائق 7: 118 كتاب الصلاة لباس المصلّي، المحاسن 2: 42 كتاب المأكل الباب (25) حديث (195)، نقل بالمعنى.

السؤال: حكم الإطعام في مجالس إحياء الشعائر
إنّ بعض إخواننا من السنّة يقول: لا يجوز الأكل من مائدة يوم عاشوراء ومثيلاتها؛ لأنّها أُقيمت لغير الله تعالى، فما هو الردّ عليهم؟
الجواب:
إنّ الذبح والإطعام تارة يضاف لله تعالى فيقال: ذبح لله، وإطعام لله، ومعناه: أنّه ذبح لوجهه تعالى، وتقرّباً إليه، كما في الأضحية بمنى وغيرها، والفداء في الإحرام، والعقيقة، وغير ذلك.
وتارة يضاف إلى المخلوق، وهنا مرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى المخلوق طلباً للخير منه، مع كونه حجراً أو جماداً، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم، فهذا شرك وكفر سواء سمّي عبادة أو لا.
ومرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى الخالق، فيقال: ذبحت الشاة للضيف، أو ذبحت الشاة للحسين(عليه السلام)، وأطعمت للحسين(عليه السلام)، أو لغيره من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وهذا لا محذور فيه؛ لأنّه قصد ثواب هذه الذبيحة، أو هذا الطعام للحسين(عليه السلام)، أو لأحد من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام).
ونظيره: من يقصد أنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها، وأخبزها، وأتصدّق بخبزها على الفقراء، وأُهدي ثواب ذلك لوالدي.. فأفعاله هذه كلّها طاعة، وعبادة لله تعالى لا لأبويه.
ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح للحسين(عليه السلام)، أو بالإطعام له، أو غيره، التقرّب إلى الإمام الحسين(عليه السلام) دون الله تعالى، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم الإمام الحسين(عليه السلام)، أو أحد الأئمّة(عليهم السلام) على الذبيحة، لكان ذلك عندهم منكراً، وحرّمت الذبيحة، فليس الذبح لهم، بل عنهم، بمعنى أنّه عمل يهدي ثوابه إليهم، كسائر أعمال الخير.
والخلاصة: إنّ الإطعام يوم عاشوراء إطعام لله تعالى، صحيح أنّه أُطلق عليه: إطعام للحسين(عليه السلام)، ولكن قصد: أنّ ثوابه للحسين(عليه السلام)، وليس هو إطعام لغير الله تعالى، كما يتوهّمه الوهّابيون.


تعليق على الجواب (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
حينما اقول هذه ألذبيحه لابو فاضل (ع) فاني حتما أقصد له هذا لالغيره هذا أذا ماكان هناك نذر مسبق لقضاء حاجه واذا قضية حاجتي فأني سوف أستمر على هذا وهل ألنذور لله أم لعباده ألصالحون

الجواب:

ان معنى النذر أن يجعل الشخص لله على ذمته فعل شيء أو تركه, لكن الاختلاف في المنذور له, فمرة أقول النذر للفقراء, ومرة للعلماء, وأخرى للأئمة, وهكذا.
فالنذر للأئمة (عليهم السلام) وكذلك لأبي الفضل العباس لا يغير من حقيقة النذر, بل تبقى حقيقته جعل شيء لله على ذمته لكن المنذور له أختلف فصار هنا مصرف النذر إلى أبي الفضل, ولما كان أبا الفضل العباس متوفى صرف في جهة راجعة الى المنذور له, كتأمين نفقة المحتاجين من زواره أو على ما فيه إحياء ذكره وإعلاء شأنه, فقولك هذا لأبي الفضل ليس معناه أن النذر له, بل المنذور له, ولا إشكال في ذلك.

سؤال: الضرب بالسلاسل نوع من التأسّي
نشاهد على شاشة التلفاز شباب يضربون أنفسهم بسلاسل من حديد، وذلك لإحياء ذكرى الشهيد الحسين(عليه السلام), فما هو معنى هذا الفعل؟
الجواب:

إنّ شعائر الضرب بالسلاسل على الظهور قد يكون لها منشأ من نفس أحداث واقعة كربلاء، تقريباً وتعبيراً عمّا كان يتعامل به أعداء أهل البيت من إيذاء وضرب، وممارسات الأسر في حقّ النساء والأطفال، ضرباً على ظهورهم بالسياط، لذا يعمل الموالون على إحياء هذا المشهد المأساوي الذي قدّمه أهل بيت العصمة وعيالاتهم في سبيل نصرة الدين والتضحية من أجل إحياء الإسلام المحمّدي الأصيل.
وفلسفة هذه الأعمال والشعائر للمصيبة الحسينية أنّها تهدف إلى إحياء روح التأسّي والتأثّر والولاء لأهل البيت(عليهم السلام)، الذين أمر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمّته بالتمسّك بهم من بعده مع الكتاب الكريم، وجعلهم عِدلاً له، كما هو الوارد في الحديث المعروف: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً)(1).
وبغضّ النظر عن معنى هذا الفعل فإنّ للشيعي الموالي الحرّية في اختيار السلوك الذي يعبّر به عن حزنه ومواساته للسبط الشهيد وأهل بيته وأصحابه، ما لم يدخل ذلك في دائرة الحرام.
وعليه، فإنّ مختلف الشعائر الحسينية مفتوحة للتطوّر بمرور الزمان، كما أنّها تطوّرت إلى ما نشاهده اليوم عمّا كانت عليه سابقاً عبر تراكم العادات، واختلاف أشكال التعبير.

(1) مسند أحمد 3: 14، 17، 26، 59 مسند أبي سعيد الخدري، المستدرك على الصحيحين 3: 109، 148، السنن الكبرى للنسائي 7: 30، مجمع الزوائد 9: 163 - 164.

لسؤال: تعليل بسيط للتطبير والضرب بالسلاسل ا

أُريد تعليل واضح ومقنع على التطبير والضرب بالسلاسل والتجريح في المواكب الحسينية الطاهرة، لأنّي محتاج لتفسير مقنع للمخالفين على هذه الأعمال المباركة.
الجواب:

نستطيع أن نذكر لك تعليلاً بسيطاً لا بدّ أن يكون مقبولاً عندك وعند الآخرين، وهو: عند السؤال عن الأعمال المستجدّة التي يعملها المكلّف ولم تكن في عصر التشريع، كركوب الطائرة والسيارة وغيرها.. ما هو نظر المشرع لها؟ سيكون الجواب: إنّ الأصل في الأشياء الإباحة.
فالذي لم يرد نصّ على تحريمه يكون مباحاً، كذلك الحال في هذه الأعمال فإنّه لما لم يرد النصّ بتحريمها تكون مباحة.
نعم, قد يقال: إنّه ورد نصّ على حرمة إضرار المكلّف نفسه.
قلنا: إنّه ليس مطلق الضرر هو المنهي عنه, بل الضرر الكبير غير المحتمل, فالذي يتناول طعاماً كثيراً قد يسبّب له آلاماً، وقد يؤدّي إلى أعراض أُخرى مؤذية على المدى البعيد, إنّ مثل هكذا ضرر لا يعتبر محرّماًً، فكذلك الحال بالضرب بالسلاسل والتطبير، فإنّها لا تسبب ضرراً كبيراً، بل مجرّد جروح بسيطة لا تتجاوز في آلامها عن الحجامة التي هي من الأعمال المحبّذة.
ولو فرض أنّ شخصاً تجاوز الحدّ وضرب نفسه بقوة بحيث أدّى ذلك إلى التأثير على الجمجمة والرأس والدماغ، فإنّ عمله هذا يعدّ محرّماً، ولا يحصل هذا عادةً في التطبير.

السؤال: لماذا تطبير الأطفال؟
ماذا تقولون في ممارس التطبير على الأطفال(دون الـ 10 سنوات)؟ لماذا?
الجواب:

إنّ إجبار الأطفال على هكذا أعمال أمر مرفوض، أمّا إذا كان لهم رغبة واستعداد لذلك، كما نشاهده عند بعض الأطفال، فهو أمر عائد لهم ولأوليائهم، وليس فيه أيّ محذور؛ فإنّ الطفل الراغب بالتطبير مستعدّ لتحمّل الألم، وبالتالي تكون له خطوة في بناء شخصيته، ونحن لا ننكر تأثير العائلة والبيئة والجوّ العام في التأثير على الطفل، وليكن كذلك، فإنّ مثل هذه الممارسات في بناء الأطفال الذكور معروفة في كلّ المجتمعات قديمة وحديثة، وما تعلّمهم لأنواع القتال والرياضات منذ نعومة أظفارهم، والتي لا تخلو من الألم، إلاّ نوع من هذا البناء الاستعدادي..
ولا يفرق بين الأمرين بأنّ تعلّم الأطفال مثل هذه الرياضات يجعل منهم عند مجتمعهم أبطالاً رياضيين؛ فإنّ الأمر كذلك بالنسبة لمجتمع الطائفة الشيعية، فإنّ الهدف من تعليم الأطفال التطبير هو زرع الاستعداد لديهم، ولكن نوع الاستعداد يختلف، والمناط واحد.

السؤال: الضرب بالسلاسل والتطبير
وردت في إحدى الروايات: (شيعتنا منّا...ويحزنون لحزننا)..
هناك أساليب كثيرة لإظهار الحزن على مصاب أهل البيت(عليهم السلام)، منها أن تتعلّم علومهم وتعلّمها للناس، أو أن يحييها كما أحياها الأئمّة، من قبيل التجمّع والرثاء، وشدّة البكاء والحزن.
لماذا يتمّ التركيز على تعذيب النفس من قبيل (التطبير، والضرب بالسلاسل، أو اللطم بشكل عنيف)، مع العلم أن مثل هذه الأفعال (بشكلها الحالي) لم تكن موجودة في عصر الأئمّة؟
الجواب:

إنّ هؤلاء الذين يفعلون مثل هذه الأمور يختلفون في نواياهم، فقسم لشدّة حزنه وتفاعله مع المصيبة ينفعل بالمقدار الذي يؤذي به جسده، كما هو الحال عند الجازع على أيّة مصيبة أُخرى، فأنت لا تستطيع أن تتكلّم مع هذا الجازع، وتقول له: لماذا تفعل بنفسك هكذا؟ لأنّه قد تكون تلك الأفعال أشبه بالأفعال اللا إرادية.
نعم، أنت تستطيع أن تبيّن له أنّ جزعه هذا على مصائبه الدنيوية غير صحيح، فإذا خرج من حالة الجزع توقّف عن تلك الأفعال..
وكذلك مع مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام)، إلاّ أنّ الفرق هنا أنّك لا تستطيع أن تقول له: لا تجزع لهذه المصيبة؛ لأنّ الجزع هنا غير مكروه، وإذا حصلت حالة الجزع فما عليك إلاّ أن ترى آثار ذلك الجزع، كاللطم والبكاء والعويل، والضرب بالسلاسل، والتطبير، وغيرها من الأمور المؤذية للجسد، التي هي آثار لذلك الجزع.
وقسم آخر ينظر إلى التطبير والضرب بالسلاسل واللطم بأنّه حالة من المواساة لإظهار الاستعداد والولاء للحسين(عليه السلام) من خلال تحمل المشاقّ والآلام والمتاعب، وفرق كبير بين من يظهر الولاء بالكلام مثلاً، وبين من يظهر الولاء بأُمور صعبة على النفس ومؤذية، فتحمّل هذه الصعاب معناه: صدق الولاء وصدق الاستعداد.
ولعلّ قسماً ثالثاً ينظر لهذه الأُمور على أنّها وسيلة للإبكاء وإثارة المشاعر.
ثمّ إنّه لا يضرّ هذه الأُمور أن تكون غير موجودة في عصر الأئمّة(عليهم السلام) بعد كونها من مظاهر الجزع الجائز في الشريعة، فاختلاف مظاهر الجزع من عصر إلى عصر، وجواز ذلك الجزع لا يعني أنّه ليس لها مشروعية، بل مشروعيتها من مشروعية جواز ذلك الجزع، أو قل: ما دامت تلك الأًمور من مظاهر الإبكاء، والإبكاء على الحسين(عليه السلام) محبّذ بالشريعة، ووردت فيه نصوص، فدخلت تلك الأُمور تحت ذلك العنوان، أو قل: أنّها أصبحت من شعائر الله، وتعظيم شعائر الله جائز ومحبّذ في الشريعة.


تعليق على الجواب (1)

هذه الأجوبة عمومية وإسنادها غير واضح!!
اللطم والزناجيل والتطبير لم يفعله الأئمّة(عليهم السلام)، فلماذا نفعله نحن؟ لماذا لا تكون مجالس العزاء كمجالس المرحوم الشيخ الوائلي؟
الجواب:

الفقهاء لا يتوصّلون إلى الحكم الشرعي فقط عن طريق الروايات، بل لو لم يكن لفعل من الأفعال أيّة رواية فإنّهم يستطيعون الحكم على تلك الأفعال بالجواز وعدم الجواز، بل بالوجوب، أو الاستحباب، أو الكراهة، أو الإباحة، أو الحرمة.
فلو لم يرد عندنا دليل من السنّة على التطبير أو الضرب بالسلاسل، فهل معناه أنّ هذا الفعل حرام؟!
كلاّ إنّ الفقهاء لا يقولون بذلك، بل على العكس من ذلك يقولون: إنّ الأصل في الأشياء: الإباحة والجواز، لا الحرمة.
ثمّ إنّ تعظيم الشعائر يكون بطرق مختلفة، فنحن كما نشجّع على مجالس الوعظ والإرشاد، فإنّنا أيضاً لا بدّ من أن نحافظ على الشعائر الحسينية، وعلى ديمومتها وانتشارها، لِما في ذلك من رفعة للدين الحقّ، ونصرة للمذهب، ولا مجال في الأحكام الشرعية للاستحسانات، وإنّما تخضع للقواعد المقنّنة في علم الأُصول.
ثمّ إنّ الأحكام لم ترد كلّها بصورة جزئية حتّى نطالب بالروايات الخاصّة، وإنّما قسم من الأحكام جاء على شكل قواعد كلّية، وعلى الفقيه أن يفرّع عليها الفروع والجزئيات؛ فلاحظ!



تعليق على الجواب (2)

أنا من مؤيّدي الشعائر الحسينية؛ لأنّها من شعائر الله، ولكن ليس بالتطبير والضرب بالسلاسل للأسباب التالية:
1- ينتج عنها ضرر بالبدن، والأئمّة(عليهم السلام) لم يوصونا بإيذاء أنفسنا.
2- أنّها ليست مبررة لإظهار الحزن.
3- أنّها لا تعكس ثقافة الشارع الشيعي، بل تؤثّر سلباً على تراث أهل البيت(عليهم السلام).
فالذي أرجوه منكم هو توعية شبابنا على اجتناب هذه الظاهرة. وأسال الله أن يحشرنا وإيّاكم مع محمّد وآل محمّد.
الجواب:

إنّ البحث في الضرب بالسلاسل والتطبير يكون من جهتين:
1- من جهة الحلّية والحرمة، وهذا مبحوث عند العلماء، وقد أفتوا بالجواز، وأنّ الحكم الأوّلي هو الحلّية، وإن حكم بعضهم بعدم الجواز بالحكم الثانوي.
2- من جهة مناسبته الآن في هذا العصر للوضع العام للشيعة، وهذه الجهة هي مورد الأخذ والردّ في هذا الوقت. وللكلام فيها مجال بين المؤيّد والمخالف.
وأخيراً... إنّ ما ذكرت من نقاط يمكن المناقشة فيها، وقد تختلف المناقشة إذا أخذناها كأدلّة على أحد الجهتين؛ فلاحظ!


تعليق على الجواب (3)
الغريب أنّنا لا نجد من المراجع، أو أساتذة الحوزة الكبار، أو الشخصيات الدينية الكبيرة، سواء رجالات المنبر، أو غيرهم من رجال الدين المعممين من شيوخ وسادة، يقومون بتلك الأفعال، من ضرب الزنجيل والتطبير، وحتى اللطم تراه يفعله بعضهم بطريقة كلاسيكية، ربّما كما يفعل بعض الخطباء بشهقتهِ لأثارة العواطف والحزن والمشاعر الجيّاشة..
بل إنّي سمعت مرّة من أحد المعمّمين بأنّ تعلّم، أو تعليم، مسألة دينية معيّنة وضبطها يعادل كلّ تلك الأُمور الأُخرى، لذا كيف تُترك العامّة يفعلون ما يفعلون تحت عنوان: (ومن يعظّم شعائر...)؟
يعني: شيخنا! ربّما، والله العالم، لو أنّ المكلّف وتحديثاً للشعائر، ومن باب آخر عمل طريقة لمعايشة الألم والمرارة بدل التطبير والزنجيل وعرّض نفسه للرطوبة وعرّض نفسه لصعقة كهربائية إلى حد تشعره بالألم ولا تؤدّي إلى فقد وعيه أو قتله... الله العالم، ربّما ستدخل تحت العنوان: ومن يعظّم؟!
(على فكرة! هذا المثل ليس بقصد السخرية، يشهد الله وصاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه).
شيوخنا الكرام أساتذتنا العظام في المركز العقائدي، وأنا لا أعرف اللجنة المجيبة، ولكن خطر في بالي الأُستاذ الكبير الشيخ الجليل محمّد السند أعزّه الله، وأمّا الشيوخ الكرام الذين لم أتشرّف بأسمائهم، فحفظهم الله بحقّ وجه صاحب الزمان أرواحنا وأرواح العالمين لمقدمه الفداء... عندي تعليق أو سؤال إضافة إلى ما طرحته أعلاه:
هل يجوز التطوير في الشعائر، كما تفضلّتم أنّها تناسب كلّ زمان؟
ونحن في العراق الجريح ولا سيّما البصرة، وفي مناطق بائسة، وسخة، بشرها مسحوق، شبابها عاطل، أليس من الأجدر بدل هذه المصاريف أن يحدث تطوير في الشعائر: من خلال تنظيف المناطق، إدخالهم دورات تعليمية متنوعة، افهام ما هي الثقافة الحسينية، أو أي صورة أُخرى تخدم المواطن العاشق للحسين(صلوات الله عليه)؟!
طرح فكرة: ممنوع طبخ أي طعام حتى بثواب الإمام(صلوات الله عليه) كسراً لأُنوف محتكري الغاز والرز وغيرها من الأغذية!
نعم، هناك أمور من مسؤولية الدولة، ولكن ماذا نفعل مع تجاهل الدولة، إذاً نستثمر الحبّ الحسيني للتطوّر وإنشاء إنسان عالمي حسيني، خاصّة وأنّنا نرى هناك مصاريف في محرّم والأربعينية مصاريف كبيرة وعجيبة...
حينما ظهر ذلك الرجل في أمريكا في صبيحة العاشر من محرّم، وهو يرتدي بدلة عمل زرقاء وأخذ بتنظيف الشارع بصورة جنونية، الناس تعرفه موظّف محترم، ماذا يفعل هذا؟ لم يصبروا...؟ فسألوه: ماذا يحدث؟! أنت عامل في البلدية أم موظّف رسمي محترم؟
كان هذا الإنسان الحسيني الرائع قال: إنّ اليوم يصادف استشهاد إمامنا الحسين(عليه السلام)، الذي علّمنا كلّ شيء، الشهادة، والتضحية، والعلم، والعدالة، والتطوّر، والنظافة، وأنا احترت ماذا أفعل! فاخترت هذا العمل..
النتيجة تأقلم الجميع وتناوبوا بلبس بدلاتهم لمساندته بالعمل؛ احتراماً لذلك العظيم الذي زرع هذه البذور في محبّيه بعد مئات السنين، فكانت صورة حيّة تواكب التطوّر والحداثة والعولمة...
مجدّداً ليس القصد إلغاء صور الحزن والمرارة والألم، وإنّما تحديثها وتقديمها بصورة عالمية، تعطي الإنسان الكرامة في الحياة وفي الممات...
اعتذر ألف مرّة على الإطالة والإزعاج..
الجواب:

ما يقوله الفقهاء تجاه هذه الأعمال هو: القول بإباحة تلك الأعمال، وبعض يقول باستحبابها من جهة دخولها في شعائر الله، والأعمال المباحة والمستحبّة غير ملزم المكلّف بالعمل بها، بل قد يرى بعض المكلّفين أنّ هناك عملاً أكثر ثواباً، فلذا يقدّمونه على تلك الأعمال، وهذا يرجع إلى تشخيص ذلك المكلّف؛ فقد يرى بعض العلماء أنّ الاشتغال بالوعظ والإرشاد والبكاء والإبكاء ذو ثواب عظيم، كما ورد في الأخبار، ولذا يرى الاشتغال به مقدّم على التطبير والضرب بالزنجيل؛ ولكن هذا لا يعني عدم القبول بتلك الأعمال، فعدم العمل بها أعمّ من القبول أو الرفض.
ثمّ إنّه لا بدّ من معرفة أنّ سرّ تعريض المحبّين للإمام الحسين(عليه السلام) أنفسهم لأصناف الآلام، من الإدماء واللطم والضرب هو: القول بلسان الفعل: أنّهم على استعداد لتحمّل الآلام من أجل الإمام الحسين(عليه السلام) والسير على نهجه، وما الإدماء والضرب وغيرها إلاّ نموذج من تلك النماذج، وإلاّ فهم على استعداد لأكثر من ذلك..
وشاهدنا في العراق أيام النظام البائد كيف أنّ محبّي الحسين(عليه السلام) سطّروا أروع لوحات الصبر من صمودهم تحت وطأة التعذيب بالكهرباء، وصمودهم تحت سياط الجلادين، دون أن يكون ذلك رادع لهم عن محبّتهم للإمام الحسين(عليه السلام) ونهجه، فالظالمون ابتدعوا طرقاً جديدة لإخافة الحسينيين، لكن الحسينيون سطّروا وسيسطّرون لوحات من الصبر ترهب الظالمين، وتظهر لهم عدم خوفهم من أشدّ أنواع العذاب.
وأمّا ما تطرحه من أفكار من أجل تطوير الشعائر الحسينية، فقد ينظر إليها على أنّها حَرفٌ للشعائر الحسينية عن المسار الذي سارت به من إظهار مظلومية الإمام الحسين(عليه السلام)، والاستعداد للنصرة على يد حفيده الإمام المهدي(عجّل الله فرجه)، الذي سوف يظهر يوم عاشوراء، فإذا كان هناك تطوير للشعائر الحسينية فلا بدّ أن يكون بإبدال آلات الحرب القديمة بأُخرى حديثة وعرضها يوم عاشوراء؛ استعداداً لظهور صاحب العصر والزمان(عجّل الله فرجه) الذي سيجابه الأعداء بالوسائل الحديثة.
وأمّا وجود أعمال أُخرى، مثل: الخيرات العامّة، كما ذكرت أنت بعض الأمثلة فهي تصبّ في صالح الجماعة المؤمنة، فلا نمنع حصول من فعلها على الثواب الجزيل، الذي ربّما يكون أكثر من ثواب بعض أعمال العزاء والتشبيه، ولكن يجب أن تلاحظ أنّ كلّ ذلك مربوط بالنيّة ومدى إخلاصها بعلاقة طردية.



تعليق على الجواب (4)
...
ولكن هذه الشعائر، من ضرب وإدماء، ليس لها تأصيل، وإنّما جاءت حديثة، التأصيل الوارد هو فقط كان في البكاء، وما جاء بعد ذلك من إباحة، طُرح من العلماء الأبرار وليس من القرآن أو الأئمّة(عليهم السلام)، إنّني العبد الحقير أتعجّب من إباحة التطبير وغيرها، رغم عدم وروده في القرآن والسُنّة والعقل والإجماع، بينما لا يجوز الإفطار في الطائرة التي توصلني بساعات بقمّة الراحة في بعض الجوانب، أو رؤية الهلال المحرّمة بالمرصاد، وأنا أقول: إنّ الإسلام هو العلم، إنّ الثورة الحسينية أرادت صنع إنسان أراده الله خليفة على الأرض، بالله عليكم! ما الجدوى من إدماء الرأس؟!
لدينا هنا في البصرة، وهم يسيرون في منطقة ملئت بالقذارة، والحسين العظيم الذي هو في الجنّة، وخلوده كما يذكرون سرمدي، ماذا يقول؟ وكيف ينظر لي، وليس لدينا شيء مطلقاً؟
العلماء الأجلاء سيقولون: نعم مأجور، لمواساة الحسين الشهيد. ولكن المعروف أنّ الشهيد ليس ميت بطريقة مذلّة، وإنّما بمفخرة، الحسين العظيم وأصحابه الكرام وأهله النجباء، أكيد لم يستشهدوا لأجل الشيعة أو السُنّة، ولا لأجل الهريس، أو الزيارة، أو الطبخ، أو غيرها من هذه العناوين، الاستشهاد كان بعنوان قضية عالمية تتوافق مع كلّ الأزمنة والأمكنة، فربّما لو أنّ هناك شعوب في أوربا تغلّبت على الظلم وقدّمت لإنسانها الخدمات التي تذكره بأنّه إنسان، مع وجود العقيدة الصحيحة، لربّما شمتله النفحة الحسينية.
نحن نردّد دوماً قول غاندي، الذي لم يضرب زنجيل أو غيره: ((تعلّمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر))، وقدّم هذه الثورة بمقاطعة الأقمشة البريطانية، فانظر ماذا حصل؟
لدينا تجّار يصرفون مصاريف هائلة لو أصبحت بشكل مشاريع لدعم الشباب العاطل وجعل الثورة الحسينية ثورة على غياب الصناعة الوطنية، بدل من الصناعة الكويتية والسعودية والأردنية، الله أعلم ماذا سيصنعون وفق العقيدة الحسينية الصحيحة، الله العالم ماذا سيقول الإمام الحسين(عليه السلام)..
أرجو إجابتكم، وأرجو فهم قصدي.
مع امتناني الكبير وشكري.
الجواب:

أوّلاً: لم نفهم ماذا تقصد بالتأصيل، ولعلك تريد منه وجهان:
أحدهما: أنّه لم يرد فعل هذه الأُمور من الأئمّة(عليهم السلام)، على طريقة استدلال من يدّعون اتّباع السلف؛ فإنّ هذا الإشكال يطرح منهم لردّ هذه الأُمور، وهو مبني على ما هو سائد عندهم من اتّجاه فكري، فيطرحون مقايسة في أذهانهم ويسألون: لمَ تفعلون هذه الأُمور ولم ترد من قبل الأئمّة (عليهم السلام)على اعتبار أنّهم سلف لنا؟
والجواب سيتّضح من الوجه الثاني.
ثانيهما: أنّك تريد أنّه لم ترد روايات تأمر أو تجوّز هذه الأُمور، ولذا فلا مدرك شرعي لها استند إليه العلماء في إباحتها.
والجواب عليه: الأحكام في الشريعة جاءت بطرق مختلفة.. منها: ما يبيّن الحكم الشرعي الجزئي لأغراض ودواعٍ مختلفة؛ كسؤال بعض المعاصرين للإمام عن الحكم، فيأتي الجواب، وتنقل لنا الرواية بهذا الحكم.
ومنها: ما جاء على شكل أحكام كلّية يترك تطبيقها للمكلّفين، وأكثر ما جاء من هذه الروايات من قبل أصحاب الأئمّة الفقهاء، اضافة للقواعد الكلّية الموجودة في القرآن، أو التي صدرت من الأئمّة(عليهم السلام) لدوافع مختلفة.
ومنها: ما جاءت لبيان بعض القواعد الكلّية في عملية استنباط الحكم الشرعي، وهي أيضاً لتعليم أصحاب الأئمّة من الفقهاء ومن يأتي بعدهم كيفية الاستنباط، وقد جمع بعض علمائنا هذه القواعد في كتب خاصّة، وأكثر ما تبحث في علم أُصول الفقه، ولك أن تراجع ذلك.
ومثل هذه الطرق في كيفية إلقاء الحكم الشرعي موجود حتى في القوانين الوضعية.
ومن ضمن هذه القواعد الكلّية المستخدمة في الاستنباط، هناك بعض القواعد تبيّن وظيفة المكلّف فيما لو لم يصل إليه حكم شرعي، أي: تُعيّن له ماذا يعمل، وتسمّى هذه القواعد بالأُصول العملية، فهي لا تعطي حكماً شرعيّاً، وإنّما تعطي وظيفة تعيّن له مساره في العمل والفعل الخارجي.
والفقهاء(رضوان الله عليهم) يعتمدون في استنباطهم للأحكام على كلّ هذه الطرق الواردة في الأحكام الشرعية؛ فحكمهم بالإباحة يستند في جانب من أدلّته إلى الأُصول العملية، وهي قواعد، كما قدّمنا، علّمنا إيّاها الأئمّة، وثبتت حجّيتها في الشريعة..
وإذ لا حكم جزئي في الروايات في مثل هذه الأُمور، كالضرب بالسلاسل والتطبير، حدّد العلماء الموقف العملي منها بأنّها: مباحة، كما هو الأمر في حكمهم بإباحة التدخين مثلاً، ومن ناحية أُخرى استندوا إلى قاعدة كلّية أُخرى واردة في القرآن، وهي: إحياء شعائر الله والحثّ عليها، فما يشخّص من مفردات وسلوك عملي للمكلّفين على أنّه من إحياء الشعائر، سوف يدخل في حكم الاستحباب؛ لهذه القاعدة.
ومن هنا يظهر ما في قولك: ((رغم عدم وروده في القرآن والسُنّة والعقل والإجماع)) من خطأ واستعجال! وعدم اطّلاع على بحوث العلماء! وقد ذكرنا في أجوبتنا ضمن العنوان العام لإحياء الشعائر بعض وجوه الاستدلال؛ فراجع!
ثانياً: إنّنا لم نعرف ماذا تقصد بـ((بينما لا يجوز الإفطار في الطائرة التي توصلني بساعات بقمّة الراحة في بعض الجوانب))!
وأمّا رؤية الهلال وكونها غير المعتبرة بالمرصاد، فهو ناتج عمّا استنبطه العلماء من ظاهر الروايات بحسب القواعد المقرّرة عندهم للاستنباط؛ فراجع تلك البحوث!
ثالثاً: ونحن أيضاً نؤكّد على أنّ الثورة الحسينية أرادت صنع الإنسان، وأنّها من ضمن التخطيط الإلهي، وكذلك نوافق على أنّ الإسلام يحثّ على العلم ولا يستدلّ إلاّ بالعلم، ولكن حسب الموازين الثابتة في العلم، لا حسب الذوقيات والاستحسانات؛ فإنّ اختلاف وجهات النظر لا يعدّ علماً.
ولم نعرف ما هي الملازمة العلمية بين جواز إدماء الرأس وبين قذارة الأزقة في البصرة! فأي علاقة بين الحكم الشرعي بما هو حكم شرعي وبين تقصير أفراد أو مسؤولين من المجتمع، أو حتى ضعف الوعي الثقافي للمجتمع ككلّ؟!
ونحن لا نوافق على استمرار الإهمال بحجّة إقامة الشعائر الحسينية، ولكن لا نلغي ذلك بسبب هذه، ولا ندّعي أنّ الحسين(عليه السلام) يوافق على ابقاء التخلّف والقذارة والتقصير من جانبنا, ولكن أيّ ربط بين هذه وهذهِ؟!!
رابعاً: والعلماء الأجلاء يقولون: إنّ من يواسي الحسين(عليه السلام) ويحيي الشعائر مأجور عند الله سبحانه، ولا يقولون: أنّ من قصّر أو تخلّف مأجور، ولكن من أين نثبت ما تحاول أن تدّعيه: أنّ هذه الشعائر هي سبب التخلّف؟! إنّ هذا الرأي عليه ألف علامة استفهام واستفهام!! والأمر لا يتأتّى بالذوقيات والاستحسانات.
خامساً: نعم، إنّ الحسين(عليه السلام) قتل بكرامة وعزّة وشرف، ولكن هل معنى ذلك أن ننصب له مجلس فرح وسرور، أم أنّ الواجب علينا المواساة لهذه المصيبة؟!
وهو (عليه السلام) لم يستشهد من أجل الهريس والطبخ، وإنّما الهريس والطبخ من أجل الحسين(عليه السلام)، وهي داخلة في سياق عام وسلوك شرعي وإجتماعي لإدامة مسيرة الحسين(عليه السلام) وإبقاء ذكراه وإعلاء شأنه، كيف وممارسة النذر لله شعيرة شرعية ثابتة في كلّ الديانات، مع أنّ الذهن لا يحتمل احتياج الله إليها؟! أو أنّ الشريعة قرّرت من أجل ذبح النذر وتقديم القرابين، ولكن لكلّ ذلك غايات يدركها المتأمّل.
سادساً: نحن لا نعترض على أنّ الحسين(عليه السلام) استشهد من أجل الإنسانية، بل نؤكّد عليه، كما نعتقد أنّه ثار ضدّ الجهل والانحراف والظلم، ومن أجل إقامة حكومة عادلة في جميع المجالات، ومنها: رفاه الناس، ولكن أيّ تلازم موجود بين إقامة الشعائر، وبين حصول التخلّف كما تصرّ عليه في سؤالك؟! فهل تقصد أنّ إقامة هذه الشعائر هو الذي أدّى إلى التخلّف وعدم وجود الخدمات؟ إنّ مثل هذه الشعار كان يروّج له أزلام صدام حسين المقبور.
ثمّ من قال من العلماء أو الفضلاء بوجوب الالتزام بالشعائر وترك خدمة الناس وإقامة العدل؟! بل إنّهم يصرّحون بأنّ إقامة العدل أفضل من إقامة الشعائر، وربّما تكون خدمة الناس والتبرّع في مجالات خيرية أفضل من التبرّع للطبخ وأمثاله، وربّما يكون الأمر في بعض الأحيان بالعكس.
إنّ مثل هذه الأُمور لا يمكن أن تنضبط تحت إطار واحد، فلكلّ عمل ميزانه ومقوماته وظروفه الخاصّة.
ومن قال لك أنّنا نرفض قول غاندي لأنّه لم يضرب بزنجيل؟!
بل نقول: إنّ الالتقاء بثورة الحسين(عليه السلام) لا يحدّه طريق أو وسيلة معيّنة، مع وجود التفاضل بين هذه الوسائل، فليس لأنّه لم يظهر لنا قائدٌ مثل غاندي (مع أنّ هذا الفرق غير صحيح، بل عندنا أفضل من غاندي بعدّة مراتب) فرضاً، فإنّه يجب أن نمنع الناس من العزاء على الحسين(عليه السلام)!
أو إنّ عدم وجود صناعة وطنية عندنا هو بسبب خروج مواكب العزاء والزنجيل!
فهل تعتقد حقّاً أنّه إذا منعنا مواكب العزاء سوف ينهض العراق إلى مصاف الدول الأُخرى؟!!
وما المانع من أن نقاطع البضائع الأجنبية ونخرج للعزاء في نفس الوقت؟!
ألم يعلّمنا الحسين(عليه السلام)، الذي نخرج لأجله، الإباء والحرّية والكرامة؟!
ونحن لا نقول: أنّ كلّ ما يصرف في المواكب الحسينية من قبل التجّار هو أفضل مورد لها، ولكن الناس تقبل على السهل اليسير، والمقطوع بالقبول في نظرها، وهم أحرار في أموالهم، ولو طرحنا المشكلة بصورة موضوعية وارتفع الوعي، لربّما كان الأمر بالاتجاه الأفضل والأحسن لخدمة الحسين(عليه السلام) وأهله، وتقدّم المجتمع بالمشاريع الخيرية.
ولكن هذا لا يعني أنّ ما يتبرّعون به للمواكب لا يوافق العقيدة الحسينية الصحيحة، فعليك أن لا تنسى أنّ هذه المواكب وهذه الشعائر هي التي أدّت إلى بقاء واستمرار جذوة الثورة الحسينية في قلوب أبناء شعبنا، وبقيت متواصلة مستمرة عبر الأجيال من الأجداد الى الأبناء؛ فتأمّل!



يتبع


رد مع اقتباس