عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/06/14, 04:01 PM   #4
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

السؤال: الضرر في التطبير
البعض يقولون: كيف نتطبّر مع أنّ التطبير مضر؟
وإن لم يكن مضرّاً، فهو ممّا لا يعقل دخوله ضمن الدين وشعائره؟
الجواب:

إنّ موضوع التطبير له بحث خاصّ من الناحية الشرعية، ولا نريد أن ندخل فعلاً في هذا الباب، ولكن الذي نودّ أن نذكّر به في مورد السؤال هو: أنّه لا دليل على حرمة مطلق الضرر، وإلاّ لكان أكثر المباح حراماً، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به.
وأمّا دخوله ضمن الشعائر فهو يتبع مشروعية العمل أوّلاً، وتأثيره الإيجابي عند الناس ثانياً.
ولا نقول حينئذ انّه من صميم الدين، بل هو من مصاديق الشعائر الحسينية، التي تشدّ المؤمنين بواقعة كربلاء، وتحثّهم على التضحية والفداء في سبيل عقيدتهم.


تعقيب على الجواب (1)
ا
السؤال هو: عن التطبير والقول الصحيح فيه؟ والجواب عن هذه الشبهة: من يقول بجواز التطبير فإنّه يقول: إنّ التطبير من الحجامة؛ فلا إشكال فيه، كذلك إنّ الأصل في الأشياء الحلّ، ولم يأتِ دليل بالتحريم، والتطبير كذلك..
وكذلك العقيلة زينب(سلام الله عليها) حين ضربت برأسها مقدّم المحمل أمام الإمام زين العابدين(سلام الله عليه) ولم ينكر عليها.. وكذلك إنّ الفاطميات خمشن وجوههنّ..
وإنّ التطبير لا يوهن المذهب، مثله مثل رمي الجمرات في الحجّ مثلاً..
وإنّ قضية الضرر وما يترتّب عليها يجاب عليها: بما ورد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة من بعده(عليهم السلام)؛ فقد ورد عن بعضهم القيام في الليل حتّى تتشقّق أقدامهم، وما ورد من أنّ بعض الأئمّة(عليهم السلام) حجّ ماشياً، كالإمام الحسن والسجّاد(عليهما السلام) حتّى تورمت قدماه.. ألا يكون هذا فعل جائز مع وقوع الضرر في فعله، فيكون كذلك التطبير فيه ضرر، ولكن جائز الفعل، مثله مثل القيام في الليل حتّى تتفطر القدم ويحصل الضرر؟!! وورد في زيارة الناحية المقدّسة: (ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً).
كما ورد في الروايات أنّ كلّ جزع منهي عنه إلاّ الجزع على الإمام الحسين(عليه السلام)، فيكون هنا خصوصية لجواز فعل التطبير، بل واستحبابه، مثل:
ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): (فأحيوا أمرنا يا فضيل، رحم الله من أحيا أمرنا).
ما ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام): (انّ يوم الحسين أقرح جفوننا).
ما ورد عن الإمام السجّاد(عليه السلام) أنّه كان يبكي حتّى يمتزج في الإناء دموعه مع دم خارج من عينه.
ما ورد عن الإمام السجّاد(عليه السلام) من أنّه يقوم الليل حتّى تتفطر قدماه، وهذا فيه ضرر، ومع ذلك لم يترك هذا الأمر؛ إذ ليس كلّ أمر فيه ضرر يكون محرّماً.

تعقيب على الجواب (2)
عظّم الله لكم الأجر بمصاب الإمام الحسين(عليه السلام)، وجعلكم الله من الطالبين بثأره مع إمام منصور من أهل بيت النبوّة(عليهم السلام).
أمّا بالنسبة إلى مسألة التطبير، فإنّها من الأُمور التي جعلها العلماء من المستحبّات، هذا من الناحية الفقهية، فإنّنا نجد البعض - ومنهم بعض الشيعة - ينتقدوننا على هذا العمل، وذلك لجهلهم الفائدة المتوخّاة من ذلك، من جهة، ولِما يؤثّره الإعلام الوهّابي ومن كان على شاكلتهم من جهة أُخرى.
فأقول إلى أخوتي الشيعة: لا تتسرّعوا بالحكم على شيء لا تعرفون أبعاده.
وأمّا بالنسبة إلى صحّته، فنقول:
1- ضرب السيّدة زينب(عليها السلام) رأسها بمحمل الرحل، وسيل الدماء من تحت القناع أمام الإمام زين العابدين(عليه السلام)، عندما رأت أهل الكوفة خرجوا ينظرون إليهم، ولم يمنعها الإمام(عليه السلام) من ذلك.
2- ذكر الأئمّة(عليهم السلام): (إنّ يوم الحسين(عليه السلام) أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا...)(1)، وأنّ في القرح ألم للناس، فلو كان الحرمة في ذلك لنهوا الناس.
3- قول الإمام الحجّة المنتظر(عليه السلام) في زيارة الناحية: (لأبكينّ عليك بدل الدموع دماً)(2)، فلو كان الإدماء حراماً فلماذا يفعل ذلك الإمام(عليه السلام)؟
4- إنّه ليس كلّ ما يؤلم الإنسان حرام، وإلاّ لحرم الختان للصبيان، وثقب الأذن والأنف.
5- إنّ في التطبير تأسّي بالإمام الحسين(عليه السلام) الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجلنا، والذي لم يبقَ مكان في جسده إلاّ وقد أُدمي، وهو ينادي: (وأقلّه ناصراه)، فلو خرج من قبره لوجد هذه الحشود التي تلبس الأكفان، ومخضّبة بالدماء جنوداً مجنّدة تحت رايته، فهذه الدماء أسوة بدماء الحسين(عليه السلام)، وما أجمل هذه الأسوة من أجل رجل قدّم كلّ ما يملك من أجل رضا الله.
واعلموا أنّ في التطبير رضاً لله تعالى، ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وللإمام(عليه السلام)، كما قال أحد المراجع.
وهناك أسباب عديدة أخرى للتطبير، يطول المقام بذكرها، وعظّم الله لكم الأجر.
(1) الأمالي للشيخ الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199).
(2) المزار الكبير: 501 الباب (18).

تعليق على الجواب (1)
:
قرأت تعليقكم: ضرب السيّدة زينب(عليها السلام) برأسها بمحمل الرحل, وسيل الدماء من تحت القناع, أمام الإمام زين العابدين(عليه السلام) عندما رأت أهل الكوفة خرجوا ينظرون إليهم...الخ.
ولكنّي أتساءل: أين مصادرك عن كلامك؟ حيث لم تذكر المصدر, رغم إنّني أًؤيد المجالس الحسينية، ولكنّني لا أُؤيد التطبير وضرب الزنجيل.
الجواب:

1- لقد ذكر ضرب زينب لرأسها بمقدّم المحمل، كما ذكر صاحب (بحارالأنوار)(1).
2- لقد ورد في (الأمالي) عن الإمام الرضا(عليه السلام): (إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام)(2).
3- ورد في كتاب (المزار) للمشهدي زيارة خرجت من الناحية المقدّسة(عليه السلام)، قال في فقراتها: (ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً...)(3).
هذه هي مصادر ما ذكره عصام الحسيني في تعليقه على سؤال: الضرر من التطبير.

(1) بحار الأنوار 45: 115.
(2) أمالي الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199).
(3) المزار: 501 الباب (18).

السؤال: حكم التطبير
عرفت أنّ بعض العلماء يحرّمون التطبير، فكيف يمكن أن يتردّد الأمر بين الحرمة وبين الاستحباب، فهناك تفاوت كبير؟!
الجواب:

كلّ عمل لم يرد فيه نهي أو حرمة من الشريعة يكون الأصل فيه الإباحة، فالتطبير بالعنوان الأوّلي مباح عند جمهور الفقهاء، فإنّه وإن كان فيه ضرر, فإنّ هذا الضرر لا يوصله إلى مرحلة الحرمة, نعم لو كان في التطبير إزهاق نفس أو تلف عضو وما شابه ذلك فإنّه يدخل تحت عنوان الحرمة.
وأمّا الذين يقولون بحرمة التطبير، فإنّهم يقولون بحرمته بالعنوان الثانوي من جهة أنّ هذا العمل يولّد في هذا العصر نفوراً من المذهب أو الدين الإسلامي. والذي يقول باستحبابه يقول باستحبابه لدخوله تحت عنوان الشعائر.
فلا تناقض إذاً في الأحكام؛ فالفقهاء جميعاً متّفقون على أنّه إذا ولـّد هذا العمل نفوراً، أو ضرراً يُعتدّ به، أو إذا كان العمل يخالف مصلحة المذهب أوجب القول بحرمته، أو كراهته حسب الحكم الثانوي، وإذا دخل تحت عنوان الشعائر يقال باستحبابه. ويجب على كلّ مكلّف اتّباع المرجع الذي يقلّده في هذه المسألة، مثل جميع المسائل الفقهية.

السؤال: أدلّة جواز تحمّل الأذى حزناً على أولياء الله
هل يوجد دليل على جواز تحمّل الأذى حزناً على أولياء الله؟
الجواب:

هناك نصوص كثيرة تدلّ على مشروعية تحمّل الأذى حزناً على أولياء الله وأصفيائه، نذكر منها ما يلي:
1- إنّ النبيّ يعقوب(عليه السلام)، بكى على ولده النبيّ يوسف(عليه السلام) - على الرغم من علمه أنّه على قيد الحياة - حتـّى ابيضّت عيناه من الحزن، وقد قال له أبناؤه أيضاً: (( قَالُوا تَالله تَفتَأُ تَذكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَو تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ )) (يوسف:85).
2- لقد بكى الإمام السجّاد(عليه السلام) على أبيه، حتـّى خيف على عينيه(1), بل خيف عليه أن يكون من الهالكين أيضاً(2).
3- كما أنّ الإمام السجّاد(عليه السلام) حين رأى الشهداء صرعى، كادت نفسه الشريفة تخرج، فقالت له عمّته السيّدة زينب(عليها السلام): (ما لي أراك تجود بنفسك...)(3).
4- وفي زيارة الناحية المقدّسة: (ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك، وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً، حتـّى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب)(4).
5- وعن الإمام الرضا(عليه السلام): (إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا)(5).
6- روي أنّ الإمام السجّاد(عليه السلام)، كان يبكي عند شرب الماء، حتـّى يجري الدمع في الإناء(6).
7- يذكرون أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) قد ضربت جبينها بمقدّم المحمل، حتـّى سال الدم من تحت قناعها(7).
8- حين عاد السبايا إلى المدينة، ((فما بقيت في المدينة مخّدرة ولا محجّبة إلاّ برزن من خدورهنّ مكشوفة شعورهنّ، مخمشة وجوههنّ، ضاربات خدودهنّ))(8).
وهكذا جرى في الكوفة أيضاً، حين وصل السبايا إليها؛ إذ خطب حينئذ الإمام السجّاد(عليه السلام)، وأُمّ كلثوم، وفاطمة بنت الحسين(عليه السلام)(9).
9- روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يعترض على نساء الأنصار في ما فعلن في أنفسهنّ بعد قضية أُحد؛ حيث إنّهنّ قد خدشن الوجوه، ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وحرمن البطون على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فلمّا رأينه قال لهنّ خيراً، وأمرهنّ أن يستترن، ويدخلن منازلهنّ(10).

(1) مناقب آل أبي طالب 3: 303، بحار الأنوار 46: 108 حياة الإمام السجّاد(عليه السلام).
(2) كامل الزيارات: 213 الباب(35) حديث (306)، أمالي الصدوق: 204 المجلس(29) حديث (221)، الخصال: 273 باب الخمسة، بحار الأنوار 12: 264.
(3) كامل الزيارات: 444 الهامش (ملحق كامل الزيارات قسم الزيادات)، بحار الأنوار 28: 58 كتاب الفتن.
(4) المزار: 15 الباب (18) زيارة الناحية المقدّسة، بحار الأنوار 98: 238 و241 و317 و320.
(5) أمالي الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199)، بحار الأنوار 44: 284.
(6) تاريخ النياحة 6: 146، عن جلاء العيون للسيّد عبد الله شبّر، وعن أعيان الشيعة.
(7) بحار الأنوار 45: 115، الفردوس الأعلى: 19 - 22، المجالس الفاخرة: 298.
(8) اللهوف: 114، بحار الأنوار 45: 147، دعوة الحسينية: 117.
(9) انظر: اللهوف: 88، بحار الأنوار 45: 112.
(10) الكافي 8: 318، بحار الأنوار 20: 107 - 109، تفسير الصافي 1: 387، تفسير نور الثقلين 1: 398.

السؤال: الشعائر الحسينية بدعة أم لا؟
هل يصحّ إطلاق عنوان البدعة على الشعائر الحسينية الجديدة؟
الجواب:

لا يصحّ إطلاق البدعة على الشعائر الحسينية أبداً؛ لأنّ الشعائر الحسينية مصاديق ورموز تعبيرية عن مفهوم الحزن على استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) الذي أكّد عليه أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)؛ فقد قال الإمام الصادق(عليه السلام): (رحم الله من أحيا أمرنا)(1).
وقال الإمام الرضا(عليه السلام): (من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(2), وقد وردت كثير من الروايات في هذا المجال.
وأمّا بالنسبة إلى مصاديق الشعائر فإنّ للحزن على سيّد الشهداء طرق مختلفة، وكلّ فئة تعبّر عن حزنها بأُسلوبها وطريقتها المألوفة عندها, والتعدّد في هذه الأساليب لا صلة له بالبدعة أبداً, وإنّما هذه المصاديق يصحّ التمسّك بها في ما لو كانت مؤيّدة من قبل العُرف, وحتّى لو كانت غير مؤيّدة من الناحية العرفية, فإنّها لا تكون بدعة، بل تصبح أمراً شاذّاً، وأُسلوباً تعبيرياً غير معروف وغير متعارف بين الناس، ويتوجّه إليها النقد من هذه الجهة لا من ناحية أُخرى.

(1) قرب الأسناد: 32 حديث (105)، بحار الأنوار 2: 151 الباب (19) حديث (30).
(2) أمالي الصدوق: 131 المجلس(17) رقم 119(4).

سؤال: اقامتها ليست بدعة
ما ردّكم على من يعتبر لطم الصدور ومواكب العزاء بدعة؟
الجواب:

انّ مجالس العزاء التي تقام لاهل البيت (عليهم السلام) - خصوصاً لابي عبد الله (عليه السلام) - بشكل عام أو التي تقام لذوي الفضل والفضيلة بشكل خاص ليست ببدعة . لان البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين ومجالس العزاء لذوي الفضل والفضيلة - فضلاً عن أهل البيت (عليهم السلام) والحسين (عليه السلام) - من الدين لوجود النصوص الشرعيّة من النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) على استحباب إقامتها ورجحانها . منها :
1- روى البخاري في صحيحه في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ، بسنده عن عائشة قالت : لما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحه جلس يعرف فيه الحزن . قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : جلس . أي في المسجد كما في رواية أبي داود (إرشاد الساري 2 / 393 ) .
2- روى البخاري في صحيحه في الباب المذكور بسنده عن أنس قال : قنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهراً حين قتل القرّاء فما رأيت رسول الله حزن حزناً قط اشدّ منه . ( إرشاد الساري 2 / 396 ) .
فاذا جاز القنوت شهراً لاظهار الحزن عليهم جاز الجلوس لذلك ولنقتصر على هذا القدر من الروايات وإن أردتم التفصيل فعليكم بمراجعة كتاب ( سيرتنا وسنتنا ) للعلاّمة الأميني.
وأمّا اللطم على الصدور فهو من حيث الأصل مباح شرعاً إذا كان القيام به لهدف مشروع وغرض عقلائي ولم يترتّب عليه ضرر كبير . ودليلنا الشرعي على جوازه ما رواه الشيخ الطوسي في (التهذيب 2 / 283) في آخر الكفّارات عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : ( ولقد شققن الفاطميات الجيوب ولطمن الخدود على الحسين بن علي ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب ) .
وأيضا ذكره الشهيد في الذكرى في البحث الرابع من المطلب الثالث من أحكام الاموات . وهناك وجوه تدل على حسنه وصحته نذكر أهمها :
الاول : توقّع الثواب من الله سبحانه وتعالى والأجر حيث ان اللطم على الصدور هو مصداق من مصاديق إظهار الحزن وعلامة من علامات الحب والولاء الشديد لأهل البيت (عليهم السلام) المظلومين أو للحسين الشهيد الذي ضحى بكل شيء من أجل الدين .
الثاني : تعظيم شعائر أهل البيت (عليهم السلام) وتعزيز عظمتهم وتكريم مقامهم أمام الرأي العام .
الثالث : يرمز الى تأييد الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة وإعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضد أعداء الحق والعدل . اذن ظهر من هذا ان اللطم على الصدور ليس ببدعه بل هو أمر جائز بل راجح اذا كان لأجل مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) لا سيما الامام الحسين (عليه السلام).

السؤال: مع فرض وجود التشابه في الطقوس بين الديانات فلا دلالة فيه على البطلان
كثير من مراسم عزاء الإمام الحسين(عليه السلام) هي مأخوذة من مراسم المسيحية في شرق أوروبا، (مثل النعش الرمزي وتمثيل المعركة ومظاهر إيذاء النفس)، أدخلتها الدولة الصفوية لتقويض التشيّع.
الجواب:

إنّ أشكال وأنماط الطقوس، سواء كانت عزائية أو غيرها، عند شعوب العالم تدخل في خانة التراث، أو الفلوكلور الشعبي لهذه القومية أو تلك، والتلاقح والتزاوج بين الأقوام في مثل هذه الطقوس بشكلها الخارجي، مع اختلاف قليل، نابع من طبيعة كلّ شعب أو قومية، وهو أمر ثابت في علمي التاريخ والإجتماع, ولكن هذا ليس له أدنى علاقة بالعقيدة، فإنّ كلّ قومية أو شعب يكون الطقس المعين عنده يرمز لما في ضميره من رموز أو مفاهيم مقدّسة لا توجد عند القومية الأُخرى، وإن كان هناك تشابه بين الطقسين, نعم لا نمنع حدوث الانتقال بالنسبة للمفاهيم المقدّسة بين الشعوب والقوميات الأُخرى أيضاً، ولكن هذا يحتاج إلى أدلّة أُخرى غير مجرّد التشابه، فضلاً عن التشابه البعيد، أي: في جزئية معينة بين طقسين عند ديانتين أو قوميتين مثلاً.
وهنا نقول:
أوّلاً: نحن نمنع وجود التشابه التام أو الغالب، ونناقش بما يظهر من بعض تشابهٍ جزئي، بأنّ إرجاعه إلى أصل واحد لا يعدو كونه مدّعى من قبل المستشرقين من دون أدلّة، واتّبعهم بعض الكتّاب المقلّدين مدفوعين بأغراض مذهبية لا تخفى.
ثانياً: إنّ هذا التشابه المدّعى لو سلّم لا يدلّ على وجود ارتباط عقيدي من نوع ما، بل أكثر ما يدلّ على وجود تداخل وتعايش بين قوميتين أو ديانتين حصل بينهما نوع من التلاقح الثقافي في التراث الشعبي ليس إلاّ.
ثالثاً: إنّ أوجه التشابه المدّعاة (النعش الرمزي وتمثيل المعركة وإيذاء النفس) لا تنحصر في ديانة أو قومية معيّنة، وإنّما نستطيع أن نجد لها جذوراً مشابهة حتّى عند الأقوام والديانات القديمة، ممّا يدلّ على وحدة الوازع والمبدأ عند البشرية ككلّ لمثل هكذا طقوس.
ويبقى النقاش في أصل ما ترمز له هذه الطقوس والمقدّسات، هل هو حقّ أو باطل؟ فلاحظ!

السؤال: الرؤية الغربية للشعائر الحسينية
في زمن الفضائيات وسهولة انتقال الخبر، هل يصحّ القول بأنّ ما يقوم به الشيعة في مختلف البلدان في مناسبة عاشوراء، وخصوصاً القاسي منه، يؤدّي إلى عكس صورة غير حضارية عن الطائفة في بلاد الغرب؟
الجواب:

أوّلاً: إنّ للغرب معاييره ومناهجه ومفاهيمه عن الحياة، وله أيضاً قِيَمه التي يؤمن بها، ويلزم نفسه برعايتها... ولنا نحن قيمنا ومفاهيمنا، وديننا ومناهجنا، فلماذا نلزم أنفسنا بالتقيّد بما يرضيهم عنّا، أو بما يسمّى: حضارة حسب مقاييسهم؟!
ولماذا لا يكون العكس؟! أو لماذا لا نلتزم نحن وإيّاهم بما يرضي الله تعالى, فنعمل على توحيد المناهج والمفاهيم, وتحديد المثل والقيم الصحيحة، لتكون هي الأساس في التعامل فيما بيننا وبينهم..
إنّ إرضاء الغرب عن المسلمين، أو عدم إغضابهم، من الأمور المستحيلة ما دام المسلمون متمسّكين بدينهم وبقيمهم، قال تعالى: (( وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم )) (البقرة:120).
ثانياً: إنّ التزامنا بالتخلّي عن كلّ ما يزعج الغرب، أو بما لا يسمّى حضارة عندهم، سوف ينتهي بنا إلى التخلّي عن ثوابت بالغة الحسّاسية في ديننا الحنيف؛ فإنّ الغرب مثلاً لا يرتاح لقتل القاتل، ولا لرجم الزاني، ولا لقطع يد السارق، ولا... ولا... ويرى أنّ هذه أُمور خلاف الحضارة، فهل نتخلّى عن ذلك كلّه، ونغضب الله تعالى لكي يرضى عنّا الغربيون أو غيرهم؟!
ثالثاً: إنّه إذا كان في بعض المراسم العاشورائية بعض القسوة على الذات, فإنّ لدى الغربيين كثير من مظاهر القسوة على الذات وعلى الغير, من إنسان أو حيوان, ممّا لا يمكن أن يقبله وجدان, أو يقرّه شرع أو دين, وهي قسوة لا تهدف إلى تأييد الدين, وليست من أجل الإنسان, بل هي قسوة من أجل الدنيا وزبارجها وبهارجها... وذلك كما في حلبات الملاكمة؛ فإنّها خير شاهد على بعض مظاهر هذه القسوة البالغة، وتلك هي ساحات مصارعة الثيران, أو حرق الطيور أو دفنها وهي لا تزال حيّة, فضلاً عمّا يفعله بعضهم بنفسه في تمثيل صلب المسيح على حدّ زعمهم, وكثير سواه، وما يعرض على شاشات التلفاز بعض يسير منه...
إنّ من يفعل ذلك كلّه من أجل الدنيا، وبدافع الأنا، لا يحقّ له أن يعترض على بعض مظاهر القسوة على الذات, من أجل معنى إنساني سام ونبيل، أو لتجسيد قيمة إيمانية في نطاق دعوة الناس إليها، وتربيتهم عليها...
رابعاً: إنّ أحداً لم يزعم أنّ مراسم عاشوراء، التي يستظهر منها بعضهم القسوة والعنف، ممّا يجب القيام به على كلّ أحد، وفي كلّ زمان ومكان, ويجب عرضها على شاشات التلفاز على الفضائيات, أو في المواقع التي يوجب عرضها فيها بثّ الرعب في نفوس الناس، وصدودهم عن قبول الحقّ.
بل الذي يؤكّد عليه علماؤنا ومراجعنا هو: أنّ إجراء هذه المراسم ليس حراماً، ولكنّهم يشترطون الامتناع عن فعلها أو عرضها في المواضع والمواقع التي ينشأ عنها وهن في المذهب, أو إحداث رعب لدى الناس، وصدود عن الحقّ...
ولكن بشرط أن يكون الرعب والصدود ظاهرة عامّة في الناس, لافتة للنظر، أمّا الحالات النادرة أو الشاذة, فلا يلتفت إليها, ولا يعوّل عليها...
والحمد لله, والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمّد وآله الطاهرين.

السؤال: الأدلّة القرآنية على جواز الاحتفال بأفراح أهل البيت(عليهم السلام)
ما هو الدليل على جواز إقامة الاحتفالات في أفراح محمّد وآل محمّد؟ على أن يكون الجواب من المصادر السنّية.
الجواب:

هناك استدلالات عديدة لجواز الاحتفال بمولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته(عليهم السلام)، استدلّ بها علماء الفريقين ردّاً على الوهّابية، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدعة، من الأدلّة:
1- قوله تعالى: (( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) (الحج:32)، باعتبار أنّ شعائر الله تعالى هي أعلام دينه، خصوصاً ما يرتبط منها بالحجّ؛ لأنّ أكثر أعمال الحجّ إنّما هي تكرار لعمل تاريخي، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم(عليه السلام)، وشعائر الله مفهوم عامّ شامل للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولغيره، فتعظيمه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لازم.
ومن أساليب تعظيمه: إقامة الذكرى في يوم مولده ونحو ذلك، فكما أنّ ذكرى ما جرى لإبراهيم(عليه السلام) من تعظيم شعائر الله سبحانه، كذلك تعظيم ما جرى للنبيّ الأعظم محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون من تعظيم شعائر الله سبحانه.
2- قوله تعالى: (( ذَكِّرهُم بِأَيَّامِ اللهِ )) (ابراهيم:5)، فإنّ المقصود بأيّام الله: أيّام غلبة الحقّ على الباطل، وظهور الحقّ، وما نحن فيه من مصاديق الآية الشريفة؛ فإنّ إقامة الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيّام الله سبحانه.
3- قوله تعالى: (( قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا )) (يونس:58)، إذ من المصاديق الجليّة لرحمة الله سبحانه هو: ولادة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فالفرح بمناسبة ميلاده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مطلوب ومراد.
4- قوله تعالى: (( وَرَفَعنَا لَكَ ذِكرَكَ )) (الشرح:4)، فإنّ الاحتفالات بميلاده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما هي إلاّ رفع لذكره، وإعلاء لمقامه.
5- قوله تعالى: (( قُل لاَّ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى )) (الشورى:23)، بأنّ مودّة ذوي القربى مطلوبة شرعاً، وقد أمر بها القرآن صراحة، فإقامة الاحتفالات للتحدّث عمّا جرى للأئمّة(عليهم السلام) لا يكون إلاّ مودّةً لهم.
6- قوله تعالى: (( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ )) (الاعراف:157)، باعتبار أنّ إقامة الاحتفال للتحدّث عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه نوع من التعظيم والنصرة له.
7- قوله تعالى: (( رَبَّنَا أَنزِل عَلَينَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارزُقنَا وَأَنتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ )) (المائدة:114)، فقد عدّ يوم نزول المائدة السماوية عيداً وآية، مع أنّها لأجل إشباع البطون..
فيوم ميلاده(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويوم بعثته، الذي هو مبدأ تكامل فكر الأُمم على مدى التاريخ أعظم من هذه الآية، وأجلّ من ذلك العيد، فاتّخاذه عيداً يكون بطريق أولى.
8- قوله تعالى: (( وَالضُّحَى * وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى )) (الضحى:1-2)، فقد قال الحلبي: ((أي: وقد أقسم الله بليلة مولده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله تعالى: (( وَالضُّحَى * وَاللَّيلِ ))، وقيل: أراد بالليل: ليلة الإسراء، ولا مانع أن يكون الإقسام وقع بهما، أي: استعمل الليل فيهما))(1).
9- إنّ الاحتفال بالمولد سُنّة حسنة، وقد قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها)(2).
10- إنّ جلّ أعمال مناسك الحجّ ما هي إلاّ احتفالات بذكرى الأنبياء؛ فأمر الله تعالى باتّخاذ مقام إبراهيم مصلّى إحياء لذكرى شيخ الأنبياء إبراهيم(عليه السلام)..
أمّا السعي بين الصفا والمروة فهو تخليد لذكرى هاجر حينما عطشت هي وابنها إسماعيل، فكانت تسعى بين الصفا والمروة، وتصعد عليهما لتنظر: هل ترى من أحد؟
ورمي الجمار تخليد لذكرى إبراهيم(عليه السلام)، حينما ذهب به جبرائيل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيّات، فساخ.
وذبح الفداء إنّما هو تخليد لذكرى إبراهيم(عليه السلام) أيضاً، حينما أُمر بذبح ولده إسماعيل(عليه السلام)، ففداه الله بذبح عظيم.
وفي بعض الأخبار: إنّ أفعال الحجّ إنّما هي احتفال بذكرى آدم(عليه السلام)؛ إذ تاب الله عليه عصر التاسع من ذي الحجّة بعرفات، فأفاض به جبرائيل حتّى وافى إلى المشعر الحرام فبات فيه، فلمّا أصبح أفاض إلى منى، فحلق رأسه أمارة على قبول توبته، وعتقه من الذنوب، فجعل الله ذلك اليوم عيداً لذرّيّته.
فأفعال الحجّ كلّها تصير احتفالات. وأعياداً بذكرى الأنبياء، ومن ينتسب إليهم، وهي باقية أبد الدهر.
وأخيراً: أكمل الأدلّة على جواز إقامة الاحتفال بمولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هو دليل الفطرة - والدين والشرع منسجم تماماً مع مقتضيات الفطرة ومتطلّباتها - فقد اعتاد الناس انطلاقاً من احترامهم للمثل والقيم التي يؤمنون بها، على احترام الأشخاص الذين بشّروا بها، وضحّوا في سبيلها، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً كذلك..
ورأوا: أنّ إحياء الذكرى لهؤلاء الأشخاص، لم يكن من أجل ذواتهم كأشخاص، وإنّما من أجل أنّهم بذلك يحيون تلك القيم والمثل في نفوسهم، وتشدّ الذكرى من قوّة هذا الارتباط فيما بينهم وبينها، وترسّخها في نفوسهم، وتعيدهم إلى واقعهم.
وهكذا يقال بالنسبة للاحترام الذي يخصّون به بعض الأيّام، أو بعض الأماكن، وقديماً قيل:
مررت على الديار ديار ليلى ***** أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبُّ الديار شــغفن قلبي ***** ولكن حبّ من سكن الديارا
ويلاحظ: أنّ الاهتمام بإقامة الذكريات والاحتفال بالمناسبات، التي تمثّل تحوّلاً من نوع ما في حياة الناس عامّة لا يقتصر على فئة دون فئة، ولا يختصّ بفريق دون فريق، فالكبير والصغير، والغني والفقير، والملك والسوقة، والعالم والجاهل، والمؤمن والكافر، وغيرهم، الكلّ يشارك في إقامة الذكريات للمُثل والقيم، ولمن يمثّلها، حسب قدراته وإمكاناته.
فهذه الشمولية تعطينا: أنّ هذا الأمر لا يعدو عن أن يكون تلبية لحاجة فطرية، تنبع من داخل الإنسان، ومن ذاته، وتتّصل بفطرته وسجيّته، حينما يشعر أنّه بحاجة إلى أن يعيش مع ذكرياته وآماله، وإلى أن يتفاعل مع ما يجسّد له طموحاته.
فيوم ولادة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو يوم فرح المسلمين، ويوم عيد وبهجة لهم، ولا بدّ أن يستجيب الإسلام لنداء الفطرة، ويلبّي رغباتها ما دامت منسجمة مع منطلقاته وأهدافه، ولا يحرمها من عطاء رحمته وبرّه ما دام أنّه دين الفطرة، الذي يوازن بين جميع مقتضياتها، ويعطيها حجمها الطبيعي، دون أن يكون ثمّة إهمال مضرّ، أو طغيان مدمّر.
وهذه هي عظمة تعاليم الإسلام، وهذا هو رمز الخلود له، وفّقنا الله للسير على هدى هذا الدين، والالتزام بشريعة ربّ العالمين، إنّه خير مأمول، وأكرم مسؤول.

(1) السيرة الحلبية 1: 95، السيرة النبوية لزيني دحلان 1: 21.
(2) مسند أحمد 4: 362، وانظر: سنن الدارمي 1: 130، سنن ابن ماجة 1: 74 حديث (203)، سنن الترمذي 4: 149 حديث (2815)، المصنّف لابن أبي شيبة 3: 3، تاريخ مدينة دمشق 43: 544.

سؤال: هل احتفل الصحابة بعيد المولد ؟
هل للمسلمين عيدين فقط كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟
أرجو جواباً مفصّلاً ومعه أدلّة نقلية وعلمية.
وهل صحيح ما يقول علماء السُنّة: أن لا أحد من صحابة رسول الله احتفل بعيد المولد النبوّي، وأنّ الاحتفال بهذه المناسبة الشريفة بدأ في عهد الدولة الفاطمية؟.
الجواب:
نعم, اتّفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام: عيد الأضحى، وعيد الفطر, وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية, مثل: حرمة الصيام فيهما.
والشيعة تعتقد بأنّ هناك عيد ثالث, وهو عيد الله الأكبر, وهو: يوم الغدير؛ لروايات كثيرة من الفريقين, منها: ما أخرجه الأئمّة الخمسة: مسلم، ومالك، والبخاري، والترمذي، والنسائي، كما في (تيسير الوصول), ورواه الطحاوي في (مشكل الآثار)، والطبري في تفسيره, وابن كثير في تفسيره عن أحمد والبخاري, ورواه جمع آخر(1), عن طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطّاب, فقال: لو نزلت فينا هذه الآية: (( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم... )) (المائدة:3) لاتّخذنا يوم نزولها عيداً. ولم ينكرها عليه أحد من الحضور.
كما روى الشيخ الصدوق في (أماليه) من طرقنا: عن الإمام الصادق(عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، قال: (قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي, وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي عليّ بن أبي طالب علماً لأمّتي، يهتدون به من بعدي, وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتمّ على أمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً)(2).
وجاء في الحديث: (كلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد)(3).
وأمّا قضية الاحتفال بذكرى مولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وغيره من المناسبات الإسلامية, فهي أوّلاً: ليست عيداً على الإطلاق.
فالكلام إذاً في مشروعيّتها، فنقول:
1- الاحتفال لغة هو الاهتمام والإجتماع على الأمر, فإن كان هذا الأمر المهتم به والمجتمع عليه من الأُمور المشروعة والتي فيها ذكر لله سبحانه وتعالى وتعظيم لرسوله الكريم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمثال ذلك من الأُمور المشروعة والمرضية في الشريعة, فهو أمر مندوب ومستحبّ, وقد رغب الشارع المقدّس فيه، فقال تعالى: (( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) (الحج:32).
2- بالنسبة للصحابة، فسواء عملوا بهذا الأمر واحتفلوا بهذه المناسبة أو لم يعملوا، فليس فعلهم وتركهم حجّة شرعية يجب العمل بها, ولذلك نجد أنّ عليّاً(عليه السلام) حينما عرضوا عليه الخلافة في قضية الشورى بين الستّة بشرط العمل بكتاب الله وسُنّة النبيّ وسيرة الشيخين, رفض عليّ(عليه السلام) ذلك ولم يقبل العمل إلاّ بكتاب الله وسُنّة نبيّه، ولم يرضَ العمل بسيرة الشيخين(4).
3- إنّ القاعدة الفقهية تقول: ((كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام))(5), فما لم يوجد نهي في القرآن أو السُنّة النبويّة على أمر فهو مباح يجوز العمل به، ولا يعدّ بدعة كما يدّعيه بعض المذاهب الشاذّة.
وهكذا القاعدة الأُصولية العقلية القائلة: بـ(أصالة البراءة)، وأنّ الإنسان بريء الذمّة لا يعاقب على شيء يعمله حتّى يرد فيه نهي شرعي(6).
كما يمكن أن نؤيّد المسألة ببعض الروايات الدالّة على استحباب تعاهد هذا اليوم (17 ربيع الأوّل) بالصيام والتوسعة على العيال، وأمثال ذلك ممّا فيه إشعار بالاهتمام بمثل هذه المناسبات, وإن اختلفت صور الاهتمام من زمان إلى آخر(7), فاختلاف مصاديق الاهتمام لا يدلّ على اختلاف الحكم الشرعي, كما نرى ذلك في كثير من المواضيع الخارجية، كالوسيلة النقلية، وطرق المواصلات، وما شاكل ذلك, فلا يعدّ هذا خلافاً لم يعمله الأصحاب, فكذا موردنا في إظهار البهجة والسرور وإنشاد الأشعار والمدائح في حقّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذكرى ولادته.
هذا مضافاً إلى أنّ مثل هذه المجالس لا تخلو من قراءة القرآن، والوعظ والإرشاد والتقرّب إلى الله تعالى, وهذا كلّه من الأُمور المستحبّة بشكلٍ مؤكّدٍ.

(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 28، 39 مسند عمر بن الخطّاب، صحيح البخاري 1: 16 كتاب الإيمان، و 5: 127 كتاب المغازي باب حجة الوداع، و 8: 137 كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنّة، صحيح مسلم 8: 238 - 239 كتاب التفسير، سنن الترمذي 4: 316 أبواب تفسير القرآن من سورة المائدة حديث (5034، 5035)، السنن الكبرى للبيهقي 3: 181 كتاب الجمعة، باب الإمام يمرّ بموضع لا تقام فيه الجمعة مسافراً، 5: 118 كتاب الحجّ، باب ما جاء في فضل عرفة، فتح الباري 1: 97 كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، عمدة القاري 1: 262 - 264، و18: 43، 25: 23، تحفة الأحوذي 8: 323 ابواب تفسير القرآن من سورة المائدة، مسند أبي داود الطيالسي: 353، مسند الحميدي 1: 19 حديث (31)، السنن الكبرى للنسائي 2: 420 كتاب الحجّ، ما ذكر في عرفة حديث (3997)، و6: 533 كتاب الإيمان باب زيادة الإيمان حديث (1174)، صحيح ابن حبّان 1: 413 كتاب الإيمان الباب (4)، المعجم الكبير 12: 143، كنز العمّال 2: 399 حديث (4351)، جامع البيان 6: 110 - 111، تفسير الرازي 5: 191، تفسير القرطبي 6: 61، تفسير ابن كثير 2: 14 - 15، الدرّ المنثور 2: 258 سورة المائدة، مشكل الآثار 3: 196 باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(2) أمالي الشيخ الصدوق: 188 المجلس(26) حديث (197).
(3) نهج البلاغة 4: 100 حديث (428) باب المختار من حكمة.
(4) انظر: شرح نهج البلاغة 1: 188 قصّة الشورى، المحصول للرازي 6: 86.
(5) المحاسن 2: 495 الباب (7) حديث (596، 602)، الكافي 5: 313 كتاب المعيشة، كتاب الأُمّ للشافعي 2: 53 كتاب الصيد الذبائح.
(6) انظر: الأُصول العامّة للفقه المقارن: 511 - 518.
(7) انظر: مصباح المتهجّد: 791 أعمال شهر ربيع الأوّل، إقبال الأعمال 3: 122فصل (12).

السؤال: الفرق بين الندب والرثاء الحسيني
ما هو الفرق بين الندب والحسينيات...
الجواب:

لم يتضح المراد من سؤالكم، ولعلك تقصد بالندب مطلق التعازي وقول الأشعار في حق الميت، وتقصد بالحسينيات ما يقام أو يقال في خصوص الحسين (عليه السلام) من باب التعزية والرثاء.. والفرق من هذه الناحية واضح ومعلوم فقد حث الشارع المقدس على تعظيم شعائر الله بشكل مطلق ما لم يكن هذا التعظيم بوسائل محرّمة ومنهي عنها، وقد جعل هذا التعظيم من علائم التقوى القلبية كما هو المستفاد من قوله تعالى: ((وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) (سورة الحج: آية 23).
وأيضاً ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحث في البكاء والندب على رجالات الدين والشهداء مثل قوله في حق حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) عندما سمع (صلى الله عليه وآله وسلم) نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن: (ولكن حمزة لا بواكي له، قال أحمد: ثم نام (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستنبه وهن يبكين، قال: فهنَّ اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة) (مسند أحمد بن حنبل 2: 40).

سؤال: فلسفة الراية في الاسلام
سؤالي هو حول فلسفة الراية في الاسلام ولماذا كان يرفعها المسلمون في حربهم ضد الكفار هل انها ترعب الاعداء ام غير ذلك .

الجواب:

الراية تطلق على العلم وكذلك على اللواء الذي يمسكه صاحب الجيش وتجعل شعارا للحرب وعادة تحتوي على كلمات مختصرة لها رمزية خاصة وجرت عادة الجيوش والعساكر على اتخاذها في المعارك ومثلا كانت راية رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) في معركة بدر مكتوب عليها يا منصور امت .
والراية لها اهمية كبيرة في الحرب فهي تعبر عن حالة التفاؤل والانتصار حتى انها تسمى ام الحرب وانكاسها وسقوطها يعني الهزيمة والخسران وقد تكون لها فوائد كثيرة من ضمنها انها تجعل دلالة لحركة ومسار الجيش وقد يكون لهزها بعض الدلالات الرمزية حسب ما يتفق عليه العسكر وقد تعطي الرعب والرهبة في قلوب الاعداء الى غير ذلك من الدلالات .

السؤال: لا رياء في الشعائر الحسينية
ما هو رأي سماحتكم بالرياء في الشعارات الحسينيه والدينية ؟
الجواب:

ليس كل تظاهر رياء مبطل للعمل بل الرياء أمر قلبي بأن يأتي الانسان بالعمل بقصد إرائة الناس لا لله تعالي لكن في الشعائر الحسينية بما أنها شعائر يمكن أن يتظاهر الانسان بهذه الشعائر لكن مع ذلك يقصد التقرب ألي الله تعالي ويكون التظاهر نوعاً من تعظيم الشعائر فبدلاً من أن يلطم في البيت علي الحسين (عليه السلام) لوحده وبمفرده يأتي إلي المسجد أو الحسينية ويلطم أمام الناس وهذا لا ينافي قصد القربة بل قد يزيد فيه لكونه تعظيماً للشعائر أيضاً وقد ورد في الصدقه الواجبة (الزكاة) استحباب إعطائها علينا وأمام الناس لكي يرغب الناس فيها بخلاف الصدقه المستحبة فإنه يستحب إخفاؤها.


اتعليق على الجواب (1)
هل يوجد حديث في هذا الامر على انه كما يقال هناك حديث للامام الصادق عليه السلام ام لا يوجد؟
الجواب:

لم نعثر على حديث يدل على ذلك بل على العكس من ذلك هناك من الروايات ما يشير الى ان كل خير يمكن ان يشمله الرياء حتى زيارة الحسين (عليه السلام) ونحن اذ نقول لا رياء في الشعائر الحسينية فالمقصود ان الشعائر الحسينية لما كانت مبنية على الاعلام والاظهار فمجرد الاظهار لا يعني ان العمل صار رياءا بل يتوقف حصول الرياء على نية العامل بالشعائر الحسينية فان كان مقصوده القربة الى الله كان عمله خالصا وان كان مقصوده الناس صار العمل رياءا.

سؤال: الرايات في شهر محرم
ما حقيقة وضع الأعلام والرايات في شهر محرم الحرام؟
الجواب:

الأعلام والرايات عادة تجعل شعاراً للحرب، وتحتوي على كلمات مختصرة لها رمزية خاصة، وجرت عادة الجيوش على اتخاذها في المعركة، ومنها معركة الطف حيث كانت الراية بيد أبي الفضل العباس(سلام الله عليه)، وقد جرت العادة على رفعها في شهر محرم في البيوتات والأماكن الأخرى كشعار للحزن والألم، ولا شكّ أنها تذكّر الناس براية الطف وكربلاء.
ونستطيع القول أن الرايات والأعلام أصبحت اليوم شعيرة من الشعائر التي من خلالها يقوم الناس بإحياء أمر الإمام الحسين(عليه السلام)، فهي إذاً واحدة من مصاديق الشعائر الحسينية.

السؤال: من الذي يحدد مصداق الشعائر؟
كيف أحدد أن هذا الفعل من الشعائر الحسينية او لا؟
الجواب:

في كتاب الشعائر الحسينية للشيخ محمد السند ص 61 قال:
في كيفيّة تحقّق الموضوع ومعالجة بعض قواعد التشريع
بعد معرفة أنّ الأصل الأوّليّ ومقتضى القاعدة الأوّليّة هو أنّ الشارع إذا أورد عنواناً معيّناً في دليل من الأدلّة فإنّه يجب أن يبقى على معناه اللغويّ.. أي أنّ كلّ دليل ورد من الشارع يبقى على معناه اللغويّ ما لم ينقله الشارع إلى الحقيقة الشرعيّة ; هذا من جهة.. ومن جهة أخرى هناك أمر آخر يضيفه الأصوليّون وهو تحقّق هذا العنوان وحصوله في الخارج.. فنحن تارة نتكلّم في مرحلة التأطير والتنظير.. وفي أفق الذهن أو في أفق اللوح باعتباره القانون فحينئذ يبقى المعنى على حاله.. وتارة نتكلّم عن مرحلة أخرى هي غير التنظير القانونيّ بل هي مرحلة التطبيق في الخارج والوجود في الخارج.. في هذه المرحلة أيضاً، فما لم يعبّدنا الشارع ويتصرّف في الوجود الخارجيّ لأيّ عنوان ; فالأصل الأوّليّ هو أن يكون وجوده ومجاله أيضاً عُرفيّاً.. سواء كان له وجودٌ تكوينيٌ، أو كان له وجود اعتباريٌ لدى العُرف.. إلاّ أن يجعل الشارع له وجوداً خاصّاً بأن ينصب دليلا على ذلك..
أمثلة على تحديد الوجود الخارجيّ للموضوع من الشارع المقدّس
مثال 1: في تحقّق الطلاق، لو قال الزوج: طلّقتُ امرأتي، أو أطلّقُكِ، أو سأُطلّقك.. فكلّ هذه الصيغ لا يُمضيها الشارع ولا يقرّها، وهي غير مُحقّقة، ولا موجِدة للطلاق، وإن كانت في العرف موجِدةً له.. لكن عند الشارع لا أثر لها.. إلاّ أن يقول: أنتِ طالق، بلفظ اسم الفاعل المراد منه اسم المفعول.. هنا الشارع وإن لم يتصرّف في ماهيّة الطلاق ولم يتصرّف في عنوانه، بل أبقاه على معناه اللغويّ، لكنّه تصرّف في كيفيّة وجوده وحصوله في الخارج..
مثال 2: الحلف لا يكون حلفاً شرعيّاً بالله، والنذر لا يكون نذراً لله إلاّ أن تأتي به بالصيغة الخاصة، فهذا تصرّف في كيفيّة الوجود.. فإن دلّ الدليل على كيفيّة تصرّف خاصّة من الشارع وفي كيفيّة الوجود، فلا يتحقّق ذلك الأمر إلاّ بها..
أمّا إذا لم يَقُم الدليل من الشارع على ذلك، فمقتضى القاعدة الأوّليّة أنّ وجوده يكون وجوداً عرفيّاً - تكوينيّاً كان أو اعتباريّاً - ما لم يرد دليل من الشارع لتحديد وجوده وحصوله في الخارج.. نرجع إلى محلّ البحث ; لو لم يكن دليل إلاّ عموم آية (( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ )) .. وعموم آية: (( ذلِك وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) .. وقلنا أنّ المعنى يبقى على حاله، حيث إنّ الشارع لم يتصرّف في معناه اللغويّ الّذي هو ما يقال عنه مرحلة تقنين القانون.. ولم يتصرّف أيضاً في مرحلة التطبيق الخارجيّ من جهة خارجيّة.. فما يتّفق عليه العُرف بحيث يُصبح تبياناً وإضاءةً لمعنى من المعاني الدينيّة، يُصبح شعيرةً وشَعاراً..
ويجدر التنبيه هنا على أنّ وجودات الأشياء على قسمَين: الوجود التكوينيّ والوجود الإعتباريّ للأشياء
القسم الأوّل: هو الوجود التكوينيّ ; مثل: وجود الماء، الحجر، الشجر، الإنسان، الحيوان...
القسم الثاني: وجود غير تكوينيّ، بل هو إعتباريّ - أي فرضيّ، ولو من العرف - مثل: البيع، فالبائع والمشتري يتّفقان على البيع بخصوصيّاته.. فيتقيّدان بألفاظ الإيجاب والقبول فيها.. فحينئذ: هذا البيع أو الإجارة أو الوصيّة أو المعاملة ليس لها وجود حسّيّ خارجيّ.. وإنّما وجودها بكيفيّات إعتباريّة فرضيّة في عالم فرضيّ يمثّل القانون.. سواء قانون الوضع البشريّ، أو حتّى قانون الوضع الشرعيّ عند الفقهاء، إذ يحملون هذا على الاعتبار الفرضيّ.. فهو عالَم اعتبار لما يتّخذه العقلاء من فرضيّات.. العقلاء يفترضون عالماً فرضيّاً معيّناً.. لوحة خاصّة بالعقلاء، لوحة القانون العقلائيّ.. فوجودات الأشياء على أنحاء.. تارةً نسق الوجود التكوينيّ، وتارة نسق الوجود الإعتباريّ، وإن كان اعتبارات الشارع وتقنينات الشارع وفرضيّات الشارع وقوانينه يُطلق عليها أيضاً اعتبار شرعيّ.. ولكن من الشارع..
خلاصة القول أنّ كلّ عنوان أُخذ في دليل - كالبيع، أو الهبة، أو الوصيّة، أو الشعائر، أو الطلاق، أو الزوجيّة - إذا أُبقي على معناه اللغويّ ; وأيضاً أُبقي على ما هو عليه من الوجود عند العرف فبها.. غاية الأمر أنّ الوجود عند العرف ليس وجوداً تكوينيّاً.. بل وجودٌ طارىءٌ اعتباريّ في لوحة تقنيناتهم وفي لوحة اعتبارهم. مثلا: حينما يقول الشارع في الآية الكريمة: (( أَحَلَّ اللهُ البَيعَ )) ليس معناه: أنّ البيع الّذي هو بيعٌ عند الشارع قد أحلّه الله، لأن ذلك يكون تحصيل الحاصل، لأنّ البيع الّذي عند الشارع هو حلالٌ من أساسه.. بل المقصود مِن: (( أَحَلَّ اللهُ البَيعَ )) وكذلك: (( أَوفُوا بِالعُقُودِ )) المراد أنّ البيع والعقود الّتي تكون متداولة في أفق اعتباركم أنتم أيها العقلاء قد أوجبتُ - أنا الشارع - الوفاء بها.. وقد أحللتها لكم.
فإذن قد أبقاها الشارع على ما هي عليه من وجود ومعنىً لغويّ عند العقلاء والعُرف.. وقد يتصرّف الشارع في بعض الموارد - كما بينّا في الطلاق - حيث يقيّدها بوجود خاصّ.. فحينئذ، يتبيّن أنّ الأشياء قد يبقيها الشارع على معناها اللغويّ، ويبقي وجودها في المقام الآخر على ما هي عليه من وجود إمّا تكوينيّ أو اعتباريّ.. ومن جهة أخرى، فإنّ العلامة أو ( الدالّ ) إمّا عقليّة أو طبعيّة، أو وضعية.. فهل الشعائر أو الشعيرة هي علامة تكوينيّة أم عقلية أم طبعيّة أم هي وضعيّة؟ الشعيرة علامة وضعيّة نرى أنّ الشعيرة والشعار هي علامة وضعيّة وليست عقليّة ولا طبعيّة.. وهنا مفترق خطير في تحليل الماهيّة.. للتصدّي للكثير من الإشكالات أو النظريّات الّتي تُقال في قاعدة الشعائر.. نقول أنّ الشعيرة هي علامة وضعيّة.. بمعنى أنّ لها نوعاً من الاقتران والربط والعُلقة الاعتباريّة.. فالوضع هو إعتباريّ وفرضيّ بين الشيئَين.. والأمر كذلك في الأمور الدينيّة أيضاً.. مثلا كان شعار المسلمين في بدر: « يا منصور أمِت » حيث يستحب في باب الجهاد أن يضع قائد جيش المسلمين علامة وشعاراً معيّناً للجيش.. الشعائر أو الشعارة هي ربط اعتباريّ ووضع جعليّ فطبيعتها عند العرف هو الاعتبار ; حتّى شعار الدولة وشعار المؤسسات وشعار الأندية، والوزارات.. والشركات التجارية، والفرق الرياضية.. لكنّ كلّ ذلك أمر اعتباري.. فهو علامة حسّيّة دالّة على معنى معين.. لكنّ الوضع والعلقة فيه إعتباريّة.. فلا بدّ من الالتفات إلى تحليل أعمق لماهيّة الشعائر والشعيرة.. فماهيّة الشعار والشعيرة علامة حسّيّة لمعنى من المعاني الدينيّة.. ولكنّ هذه العلامة ليست تكوينيّة، ولا عقليّة، ولا طبعيّة.. وإنّما هي علامة وضعيّة.. فالشعائر هي التي تفيد الإعلام، وكلّ ما يُعلِم على معنى من المعاني الدينيّة، أو يدلّ على شئ له نسبة إلى الله عزّ وجل، فإنّ هذا الإعلام والربط بين المَعلَم والمُعلَم به.. وهذا الربط هو في الماهيّة وضعيّ إعتباريّ.. فالموضوع يتحقّق بالعُلقة والوضع الإعتباريّ.
وإذا كان تحقّق ماهيّة الشعائر والشعيرة بالعُلقة الوضعيّة الإعتباريّة، وافتراضنا أنّ الشارع لم يتصرّف في كيفيّة الوجود.. بمعنى أنّ المتشرّعة إذا اختاروا واتّخذوا سلوكاً ما علامة لمعنى دينيّ معيّن.. فبالتالي يكون ذلك السلوك من مصاديق الشعائر.. وكما قلنا أنّ ماهية الشعائر تتجسّد في كلّ ما يوجب الإعلام والدلالة فيها وضعيّة.. والواضع ليس هو الشارع، لأنه لم يتصرّف بالموضوع.. فبذلك يكون الوضع قد أُجيز للعرف والعقلاء.. كما ذكرنا في البيع أنّ له ماهيّة معيّنة، وكيفيّة خاصّة حسب ما يقرّره العقلاء.. وكيفيّة وجوده إعتباريّة.. وذكرنا أنّ الشارع إن لم يتصرّف في الماهيّة والمعنى في الدليل الشرعيّ، ولم يتصرّف في كيفيّة الوجود.. فالماهيّة تبقى على حالها عند العقلاء ; بخلاف الطلاق الذي تصرّف الشارع في كيفيّة وجوده في الخارج.. الشعائر ومناسك الحجّ وممّا تقدّم: تبيّن خطأ عدّ مناسك الحجّ - بما هي مناسك - شعائر.. حيث إنّ الشعائر صفة عارضة لها.. وليست الشعائر هي عين مناسك الحجّ كما فسّرها بعض اللغويّين.. بيان ذلك: حينما نقول مثلا: « الإنسانُ أبيض »، هل يعني أن الماهيّة النوعيّة للإنسان هي البياض.. كلاّ.. أو حين نقول: « الإنسان قائم » ; فهل يعني أنّ الماهيّة النوعيّة للإنسان هي القيام.. كلاّ، إذ القيام والبياض أو السمرة، أو السواد ليست ماهيةً للإنسان، وإنّما هذه عوارض قد تَعرض على الماهيّة وقد تزول عنها.. إنّ كُنه الإنسان وماهيّته بشيء آخر، لا بهذه العوارض.. وكذلك مناسك الحجّ، إذ ليست ماهيّة المنسك هي الشعار.. بل الشعار هو ما يكمُن وينطوي فيه جنبة الإعلام والعلانية لشئ من الأشياء..
مثال آخر: لفظة « زيد » كُنهها ليس أنّها سِمة لهذا الإنسان.. كنهها هو صوت متموّج يتركّب من حروف معيّنة.. نعم من عوارضها الطارئة عليها أنّها سِمة واسم وعلامة لهذا الإنسان.. وهذا من عوارضها الإعتباريّة لا الحقيقيّة، حيث إنّها علامة على ذلك الجسم..
إذن جنبة العَلاميّة لون عارض على أعمال الحجّ، أو على العبادات، أو على الموارد الأخرى.. لا أنّها عين كُنه أعمال الحجّ.. وليس كون الشعائر هي نفس العباديّة، ولا كون العباديّة هي الشعائر..
أما كيف يسمح الشارع في أن يتصرف العُرف بوضع الشعائر أو غير ذلك.. فهذا ما سنقف عليه لاحقاً إن شاء الله تعالى.. الترخيص في جعل الشعائر بيد العرف إنّ الشارع حينما لا يتصرّف في معنى معين ولا في وجوده في الخارج، فهل يعني هذا تسويغاً من الشارع في أن يتّخذ العُرف والعقلاء ما شاؤوا من علامة لمعاني الدين وبشكل مطلق؟ أم هناك حدود وقيود.. وما الدليل على ذلك؟ هل اتّخاذ المسلمين لهذه المعالم الحسّيّة مَعلَماً وشعاراً، سواء كانت معالم جغرافية، كموقع بدر وغدير خُمّ.. أو معلماً زمنيّاً، كمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهجرته صلى الله عليه وآله وسلم وتواريخ الوقائع المهمة.. أو مَعلَماً آخر غير زمانيّ ولا مكانيّ، كأن يكون ممارسةً فعليّة.. هل هذا فيه ترخيص من الشارع أم لا؟
للإجابة على هذا السؤال المهمّ لا بدّ من تحرير النقاط التالية:
النقطة الأولى: وهذه هي جهة الموضوع في قاعدة الشعائر الدينيّة، وهي أنّ العناوين الّتي ترد في لسان الشارع إذا لم يرد دليلٌ آخر يدلّ على نقلها من الوضع اللغويّ إلى الوضع الجديد والمعنى الجديد، فهي تبقى على حالها، وعلى معانيها الأوّليّة اللغويّة..
النقطة الثانية: أنّ تحقّق تلك الموضوعات وكيفيّة وجودها في الخارج.. إن كان الشارع صرّح وتصرّف بها فنأخذ بذلك، وإلاّ فإنّها ينبغي أن تبقى على كيفيّة وجودها العرفيّ أو التكوينيّ..
النقطة الثالثة: أنّ وجودات الأشياء على نسقَين:
أ- بعض الوجودات وجودات تكوينيّة..
ب- وبعض الوجودات وجودات إعتباريّة.. وقد أشرنا سابقاً لذلك، ولكن لزيادة التوضيح نقول: إنّ عناوين أغلب المعاملات وجودها إعتباريّ.. كالبيع والإجارة، والهبة والوصيّة والطَلاق والنِكاح وما شابه ذلك.. كلّ هذه العناوين كانت وجودات لدى العرف والعقلاء.. (( أَحَلَّ اللهُ البَيعَ... )) ; (( أَوفُوا بِالعُقُودِ... )) وغيرها من العناوين..
فآية: (( أَحَلَّ اللهُ البَيعَ... )) لسانٌ شرعيّ وقضيّة شرعيّة تتضمّن حكماً شرعيّاً وهو الحِلّيّة، بمعنى حلّيّة البيع وصحّته وجوازه.. ولم يتصرّف الشارع بماهيّة البيع. ولا بكيفيّة وجوده، إلاّ ما استُثني.. فكيفيّة وجوده عند العُرف والعقلاء تكون معتبرة.. فما يصدق عليه وما يسمّى وما يُطلق عليه « بيع » في عُرف العقلاء جُعِل موضوعاً لقضيّة شرعيّة، وهي حلّية ذلك البيع.. وإلاّ فإنّ هذا الدليل (( أَحَلَّ اللهُ البَيعَ... )) ليس المقصود منه البيع الشرعيّ، إذ البيع الشرعيّ أحلّه الله.. ولو كان البيع المراد في هذا اللسان هو البيع الشرعيّ، لما كان هناك معنىً لحلّيّته.. لأنّه سوف يكون تحصيلا للحاصل. البيع الشرعيّ إذا كان شرعيّاً فهو حلالٌ بذاته.. فكيف يرتّب عليه الشارع حكماً زائداً وهو الحلّيّة.. فلسان الأدلّة الشرعيّة والّتي وردت فيها عناوين معينة إذا لم يتصرّف الشارع بها ولم يتعبّد بدلالة زائدة، تبقى على ما هي عليه من المعاني الأوّليّة، وتبقى على ما هي عليه عند عُرف العقلاء.. حينئذ يأتي البيان المزبور في لفظة « الشعائر » الواردة في عموم الآيات: (( يا أيّها الذين آمَنوا لا تُحِلّوا شعائرَ الله )) أو: (( ذلك ومَن يُعظِّم شعائرَ الله.. )) وقد مرّ بنا أنّ ماهيّة الشعيرة، أو الشعائر التي هي بمعنى العلامة إذا أضيفت إلى الله عزّ وجل.. أو أضيفت إلى الدين الإسلاميّ، أو أضيفت إلى باب من أبواب الشريعة، فإنّها تعني علامة ذلك الباب، أو علامة أمر الله.. أو علامة أحكام الله وما شابه ذلك. والعَلامة - كما ذكرنا - ليست عين المنسك، وليست عين العبادة، وليست عين الأحكام الأخرى في الأبواب المختلفة.. وإنّما العلامة أو الإعلام شيء طاريء زائد على هذه الأمور، كاللّون الّذي يكون عارضاً وطارئاً على الأشياء ; فيكون طارئاً على العبادة أو المنسك أو الحكم المعين.. فجنبة الإعلام والنشر في ذلك الحكم أو في تلك العبادة أو ذلك المنسك تتمثّل بالشعيرة والشعائر. وبهذا النحو أيضاً تُستعمل في شعائر الدولة أو شعائر المؤسسة والوزارة - مثلا - فهي ليست جزءاً من أجزاء الوزارة أو المؤسّسة مثلا وإنما هي علامةٌ عليها.
فالنتيجة أنّ الشعيرة والشعائر والشِعار تبقى على حالها دون تغيير في كلا الصعيدَين: صعيد المعنى اللغويّ، وصعيد كيفيّة الوجود في الخارج. فإطلاق الشعائر على مناسك الحجّ ليس من جهة وجودها التكوينيّ أو الطبعيّ.. بل من جهة الجعل والاتّخاذ من الله عزّ وجلّ: (( وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ )) يعني باتّخاذ وضعيّ واعتباريّ أصبحت علامة ونبراساً للدين.. هذه الشعائر في مناسك الحجّ، جُعلت - بالوضع والاعتبار - علامةً للدين، ولعلوّ الدين، ولرقيّه وانتشاره وعزّته ونشر أحكامه. بعد هذا البسط يتّضح من ماهية الشعيرة ومن وجود الشعيرة، أنّ وجودها ليس تكوينيّاً.. والمقصود ليس نفي تكوينيّة وجود ذات الشعيرة.. بل إنّ تَعَنوُن الشيء بأنّه شعيرة وجعله علامة على شيء آخر تَعنونه هذا ; وجَعله كذلك ليس تكوينيّاً بل إعتباريّاً.. وإلاّ فالبُدن هي من الإبل، ووجودها تكوينيّ.. ولكن كونها شعيرة وعلامة على حُكم من أحكام الدين أو على عزّة الإسلام شيء إعتباريّ، نظير بقية الدلالات الّتي تدلّ على مدلولات أخرى بالاعتبار والجعل.. فالشعائر وإن كانت وجودات في أنفسها تكوينيّة، ولكن عُلقتها ودلالتها على المعاني إتّخاذية وإعتباريّة، بواسطة عُلقة وضعيّة ربطيّة إعتباريّة ; هذا من جهة وجودها.
ومن جهة أخرى، فقد دلّلنا على أنّ الشعائر والشعيرة تكون بحسب ما تُضاف إليه.. كما قد يتّخذ المسلمون الشعائر في الحرب مثلا، كما ورد دليل خاصّ في باب الجهاد على استحباب اتّخاذ المسلمين شعاراً لهم. مثل ما اتّخذه المسلمون في غزوة بدر، وهو شعار : « يا منصور أمِت ».. فالمقصود، إذا لم يرد لدينا دليل خاصّ على التصرّف في معنى الشعائر أو الشعيرة - الّتي هي بمعنى العلامة كما ذكرنا - فإنّه يبقى على معناه اللغوي الأوّلي.. الوجود الإعتباريّ للشعيرة وكذلك في الوجود الخارجيّ.. إذ المفروض أنّ المتشرّعة إذا اتّخذوا شيئاً ما كشعيرة، يعني علامة على معنى دينيّ سامي.. معنىً من المعاني الدينيّة السامية، أو حكماً من الأحكام العالية، وجعلوا له علامة.. شعيرة وشعار وشعائر.. فالمفروض جعل ذلك بما هي شعيرة لا بما هي هي. أي بوجودها النفسيّ، لكن بما هي شعيرة، ( كاللفظ بما هو دال على المعنى.. لا يكون دالا على المعنى إلاّ بالوضع.. ) فالشعيرة بما هي شعيرة، أي بما هي علامة دالّة على معنى سامي من المعاني الدينيّة.. وتشير بما هي علامة على حكم من الأحكام الدينيّة الركنيّة مثلا، أو الأصليّة.. وهي دلالة إعتباريّة، اتّخاذيّة، وضعيّة.. وهذا يعني أنّها مجعولة في ذهن الجاعل، وبالتبادل وبالإتّفاق تصبح شيئاً فشيئاً شعيرة وشعار.. مثل ما يجري في العُرف بأن يضعوا للمنطقة الفلانية اسماً معيّناً مثلا.. وبكثرة الاستعمال ; شيئاً فشيئاً ينتشر بينهم ذلك الاسم فيتواضعون عليه، ويتعارف بينهم أنّ هذه المنطقة تُعرف باسم كذا، ويحصل الاستئناس في استعمال اللفظ في ذلك المعنى.. فينتشر ويتداول.. فحينئذ يكون اللفظ المخصوص له دلالة على المعنى المعيّن دلالةً وضعيةً.. خلاصة القول إلى هنا عرفنا أنّ في آية: (( لا تُحِلّوا شعائر الله )) وآية: (( وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) هناك ثلاثة محاور: محور الحكم، ومحور المتعلّق، ومحور الموضوع..
فنقول: لو كنّا نحن ومقتضى القاعدة، لو كنّا نحن وهاتَين الآيتَين الشريفتَين فقط وفقط.. فحينئذ، نقول: إنّ المعنى لشعائر الله، كالزوال، وكدلوك الشمس بقي على ما هو عليه في المعنى.. ووجوده أيضاً على ما هو عليه من وجود، وقد بيّنّا في كيفيّة وجوده أنّها ليست تكوينيّة، بل هي وضعيّة وإعتباريّة واتّخاذية.. كما في آية (( أَحَلَّ اللهُ البَيعَ... )) نُبقيه على ما هو عليه من معنى، ونبقيه على ما هو عليه من وجود.. ووجوده هو وجود إعتباريّ لدى العقلاء..
وكذلك الأمر في شعائر الله، حيث هناك موارد قد تصرَّف فيها الشارع بنفسه وجعلَ شيئاً ما علامة، وغاية هذا التصرّف هو جعل أحد مصاديق الشعائر.. كالمناسك في الحجّ.. وهناك موارد لم يتصرّف الشارع بها ولم يتّخذ بخصوصها علامات معيّنة.. وإنّما اتّخذ المتشرّعة والمكلّفون شيئاً فشيئاً فِعلا من الأفعال - مثلا - علامة وشعاراً على معنى من المعاني الإسلاميّة.. فتلك الموارد يشملها عموم الآية: (( ذلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) وكذلك يشملها عموم: (( لا تُحِلّوا شعائر الله )) .. فلو كنّا نحن وهاتين الآيتين فقط يتقرّر: أنّ معنى الشعائر ووجودها هو اتّخاذي بحسب اتّخاذ العرف.. لكن قبل أن يتّخذها العرف شعيرة ومشاعر، وقبل أن يتواضع عليها العُرف، والمتشرّعة والعقلاء والمكلّفون لا تكون شعيرة.. وإنّما تتحقّق شعيريّتها بعد أن تتفشّى وتنتشر ويُتداول استعمالها، فتُصبح رسماً شعيرة وشعائر، ويشملها عموم (( لا تُحِلّوا شعائر الله... )) و (( ذلِك وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ... )) ..
فالمفروض أنّ المعنى اللغويّ لشعائر الله هو معنىً عامّ طُبّق في آية سورة المائدة أو في آية سورة الحجّ على مناسك الحجّ.. ولكن لم تُحصَر الشعائر بمناسك الحجّ.. بل الآية الكريمة دالّة على عدمه: (( وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ )) و( مِن ) دالة على التبعيض والتعميم.. فإذن، اللفظ حسب معناه اللغويّ عامّ، ونفس السياق الّذي هو سياق تطبيقي ليس من أدوات الحصر كما ذكر علماء البلاغة، فإنّهم لم يجعلوا تطبيق العام على المصداق من أدوات الحصر.. بل عُلّل تعظيم مناسك الحج لكونها من الشعائر، فيكون من باب تطبيق العامّ على أفراده.. وذكرنا أنّ أغلب علماء الإماميّة من مفسّريهم وفقائهم ومحدّثيهم ذهبوا في فتاواهم وتفاسيرهم إلى عموم الآية لا إلى خصوصها، ومنهم الشيخ الطوسيّ في التبيان، حيث ذكر أقوالا كثيرة نقلا عن علماء العامّة، ثمّ بعد ذلك ذهب إلى أقوائيّة عموم الآية، وأنّه لا دليل على تخصيصها.. كما أنّ هناك دليلا على ذلك من الآية الشريفة (( ذلك وَمَن يُعَظِّم حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ )) ، حيث إنّ من الواضح أنّ حرمات الله أعمّ من حرمات الحجّ، هنا الموضوع للحكم هو مُطلق حرمات الله وكذلك الأمر بالنسبة لشعائر الله في الآية الأخرى.. فإذن لو كنّا نحن ومقتضى هاتين الآيتين، فهاتان الآيتان بحسب معناهما اللغويّ وبحسب وجودهما بين العقلاء وعُرف المكلّفين وجودهما إعتباريّ إتّخاذي، ولو من قِبَل المتشرّعة.. هذا الكلام بحسب اللسان الأوّليّ في أدلّة الشعائر وقاعدة الشعائر، أمّا بحسب اللسان الإلتزاميّ، فالأمر أوضح بكثير كما سنتعرّض إليه..

السؤال: أيهما أفضل التصفيق أم الصلوات
خرج عندنا شخص في المنطقة معمم يقول (التصفيق لا يقل ثوابا - إذا كان فرحا لمحمد وال محمد وإدخال السرور على قلب الزهراء - عن الصلاة على محمد وال محمد)
ما رأيكم بهذا الكلام ؟
وما هو الموقف من هذا الشخص ؟
الجواب:

لم يرد في التصفيق ان له ثوابا خاصا بخلاف الصلاة على محمد وال محمد فان الروايات ذكرت ان لهذا الذكر فضلا وثوابا عظيما.
وان قيل ان التصفيق يمكن ان يدخل تحت عناوين اخرى كاظهار الفرح والسرور بمولد الائمة الاطهار وبذلك يعد راجحا وينال الثواب عليه لنيل الثواب على تعظيم الشعائر .
قلنا اختلف الفقهاء في كون التصفيق جائزا ومناسبا في الاحتفالات الدينية فعد البعض من اللهو الذي لا يناسب المجالس المنتسبة الى الائمة الاطهار (عليهم السلام) نعم افتى بعض الفقهاء بجواز التصفيق في الاحتفالات الدينية لكن لا يظهر من عبارته افضليته على الصلوات.

السؤال: التطبير من المسائل الخلافية
إنّ اللطم الشديد والتطبير وأمور تعذيب النفس، هي مجرّد وسائل رياء، ففي عصرنا هذا 99? من المطبرين وغيرهم هم من ينتهون من العزاء ويصورون أجسادهم، وإن سألتهم عن سبب التطبير واللطم لن يقول لك كنت حزيناً، بل سيقول أريد الثواب وأحب الحسين، فهنا لم تتحقق الغاية التي ذكرتموها وهي تعبير عن الحزن.
أيضاً هذه المظاهر هي من المظاهر الشنيعة التي يراها أهل السنّة فيسخرون من الشيعة، وتسيء إلينا نحن الشيعة، فأصبح الشيعي يرى صور المطبرين ويخجل لأنّه يعلم أنّها ضدّ القرآن والسنّة النبوية، وكل ما يخالف القرآن والسنّة وكلام أهل البيت يعتبر بدعة، ولو كان الإمام الصادق حياً لنفى التطبير والضرب بالزناجيل، وغيرها.
الجواب:

كلامك غير دقيق من أنّ التطبير يخالف القرآن والسنّة.
فالذين يقولون بحلّية التطبير، يقولون:
إمّا أن نقبل تلك النصوص التي يمكن أن تكون فيها إشارة الى حلّية التطبير، كضرب زينب(عليها السلام) لرأسها بعمود المحمل، وعدم اعتراض المعصوم على ذلك.. وغيرها من الأدلّة التي يسوقونها.
أو يقال: إنّ القرآن والسنّة لم يرد فيها نص لا بأمر ولا بنهي عن التطبير، فيكون أمراً حادثاً، والأصل في الأمر الحادث الذي لم تثبت حرمته أن يكون مباحاً.
نعم، يعترض عليهم البعض ممن يقول بحرمة التطبير: انّه يسبب الضرر، والضرر محرّم في الشريعة.
فيردّ عليهم أولئك ويقولون: أنّه ليس مطلق الضرر محرّم، بل الضرر البليغ الذي يوجب الموت مثلاً، أو عطب عضو، أو قطعة، وما شابه ذلك.
وقد يحرّم آخرون التطبير بالعنوان الثانوي، ويقولون: بأنّه يوجب تنفير الناس عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
فيردّ عليهم آخرون: بأنّه ليس فيه مثل ذلك، بل على العكس، هذا المظهر الفريد ينشر المذهب ويعكس صورة فريدة للولاء والمحبّة للإمام الحسين(عليه السلام).
وأمّا قولك بأنّ التطبير من وسائل الرياء، فقد لا يكون دقيقاً. فالرياء إنّما يكون في الأمور المحبّذة عند الناس، والمطبرون يعلمون أنّهم منتقدون من قبل بعض أتباع المذهب فضلاً عن غيرهم، ومع ذلك يفعلون ذلك رجاءً للثواب، كما قلت.
ولا يشترط أن يكون فعل ذلك ليكون مظهراً من مظاهر الجزع والحزن، فإنّه كما يمكن أن يكون الفعل مستحباً، وبالتالي يستحق الثواب عليه لدخوله تحت عنوان الجزع والحزن، كذلك يمكن القول باستحبابه لدخوله تحت عنوان الشعائر، ويحصل من وراء هذا الفعل على الثواب.
وعلى كل حال الأمر يرجع الى المكلّف وتقليده، فإذا أجاز له المرجع الذي يقلده ذلك جاز له فعل ذلك، وإن لم يجز له مرجعه ذلك فلا يجوز، حاله حال بقية الأفعال التي يختلف فيها مراجع التقليد في الفتوى.


يتبع


رد مع اقتباس