عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/06/18, 04:24 PM   #5
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

لسؤال: لفظ الخطاب في سورة الحمد
حدثني صديق أن له صديقا مسيحيا ( يبحث في القرآن ) سأله عن سورة الفاتحة..
كان السؤال : لماذا النص في سورة الفاتحة بلفظ المخاطب بكسر الطاء؟
والقرآن كلام الله يخاطب به الناس..فهل يخاطب الله نفسه؟
في حين أن النص في غير سورة يبدأ بـ (( قل )) مثل (( قل هو الله أحد )) (( قل أعوذ برب الناس ))وحاولت أن أجد لفظا في القرآن كاللفظ في سورة الفاتحة.. ولم أستطع.. ولقد قرأت الشيء الجمبل في تفسير فاتحة الكتاب للإمام الخوئي.. ولكن لم أجد ما يمكن أن يعتبر جوابا على هذا السؤال....
الجواب:
لا يخفى عليكم أن القرآن الكريم كتاب تعليم وتوجيه وإرشاد, وهو بقرينة كونه منزلاً لهداية الناس وإرشادهم إلى الطريق السوي في عبادته سبحانه, فتحمل الخطابات المباشرة كقوله تعالى: (( إياك نعبد )) على تقدير: قولوا إياك نعبد , وهكذا الشأن في كل الخطابات الواردة بهذا السياق.
على أن سورة الفاتحة ليست كلها على نحو لفظ الخطاب! بل قوله تعالى: (( الحمد لله ربّ العالمين )) إلى قوله: (( مالك يوم الدين )) كان بلفظ الغيبة، ثم انتقل إلى لفظ الخطاب, وهذا العدول _ كما يقول الطبرسي في (تفسير جوامع الجامع 1 / 55 ): إنّما جرى على عادة العرب _ المخاطبين بالقرآن _ في تفننهم في محاوراتهم , ويسمى هذا التفاتاً, وقد يكون من الغيبة إلى الخطاب , ومن الخطاب إلى الغيبة, ومن الغيبة إلى التكلم كقوله سبحانه: (( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم )) (يونس _ 22) ، وقوله: (( والله الذي أرسل الريح فتثير سحاباً فسقناه )) (فاطر _ 9).
وأمّا الفائدة المختصة به في هذا الموضع فهو أن المعبود الحقيقي بالحمد والثناء لمّا أجرى عليه صفاته العلى تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالعبادة والاستعانة به في المهمات, فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات, وقيل: إياك _ يا من هذه صفاته _ نخص بالعبادة والاستعانة , ولا نعبد غيرك ولا نستعين به, ليكون الخطاب أدل على أن العبادة له لذلك المتميز الذي لا تحق العبادة إلاّ له (انتهى ما أفاده الشيخ الطبرسي).




السؤال: عن الترابط بين مواضيع الآيات وعدمه
ما سبب عدم وجود سياق موحد في القرآن الكريم, فتجد عند قرائتك للقرآن, هناك عدة مواضيع تطرح في سورة واحدة , وتجد بعض تلك السياقات , (ظاهرها) لاتمت بالموضوع الذي قبله بصلة, وما سبب تكرار بعض القصص والآيات ايضاً, كتكرار قصة النبي موسى عليه السلام, في سور مختلفة؟
وهل لكم أن ترشدوني الى كتاب , أو مقال يفصل في هذا الموضوع بالذات.
الجواب:
لقد نزل القرآن الكريم بلغة العرب وبلاغتهم، وقد كانت بلاغته هي أبرز وجوه الإعجاز التي جاء بها هذا السفر الإلهي العظيم وتحدى به المولى سبحانه العرب أنفسهم فعجزوا عن مجاراته بالإتيان بكتاب مثله أو بعشر سور منه أو حتى بمثل سورة واحدة كما يشهد لهذا قوله تعالى : (( وَإن كنتم في رَيب ممَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدنَا فأتوا بسورَة مّن مثله وَادعوا شهَدَاءَكم من دون اللَّه إن كنتم صَادقينَ )) (البقرة:23)، مع أن العرب في زمان نزول القرآن كانوا يتفنون في كلامهم وأشعارهم ويتبارون على الفوز بالإتيان بارقى أساليب البلاغة وبياناتها في مواسمهم ومجالسهم ، وقد كان هذا التحدي الذي أعلنه القرآن بوجوههم سهلاً يسيراً عليهم، إذ هم أهل هذه الصناعة لا يشق لهم في هذا الجانب غبار. ولكن عندما علمنا أنهم عجزوا عن هذا التحدي وصرّح قائلهم في القرآن بعد أن أستمع إليه: (إن له لحلاوة وان عليه لطلاوة، وان أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه)(بحار الأنوار 9 : 167)، وفي رواية: (وما يقول هذا بشر)(المصدر نفسه 17: 212 وتنسب هذه الكلمات للوليد بن المغيرة).
نقول: عرفنا بعدها ـ أي بعد عجز العرب عن مجاراة بلاغة القرآن الذي نزل بلغتهم ـ ان أحد أبرز وجوه الإعجاز في هذا الكتاب الكريم هي بلاغته التي أذهلت أهل الفن عن الإتيان بثلاث آيات متواليات فقط ، وهو أقل عدد تشتمل عليه أقصر سورة في القرآن الكريم.
ومن هنا نقول: إن الأسئلة التي طرحتموها عن القرآن الكريم من وجود جمل اعتراضية أو موضوعات متعددة تحويها سورة واحدة ، وهذه الموضوعات قد لا يربطها ـ بحسب الظاهر ـ رابط موضوعي أو فكري معين، وكذلك التكرار الذي امتاز به القرآن الكريم في موارد متعددة وبالخصوص في قصة نبي الله موسى (عليه السلام) .. كل هذه الأمور وغيرها هي من الاساليب البلاغية التي اعتمدها القرآن الكريم، وكانت مادة إعجازه وتفننه. وقد تناولها المفسرون والباحثون في دراسات متعددة متنوعة، وعلى سبيل المثال يمكنكم العودة إلى تفسير الزمخشري (الكشاف) وهو أحد المختصين بعلم البلاغة، لتطلعوا على جانب من الوجوه البلاغية التي حفل بها القرآن في آياته، وكذلك يمكنكم الأطلاع على كتاب الدكتور محمود البستاني (القواعد البلاغية في ضوء المنهج الإسلامي) حيث تناول في بحوثه جملة من العناصر البلاغية التي اشتمل عليها القرآن الكريم وذكر منها قوله في العنصر الفكري، إذ قال عند بيانه عن المستويات التي يخضعها هذا العنصر الفكري للنص: الفكرة المعترضة : ويقصد بها كل فكرة تقطع سلسلة الموضوع الذي يتحدث عنه النص، إمّا من خلال قطعه بفكرة تمس الموضوع نفسه (ويكون بمثابة تعليق عليه) أو بفكرة ذات صلة عابرة بالموضوع، أو بفكرة طارئة لا علاقة لها بالموضوع، ولكنّ يستهدف التركيز عليها..
وقد وردت الإشارة في البلاغة العربية إلى أحد أشكال الفكرة المعترضة، متمثلة في لفظة أو جملة (اعتراضية)، ولكن البلاغة الحديثة أكسبت هذا الجانب أهمية كبيرة، بخاصة فيما يتصل بالنمطين الأخيرين، حيث تجاوزت من ـ جانب ـ مجرد الكلمة أو الجملة المعترضة إلى ما هو أشمل، وتجاوزت ـ من الجانب الآخر ـ مجرد العلاقة المباشرة بين الموضوع والفكرة المعترضة، إلى ماله علاقة غير مباشرة ، أو ما هو عديم العلاقة ، لتشكل بذلك واحداً من الأساليب التي تستخدم لإبراز فكرة خاصة.
مسوغاتها (أي مسوغات هذا الإستعمال في البيان):
إن السبب في ممارسة هذا النوع من الفكرة المعترضة، هو أن البلاغة الحديثة تعتمد الحديث اليومي عند عامّة الناس، وتستثمر هذا الجانب لتصوغ منه قاعدة بلاغية... وأهمية مثل هذا الأسلوب تتمثل في أن الفكرة المعترضة تعتمد واحداً أو أكثر من المسوغات الآتية: التداعي الذهني:
ونعني به أنّ الإنسان عندما يتحدث عن أحد الموضوعات، فإن مخزونه من التجارب الذهنية يجعله (يتداعى) من فكرة إلى أخرى ذات علاقة بموضوعه، سواء أكانت هذه العلاقة مباشرة (كما لو كان أحد الأشخاص يفكر في موضوع العلم مثلاً ثم يتداعى ذهنه إلى تجربة شخصية قضاها في أحد المعاهد) أم كانت هذه العلاقة غير مباشرة (كما لو تداعى ذهنه إلى مفهوم الصداقة التي اقترنت بسنوات الدراسة)... وهذه العلاقة تتداعى مع التجارب غير الشخصية أيضاً (كما لو كان موضوع العلم نفسه يقترن بموضوعات ذات تشابه فيما بينها: كالعلم واقترانه مثلاً بالعمل، واقتران العمل بالصبر، وهكذا).التداعي الفني:
ويقصد به أن طبيعة الموضوع أو طبيعة الفكرة التي يستهدفها النص، تفرض عليه أن يقطع سلسلة أفكاره العامّة ليركز على فكرة خاصة يجدها ذات أهمية، سواء أكانت: ذات صلة بموضوعه العام، أم كانت متجانسة، أو كانت أجنبية عنه.
وهذا ما نجده واضحاً في النص القرآني الكريم، حيث يقطع سلسلة الموضوع، ويطرح فكرة خاصة، ثم يعود إلى الموضوع الأول... كذلك نجد أنّ هذا الأسلوب تتوفر عليه النصوص الأدبية المعاصرة في ميدان الرواية والمسرحية والقصيدة... إلى آخره. أقسامها:
تنشطر الفكرة المعترضة إلى قسمين:
1- مباشرة:
ويقصد بها أن تجيء الفكرة المعترضة على شكل عبارة خاصة تقع وسط الجملة أو الجمل وتشطرها إلى قسمين، مثل قوله تعالى على لسان الكافرين (( أَو تسقطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمتَ عَلَينَا كسَفاً )) (الاسراء:92) حيث شطرت العبارة المعترضة جملة (أو تسقط السماء علينا كسفاً إلى قسمين تسقط السماء و (علينا كسفاً).
ومثل قوله تعالى مخاطباً الشيطان: (( وَعدهم وَمَا يَعدهم الشَّيطَان إلَّا غروراً, إنَّ عبَادي لَيسَ لَكَ عَلَيهم سلطَانٌ )) حيث شطرت العبارة المعترضة جملتين (وعدهم) و (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) إلى قسمين تتوسطها الجملة المعترضة (وما يعدهم الشيطان إلا غروراً)...
2- غير مباشرة:
ويقصد بها أن تجيء الفكرة المعترضة على شكل موضوع طارئ لا علاقة له في الظاهر بموضوع النص الأصلي بحيث تقطع هذه الأفكار الطارئة سلسلة الموضوعات، مثل الفكرة المعترضة القائلة (( إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً )) (الأحزاب:33) حيث كان النص يتحدث عن نساء النبي (ص) وأورد العبارة المذكورة ثم عاد إلى الموضوع الأول، وتابع سلسلة الموضوعات بقوله تعالى (( وَاذْكرْنَ مَا يتْلَى في بيوتكنَّ )) (الأحزاب:34).
وهذا النمط الآخر من الأفكار المعترضة ينشطر إلى قسمين.
1- فكرة طارئة لا علاقة لها ملحوظة بموضوع النص مثل آيتي (( حَاظوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلاة الْوسْطَى وَقوموا للَّه قَانتينَ, فإنْ خفتم فرجَالاً أَوْ ركْبَاناً فإذَا أَمنْتمْ فاذْكروا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكمْ مَا لَمْ تَكونوا تَعْلَمونَ )). حيث وردت هاتان الآيتان وسط جملة آيات تتحدث عن الطلاق فيما لا تلحظ أية علاقة مباشرة بين الصلاة والطلاق، إلا أن النص قطع سلسلة حديثة عن الطلاق ، وأورد آيتي الصلاة ثم عاد إلى الموضوع من جديد و استكمل حديثة عن الطلاق، ليلفت النظر إلى أهمية الصلاة.
وهي على نمطين أيضاً:
1- علاقة بعيدة:
ومثالها فكرة (التطهير) وعلاقتها بزوجات النبي(ص) فالحديث عن النبي(ص) وزوجاته يجسد حديثاً عن أحد أشكال الأنظمة الاجتماعية (وهو: الوحدة الأسرية) ويجسد حديثاً عن (الممارسات العبادية)... وهذه الوحدة الأسرية وممارساتها العبادية (تتداعى) بالذهن إلى وحدة أسرية (أوسع نطاقاً) من حيث البعد النسبي أو العبادي... فسعة النطاق النسبي تتمثل في شموله للبنت والحفيدين والصهر (علي، الزهراء، الحسن، الحسين، عليهم السلام) وسعة النطاق العبادي تتمثل في قضية (التطهير) بصفتها أرقى المستويات العبادية (مفهوم العصمة) بالقياس إلى مجرد القرار في البيت أو عدم التبرج أو طاعة الرسول(ص) أو الصلاة أو الزكاة أو التلاوة إلى آخره...
2- علاقة قريبة:
ومثالها آية (( وَإذا سَأَلَكَ عبَادي عَنّي فإنّي قَريبٌ أجيب دَعْوَةَ الدَّاع إذَا دَعَان فلْيَسْتَجيبوا لي وَلْيؤْمنوا بي لَعَلَّهمْ يَرْشدونَ )) (البقرة:186) حيث وردت هذه الآية وسط آيات تتحدث عن الصيام ومن المعلوم أن هناك علاقة محكمة بين شهر رمضان وبين خصوصية الدعاء فيه بالقياس إلى غيره من الشهور، حيث (يتداعى) الذهن من ظاهرة شهر رمضان والصوم وما يرتبط به من القدسية والأحكام، إلى ظاهرة الدعاء وإجابته.
المهم أن هذا النمط من التداعي الذهني(القريب) وكذلك التداعي الذهني (البعيد)، يفسر لنا جانباً من المسوغات الفنية للفكرة المعترضة.
ما تقدم، يتصل بأقسام الفكرة المعترضة..
وأمّا ما يتصل بصياغتها، فندرجه ضمن عنوان: موقعها:
الموقع الذي تحتله الفكرة المعترضة هو (الوسط) سواء أكان ذلك وسطاً بين الجملة الواحدة أم الفقرة أم المقاطع، لأن طبيعة الاعتراض تتمثل في كونها تقطع سلسلة الحديث لتستكمل بعد ذلك، وهذا لا يحدث إلا في وسط.
ولكن من الممكن أن تتقدم أو تتأخر الفكرة المعترضة في سياقات خاصة فترد في البداية أو النهاية.
ويحسن بنا أن نعرض للمواقع الثلاثة المشار إليها.
1- الوسط:
وهذا من نحو (( وَإنَّه لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمونَ عَظيمٌ )) (الواقعة:76)، ونحو: (( قَالَ فالْحَقّ وَالْحَقَّ أَقول لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ... )) (صّ:84-85).
2- البداية :
وهذا من نحو قوله تعالى (( فوَسْوَسَ إلَيْه الشَّيْطَان قَالَ )) (طـه:120). فالجملة أو الفكرة المعترضة هنا هي جملة (فوسوس) وموقعها الأصلي هو الوسط، أي بعد كلمة (قال) لأن الأصل فيها هو مثلاً (قال الشيطان ـ وهو يوسوس له ـ هل أدفلـّك..). إلا أن النص (قدم) هذه الجملة المعترضة لنكته بلاغية هي: التأكيد على الوسوسة الشيطانية بصفتها ذات نتائج في غاية الخطورة والأهمية، حيث ترتبت على هذه الوسوسة: إخراجه عليه السلام من الجنة، ولذلك (قدم هذه الجملة المعترضة (وسوسة الشيطان) تعبيراً عن خطورتها المشار إليها... وإلا ففي الحالات الأخرى نجد أن الجملة المعترضة (في المحاورات بخاصة) تقع في الوسط مثل قوله تعالى (( فقَالَ لصَاحبه ـ وَهوَ يحَاوره ـ أَنَا أَكْثَر منْكَ مَالاً وَأَعَزّ نفراً )) (الكهف:34).
3- النهاية :
مثل قوله تعالى: (وكذّب به قومك ـ وهو الحق) حيث أنّ الفكرة المعترضة (وهو الحق) قد اعترضت (التكذيب للقرآن)، فيما يكون موقعها الأصلي هو بعد كلمة (به) لأنّ الضمير عائد إلى القرآن والتعليق على القرآن ينبغي أن يجيء بعده مباشرة، أي بعد كلمة (به)، إلا أن النص (أخره) كما لحظنا لنكتة بلاغية هي انّ النصّ يستهدف التأكيد على مدى الأنحراف الذي يطبع القوم، لذلك نجد في موقع آخر من القرآن ورود الجملة الاعتراضية (وهو الحق) مباشرة بعد ذكر القرآن مثل قوله تعالى (( وَالَّذينَ آمَنوا وَعَملوا الصَّالحَات وَآمَنوا بمَا نزّلَ عَلَى محَمَّد وَهوَ الْحَقّ منْ رَبّهمْ كََّفرَ عَنْهمْ سَيّئَاتهمْ )) (محمد:2) .
ما تقدم يتصل بمستويات العنصر الفكري، من حيث الفكرة المعترضة والثابتة، ومن حيث تعدد الفكرة وتوحدها، ومن حيث الفكرة الرئيسة والثانوية، إلى آخره...
وأما ما يرتبط بأسلوب طرحه أي: طرح العنصر الفكري من حيث الأساليب الفنية فندرجه ضمن عنوان: صياغته:
المقصود بالصياغة هو : الأسلوب الذي يتحدد من خلاله طرح العنصر الفكري في النص، حيث يمكن أن نحدد له ثلاثة أساليب، هي:
1- الأسلوب المباشر:
ويقصد به أن (فكرة النص) تطرح بصورة مباشرة من خلال الألفاظ الدّالة عليها مثل قوله تعالى: (( فوَيْلٌ للْمصَلّينَ, الَّذينَ همْ عَنْ صَلاتهمْ سَاهونَ, الذين هم يراءون )) . فالنص هنا، قد طرح فكرة المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وفكرة عدم الرياء فيها: طرحها مباشرة من خلال الألفاظ الدّالة على ذلك، بحيث لا نحتاج إلى أعمال الذهن فيها لنستخلص الفكرة فيها.
وهذا الأسلوب يتم على نمطين:
1. أن يتم من خلال التعليق الذي يصدر عن صاحب النص، كالنموذج المتقدم.
2. أن يتم من خلال لسان آخر، وهذا من نحو قوله على لسان أحد أبني آدم:
(( لَئن بَسَطْتَ إلَيَّ يَدَكَ لتَقْتلَني مَا أَنَا ببَاسط يَديَ إلَيْكَ لأَقْتلَكَ إنّي أَخَا اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمينَ )) (المائدة:28) حيث إن الفكرة القائلة بوجوب الخوف من الله تعالى، وعدم جواز القتل، قد جاءت من خلال المحاورة التي صدرت من الشخصية المذكورة.
وهذا على العكس من أسلوب آخر، هو:
2- الأسلوب غير المباشر:
ويقصد به أن (فكرة النص) تطرح بنحو خفي، بحيث لا يدركها القارئ إلا بعد إعمال الذهن فيها، لأن التعبير المستخدم فيها لا يشير مباشرة إلى الفكرة، وهذا من نحو قوله تعالى (( وَقَالَ نسْوَةٌ في الْمَدينَة امْرَأَت الْعَزيز ترَاود فتاهَا عَن نفسه قَدْ شَغََفهَا حبّاً إنَّا لَنَرَاهَا في ضَلال مبين )) (يوسف:30)
فالقارئ ـ من حيث النظر ابتداءً ـ يستخلص فكرة تقول: بشيوع الخبر في المدينة، ولغط النسوة به، وإنكارهن هذا السلوك... إلا أننا بعد أن نمعن النظر إلى هذا الجانب نجد أن هناك أكثر من (فكرة يتضمنها هذا النص)، منها: الغيرة مثلاً، ومنها: الفضول مثلاً، ومنها: التعجيل في اللوم، أو على العكس، من الممكن أن يستخلص المتلقي من ذلك نظافة النسوة وإخلاصهن من خلال إنكارهن للعمل المذكور، إلا أن تقطيعهن الأيدي عند مرور يوسف عليهن، لا يساعد على هذا الاستنتاج الأخير بقدر ما يعزز الاستنتاج الأول وهو الغيرة والفضول ونحو ذلك، أو على الأقل يكشف عن الفكرة القائلة بضعف الإنسان حيال المنبهات القوية وإن ما يلوم به الآخرين يقع فيه أيضاً، إلا أن الاستنتاج الأول يظل هو الأكثر صواباً بدليل أنه تعالى وصفهن بالمكر (( فلَمَّا سَمعَتْ بمَكْرهنَّ )).
والمهم في الحالات جميعاً أن هذه الفكرة لم يطرحها النص بصورة مباشرة، بل استخلصها المتلقي بالنحو الذي ذكرناه.
3- الأسلوب المزدوج:
ويقصد به أن تكون الفكرة المطروحة في النص يكتشف بعض أجزائها بصورة مباشرة، ويكتشف بعض أجزائها الأخرى بصورة غير مباشرة، ومثال ذلك: قضية يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز في حادثة عدم مطاوعته لها، حيث أن القارئ يكتشف فكرتها ـ في جانب منها ـ بوضوح من خلال الألفاظ الدالة على ذلك مثل: الاستعاذة بالله تعالى (( قَالَ مَعَاذَ اللَّه )) (يوسف: من الآية23) ، عدم فلاح الظالم (إنه لا يفلحف الظالمونَ) إلى آخره، إلا أن هناك أفكاراً يكتشفها القارئ بصورة غير مباشرة مثل: عدم نظافة امرأة العزيز، إلحاح الدّافع الجنسي عند المرأة، عدم تورعها في إلحاق الأذى بالشخص إرضاءً لشهواتها... إلى آخره.




السؤال: لا تناقض بين آيات القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
ارسل لكم هذه الاشكالات المزعومة على الدين الاسلامي و التي وجدتها في أحد المواقع راجيا أن تتفضلوا بالاجابة عليها و تزيلوا عنها الغموض و شكرا:*************************1- الله لا يغفر لمن قتل مؤمنا متعمدا أم يغفر له؟
(( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )) (النساء: 92-93)، (( الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ... إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما )) (الفرقان: 68-70)
فى الاولى لن يغفر الله لقاتل المؤمن ومصيره جهنم خالدا فيها، وفى الثانية نجد كلمة ((إلا من تاب يبدل الله سيئاتهم حسنات)) وبذلك يمكن لمن قتل النفس التي حرم الله قتلها أن يتوب ويبدل الله سيئاته حسنات.
2- الله يغفر كل الذنوب أم لا يغفر كل الذنوب؟
(( إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )) (الزمر39: 53)، (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) (النساء4: 48؛116).
في الأولى يغفر جميع الذنوب، وفي الثانية لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
3- تناقض القرآن عندما يكذب المشركين لانهم قالوا ما قاله القرآن (( لو شاء الله ما اشركوا )). الغريب ان المشركين لا يقولون الا ما قرره القرآن ومع ذلك يتهمهم بالكذب لانهم قالوا ذلك , وكأن القرآن يتهم نفسه بالكذب !!
(( وَلَو شَاءَ اللَّه مَا أَشرَكوا وَمَا جَعَلنَاكَ عَلَيهم حَيفظًا وَمَا أَنتَ عَلَيهم بوَكيل ))(الانعام 107) ،(( سَيَقول الَّذينَ أَشرَكوا لَو شَاءَ اللَّه مَا أَشرَكنَا وَلَا آَبَاؤنَا وَلَا حَرَّمنَا من شَيء كَذَلكَ كَذَّبَ الَّذينَ من قَبلهم ))(الانعام 148).
4- كتاب أعمال الكافر يوم القيامة بشماله أم وراء ظهره؟
(( فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب الى اهله مسرورا وأما من أوتى كتابه وراء ظهرهفسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا )) (الانشقاق 7-12)، (( فأما من أوتى كتابه بيمينه ... فى جنة عالية ... وأما من أوتى كتابه بشماله ... خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه..)) (الحاقة 19-31).
فى يوم الحساب يعطى كل انسان كتاب مكتوب فيه اعماله , ويبدو ان الملائكة تعلم ما فى الكتاب مسبقا لذلك , من نجح فى امتحان الدنيا اعطته الملائكة كتابه فى يمينه ولا خلاف على ذلك فى سورة الانشقاق والحاقة. اما من رسب فاختلفت السورتان , بحسب الانشقاق يعطى كتابه وراء ظهره, وبحسب الحاقة يعطى كتابه بشماله !!
5- كيف يقول اليهود على المسيح انه رسول الله بينما هم لا يؤمنوا به اصلا؟
يتحدث القرآن عن اليهود فيقول : (( وَقَولهم إنَّا قَتَلنَا المَسيحَ عيسَى ابنَ مَريَمَ رَسولَ اللَّه وَمَا قَتَلوه وَمَا صَلَبوه )) (النساء 157)، لم يؤمن اليهود بالمسيح ولم يعتبروه رسولا من عند الله بل اعتبروه من المضلين الذين اضلوا البشرية ولا يعقل ان يصدر منهم هذه المقولة التى نسبها لهم القرآن : (( إنَّا قَتَلنَا المَسيحَ عيسَى ابنَ مَريَمَ رَسولَ اللَّه )) لانهم لو قالوا ذلك فانهم يعترفون حينئذ بان المسيح رسول الله !!
6- كيف يكون النبي محمد اول المسلمين بينما يقرر القرآن ان ابراهيم وموسى ونوح وعيسى وحواريه الذين سبقوه بمئات والاف السنين من المسلمين يقول النبي محمد انه اول المسلمين: (( قل أني أمرت أن أكون أول من أسلم )) (الأنعام:14)، (( لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )) (الانعام163)
(( قل إني أمرت أن أعبد الله .... وأمرت لآن أكون أول المسلمين )) (الزمر11-12).
بينما هناك آيات كثيرة تجعل الانبياء السابقين لمحمد من المسلمين
(( وأتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ....إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين )) (يونس10: 71‎‎ ـ 72) ، (( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن حنيفا مسلما )) (آل عمران 3 : 67 )، (( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ....قالوا نعبد إلهك وإله ابائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون )) ( البقرة: 133)، في الحديث عن يوسف .... (( رب ... علمتني من تأويل الأحاديث .... توفني مسلما والحقني بالصالحين )) ( يوسف 12 : 101 )،(( قال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )) (يونس84 )، (( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت انه لا إله إلا الذي أمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين )) (يونس:90)، ومن كلام الهدهد والرسالة التي حملها إلى ملكة سبأ قال الهدهد: (( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ... إنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتوني مسلمين )) (النمل 27 : 24-31)، وملكة سبأ قالت : (( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين )) ( النمل 27 : 44 )،(( والذين آتيناهم الكتاب من قبله (أي قبل القرآن يقصد النصارى) هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به أنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين )) (القصص:52-53)، (( قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بانا مسلمون )) (آل عمران:52).
7- لا تبديل لكلمات الله أم يبدل الله كلامه ؟
(( لا تبديل لكلمات الله )) (يونس:46)، (( لا مبدل لكلماته )) ( كهف:27)
ومن جهة اخرى نجد الايات التالية:
(( وإذا بدلنا آيه مكان آية والله اعلم بما ينزل )) (النحل:101)، (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )) (بقرة:106).
8- مريم تأكل وتشرب وتتكلم ومع ذلك يطلب منها ابنها ان لا تقول الحقيقة على الناس وتقول انها صائمة عن الاكل والكلام
(( فانتَبَذَت به مَكَاناً قَصيّاً فأَجَاءَهَا المَخَاض إلَى جذع النَّخلَة قَالَت يَاليتَني متّ قَبلَ هذا وَكنت نَسياً مَنسيّاً فنَادَاهَا من تَحتهَا أَلاَّ تَحزَني قَد جَعَلَ رَبّك تَحتَك سَريّاً وَهزّي إلَيك بجذع النَّخلَة تسَاقط عَلَيك رطَباً جَنيّاً فكلي وَاشرَبي وَقَرّي عَيناً َإمَّا تَرَينَّ منَ البَشَر أَحَداً فقولي إنّي نَذَرت للرَّحمَان صَوماً فلَن أكَلّمَ اليَومَ إنسيّاً )) (مريم:22-26)
وغريب أن يكلّمها وليدها من تحتها أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح وتشرب من الجدول، فإذا مرَّ بها أحدٌ تقول إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً.
فأين الصوم وهي الآكلة الشاربة المتكلمة؟
9- هل نبذ يونس بالعراء أم لم ينبذ بالعراء؟
(( فنَبَذنَاه بالعَرَاء وَهوَ سَقيمٌ )) (الصافات:145)
الجلالين: (فنبذناه) أي ألقيناه من بطن الحوت (بالعراء) بوجه الأرض : أي بالساحل من يومه أو بعد ثلاثة أو سبعة أيام أو عشرين أو أربعين يوما (وهو سقيم) عليل كالفرخ الممعط ابن كثير وقد تقدم حديث أبي هريرة مسندا مرفوعا في تفسير سورة الأنبياء ولهذا قال تعالى (فنبذناه) أي ألقيناه (بالعراء) قال ابن عباس وغيره وهي الأرض التي ليس بها نبت ولا بناء قيل على جانب دجلة وقيل بأرض اليمن فالله أعلم (وهو سقيم) أي ضعيف البدن قال ابن مسعود عنه كهيئة الفرخ ليس عليه ريش وقال السدي كهيئة الظبي حين يولد وهو المنفوس وقاله ابن عباس وابن زيد أيضا.
الطبرى: وقوله : (( فنبذناه بالعراء )) يقول : فقذفناه بالفضاء من الأرض , حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره ;
القرطبى: وقال في هذه السورة : (( فنبذناه بالعراء )) وقال في (( ن والقلم )) (القلم:1), (( لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم )) (القلم:49)
والجواب : أن الله عز وجل خبر هاهنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمة الله عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم ; قاله النحاس
10- يقرر القرآن ان جميع البشر سيورد الى النار ثم ينجى الله المؤمنين, ويلوم وينتقد اليهود لانهم قالوا بنفس الشئ !!
عندما كان محمد بمكة أكد فى سورة مريم المكية ان الله قضى حتما مقضيا ان يورد كافة البشر النار ثم ينجى منها المؤمنين ويترك فيها الظالمين
(( لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها (النار) كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )) (مريم:70-72)
وعندما توجه الى المدينة واقام بها وجد اليهود يقولون انهم سيذهبون الى النار لكنهم لن يظلوا هناك للابد وانما لايام معدودات - وهذا نفس ما قاله فى سورة مريم المكية - اذ به ينتقد قولهم هذا ويتهمهم بالافتراء والقول على الله بما لايعلمون !!!
(( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) (آل عمران:24)
(( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولوا على الله ما لا تعلمون )) (البقرة:80)
فكيف يكون الشئ الواحد حقا وافتراء فى نفس الوقت؟
حقا لو قاله النبي محمد وافتراء ان قاله اليهود حقا فى السور المكية وافتراء فى السور المدنية ؟!
الجواب:
1- في القرآن آيات عامة وأخرى خاصة، وأيضاً في القرآن آيات مطلقة وأخرى مقيدة لذلك الأطلاق، والعمل في الأخير يكون على الخاص والمقيد الذي يصلح أن يكون مخصصاً للعامة ومقيداً للإطلاق، فقوله تعالى: (( ومن يقتل مؤمناً متعمداً... )) قول مطلق يصلح للتقييد بآيات أخر، مثل قوله تعالى: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ))، وقوله تعالى: (( إن الله يغفر الذنوب جميعاً )). يقول صاحب (الميزان ج 5 ص 41): (غير انك عرفت في الكلام على قوله تعالى: (( ان الله لا يغفر أن يشرك به )) ان تلك الآية وكذا قوله تعالى: (( إن الله يغفر الذنوب جميعاً )) تصلحان لتقييد هذه الآية فهذه الآية توعد بالنار الخالدة لكنها ليست بصريحة في الحكم فيمكن العفو بتوبة أو شفاعة).
2- ان قوله تعالى: (( ان الله لا يغفر أن يشرك به...)) في غير صور الإيمان والتوبة. يقول صاحب (الميزان عن هذه الآية ج 4 ص 370): (وأما التوبة فالآية غير متعرضة لشأنها من حيث خصوص مورد الآية لأن موردها عدم الإيمان ولا توبة معه على ان التوبة يغفر معها جميع الذنوب حتى الشرك).
3- أما قوله تعالى: (( سيقول الذين أشركوا...)). يقول صاحب (الميزان عنها ج 7 ص 366): (الآية تذكر احتجاجهم بهذه الحجة ثم ترد عليهم بأنهم جاهلون بها وإنما يركنون فيها إلى الظن والتخمين, والكلمة كلمة حق وردت في كثير من الآيات القرآنية لكنها لا تنتج ما قصدوه منها.
فانهم إنما احتجوا بها لاثبات أن شركهم وتحريمهم ما رزقهم الله بأمضاء من الله سبحانه لا بأس عليهم في ذلك فحجتهم ان الله لو شاء منا خلاف ما نحن عليه من الشرك والتحريم لكنا مضطرين على ترك الشرك والتحريم فإذ لم يشأ كان ذلك إذ ما في الشرك والتحريم فلا بأس بهذا الشرك والتحريم.
وهذه الحجة لا تنتج هذه النتيجة، وإنما تنتج ان الله سبحانه إذ لم يشأ منهم ذلك لم يوقعهم موقع الاضطرار والاجبار فهم مختارون في الشرك والكف عنه وفي التحريم وتركه، فله تعالى أن يدعوهم إلى الإيمان به ورفض الافتراض فلله الحجة البالغة ولا حجة لهم في ذلك إلا اتباع الظن والتخمين).
4- يقول صاحب (الميزان ج 20 ص 242) عن قوله تعالى: (( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره )). (الظرف منصوب بنزع الخافض والتقدير من وراء ظهره ولعلهم إنما يؤتون كتبهم من وراء ظهورهم لرد وجوههم على أدبارهم كما قال تعالى: (( من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها )) ولا منافاة بين إيتاء كتابهم من وراء ظهورهم وبين ايتائهم بشمالهم كما وقع في قوله تعالى: (( وأما من أوتي كتابه بشماله... ))).
5- يقول صاحب (تفسير الأمثل ج 3 ص 526) : (ولعل هؤلاء كانوا يؤتون بعبارة (رسول الله) استهزاء ونكاية وقد كذبوا بدعواهم هذه في قتل المسيح فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه بل صلبوا شخصاً شبيهاً بعيسى المسيح (عليه السلام)).
ويقول صاحب (الميزان ج 5 ص 132): (وربما ذكر بعض محققي التاريخ ان القصص التاريخة المضبوطة فيه 0عليه السلام) والحوادث المربوطة بدعوته وقصص معاصريه من الحكام والدعاة تنطبق على رجلين اثنين مسمين بالمسيح – وبينهما ما يزيد على خمسائة سنة - : المتقدم منهما محق غير مقتول والمتأخر منهما مبطل مصلوب وعلى هذا فما يذكره القرآن من التشبيه هو تشبيه المسيح عيسى بن مريم رسوله الله بالمسيح المصلوب).
6- يقول صاحب (الميزان ج 7 ص 32): (ان قوله: أول من أسلم) ان كان المراد أول من أسلم من بينكم فهو ظاهر فقد أسلم صلى الله عليه وآله وسلم قبل أمته وإن كان المراد به أول من أسلم من غير تقييد كما هو ظاهر الاطلاق كانت أوليته في ذلك بحسب الرتبة دون الزمان.
7- هناك من يرى من المفسرين أن المراد بالكلمات ما في القرآن غير الشرايع فانها تقبل التبديل بالنسخ. وهناك من يرى أن المراد من الكلمات ما قاله عز من قائل من القضاء أو الوعد وبذلك يرتفع الاختلاف بين تلك الآيات القرآنية.
8- يقول صاحب (الميزان ج 14 ص 44) عن قوله تعالى: (فأما ترين... اليوم انسيا) : (المراد بالصوم صوم الصمت كما يدل عليه التفريع الذي في قوله: (( فلن اكلم اليوم انسياً )) وكذا يستفاد من السياق انه كان أمراً مسنوناً في ذلك الوقت ولذا أرسل عذراً إرسال المسلم... والمراد بالقول التفهيم بالإشارة فربما يسمى التفهيم بالإشارة قولاً, وعن الفراء ان العرب تسمى كل ما وصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام.
وليس بعيداً أن يستفاد من قوله: (( فقولي إني نذرت للرحمن صوماً )) بمعونة السياق انه أمرها أن تنوي الصوم لوقتها وتنذره لله على نفسها فلا يكون اخباراً بما لا حقيقة له.
وقوله: (( فإما ترين... )) على أي حال متفرع على قوله: (( وقري عيناً )) والمراد لا تكلمي بشراً ولا تجيبي أحداً سألك عن شأني بل ردي الأمر إليَّ فأنا أكفيك جواب سؤالهم وارد خصامهم).
9- علم التفسير له ضوابط معينة ولا يحق لأي أحد أن يفسر القرآن وفق ما تشتهيه نفسه فإذا كان صاحب الإشكال لا يفرق بين (( ونبذناه بالعراء وهو سقيم )) وبين (( لنبذ بالعراء وهو مذموم )) فإن المفسرين يفرقون بينهما وللتعرف على ذلك (ارجع الى الميزان ج 19 ص 387).
10- يقول صاحب (الميزان ج 14 ص 91) عن قوله تعالى: (( وأن منكم إلا واردها... )) : (والحق ان الورود لا يدل على أزيد من الحضور والاشراف عن قصد - على ما يستفاد من كتب اللغة - فقوله: (( وان منكم إلا واردها )) إنما يدل على القصد والحضور والاشراف, ولا ينافي دلالة قوله في الآية التالية : (( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )) على دخولهم جميعاً أو دخول الظالمين خاصة فيها بعدما وردوها.
... إلى أن قوله: (( ونذر الظالمين فيها )) يدل على كون الظالمين داخلين فيها ثم يتركون على ما كانوا عليه وأما تنجية الذين اتقوا فلا تدل بلفظها على كونهم داخلين إذ التنجية ربما تحققت من دونه...
ومعنى الآيتين: (ما من أحد منكم - متقف أو ظالم - إلا وهو سيرد النار كان هذا الايراد واجباً مقضياً على ربك ثم ننجي الذين اتقوا منها ونترك الظالمين فيها لظلمهم باركين على ركبهم).
ثم كيف تفترض ان من ذكر في هذه الآية القرآنية مع ما ذكر في شأن اليهود شيء واحد فاليهود يعتقدون انهم الناجون بينما هذه الآية تقول ان المؤمنين هم الناجون فكان لهذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقاً وقول اليهود باطلاً.





السؤال: ردّ المفسّرين على التناقض المدّعى بين آياته القرآنية
لقد وردتني الشبهات التالية ارجو المساعدة في الرد عليها
*************************
العنوان هو هل يناقض القران نفسه ؟
1- قال ان القران (لسان عربي مبين)النحل والمبين هو الذي لايحتاج الى التفسير ولكنه يقول في ال عمران ان فيه ايات متشابهات وانه لا يعلم تاويله الا الله ؟
وكيف يكون مبين وفيه من الطلاسم والحروف مثل (الر ، ص ، طس ، ق ....)
(( اتقوا الله حق تقاته )) (آل عمران:102)
(( اتقو الله ما استطعتم )) (التغابن:16)
(( فان خفتم الاتعدلو فواحدة ))
(( ولن تستطيعوا ان تعدلو بين النساء ولو حرصتم ))
(( نحن نزلنا الذكر وانا له لحافضون ))
(( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ))
*************************
الجواب:

قال العلاّمة في تفسير الميزان:
فإنما هو كلام عربي مبين لا يتوقف في فهمه عربي ولا غيره ممن هو عارف باللغة وأساليب الكلام العربي. وليس بين آيات القرآن (وهي بضع آلاف آية) آية واحدة ذات اغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحير الذهن في فهم معناها، وكيف ! وهو أفصح الكلام ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد، حتى أن الآيات المعدودة من متشابه القرآن كالآيات المنسوخة وغيرها، في غاية الوضوح من جهة المفهوم، وإنما التشابه في المراد منها وهو ظاهر. وإنما الاختلاف كل الاختلاف في المصداق الذي ينطبق عليه المفاهيم اللفظية من مفردها ومركبها، وفي المدلول التصوري والتصديقي. (تفسير الميزان ج1 ص9).
وقال أيضا :
فسر قوم من المفسرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكلام وإذ كان المراد من بعض الآيات معلوما بالضرورة كان المراد بالتأويل على هذا من قوله تعالى " وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية هو المعنى المراد بالآية المتشابهة فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهة على هذا القول لغير الله سبحانه أو لغيره وغير الراسخين في العلم.
وقالت طائفة أخرى أن المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعد ما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع. وكيف كان فهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين كما أن المعنى الأول هو الذي كان شائعا بين قدماء المفسرين سواء فيه من كان يقول إن التأويل لا يعلمه إلا الله ومن كان يقول إن الراسخين في العلم أيضا يعلمونه كما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول: أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله.
وذهب طائفة أخرى إلى أن التأويل معنى من معاني الآية لا يعلمه إلا الله تعالى أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم مع عدم كونه خلاف ظاهر اللفظ فيرجع الامر إلى أن للآية المتشابهة معاني متعددة بعضها تحت بعض منها ما هو تحت اللفظ يناله جميع الافهام ومنها ما هو أبعد منه لا يناله إلا الله سبحانه أو هو تعالى والراسخون في العلم.
وقد اختلفت أنظارهم في كيفية ارتباط هذه المعاني باللفظ فإن من المتيقن أنها من حيث كونها مرادة من اللفظ ليست في عرض واحد وإلا لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد وهو غير جائز على ما بين في محله فهي لا محالة معان مترتبة في الطول فقيل إنها لوازم معنى اللفظ إلا أنها لوازم مترتبة بحيث يكون للفظ معني مطابقي وله لازم وللازمه لازم وهكذا وقيل إنها معان مترتبة بعضها على بعض ترتب الباطن على ظاهره فإرادة المعنى المعهود المألوف إرادة لمعنى اللفظ وإرادة لباطنه بعين إرادته نفسه كما أنك إذا قلت اسقني فلا تطلب بذاك إلا السقي وهو بعينه طلب للارواء وطلب لرفع الحاجة الوجودية وطلب للكمال الوجودي وليس هناك أربعة أوامر ومطالب بل الطلب الواحد المتعلق بالسقي متعلق بعينه بهذه الأمور التي بعضها في باطن بعض والسقي مرتبط بها ومعتمد عليها.
وهيهنا قول رابع وهو أن التأويل ليس من قبيل المعاني المرادة باللفظ بل هو الامر العيني الذي يعتمد عليه الكلام فإن كان الكلام حكما إنشائيا كالأمر والنهي فتأويله المصلحة التي توجب إنشاء الحكم وجعله وتشريعه فتأويل قوله أقيموا الصلاة مثلا هو الحالة النورانية الخارجية التي تقوم بنفس المصلي في الخارج فتنهاه عن الفحشاء والمنكر وإن كان الكلام خبريا فإن كان إخبارا عن الحوادث الماضية كان تأويله نفس الحادثة الواقعة في ظرف الماضي كالآيات المشتملة على أخبار الأنبياء والأمم الماضية فتأويلها نفس القضايا الواقعة في الماضي وإن كان إخبارا عن الحوادث والأمور الحالية والمستقبلة فهو على قسمين فإما أن يكون المخبر به من الأمور التي تناله الحواس أو تدركه العقول كان أيضا تأويله ما هو في الخارج من القضية الواقعة كقوله تعالى: (( وفيكم سماعون لهم )) (التوبة:47) وقوله تعالى (( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ))(الروم:44) وإن كان من الأمور المستقبلة الغيبية التي لا تناله حواسنا الدنيوية ولا يدرك حقيقتها عقولنا كالأمور المربوطة بيوم القيامة ووقت الساعة وحشر الأموات والجمع والسؤال والحساب وتطائر الكتب أو كان مما هو خارج من سنخ الزمان وإدراك العقول كحقيقة صفاته وأفعاله تعالى فتأويلها أيضا نفس حقائقها الخارجية.
والفرق بين هذا القسم أعني الآيات المبينة لحال صفات الله تعالى وأفعاله وما يلحق بها من أحوال يوم القيامة ونحوها وبين الأقسام الاخر أن الأقسام الاخر يمكن حصول العلم بتأويلها بخلاف هذا القسم فإنه لا يعلم حقيقة تأويله إلا الله تعالى نعم يمكن ان يناله الراسخون في العلم بتعليم الله تعالى بعض النيل على قدر ما تسعه عقولهم وأما حقيقة الامر الذي هو حق التأويل فهو مما استأثر الله سبحانه بعلمه.
فهذا هو الذي يتحصل من مذاهبهم في معنى التأويل وهي أربعة.
وهيهنا أقوال أخر ذكروها هي في الحقيقة من شعب القول الأول وإن تحاشى القائلون بها عن قبوله.
فمن جملتها أن التفسير أعم من التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية ويستعمل التفسير فيها وفي غيرها.
ومن جملتها أن التفسير بيان معنى اللفظ الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا والتأويل تشخيص أحد محتملات اللفظ بالدليل استنباطا.
ومن جملتها أن التفسير بيان المعنى المقطوع من اللفظ والتأويل ترجيح أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها وهو قريب من سابقه.
ومن جملتها أن التفسير بيان دليل المراد والتأويل بيان حقيقة المراد مثاله قوله تعالى إن ربك لبالمرصاد فتفسيره أن المرصاد مفعال من قولهم رصد يرصد إذا راقب وتأويله التحذير عن التهاون بأمر الله والغفلة عنه.
ومن جملتها أن التفسير بيان المعنى الظاهر من اللفظ والتأويل بيان المعنى المشكل.
ومن جملتها أن التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية.
ومن جملتها أن التفسير يتعلق بالاتباع والسماع والتأويل يتعلق بالاستنباط والنظر فهذه سبعة أقوال هي في الحقيقة من شعب القول الأول الذي نقلناه يرد عليها ما يرد عليه وكيف كان فلا يصح الركون إلى شئ من هذه الأقوال الأربعة وما ينشعب منها.
أما إجمالا فلانك قد عرفت: أن المراد بتأويل الآية ليس مفهوما من المفاهيم تدل عليه الآية سواء كان مخالفا لظاهرها أو موافقا، بل هو من قبيل الأمور الخارجية، ولا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخير تأويلا له، بل أمر خارجي مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثل إلى المثل (بفتحتين) والباطن إلى الظاهر.
وأما تفصيلا فيرد على القول الأول: أن أقل ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها أي تفسيرها أي المراد من مداليلها اللفظية عامة الافهام، وليس في القرآن آيات كذلك بل القرآن ناطق بأنه أنما أنزل قرآنا ليناله الافهام، ولا مناص لصاحب هذا القول إلا أن يختار أن الآيات المتشابهة إنما هي فواتح السور من الحروف المقطعة حيث لا ينال معانيها عامة الافهام، ويرد عليه: أنه لا دليل عليه، ومجرد كون التأويل مشتملا على معنى الرجوع وكون التفسير أيضا غير خال عن معنى الرجوع لا يوجب كون التأويل هو التفسير كما أن الام مرجع لاولادها وليست بتأويل لهم، والرئيس مرجع للمرؤوس وليس بتأويل له. على أن ابتغاء الفتنة عد في الآية خاصة مستقلة للتشابه وهو يوجد في غير فواتح السور فإن أكثر الفتن المحدثة في الاسلام إنما حدثت باتباع علل الاحكام وآيات الصفات وغيرها.
وأما القول الثاني فيرد عليه: أن لازمه وجود آيات في القرآن أريد بها معان يخالفها ظاهرها الذي يوجب الفتنة في الدين بتنافيه مع المحكمات ومرجعه إلى أن في القرآن اختلافا بين الآيات لا يرتفع إلا بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الافهام وهذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى (( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) (النساء:822) إذ لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بان يقال إنه أريد بإحديهما أو بهما معا غير ما يدل عليه الظاهر بل معنى تأويلي باصطلاحهم لا يعلمه إلا الله سبحانه مثلا لم تنجح حجة الآية فان انتفاء الاختلاف بالتأويل باصطلاحهم في كل مجموع من الكلام ولو كان لغير الله أمر ممكن ولا دلالة فيه على كونه غير كلام البشر إذ من الواضح أن كل كلام حتى القطعي الكذب واللغو يمكن ارجاعه إلى الصدق والحق بالتأويل والصرف عن ظاهره فلا يدل ارتفاع الاختلاف بهذا المعنى عن مجموع كلام على كونه كلام من يتعالى عن اختلاف الأحوال وتناقض الآراء والسهو والنسيان والخطاء والتكامل بمرور الزمان كما هو المعني بالاحتجاج في الآية فالآية بلسان احتجاجها صريح في أن القرآن معرض لعامة الافهام ومسرح للبحث والتأمل والتدبر وليس فيه آية أريد بها معنى يخالف ظاهر الكلام العربي ولا أن فيه أحجية وتعمية.
وأما القول الثالث فيرد عليه أن اشتمال الآيات القرآنية على معان مترتبة بعضها فوق بعض وبعضها تحت بعض مما لا ينكره إلا من حرم نعمة التدبر إلا أنها جميعا وخاصة لو قلنا أنها لوازم المعنى مداليل لفظية مختلفة من حيث الانفهام وذكاء السامع المتدبر وبلادته وهذا لا يلائم قوله تعالى في وصف التأويل وما يعلم تأويله إلا الله فان المعارف العالية والمسائل الدقيقة لا يختلف فيها الأذهان من حيث التقوى وطهارة النفس بل من حيث الحدة وعدمها وإن كانت التقوى وطهارة النفس معينين في فهم المعارف الطاهرة الإلهية لكن ذلك ليس على نحو الدوران والعلية كما هو ظاهر قوله وما يعلم تأويله إلا الله.
وأما القول الرابع فيرد عليه أنه وأن أصاب في بعض كلامه لكنه أخطأ في بعضه الآخر فإنه وإن أصاب في القول بأن التأويل لا يختص بالمتشابه بل يوجد لجميع القرآن وأن التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي بل هو أمر خارجي يبتني عليه الكلام لكنه أخطأ في عد كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام حتى مصاديق الاخبار الحاكية عن الحوادث الماضية والمستقبلة تأويلا للكلام وفي حصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات وآيات القيامة.
توضيحه أن المراد حينئذ من التأويل في قوله تعالى وابتغاء تأويله " إلخ " إما أن يكون تأويل القرآن برجوع ضميره إلى الكتاب فلا يستقيم قوله ولا يعلم تأويله إلا الله إلخ فإن كثيرا من تأويل القرآن وهو تأويلات القصص بل الاحكام أيضا وآيات الأخلاق مما يمكن أن يعلمه غيره تعالى وغير الراسخين في العلم من الناس حتى الزائغون قلبا على قوله فإن الحوادث التي تدل عليها آيات القصص يتساوى في إدراكها جميع الناس من غير أن يحرم عنه بعضهم وكذا الحقائق الخلقية والمصالح التي يوجدها العمل بالأحكام من العبادات والمعاملات وسائر الأمور المشرعة.
وإن كان المراد بالتأويل فيه تأويل المتشابه فقط استقام الحصر في قوله وما يعلم تأويله إلا الله إلخ وأفاد أن غيره تعالى وغير الراسخين في العلم مثلا لا ينبغي لهم ابتغاء تأويل المتشابه وهو يؤدي إلى الفتنة واضلال الناس لكن لا وجه لحصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات والقيامة فإن الفتنة والضلال كما يوجد في تأويلها يوجد في تأويل غيرها من آيات الاحكام والقصص وغيرهما كأن يقول القائل وقد قيل إن المراد من تشريع الاحكام إحياء الاجتماع الانساني بإصلاح شأنه بما ينطبق على الصلاح فلو فرض أن صلاح المجتمع في غير الحكم المشرع أو أنه لا ينطبق على صلاح الوقت وجب اتباعه وإلغاء الحكم الديني المشرع وكأن يقول القائل وقد قيل إن المراد من كرامات الأنبياء المنقولة في القرآن أمور عادية وإنما نقل بألفاظ ظاهرها خلاف العادة لصلاح استمالة قلوب العامة لانجذاب نفوسهم وخضوع قلوبهم لما يتخيلونه خارقا للعادة قاهرا لقوانين الطبيعة ويوجد في المذاهب المنشعبة المحدثة في الاسلام شئ كثير من هذه الأقاويل وجميعها من التأويل في القرآن ابتغاءا للفتنة بلا شك فلا وجه لقصر المتشابه على آيات الصفات وآيات القيامة. إذا عرفت ما مر علمت: أن الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ وإنما قيدها الله سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهى كالأمثال تضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يناسب فهم السامع كما قال تعالى (( والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم )) (الزخرف:) وفي القرآن تصريحات وتلويحات بهذا المعنى. على أنك قد عرفت فيما مر من البيان أن القرآن لم يستعمل لفظ التأويل في الموارد التي استعملها وهي ستة عشر موردا على ما عدت إلا في المعنى الذي ذكرناه ( تفسير الميزان ج3 ص 444).
وقال الطباطبائي أيضاً :
قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) قد مر فيما مر أن التقوى وهو نوع من الاحتراز إذا كان تقوى الله سبحانه كان تجنبا وتحرزا من عذابه كما قال تعالى (( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ))(البقرة:244) وذلك إنما يتحقق بالجري على ما يريده ويرتضيه فهو امتثال أوامره تعالى والانتهاء عن نواهيه والشكر لنعمه والصبر عند بلائه ويرجع الأخيران جميعا إلى الشكر بمعنى وضع الشئ موضعه وبالجملة تقوى الله سبحانه أن يطاع ولا يعصى ويخضع له فيما أعطى أو منع.
لكنه إذا أخذ التقوى حق التقوى الذي لا يشوبه باطل فاسد من سنخه كان محض العبودية التي لا تشوبها إنية وغفلة وهي الطاعة من غير معصية والشكر من غير كفر والذكر من غير نسيان وهو الاسلام الحق أعني الدرجة العليا من درجاته وعلى هذا يرجع معنى قوله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون إلى نحو قولنا ودوموا على هذه الحال حق التقوى حتى تموتوا.
وهذا المعنى غير ما يستفاد من قوله تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) (التغابن:166) فإن هذه الآية في معنى أن لا تذروا التقوى في شئ مما تستطيعونه غير أن الاستطاعة تختلف باختلاف قوى الاشخاص وأفهامهم وهممهم ولا ريب أن حق التقوى بالمعنى الذي ذكرناه ليس في وسع كثير من الناس فإن في هذا المسير الباطني مواقف ومعاهد ومخاطر لا يعقلها إلا العالمون ودقائق ولطائف لا يتنبه لها إلا المخلصون فرب مرحلة من مراحل التقوى لا يصدق الفهم العامي بكونها مما تستطيعه النفس الانسانية فيجزم بكونها غير مستطاعة وإن كان أهل التقوى الحقة خلفوها وراء ظهورهم وأقبلوا بهممهم على ما هو أشق وأصعب.
فقوله فاتقوا الله ما استطعتم الآية كلام يتلقاه الافهام المختلفة بمعان مختلفة على حسب ما يطبقه كل فهم على ما يستطيعه صاحبه ثم يكون ذلك وسيلة ليفهم من هذه الآية أعني قوله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أن المراد أن يقعوا في صراط حق التقوى ويقصدوا نيل هذا المقام والشخوص والمثول فيه وذلك نظير الاهتداء إلى الصراط المستقيم الذي لا يتمكن منه إلا الأوحديون ومع ذلك يدعى إليه جميع الناس فيكون محصل الآيتين اتقوا الله حق تقاته فاتقوا الله ما استطعتم أن يندب جميع الناس ويدعوا إلى حق التقوى ثم يؤمروا بالسير إلى هذا المقصد ما قدروا واستطاعوا وينتج ذلك أن يقع الجميع في صراط التقوى إلا أنهم في مراحل مختلفة وعلى درجات مختلفة على طبق ما عندهم من الافهام والهمم وعلى ما يفاض عليهم من توفيق الله وتأييده وتسديده فهذا ما يعطيه التدبر في معنى الآيتين.
ومنه يظهر أن الآيتين غير مختلفتين بحسب المضمون ولا أن الآية الأولى أعني قوله اتقوا الله حق تقاته الآية أريد بها عين ما أريد من قوله فاتقوا الله ما استطعتم الآية بل الآية الأولى تدعو إلى المقصد والثانية تبين كيفية السلوك. (تفسير الميزان ج3 ص367).
وقال أيضاً :
قوله تعالى: (( ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) بيان الحكم العدل بين النساء الذي شرع لهن على الرجال في قوله تعالى في أول السورة (( وان خفتم ان لا تعدلوا فواحدة )) (النساء:33) وكذا يومى إليه قوله في الآية السابقة (( وان تحسنوا وتتقوا )) (الخ) فإنه لا يخلو من شوب تهديد، وهو يوجب الحيرة في تشخيص حقيقة العدل بينهن، والعدل هو الوسط بين الافراط والتفريط، ومن الصعب المستصعب تشخيصه، وخاصة من حيث تعلق القلوب تعلق الحب بهن فإن الحب القلبي مما لا يتطرق إليه الاختيار دائما.
فبين تعالى أن العدل بين النساء بحقيقة معناه، وهو اتخاذ حاق الوسط حقيقة مما لا يستطاع للانسان ولو حرص عليه، وانما الذي يجب على الرجل ان لا يميل كل الميل إلى أحد الطرفين وخاصة طرف التفريط فيذر المرأة كالمعلقة لا هي ذات زوج فتستفيد من زوجها، ولا هي أرملة فتتزوج أو تذهب لشأنها.
فالواجب على الرجل من العدل بين النساء أن يسوى بينهن عملا بإيتائهن حقوقهن من غير تطرف، والمندوب عليه أن يحسن إليهن ولا يظهر الكراهة لمعاشرتهن ولا يسئ إليهن خلقا، وكذا كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا الذيل أعني قوله (( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة )) هو الدليل على أن ليس المراد بقوله (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) نفى مطلق العدل حتى ينتج بانضمامه إلى قوله تعالى " وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " (الآية) إلغاء تعدد الأزواج في الاسلام كما قيل.
وذلك أن الذيل يدل على أن المنفى هو العدل الحقيقي الواقعي من غير تطرف أصلا بلزوم حاق الوسط حقيقة، وأن المشرع هو العدل التقريبي عملا من غير تحرج. على أن السنة النبوية ورواج الامر بمرأى ومسمع من النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم والسيرة المتصلة بين المسلمين يدفع هذا التوهم (تفسير الميزان ج5 ص101).
أما الآيتان الأخيرتان فليس فيهما أي تناقض لان إحداهما أجنبية عن الأخرى لأن الأولى تتحدث عن الذكر الذي هو القرآن وهو غير الكتاب المذكور في الآية الثانية، فأم الكتاب المقصود به اللوح المحفوظ عنده تعالى وأن المحو والإثبات يحصل في لوح يسمى لوح المحو والإثبات وهو أيضا غير القرآن او الذكر المذكور في الآية الأولى.





السؤال: دعوى وجود التناقض في القرآن الكريم
) وجدت هذا الإستفسار بمنتدى نصراني وأريد إجابة قوية ومقنعة وأنا سأنقل لكم الموضوع بالكامل كما وجدته بالمنتدى النصراني.
*************************
الكلام المتناقض
جاء في سورة النساء آيه 82 (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافاً كَثِيراً )). ولكننا نجد فيه التناقض الكثير: التناقض الأول
كلام الله لا يتبدل
كلام الله يتبدل
(( لَا تَبدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ )) (يونس:46).
(( وَإِذَا بَدَّلنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفتَرٍ بَل أَكثَرُهُم لاَ يَعلَمُونَ )) (النحل:101).
(( لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )) (الكهف:27).
(( مَا نَنسَخ مِن آيَةٍ أَو نُنسِهَا نَأتِ بِخَيرٍ مِنهَا أَو مِثلِهَا أَلَم تَعلَم أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ )) (البقرة:106).
(( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّ الهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9).
(( يَمحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أَمُّ الكِتَابِ )) (الرعد:39).
التناقض الثاني
اليوم عند الله ألف سنة
اليوم عند الله خمسون ألف سنة
(( يُدَبِّرُ الأَمرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرضِ ثُمَّ يَعرُجُ إِلَيهِ فِي يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ أَلفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )) (السجدة:5).
(( تَعرُجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيهِ فِي يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَة )) (المعارج:4).
التناقض الثالث
لا شفاعة
توجد شفاعة
(( قُل لِلهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعا لهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ )) (الزمر:44).
(( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يُدَبِّرُ الأَمرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعدِ إِذنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم فَاعبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )) (يونس:3).
(( اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بينهما فِي سَتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ مَالكُم مِن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ )) (السجدة:4).
التناقض الرابع
قليلٌ من أهل الجنة مسلمون
كثيرٌ من أهل الجنة مسلمون
(( ثُلَّةٌ مِن الأوَّلين وقليلٌ مِن الآخِرين )) (الواقعة:13 و14).
(( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِريِنَ )) (الواقعة:39 و40).
التناقض الخامس
خلاص اليهود وال***** والصابئين والمسلمين
خلاص المسلمين فقط
(( إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُون )) (المائدة:69).
(( مَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين )) (آل عمران:85).
التناقض السادس
الأمر بالصفح
النهي عن الصفح
(( إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَمِيلَ )) (الحِجر:85).
(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وأغلظ عَلَيهِم وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصِيرُ )) (التوبة:73).
التناقض السابع
النهي عن الفحشاء
الأمر بالفحشاء
(( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدنَا عَلَيهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُل إِنَّ اللهَ لَا يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالا تَعلَمُونَ )) (الأعراف:28).
(( وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيراً )) (الإسراء:16).
التناقض الثامن
لا يُقسِم بالبلد
يُقسِم بالبلد
(( لاَ أُقسِمُ بِهَذَا البَلَدِ )) (البلد:1).
(( وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ )) (التين:3).
التناقض التاسع
النهي عن النفاق
الإكراه على النفاق
(( بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَاباً أَلِيماً الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً )) (النساء:138 و139).
(( وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابن اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابن اللهِ ذَلِكَ قَولُهُم بِأَفوَاهِهِم يُضَاهِئُونَ قَولَ الذِينَ كَفَرُوا مِن قَبلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ )) (التوبة:30).
(( المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ وَعَدَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسبُهُم وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُم عَذَابٌ مُقِيمٌ )) (التوبة:67 و68).
(( فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين )) (الأنعام:45).
(( أَلَم تَرَ إِلَى الذِينَ تَوَلَّوا قَوماً غَضِبَ اللهُ عَلَيهِم مَا هُم مِنكُم وَلاَ مِنهُم وَيَحلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُم يَعلَمُونَ أَعَدَّ اللهُ لَهُم عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيمَانَهُم جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَلَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ ))(المجادلة:14-16).
(( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا هَل أَدُلُّكُم عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُدخِلكُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ )) (الصف:10-12).
قال البيضاوي: اتخذوا ايمانهم - الذي أظهروه جُنّة وقاية دون دمائهم وأموالهم.
(( وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفِي هذا ليَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ )) (الحج:78).
التناقض العاشر
النهي عن الهوى
إباحة الهوى
(( وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى )) (النازعات:40 و41).
1- أباح محمد لأتباعه القيام بالغارات الدينية والدخول على الأسيرات دون تطليقهن من أزواجهن. فقال: (( وَالمُحصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم )) (النساء:244) (قال البيضاوي: إلا ما ملكت أيمانكم من اللاتي سُبين ولهن أزواج كفار فهنّ حلال للسابين. والزواج مرتفع بالسبي لقول أبي سعيد رضي الله عنه: أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهنّ أزواج كفار فكرهنا أن نقع عليهن. فسألنا النبي..فنزلت الآية! فاستحللناهنّ وإياه. عنى الفرزدق بقوله:
وذات حليلٍ أنكحَتها رماحُنا ***** حلالٌ لمن يبني بها لم تُطلَّق
2- أباح محمد الزواج بأي من تهواه ويهواها بلا قيد أو شرط فوق زوجاته العديدات وفوق ما ملكت يمينه، فقال: (( وَامرَأَةً مُؤمِنَةً إِن وَهَبَت نَفسَهَاللنَّبِيِّ إِن أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَستَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ ))(الأحزاب:50)
3- كما أن محمداً جعل نكاح النساء أمل المستقبل في الجنة فقال: (( حُورٌ (المرأة البيضاء) مَقصُورَاتٌ فِي الخِيَام... لَم يَطمِثهُنَّ (لم يمسّهن) إِنسٌ قَبلَهُم وَلاَ جَانٌّ... مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفرَفٍ (وسائد) خُضرٍ وَعَبقَرِيٍّ (منسوب إلى عبقر، وادي الجن) حِسِانٌ )) (الرحمن:72و74 و76)
التناقض الحادي عشر
تحريم الخمر في الدنيا
تحليل الخمر في الآخرة
(( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلَامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ )) (المائدة:90).
(( مَثَلُ الجَنَّةِ التِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنهَارٌ مِن مَاءٍ غَيرِ آسِنٍ وَأَنهَارٌ مِن لَبَنٍ لَم يَتَغَيَّر طَعمُهُ وَأَنهَارٌ مِن خَمرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ )) (محمد:15).
(( يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ مَختُومٍ خِتَامُهُ مِسكٌ وَفِي ذَلِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ )) (المطففين:25 و26).
التناقض الثاني عشر
النهي عن إيذاء الكفار
الأمر بقتل الكفار
1- لا تؤذهم: (( وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَع أَذَاهُم وَتَوَّكَل عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً )) (الأحزاب:48)
-1- حرِّض على قتلهم: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِن يَكُن مِنكُم عِشرُونَ صَابِرُونَ يَغلِبُوا مَائَتَين )) (الأنفال65)
2- لا إكراه في الدين: (( لَا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) (البقرة:256).
-2- قتال في الدين: (( وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ )) (البقرة:193)
3- بذل الأموال لهم: (( لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُم وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ فَلِأَنفُسِكُم وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لَا تُظلَمُونَ )) (البقرة:272).
-3- أخذ الجزية منهم: (( قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَومِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ )) (التوبة:29)
4- تركهم وشأنهم: (( قُل لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أأَسلَمتُم فَإِن أَسلَمُوا فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ )) (آل عمران:20).
-4- ملاحقتهم بالاضطهاد: (( وَدُّوا لو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنهُم أَولِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوا فَخُذُوهُم وَاقتُلُوهُم حَيثُ وَجَدتُمُوهُم وَلَا تَتَّخِذُوا مِنهُم وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً )) (النساء:89)
(( وَلَو شَاءَ اللهُ مَا أَشرَكُوا وَمَا جَعَلنَاكَ عَلَيهِم حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيهِم بِوَكِيلٍ )) (الأنعام:107).
(( إِذَا لقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثخَنتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ )) (محمد:4).
(( وَلَو شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُُّهُم جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفسٍ أَن تُؤمِنَ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَيَجعَلُ الرِّجسَ عَلَى الذِينَ لاَ يَعقِلُون )) (يونس:99 و100).
(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَا غلُظ عَلَيهِم وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصِيرُ )) (التوبة:73).
5- الدعوة بالحسنى: (( اُدعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِل هُم بِالتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ )) (النحل:125).
-5- الدعوة بالسيف: (( فَقَاتِل فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَا نَفسَكَ وَحَرِّضِ المُؤُمِنِ )) (النساء:84).
ولهذا فتك محمد بمعارضيه في الدين، مثل كعب ابن الأشرف, وأبي عفك الشيخ، وأبي رافع بن أبي عقيق.
التناقض الثالث عشر
نجاة فرعون
غرق فرعون
(( وَجَاوَزنَا بِبَنِي إِسرَائِيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنُودُهُ بَغياً وَعَدواً حَتَّى إِذَا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الذِي آمَنَت بِهِ بَنُو إِسرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسلِمِينَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرعَونُ مَثبُوراً فَأَرَادَ أَن يَستَفِزَّهُم مِنَ الأَرضِ فَأَغرَقنَاهُ وَمَن مَعَهُ جَمِيعاً )) (الإسراء:102و103).
(( آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ فَاليَومَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً )) (يونس:89-92).
(( فَأَخَذنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذنَاهُم فِي اليَمِّ فَانظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ )) (القصص:40).
التناقض الرابع عشر
خلق الأرض قبل السماء
خلق السماء قبل الأرض
(( قُل أَئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالذِي خَلَقَ الأَرضَ فِي يَومَينِ وَتَجعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقوَاتَهَا فِي أَربَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ استَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرضِ ائتِيَا طَوعاً أَو كَرهاً قَالَتَا أَتَينَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُّنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَومَينِ وَأَوحَى فِي اُلِّسَمَاءٍ أَمرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفظاً ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ )) (فصلت:9-12).
(( أَأَنتُم أَشَّدُ خَلقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغطَشَ لَيلَهَا وَأَخرَجَ ضُحَاهَا وَالأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحَاهاَ أَخرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَمَرعَاهَا وَالجِبَالَ أَرسَاهَا )) (النازعات:27-32).
التناقض الخامس عشر
القرآن مبين
القرآن متشابه
(( وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الذِي يُلحِدُونَ إِلَيهِ أَعجَمِيٌّ وَهَذَا لسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )) (النحل:103).
(( هُوَ الذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلبَابِ )) (آل عمران:77).
*************************
أنتهى كلامهم.
الجواب:
إبراز مثل هذه التناقضات سببه الجهل المحض بلغة القرآن ومفاهيمه وآداب العرب وعلومهم، وسنستعرض معاً هذه الدعاوى لننظر جهل أصحابها فيما يقولون:
1- المراد بالكلمات في قوله تعالى: (( لاَ تَبدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ )) (يونس:64)، هو الوعد والوعيد والثواب والعقاب، فهذا الأمر لا تبديل فيه كما قال سبحانه: (( مَا يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ )) (ق:299), ولا يجوز أن يعني بالكلمات ها هنا الشرائع، لأن الشرائع يدخلها النسخ كما هو المراد من قوله تعالى: (( وَإِذَا بَدَّلنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفتَرٍ بَل أَكثَرُهُم لاَ يَعلَمُونَ )) (النحل:101)، أو قوله تعالى: (( مَا نَنسَخ مِن آيَةٍ أَو نُنسِهَا نَأتِ بِخَيرٍ مِنهَا أَو مِثلِهَا أَلَم تَعلَم أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ )) (البقرة:106), (أنظر في ذلك: تفسير التبيان للشيخ الطوسي 4: 247، تفسير مجمع البيان للطبرسي، تفسير الطبري 11: 181، تفسير البغوي 2: 360).
وكذلك قوله تعالى: (( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:99), فالمراد به حفظ القرآن الكريم بما له من صفه الذكر فهو ذكر حي خالد مصون من أن يموت وينسى، مصون من أصله من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكراً، مصون من النقص كذلك، والتغيير في صورته وسياقه بحيث يتغير ما به صفة كونه ذكراً لله مبيّناً لحقائق معارفه..
وهذا بخلاف معنى قوله تعالى: (( يَمحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ )) (الرعد:399), المراد به محو الآجال والأوقات فيما يتعلق بأعمار الناس وأرزاقهم وأين هذا من حفظ الكتاب وتبديله.(انظر: تفسير الميزان للطباطبائي 12/101، 11/375).
2- أما ما ورد من ذكر اليوم ومقداره في سورتي السجدة والمعارج فنقول: ذكرت بعض الروايات أن يوم القيامة يشتمل على خمسين موقفاً كل موقف يعادل ألف سنة من سني الدنيا وبالتالي يكون مجموع الوقوف في تلك المواقف يعادل خمسين ألف سنه، ويمكن أن يكون المراد بيوم مقدار ألف سنة، بلحاظ موقف واحد من مواقف يوم القيامة، ويكون المراد بخمسين ألف سنة بلحاظ مجموع المواقف كلها.. هذا إذا سلمنا أن للعدد شأن في هذا الجانب، وإلا ـ كما هو عليه أكثر المفسرين ـ ان المراد به هو الإشارة إلى الكثرة لا لخصوص الرقم، أي أن ذلك اليوم طويل جداً.(انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ـ للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ 19: 15).
3- أما مسألة الشفاعة، فهناك آيات في القرآن الكريم تثبت أن الشفاعة لله جميعاً، وأخرى تثبتها بإذنه تعالى ورضاه... وهذه البيانات المتعددة يستخدمها المتكلم في مقامات مختلفة تبعاً لأغراضه في الكلام كما هو السائد والمعروف في لغة العرب وبلاغتهم. فالآيات المثبتة بأن الشفاعة هي بيد الله مطلقاً تجدها في سياق بيان الردّ على المدّعين بأنه يوجد غير الله شفعاء يشفعون لهم وينقذوهم من العذاب والحساب ونزول البلاء انظر إلى قوله تعالى: (( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُل أَوَلَو كَانُوا لا يَملِكُونَ شَيئاً وَلا يَعقِلُونَ قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ )) (الزمر:43-444), وهكذا الأمر في الآيات المثبتة للشفاعة بإذنه تجدها قد جاءت في سياق إثبات الاحاطة والملكية له سبحانه، قال تعالى: (( لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ مَن ذَا الَّذِي يَشفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذنِهِ يَعلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ )) (البقرة:2555), فكما ترى لا يوجد تناف بين الآيات المثبتة للشفاعة المطلقة لله والنافية لها إلا بإذنه بحسب السياق الذي وردت فيه، بل يمكن لك أن تعمل صناعة الخطاب العرفي بالجمع بين المطلق والمقيد لتنتهي إلى فهم المراد من كلامه سبحانه، وهذا جمع صحيح سائغ يمارسه الناس في كلام بعضهم بعضاً فما بال القوم لا يفقهون حديثا.
4- المراد بـ (( قليل من الآخرين )) في الآية 14 من سورة الواقعة هم فئة السابقين الذين هم أحد الأقسام الثلاثة الذين تحدثت عنهم السورة المباركة في بدايتها عند قوله تعالى: (( إِذَا رُجَّتِ الأَرضُ رَجّاً, وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسّاً, فَكَانَت هَبَاءً مُنبَثّاً, وَكُنتُم أَزوَاجاً ثَلاثَةً )) (الواقعة:4-7), وأما قوله تعالى في السورة ذاتها: (( وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ )) (الواقعة:400), فهم أصحاب القسم الثاني الذين ذكرتهم الآية، والمراد بهم أصحاب اليمين.. فهاتان العبارتان تتحدثان كل واحدة منهما عن جماعة خاصة، وليس عن جماعة واحدة حتى يكون الكلام متناقضاً أو متهافتاً ولكن نقول في حق هؤلاء والمدّعين لوجود التناقض ولا تناقض في البين، كما قال الحق سبحانه: (( لَا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) (الحج:46).
5- أما قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ )) (المائدة:69), وقوله تعالى: (( وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الأِسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ )) (آل عمران:855), فهما ليسا متناقضين، لأن المراد بالآية الأولى أنّ من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله والذي يكون الإيمان برسوله (ص) هو جزء من الإيمان به سبحانه، كما جاء في قوله تعالى في سورة محمد (ص) الآية: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِن رَبِّهِم كَفَّرَ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَأَصلَحَ بَالَهُم )) (محمد:2), الآية الأخرى من سورة آل عمران: 855، لأن الإيمان بالله الذي يتضمن الإيمان بالرسول (ص) يعني لزوم أيكون المرء مسلماً وأن يموت على الإسلام, والإّ فهو من الخاسرين حسبما تصرح به الآية الثانية.
قال المولى سبحانه: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا )) (محمد:24).
وقال سبحانه: (( أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلَّا خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ )) (البقرة:85).
6- قوله تعالى: (( فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَمِيلَ )) (الحجر:855), يشير إلى العفو عن الأذى الذي كان يصل إلى النبي (ص) عن المشركين على تبليغه شريعة ربّه، ولا علاقة له بالقتال ويشهد لهذا قوله تعالى بعد ذلك في السورة ذاتها: (( فَاصدَع بِمَا تُؤمَرُ وَأَعرِض عَنِ المُشرِكِينَ )) (الحجر:94).
فالآية المتقدمة إنما تحرض النبي (ص) على المصابرة في تبليغ أوامره، ونشر أحكامه، وأن لا يلتفت إلى أذى المشركين واستهزائهم، ولا علاقة لذلك بحكم القتال ـ الذي تشير إليه الآية 73 في سورة التوبة ـ الذي وجب بعدما قويت شوكة الإسلام وظهرت حجّته.. نعم ان النبي (ص) لم يؤمر بالجهاد في بادئ الأمر، لأنه لم يكن قادراً على ذلك حسب ما تقتضيه الظروف من غير طريق الإعجاز وخرق نواميس الطبيعة، ولما أصبح قادراً على ذلك، وكثير المسلمون، وقويت شوكتهم، وتمت عدتهم وعددهم أمر بالجهاد.
فلا تناقض ولا تناف بين الآيتين، إذ موضوع أحداهما وزمانها غير موضوع الأخرى وزمانها. بل حتى دعوى نسخ أحداهما بالأخرى ردّها العلماء ولم يقبلوها بأعتبار أن تشريع الأحكام الإسلامية كان على التدريج وهذا ليس من نسخ الحكم الثابت بالكتاب في شيء.
انظر: البيان في تفسير القرآن ـ للسيد الخوئي: 359.
7- قوله تعالى: (( أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيراً )) (الاسراء:166), معناه ان الله سبحانه يأمر كبار القوم ورؤسائهم بالطاعات فلا يمتثلوا وتبعاً لذلك لا تمتثل الرعية ويحصل الفسق فيحق القول على الجميع بالتدمير واستحقاق العقاب.
وهذا المعنى واضح لم له أدنى مسكة علم، إذ المأمور به محذوف في الآية، ولا يجب أن يكون المأمور به هو الفسق وإن وقع بعده ويجري هذا مجرى قول القائل: أمرته فعصى ودعوته فأبى,والمراد إنني أمرته بالطاعة ودعوته إلى الإجابة والقبول فأبى.
8- المراد بقوله: (( لا أُقسِمُ بِهَذَا البَلَدِ )) (البلد:11), إنما هو القسم بهذا البلد، وهذه لغة عربية واضحة، فالعرب عند تعظيمهم لبعض الأمور إذا أرادوا أن يقسموا بها قدموا قبلها أداة النفي لتأكيد القسم.. فلا تنافي بين هذه الآية والآية الأخرى التي يرد فيها القسم بالبلد الأمين (التين، الآية3).
9- لا ندري أين محل التناقض في هذا المورد التاسع، فلعل الأشتباه حصل من كلمة (أيمانهم) والمراد بها هنا الحلف والقسم ليدفع المنافق بهذا الحلف عن نفسه وماله وليصد سبيل الله ويبغيها عوجاً.
وليس المراد اتخذوا إيمانهم، فالأيمان غير الإيمان.. فليتدبر.
10- أحكام الزواج والطلاق أحكام اعتبارية خاضعة لحكم المشرّع. وإذا اباح المولى سبحانه الزواج من المسببّات، وأن يكون النكاح السابق للمرأة المسبّية مرتفع بالسبي، فلا ضير في الامتثال لهذه الأحكام لأنها ليست من الأمور الواقعية وإنما هي مسائل اعتبارية تخضع لقانون التنظيم والنظام لا أكثر.
وأما عن تزوجه (ص) بالمرأة التي تهب نفسها إلى النبي، فهو (ص) مخير في هذه المسألة بين الزواج بها وعدمه، وقد حدث أن رفض النبي (ص) مرة الزواج بواحدة من النساء وهبت نفسها له فقام رجل وقال زوجتكها يا رسول الله فقال زوجتها بما معك من القرآن (مستدرك الوسائل 14: 313).
وليس في هذه المسألة أي تناقض أو محذور أخلاقي أو ديني، ولا يرمي إلى أن النبي(ص) يحب النساء ويريدهن فوق الحالة المعتادة لباقي الناس، بل المعروف أن زواجه (ص) واختصاصه بالتزوج بتسع نساء إنما كان لأغراض سياسية واجتماعية معروفة كانت تقتضيها الدعوة الإسلامية ويمليها الظرف الإجتماعي الذي كانت تعيشه القبائل العربية أيام ظهور الدعوة.
11- المراد من قوله تعالى: (( أَنهَارٌ مِن مَاءٍ غَيرِ آسِنٍ وَأَنهَارٌ مِن لَبَنٍ لَم يَتَغَيَّر طَعمُهُ وَأَنهَارٌ مِن خَمرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ )) (محمد:155), ليس هو الخمر الذي حرّمه المولى سبحانه, فهذا خمر - أي خمر الدنيا - يذهب الإنسان عقله ويسلبه شعوره، ويجعله هو والحيوان - من حيث فقدان العقل - في عرض واحد، أما خمر الآخرة فهو خمر يمنح الناس الشعور بالسعادة، وشاربيه يتلذذون بها ولا يسلبهم عقولهم، بل يجدون فيه رائحة المسك ولا أذى فيه من السكر والصداع الذي يصيب الإنسان من خمر الدنيا.. وهذا المعنى قد نصت عليه التفاسير والروايات، فما بال هؤلاء القوم لا يذعنون لقول الحق الصادر عن أهله, ويذهبون إلى تشابه الألفاظ ولا يحفظون المعاني التي ترد فيها البيانات عن أهلها من النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة والعلماء, أن هذا أمر يدعو للشفقة حقّاً!
12- أما عن مسألة النهي عن ايذاء الكفار ثم الأمر بقتالهم، فهذا أمر أقتضته مرحلية الدعوة وتطور ظروفها، جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) في بيان الناسخ والمنسوخ، قال: إن الله عز وجل لما بعث محمداً (ص) أمره في بدو أمره أن يدعو بالدعوة فقط، وأنزل عليه: (( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم ))، فلما أرادوا ماهموا به من تبييته، أمره الله بالهجرة وفرض عليه القتال فقال: (( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا )) ثم ذكر بعض آيات القتال إلى أن قال: فنسخت آية القتال آية الكف.. (انظر: جامع أحاديث الشيعة 13: 17).
وكذلك تفهم بقية الآيات التي جاء بها الأمر بالقتال، إنما هي لصد العدوان، وردع العدو عن التمادي في غية ومحاولاته للقضاء على الدين الجديد.. وهي بهذا المعنى لا تنافي ما ورد من عدم الإكراه في الدين والدعوة إلى الله بالحسنى.. فإن عدم الإكراه هو روح الشريعة والدخول في الدين الإسلامي عن قناعة واعتقاد هو الأساس الذي يعتمد عليه الدعاة في دعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الأجر والثواب والفوز بالآخرة إنما هو مناط بما تنعقد القلوب عليه من الإذعان بهذا الدين والدخول فيه طواعية... ومسألة الأمر بقتال الكافرين إنما هي للحفاظ على المؤمنين وبلاد الإسلام ورد كيد الكائدين عن هذا الدين، ولم تكن الدعوة في الأصل بالسيف،وإنما الدعوة كانت بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولم يكن السيف إلا وسيلة ردع وحماية لا وسيلة دعوة وهداية.. ومن هنا نجد مثل قوله تعالى: (( وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ )) (البقرة:193), أي الذين يريدون زوال الإسلام وهتك حرمات أهله، فهؤلاء قد اباح المولى سبحانه قتالهم ورد عدوانهم، وقد سمي القتل في الآية الكريمة عدواناً مجازاً من حيث كونه عقوبة على العدوان والظلم.
13- اما دعوى التناقض في مسألة نجاة فرعون وغرقه، فهي مما تضحك الثكلى، فقد صرّح المولى سبحانه ان فرعون قد غرق في نهر النيل ولكن الله سبحانه انجاه ببدنه ليكون لمن خلقه آية وعبرة لأن فرعون كان حين ملاحقته لموسى وقومه مثقلاً بالحديد من قرنه إلى قدمه وقد لبسه على بدنه، فلما أغرق ألقاه الله على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض، وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك آية وعلامة.
14- أما قوله تعالى: (( وَالأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )) (النازعـات:30), الذي قد يتصور منافاته لما ورد في آية 99 من سورة فصلت بأن الأرض مخلوقة قبل السماء، بأنَّ المراد من الدحو هو البسط والانبساط وهو غير خلق الأرض، بمعنى أن المولى سبحانه بعد خلق الأرض وما قدّر فيها من الأقوات بسطها. لتكون صالحة للسكنى. وقد ورد في الروايات ان ما بين خلق البيت (أي الكعبة التي وجدت مع وجود الأرض) ودحو الأرض كان ألفي عام. (مستدرك سفينة البحار1: 111)، وهذا يدل على أن خلق الأرض إنما هو قبل دحوها.
فلا تنافي بين آيات الرحمن سبحانه وتعالى.
15- القرآن مبين،القرآن متشابه: المراد من قوله تعالى: (( وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )) (النحل:103), أنه لا يتوقف في فهمه عربي، بل وغير العربي العارف باللغة وأساليب الكلام العربي.
والآيات المعدودة من متشابه القرآن، إنما هي في غاية الوضوح من جهة المفهوم، وإنما التشابه في المراد منها وهو معنى واضح لمن عرف اللغة العربية وأدرك معانيها، ومحل التشابه في المراد من هذه المعاني..
وبعد هذا نقول: ان هذه التناقضات المدعاة لهي ـ كما رأينا ـ أوهن من بيت العنكبوت, وكان يمكن لأي شخص عارف بآيات القرآن وتفسيره، وبلغة العرب وآدابها أن يرد على هذه التناقضات المدعاة وعلى أمثالها.. وها هو القرآن يصدح منذ يوم نزوله إلى الآن ويتحدى كل المشركين والكفار وأصحاب الديانات الأخرى بأن يبطلوا ما فيه بل يبطلوه رأسا وذلك بأن يأتوا بسورة من مثله توازيه بلاغة وعلماً وبياناً، ولعل أقصر سورة في القرآن هي سورة الكوثر التي مقدارها ثلاث آيات فقط ولكن إلى الآن لم يأت أحد بهذا الإعجاز..وهنا نقول: فلم عجز هؤلاء عن مواجهة تحدي القرآن بالإتيان بثلاث آيات فقط من مثل القرآن يبطلون بها القرآن من أساس؟!
والجواب: أنه لا شيء يمنعهم سوى العجز الحقيقي عن مواجهة معجزة القرآن.. لذا تراهم يأتون بأمثال هذه التناقضات المدّعاة على القرآن وهي أوهن من بيت العنكبوت كما رأينا. وكما ترى فإننا لم نجد في كل ما قالوه إشكالاً علمياً صحيحاً واحداً فلا قيمة لما يقولون ويدعون.
قال تعالى: (( فَمَاذَا بَعدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصرَفُونَ )) (يونس:32).



السؤال: فرادة لغة القرآن
هل هناك سر في اختيار الله العربية لتكون لغة القرآن؟
الجواب:
تتصف اللغة العربية بصفات خاصة لا تتوفر في سائر اللغات ، وهي أقدر من سواها على استيعاب لغة الوحي، ولعل من أبرز ما تتميز به في هذا الصدد ما تشتمل عليه من مجازات وكنايات واستعارات وألفاظ عامة ومشتركات ومترادفات وعمومات، بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على استيعاب المعاني الجزلة الفخمة والمعاني المرنة اللطيفة، مع قوة الجرس وجمال التركيب..


يتبع


رد مع اقتباس