عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/06/18, 04:27 PM   #7
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

السؤال: هل القرآن حجة على غير العرب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين
واللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم وظالميهم أجمعين.
كيف يكون القرآن الكريم معجزة لغير الناطق بالعربية, وكيف نفهم الإعجاز والتحدي بإتيان سورة مثلها لمن لا يقدر أن يفهم العربية, وماذا يفعل هؤلاء ببلاغة القرآن الكريم , هذه شبهة عرضت علي ولم أستطع أن أجيب عليها بجواب مقنع, أرجوا أن توسعوا في الجواب لأن الطرف المقابل ليس مسلم وليس ملتزم بدين ولا يقتنع إلا بجواب مكتمل وشافي.
ذكرت له عن المعجزات العلمية ولكن أتى علي بشبهة أخرى كيف كان أمر الأوروبيين الذين كانوا قبل مئات السنين من الذين لم يصل لهم العلم, كي يذعنوا بهذه الحقائق العلمية, حتى يكون لهم القرآن الكريم معجزة, فلم أعرف كيف أجيبه.

الجواب:
يمكن الرد على شبهتك أخي الكريم بعدة إجابات نرجو الإلتفات لها:
1- يمكن إعتبار القرآن الكريم معجزة بالنسبة لغير العربي في حال فهمه بأن العرب - وهم أصحاب الإختصاص - قد عجزوا عن الإتيان بمثله فيكون عجزه عن ذلك من باب أولى.
2- يمكن لغير العربي تعلم العربية ومعرفة أصول وقواعد هذه اللغة وإشراقاتها البلاغية والمعرفية ووجوه التفرد بها عن باقي اللغات كما في بديعها وبيانها ومعانيها وفصاحتها ووو...... الخ, لتكون له باباً لمعرفة إعجاز القرآن الكريم, وهذا أمر ممكن بحد ذاته.
3- يمكنه الرجوع إلى دائرة التأثر البشري بالقرآن الكريم من أصحاب الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية من غير الناطقين بلغة الضاد واعترافاتهم بأسرار هذه اللغة المحتضنة لسر هذه لغة القرآن وإعجازه الخالد فهم - كما لا يخفي - حجة على غير الناطقين بالعربية في قبولهم إعجاز القرآن الكريم المجيد رغم أن لغتهم غير العربية. و لا أعتقد يبعد عنك معرفة كون أخوة مسلمين موجودين في بقاع الأرض المختلفة ومن غير الناطقين باللغة العربية والناطقين بلغات مختلفة كثيرة,ولكن العربية ليست منها، كانوا قد تعقلوا الإسلام وفهموا معجزته وأدركوا دقائق علمه وأبدعوا بعد ذلك في التعبير عنه بل وفي اللغة التي نزل بها وإيصال علومه إلى سواهم وهم الأعاجم في بلاد الهند والترك والفرس وغيرهم.
4- لا يمكن حصر معجزة القرآن في العصر الحديث من جهة البلاغة فقط حتى يقال إنها ليست من اختصاص غير العرب بل أوجه الإعجاز القرآني الآن واسعة المرامي كثيرة الإبعاد فلدينا ما ينطبق من علوم القرآن على فضاءات رحبة من العلوم المعاصرة، والكثيرة والتي منها معالجاته المطابقة لعلوم النفس المعاصرة وحديثة عن العلوم الفلكية والمغيبات والرياضيات وعلم الاجتماع وفن الإدارة والقضاء والحرب وأصول الأخلاق وغيرها الكثير والكثير..
وهذا جميعاً غير موقوف على معرفة اللغة بما هي لغة بل يمكن متابعتها عن طريق المصاحف المترجمة والتفاسير المترجمة والكتب العلمية التي تناقش هذه العلوم الكثيرة والمترجمة أيضاً, فقد أصبح كل شيء تقريباً الآن - وببركة تطور وسائل البحث والمخاطبة والتواصل - في متناول الأيدي فلماذا لا يعتمد غير العربي هذه الوسائل والسبل إذا كان جاداً في طلب الحقيقة.
5- كما يمكن الإيمان بمعجزة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من خلال دراسة نفس شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من الجهات الأخلاقية والتاريخية والاجتماعية بل والنفسية وكذا دراسة آثاره وقدرته على تغيير مَن حوله والظروف التي نشأ فيها ولياقته العالية في تغييره للسائد من الأفكار والعبادات والمعاملات المستحكمة في عصره وتأثيره الرفيع على قناعة أصحاب العلم والثقافة والديانات السابقة, ثم عدم القدرة على طمس هذه الآثار رغم شناعة الأحداث وقساوة المعادين وتعسف الطرق المتبعة ضده وضد دينه وأتباعه، مما يعني أن هذا الدين محفوظ بقوة خفية عظمى تجعل القرآن عصياً أمام عوامل التعرية التي يفرضها جهل الإنسان وحقد المتلاعنين ويصمد أمام التحريف وأمواج محاولاته العاتية طول التاريخ مما يجعلنا نطمئن أن فيه من عوامل القوة ما يجعله باقياً خالداً.
6- نحن لا ندعي أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومعجزته الخالدة مختصة بالعرب حتى نسأل كيف أعرف المعجزة وأنا غير عربي وإنما نقول أن النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله) ومعجزته أي القرآن الكريم للناس كافة, وبَعث النبي (صلى الله عليه وآله) بلسان قومه ولغتهم لا يعني اختصاصه بهم وعدم قدرة الآخرين على الدخول في دينه وإلا لبطلت دعوته لغير قومه وإدعاءه انها للعالمين طراً حيث لا يجب اتحاد لغته (صلى الله عليه وآله) مع كل من بعث إليهم ولا يشترط ذلك فهذا إبراهيم (عليه السلام) دعا عرب الحجاز إلى الحج وهو ليس منهم وهذا موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) دعا فرعون للإيمان وهو عبري والمرسل إليه قبطي.





السؤال: فضل قراءة سورة الكهف
ارجو من حضرتكم معرفة ما هي فضائل سورة الكهف.ومتى مستحب قرائتها وهل صحيح‎ ان فضيلة كتابتها مع التشكيل تؤدي الى فرج الكرب.

الجواب:
ورد عندنا أنه من قرأ سورة الكهف كل ليلة جمعة لم يمت إلا شهيداً أو يبعثه الله مع الشهداء ووقف يوم القيامة مع الشهداء. (ثواب الأعمال للصدوق ص 107).
وورد أيضاً أن من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة كانت كفارة له لما بين الجمعة إلى الجمعة.
وورد عندنا أيضاً أن من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام وإن خرج الدجال عصم منه. (مستدرك الوسائل ج6ص105).
وروي أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت وما زاد العتيق، (بحار الأنوار ج86ص313).
وما ذكرته هنا فضل في كتابتها لم نعثر عليه.




السؤال: التفاؤل بالقرآن
ما هو التفاؤل وكيف يكون؟
وهل يوجد احاديث عن اهل البيت في هذا‎ الشأن؟
الجواب:
لعلك تقصد التفاؤل بالقرآن، فقد ورد عندنا روايات في ذلك، منها ما تحدد كيفيته، ومنها ما تنهى عنه، ففي رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تتفال بالقرآن، وقال المازندراني في ذلك:
التفاؤل مهموز فيما يسر ويسوء
يقال: تفألت بالتشديد وتفألت بالتخفيف وتفايلت بالقلب وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا وقالوا الفال بوزن المال والفأل بالقرآن متصور بوجوه الأول أن يقصد مطلبا ويسمع مقارنا له آية يستنبطه منها الخير والشر أو من أول حرف منها كما يفعله أصحاب الحروف الناظرون إلى خواصها, الثاني أن يفتح المصحف ويستنبط الخير والشر من الآية الأولى في الصفحة اليمنى أو من أول حرف منها, الثالث أن يفتحه ويعد اسم الله في الصفحة اليمنى ويعد بعدده أوراقا من اليسرى وبعدده سطورا من اليسرى وينظر إلى أية بعد تلك السطور أو إلى أول حرف منها ولعل النهي عنه محمول على الكراهية جميعا بينه وبين ما دل على الجواز مع أن الخلف والسلف عملوا به ولم ينكر عليهم من يعتد به وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين منهم صاحب الكشاف في آية الإستقسام بالأزلام ومن المعاصرين من حمل النهي على التحريم وخصه بذكر الأمور الغيبية وبيان الأشياء الخفية هذا حال التفأول بالقرآن وأما التفأول بديوان الشعراء كما هو المتعارف عند العوام فالظاهر أنه حرام وأنه من الأزلام والله يعلم. (شرح أصول الكافي - ج 11 - ص 74 ).





السؤال: تسلسل بعض المفسرين
أي من المصادر اقدم وايهم مصدر عمدة القراء معاني القران, الاخفس معاني القران, ابوعبيدة, الزجاجي, ابن خالوية, القرطبي الجامع, الزمخشري الكشاف، الطبرسي, الطوسي البيان, الفخر الرازي التفسير, ابو حيان البحرالمحيط,
الجواب:
بعض من ذكرت كانوا من المتعاصرين ولكننا سنرتبهم حسب تاريخ الوفاة:
1-الفراء توفي سنة 207.
2- أبو عبيدة توفي سنة 210 أو 211.
3- الأخفش توفي سنة 211.
4- الزجاجي توفي سنة 340.
5- ابن خالويه توفي سنة 371.
6- الطوسي توفي سنة 460.
7- الزمخشري توفي سنة 538.
8- الطبرسي توفي سنة 548.
9- الرازي توفي سنة 606.
10- القرطبي توفي سنة 671.
11- أبو حيان توفي سنة 745.
ولا نستطيع الحكم على هذه المصادر بأنها معتمدة لأنها لفرق إسلامية مختلفة وكل فرقة تعتمد على مجموعة دون مجموعة, فمثلاً تفسير الطوسي مقبول عند الشيعة بينما تفسير القرطبي مقبول عند السنة.




السؤال: لماذا لم يذكر نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القرآن
هناك شبهة لماذا لم يذكر القران نسب النبي صلى الله عليه وآله كما في الانجيل على نسب عيسى, وما هي النبؤات عليه صلى الله عليه وآله في الكتاب المقدس الحالي؟

الجواب:
لقد كان نسب رسول الله معروفاً بين قومه والعرب في الجاهلية كانوا يعتنون بالإنساب فلا معنى لإيراد شيء لا يوجد اختلاف فيه وذكر شيء معلوم عندهم لا معنى له وأما الإنجيل فلا يعلم أنه ذكر نسب عيسى لأن الموجود من الإنجيل هو المحرف ولو ثبت أنه ذكر ذلك فلأن معجزته تتعلق بولادته من غير أب فأذا ذكر نسبه إلى أمه ثم إلى آباءها فهو تأكيد للمعجزة وتذكير لهم بها.





السؤال: أرجى آية في القرآن
ما هي الآية التي تبعث على الامل والرجاء؟

الجواب:
ورد عندنا أن الإمام الباقر سأل: أي آية في كتاب الله أرجى فقال عليه السلام ما يقول فيها قومك قال قلت يقولون: (( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله )) قال لكنا أهل البيت لا نقول ذلك, قال: قلت فأي شيء تقولون فيها؟ قال عليه السلام نقول: (( ولسوف يعطيك ربك فترضى )) الشفاعة والله الشفاعة والله الشفاعة, البحار ج8 ص57 عن تفسير فرات.
وورد عندنا أيضاً أن علي السجاد (ع) أقبل على الناس فقال أية آية في كتاب الله أرجى عندكم فقال بعضهم (( أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) قال حسنة وليست اياها، وقال بعضهم (( ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه .... )) قال: حسنة وليست إياها, فقال بعضهم: (( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله )), فقال حسنة وليست اياها, وقال بعضهم: (( الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فأستغفر لذنوبهم )) قال حسنة وليست اياها, قال ثم أحجم الناس فقال: مالكم يا معشر المسلمين ؟ قال لا والله ما عندنا شيء قال سمعت رسول الله (ص) يقول: أرجى أية في كتاب (( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ ... )) (هود:1144) وقرأ الآية كلها, وقال يا علي والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً أن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه ولم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه, فأن أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس ثم قال يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم فما ظن أحدكم لو كان جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي . (البحار ج79 ص220 عن غوالي اللئالي ومجمع البيان والعياشي) .





السؤال: الغرانيق
بودي أن أسأل عن آيات الغرانيق والغرانيق العلا، هل صحيح أن هناك آية وأن الشيطان نزل بشكل جبريل على النبي أرجوا إيضاح ذالك والف شكر..

الجواب:
نعم ورد ذلك في بعض المصادر الحديثة لأهل السنة ونقلها بعض علمائنا. لكنه ردت تلك الروايات بأنها من وضع الزنادقة حيث ألف محمد بن إسحاق كتاباً برهن فيه أنها من وضع الزنادقة, وقال عنها المفيد: ( تلك الخرافة المفتعلة على قدس النبي (صلى الله عليه و آله) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).




السؤال: المناسبة بين قوله تعالى (تبارك) وعالم الملك, وقوله تعالى (سبحان) وعالم الملكوت
لماذا إرتبط أسم الله (تبارك) بالمُلك ,وأسمه تعالى (السبحان) بالملكوت
الجواب:
الذي ينقدح في الذهن بخصوص ذلك هو :
(تبارك) مشتق من البركة، والبركة هي الزيادة في الخير، وذلك يقتضي الكثرة، وعالم الكثرة هو عالم الملك، فناسب أن تكون البركة في الملك دون الملكوت .
أما (السبحان) فمشتق من التسبيح وهو التنزيه عن الكثرات، وعالم الملكوت عالم التجريد والبساطة الذي لا كثرة فيه، فناسب أن يكون (السبحان) في الملكوت دون الملك.
والله العالم .



السؤال: الآيات المنسوخة في القرآن
أحتاج الى معرفة الآيات الناسخة والمنسوخة، يعني كم عددها وما هي تلك الآيات ومن قال بذلك.

الجواب:
يقول السيد الخوئي في البيان في تفسير القرآن ص 284: أن نسخ الحكم دون التلاوة هو القسم المشهور بين العلماء والمفسرين من أقسام النسخ المذكورة.وقد ألف فيه جماعة من العلماء كتباً مستقلة وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ، وخالفهم في ذلك بعض المحققين، فأنكروا وجود المنسوخ في القرآن.
وقد اتفق الجميع على إمكان ذلك وعلى وجود آيات في القرآن ناسخة لأحكام ثابتة في الشرائع السابقة ولأحكام ثابتة في صدر الإسلام.
وإن كثيراً من المفسرين وغيرهم لم يتأملوا حق التأمل في معاني الآيات الكريمة، فتوهموا وقوع التنافي بين كثير من الآيات والتزموا لأجله بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة، وحتى أن جملة منهم جعلوا من التنافي ما إذا كانت إحدى الآيتين قرينة عرفية على بيان المراد من الآية الأخرى كالخاص بالنسبة إلى العام وكالمقيد بالإضافة إلى المطلق والتزموا بالنسخ في هذه الموارد وما يشبهها ومنشأ هذا قله التدبر والتسامح في إطلاق لفظ النسخ بمناسبة معناه اللغوي، واستعماله في ذلك، وإن كان شائعاً قبل تحقق المعنى المصطلح عليه، ولكن إطلاقه ـ بعد ذلك ـ مبني على التسامح لا محالة.
وقد ذكر السيد الخوئي في كتابه البيان ستة وثلاثين آية قرآنية قيل بنسخها ورد ذلك جميعاً بأنها غير منسوخة، عدا آية واحدة وهي آية النجوى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجوَاكُم صَدَقَةً ذَلِكَ خَيرٌ لَكُم وَأَطهَرُ فَإِن لَم تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) (المجادلة:12).
فقد ذهب أكثر العلماء إلى نسخها، يقول تعالى: (( أَأَشفَقتُم أَن تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجوَاكُم صَدَقَاتٍ فَإِذلَم تَفعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيكُم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ )) (المجادلة:13) .
فقد استفاضت الروايات من الطريقين: إن الآية المباركة لما نزلت لم يعمل بها غير علي (عليه السلام) فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلما ناجى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قدم درهماً حتى ناجاه عشر مرات.
وأما سبب نسخ صدقة النجوى فهو أن اعراضهم عن المناجاة يفوت عليهم كثيراً من المنافع والمصالح العامة ومن أجل حفظ تلك المنافع رفع الله عنهم وجوب الصدقة بين يدي المناجاة تقديماً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة وعلى النفع الخاص بالفقراء وأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله.
وعلى ذلك فلا مناص من الالتزام بالنسخ وأن الحكم المجعول بالآية الأولى قد نسخ وارتفع بالآية الثانية. ويكون هذا من القسم الأول من نسخ الكتاب - أعني ما كانت الآية الناسخة ناظرة إلى انتهاء أمد الحكم المذكور في الآية المنسوخة - ومع ذلك فنسخ الحكم المذكور في الآية الأولى ليس من جهة اختصاص المصلحة التي اقتضت جعله بزمان دون زمان إذ قد عرفت أنها عامة لجميع أزمنة حياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أن حرص الأمة على المال وإشفاقها من تقديم الصدقة بين يدي المناجاة كان مانعاً عن استمرار الحكم المذكور ودوامه فنسخ الوجوب وأبدل الحكم بالترخيص.


السؤال: سبب نزول آية (إنّك لا تهدي من أحببت ...)
ارجو من سماحتكم ارشادي الى سبب نزول الاية الكريمة وتفسيرها (( انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )) .
لان العامة تحتج بها على عدم ايمان أبي طالب وتقول انها نزلت بحقه.
تقبلوا موفور احترامي ودعائي.

الجواب:
قال الرازي في (تفسيره ج16 ص 208): قال الواحدي وقد استبعده الحسين بن الفضل لأن هذه السورة في آخر القرآن نزولاً ووفاة أبي طالب كانت بمكّة في أول الإسلام هذا أولاً,
ثانياً : في مجمع البيان: وفي هذا نظر كما يرى فإن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )لا يجوز أن يخالف الله سبحانه في إرداته كما لا يجوز أن يخالف أوامره ونواهيه, وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد إيمان أبي طالب وأراد كفره وأراد النبي (صلى الله عليه وآله ) إيمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول والمرسِل ... وفي هذا ما فيه.
ثالثاً : في تفسير ( الأمثل ج12 ص 265 ) : إن الآيات التي جاءت قبلها تدل بصورة واضحة أنها في شأن جماعة من أهل الكتاب المؤمنين في مقابل مشركي مكّة .
ثم يقول : الطريف أن الرازي الذي يزعم أن الآية ليس فيها أقل دلالة على كفر أبي طالب.
رابعاً : في ( تفسير الأمثل ج12 ص 266 ): يبدو من ظاهر هذا الحديث أن أبا هريرة كان شاهداً على هذه القضيّة في حين أننا نعرف أن أبا هريرة أسلم سنة فتح خيبر بعد الهجرة بسبع سنين, فأين أبو هريرة من وفاة أبي طالب التي حدثت قبل الهجرة.
وإذا قيل أن ابن عبّاس وأبا هريرة لم يكونا شاهدين على هذه القضيّة وسمعا هذه القصّة من شخص آخر فإنّنا نسأل : من هو هذا الشخص ؟ فالذي نقل هذا الحديث لهذين الشخصين إذاً مجهول.
خامساً : إن النبي حزن على أبي طالب حزناً شديداً حتى سمى عام وفاته عام الحزن, ولا يمكن أن يكون حزنه على رجل كافر, وأنه غير مهتدي كما يراد أن يجعل لهذه الآية.
سادساً: قد ثبت عندنا بالدليل إيمان أبي طالب, وبذلك يعارض تلك الرواية عن أبي هريرة وابن عبّاس فلا بدّ من طرحها او تأويلها.

تعليق على الجواب (1)
ارجو من سماحتكم ارشادي الى سبب نزول وفي من نزلت الاية الكريمة وتفسيرها (( إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ ))
اذا كانت قد نزلت في غير ابي طالب عليه السلام ارجو ذكر اسمه وعليه هل يجب عند ذكر امام علي ابن ابي طالب عليه السلام ان نقول عليهم السلام بدل من ان نقول (عليه السلام)
الجواب:
في تفسيرالبرهان للسيد هاشم البحراني ج 4ص 279قال:
ابن طاوس، في (طرائفه): قال: ومن عجيب ما بلغت إليه العصبية على أبي طالب من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) أنهم زعموا أن المراد من قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ ))(القصص:56) أبو طالب (عليه السلام)! وقد ذكر أبو المجد بن رشادة الواعظ الواسطي في مصنفه (كتاب أسباب نزول القرآن) ما هذا لفظه، قال: قال الحسن بن مفضل، في قوله تعالى: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) كيف يقال أنها نزلت في أبي طالب، وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن في المدينة، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي (صلى الله عليه وآله) بمكة؟! وإنما نزلت هذه الآية في الحارث بن النعمان بن عبد مناف، وكان النبي (صلى الله عليه وآله)، يحبه، ويحب إسلامه، فقال يوما للنبي (صلى الله عليه وآله): إنا لنعلم أنك على الحق، وأن الذي جئت به حق، ولكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تتخطفنا من أرضنا، لكثرتهم وقلتنا، ولا طاقة لنا بهم، فنزلت الآية، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يؤثر إسلامه لميله إليه .
وفي الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه واله 4/ 50قال العاملي:
إن آية: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) يقال: إنها نزلت يوم أحد، حينما كسرت رباعيته، وشج وجهه (صلى الله عليه وآله)، فقال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فأنزل الله: (( إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ )) الخ ...
وقيل: إنها نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل، الذي كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يرغب في إسلامه، بل لقد ادعي الإجماع على ذلك
وفي تفسير السمعاني 4/ 149:
وعن (سعيد بن أبي راشد): أن هرقل بعث رسولا من تنوخ إلى رسول الله: فجاء إليه وهو بتبوك يحمل كتاب هرقل، فقال له النبي: ' يا أخا تنوخ، أسلم . فقال: إني رسول ملك جئت من عنده ؛ فأكره أن أرجع إليه بخلاف ما جئت، فضحك النبي، وقرأ قوله تعالى: (( إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ )).



السؤال: الفرق بين قوله تعالى (المؤمنون) و (الذين آمنوا)
سؤالي هو:
ما هو الفرق من الناحيه البلاغيه في القرآن بين الکلمه اذا جائت معرفه ب"ال" او معرفه باسم الموصول "الذي" ومثال علي ذلک ما الفرق بين کلمة "المؤمنون" و "الذين آمنوا" او "الکافرون" و "الذين کفروا" وغيرها .....
واذا کان هناک فرق فهل لهذا الفرق تاثير علي المعنى .واي کلمة هي الاقوي في اسباغ الصفه علي الموصوفين .
واضرب مثالاً علي ذلک:
في الآيه 55 من سورة المائده لو جائت "المؤمنون" بدلاً من "الذين آمنوا" في (( انما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا )) او في سورة الکافرون لو جائت "قل يا ايها الذين کفروا" بدلاً من (( قل يا ايها الکافرون )).

الجواب:
قال الشيخ الطوسي في البيان: وكأن المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم الإيمان وإن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين, وعلى هذا كان المراد بالذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقاً... إلى أن يقول وان كان المراد من الذين آمنوا هم الذين آمنوا في أول البعثة قبل الفتح كما تقدم سابقاً أن الذين آمنوا اسم تشريفي في القرآن للمؤمنين الأولين في الإسلام كان المراد بالمؤمنين في قوله (ويؤمن للمؤمنين) المؤمنون منهم حقاً.
وآنفاً ترى بأن الشيخ الطوسي يجعل (المؤمنين) أعم من الذين آمنوا, ففي القول الأول يكون لفظ (المؤمنين) في القرآن شاملاً للمدعين للإيمان بينما ( الذين آمنوا ) هم المؤمنون حقّاً لا مجرد دعوى وذكر في القول الثاني أن (الذين آمنوا) هم خصوص السابقين من المؤمنين, أي أن (المؤمنين) هم أهل الإيمان الحق مطلقاً بينما يكون (الذين آمنوا) هم خصوص من سبق إلى الإيمان, ولا يدخل في (المؤمنين) المنافقون وغيرهم ممن يدّعي الإيمان زوراً.




السؤال: هل ينسخ كلام المعصوم القرآن الكريم؟
هل ينسخ كلام المعصوم القرآن والسنة وهل ينسخ بعضه البعض ولماذا في نعم أو لا
الجواب:
السنة الشريفة تعني قول المعصوم (عليه السلام) وفعله وتقريره، ونسخ الكتاب بالسنة أو السنة بالسنة من حيث الامكان لا مانع منه وخاصة إذا كانت متواترة إلا ان الاشكال هو في أخبار الآحاد قال السيد محمد تقي الحكيم في كتابه ((الأصول العامة للفقه المقارن)): ((الظاهر أن النسخ واقع في الكتاب ومن السنة على خلاف في قلة وكثرة الأحكام التي يدعى لها النسخ، وقد استعرض استاذنا الخوئي في كتابه (البيان) كل ما قيل عن الآيات المنسوخة وحاكمه بجهد ولم يجد ما يصلح أن يكون منسوخاً إلا أقل القليل.
والخلاف الذي وقع إنما هو في إمكان نسخ الأحكام ـ المقطوعة أسانيدها كالأحكام الكتابية والمتواترة من السنة ـ بأخبار الآحاد، وأكثرية المسلمين على المنع وربما ادعي عليه الاجماع، وأهم ما لديهم من الشبه هي شبهة أن الظني لا يقاوم القطعي فيبطله، وهي شبهة عرفت قيمتها في الحديث عن التخصيص لعدم المعارضة بينهما، لأن الدليل الناسخ لا يزيد على كونه شارحاً للمراد من الدليل المنسوخ، وقرينة على عدم إرادة الظهور وحاله حال التخصيص، على أن الخبر وإن كان ظنياً في طريقه، إلا أنه مقطوع الحجية للأدلة السابقة ومع الغض وافتراض المعارضة فإنها في الحقيقة قائمة بين ظنين لا بين قطعي وظني، أي بين ظنية الدلالة في مقطوع السند وظنية الطريق)).
ثم قال: (( ولعل منشأ الإجماع المدعى أو اتفاق الأكثرية، إنما هو في وضع حد لما يمكن أن يقع من التسامح في دعوى النسخ وإبطال الأحكام لمجرد ورود خبر ما، وهو عمل في موضعه،وربما استدعته صيانة الشريعة عن عبث المتلاعبين بأحكام الله والوقوف دون تصرفاتهم، وعلى الأخص وأن في الدخلاء على الإسلام من تمثل بصورة القديسين ليتسنى له هدم الإسلام وتقويض قواعده)) (المصدر المذكور: 245).






السؤال: المراد من المحكم والمتشابه في القرآن
ماذا يعني الآيات المحكمات والآيات المتشابهات؟ وماهي في القرآن الكريم مع التفسير والتوضيح؟
الجواب:
ذكرت للمحكم والمتشابه عدة تفسيرات, منها ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره ( 7 :18 ): بأن المحكم هو ما يسمى في عرف الاصولين بالمبينّ, والمتشابه ما يسمى في عرفهم بالمجمل . ومنها ما ذكره الراغب الأصفهاني ( في مادة شبه من تعريفاته ) بأن المتشابه هو ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره, سواء كان الإشكال من جهة اللفظ أو من جهة المعنى .
ومنها ما ذكر عن أبن عباس ( كما في تفسير الميزان 3 : 33 ) بأن المحكم ما يؤمن به ويعمل به, والمتشابه ما يؤمن به ولا يعمل به . ومنها ما ذكره الاصم ( تفسير الفخر الرازي 7 : 17) بأن المحكم من الآيات ما كان دليله واضحاً لائحاً كدلائل الوحدانية والقدرة والحكمة, والمتشابه ما يحتاج في معرفته إلى تأمل وتدبّر.
والملاحظ من هذه التفسيرات ان المحكم من الايات هو ما يدل على مفهوم معين, ولا نجد صعوبة او تردداً في تجسيد صورته أو تشخيصه من مصداق معين .
وأما المتشابه فهو ما يدل على مفهوم معين تختلط علينا صورته الواقعية ومصداقه الخارجي .
وبعبارة ثانية :ان المحكم هو كل كلام فصيح الألفاظ صحيح المعاني, وكل بناء وثيق أو عقد وثيق لا يمكن حله فهو ( محكم ), فالمحكم هو الذي يحتمل وجهاً واحداً, وقيل هو ما يعلم تأويله, وقيل ما عرف المراد منه إما بالظهور أو بالتأويل, وقيل هو الذي يدل معناه بوضوح لإخفاء فيه, فيدخل فيه النص الذي وضع للمعنى المتبادر( أنظر : الاصول العامة للفقه المقارن - محمد تقي الحكيم : 101, الاتقان للسيوطي 2 :2-3 ).
هذا باختصار بيان المراد من المحكم والمتشابه, واما تعيين المصاديق للمحكم والمتشابه, فهذا المعنى يطول المقام به ولا يمكن حصره في جواب واحد, ولكن ننقل لكم أختصاراً ماذكره السيد المرتضى (ره) في كتابه الناسخ والمنسوخ حول الموضوع قال : (( ثم سألوه صلوات الله عليه ) يريد أمير المؤمنين (عليه السلام) ( عن تفسير المحكم من كتاب الله عز وجل فقال : أما المحكم الذي لم ينسخه شيء من القرآن فهو قول الله عز وجل (( هو الذي أنزل عليك الكتاب من آيات محكمات هنّ أم الكتاب واخر متشابهات )) (آل عمران:7) .
وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه, ولم يعرفوا حقيقته, فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ونبذوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراء ظهورهم . والمحكم مما تأويله في تنزيله من تحليل ما أحلّ الله عز وجل في كتابه, وتحريم ما حرم الله من المآكل والمشارب والمناكح .
ومن ما فرض الله عز وجل من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد, ومما دلّهم به مما لا غنا بهم عنه في جميع تصرفاتهم, مثل قوله تعالى (( يا أيها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فأغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرفق وأمسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين )) ( المائدة:6), وهذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج في تأويله إلى أكثر من التنزيل, ومنه قوله عز وجل (( حرمت عليكم الميتت والدم ولحم الخنزير وما أهل بغير الله به ))(المائدة:3), فتأويله في تنزيله )). (الآيات الناسخة والمنسوخة للشريف المرتضى 64).



السؤال: سبب وجود المتشابه في القرآن
لماذا يستخدم القرآن تعابير مجازية بحيث نحتاج الى التأويل ونقع في متاهات التفاسير المختلفة؟
أليس هو يريد ايصال البشر الى الله والحقيقة فلماذا لا يكون صريحا في تعابيره؟
لماذا مثلا يستخدم القرآن العرش بدل العلم كما أجبتم على السؤال الخاص بماهية العرش؟
الجواب:
ليس هناك مشكلة في استخدام التعابير المجازية في القرآن، لأنه قد تكون القرينة واضحة بحيث يكون المعنى المجازي واضح الظهور فلا يقع أي التباس في المعنى، والمعنى المجازي يعطي معنى أكثر وأجمل من المعنى الحقيقي، وإنما المشكلة لابد أن تصاغ هكذا، لماذا وجد المتشابه من الآيات في القرآن؟ وقد أجيب على ذلك بعدة إجابات منها ما ذكره السيد الحكيم في كتابه (علوم القرآن) فقال:
((وفي نهاية المطاف يجدر بنا أن نذكر خلاصة الوجه الصحيح في حكمة ورود المتشابه في القرآن، وبهذا الصدد يحسن بنا أن نقسم المتشابه إلى قسمين رئيسين:
الأول: المتشابه الذي لا يعلم تأويله ومصداقه إلا الله.
الثاني: المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، ولو كان ذلك بتعليم الله تعالى لهم.
أما ورود القسم الأول في القرآن، فلان من الاهداف الرئيسة التي جاء من أجلها القرآن الكريم هو: ربط الإنسان الذي يعيش الحياة الدنيا بالمبدأ الأعلى وهو الله سبحانه، وبالمعاد وهو الدار الآخرة وعوالمها، وهذا الربط لا يمكن ان يتحقق إلا عن طريق إثارة الموضوعات التي تتعلق بعالم الغيب وما يتصل به من أفكار ومفاهيم، لينمي غريزة الايمان التي فطر الإنسان عليها، ويشده إلى عالمه الذي سوف ينتهي إليه، فلم يكن هناك سبيل أمام القرآن الكريم يتفادى به المتشابه في القرآن بعد أن كان هو السبيل الوحيد الذي يوصل إلى هذا الهدف الرئيس.
وأما ورود القسم الثاني في القرآن الكريم بهذا الأسلوب فإنه أراد أن يطرح أمام العقل البشري قضايا جديدة، كبعض المسائل الكونية أو الإنسانية وغيرها من المفاهيم الغيبية، لينطلق في تدبر حقيقتها واكتشاف ظلماتها المجهولة، أو يقترب منها بالقدر الذي تسمح له معرفته ودرجته في تلك المعرفة، كما ذكر العلامة الطباطبائي.
ونحن في هذا العصر حين نعيش التطور المدني العظيم في المجالات العلمية المختلفة ندرك قيمة بعض الآيات القرآنية التي ألمحت إلى بعض الحقائق العلمية، ووضعتها تحت تصرف الإنسان لينطلق منها في بحثه وتحقيقه، وكذلك بعض المصاديق الإنسانية)).




السؤال: سورة التوحيد وآية الحديد والتعمق في آخر الزمان
أرجو منكم شرح هذه الرواية لي:
سُئل علي بن الحسين (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون, فأنزل اللّه تعالى: (( قُل هُوَ اللّهُ أحَد )) - أي: سورة التوحيد -, والآيات من سورة الحديد إلى قوله: (( وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ )), فمَن رام وراء ذلك فقد هلك (1).
1- الكافي 1: 91, باب النسبة, الحديث 3.

الجواب:
إن مما لاشك فيه هو أن البشر اليوم قد اكتشفوا ـ بفضل التقدم العلمي ـ كثيراً من الحقائق والأسرار في الآفاق الكونية والأنفس الإنسانية مما لم يكن يحدس به أصحاب القرون السابقة, فإن الاكتشافات العلمية قد كشفت الستار عن كثير من آيات الله الخفية وأرتنا قدرة الله العظيم في الهداية الفطرية التي أودعها في هذه الموجودات لمزاولة نشاطها بصورة أوسع مما مضى.
إن لسورة التوحيد من بين سائر سور القرآن الكريم خصوصية جعلت منها لوحدها تعدل ثلث القرآن كما ورد في الأخبار..
وذلك لأنها تنطوي على أسرار توحيده تعالى وتنزيهه.. وقد تعرض لتفسير هذه الآية من مفسرونا المعاصرون وتكلموا في معناها وغاصوا في حقائقها. راجع مثلاً تفسير السورة في تفسير (الميزان للسيد الطباطبائي).
وكذلك بالنسبة لآية الحديد, فقد وردت فيها مضامين علمية تفتقر إلى تعمق ونظر وتدقيق, وهذا التعمق لم يكن متاحاً في القرون الأولى لعدم توفر أدوات البحث العلمي التي يمكن من خلالها التوصل إلى جملة من الحقائق التي تبهر العقول.



السؤال: كيفية فهم آيات الترجي
عندي في تفسير بعض الآيات القرآنية العزيزة وهي أنه توجد آيات كثيرة تأتي بلفظ :
لعلكم تتقون - لعلكم تهتدون - لعلكم تشكرون ..
أو مثلا :
عسى ربي أن يهديني - عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا - عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا - عسى ربكم أن يرحمكم - عسى الله أن يتوب عليهم - فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ..
وغيرها كثير والذي أفهمه من هذه الآيات الكريمة هي أنه مثلا لعل وعسى أن يرحمني ربي أو في خصوص صلاة الليل عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .. أو غيرها مثلا ..
أي يوجد إحتمال وهناك إمكانية ولا يوجد تأكيد على ذلك !! وهذا فهمي الشخصي القاصر لهذه الآيات الشريفة فأرجوا بيان هذا الإشكال ..
حيث أن في هذه الآيات العزيزة ليس هناك تأكيد في أن يبعث الله عز وجل مقاما محمودا كل من صلى صلاة الليل مثلا أو ليس هناك تأكيد على أني إن عملت عملا فلانيا فثوابي كذا بل المذكور في القرآن الكريم هو أنه عسى أو لعل !!
أرجو بيان هذا الإشكال
الجواب:
يرى بعض المفسرين ان عسى من الله تفيد الوجوب في حين يرى البعض رأياً اخر, فقال الراغب: كثير من المفسرين فسروا (عسى ولعل) في القرآن باللازم وقالوا ان الطمع والرجاء لا يكون من الله تعالى وفي هذا قصور نظر وذلك ان الله تعالى اذا ذكر ذلك يذكره ليكون الانسان منه على رجاء لا ان يكون هو تعالى راجياً قال تعالى: (( عسى ربكم ان يهلك عدوكم )) (الأعراف:129)أي كونوا راجين في ذلك.
وقال الزمخشري في الكشاف: (عسى ربكم) اطماع من الله لعباده وفيه وجهان:
احدهما: ان يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الاجابة ب (عسى) و (لعل) ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت.
والثاني: ان يكون جئ به تعليماً للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء.
ويقول الطباطبائي في الميزان : (ان عسى تدل على الرجاء اعم من ان يكون ذلك الرجاء قائماً بنفس المتكلم او المخاطب او بمقام التخاطب فلا حاجه الى ما ذكروه من ان عسى من الله حتم ).
وقال ايضاً في موضع اخر ج2 ص189: (واما كون عسى بمعنى الوجوب فلا دلالة لها عليه وقد مر أن عسى في القرآن بمعناه اللغوي وهو الترجي فلا عبرة بما نقل عن بعض المفسرين: كل شيء في القرآن عسى فان عسى من الله واجب!واعجب منه ما نقل عن بعض اخر: ان كل شيء في القرآن عسى فهو واجب الاحرفين: حرف في التحريم عسى ربه ان طلقكن, وفي بني اسرائيل عسى ربكم ان يرحمكم ).
وقال الطباطبائي في تفسير قوله تعالى ج15 ص388: (قل عسى ان يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون, قالوا ان عسى ولعل من الله تعالى واجب لان حقيقة الترجي مبنية على الجهل ولا يجوز عليه تعالى ذلك فمعنى قوله (عسى ان يكون ردف لكم ) سيردفكم ويأتيكم العذاب محققاً.
وفيه ان معنى الترجي والتمني ونحوهما كما جاز ان يقوم بنفس المتكلم يجوز ان يقوم بالمقام او بالسامع او غيرهما وهو في كلامه تعالى قائم بغير المتكلم من المقام وغيره وما في الآية من الجواب لما ارجع الى النبي (صلى الله عليه وآله) كان الرجاء المدلول عليه بكلمة عسى قائماً بنفسه الشريفة والمعنى: قل ارجو ان يكون ردف لكم العذاب ).
وفي تفسير ابي السعود وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك بمنزلة الجزم بها وانما يطلقونها اظهارا ً للوقار واشعارا ً بان الرمز من امثالهم كالتصريح ممن عداهم وعلى ذلك مجرى وعد الله تعالى ووعيده انتهى وهو وجه وجيه.
واورد العياشي في تفسيره رواية مرفوعه عن حيثمه عن الباقر (عليه الاسلام) حيث قال عليه السلام في قول الله: (( خلطوا عملا صالحا واخر سيئاً عسى الله ان يتوب عليهم )).
وعسى من الله واجب وانما نزلت في شيعتنا المذنبين .
وبناءاً على قبول هذه الرواية يبقى هذا الرأي وارداً وهو كون عسى من الله واجب للرواية لا لما عللوه من ان حقيقه الترجي مبنية على الجهل والتي لا تجوز عليه تعالى.
ولعل مجئ هذه الكلمات في القرآن اشعار للبشر بأن ليس لهم من الامر شيء وانه كله بيد الله وأن ما ينعم به ويعطيه هو تفضل منه عليهم لا استحقاق. فيبقون في رجاء وامل بالحصول على ما يعطيهم . فتأمل.




السؤال: سبب تقديم نفي الولد قبل نفي الوالد
ورد في سورة الاخلاص الاية الكريمة (( لم يلد ولم يولد )) نعرف ان القرآن محكم بتقديمه و تأخيره.
السؤال: كيف يلد و هو لم يولد أصلا
الجواب:
1- أليس آدم وحواء أبوا البشر لم يولدا وقد ولدا البشر كلهم؟
فلا يمتنع عزيزي أن يلد الموجود الحي دون أن يولد وخير دليل على الإمكان الوقوع.
2- نفي الله تعالى الولد عنه لبيان عدم حاجته لمن يعينه فعادة الوالد يتخذ الولد عوناً,ثم نفى تعالى أن يكون قد وُلد من والد فيكون له بداية واحتياج لمن يوجده وهذا المعنى أكثر وضوحاً لنفي الحاجة والفقر ونفي الحدوث فقدم في السورة الأقل وضوحاً ثم الأكثر وضوحاً فالأكثر فختم بعدم وجود كفؤ له سبحانه وتعالى.
مع الأخذ بنظر الاعتبار مورد التهمة والغلو والضلال أيضاً حيث أن الاتهام السائد والصادر هو اتخاذه تعالى الولد كعيسى أو الملائكة أوعزيزاً وهلّم جرّاً, فنفيه في البداية أليق وابلغ لبيان أهميته والاعتناء بنفيه مع كونه واضحاً في مع نفيه تعالى للولد في غير ما آية مثل: (( وَقُلِ الحَمدُ لِلّهِ الَّذِي لَم يَتَّخِذ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَم يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرهُ تَكبِيراً )) (الإسراء:111).
وقال عزّ وجل: (( وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً )) (مريم:92).
وقال عزّ من قائل: (( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحمَنُ وَلَداً سُبحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُّكرَمُونَ )) (الأنبياء:62).
وقال تعالى: (( لَو أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصطَفَى مِمَّا يَخلُقُ مَا يَشَاءُ سُبحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ )) (الزمر:4).






السؤال: ضابطة التأويل
ما هي القاعدة في تأويل الآيات القرآنية الشريفة والأحاديث المعصومية؟
هل هناك قاعدة عقلية أو شرعية أو عرفية أو لغوية للتأويل أم أنها متروكة لذوق الأشخاص؟
هناك بعض الآيات والروايات ورد تأويلها عن أهل البيت مثل قوله تعالى (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان) في أنهما أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء؟
وكذا بالنسبة لآيات الصفات الإلهية مثل قوله تعالى (( وجوههم يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) فالشيعة يؤولونها تبعا لأئمتهم.
ولكن هناك الكثير من الآيات والروايات مما لم يرد فيه تأويل ولكننا نجد الطوائف الإسلامية كل يؤله حسب هواه فالصوفية والفلاسفة يؤلونها حسب معتقدهم فابن عربي مثلا يؤول قوله تعالى (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) بأن الأمر في الآية تكويني وليس تشريعيا وبالتالي فإن كل الناس في الحقيقة لاتعبد إلا الله ولا تستطيع غير ذلك لأن الله أقسم بذلك فمن يعبد الصنم أو الحجر فإنه يعبد الله في الحقيقة.
وبالنسبة للحديث المروي عن أبي هريرة والذي يقول فيه بما معناه "إن لي وعائين من حديث رسول الله وعاء أبثه بين الناس ووعاء لو بثثته لقطع هذا الحلقوم وأشار إلى حلقه" يؤوله بأن الوعاء الذي لايستطيع أبو هريرة بثه هو المعارف الإلهية المتمثلة طبعا في نظر ابن عربي في معارف الصوفية ولكن يؤوله الشيعة بأن المقصود منه هو تهديد الخلفاء بقتل من يحدث في فضائل أهل البيت.
وكذا الفلاسفة يؤلون الأحاديث والآيات بمنظارهم فحديث النبي صلى الله عليه وآله الذي يقول فيه بما معناه: "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيفما شاء" يؤوله صدر المتألهين بأن الله لا أصابع له وبالتالي فالمقصود من الإصبعين هما الملك الموكل بالإنسان والشيطان قرينه الذي يلازمه طيلة حياته.
كما يؤول قوله تعلى (( والسماوات مطويات بيمينه )) بأمير المؤمنين لما ورد في الأحاديث بأنه يمين الله في الأرض.
وقوله تعالى (( يوم يأتي ربك أو بعض آيات ربك )) يؤوله الظاهريون بأن الله يأتي يوم القيامة كما يأتي البشر ويؤوله آخرون بأهل البيت.
فهل من قاعدة لهذا التأويل أم أنها مسألة ذوقية؟
وبالتالي فإن الخطابات القرآنية والمعصومية منها ماهو حقيقة ومنها ماهو مجاز ومنها ماهو كناية ومنها ماهو تورية ككلام العرب ولكن كيف نفرق في أن المقصود من الخطاب هو الحقيقة دون غيره؟
فعندما يقول رسول الله يوم غدير خم مثلا بأن عليا سلام الله عليه هو مولى كل مؤمن ومؤمنة فكيف نعلم بأن مراده من المولى السيد وليس العبد أو النصير برغم أن كلمة المولى من المشتركات؟
وعندما يقول تعالى (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) فكيف نعلم بأن الإرادة تكوينية؟
الجواب:
لابد أن نلفت انتباهك إلى أن التأويل لا يخضع أبداً إلى الأذواق الخاصة والعامة, لأنه يجري طبقاً لأصول وقواعد ثابته, أما الأمثلة التي ذكرتها في سؤالك فأكثرها لا يندرج تحت التأويل, وقد أطلقت عليها هذا الأسم ظناً منك بأن كل صرف للمعنى عما هو ظاهر يندرج تحت التأويل, وقد سرى إليك هذا الظن كما سرى إلى غيرك لعدم ذكر القوم لضابطة التأويل, وسوف نحاول أن نعطيك هذه الظابطة بعد تقديم هذا التمهيد:
قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: التأويل من الأول, أي الرجوع إلى الأصل, ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه, وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً.
ولفظه (تأويل) قد استعملت في القرآن الكريم بمعان ثلاث:
1- إرجاع الكلام المبهم إلى ما قصد منه برفع الإبهام من خلال القرائن الحافة بها, فقوله سبحانه: (( وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) (الذاريات:477), كلام يكتنفه الإبهام ويثبت ظاهره ان لله سبحانه أيد بنى بها السماء, ولكن رفع الإبهام عن الآية بالإمعان في القرائن الحافة.
2- إرجاع الفعل إلى واقعه, بمعنى رفع الإبهام عنه بذكر مصالحه ودواعيه التي حملت الفاعل على الفعل, وهذا نظير عمل صاحب موسى حيث أتى بأفعال مبهمة ومريبة (من خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار) فسأله موسى فأجابه بأن (( ذَلِكَ تَأوِيلُ مَا لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبراً )) (الكهف:82), فالتأويل في الآية رفع الإبهام عن الفعل وإرجاع ظاهره المريب إلى واقعه.
3- إرجاع الرؤيا الصادقة المتصرف فيها من قبل النفس إلى واقعها الذي تحولت عنه, كما هو الحال في رؤيا يوسف وصاحبي السجن والملك في سورة يوسف.
وسنحاول أن نقصر كلامنا في النقطتين الأولى والثانية, إذ لا كثير فائدة من الكلام عن النقطة الثالثة, أولاً: لوضوحها, وثانياً: لعدم مدخليتها بمنشأ النزاع في التأويل القرآني.
قد شاع بين بعض العلماء والباحثين معنى آخر للتأويل غير هذه الثلاثة, وهو ((صرف الكلام عن ظاهره المستقر إلى ما هو خلافه)), وهذا المعنى من مصطلح التأويل هو الشائع, وسؤالك متفرع عليه, وهو لا يمت إلى التأويل بالإصطلاح القرآني بصلة, وكان ابن منظور أول من روج للمصطلح الخاطئ في كتابه (لسان العرب) حيث قال: ((والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ)), ثم تبعه من أخذ عنه من علماء اللغة والتفسير.
والتأويل لا يتناول من القرآن إلاّ الآيات المتشابهة, لأنها في الغالب مبهمة وغير واضحة الدلالة ظاهراً, وفهمها بحسب الظاهر يفضي إلى الوقوع في محالات واحتمالات بعيدة.
وها هنا سؤال هل يستطيع أحد أن يقف على تأويل المتشابهات؟ لا جَرَمَ أن أهل الأهواء والأطماع الفاسدة يسعون وراء المتشابهات ابتغاء حرفها - ولا أقول تأويلها - إلى ما يلتئم وأهدافهم الباطلة, وقد جاء التصريح بذلك في قوله تعالى: (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ )) (آل عمران:77), فلولا وجود علماء ربانيين في كل عصر ومصر ينفون عنه تأويل المبطلين - كما في الحديث الشريف - لأصبح القرآن معرضاً خصباً للشغب والفساد في الدين, فيجب بقاعدة اللطف وجود علماء عارفين بتأويل المتشابهات على وجهها الصحيح, ليقفوا سداً منيعاً في وجه أهل الزيغ والباطل ولهذا السبب فقد استظهر بعض العلماء أن الواو في قوله تعالى: (( وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا )) (آل عمران:77), هي للتشريك لا للاستئناف, إذ لو كانت الآيات المتشابهة مما لا يعرف تأويلها إلا الله لأصبح قسط كبير من أي القرآن لا فائدة في تنزيلها سوى ترداد قراءتها, وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها )) وقال تعالى: (( كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبَابِ ))(صّ:299), ولكن هذا الاستظهار الذي ذكروه أصبح ذريعة لدى بعض المتعاطين لعلوم القرآن أن ينسب إلى نفسه القدرة على التأويل, بل لقد اشرأبت أعناق القوم فتأولوا وأفضى بهم التأويل إلى التنازع والابتداع في الدين مما اضطر بعضهم إلى القول: بأن الواو في الآية الكريمة للاستئناف لا للتشريك, لئلا يجره الأمر إلى الوقوع فيما وقع فيه الأولون.
والحق أن كون الواو للتشريك أمر مفروغ منه لا عتضاده بالدليل, ولكن النزاع في مسألة أخرى وهي: من هم العلماء الذين يعلمون تأويله؟ هل هم المفسرون مثلاً؟ هذا ما ذهب إليه العلامة الطبرسي في مجمع البيان حيث قال: ((ومما يؤيد هذا القول - أي أن الراسخين يعلمون التأويل - أن الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع أي القرآن, ولم نرهم توقفوا على شيء منه لم يفسروه بأن قالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله)) تفسير مجمع البيان 2/410.
ومثل ذلك ما ذكره الإمام بدر الدين الزركشي قال: ((إن الله لم ينزل شيئاً من القرآن إلاّ لينتفع به عباده, وليدل به على معنى أراده, ولا يسوغ لأحد أن يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعلم المتشابه,فإذا جاز أن يعرفه الرسول (صلى الله عليه وآله) مع قوله (( وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ )) (آل عمران:77), جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته والمفسرون من أمته)).
وقد وافقهما من المعاصرين الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه (التمهيد في علوم القرآن) قال: ((فإنا لم نجد من علماء الأمة - منذ العهد الأول إلى الآن - من توقف في تفسير آية قرآنية بحجة أنها من المتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله, وهذه كتب التفسير القديمة والحديثة طافحة بأقوال المفسرين في جميع أي القرآن بصورة عامة, سوى أن أهل الظاهر يأخذون بظاهر المتشابه, أما أهل التمحيص والنظر فيتعمقون فيه ويستخرجون تأويله الصحيح حسبما يوافقه العقل والنقل الصريح.
وقد ميّز العلامة جعفر سبحاني في كتابه (المناهج التفسيرية في علوم القرآن) بين معنيين جعل المعنى الأول منهما متعلق التفسير والآخر متعلق التأويل, لأجل أن يؤسس منهجاً يمكن تطبيقه في تأويل الآيات المتشابهة, ومحصل ما ذكره في هذا الصدد هو: ((إن للمفردات حكماً وظهوراً عند الإفراد, وللجمل المركبة من المفردات ظهوراً آخر, وقد يتحد الظهوران وقد يتخالفان, فلا شك أنك إذا قلت: ((أسد)) يتبادر منه الحيوان المفترس, كما أنك إذا قلت: ((رأيت أسداً في الغابة)) يتبادر من الجملة نفس ما يتبادر من المفرد, وإذا قلت: ((رأيت أسد يرمي, فإن المتبادر من الاسد في كلامك غير المتبادر منه حرفياً وانفراداً, وهو لحيوان المفترس, بل يكون حمله عليه حملاً على خلاف ظاهر, وأما حمله وتفسيره بالبطل الرامي عند القتال, فهو ليس تفسيراً للجملة بظاهرها من دون تصرف وتأويل, فالواجب علينا هو الوقوف على المفاد التصديقي و إثباته لله سبحانه, لا الجمود على المعنى التصوري الفرادي وإثباته أو نفيه عنه سبحانه)). وكلامه (حفظه الله) يشير إلى اعتقاده بجواز تأويل القرآن لمطلق العلماء السائرين على هذا المنهج, وقد ذكر لتطبيقه أمثلة كثيرة ليس هنا محل مناقشتها.
أما رأي السيد محمد حسين الطباطبائي وهو خريت فن التفسير, فقد أسسه على أصل عرفاني, فإذا اثبتنا أن هذا الأصل لا يصمد من جهة الدليل العلمي, فسوف لا يترتب على رأيه هذا آية نظرية لتصحيح التأويل عند العلماء وهو على رأسهم.
أن التأويل عنده ليس من دليل الألفاظ, وإنما هو عين خارجية, وهي الواقعة التي جاء الكلام اللفظي تعبيراً عنها, وهذا ما ذكره: ((الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية, من تشريع وموعظة وحكمة, وأنه موجود لجميع أي القرآن, وليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ, بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن تحيط بها شبكات ألالفاظ, وأن وراء ما نقرأه ونتعقله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد والتمثيل بالمثال وليس من سنخ الألفاظ والمعاني, وهو المعبر عنه بالكتاب الحكيم, وهذا بعينه هو التأويل)). (تفسير الميزان 3/ 25, 45, 49).
والمسحة العرفانية في كلام الطباطبائي ظاهرة, والأصل الذي أشرنا إليه هو عدّه (قدس سره) اللوح المحفوظ شيئاً ذا وجود بذاته, كوعاء أو لوح أو مكان خاص, مادياً أو معنوياً, والحق أنه كناية عن علمه تعالى الأزلي الذي لا يتغير ولا يتبدل وهو المعبر عنه بالكتاب المكنون وأم الكتاب. ولعل من منشأ التوهم هو من قوله تعالى(لدينا), وإن كان معناه أن لهذا القرآن شأناً عظيماً عند الله في سابق علمه الأزلي, والتعبير بأم الكتاب كان بمناسبة أن علمه تعالى هو مصدر الكتاب وأصله المتفرع منه.
هذا تمام التمهيد الذي أشرنا إليه, ومنه نصل إلى الضابطة التي وعدناك بها: وهي أن التأويل في القرآن حق وأن هناك من أهل العلم جماعة يعلمونه غير أنهم ليسوا مطلق أهل العلم. وبعبارة فنية فإن التأويل لكي يصح لابد أن يتوافر شرطان: شرطً في مأخذ الدليل, وشرط في المؤوِّل.
أما مأخذ الدليل: فإنه إذا قادك الدليل إلى معنى من معاني القرآن بحيث جاز أن يقال: ((هذا المعنى يدل على كذا)) ودلالة هذا الدليل على المعنى يجب أن تكون غير متكلفة أي من دون غرض, على أن لا يحصر المستدل المعنى بما علمه من الدليل فيقول: ((ليس للآية معنى غير هذا)) وأما إذا حصر, فهو ممن يفسر القرآن برأيه, وقد روي عنه (صلى الله عليه وآله): من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار.
وأما شرط المؤول: فان يكون عارفاً بنوع الاعتقاد في توحيد الله وصفاته, وما يصح عليه ويمتنع عليه, ونوع ما يصح الاعتقاد في أفعاله وفي أوامره ونواهيه, وفي مراداته من عباده, ونوع الحكمة والصنع والتكاليف, ونوع حكمة الإيجاد, والقدر والبداء, والمنزلة بين المنزلتين وما أشبه ذلك, وأن يكون عارفاً بالنبوة لمحمد (صلى الله عليه وآله), والإمامة لأهل بيته(عليهم السلام), ونبوة الأنبياء ووصاية الأوصياء, وأحوال التكاليف, والموت والبرزخ وأحوال الآخرة.
ولا يجوز تأويل القرآن إلاّ بالدليل القطعي, ومن قال بغير ذلك فقد ضل سواء السبيل, فإن القرآن أمره عظيم وخطره جسيم, فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية طويله نقتبس منها موضع الحاجة, قال: ((إنه من لم يعرف من كتاب الله عز وجل الناسخ من المنسوخ, والخاص من العام والمحكم من المتشابه, والرخص من العزائم, والمكي والمدني, وأسباب التنزيل والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤلفة, وما فيه من علم القضاء والقدر, والتقديم والتأخير, والمبين والعميق, والظاهر والباطن, والابتداء من الانتهاء, والسؤال والجواب, والقطع والوصل, والمستثنى منه والجاري فيه, والصفة لما قبل مما يدل على ما بعد, والمؤكد منه والمفصل, وعزائمه ورخصه, ومواضع فرائضه وأحكامه ومعنى حرامه وحلاله الذي سلك فيه الملحدون, والموصول من الألفاظ, والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده, فليس بعالم في القرآن ولا من أهله, ومتى ادعى معرفة هذه الأقسام مدّع بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على الله الكذب ورسوله, ومأواه جهنم وبئس المصير)) (انظر وسائل الشيعة 27/200).
وتحصل من كل ذلك ما يلي: أن التأويل في القرآن لا يجوز إلا ما أخذ عن أهله المخاطبين به وهم محمد وآله الطاهرين (صلى الله عليه وآله اجمعين).
وليس لأحد من المفسرين أن يقول في القرآن إلا بدليل عنهم (عليه السملا).
ومما قدمنا يظهر لك الحال في الأمثلة التي اوردتها:
1- ان المعنى المذكور للآية (مرج البحرين يلتقيان) ليس من التأويل وانما هو من علم الباطن الذي يعلمه الائمة (عليهم السلام) للقرآن وان كان يدخل في علم التأويل عند العلامة الطباطبائي.
2- قول الشيعة في آية (( وجوه يومئذٍ ناظره إلى ربها ناظره )) ليس من التأويل وإنما من الظهور التصديقي الذي يقول به السبحاني, نعم معناها وما يشابهها عند المعتزلة من التأويل بالدليل العقلي لفهم الدليل النقلي.
3- ان قول ابن عربي في آية (( وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالأِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ )) (الذريات:566) من التأويل البعيد الذي ليس عليه دليل وربما يريد المصداق وقد قلنا أن علم الباطن الذي يخبر بالمصداق لا يكون إلا عند اهله وهم الأئمة (عليهم السلام) وابن عربي لم يثبت لنا أنه من أهله.
4- واما حديث أبي هريرة فلا علاقة له بالتأويل وإنما يظهر منه مقدار مصداقية أبي هريره نفسه ووثاقته بالحديث إذ لا يقطع حلقوم الشخص إذا ثبت المعارف الإلهية الإ إذا كانت متعلقه بأهل البيت(عليهم السلام).
5- واما بقية الأمثلة فإن ذكر لها فهو من التأويلات التي لا دليل عليها مع عدم ثبوت حديث الاصبعين وحديث ان امير المؤمنين يمين الله بهذا المعنى الظاهر وأما الآية (( يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ ... )) (الأنعام:1588) فلا يمكن الأخذ بظاهرها وفي معناها احاديث آحاد.
6- واما المجاز والتورية والكناية والاشتراك اللفظي فلا تدخل في بحث التأويل وان كان لها نوع مدخلية في الآي المتشابهة مما يحتاج إلى تأويل.أعني أن مدخليتها طريقية وليست أصلية .



السؤال: تكرار بعض الآيات القرآنية
كيف نثبت ان التكرار الموجود في القرآن في بعض آياته جاء للتأكييد؟ ولما لم يستخدم الله عبارات آخرى تفاديا للتكرار مثال على التكرار سورة الرحمن

الجواب:
يقول الشيخ الطوسي بالتبيان 9/467 في تكرار (( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )), وإنما كررت هذه الآية لأنه تقرير بالنعمة عند ذكرها على التفصيل نعمة نعمة كأنه قيل بأي هذه الآلاء تكذبان ثم ذكرت آلاء آخر فاقتضت من التذكير والتقرير بها ما اقتضت الاولى ليتأمل كل واحد في نفسها وفي ما تقتضيه صفتها من حقيقتها التي تتفصل بها عن غيرها.


يتبع


رد مع اقتباس