الموضوع: مواضيع حسينية 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014/10/21, 11:32 PM   #3
الجمال الرائع


معلومات إضافية
رقم العضوية : 799
تاريخ التسجيل: 2012/12/12
المشاركات: 857
الجمال الرائع غير متواجد حالياً
المستوى : الجمال الرائع is on a distinguished road




عرض البوم صور الجمال الرائع
افتراضي

2-الدعوه الى نصره سبطه الحسين
روى الحنفى القندوزى، فى ينابيع الموده، فى المشكاه، عن ام الفضل بنت الحارث، امراه العباس رضى اللّه عنهما: (انها دخلت على رسول اللّه(ص)، فقالت: يا رسول اللّه، انى رايت حلما منكرا الليله، قال: ما هو؟ قالت: رايت كان قطعه من جسدك المبارك قطعت ووضعت فى حجرى.
فقال عليه السلام: رايت خيرا، تلد فاطمه، ان شاء اللّه تعالى، غلاما يكون فى حجرك.
قالت: فولدت فاطمه الحسين فكان فى حجرى فارضعته بلبن قثم، فدخلت يوما على النبى(ص)، فوضعته فى حجره، ثم حانت منى التفاته، فاذا عينا رسول اللّه(ص)، تهريقان الدموع، فقلت: يا رسول اللّه، بابى وامى، مالك؟، قال: اتانى جبرائيل فاخبرنى ان امتى ستقتل ابنى هذا، فقلت: هذا؟، قال: نعم، واتانى بتربه حمراء) (5)رواه البيهقى.
وفى الاصابه(انس بن الحارث) قال البخارى فى تاريخه:
(سمعت رسول اللّه(ص)، يقول: ان ابنى هذا يعنى الحسين يقتل بارض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره،
قال: فخرج انس بن الحارث الى كربلاء، فقتل بها مع الحسين(ع)،). (6)
وفى الصواعق المحرقه، لابن حجر الهيثمى، اخرج ابن سعد والطبرانى عن عائشه ان النبى(ص) قال: (اخبرنى جبرائيل ان ابنى الحسين يقتل، بعدى، بارض الطف، وجاءنى بهذه التربه واخبرنى ان فيها مضجعه). (7)
اخرج البغوى، فى معجمه من حديث انس ان النبى(ص)، قال:
(استاذن ملك القطر ربه ان يزورنى فاذن له وكان فى يوم ام سلمه، فقال رسول اللّه(ص): يا ام سلمه احفظ‏ى علينا الباب لا يدخل احد، فبينا على الباب اذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول اللّه(ص)، فجعل رسول اللّه يلثمه ويقبله، فقال له الملك: اتحبه؟ قال: نعم، قال: ان امتك ستقتله وان شئت اريك المكان الذى يقتل به، فاراه، فجاء بسهله او تراب احمر فاخذته ام سلمه فجعلته فى ثوبها.
قال ثابت: كنا نقول انها كربلاء.
وفى روايه الملا، وابن احمد فى زياده المسند، قالت: ثم ناولنى كفا من تراب احمر، وقال: ان هذا من تربه الارض التى يقتل بها، فمتى صار دما فاعلمى انه قد قتل، قالت ام سلمه: فوضعته فى قاروره عندى، وكنت اقول: ان يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم، وفى روايه عنها، فاصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما). (8)
3-محاوله اغتيال فاشله
تعيين جماعه المنافقين
اورد ابن كثير، فى تفسيره، نقلا عن البيهقى فى (دلائل النبوه)، عن حذيفه بن اليمان قال: (كنت آخذا بخطام ناقه رسول اللّه(ص)، اقود به وعمار يسوق الناقه او انا اسوقه وعمار يقوده، حتى اذا كنا بالعقبه، فاذا انا باثنى عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فانبهت رسول اللّه(ص)، بهم، وصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول اللّه: هل عرفتم القوم؟، قلنا: لا يا رسول اللّه، قد كانوا ملثمين، ولكنا عرفنا الركاب، قال: هولاء المنافقون الى يوم القيامه، وهل تدرون ما ارادوا؟، قلنا: لا، قال:
ارادوا ان يزاحموا رسول اللّه(ص) فيلقوه منها، قلنا: يا رسول اللّه، افلا نبعث الى عشائرهم حتى يبعث اليك كل قوم براس صاحبهم؟، قال: لا، اكره ان تتحدث العرب بينها ان محمدا قاتل بقوم حتى اذا اظهره اللّه بهم، اقبل عليهم يقتلهم، ثم قال:
اللهم ارمهم بالدبيله، قلنا يا رسول اللّه وما الدبيله؟ قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلك). (9)
وروى الامام احمد الروايه نفسها، وهى وارده فى تفسير قوله تعالى، فى الايه (74) من سوره التوبه: (يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمه الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا). (10)
كما روى ابن كثير، ايضا، فى الموضع نفسه، نقلا عن صحيح مسلم، عن عمار بن ياسر، عن حذيفه، عن رسول اللّه(ص)، انه قال: (فى اصحابى اثنا عشر منافقا، لا يدخلون الجنه ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل فى سم الخياط.. ولهذا كان حذيفه يقال له صاحب السر الذى لا يعلمه غيره، اى تعيين جماعه المنافقين). (11)
حدثت هذه الحادثه الخطيره، فى تاريخ الاسلام، فى اثناء غزوه تبوك فى رجب، من العام التاسع للهجره، ولم تذكر فى كتب السيره او غيرها، تحت عناوين رئيسيه، وانما تحت عناوين فرعيه، على الرغم من ثبوتها بنص القرآن ووقوعها ضمن احداث غزوه تبوك، حيث اشراب النفاق واطلع راسه من منبته، وورودها فى سوره التوبه التى تسمى، ايضا، (الفاضحه)، لانها فضحت المنافقين وعرتهم.
اما خطورتها فتكمن فى ان الذين راوا فى شخص الرسول الاكرم عائقا امام تحقيق اهدافهم لا بد انهم وضعوا هدفا كبيرا تهون من اجل تحقيقه كل الجرائم، حتى ولو كانت قتل الرسول الاكرم(ص)، او الحسين بن على(ع)، او استباحه المدينه، او هدم الكعبه، كما حدث بعد ذلك بالفعل.
الفصل الاول
ابناء الشجره الملعونه
رواد الفتنه فى الاسلام
شهدت (صفين)، وهى مكان يقع بالقرب من شاط‏ى‏ء الفرات بين الشام والعراق.
(واقعه صفين)، التى دارت بين جيش الامام على الذى يمثل القياده الشرعيه للامه الاسلاميه وبين جيش القاسطين الظالمين، بقياده معاويه بن آكله الاكباد ووزيره الاول عمرو بن العاص.
توشك النبوءه ان تتحقق، يوشك من حذر رسول اللّه(ص)، منهم ان يتسنموا منبره.
الصراع محتدم بين قيم الاسلام المحمدى الاصيل، كما يمثله امام الحق على بن ابى طالب(ع) والفئه الباغيه بقياده ابن آكله الاكباد ووزيره الاول ابن النابغه.
وسنعرض نماذج متقابله لخطاب كل فريق من الفريقين ولسلوكه، ثم نرى النهايه الفاجعه لهذا الصراع، او نهايه البدايه لفجر الاسلام المضى‏ء، على يد هذه العصابه، وهو عين ما حاولوه يوم عقبه تبوك، فلم يحالفهم التوفيق.
1-خطاب رواد الفتنه، الخارجين على القياده الشرعيه
رفع معاويه بن ابى سفيان شعار الثار لعثمان بن عفان، فهل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الاول صادقين فى دعواهما؟ فلنقرا سويا فى صفحات التاريخ.
روى ابن جرير الطبرى، فى تاريخه: (لما قتل عثمان قدم النعمان بن بشير على اهل الشام بقميص عثمان ووضع معاويه القميص على المنبر، وكتب بالخبر الى الاجناد، وثاب اليه الناس، وبكوا سنه وهو على المنبر والاصابع معلقه فيه (اصابع نائله زوجه عثمان) وآلى الرجال من اهل الشام الا ياتوا النساء ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتله عثمان، ومن عرض دونهم بشى‏ء او تفنى ارواحهم، فمكثوا حول القميص سنه، والقميص يوضع كل يوم على المنبر ويجلله احيانا فيلبسه، وعلق فى اردانه اصابع نائله).
(ثم مضى معاويه ينشر فى الناس ان عليا(ع) قتل عثمان) (12).
كان هذا هو الشعار المعلن، فهل كان هذا الشعار يمثل الحقيقه؟، فلنقرا اولا فى تاريخ عمرو بن العاص.
ا- الشعار المعلن وحقيقته: الاستحواذ على السلطان وروى الطبرى، ايضا: (لما بلغ عمرا قتل عثمان، رضى اللّه عنه،
قال: انا ابو عبداللّه قتلته «يعنى عثمان‏» وانا بوادى السباع، من يلى هذا الامر من بعده؟ ان يله طلحه فهو فتى العرب سيبا، وان يله ابن ابى طالب فلا اراه الا سيستنطق الحق وهو اكره من يليه الى.
قال: فبلغه ان عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص اياما ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحه والزبير وعائشه، وقال استانى وانظر ما يصنعون، فاتاه الخبر ان طلحه والزبير قد قتلا، فارتج عليه امره فقال له قائل: ان معاويه بالشام لا يريد ان يبايع لعلى، فلو قاربت معاويه، فكان معاويه احب اليه من على بن ابى طالب.
وقيل له: ان معاويه يعظم شان قتل عثمان بن عفان ويحرض على الطلب بدمه، فقال عمرو: ادعوا لى محمدا وعبداللّه فدعيا له، فقال: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان رضى اللّه عنه وبيعه الناس لعلى وما يرصد معاويه من محالفه على، وقال: ما تريان؟ اما على فلا خير عنده وهو رجل يدل بسابقته، وهو غير مشركى فى شى‏ء من امره، فقال عبداللّه بن عمرو:... ارى ان تكف يدك وتجلس فى بيتك حتى يجتمع الناس على امام فتبايعه، وقال محمد بن عمرو: انت ناب من انياب العرب، فلا ارى ان يجتمع هذا الامر وليس لك فيه صوت ولا ذكر، قال عمرو: اما انت، يا عبداللّه، فامرتنى بالذى هو خير لى فى آخرتى واسلم فى دينى، واما انت، يا محمد، فامرتنى بالذى هو انبه لى فى دنياى وشر لى فى آخرتى.
ثم خرج عمرو بن العاص، ومعه ابناه، حتى قدم على معاويه، فوجد اهل الشام يحضون معاويه على الطلب بدم عثمان.
فقال عمرو بن العاص:
انتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفه المظلوم، ومعاويه لا يلتفت الى قول عمرو.
فقال ابنا عمرو لعمرو: الا ترى الى معاويه لا يلتفت الى قولك، انصرف الى غيره، فدخل عمرو على معاويه فقال: واللّه لعجب لك انى ارفدك بما ارفدك وانت معرض عنى، اما واللّه ان قاتلنا معك نطلب بدم الخليفه، ان فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا انما اردنا هذه الدنيا، فصالحه معاويه وعطف عليه). (13)
هذا هو حال الوزير الاول، فهو نفسه ممن البوا على عثمان وهو القائل: (انا ابو عبداللّه، قتلته وانا بوادى السباع)، وهو المقر بان انضمامه لابن آكله الاكباد انما هو من اجل الدنيا).
اما معاويه، صاحب القميص الذى صار مضربا للمثل على الادعاءات الكاذبه، فنورد فقره من خطبته التى استهل بها عهده المشووم.
روى ابو الفرج الاصفهانى فى مقاتل الطالبيين: (لما انتهى الامر لمعاويه، وسار حتى نزل النخيله وجمع الناس بها فخطبهم قبل ان يدخل الكوفه خطبه طويله).
واورد بعض مقاطعها ومنها: (ما اختلفت امه بعد نبيها الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها..
فندم فقال: الا هذه الامه فانها وانها...) (الا ان كل شى‏ء اعطيته الحسن بن على تحت قدمى هاتين لا افى به).
(انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك.
وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون). (14)
هل كان ابن آكله الاكباد ووزيره الاول عمرو بن العاص يطالبان بدم عثمان او ان السلطه كانت هدفا لهما؟ وهل يبقى شك، بعد قراءتنا خطاب كل منهما فى طبيعه الادعاءات المرفوعه من قبل الفئه الباغيه والصوره الحقيقيه لحركه الرده التى ما كان لها ان تحقق هدفها لولا تخاذل بعض المسلمين ووهن بعضهم الاخر.
كانت هذه هى الاهداف الحقيقيه: (الاستحواذ على السلطه) و (اذلال المومنين)، وهى تختلف عن الاهداف الدعائيه: (الثار من قتله عثمان).
ب - وسائل التامر على الناس
اما عن الوسائل التى اتبعها ابن آكله الاكباد من اجل تحقيق غاياته الشيطانيه (وهى اقامه حكومه من بدوا فى رويا رسول اللّه(ص) (قرده)، فى مواجهه حكومه العدل الالهيه) فهى فى المستوى نفسه، ومن نماذجها نذكر:
اولا: الرشوه والاغراء بالمناصب
واليك النموذج الاتى: حاول معاويه رشوه قيس بن سعد بن عباده، والى الامام على على مصر.
فكتب له: (... فان استطعت، يا قيس، ان تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل.
تابعنا على امرنا ولك سلطان العراقين، اذا ظهرت ما بقيت، ولمن احببت من اهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لى سلطانى.
وسلنى غير هذا مما تحب فانك لا تسالنى شيئا الا اوتيته) (15).
اما رد قيس بن سعد بن عباده، رضوان اللّه عليه، على ابن آكله الاكباد فكان ردا مخرسا فقد كتب اليه: (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من قيس بن سعد الى معاويه بن ابى سفيان.
اما بعد، فان العجب من اغترارك بى وطمعك فى، واستسقاطك رايى، اتسومنى الخروج من طاعه اولى الناس بالامره واقولهم للحق واهداهم سبيلا واقربهم من رسول اللّه(ص)، وتامرنى بالدخول فى طاعتك، طاعه ابعد الناس من هذا الامر، واقولهم للزور واضلهم سبيلا، وابعدهم من اللّه عز وجل ورسوله(ص)، وسيله، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت ابليس.
واما قولك انى مالى‏ء عليك مصر خيلا ورجلا، فواللّه ان لم اشغلك بنفسك حتى تكون نفسك اهم اليك، انك لذو جد، والسلام) (16).
ثانيا: الاغتيال السياسى
جاء فى تاريخ الطبرى: (فبعث على الاشتر اميرا الى مصر حتى اذا صار بالقلزم، شرب شربه عسل كان فيها حتفه، فبلغ حديثهم معاويه وعمرا، فقال عمرو: ان للّه جنودا من عسل) (17).
ثالثا: الاختلاق والخداع جاء فى تاريخ الطبرى: (ولما ايس معاويه من قيس ان يتابعه على امره، شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وباسه، واظهر للناس قبله ان قيس بن سعد قد تابعهم فادعوا اللّه وقرا عليهم كتابه الذى لان له فيه وقاربه.
قال: واختلق معاويه كتابا من قيس، فقراه على اهل الشام) (18).
رابعا: الاغاره على المدنيين وقتل النساء والاطفال
ذكر ابن جرير الطبرى فى تاريخه:
1- (وجه معاويه، فى هذا العام، سفيان بن عوف فى سته آلاف رجل وامره ان ياتى (هيت)، فيقطعها، وان يغير عليها ثم يمضى حتى ياتى الانبار والمدائن فيوقع باهلها) (19).
2 - (وجه معاويه عبداللّه بن مسعده الفزارى فى الف وسبعمائه رجل الى تيماء، وامره ان يصدق (ياخذ صدقه المال) من مر به من اهل البوادى، وان يقتل من امتنع من اعطائه صدقه ماله.
ثم ياتى مكه والمدينه والحجاز ويفعل ذلك) (20).
3 - وجه معاويه الضحاك بن قيس، وامره ان يمر باسفل واقصه، وان يغير على كل من مر به ممن هو فى طاعه على من الاعراب، ووجه معه ثلاثه آلاف رجل فسار، فاخذ اموال الناس وقتل من لقى من الاعراب، ومر بالثعلبيه فاغار على مسالح على، واخذ امتعتهم ومضى حتى انتهى الى القطقطانه فاتى عمرو بن عميس بن مسعود، وكان فى خيل لعلى وامامه اهله وهو يريد الحج، فاغار على من كان معه وحبسه عن المسير، فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدى الكندى فى اربعه آلاف واعطاهم خمسين خمسين، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعه عشر رجلا، وقتل من اصحابه رجلان وحال بينهم الليل فهرب الضحاك واصحابه ورجع حجر ومن معه (21).
4- فى عام 40ه، ارسل معاويه بن ابى سفيان بسر بن ابى ارطاه فى ثلاثه آلاف من المقاتله الى الحجاز حتى قدموا المدينه، وعامل على على المدينه يومئذ ابو ايوب الانصارى، ففر منهم ابو ايوب، واتى بسر المدينه فصعد المنبر وقال: يا اهل المدينه، واللّه لولا ما عهد الى معاويه ما تركت بها محتلما الا قتلته.
ثم مضى بسر الى اليمن وكان عليها عبيداللّه بن عباس عاملا لعلى، فلما بلغه مسيره فر الى الكوفه حتى اتى عليا، واستخلف عبداللّه بن عبد المدان الحارثى على اليمن، فاتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقى بسر ثقل عبيداللّه بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما، وقد قال بعض الناس انه وجد ابنى عبيداللّه بن عباس عند رجل من بنى كنانه من اهل الباديه، فلما اراد قتلهما قال الكنانى: علام تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فان كنت قاتلهما فاقتلنى، قال: افعل، فبدا بالكنانى فقتله ثم قتلهما، وقتل فى مسيره ذلك جماعه كثيره من شيعه على باليمن.
ولما ارسل على جاريه بن قداحه فى طلبه هرب) (22).
تلك هى لمحات من اهداف الدوله الامويه وملامحها واساليبها فى الوصول الى هذه الاهداف.
لا فارق بين معاويه وصدام حسين وهتلر.
الغايه، عند كل هولاء، تبرر الوسيله، بل ونزعم ان ابن آكله الاكباد، على قرب عهده بالنبوه، اشد وزرا من صدام حسين الذى قتل النساء والاطفال واستخدم السلاح الكيماوى فى قتل الابرياء، فصدام حسين لم ير رسول اللّه(ص)، ولا سمع منه ولا ادعى له بعض المورخين انه كان كاتبا للوحى، الى آخر هذه الادعاءات التى يمزج فيها الحق بالباطل.
2-خطاب قياده الامه الشرعيه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه، ويكون الدين للّه)
على الجانب الاخر كان معسكر الحق، معسكر القياده الشرعيه للامه الاسلاميه، قياده اهل البيت، ورمزها يومئذ امير المومنين على بن ابى طالب(ع)،3، يجاهد للحفاظ على الاسلام نقيا صافيا.
وكان هذا هو الهدف الحقيقى الذى تهون من اجله كل التضحيات.
كان الامام على(ع) ومن حوله كوكبه المومنين الخلص من اصحاب النبى محمد(ص).
روى ابن ابى الحديد، فى شرح نهج البلاغه، نقلا عن (كتاب صفين) لنصر بن مزاحم: (خطب على(ع)، فى صفين، فحمد اللّه واثنى عليه، وقال: اما بعد، فان الخيلاء من التجبر، وان النخوه من التكبر، وان الشيطان عدو حاضر، يعدكم الباطل.
الا ان المسلم اخو المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا، الا ان شرائع الدين واحده، وسبله قاصده، من اخذ بها لحق، ومن فارقها محق، ومن تركها مرق، ليس المسلم بالخائن اذا ائتمن، ولا بالمخلف اذا وعد، ولا بالكذاب اذا نطق.
نحن اهل بيت الرحمه، وقولنا الصدق، وفعلنا الفضل، ومنا خاتم النبيين، وفينا قاده الاسلام، وفينا حمله الكتاب.
الا انا ندعوكم الى اللّه ورسوله، والى جهاد عدوه والشده فى امره، وابتغاء مرضاته، واقام الصلاه، وايتاء الزكاه، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وتوفير الفى‏ء على اهله.
الا وان من اعجب العجائب ان معاويه بن ابى سفيان الاموى وعمرو بن العاص السهمى، يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما، ولقد علمتم انى لم اخالف رسول اللّه(ص)، قط، ولم اعصه فى امر، اقيه بنفسى فى المواطن التى ينكص فيها الابطال، وترعد فيها الفرائص، بنجده اكرمنى اللّه سبحانه بها، وله الحمد.
ولقد قبض رسول اللّه(ص) وان راسه لفى حجرى، ولقد وليت غسله بيدى وحدى، تقلبه الملائكه المقربون معى.
وايم اللّه ما اختلفت امه قط، بعد نبيها، الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها الا ما شاء اللّه) (23).
ولا باس، ايضا، ان ننتقل الى معسكر الافك والباطل لنسمع ذلك الحوار العجيب الذى رواه نصر بن مزاحم، ونقله عنه ابن ابى الحديد قال: (طلب معاويه الى عمرو بن العاص ان يسوى صفوف اهل الشام، فقال له عمرو: على ان لى حكمى ان قتل اللّه ابن ابى طالب، واستوثقت لك البلاد، فقال: اليس حكمك فى مصر؟ قال: وهل مصر تكون عوضا عن الجنه، وقتل ابن ابى طالب ثمنا لعذاب النار الذى (لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) «الدخان/75»، فقال معاويه: ان لك حكمك، ابا عبداللّه، ان قتل ابن ابى طالب، رويدا لا يسمع اهل الشام كلامك.
فقام عمرو، فقال: معاشر اهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب، واعيرونا جماجمكم ساعه، فقد بلغ الحق مقطعه، فلم يبق الا ظالم او مظلوم) (24).
ونعود الى معسكر الحق، لنسمع الكلمات المضيئه لابى الهيثم بن التيهان وكان من اصحاب رسول اللّه(ص)، بدريا نقيبا عقبيا يسوى صفوف اهل العراق، ويقول: (يا معشر اهل العراق، انه ليس بينكم وبين الفتح فى العاجل، والجنه فى الاجل، الا ساعه من النهار، فارسوا اقدامكم وسووا صفوفكم، واعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا باللّه الهكم، وجاهدوا عدو اللّه وعدوكم، واقتلوهم قتلهم اللّه وابادهم، واصبروا فان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين) (25).
اما عن مواقف عمار بن ياسر، رضوان اللّه عليه، فى صف الامام، فهى فى المكانه العليا، ويمكن ان نتبينها من خلال هذه الروايه: (عن اسماء بن حكيم الفزارى، قال: كنا بصفين مع على، تحت رايه عمار بن ياسر، ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء احمر، اذ اقبل رجل يستقرى الصف حتى انتهى الينا، فقال: ايكم عمار بن ياسر؟
فقال عمار: انا عمار، قال: ابو اليقظان؟ قال: نعم، قال: ان لى اليك حاجه افانطق بها سرا او علانيه؟، قال: اختر لنفسك ايهما شئت، قال: لا بل علانيه، قال: فانطق، قال: انى خرجت من اهلى مستبصرا فى الحق الذى نحن عليه، لا اشك فى ضلاله هولاء القوم، وانهم على الباطل، فلم ازل على ذلك مستبصرا، حتى ليلتى هذه، فانى رايت فى منامى مناديا تقدم، فاذن وشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه(ص)، ونادى بالصلاه، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثم اقيمت الصلاه، فصلينا صلاه واحده، وتلونا كتابا واحدا، ودعونا دعوه واحده، فادركنى الشك فى ليلتى هذه، فبت بليله لا يعلمها الا اللّه، حتى اصبحت، فاتيت امير المومنين، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر؟، قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ما يقول لك عمار فاتبعه، فجئتك لذلك.
فقال عمار: تعرف صاحب الرايه السوداء المقابله لى، فانها رايه عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول اللّه(ص)، ثلاث مرات وهذه الرابعه فما هى بخيرهن ولا ابرهن، بل هى شرهن وافجرهن، اشهدت بدرا واحدا ويوم حنين، اوشهدها اب لك فيخبرك عنها؟، قال: لا، قال: فان مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول اللّه(ص)، يوم بدر ويوم احد ويوم حنين، وان مراكز رايات هولاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب، فهل ترى هذا العسكر ى‏ى‏ى‏ى‏ومن فيه؟ واللّه لوددت ان جميع من فيه ممن اقبل مع معاويه يريد قتالنا، مفارقا للذى نحن عليه كانوا خلقا واحدا، فقطعته وذبحته، واللّه لدماوهم جميعا احل من دم عصفور، افترى دم عصفور حراما؟، قال: لا بل حلال، قال: فانهم حلال كذلك، اترانى بينت لك؟، قال: قد بينت لى، قال: فاختر اى ذلك احببت.
فانصرف الرجل، فدعاه عمار ثم قال: اما انهم سيضربونكم باسيافكم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، واللّه ما هم من الحق ما يقذى عين ذباب، واللّه لو ضربونا باسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر، لعلمنا انا على حق وانهم على باطل) (26).
وعمار، اذ يقف هذا الموقف، انما يصغى الى صوت اللّه تعالى يدعوه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين للّه..) «البقره/193».
3-مفهوم الفتنه، والعجز عن الوقوف مع الحق
قال تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى الا فى الفتنه سقطوا) «التوبه/49».
جرت على السنه بعض الباحثين، قديما وحديثا، مقوله ان هذه الاحداث، كانت فتنه لا يدرى المرء فيها وجه الخطا من الصواب او الحق من الباطل، وكلمه (الفتنه)، هنا، بمعنى انعدام القدره على التمييز.
وهذه الحاله، اى انعدام القدره على التمييز، قد تكون نابعه من قدره الشخص نفسه وضميره ومعارفه، او من الظروف الملتبسه بالاحداث كان تكون احداثا ومعارك لا تعرف الهويه الحقيقيه لابطالها ولا تاريخهم الشخصى او تاريخهم العام، ولا يمكن معرفه تسلسل الوقائع التى قادت الى هذه اللحظه.
واعتقد ان هذا الكلام لا ينطبق بحال على هذه الكارثه الفاجعه، او على مجموعه الكوارث التى حلت بامه محمد(ص)، فلا يبقى الا ان نقول ان عدم وضوح الرويه انما هو نابع من الحاله الشخصيه والنفسيه لبعض الاشخاص الذين عجزت نفوسهم وهممهم عن ملاحقه تيار الحق الصامد بقياده امير المومنين على(ع)، فاختاروا موقفا يكون شعاره (ولا تفتنى) وحقيقته كما قال سبحانه وتعالى: (الا فى الفتنه سقطوا).
لم تكن الكارثه الفاجعه التى لحقت بالامه الاسلاميه، فى هذه المرحله من بدايات تاريخها، هينه ولا سهله فقد كانت كارثه انشقاق اولا ثم كارثه ضلال واضلال ثانيا، وقد مارسها ائمه الفتنه والضلال من بنى اميه، اضافه الى ان حادثه الانقسام لم تحدث فى فراغ، وانما شقت معها جسد الامه الوليد الذى لم يكن قد بلغ بعد مرحله النضج، ولا هى جرت فى هدوء وصمت، وانما صاحبها ضجيج وصخب ادى الى التشويش على امام الحق على(ع)، ما ادى الى حاله من الارتياب اصابت الجميع، وليس ادل على هذا من ذلك الرجل التائه الذى راى الفريقين يصلون ويقروون قرآنا واحدا، فاصابته هزه شديده فذهب يسال الامام(ع)، فاحاله على عمار، رضوان اللّه عليه، الذى اجابه اجابه العارف الخبير الذى لا يخدع.
ولكن من اين للامه بمثل عمار او مالك الاشتر او ابو الهيثمى التيهان، هولاء الخلص من اصحاب محمد(ص)، الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه وعملوا بوصيته الخالده: (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
4-التحكيم: خديعه الذين جعلوا القرآن عضين
وتلبس ابليس (الذين جعلوا القرآن عضين) قال تعالى: (كما انزلنا على المقتسمين× الذين جعلوا القرآن عضين) «الحجر/90-91».
الفتنه تبلغ مداها، والهزيمه على وشك ان تحل بجيش الرده الاموى، يتفتق ذهن الوزير الاول عن مكيده يكيد بها الامه ويشق صفها ويذهب ريحها، وبهذا يتحقق له من داخل الصف المسلم ما فشل فى تحقيقه، طوال قرابه عشرين عاما، من المواجهه المسلحه مع الرسول الاكرم(ص)، قبيل ادعائه الاسلام.
ولنرجع الى تاريخ الطبرى.
(لما راى عمرو بن العاص ان امر اهل العراق قد اشتد وخاف الهلاك، قال لمعاويه: هل لك فى امر اعرضه عليك لا يزيدنا الا اجتماعا ولا يزيدهم الا فرقه؟، قال: نعم.
قال: نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم، فان ابى بعضهم وجدت فيهم من يقول: بلى ينبغى ان نقبل، فتكون فرقه تقع بينهم، وان قالوا: بلى نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب الى اجل وحين.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب اللّه عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور اهل الشام بعد اهل الشام؟ ومن لثغور اهل العراق بعد اهل العراق؟ فلما راى الناس المصاحف قد رفعت قالوا: نجيب الى كتاب اللّه عز وجل وننيب اليه) (27).
وهنا لا بد لنا من وقفه مع قضيه التحكيم، رغم كونها ليست قضيه اساسيه فى هذا البحث، وانما نعرض لها فى اطار بحث رويه الامويين للاسلام وحقيقه موقفهم من كتاب اللّه، عز وجل، وما ورد فيه من احكام ومن ثم طبيعه دولتهم التى قامت بعد هذا من خلال هذه الرويه.
ثم نعرض موقف ائمه الحق من آل محمد، عليهم السلام، من هذه الدوله من خلال ثوره الامام الشهيد الحسين(ع)،.
فها هو عمرو بن العاص يعلن الغرض الحقيقى لطلاب التحكيم، فيقول: ان عرض التحاكم لكتاب اللّه عز وجل امر يراد به تفريق الصف المسلم، او الكيان الشرعى للامه المتجمع خلف امام الامه على بن ابى طالب(ع)، وزياده توحد الفئه الباغيه او حزب الشيطان، فماذا بعد الحق الا الضلال؟ ترى كيف كان موقف ابى جهل او ابى سفيان، من ائمه الكفر والضلال، من وحده الصف المسلم ومن القياده الشرعيه للامه؟ هل كان اى من هولاء يحلم بان يحقق ما حققه معاويه وعمرو؟ ولكن هذه المره يحاربون الاسلام بالسلاح نفسه الذى انتصر به على معسكر الشرك فى الجوله الاولى، ولكن هذه المره بعد ان جعله ابن ابى سفيان وابن العاص (عضين)، اى مزقا وهزوا.
ثم نرى ونسمع، بعد ذلك، من يحاول ويزعم ويدعى ان الدوله الامويه كانت تمثل امتدادا للشرعيه التى جاء بها رسول اللّه(ص).
او يقول قائل: ان الحسين(ع) قتل بسيف جده رسول اللّه(ص)، هل كان الرسول على الباطل؟! وهل جاء الرسول بقرآن يتخذه معبرا ليجلس على اجساد المسلمين وينعم باموالهم؟! ام انه(ص) كان كما قال عنه ربنا عز وجل: (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128» وقوله تعالى: (هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه) «الجمعه/2».
ونعود الى تاريخ الطبرى لنسمع رد الامام على(ع)، على هذا العرض المخادع، فلو كان القوم اصحاب ديانه حقا فلماذا لم يدخلوا فى طاعه امام الحق؟! ولماذا استباحوا قتال من لا يحل قتاله من النساء والاطفال ولو كانوا مشركين؟!، فاى مصداقيه لطلبهم التحاكم الى كتاب اللّه؟ فكان رده(ع): (عباد اللّه، امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فان معاويه وعمرو بن العاص وابن ابى معيط وحبيب بن مسلمه وابن ابى سرح والضحاك بن قيس ليسوا باصحاب دين ولا قرآن، انا اعرف بهم منكم، قد صحبتهم اطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال، ويحكم انهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها.
وما رفعوها لكم الا خديعه ودهنا ومكيده، فقالوا له: ما يسعنا ان ندعى الى كتاب اللّه عز وجل فنابى ان نقبله، فقال لهم: فانى انما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فانهم قد عصوا اللّه عز وجل ونسوا عهده ونبذوا كتابه) (28).
وهكذا وقعت الكارثه والفتنه، حيث امتنعت الرويه الصائبه على اكثر المسلمين وصار الناس فى حيره، وصدق اللّه عز وجل: (مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم وتركهم فى ظلمات لا يبصرون) «البقره/17»، واى ظلمه اشد من العجز عن ادراك الطريق، صراط اللّه المستقيم ونهج الرسول وائمه الحق.
اسباب قبول التحكم
لا بد لنا من تامل هذه المرحله المفصليه فى تاريخ الامه، فنسال: لماذا قبل الامام على(ع)، التحكيم فى نهايه المطاف؟، ولماذا لم يصر على مواصله القتال حتى القضاء على راس الافعى الامويه؟ فاذا قيل: ان الناس خذلوه، قالوا: اليس هولاء هم الشيعه الذين خذلوا الحسين(ع) بعد ذلك؟! لا سبيل امامنا سوى مواصله قراءه النص التاريخى حتى تتضح الحقيقه لكل ذى عينين.
ينقل لنا ابن ابى الحديد، عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم، قال: (انه لما كان يوم الثلاثاء، عاشر شهر ربيع الاول، سنه سبع وثلاثين، زحف امير المومنين على(ع) بجيشه، وخرج رجل من اهل الشام فنادى بين الصفين: يا ابا الحسن ابرز الى، فخرج اليه على عليه السلام فقال: ان لك يا على لقدما فى الاسلام والهجره، فهل لك فى امر اعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء؟، قال: وما هو؟، قال: ترجع الى عراقك فنخلى بينك وبين العراق، ونرجع نحن الى شامنا فتخلى بيننا وبين الشام، فقال على(ع): قد عرفت ما عرضت، ان هذه لنصيحه وشفقه، ولقد اهمنى هذا الامر واسهرنى، وضربت انفه وعينه فلم اجد الا القتال او الكفر بما انزل اللّه على محمد.
ان اللّه، تعالى ذكره، لم يرض من اوليائه ان يعصى فى الارض، وهم سكوت مذعنون، لا يامرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال اهون على من معالجه فى الاغلال فى جهنم، قال: فرجع الرجل وهو يسترجع) (29).
امام الامه يتلقى عرضا من مندوب بنى اميه بتقسيم الامه الى قسمين (عراق وشام) هكذا ببساطه شديده، فيكون يومها اسلام عراقى واسلام شامى، واليوم اسلام امريكى، فهل كان بامكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر؟.
التهب القتال، ودارت آله الحرب فى ما عرف بليله الهرير، وتشاور ابن آكله الاكباد وابن النابغه حول الورقه الاخيره للخروج من الهزيمه المروعه، فلم يجد الشيطان اجدى ولا انجح من الاستهزاء بكتاب اللّه وادعاء التحاكم اليه، كما صرح هو بذلك.
ولما اصبح الصبح، نظر عسكر العراق الى عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد ربطت فى اطراف الرماح.
(قال ابو جعفر وابو الطفيل: استقبلوا عليا بمئه مصحف، ووضعوا فى كل مجبنه مائتى مصحف فكان جميعها خمسمئه مصحف) (30).
كان هذا هو الحال على المستوى السياسى، وسنقرا بعد هذا بعض ردود افعال من كانوا فى صف الامام على(ع)، لنعرف حقيقه هولاء (الشيعه المزعومين).
اما على المستوى العسكرى، فيروى نصر بن مزاحم: (وكان الاشتر، صبيحه ليله الهرير، قد اشرف على عسكر معاويه، عندما جاءه رسول الامام على(ع)، ان ائتنى، فقال: ليس هذه بالساعه التى ينبغى لك ان تزيلنى عن موقفى، انى قد رجوت الفتح فلا تعجلنى، فرجع يزيد بن هانى‏ء الى على(ع) فاخبره، فما هو الا ان انتهى الينا حتى ارتفع الرهج وعلت الاصوات من قبل الاشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لاهل العراق، ودلائل الخذلان والادبار على اهل الشام، فقال القوم لعلى: واللّه ما نراك امرته الا بالقتال! قال: ارايتمونى ساررت رسولى اليه؟ اليس انما كلمته على رووسكم علانيه وانتم تسمعون؟، قالوا: فابعث اليه ان ياتيك، والا فواللّه اعتزلناك! فقال: ويحك يا يزيد قل له: اقبل فان الفتنه قد وقعت، فاتاه فاخبره، فقال الاشتر: ابرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم، قال: واللّه الا ترى الى الفتح! الا ترى الى ما يلقون! الا ترى الى الذى يصنع اللّه لنا؟ اينبغى ان ندع هذا وننصرف عنه! قال له يزيد: اتحب انك ظفرت هاهنا وان امير المومنين بمكانه الذى هو فيه يسلم الى عدوه! قال: لا واللّه لا احب ذلك، قال: فافهم قد قالوا له، وحلفوا عليه، لترسلن الى الاشتر فلياتينك او لنقتلنك باسيافنا كما قتلنا عثمان، او لنسلمنك الى عدوك.
فاقبل الاشتر حتى انتهى اليهم وقال: يا امير المومنين احمل الصف على الصف تصرع القوم، فتصايحوا: ان امير المومنين قد قبل الحكومه، ورضى بحكم القرآن، فقال الاشتر: ان كان امير المومنين(ع) قد قبل ورضى فقد رضيت، فاقبل الناس يقولون: قد رضى امير المومنين، قد قبل امير المومنين، وهو ساكت لا ينطق بكلمه، مطرق الى الارض.
ثم قام فسكت الناس كلهم، فقال: ان امرى لم يزل معكم على ما احب الى ان اخذت منكم الحرب، وقد واللّه اخذت منكم وتركت، واخذت من عدوكم ولم تترك، وانها فيكم انكى وانهك، الا انى كنت امس امير المومنين فاصبحت اليوم مامورا، وكنت ناهيا فاصبحت منهيا، وقد احببتم البقاء وليس لى ان احملكم على ما تكرهون، ثم قعد) (31).
هل بعد هذا يقال: ان امير المومنين(ع) كان راضيا؟ وهل كان بامكانه سلام اللّه عليه اجبارهم على النهوض لقتال الظالمين؟ ولو كان اجبار الناس على الاستجابه للامر الالهى من مهام الرسل والانبياء والائمه، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالى:(ياايها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا فى سبيل اللّه اثاقلتم الى الارض) «التوبه/38» ولما فر من فر من المسلمين من اصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم(ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) «التوبه/25» ولما فروا يوم احد(ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) «آل عمران/155».
وان لم نكن فى صدد تحقيق تاريخ بعض روساء العشائر الذين كانوا مع الامام على، تفصيلا، فاننا نكتفى بان نورد ما قاله الدكتور طه حسين فى كتابه (على وبنوه): (واكبر الظن ان بعض الروساء، من اصحاب على، لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم، ولم يكونوا ينصحون له، لانهم كانوا اصحاب دنيا لا اصحاب دين، وكانوا يندمون، فى دخائل انفسهم، على تلك الايام الهينه اللينه التى قضوها ايام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والاقطاع.
ويجب ان نذكر، ايضا، ان عليا لم ينهض الى الشام باهل الكوفه وبمن تابعه من اهل الحجاز وحدهم، وانما نهض كذلك بالوف من اهل البصره، كان منهم من وفى له يوم الجمل وكان منهم من اعتزل الناس فى ذلك اليوم ايضا، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحه والزبير) (32).
لم يكن هولاء، اذا، من الشيعه ولا من العارفين بفضل آل بيت محمد عامه والامام على خاصه والا لما هددوا بقتله، او تسليمه الى ابن آكله الاكباد كما اسلفنا.
ولسنا نجد ما يصف هولاء ابلغ من كلمات الامام(ع) مخاطبا اياهم: (اما والذى نفسى بيده ليظهرن هولاء القوم عليكم، ليس لانهم اولى بالحق منكم، ولكن لاسراعهم الى باطل صاحبهم، وابطائكم عن حقى، ولقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت اخاف ظلم رعيتى.
استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، واسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، اشهود كغياب وعبيد كارباب! اتلوا عليكم الحكم فتنفرون منها، واعظكم بالموعظه البالغه فتتفرقون عنها، واحثكم على جهاد اهل البغى فما آتى على آخر قولى حتى اراكم متفرقين ايادى سبا.
ترجعون الى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم.
اقومكم غدوه وترجعون الى عشيه، كظهر الحنيه عجز المقوم واعضل المقوم.
ايها القوم، الشاهده ابدانهم الغائبه عنهم عقولهم، المختلفه اهواوهم المبلى بهم امراوهم، صاحبكم يطيع اللّه وانتم تعصونه، وصاحب اهل الشام يعصى اللّه وهم يطيعونه! لوددت واللّه ان معاويه صارفنى بكم صرف الدينار بالدرهم، فاخذ منى عشره منكم واعطانى رجلا منهم) (33).
وهكذا سارت امور هذه الامه المنكوبه، امر الباطل يعلو وامر الحق يهبط، اجتماع على الباطل والدنيا فى معسكر الشام وتفرق عن الحق فى المعسكر المقابل حتى بلغ الكتاب اجله، ففاض الكيل وطف الصاع، حتى قتل الامام(ع)، على يد اشقاها ابن ملجم المرادى.
وهكذا غاب عن الحضور ولا نقول عن الوجود شمس هذه الامه بعد رسولها.. الامام على(ع)، اول من اسلم واول من صلى خلف رسول اللّه، صلى اللّه عليه وآله وسلم، وباب مدينه علم رسول اللّه، وهكذا صار المشروع الاموى، قاب قوسين او ادنى من التحقق.
هدنه فى صراع يمتد قرونا
بويع للامام الحسن(ع)، بالخلافه، بعد استشهاد امير المومنين على(ع)، عام (40هر661م).
وقد زاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولم يعد للقوم صبر ولا رغبه فى قتال القاسطين.
احب القوم الحياه ورغبوا فيها، يستوى لديهم ان يكون قائدهم عليا او معاويه، بل لعل معاويه اصلح لدنيا بعض الذين لم يعد لهم الا الحياه الدنيا.
امر القائد الجديد جيشه واتباعه بان يستعدوا للقتال فخطبهم قائلا: (اما بعد، فان اللّه كتب الجهاد على خلقه، وسماه كرها، ثم قال لاهل الجهاد من المومنين: اصبروا ان اللّه مع الصابرين.
فلستم، ايها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون.
اخرجوا رحمكم اللّه الى معسكركم بالنخيله حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا.
قال: وانه فى كلامه ليتخوف خذلان الناس له، قال: فسكتوا فما تكلم منهم احد، ولا اجابه بحرف.
فلما راى ذلك عدى بن حاتم، قام فقال: انا ابن حاتم! سبحان اللّه! ما اقبح هذا المقام الا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم! اين خطباء مضر الذين السنتهم كالمخاريق فى الدعه؟! فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب، اما تخافون مقت اللّه ولا عيبها وعارها؟!) (34).
يتضح، من طبيعه خطاب الامام الحسن(ع) للقوم، واستخدامه لهذه العبارات: (ان اللّه فرض القتال وسماه كرها) و(لستم نائلون ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون) ثم حاله الصمت التى انتابت الناس، ان الهزيمه النفسيه قد اصابتهم ولم تعد بهم رغبه فى جهاد ولا بذل ولا تضحيه، فقد جربوا الدنيا وحلاوتها وباتوا يريدونها، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه وخاصه روسائهم فى ظل العدل، وانما اشرابت نفوسهم الى بنى اميه قاده المرحله القادمه، ومنظرو الاسلام الاموى الذى كان المقدمه الطبيعيه لكل الانحرافات واصناف الشذوذ التى عانت منها الامه المسلمه وصولا للاسلام الامريكى.
نعود الى النص التاريخى فنقرا: (قال عدى بن حاتم ما قال، ثم اعلن توجهه الى معسكر القتال.
وقام قيس بن سعد بن عباده ومعقل بن قيس الرياحى فقالوا مثل ما قال عدى بن حاتم وتحركوا الى معسكرهم.
ومضى الناس خلفهم متثاقلين.
وعبا الامام الحسن(ع)، جيشه ثم خطبهم (فقال: الحمد للّه كلما حمده حامد، واشهد الا اله الا اللّه كلما شهد له شاهد، واشهد ان محمدا رسول اللّه، ارسله بالحق، وائتمنه على الوحى، صلى اللّه عليه وآله.
اما بعد، فواللّه انى لارجو ان اكون بحمد اللّه ومنه، وانا انصح خلقه لخلقه، وما اصبحت محتملا على مسلم ضغينه، ولا مريدا له بسوء ولا غائله.
الا وان ما تكرهون فى الجماعه خير لكم مما تحبون فى الفرقه، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا امرى ولا تردوا على رايى.
غفر اللّه لى ولكم، وارشدنى واياكم لما فيه محبته ورضاه، ان شاء اللّه، ثم نزل.
قال: فنظر الناس بعضهم الى بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال، قالوا: نظنه يريد ان يصالح معاويه، ويكل الامر اليه، كفر واللّه الرجل! ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبداللّه بن جعال الازدى فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقى جالسا متقلدا سيفا بغير رداء، فدعا بفرسه فركبه.... فلما مر فى مظلم ساباط، ى‏ى‏ى‏ى‏قام اليه رجل من بنى اسد، فاخذ بلجام فرسه، وقال: اللّه اكبر، يا حسن، اشرك ابوك، ثم اشركت انت.
وطعنه بالمعول، فوقعت فى فخذه، فشقه حتى بلغت اربيته،... وحمل الحسن(ع)، على سرير الى المدائن...) (35).
هكذا كانت الصوره، وهى لا تحتاج الى مزيد من الايضاح والتعليق، معاول الفتنه والهدم تضرب جسد الامه من كل جانب.
الامراض الفكريه والاخلاقيه تنهش فيها وقد اجتمع الدعاه الى دوله القرده والخنازير على كلمه سواء، هى هدم دوله ائمه الحق من آل محمد بكل ما لديهم من وسائل الاقناع والتشويه والتمويه والاغراء والاغتيال والفساد.
والان لا مفر من هدنه، والصراع سيمتد قرونا وقرونا ولم يات بعد اوان حسم الصراع، والمهمه العاجله امام ائمه الحق من آل محمد فى هذه اللحظه هى امامه الخط الالهى الربانى داخل جسد الامه والحفاظ على من يمثلون هذه الرويه لينقلوها الى من بعدهم، لا اهلاكهم فى جوله صراع معلومه النتائج سلفا.


توقيع : الجمال الرائع
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم
رد مع اقتباس