عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/12/31, 10:50 AM   #1
السيد احمد الغالبي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4419
تاريخ التسجيل: 2016/02/22
المشاركات: 66
السيد احمد الغالبي غير متواجد حالياً
المستوى : السيد احمد الغالبي is on a distinguished road




عرض البوم صور السيد احمد الغالبي
افتراضي القدس ضحية التخاذل

تعتبر القدس من أقدس البقاع في العالم وأشرفها، ولها من الأهمية والشرفية والمكانة الرفيعة ما لا يعد بالعدد لأنه ليس من المعدود ولا يكال بالكيل لأنه ليس من المكيل ولايوزن بالوزن لأنه ليس من الموزون ، ولها من القداسة ما خفي على الكثير من الناس ، وإذ انها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومهد الأديان ومزار الأنبياء ومرآة الحضارات الدينية المتلاحقة، ولها في الإسلام تأريخ عميق ومنزلة عظمى ، حيث قال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فمنها عُرج بالنبي الأكرم الى السماوات العلا في حادثة الإسراء والمعراج حتى دنى فتدلى ، ولذا يرتبط بها المسلمون إرتباطا عقائديا وثيقا متجذرا من الدين والرسالة الإسلامية ، وإذ انها تمثل رمزا عظيما من رموز الإسلام الباسقة ذات الطلع النضيد.

ولا أريد الخوض في بيان تأريخ القدس أو مكانتها في الإسلام في هذا المقام فيكفي أنها مهوى القلوب ، وثراها يحتضن ذلك التأريخ المشرف ويتكلّل بالقداسة وإن كان يشكو الزمان بما جرى عليه من النكبات ويلفظ أحشاء الألم ، ولكن يحق للأجيال الناشئة أن تتسائل عن الأسباب التي وقفت خلف المحصلة المأساوية التي وصلت اليها القدس في السنين المتأخرة ولاسيما القرار المشؤوم ، والذي تجسّدت فيه كل معالم الإستهتار العالمي، وقد تم إستنكاره من قبل الكثير من الدول والمؤسسات والشخصيات ، وصدر بيان إدانة و إستنكار من المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله) والذي جاء فيه : (ان هذا القرار مدان ومستنكر، وقد اساء الى مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين، ولكنه لن يغير من حقيقة ان القدس ارض محتلة يجب ان تعود الى سيادة اصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن ، ولا بد ان تتضافر جهود الامة وتتحد كلمتها في هذا السبيل والله ولي التوفيق) ، ذلك لتجسّد صوت الضمير الحي في حنجرة الأمة الإسلامية ، ولتيقظ الأمة من سباتها الذي طال مداه وكثر صداه ، بل اصبح سباتهم معشوقهم الوحيد الذي ليس لديهم سواه.

وليس بالضرورة أن نبحث عن فلسفة ذلك القرار المشؤوم بقدر ما يجب تسليط الضوء على أحد أهم الأسباب في هذا الصدد وهو تخاذل العرب والمسلمين منذ العشرات من السنين والأعوام المنصرمة عن الحفاظ على قدسية القدس ومكانة بيت المقدس، فهم تخاذلوا عن بعضهم البعض بما يكفي لتشجيع صدور تلك الإنتهاكات المتعاقبة ، وبعد صدورها تجدهم يجتمعون بيد أنهم في الحقيقة يتفرقون ، وتراهم من بعضهم يقتربون وهم في الواقع عن بعضهم يتباعدون ، وترى أيديهم تتصافح وسيوفهم تتبارز، يسترقون السمع ويغضون البصر ، تتحرك ألسنتهم وشفاههم في المؤتمرات وصوتهم لا يكاد يسمع إلا همسا ، فالأجسام حاضرة والقلوب غائبة ، والإبتسامة ظاهرة والضغينة خافية ، حتى آلت الأمور الى ما آلت اليه، وجرت الأحول الى ما تحوّلت اليه وهم يقرأون قوله تعالى : (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) !.

إن الأمم إنما تحيى بالوحدة ، وتتقارب بالألفة ، وتتعاون بالمحبة ، وتتقدم بالعمل ، وتزدهر بالإبداع ، وتتطور بالفكر ، فأنى للأمة العربية والإسلامية من كل هذه المبادىء؟ ، وهي بذلك أولى وأحق من غيرها لأن الله تعالى قد منّ عليها بخاتم الإنبياء محمد -صلى الله عليه وآله- وبأهل البيت العلماء الخالدون بعلمهم المعطاء والشامخون بفكرهم الوضاء ، وبالقرآن الذي هو خير دستور أنزله الله تعالى للإنسانية أجمع، فإنهم لطالما بذلوا للإنسانية جهودا كبيرة حتى دغدغت رائحة شذى تعاليمهم السامية أنوف الجبابرة ، فهم لم يتركوا مافيه خير للناس إلا وطأوه برونق إرشاداتهم الوهاجة ، وإن أزهار منهجهم القويم نبتت في الضمائر و القلوب رغبة وعنوة كي تفتت تلك الطبقات الصخرية المتكلسة على القلوب ، حتى أشرقت الشمس في النفوس، وبان نور القمر في قزحيات العيون، أبعد كل تلك الجهود ؟! فلم هذا التخاذل؟! .

فلابدّ من أن تتظافر الجهود وتتوحد الكلمة لإرجاع القدس الى مكانتها التي كانت عليها ، ولابدّ للقيود أن تنكسر حتى يستجيب القدر ، فالسلاسل التي قيّدت الأمة أوهن من بيت العنكبوت ولكن الأمة الإسلامية بتنازلها عن وحدتها وبسكرها في غفلتها صارت أوهن منها وهذا مما لاريب فيه و لا غبار عليه، فلا محيص للأمة الاسلامية إن أرادت تحقيق أهدافها من توحيد الكلمة ، وحقيق عليها توحيد الهدف وتزويق الجهود نحو بوصلة واحدة ، ولابدّ من الترفع عن إختلاف المصالح لأجل هدف أسمى.

الكاتب : مهند السهلاني


hgr]s qpdm hgjoh`g hgr]s



رد مع اقتباس