الموضوع: الغرور
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020/06/27, 07:52 AM   #2
ابراهيم علي عوالي العاملي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 5752
تاريخ التسجيل: 2020/05/02
المشاركات: 21
ابراهيم علي عوالي العاملي غير متواجد حالياً
المستوى : ابراهيم علي عوالي العاملي is on a distinguished road




عرض البوم صور ابراهيم علي عوالي العاملي
افتراضي

فصل

(ذم الغرور)

الغرور والغفلة منبع كل هلكة وام كل شقاوة، ولذا ورد فيه الذم الشديد في الآيات والأخبار، قال الله ـ سبحانه ـ :

" فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور "[2]. وقال عز وجل " ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور "[3].

وقال رسول الله (ص): " حبذا نوم الاكياس وفطرهم، كيف يغبنون سهر الحمقى واجتهادهم، ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين افضل من ملء الأرض من المغترين ". وقال الصادق (ع): " المغرور في الدنيا مسكين، وفي الآخرة مغبون، لانه باع الافضل بالادنى، ولا تعجب من نفسك، فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك ان لعلك تبقى. وربما اغتررت بطول عمرك واولادك واصحابك لعلك تنجو بهم. وربما اغتررت بجمالك ومنيتك واصابتك مأمولك وهواك، فظننت انك صادق ومصيب. وربما اغتررت بما ترى من الندم على تقصيرك في العبادة، ولعل الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك. وربما اقمت نفسك على العبادة متكلفا والله يريد الاخلاص. وربما افتخرت بعلمك ونسبك، وانت غافل عن مضمرات ما في غيب الله تعالى. وربما توهمت انك تدعو الله وانت تدعو سواه. وربما حسبت انك ناصح لخلق وانت تريدهم لنفسك ان يميلوا إليك. وربما ذممت نفسك وانت تمدحها على الحقيقة "[4].

فصل

(طوائف المغرورين)

اعلم ان فرق المغترين كثيرة، وجهات غرورهم ودرجاته مختلفة، وما من طائفة في العالم مشتركين في وصف مجتمعين على امر، إلا ويوجد فيهم فرق من المغترين. إلا ان بعض الطوائف كلهم مغترون، كالكفار والعصاة والفساق، وبعضهم يوجد فيهم المغرور وغير المغرور، وان كان معظم كل طائفة ارباب الغرور. ونحن نشير إلى مجاري الغرور، وإلى غرور كل طائفة ليتمكن طالب السعادة من الاحتراز عنه، إذ من عرف مداخل الآفات والفساد ومجاريهما يمكنه ان يأخذ منها حذره، ويبنى على الجزم والبصيرة أمره. فنقول:

الطائفة الأولى

(الكفار)

وهم المغرورون بأسرهم، وهم ما بين من غرته الحياة الدنيا، وبين من غره الشيطان بالله. واما الذين غرتهم الحياة الدنيا، فباعث غرورهم قياسان نظمهما الشيطان في قلوبهم: (اولهما) ان الدنيا نقد والآخرة نسيئة، والنقد خير من النسيئة. (وثانيهما) ان لذات الدنيا يقينية ولذات الآخرة مشكوكة فيها، واليقيني خير من المشكوك، فلا يترك به. وهذه اقيسة فاسدة تشبه قياس إبليس، حيث قال:

" أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "[5].

وعلاج هذا الغرور ـ بعد تحصيل اليقين بوجود الواجب تعالى وبحقية النبي (ص)، وهو في غاية السهولة لوضوح الطرق والادلة ـ اما ان يتبع مقتضى ايمانه ويصدق الله تعالى في قوله:

" ما عندكم ينفد وما عند الله باق "[6]. وفي قوله تعالى: " والآخرة خير وأبقى "[7]. قوله: " وما عند الله خير وأبقى "[8]. وقوله: " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور "[9]. وقوله تعالى: " ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور "[10].

واما ان يعرف بالبرهان فساد القياسين، حتى يزول عن نفسه ما تأديا إليه من الغرور. وطريق معرفة الفساد في (القياس الأول): ان يتأمل في ان كون الدنيا نقد والآخرة نسيئة صحيح، إلا ان كون نقد خيرا من النسيئة غير صحيح، بل هو محل التلبيس، إذ المسلم خيرية النقد على النسيئة ان كان مثلها في المقدار والمنفعة والمقصود والبقاء، واما ان كان اقل منها في ذلك وادون، فالنسيئة خير، إلا ترى ان هذا المغرور إذا حذره الطبيب من لذائذ الاطعمة يتركها في الحال خوفا من الم المرض في الاستقبال ويبذل درهما في الحال ليأخذ درهمين نسيئة، ويتعب في الاسفار ويركب البحار في الحال لأجل الراحة والربح نسيئة. وقس عليه جميع أعمال الناس وصنائعهم في الدنيا: من الزراعة والتجارة والمعاملات، فانهم يبذلون فيها المال نقدا ليصلوا إلى اكثر منه نسيئة، فان كان عشرة في ثاني الحال خيرا من واحد في الحال، فأنسب لذة الدنيا من حيث الشدة والمدة والعدة إلى لذة الآخرة من هذه الحيثيات، فان من عرف حقيقة الدنيا والآخرة، يعلم انه ليس للدنيا قدر محسوس بالنسبة إلى الآخرة، على ان لذة الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات، ولذات الآخرة صافية غير ممتزجة بشيء من المكدرات.

واما طريق معرفة فساد (القياس الثاني) بأصليه: هو ان يعرف ان كون لذات الآخرة مشكوكا فيها خطأ، وان كل يقيني خير من المشكوك غلط: (اما الأول) فلأن الآخرة يقينية قطعية عند أهل البصيرة. وليقينهم مدركان:

ـ أحدهما ـ ما يدركه عموم الخلق، وهو اتفاق عظماء الناس من الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء، فان ذلك يورث اليقين والطمأنينة بعد التأمل، كما ان المريض الذي لا يعرف دواء علته إذا اتفق جميع ارباب الصناعة على ان دواءه كذا، فانه تطمئن نفسه إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين، بل يثق بقولهم ويعمل به، وان كذبهم صبي أو معتوه أو سوادي، ولا ريب في ان المنكرين للآخرة المغترين بالحياة الدنيا من الكفار والبطالين بالنظر إلى المخبرين عن أحوال الآخرة والمشاهدين لها من الأنبياء والأولياء ادون حالا واقل رتبة من صبي أو معتوه أو سوادي بالنظر إلى اطباء بلد أو مملكة.

ـ وثانيهما ـ مالا يدركه إلا الأنبياء والأولياء، وهو الوحي والالهام، فالوحي للأنبياء والالهام والكشف للاولياء فانه قد كشفت لهم حقائق الأشياء كما هي عليها، وشاهدوها بالبصيرة الباطنة كما تشاهد انت المحسوسات بالبصر الظاهر، فيخيرون عن مشاهدة لا عن سماع وتقليد، ولا تظنن ان معرفة النبي (ص) لأمر الآخرة ولامور الدين مجرد تقليد لجبرئيل بالسماع منه، كما ان معرفتك لها تقليد للنبي، هيهات! فان الأنبياء يشاهدون حقائق الملك والملكوت، وينظرون إليها بعين البصيرة واليقين، وان اكد ذلك بالقاء الملك والسماع منه.

واما المغرورون بالله، وهم الذين يقدرون في انفسهم ويقولون بألسنتهم، ان كان لله معاد فنحن فيه اوفر حظا واسعد حالا من غيرنا، كما اخبر الله ـ سبحانه ـ عن قول الرجلين المتحاورين، إذ قال:

" وما أظن الساعة قائمةً ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً "[11].

وباعث ذلك: ما ألقى الشيطان في روعهم من نظرهم مرة إلى نعم الله عليهم في الدنيا فيقيسون عليها نعمة الآخرة، وينظرون إلى تأخير الله العذاب عنهم فيقيسون عليه عذاب الآخرة، كما قال الله ـ تعالى ـ:

" ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير "[12].

ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء محتاجون، فيقولون؛ لو احبهم الله لاحسن إليهم في الدنيا ولو لم يحبنا لما احسن الينا فيها، فلما لم يحسن إليهم في الدنيا واحسن الينا فيها فيكون محبا لنا ولا يكون محبا لهم، فيكون الأمر في الآخرة كذلك، كما قال الشاعر:

كما احسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي

ولا ريب في أن كل ذلك خيالات فاسدة وقياسات باطلة، فان من ظن ان النعم الدنيوية دليل الحب والاكرام فقد اغتر بالله، إذ ظن أنه كريم عند الله، بدليل لا يدل على الكرامة بل يدل عند اولى البصائر على الهوان والخذلان، لأن نعيم الدنيا ولذاتها مهلكات ومبعدات من الله، وان الله يحمي أحباءه في الدنيا كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض لذائذ الاطعمة. ومثل معاملة الله ـ سبحانه ـ مع المؤمن الخالص والكافر والفاسق، حيث يزوي الدنيا عن الأول ويصب نعمها ولذاتها على الثاني، مثل من كان له عبدان صغيران يحب أحدهما ويبغض الاخر، فيمنع الأول من اللعب ويلزمه المكتب ويحبسه فيه، ليعلمه الادب ويمنعه من لذائذ الاطعمة والفواكه التي تضره ويسقيه الادوية البشعة التي تنفعه، ويهمل الثاني ليعيش كيف يريد ويلعب وياكل كل ما يشتهي، فلو ظن هذا العبد المهمل انه محبوب كريم عند سيده لتمكنه من شهواته ولذاته، وان الآخر مبغوض عنده لمنعه عن مشتهياته، كان مغرورا احمق، وقد كان الخائفون من ذوي البصائر إذا اقبلت عليهم الدنيا حزنوا وقالوا: ذنب عجلت عقوبته، وإذا اقبل عليهم الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصحالين! واما المغرورون فعلى خلاف ذلك، لظنهم ان اقبال الدنيا عليهم كرامة من الله وان ادبارها عنهم هوان لهم، كما اخبر الله ـ تعالى ـ عنه بقوله:

" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه رب فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن "[13].

وعلاج هذا الغرور: ان يعرف ان اقبال الدنيا دليل الهوان والخذلان دون الكرامة والإحسان، والتجرد منها سبب الكرامة والقرب إلى الله ـ سبحانه ـ والطريق إلى هذه المعرفة، اما ملاحظة أحوال الأنبياء والأولياء وغيرهما من طوائف العرفاء وفرق الاتقياء، أو التدبر في الآيات والأخبار. قال الله ـ سبحانه ـ

" أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنينٍ، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون "[14]. وقال سبحانه: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون "[15]. وقال ـ تعالى ـ: " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما اتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون "[16]. وقال ـ تعالى ـ: " انما نملي لهم ليزدادوا اثماً "[17].

إلى غير ذلك من الآيات والأخبار.

ومنشأ هذا الغرور: الجهل بالله وبصفاته، فان من عرفه لا يأمن مكره ولا يغتر به بأمثال هذه الخيالات الفاسدة، وينظر إلى قارون وفرعون وغيرهما من الملوك والجبابرة، كيف احسن الله إليهم ابتداء ثم دمرهم تدميرا، وقد حذر الله عباده عن مكره واستدراجه فقال:

" فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون "[18]. وقال: " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين "[19].
يتبع..


رد مع اقتباس