عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/11/16, 06:08 AM   #3
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي

قال فلما سمع السجان كلامهكما بكى بكاء شديداً وأنكب على اقدامهما يقبّلهما وقبل رأسيهما ، وهو يقول نفسي لنفسكما الفداء وروحي لروحكما الوقى با عترة محمد المصطفى ، ثم قال : واسوأتاه غداً من رسول الله صل الله عليه وآله إذا نصب الميزان لفصل القضاء من ذنبي وجرمي ، وما أتيت به على نفسي، وقد ذكر كلام في ندمه ، حتى قال أيها الغلامان إجعلاني في حل من قبل أن أرى عملي ، واؤخذ بجرمي ، فقالا ياسجان ليس عليك ذنب وإنما هو على الطاغي الباغي عبدالله بن زياد عدوالله ورسوله جعلك الله في حل من قبلنا ولا نؤاخذك بما فعلت بنا.

قال فبكى السجان رحمة لهما وفك الأغلال من أعناقهما والقيد من إيديهما وصار يتندم على فعله .

قال : فأغلق السجان عليهما الباب حتى جن الليل فأتى إليهما وفتح الباب وأطلق سبيلهما وأذلق أهل السجن لأجلهما وقال لولدي مسام عليه السلام : امضيا وخدا أي طريق شئتما سيراً بالليل واكمنا في النهار وجدوا في أرض الله وأنا أنجو بنفسي وهذه آخر ليلة يراني فيها ابن زياد وقيل أنه لم ينهزم ولكن قصد منزله واستسلم لأمر الله وقدره.

وقيل أنه قال لهما بعد اعتذاره هذا باب السجن بين يديكما مفتوح ، فخذا أيَّ طريق شئتما ، فلمَّا جنَّهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق ، وقال لهما : سيرا يا حبيبيَّ الليل ، واكمنا النهار حتى يجعل الله عزَّ وجلَّ لكما من أمركما فرجاً ومخرجاً ، ففعل الغلامان ذلك.

��حلول أفول أنوارهم الطاهرة : قال : فلمَّا جنَّهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب ، فقالا لها : يا عجوز ، إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جنَّنا ، أضيفينا سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق.

فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبيَّ ؟ فقد شممت الروائح كلها ، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما ، فقالا لها : يا عجوز ، نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، قالت العجوز : يا حبيبيَّ ، إن لي ختناً فاسقاً ، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن زياد ، أتخوَّف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما ، قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق ، فقال : سآتيكما بالطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا ، فلمَّا ولجا الفراش قال الصغير للكبير : يا أخي ، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه ، فتعال حتى أعانقك وتعانقني ، وأشمَّ رائحتك وتشمَّ رائحتي قبل أن يفرِّق الموت بيننا ، ففعل الغلامان ذلك ، واعتنقا وناما.

فلمَّا كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعاً خفيفاً ، فقالت العجوز : من هذا ؟ قال : أنا فلان ، قالت : ما الذي أطرقك هذه الساعة ، وليس هذا لك بوقت ؟ قال : ويحكِ ، افتحي الباب قبل أن يطير عقلي ، وتنشقَّ مرارتي في جوفي ، جهد البلاء قد نزل بي. قالت : ويحك ، ما الذي نزل بك ؟ قال : هرب غلامان صغيران من عسكر عبيد الله بن زياد ، فنادى الأمير في معسكره : من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم ، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم ، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شيء ، فقالت العجوز : يا ختني ، احذر أن يكون محمد خصمك في يوم القيامة ، قال لها : ويحكِ ، إن الدنيا محرص عليها ، فقالت : وما تصنع بالدنيا ، وليس معها آخرة ؟ قال : إني لأراك تحامين عنهما ، كأن عندك من طلب الأمير شيئاً ، فقومي فإن الأمير يدعوك ، قالت : وما يصنع الأمير بي ؟ وإنما أنا عجوز في هذه البرية ، قال : إنما لي طلب ، افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح ، فإذا أصبحت بكَّرت في أي طريق آخذ في طلبهما.

ففتحت له الباب ، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب ، فلما كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف البيت ، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج ، ويخور كما يخور الثور ، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير ، فقال له : من هذا ؟ قال : أمّا أنا فصاحب المنزل ، فمن أنتما ؟

فأقبل الصغير يحرِّك الكبير ويقول : قم يا حبيبي ، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره ، قال لهما : من أنتما ؟ قالا له : يا شيخ ، إن نحن صدقناك فلنا الأمان ؟ قال : نعم ، قالا : أمان الله وأمان رسوله صلى الله عليه وآله ، وذمة الله وذمة رسوله ؟ قال : نعم ، قالا : ومحمد بن عبدالله على ذلك من الشاهدين ؟ قال : نعم ، قالا : والله على ما نقول وكيل وشهيد ؟ قال : نعم ، قالا له : يا شيخ ، فنحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله ، هربنا من سجن عبيدالله بن زياد من القتل ، فقال لهما : من الموت هربتما ، وإلى الموت وقعتما ، الحمد لله الذي أظفرني بكما قيل أنه لطم أحدهم لطمة شديدة وسالت الدماء حتى كسر بعض أسنانه .

فقام إلى الغلامين فشدَّ أكتافهما ، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين ، فلمَّا انفجر عمود الصبح دعا غلاماً له أسود ، يقال له : فليح ، فقال : خذ هذين الغلامين ، فانطلق بهما إلى شاطىء الفرات ، واضرب عنقيهما ، وائتني برأسيهما لأنطلق بهما إلى عبيدالله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم.

فحمل الغلام السيف ، ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلاَّ غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا أسود ، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذِّن رسول الله صلى الله عليه وآله ! قال : إن مولاي قد أمرني بقتلكما ، فمن أنتما ؟ قالا له : يا أسود ، نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله ، هربنا من سجن عبيدالله بن زياد من القتل ، أضافتنا عجوزكم هذه ، ويريد مولاك قتلنا ، فانكبَّ الأسود على أقدامهما يقبّلهما ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبيِّ الله المصطفى ، والله لا يكون محمد صلى الله عليه وآله خصمي في القيامة ، ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية ، وطرح نفسه في الفرات ، وعبر إلى الجانب الآخر ، فصاح به مولاه : يا غلام! عصيتني ، فقال : يا مولاي ، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فإذا عصيت الله فأنا منك بريء في الدنيا والآخرة.

فدعا ابنه ، فقال : يا بنيّ ، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك ، والدنيا محرص عليها ، فخذ هذين الغلامين إليك ، فانطلق بهما إلى شاطىء الفرات ، فاضرب عنقيهما وائتني برأسيهما ، لأنطلق بهما إلى عبيدالله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، فأخذ الغلام السيف ، ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلاّ غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا شابّ ، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم! فقال : يا حبيبيّ ، فمن أنتما ؟ قالا : من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله ، يريد والدك قتلنا ، فانكبَّ الغلام على أقدامهما يقبّلهما ، وهو يقول لهما مقالة الأسود ، ورمى بالسيف ناحية ، وطرح نفسه في الفرات وعبر ، فصاح به أبوه : يا بنيَّ! عصيتني ، قال : لأن أطيع الله وأعصيك أحبُّ إلي من أن أعصى الله وأطيعك.

قال الشيخ : لا يلي قتلكما أحد غيري ، وأخذ السيف ومشى أمامهما ، فلمّا صار إلى شاطىء الفرات سلَّ السيف من جفنه ، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما ، وقالا له : يا شيخ انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ، ولا ترد أن يكون محمد خصمك في القيامة غداً فقال : لا ، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما إلى عبيدالله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم.

فقالا له : يا شيخ ، أما تحفظ قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : ما لكما من رسول الله قرابة ، قالا له : يا شيخ ، فائت بنا إلى عبيد الله ابن زياد حتى يحكم فينا بأمره ، قال : ما إلى ذلك سبيل إلاّ التقرّب إليه بدمكما ، قالا له : يا شيخ ، أما ترحم صغر سننا ؟ قال : ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئاً ، قالا : يا شيخ ، إن كان ولابدّ فدعنا نصلّي ركعات ، قال : فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة.

فصلّى الغلامان أربع ركعات ، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا : يا حيُّ يا حليم ، يا أحكم الحاكمين ، احكم بيننا وبينه بالحق ، وأنت خير الحاكمين ، ثم بكيا وقالا : عز والله على أبينا أن يرانا بين يديك وسيفك مشهور تريد قتلنا .

فناداه الكبير وقال إذا بلغت عليك شقوتك فابدأ بي قبل أخي لئلا أراه مذبوحاً فيخرج قلبي ويزيد حزني وكربي ، ثم إنهما تعانقا حتى غشي عليهما ، فلما أفاقا نظر كل واحد منهما إلى الاخر وقالا : يا هذا ما أشد بغضك لأهل البيت عليهم السلام وهما يتودعان ، وكان كلما قصد الملعون واحداً منهما قال له أقتلني قبل أخي فإني لا أحب أن أراه قتيلا ، فبينما الصغير كذلك إذ ضرب عنقه ، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة ، وأقبل الغلام الأكبر يتمرَّغ في دم أخيه وهو يقول : حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا مختضب بدم أخي ،وفي نقل آخر قال وهو يتمرغ في دم أخيه وهو ينادي وا أخاه وا قلة ناصراه
واطول حزناه واحسرتاه واغربتاه وايتماه هكذا حتى ألقى الله وأنا متخضب بدم أخي ، ثم إنه بكى بكاءً شديدا وجعل يقول :

حر قلبي عليك ملقى قتيلاً
دمائك سالت في التراب مسيلا

أخي ليت عيني لن تراك معفراً
طريحاً ذبيحاً في التراب غسيلا

أخي وأشجى قلبي عليك وحسرتي
أراك عفيراً في التراب جديلا

أخي ليتني قد كنت قبلك ميتاً
ولم أر منك الرأس كان زميلا

فآه على صنع الزمان بحالنا
وقد غاب لي من في الزمان خليلا

وصرنا كمولانا الحسين بكربلاء
ومثل أبينا يوم مات قتيلا

تقضى زمان حالنا فيه حاليا
فسار أبونا كوفة فاغيلا

ومن بعده كان الحسين يحوطنا
فأكرم بسبط المصطفى كفيلا

فأمسى على شاطئ الفرات مجدلا
وأصحابه إلا علي عليلا

ومن بعده جارت على الآل عصبة
فأبدت على آل النبي ذحولا

فهذا أخي مقطوع رأس فليتني
فداه فلم أنظر إليه قتيلا

إلى الله نشكو عنده ما أصابنا
بيوم يراه الظالمون ثقيلا


توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
رد مع اقتباس