عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/16, 10:14 PM   #62
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

الفوائد المترتبـة على الحـــذف

عندما تجد، أخي القارئ، الحذفَ واقعاً في كلام معهود بالبلاغة فعليك أن تعيره مسمعك، وتحضر له عقلك ولُبّك، فهناك تظهر دقائق البلاغة ومكنون بيانها، وعجيب أسرارها ؛ هناك تجد القولَ البليغ والمعنى الكثير.

إنّ الحذف الواقع في هذا النّصّ القرآني الشريف قد حوى من المعاني الشريفة والأحكام الشرعية ما لا تبلغه عقول الرجال. وسوف نذكر لك شيئاً من غرر تلك الفوائد :

١ - التنبيه على شرف الولاية وعظيم منزلتها، وخطورة أمرها ، ورفعة شأن المستحقين لها وجلالة قدرهم.

وقد جرت العادات ، ودلت الأعراف على أنّ الحَجب والإخفاء لا يكون إلا للشيء النفيس.

٢ - إنزال أولي الأمر منزلة الرسول صلى الله عليه وآله ، حيث جعل ولاية الرسول قاعدةً لولايتهم ، ووجودهم في أوساط المكلفين بعد رحيل الرسول مساوياً لوجود الرسول نفسه ، فهم يماثلونه في الكمالات الإنسانية والفضائل الإيمانية.

وأعظم ما ثبت لأولي الأمر في هذا الإيجاز القرآني الشريف ، العصمة والأعلمية والاصطفاء وجلال المنزلة.

٣ - الإيجاز في هذا الموضع أسلوب حكيم دال على غاية اللطف والرفق في إرشاد المخاطبين وتأليف قلوبهم، فقد تم الحذف مراعاةً لأحوال المخاطبين ومشاعرهم.

إنّ الحذف في هذا النص القرآني الشريف فيه إيحاء إلى أن تكرار ذكر أولي الأمر قد يوقِعُ في نفس المخاطب الكراهية والضجر، فيكون ذلك سبباً لنفوره وإعراضه عن الخطاب والعمل بما جاء فيه ، نظراً لما في النفوس البشرية من غرائز حب الذات والطمع في الرئاسات والملك والسلطان.

أما سمعتم مقالة أولئك الذين قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ؟
انطلقوا إلى الآية رقم 247 من سورة البقرة لتجدوا مقالة أولئك القوم وكيفية تعاملهم مع البلاغ الذي جاء به نبيهم !.

الدنيا مليئة بالأحقاد والنوايا الشريرة إلا ما رحم ربي.


إنّ الحذف هنا مُستحسَن مقبول ، ووجه الحسن فيه أنه وجّهَ خطاباً منصفاً للجميع، للطرفين معاً الأئمة والمأمومين.

فمن ناحية ، ضمن عدم تكرار أولي الأمر في الخطاب تلطّفاً مع المخاطب وترغيباً له واستدعاء مودته ، وتأكيد المبالغة في نصحه.
ومن ناحية أخرى، أنزل أولي الأمر منزلة الرسول، تشريفاً لهم وتعظيماً لمقامهم ، فرفعهم مكاناً عليّاً.

٤ - الحذف بيانٌ مكنون ومعنىً خفيّ محجوب ، لا يعقله إلا الراسخون في العلم، هو المصداق الأتمّ للأثر المشهور : ( إنّ من البيان لسحراً ).

يقول واضع علم المعاني ، العلّامة عبدالقاهر الجرجاني :

(الحذف باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنّك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبِنْ، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر ).
( دلائل الإعجاز - عبدالقاهرالجرجاني ).

نقول : إنّ الحذف الذي بين أيدينا هو أفضل مثال تطبيقي يؤكد صحة ما حكاه العلامة الجرجاني ؛ فاحرص عليه أخي القارئ الكريم.

إذ أنّه - الحذف - بلطيف مأخذه، ودقة مسلكه، وعجيب أمره، أفاد المقصود وزاد على الإفادة؛ أثبت لأولي الأمر من الفضائل والخصائص والمقامات ما لو تم تأليفه وتحقيقه لكان سِفراً خالداً ينهل منه الضامئون ويهتدي به الحائرون.
وقد قيل : رُبّ حذفٍ هو قلادة الجيد وقاعدة التجويد.

الحذف في هذا الموضع أبلغ من الذكر وأفصح، لأنّ دلالته المعنوية قد استغرقَت ثلث آيات القرآن الكريم تقريباً.

فالكثير من آي الذكر الحكيم الدالة على جلالة قدر الرسول صلى الله عليه وآله، وتعظيم منزلته، والإشادة بفضله ووجوب طاعته والتحاكم إليه......،
أمثال قوله تعالى : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.
وقوله تعالى : ﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ﴾.
وقوله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ وَاللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾. وقوله تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾. ونظائرها من الآيات المباركات، تعتبر منطبقة تماماً على أولي الأمر، وخاصية من خصائصهم وشاهداً من شواهد فضلهم وعظيم منزلتهم.

هم في كل ذلك مع الرسول مشترِكون، ومعه مجموعون، وما ثبت له صلى الله عليه وآله يثبت لهم، إلا النبوة، والنبوة فقط ؛ وما عدا ذلك فحدِّث ولا حرج، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

هذا هو الإعجاز البلاغي ، هذه هي بلاغة الحذف، إيجاز استغرق ثلث آيات القرآن الكريم، والرقم مؤهل للزيادة، وما يعلم جنود ربك إلا هو.

٥ - إثبات المنزلتين معاً للرسل الكرام، منزلة النبوة ومنزلة الإمامة، ولا يتحقق إيمان المرء إلا إذا ءامن بالمنزلتين معاً.

النبوة قد خُتِمَت لكن الولاية مستمرة بعد الرسول، تنتقل منه صلى الله عليه وآله إلى أولي الأمر المقصودين في الآية المباركة.
إنّ ولايتهم امتداد لولاية الرسول وفرع عليها، فمن جحد ولايتهم كان جاحداً لولاية الرسول الأمين، وجحود ولايته صلى الله عليه وآله كفرٌ برسالته.

قال جلّ شأنه : ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾. وقال تعالى : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.

ومعلوم أنّ آية الإطاعة قد أوجبت لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول، وأنزلتهم منزلة الرسول، فلا إيمان لمن لم يحكّم أولي الأمر ويسلّم لحكمهم تسليماً.

لذلك أخي المسلم الكريم ، عندما تجد آياتٍ محكمات في ثنايا الكتاب العزيز، أمثال قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾. .وقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.

ونظائرها من الآيات، فعليك أن تبحث في أعماق نفسك عمّا إذا كنت مؤمناً بالولاية أم لا ؟
فإن كنت بها من المؤمنين فاعلم أنك من الأتقياء السعداء؛ وإن لم تكن كذلك فاعلم أنك مدعو إلى اللحاق بركب المؤمنين والتسليم لشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله.

٦ - اختبار ذكاء المخاطب ومدى العقلانية التي يتمتع بها

العقل السليم والطبع المستقيم، يحكم بأنّ الشرع لا يوجب الأحكام عبثاً وجزافاً، بل لفائدة عظيمة النفع وحكمة جليلة الشأن.

ولمّا كانت طاعة أولي الأمر واجبة شرعاً، والطاعة لهم وللرسول صلى الله عليه وآله طاعة واحدة فإنّ العقل السليم يحكم بأنّ الرد إلى الرسول يعني الرد إلى أولي الأمر ، لأنّ الله لم يوجب طاعة أولي الأمر عبثاً.
ولو لم تكن الحال هي هذه، لكان ذلك مستقبَحاً عقلاً، ولاستلزمَ مفاسد عدداً، أقلّها وجود خلل بلاغي معيب وحذف رديء في كتاب الله ، وهذا لا يصح شرعاً وعقلاً ، فكتاب الله يتصف بالعصمة والكمال.

قاعدة : ما حكم به العقل السليم لا يتعارض والشرع الحكيم.

٧ - تعريف الرسول والنبي والإمام :

☆ الرسول : بشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة، يبلغ عن الله بغير واسطة بشرية. فالرسول نبيّ وإمام ، اي الجامع للمنزلتين معاً ، النبوة والإمامة.

☆ النبيّ : بشر آتاه الله النبوة وعلم الكتاب، ولم يؤته الحكم، يبلغ عن الله بغير واسطة بشرية.

☆ الإمام أو وليّ الأمر في الشرع : بشر آتاه الله الحكم وعلم الكتاب ، ولم يؤته النبوة، يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله بالاستخلاف ، يبلِّغ عن الله بواسطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

( كل رسولٍ نبيّ وليس كل نبيّ رسولاً ).
( كل رسولٍ إمام وليس كل إمامٍ رسولاً ).

الرسول لفظ حوى كل المحاسن وأوتي جوامع الكلم، فكانت له الرتبة العليا والمكانة التي لا تُسَامى.

٨ - وفقاً للنظم القرآني الفصيح والبليغ، الموجود بين أيدينا يتضح جلياً أنّ هذا الشطر من الآية يقوي ويؤكد المعنى المراد في المقطع الأول من الآية.

٩ - الخطاب القرآني فصيح غاية الفصاحة، بليغ غاية البلاغة، مبرّأ من كل نقص وعيب.

( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ).

وتستمر الحكاية. . . . . .


رد مع اقتباس