عرض مشاركة واحدة
قديم 2012/10/05, 06:59 PM   #1
ابوشهد

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 67
تاريخ التسجيل: 2012/03/04
المشاركات: 4,509
ابوشهد غير متواجد حالياً
المستوى : ابوشهد is on a distinguished road




عرض البوم صور ابوشهد
افتراضي بطلة كربلاء زينب بنت علي ( عليه السَّلام )

[size="5"]بطلة كربلاء زينب بنت علي ( عليه السَّلام )



لقد تحدث الناس عن البطولات و الأبطال من النساء و الرجال المعروفين بالجرأة و الشجاعة و مقارعة الفرسان في المعارك التي كانت المرأة تقف فيها إلى جانب الرجل و تؤدي دورها الكامل بنفس الروح و العزيمة التي كان الأبطال يخوضون المعارك فيها ، و بلا شك فان أهل البيت ( عليهم السَّلام ) يأتون في الطليعة بين أبطال التاريخ ، و أن زينب إبنة علي و فاطمة تأتي في الطليعة بعد أبيها و إخوتها كما يشهد لها تاريخها الحافل بكل أنواع الطهر و الفضيلة و الجرأة و الصبر في الشدائد .

و ليس بغريب على تلك الذات العملاقة التي التقت فيها الأنوار الثلاثة : نور محمد و علي و فاطمة و من تلك الأنوار تكونت شخصيتها ان تجسد بمواقفها خصائص النبوة و الإمامة و أمها الزهراء التي امتازت بفضلها على نساء العالمين .

ان اللسان ليعجز و أن اللغة على سعة مفرداتها لتضيق عن وصفها و عن التعبير عما ينطوي عليه الإنسان من الشعور نحو المرأة الكبيرة و القدوة العظيمة إبنة علي و الزهراء التي عز نظيرها بين نساء العرب و المسلمين بعد أمها البتول سيدة نساء التي ابتسمت للموت حين بشرها به الرسول الأمين في الساعات الاخيرة من حياته و قال لها : أنت أول أهل بيتي لحوقا بي .

ان الالمام بحياة بطلة كربلاء في عهود الطفولة و الصبا و الأمومة و كيف نشأت طفلة و شابة برعاية أمها الزهراء و أبيها الوصي و في بيت زوج كريم من كرام أحفاد أبي طالب ، و بعد ان أصبحت أما لأسرة غذتها بتعاليم الإسلام و أخلاق أمها و أبيها يضطرنا إلى التطويل الذي يعرض القارىء للملل في الغالب ، و في الوقت ذاته فان الحديث عن بطولاتها التي لا تزال حديث الأجيال و التي تجلت في رحلتها مع أخيها تاركة بيتها تحث الخطا خلفه في رحلته إلى الشهادة لتعلم الرجال و النساء كيف يموتون في مملكة الجلادين يضع بين يدي القراء صورة كريمة عن ذلك الغرس الطيب و عن مراحل نموه حتى بلغ إلى هذا المستوى من النضوج و القدرة على الثبات والصمود في وجه تلك الأحداث التي لا يقوى على تحملها أحد من الناس .

ونمهما كان الحال فلعلنا بعد هذا الفصل نتوقف لإعطاء فكرة كافية عن ذلك الغرس الطيب و كيف نما و تكامل نموه حتى بلغ أشده و نهض بأعباء المسؤولية العظمى و أدى دوره الكامل عندما وقعت تلك المأساة الكبرى التي حلت بالعلويين و الطالبيين رجالاً و نساء على تراب كربلاء ، و كيف استطاعت ان تتحمل تلك الصدمة و تقوم بدورها الكامل بالحكمة و الصبر الجميل ذلك الدور الذي يمثل أسمى درجات البطولة و أغناها بالقيم و المثل العليا ، لعلنا بعد هذه اللمحات عن مواقفها في كربلاء نتحدث في فصل مستقل عن مراحل حياتها التي أهلتها لتلك المواقف التي لا تزال حديث الأجيال .

لقد ثبتت في ذلك الموقف كالطود الشامخ تاركة على تراب كربلاء آثار مسيرتها و مواقفها بين تلك الضحايا التي لا تزال حديث الأجيال و مثلاً كريما لكل ثائر على الظالم و الجور و للمرأة التي تعترضها الخطوب و الشدائد خلال مسيرتها في هذه الحياة .

لقد كان عويل النساء و صراخ الصبية و ضجيج المنطقة كلها بالبكاء و النياحة كفيلا بأن يهد أقوى الأعصاب و يخرس أفصح الالسنة و الخطباء و يقعد بأكبر الرجال و لو لم يكن يتصل بتلك الضحايا بنسب أو سبب ، فكيف بمن رأى ما حل بأهله و بنيه و إخوته و أبناء إخوته و عمومته و أحس بثقل المسؤولية و جسامتها ، و لكن إبنة علي ذلك الطود الأشم الذي كان أثبت من الجبال الرواسي في الشدائد كانت تجسد مواقف أبيها في كل موقف تتزلزل فيه أقدام الأبطال و بقيت ليلة العاشر من المحرم ساهرة العين تجول بين خيام إخوتها و أصحابهم و تنتقل من خيمة إلى خيمة و هم يستعدون لمقابلة ثلاثين ألف مقاتل قد اجتمعوا لقتال أخيها وبنيه و أنصاره و رأت أخاها العباس جالساً بين إخوته و أحفاد أبي طالب و هو يقول لهم : إذا كان الصباح علينا أن نتقدم للمعركة قبل أن يتقدم إليها الأنصار لأن الحمل الثقيل لا ينهض به إلا أهله .

و في طريقها إلى خيام الأنصار سمعت حبيب بن مظاهر يوصيهم بأن يتقدموا إلى المعركة حتى لا يرون هاشمياً مضرجاً بدمه ، و سمعت الأنصار يقولون : ستجدنا كما تريد و تحسب يا إبن مظاهر ، فانطلقت نحو خيمة أخيها الحسين ( عليه السَّلام ) و هي تبتسم و قد غمرها السرور و طفا منه على وجهها اثر رد عليه لمحة من بهائه و صفائه و مضت تريد أخاها الحسين لتخبره بما رأت و سمعت من إخوتها و الأنصار و ما هي إلا خطوات حتى رأته مقبلاً فابتسمت له و تلقاها مُرحِّباً و قال لها : منذ أن خرجنا من المدينة ما رأيتك مبتسمة و لا ضاحكة فما الذي رأيت ، فقصت عليه ما سمعته من الهاشميين و أنصارهم و ظلت العقيلة ليلتها تلك ساهرة العين تنتقل من خيمة إلى خيمة و من خباء إلى خباء بين النساء و الأطفال و أخواتها حتى إذا أقبلت ضحوة النهار و سقط أكثر أنصار أخيها و من معه من بنيه و إخوته و أبناء عمه على ثرى الطف ، و رجع الحسين للوداع الأخير و زينب على جانبه كالمذهولة قال لها : مهلا أخيَّة لاتشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تشمتي بنا الأعداء ، و أوصاها بالنساء و الأطفال ، فقالت له : طب نفسا وقر عينا فإنك ستجدني كما تحب إن شاء الله .

و لما سقط عن جواده صريعا أسرعت على مصرعه و صاحت تستغيث بجدها و أبيها و أوشكت الصرخة ان تنطلق من حشاها اللاهب عندما رأت رأسه مفصولا عن بدنه و السيوف و السهام قد عبثت بجسمه وقلبه و رأت إخوتها و بنيها و أبناء عمومتها من حوله كالأضاحي و معها قافلة من النساء و الأطفال و أمامها صفوف الأعداء تملأ صحراء كربلاء فرفعت يديها في تلك اللحظات الحاسمة نحو السماء لتند عن فمها عبقة من فيض النبوة و الخلود تناجي ربها و تتضرع إليه قائلة : اللهم تقبل منا هذا القربان .

و هكذا كان على العقيلة ان تنفذ وصية أخيها و تثبت في وجه تلك الأهوال و أن تحمل قلبا كقلب أبيها في غمار جولاته و تقف كالطود الشامخ في وجه أولئك الذين وقفوا إلى جانب يزيد بن ميسون و جلاّديه الممعنين في إنتهاك الحرمات و المقدسات و الذين باعوا ضمائرهم لأولئك الطغاة الجناة بأبخس الأثمان .

و يقطع الحادي الطريق من كربلاء إلى الكوفة و السبايا على أقتاب الجمال تتقدمهم رؤوس سبعين من الأنصار و عشرين من أحفاد أبي طالب بينهم رأس الحسين سيد شباب أهل الجنة ، و ما ان أطل موكب السبايا و الرؤوس و دنت طلائعه من مداخل الكوفة حتى ازدحم الناس في الطرقات و من على المشارف و النساء على سطوح المنازل و لم يكن نبأ مصرع الحسين قد انتشر في جميع أوساط الكوفيين و أشرفت إمرأة من على سطح بيتها فرأت نساء كالعاريات لولا أسمال من الثياب تقنعن بها فظنت المرأة إنهن من سبايا الروم أو الديلم و أرادت ان تستوثق لنفسها من الظن فطالما كانت ترى مواكب من سبايا الروم و الترك تمر بالكوفة لم تر مثل ما رأت على هذا الموكب من الحزن و اللوعة ، و لم تر قبل اليوم أسرى مع تلك المواكب من الصبيان يشدون بالحبال على أقتاب الجمال كما رأت في هذا الموكب فأدنت المرأة رأسها من إحدى السبايا و قالت لها : من أي الأسارى أنتن ؟ فردت عليها و الألم يقطع أحشاءها : نحن أسارى آل بيت محمد رسول الله .

و ما كادت المرأة تسمع قولها حتى خرجت مولولة معولة و كادت ان تسقط من على سطحها من هول الصدمة و التفتت إلى النساء اللواتي على سطوحهن و قالت : إنهن نساء أهل البيت ، فتعالى الصياح عند ذلك من كل جانب حتى ارتجت الكوفة بأهلها و لفَّت نواحيها صرخات متتالية كأنها العواصف في أرجائها و التفت النسوة بالموكب يقذفن عليه الارز و المقانع ليتسترن بها بنات علي و فاطمة عن أعين الناس و غصت الطرقات بالنساء و الرجال يبكون و يندبون فالتفتت إبنة علي و فاطمة إليهم ببصرها النافذ و قالت :

يا أهل الكوفة يا أهل الغدر و الختل و المكر أتبكون فلا رقأت الدمعة و لا هدأت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً و هل فيكم إلا الصلف و ملق الاماء و غمز الأعداء ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون فابكوا كثيراً و اضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها و شنارها بعد أن قتلتم سليل خاتم النبوة و معدن الرسالة و سيد شباب أهل الجنة .

و يسير الموكب متخطياً تلك الحشود من الرجال و النساء إلى قصر الإمارة ليضمها مجلس إبن مرجانة فتجلس متنكرة مطرقة يحف بها موكب النسوة في ذلك المجلس الذميم و هو ينظر إليها ببسمة الشامت المنتصر و يسأل من هذه المتنكرة فلا ترد عليه احتقاراً و ازدراءً لشأنه ، و أعاد السؤال ثانيا و ثالثاً فأجابته بعض امائها : هذه زينب إبنة علي ، فانطلق عند ذلك بكلمات تنم عن لؤمة و حقده و خسته قائلا : الحمد لله الذي فضحكم و أكذب أحدوثتكم ، فردت عليه غير هيابة لسلطانه و لا لجبروته ، قائلة : الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه و طهرنا من الرجس انما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا ثكلتك امك يا بن مرجانة .

فقال لها و قد استبد به الحقد و الغضب : كيف رأيت صنع الله بأخيك و أهل بيتك ؟ قالت : ما رأيت إلا جميلاً ، أولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم و تختصمون عنده و ستعلم لمن الفلج ثكلتك امك يا بن مرجانة .

و يأبى له حقده و صلفه الا ان يتناول قضيباً كان إلى جانبه ليضربها به ، و لكن عمرو بن حريث أحد جلاوزته نظر إلى الوجوه قد تغيرت على إبن مرجانة و ايقن ان عملاً من هذا النوع سيلهب المشاعر لاسيما و أن النفوس قد أصبحت مشحونة بالحقد و الكراهية و مهيأة للإنفجار بين الحين و الآخر لما حل بالحسين و بنيه و أصحابه فحال بين إبن مرجانة و ما اراد فرمى القضيب من يده و عاد يخاطبها بلغة الشامت الحاقد و يقول لها : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين و العتاة المردة من أهل بيتك ، فبكت عند ذلك و قالت : لعمري لقد قتلت كهلي و قطعت فرعي و اجتثثت اصلي فان يكن في ذلك شفاؤك فقد اشتفيت .

ثم يأتيه البريد بكتاب يزيد يأمره ان يحمل السبايا و الرؤوس و الأطفال إلى قصر الخضراء في دمشق عاصمة الجلادين ، و يسير الحداة بموكب السبايا إلى حيث إبن ميسون في اعتساف و ارهاق في الليل و النهار ليقطع موكب الرؤوس و السبايا مسافة ثلاثين يوما في عشرة أيام ، و يضم العقيلة مجلس يزيد و رأس الحسين بن علي و الزهراء بين يديه ينكت ثناياه بمخصرته و يتمثل بقول القائل :

ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا و استهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل

لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف ان لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل


و كان على زينب و قد رأته بتلك الحالة فرحا مسروراً يتمثل بهذه الأبيات التي تعبر عن حقده و تعصبه لجاهلية جده و أبيه و وثنيتهما و يعبث بثنايا أبي عبد الله الحسين بمخصرته ان تتكلم بين تلك الحشود المجتمعة في مجلسه لتحرق دنيا سروره و فرحه بكلماتها التي كانت أشد وقعا عليه من الصواعق أمام الكثيرين ممن كانوا يجهلون مكانة الأسرى و لا يعرفون عنهم شيئا في جو تلك الأحداث و افتتحت كلامها بعد حمد الله بقولها : أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء و أصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله ه و أنا و بك عليه كرامة ، و مضت في حديثها و أبصار تلك الحشود المحيطة بيزيد شاخصة إليها تذكرهم بمنطق أبيها و مواقفه بين المعسكرين في صفين حينما كان يخاطب معاوية و حزبه و يناشدهم الرجوع عن غيهم و ضلالهم إلى حظيرة الإسلام و عدالته السمحاء .

و مضت تقول : أمن العدل يا إبن الطلقاء تخديرك اماءك و حرائرك ، و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن تحدو اليهن الأعداء من بلد إلى بلد و يستشرفهن أهل المناهل و المعاقل يتصفح وجوههن القريب و البعيد و الدني و الشريف و تتمنى حضور آباءك قائلا :

ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا و استهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل


منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك و سَتَرِدَنَّ وشيكا موردهم و توَدَّن أنك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت ، و مضت في خطابها توجه إليه اسوأ أنواع التحقير و التقريع حتى سيطرت على المجلس بمنطقها و أسلوبها الرائع ، و راح الناس يتهامسون و يتلاومون و بكى بعضهم لهول المصاب و جسامته .

و استطردت العقيلة تقول : و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لأستصغر قدرك و أستعظم توبيخك ، ألا فالعجب العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء .

لقد دخلت زينب إبنة علي و فاطمة إلى عاصمة الجلادين برسالتها رافعة صوتها إلى كل من لهم عهد مع أهل هذا البيت و كل من آمنوا برسالة محمد في عصر و جيل و أرض و وراءها قافلة من الأسرى و صفوف العداء من أمامها تملأ الافق و تسد طريقها و كانت مسؤوليتها التاريخية الكبرى هي إكمال الرسالة و اتمام المسيرة و لسانا لمن قطعت ألسنتهم سيوف الجلادين و دخلت مدينة الجريمة عاصمة القهر و البطش و التنكيل بالابرياء و هناك رفعت صوتها المدوي في أعماق التاريخ لتقول لابن ميسون مستخفة به بكل ما في الإستخفاف و الإحتقار من معنى .


و لئن جرت على الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك



انها الدواهي التي لا تترك للإنسان رأيا و لا اختياراً و تسيطر على كل مشاعره و أحاسيسه هي التي فرضت عليّ ان أخاطبك يا بن ميسون و يا ربيب الشرك و الوثنية و لولا تلك الدواهي الجسام لما خاطبتك و لا يمكن لذكرك ان يمر في خاطري و لو بما هو فيك ما صلف و خسة و نزق و وحشية . هذا الذي تعنيه بطلة كربلاء بقولها لذلك الجبار الأحمق الذي تمنى حضور أشياخه من أمية و مشركي مكة ليشاهدوا رأس الحسين بين يديه و ليشاطروه الفرح و السرور و هو ينكت ثناياه بمخصرته ، هذا الذي كانت تعنيه من قولها و لئن جرت على الدواهي مخاطبتك و حضور مجلسك .

ان مأساة العقيلة إبنة علي و الزهراء تشكل الشطر الثاني من مأساة أخيها الحسين فمن صبر لا يطيقه أحد من الناس إلى رعاية تلك القافلة من السبايا و الأيتام و نضال دون البقية الباقية من آل الرسول و احتجاج و خطب و استنكار لسحق القيم و كرامة الإنسان و محو الرسالة من الأذهان و متابعة المسيرة التي قام بها أخوها الحسين و بهذا و ذاك لقد ألبت المسلمين على الطغاة و الظالمين و ضعضعت كبرياء الحاكمين المستبدين و خلدت ذكرى تلك المعركة التي اقلقت آل أمية و غيرهم من الظلمة و فراعنة العصور و خطت هي و إخوتها بأحرف من النور الوهاج الذي يبدد ظلمات الليل البهيم على تراب كربلاء و في كل موقف وقفوه مع أولئك الجبابرة و الجلادين .


ان دولة الباطل ساعة و دولة الحق إلى قيام الساعة



لقد شاركت أخاها الحسين في جميع مواقفه من الظالمين و رجعت من كربلاء حاملة لرسالة أبيها و أخيها لتبلغها للأجيال من الرجال و النساء من الأجيال في كل أرض و زمان بالرغم من ضجيج الجلادين و وعيدهم و كانت القدوة التي تعلم الأجيال من سيرتها و بطولاتها معاني الرجولة . و تعلِّم النساء كيف يتخلصن من فتن الاغراءات الخبيثة التي تلد من حولهن و من دهاليز الحضارة الجديدة التي تقتحم العصور بمفاتنها و مغرياتها لتستل منها اخلاقها و معتقداتها و أعرافها .

فأين من زينب و أخوات زينب نساءنا و بناتنا الضائعات في تلك المتاهات ايمانا و عزيمة و صبراً في الشدائد و الأهوال و تمسكا بالقيم و تعاليم الإسلام و الأخلاق الكريمة الفاضلة .

و أين من الحسين و أنصاره من يدعون التشيع للحسين و أبيه و أبنائه ، و قد باعوا انفسهم لمن يحملون روح يزيد و معاوية بأبخس الأثمان كما باعها أسلافهم لمعاوية و أمثال معاوية من الحاكمين و الجلادين من قبل .

ان الأحداث الجسام التي اعترضت حياة العقيلة إبنة علي و الزهراء في معركة كربلاء و ما تلاها من المواقف ألفتت إليها الأنظار و جعلتها في طليعة الأبطال و من شركاء الحسين ( عليه السَّلام ) في جميع مواقفه من أولئك الطغاة ، فتحدث عنها المؤرخون و أصحاب السير في مجاميعهم و الكتاب المحدثون في مؤلفاتهم ، و أشاد الخطباء بفضلها و مواقفها من على المنابر و نظم الكثير من الشعراء القصائد الرنانة في وصف احزانها و أشجانها و صبرها و ثباتها و نذكر على سبيل المثال ما جاء في وصف حالتها من قصيدة لأحد شعراء الطف السيد محمد حسين الكشوان رحمه الله يقول فيها :

أهوت على جسم الحسين و قلبها * المصدوع كاد يذوب من حسراتها

وقعت عليه تشم موضع نحره * و عيونها تنهل في عبراتها

ترتاع من ضرب السياط فتنثني * تدعو سرايا قومها و حماتها

اين الحفاظ و هذه أشلاؤكم * بقيت ثلاثاً في هجير فلاتها

اين الحفاظ و هذه فتياتكم * حملت على الأقتاب بين عداتها

و مخدرات من عقائل أحمد * هجمت عليها الخيل في أبياتها

حملت برغم الدين و هي ثواكل * عبرى تردد بالشجى زفراتها

و له من قصيدة أخرى في وصفها عندما شاهدت أخاها صريعا على ثرى الطف و قد عبثت سيوف الأعداء و رماحهم بجسمه و أعضائه :

و هاتفة من جانب الخدر ثاكل * بدت و هي حسرى تلطم الخد باليد

يؤلمها قرع السياط فتنثني * تحن فيشجي صوتها كل جلمد

و سيقت على عجف المطايا اسيرة * يطاف بها في مشهد بعد مشهد

سرت تنهاداها علوج أمية * فمن ملحدٍ تهدي إلى شر ملحدِ

و رحم الله هاشم الكعبي الذي هيمن عليه الولاء لأهل البيت و انتقل به من عالمه و دنياه إلى عالم الثواكل في كربلاء فشعر بشعورهن و أحس بأحاسيسهن حتى أصبح مثلهن ثاكلاً يندب و ينوح بعبرات تحيي الثرى و زفرات تدع الرياض همودا فقال في وصف زينب و أخواتها بعد أن إنجلت المعركة عن تلك المجزرة الرهيبة :

و ثواكل في النوح تُسعد مثلها * أ رأيت ذا ثكل يكون سعيداً

ناحت فلم تر مثلهن نوائحا * اذ ليس مثل فقيدهن فقيدا

لا العيس تحكيها إذا حنت و لا * الورقاء تحسن عندها الترديداً

ان تنع اعطت كل قلب حسرة * أو تدع صدعت الجبال الميدا

عبراتها تحي الثرى لو لم تكن * زفراتها تدع الرياض همودا

و غدت اسيرة خدرها إبنة فاطم * لم تلق غير اسيرها مصفودا

تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى * بفؤاده حتى انطوى مفؤدا

تخفي الشجا جلداً فان غلب الأسى * ضعفت فأبدت شجوها المكمودا

نادت فقطعت القلوب بشجوها * لكنما انتظم البنيان فريدا

انسان عيني يا حسين أخي * يا املي و عِقد جماني المنضودا

[/size]



f'gm ;vfghx .dkf fkj ugd ( ugdi hgs~Qghl )



توقيع : ابوشهد
عظم الله اجرك و احسن عزاءك و غفر لشهدائك يا عراق
رد مع اقتباس