عرض مشاركة واحدة
قديم 2017/06/20, 09:24 PM   #1
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي عيسى بن مريم عليه السلام

عيسى بن مريم عليه السلام

الولادة المعجزة

قضى الله في قوانين الطبيعة أن يولد الإنسان من أبٍ وأمٍ، وهذا هو نظام العلل والمعلولات والأسباب والمسببات وهذا النظام لا يعني إطلاقاً عجز الخالق عن إيجاد إنسان من دون أب ولا أم، أو عجزه عن إيجاد إنسان من دون أحدهما وهكذا كانت ولادة عيسى بن مريم عليه السلام فقد خلقه الله من غير أب.

﴿إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ﴾1.

لقد جاءت الملائكة تزفُّ البشرى إلى مريم بأن الله سيهبها طفلاً ولكن لن يكون طفلاً عادياً، إنه مليءٌ بالأوصاف الإلهية فهو زكي ومن الصالحين والوجيه في الدنيا والآخرة، ولكن مريم تساءلت وسؤالها طبيعي.

﴿قَالَتْ رَبّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا

81

يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾2.

والجواب جاءها أنَّه قضاءٌ إلهي، ولكي تطمئن مريم عليها السلام التي فاجأها هذا الخبر فقد كانت البشارة بالولد الذي يكون رسولاً إلى بني إسرائيل أنه المولود المنتظر الذي عاشت أجيال بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بانتظاره.


عيسى عليه السلام المدافع الأول عن مريم عليها السلام

لقد ساور مريم عليها السلام القلق لأنها عرفت كيف سيكون موقف القوم، فإنهم سيرمونها بأبشع تهمة قد تلحق بأية فتاة عفيفة، إنها تهمة الزنا، وهي عليه السلام مثال الطهر فكيف تبرئ نفسها وهي تحمل وليداً ولا تنكِرُ أنَّهُ ابنها وأنَّها هي التي ولدته، ولكن الله عز وجل أرشدها إلى الطريق الذي يكونُ بهِ خلاصَها إنَّه الصمت، إن على مريم عليها السلام أن لا تتحدث ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّ * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّ * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّ * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّ﴾3.

وذلك لأن من سيدافع عن مريم هو هذا الوليد الصغير، وبهذا يكون في كلامه أعظم دفاع عن طهارة أمه، إنها المعجزة تتدخل لتثبت أن هذا المولود ليس عادياً بل هو محل عناية من الله عز وجل.وأما ما نطق به عيسى فلم يكن فقط الدفاع عن أمه بل البشارة لمن كان ينتظره من بني إسرائيل بأنه رسول من قبل الله تعالى:
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّ * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّ * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّ * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً *

82

وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾4.

يبقى سؤال أن عيسى عليه السلام هل كان نبيا منذ ولادته أو أنه أراد أن يخبر عن المستقبل؟ ظاهر الآية أن عيسى بن مريم عليه السلام كان نبياً عندما نطق في المهد، فقد ورد في الروايات أن عيسى بن مريم عليه السلام كان نبياً في ذلك الوقت ولم يكن رسولاً، وإنما أصبح رسولاً بعد ذلك فقد ورد أن أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام سأله أكان عيسى بن مريم حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه؟ فقال عليه السلام: كان يومئذ نبياً حجة الله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّ * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّ﴾5.


معجزة النبوة

إذا كان عيسى بن مريم عليه السلام رسولاً فإن المعجزة هي دليل صدق للرسول يهبه الله إليه بنحو يعجز سائر أفراد البشر عن الإتيان بمثله.

وكانت معجزة نبي الله عيسى عليه السلام غريبة في زمن عيسى إنه: إحياء الموتى، وإبراء الأعمى، والإنباء بأمور غيبية.

﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين﴾6.

تفيدنا هذه الآية أن رسل الله وأولياءه يستطيعون بإذن منه وبأمره - إذا اقتضى

83

الأمر - أن يتدخلوا في عالم الخلق والتكوين، وأن يحدثوا ما يعتبر خارقاً للقوانين الطبيعية.فاستعمال أفعال مثل "أبرئ" و"أحيي الموتى" وبضمير المتكلم تدل على أن هذه الأفعال من عمل الأنبياء عليهم السلام أنفسهم. ولكن لكي لا يتصور أحد أن الأنبياء والأولياء كان لهم استقلال في العمل، وأنهم أقاموا جهازاً للخلق في مقابل جهاز خلق الله، وكذلك لكي لا يكون هناك أي احتمال للشرك وللعبادة المزدوجة، تكرر قول "بإذن الله".


المؤامرة اليهودية والتدخل الإلهي

لقد بقيت عادات بني إسرائيل على ما هم عليه منذ أن تركهم نبيهم موسى بن عمران وهي عادة التآمر والمكر، لقد صدمتهم ولادة عيسى بن مريم عليه السلام وهم الذين كانوا يرتقبون ولادته ولذلك ذهبوا في اتهامهم لمريم أبشع الاتهامات ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيم﴾7.

وكذلك لم يسمعوا لعيسى بن مريم رغم ما جاءهم به من البينات بل أرادوا التخلص منه وهم يفتخرون بفعلهم ذلك.

﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمً * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينً﴾8، ولكن الله عز وجل أخبر نبيه عليه السلام بمؤامرة اليهود.

﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون﴾9.

84

إذاً لقد شبّه لهم الأمر فقتلوا غيره ولم ينالوا من عيسى بن مريم عليه السلام. والتعبير في الآية الكريمة بمتوفيك ليس المراد منه الموت لأنَّ التوفية هي أخذ الشيء تاماً ويستعمل في الموت والمراد منه هنا الأخذ والحفظ.

وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثني عشر رجلاً، فأدخلهم بيتاً ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال: إن الله أوحى إليّ أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي، فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، فقال: فأنت هوذا، فقال لهم عيسى، أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثني عشرة كفرة، فقال له رجل منهم: أنا هو يا نبي الله؟ فقال عيسى: أتحس بذلك في نفسك؟ فلتكن هو. ثم قال لهم عيسى: أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة، ثم رفع الله عيسى من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال أبو جعفر عليه السلام إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى: إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، واخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى عليه السلام فقتل وصلب. وكفر الذي قال له عيسى، تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة10.

85

خلاصة الدرس

- كانت ولادة عيسى بن مريم عليه السلام معجزة لأنه ولد من غير أب وقد بشر الله عز وجل مريم به وبأنه يكون نبياً ورسولاً ومن الصالحين.

- كان عيسى بن مريم عليه السلام المدافع الأول عن أمه أمام ما اتهمت به إذ نطق في المهد.

- كانت معجزة عيسى بن مريم عليه السلام لإثبات نبوته إحياء الموتى وإبراء الأعمى والإنباء بالغيب وكل ذلك بإذن الله.

- تآمر اليهود لقتل عيسى بن مريم عليه السلام ولكن الله رفعه إليه فقتلوا شخصاً شبه لهم بعيسى بن مريم.

أسئلة حول الدرس

1- بماذا اقترنت بشارة الله لمريم عندما بشرها بعيسى عليه السلام؟
2- هل تتنافى معجزة عيسى بن مريم عليه السلام مع القدرة الإلهية والتوحيد؟
3- ما هو المراد من قوله متوفيك لعيسى بن مريم عليه السلام؟
4- هل كان عيسى بن مريم عليه السلام نبياً عندما تكلم في المهد؟

للحفظ

﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّ * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّ * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّ * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّ * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّ * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّ * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّ﴾11.

للمطالعة

عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مر عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يعذب صاحبه، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب، ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا روح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه12.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا عيسى بن مريم في سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطريق والدور، قال: فقال: إن هؤلاء ماتوا بسخطة، ولو ماتوا بغيرها تدافنوا، قال: فقال أصحابه: وددنا أنا عرفنا قصتهم، فقيل له: نادهم يا روح الله، قال: فقال: يا أهل القرية، قال: فأجابه مجيب منهم: لبيك يا روح الله، قال: ما حالكم؟ وما قصتكم؟ قال: أصبحنا في عافية وبتنا في الهاوية، قال: فقال: وما الهاوية؟ فقال: بحار من نار، فيها جبال من النار، قال: وما بلغ بكم ما أرى؟ قال: حب الدنيا وعبادة الطاغوت، قال: وما بلغ من حبكم الدنيا؟ قال: كحب الصبي لأمه، إذا أقبلت فرح وإذا أدبرت حزن، قال: وما بلغ من عبادتكم الطواغيت؟ قال: كانوا إذا أمرونا أطعناهم، قال: فكيف أنت أجبتني من بينهم؟ قال: لأنهم ملجمون بلجام من نار عليهم ملائكة غلاظ شداد... قال: فقال عيسى عليه السلام لأصحابه: إن النوم على المزابل وأكل خبز الشعير خير كثير مع سلامة الدين13.

هوامش

1- آل عمران: 45 - 46.
2- آل عمران: 47.
3- مريم: 23 - 26.
4- مريم: 29 - 33.
5- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 1 ، ص 339.
6- آل عمران: 49.
7- النساء: 156.
8- النساء: 156 - 157.
9- آل عمران: 55.
10- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج1، ص 569.
11- مريم: 27 - 33.
12- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج6 - ص220.
13- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 14 - ص 322 - 323.


udsn fk lvdl ugdi hgsghl gv[g hgsghl ugdi udsn



رد مع اقتباس