عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/17, 08:44 PM   #64
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

عودة إلى الشطر الأوّل لاستكمال تأويله ومعرفة ما جاء فيه

قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول }.

الشطر الأول عبارة عن جملة اطنابية استئنافية بيانية، إذ أنّ المعنى يمكن أن يتم بدونه على هذا النحو :

" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".

والإطناب في كلام الحكيم لا يكون إلّا لفائدة ؛ فما المعنى المستفاد من الشطر الأول؟

الدلالات المعنوية للإطناب في الشطر الأول :

الفاء الواردة في قوله تعالى : " فإن " دلّت على عدة معانٍ، منها العطف والاستئناف.

الفاء الواردة في قوله تعالى : " فردّوه " دلّت على السببية ، لأنّها واقـعــة في جملة جواب الشرط ؛ بمعنى أنّ التنازع سبب للرّد.

قوله تعالى : " فإن تنازعتم " معطوف على قوله تعالى : " يا أيها الّذين ءامنوا ".

وهذا العطف أفاد التشريك، والترتيب.
* التشريك بين المخاطبين في الصفة، صفة الإيمان وصفة التنازع.
مؤمنون متنازعون ؛ والتنازع ببساطة هو الإختلاف والتعارض.

معنى هذا أنّ المخاطَبين مختلِفون ، فليسوا جميعاً على قلب رجل واحد في الإيمان، إيمانهم مختلفٌ متعدد، وذلك يؤدي إلى اختلافهم في العِلم والعمل، فليسوا جميعاً على قلب رجل واحد في العقيدة والسلوك.

* الترتيب : وضع كل شيء في مرتبته.
الترتيب أفاد تمييز المعنيين في الخطاب.
" إن تنازعتم " معطوف على " يا أيها الذين ءامنوا " ؛
الخطاب هنا موجه لمن ؟

موجه للمأمورين بالطاعة، أي للطائعين، وهم أبناء الأمة الإسلامية جميعا، منذ نزول الآية وحتى قيام الساعة، أما الرسول وأولي الأمر فليسوا داخلين ضمن هذا الخطاب - إن تنازعتم في شيء - لأن الله قد أوجب لهم الطاعة مطلقاً، فهم مطاعون وليسوا طائعين، ولا يحل لأحد أن ينازع الرسول وأولي الأمر، لأن الحق معهم وفيهم دائما وأبدا نظرا لعصمتهم قولا وعملا، ومن نازعهم فهو خارج عن الطاعة، عاص لأمر الله تعالى، قال عزوجل : { أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }.
والعاصي لله مصيره إلى جهنم وبئس القرار.

"إن" حرف شرط ، دال في هذا الموضع على الاحتمال ، الشرط غير قــطـــعي، بمعنى أنّ التنازع قد يقع وقد لا يقع.
والتنازع : اختلافٌ بين المتعارِضين لإحقاق حقّ أو إبطال باطل.

وبناءً على ذلك ، يكون الإطناب في الخِطاب دالّاً على إمكانية وقوع التنازع بين المُكلَّفين، والإخبار عن وجود الاختلاف بينهم.

وهذا المعنى يفيد ما يلي :

١ - نفي العصمة عن المكلفين، عن أبناء الأمّة جميعا ؛
لا عصمة إلا لمن ثبتت له شرعا، الرسول وأولي الأمر.

نفي العصمة عن الأمّة ، فكلّ شيءٍ يصدر عنها قولاً أو فِعلاً يُحتَمل فيه الخطأ والفساد ، فلا يجب اتّباعها في شيء من الأشياء، نظراً لاختلاف الطبائع وتعدد الأهواء مما يفضي إلى الانحراف عن جادة الحق والصواب ؛
فلا صِحّةَ لِما يسمّى الإجماع ؛ والخطاب القرآني موجّه إلى كافة المسلمين ، إلى أمّة محمد أجمعين ، دون استثناء.

ومن أراد شرعنة الإجماع بحديث : { لا تجتمع أمّتي على خطأ } فعليه أوّلاً وقبل كل شيء، أن يضع تعريفاً مناسباً، ويحدد بالضبط من هي أمّة محمد صلى الله عليه وآله ، لأنّ الأمّة قد انقسمت أحزاباً شتّى، وفرقاً عدداً، وطرائق قِددا.

وكلٌّ يدّعي وصلاً بِليلَى
وليلَى لا تُقِرّ لهم بذاكَ

فليس من الحكمة أن يقوم بعض أفراد الأمّة بتنصيب أنفسهم خبراء في الإجماع، وناطقين بإسم الدين على حساب البعض الآخر.
ليس البعض أحقّ بالإجماع من البعض الآخر.
فإما أن يكون الإجماع من أبناء الأمة أجمعين وإلا فلا إجماع ولا هم يفرحون.

والحديث الشريف يعتبر حُجّةً على خبراء الإجماع أكثر مما هو حجة لهم ، ولكنهم لا يفقهون حديثاً.

الإجماع باطل، لا مشروعيةَ له ، وليس إلّا مسرحيةً هزلية للقفزِ على النصوص الشرعية الواضحة ، وتخديرِ العقول.

إنّ الشريعة الإسلامية الغرّاء ليست بحاجة إلى آراء الضالين وأهواء المبتدِعين حتى يحددوا لها الصحيح من السقيم.

للدِّين رجالُه وأعلامه ، فأتوا البيوتَ مِن حيثُ أمَركمُ اللهُ.

٢ - انتفاء العصمة عن الأمّة يثبت عصمة الإمام عقلاً
الإمام الذي نقصده هنا هو الخليفة الشرعي للرسول ص، الذي أوجب الله طاعته؛ فلا يذهبن فكرك بعيدا أخي القارئ.

انتفاء العصمة عن الأمّة يثبت عصمة الإمام عقلاً

وترتيب ذلك، أنّ التنازع يقع بين الناس نظراً لجهلهم وصدور الظلم عنهم وعدم عصمتهم.

فإمّا أن يكون وليّ الأمر معصوماً مأموناً من الخطأ وفعل القبيح أو غير معصوم ؟

فإن لم يكن معصوماً إحتاج إلى إمام آخر لحصول علّة الحاجة فيه، واتّصل ذلك بما لا نهاية له من الأئمّة ، وذلك مُحال وفاسد.

فلم يبقَ إلّا القول بعصمة الإمام، خليفة الرسول، وانتهاء الأمر المُتنازَع فيه إلى وليّ الأمر المعصوم ، وهو القائم مقام الرسول بوظيفة التّشريع وبيان أحكام الدِّين والدنيا.

٣ - وقوع التنازع بين الخلق يثبت وجوب الإمامة عقلاً.

وجود الاختلاف بين أبناء الأمّة مع وجود حاكم عادل ، يرجعون إليه في الأمر المُختلَف فيه ، يجعلهم من الصلاح أقرب وعن الفساد أبعد، وبذلك تنتظم شؤون البلاد والعباد.

وعليــه ، تكون الولاية لطفاً من الله بعباده في أداء الواجبات وتجنُّب المحرمات ، وارتفاع الفساد وانتظام شؤون الخلق في أمر دينهم ودنياهم.

قال ذوو العقول الرشيدة : ( لَمّا كانت الرعية ضروباً مختلفة وشعوباً مختلطة، متباينة الأغراض والمقاصد ، متفرقة الأوصاف والطّبائع ، افتقرت ضرورةً إلى ملكٍ عادل ، يقوِّم أودها ويقيم عمدها ، ويمنع ضررها ويأخذ حقها ويذبّ عنها، ومتى خَلت من سياسة تدبير الملك كانت كسفينةٍ في البحر اكتنفتها الرياح المتواترة والأمواج المتظاهرة، قد أسلَمَها الملّاحون واستسلم أهلها للموت ).
( النهج المسلوك في سياسة الملوك - عبد الرحمن الشيزري ).

٤ - قوله تعالى : " في شيء " إطناب تتميمي ، دلّ على كمال الشريعة الإسلامية وتمامها، وشمولية أحكامها لكافة جوانب الحياة ، الدّينية والدُّنياوية.
فالشريعة الإسلامية تامة البنيان بالغة التمام.

٥ - قوله تعالى : " فردّوه إلى الله والرسول " نَصُّ واضح يدل على وجوب تأسيس نظام قضائي يتولّى الفصل بين المتنازِعين ، أو بالأحرى، دعوة شرعية إلى إقامة دولة راشدة تعتمد على مبادئ الإسلام وقواعده.

ولا يقتصر دور الدولة الإسلامية على فض النزاعات بين المتخاصِمين وحسب كما قد يتوهّم البعض.
إنّ الهدف الأسمى للولاية هو إقامة الشرع وإعمار الأرض بما يحقق الخير، والعدل، والرفاهية للإنسانية جمعاء.

٦ - الشطر الأوّل يُعتبر نظير قوله تعالى :
﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ﴾.

أي إنِ اختلفتم في أيّ أمرٍ من الأمور، في صغير أو كبير في شأنٍ ديني أو دنياوي، فإنّ مردّ الحكم فيه إلى كتاب الله لأنّ العدل والكمال فيه دون غيره.

ولا شك أنّ المقصود من حكمه تعالى هو الحُكم الواقعي، وهو متوقِّف على إمكانية الأعلمية الشاملة بكتاب الله، والعصمة الكاملة في بيان الحكم ، ولا يتحقق ذلك إلّا عن طريق الحاكم القائم بوظيفة التشريع وبيان أحكام الدين، وهو الرسول صلّى الله عليه وآله وأولي الأمر العالِمون بحكم الله ، الملتزمون التزاماً كاملاً بجميع الأوامر والنّواهي الصادرة عن المولى عز وجل.

ولأجل ذلك ، نجد أنّ القرآن الحكيم قد أوجب طاعتهم ، وجعلهم حُكّاماً على النّاس ، قائمين بوظيفة التشريع وبيان أحكام الدين ، وأوجب ردّ الشيء المُتنازَع فيه إليهم ، ثمّ لزوم اتّباعهم في كل أمرٍ أو نهيٍ يصدر عنهم تجسيداً لِمبدأ الطاعة والولاء.

وبناءً على الدلالة المعنوية المُستفادَة من الشطر الأول ، يتضح أنّ الآية المباركة قد حددت مصادر التشريع الإسلامي، المتمثلة بِـ : ـ

القرآن الكريم : المصدر التشريعي الرئيس ، ومعرفة ما جاء في القرآن
الكريم من تشريعات وأحكام و ...... إلخ ، يتم عن طريق :
☆ سُنّة الرسول صلى الله عليه وآله، الصحيحة الثابتة عنه.
☆ سنة أولي الأمر المعصومين عليهم السلام الصحيحة الثابتة عنهم.

فإن قيل : حسبُنا كتاب الله كما قيل قديماً، أو لا داعي لِسنّة أولي الأمر ففي القرآن وسنة الرسول كفاية ومقنع ؟

نقول : ذاك قولٌ مردود، لوجـــــوه : ـ

الوجه الأول : علمنا أنّ أولي الأمر خلفاءُ الرسول ، قائمون مقامه ويؤدّون وظيفته ، أوجبَ لهم الشرع كلّ ما هو واجبٌ للرسول إلّا النبوّة ، وهذا يؤكد أنّ العلّة المقتضية لتنصيب الشرع للمسمَّى رسولاً موجودة في زمن ما بعد الرسول، وواقعةٌ في كل عصر ، إذ لا امتياز بين النبوّة والإمامة إلّا بكون
الواسطة في الأولى غير بشرية.

والآية المباركة أوجبت لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول، فلا بد من الأخذ بالتشريع الصادر عن الأئمّة الشرعيين ، وإلّا فكيف نطيعهم ؟!
إنّ ولايتهم تشريعية في المقام الأول ، ويجب اتباعهم في كلّ أمرٍ أو نهيٍ يصدر عنهم.

الوجه الثاني : إنّنا نعلم أنّ في القرآن متشابهاً ، وفي السنّة النبوية أحاديث تحتمل وجوهاً عِدّة، وأنّ العلماء من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما، ومالوا في مواضع إلى طريقة الظنّ ـ وإنّ الظن لا يغني من الحق شيئا ـ فلا بد إذاً من مبيِّن للمُجمَل ومترجِم للغامض ، يكون قولُه حجّةً كقول الرسول ، وهذا المُبيِّن المُترجِم ليس إلّا وليّ الأمر المعصوم الّذي أوجب الله طاعته في محكم التنزيل.

الوجه الثالث : إنّ شريعة الرسول صلى الله عليه وآله خاتمة الشرائع، تعم جميع البشر بعد وفاته كما هي لجميع البشر في حال حياته، ونظراً لوجود مواضع كثيرة من الكتاب والسنة النبوية قد أشكلت على كثيرٍ من العلماء وأعياهم القطع فيها على شيءٍ بعينه، فلا بد من الرجوع إلى حُكم المعصوم الّذي أوجب الشرع طاعته ، والاعتصام بسُنّته ، فهو المفزع عند الخلاف ، يفسّر المجمل ويبيِّن ما غمض من الأحكام ، ويكون من وراء النّاقلين للسّنّة، فمتى ما وقع منهم ما هو جائز عليهم من الخطأ في النقل والفهم أو الإعراض عن النقل ، يبيّن ذلك وكان قوله الحجةَ فيه.

الوجه الرابع : إنّ في الكتاب متشابهاً لا يُقطَع على المُراد به ، ولم يَثبُت من السنّة النبوية ما يكون مُبيِّناً لذلك وموضّحاً عنه.

والإنكار أو الرد لهذا القول ليس إلّا مكابرةً ظاهرةً ، ولو لم يكن هذا هو الواقع لَمَا تمّ ابتداع مصادر شتّى للتّشريع ما أنزل الله بها من سلطان ؛ كالقياس ، والإجماع ، والاستحسان، واجتهاد الرأي، ومذهب زُعَيط ومذهب مُعَيط ، ورأي فلان وقول علّان.

كلّ ما هو متشابهٌ في القرآن ، ومعجِزٌ للعقول والأفهام هو آياتٌ بيِّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم ، الأئمّة المعصومون ، أعلام الدّين وورَثَة عِلم النّبيين.

وبناءً على ذلك ، يتضح أنّ للمؤمنين سُنّة جامِعة غير مفرِّقة ، سنة النّبي صلى الله عليه وآله، وسنة الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

سنّة جامعة للمؤمنين ، وعاصِمة لهم من التفرق والضلال ، يجب اتّباعها والأخذ بما جاء فيها ، واستنباط الأحكام ، والتشريعات ، والمعارف والعلوم منها.

ووفقاً لآية الإطاعة ، وبضميمة قوله تعالى :

﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾.

يتم تمييز مصادر التشريع الإسلامي وتحديدها في :

١ - القرآن الكريم .

٢ - السُّنّة المطهّرة : كلّ قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ ثبت صدوره عن المعصوم؛
الرسول والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين .

٣ - الاستنباط : الاجتهاد العقلائي السليم في فهم النُّصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة بُغيةَ استخراج الحُكم الشرعي وفقاً للقواعد العلمية والمنطقية.

إنّ الشريعة تخاطب العقول ، وليس فيها شيءٌ من الأوهام والخرافات.

٤ - العقل : لازم من لوازم المعرفة والتديُّن ، ومن لا عقلَ له لا دِينَ له.

.....................

وتستمر الحكاية...........

الفصل الثالث :..........


رد مع اقتباس