اتَّفق المسلمون على ظهور
المهدي في آخر الزمان لإزالة الجَهل و الظُلم و الجَور ، و نشر أعلام العدل ، و إعلاء كلمة الحقِّ ، و إظهار الدين كله ، ولو كره المشركون .
فهو بإذن الله ينجي العالم من ذلِّ العبودية لغير الله ، و يلغي الأخلاق و العادات الذَميمة ، و يبطل القوانين الكافرة التي سَنَّتْها الأهواء ، و يقطع أواصر العصبيّات القومية و العنصرية ، و يمحو أسباب العداء و البغضاء ، التي صارت سبباً لاختلاف الأمَّة و افتراق الكلمة .
فيحقق الله سبحانه بظهوره وعده ، الذي وعد به المؤمنين بقوله عزَّ و جلَّ : (
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ، وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ، الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ، يَعْبُدُونَنِي لَايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ، وَ مَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، ( النور : 55 ) .
و قوله : (
وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ، وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) ، ( القصص : 5 ) .
و قوله : (
وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) ، ( الأنبياء : 105 ) .
و تشهد الأمَّة بعد ظهوره ( عليه السلام ) عَصراً ذهبياًَ ، حيث لايبقى فيه على الأرض بيت إلا و دخَلَتْه كلمة الإسلام ، و لاتبقي قرية ، إلا و ينادَى فيها بشهادة(
لا إله إلا الله ) بُكرَةً و عشياً . لقد تواتَرَتْ النُصُوص الصحيحة و الأخبار المرويَّة عن طريق أهل السنة و الشيعة المؤكدة على إمامة
أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و المشيرة صراحةً إلى أن عَدَدهم كعدَدِ نُقَباء بني إسرائيل ، و أنَّ آخر هؤلاء الأئمة هو الذي يملأ الأرض - في عهده - عدلاً و قسطاً ، كَمَا مُلِئَت ظُلماً و جوراً .
و أن أحاديث الإمام الثاني عشر المعروف بالمهدي المنتظر ( عليه السلام ) ، قد رواها جملة من محدِّثِي السنة في صِحَاحِهم المختلفة ، كأمثال
الترمذي و
أبي داود و
ابن ماجة و غيرهم .
حيث أسندوا رواياتهم هذه إلى جملة من أهل بيت
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) و صحابته ، أمثال
الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، و
عبد الله بن عباس ، و
عبد الله بن عمر ، و
أم سلمة زوجة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) ، و
أبي سعيد الخدري ، و
أبي هريرة ، و غيرهم .
و نذكر من تلك الروايات ما يلي :
الأولى :
روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : (
لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوم لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أهْلِ بَيْتِي ، يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً ) .
الثانية :
أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال :(
لاَتَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلكُ العَرَبَ رَجُلٌ مِن أهْلِ بَيْتِي ، يُواطئ اسْمُه اسْمِي ) .
الثالثة :
أخرج أبو داود عن أم سلمة قالت ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : (
المَهْدِي مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة ).
الرابعة :
أخْرَجَ الترمذي عن ابن مسعود أنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : (
يَلي رَجُلٌ منْ أهْلِ بَيْتِي ، يُواطئ اسْمُه اسْمي ) .
إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي بلغت أعلى مراتب التواتر ، إذ يقول الدكتور عبد الباقي : ( إن المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين ، أو راوٍ أو راوِيَيْن ، إنها مجموعة من الأحاديث و الآثار تبلغ الثمانين تقريباً ، اجْتَمَعَ على تناقلها مِئاتُ الرُواة ، و أكثر من صاحب كتاب صحيح ) . هذا هو المهدي الذي اتَّفق المحدِّثون و المتكلِّمون عليه ، و إنما الاختلاف بين الشيعة و السنة في ولادته . فالشيعة ذهبت إلى أن المهدي الموعود ( عليه السلام ) هو الإمام الثاني عشر ، الذي ولد بمدينة سامراء عام ( 255 هـ ) ، و اختفى بعد وفاة أبيه عام ( 260 هـ ) ، و قد تضافرت عليه النصوص من آبائه ، على وجهٍ ما تَرَك شَكّاً و لاشُبْهَة ، و وافقتهم جماعة من علماء أهل السنة ، و قالوا بأنه وَلَد ، و أنه محمَّد بن
الحسن العسكري .
و الكثير منهم قالوا : سيولَدُ في آخر الزمان ، و بِمَا أنَّ أهل البيت ( عليهم السلام ) أدرى بما في البيت ، فمن رجع إلى روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) في كتبهم يظهر له الحق ، و أنَّ المولود للإمام العسكري ( عليه السلام ) هو المهدي الموعود ( عليه السلام ) .
و نذكر ممن وافق من علماء أهل السنة بأن وليد بيت العسكري هو المهدي الموعود ( عليه السلام ) فيما يلي :
1-
محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي في كتابه (
مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ) .
2–
محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابيه (
البيان في أخبار صاحب الزمان ) ، و (
كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ) .
3-
نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي في كتابه (
الفصول المهمة في معرفة الأئمة ) .
4-
سبط ابن الجوزي في كتابه (
تذكرة الخواص ) .
و إلى غير ذلك من علماء و حفاظ ذكر أسماءهم و كلماتهم
السيد الأمين في كتابه (
أعيان الشيعة ) ، و أنهاها إلى ثلاثة عشر . ثم قال : ( و القائلون بوجودِ المَهْدي من علماء أهل السنة كثيرون ، و فيما ذكرناه منهم كفاية ، و من أراد الاستقصاء فليرجع إلى كتاب (
البرهان على وجود صاحب الزمان ) ، و رسالة (
كشف الأستار )
للشيخ حسين النوري ).