عرض مشاركة واحدة
قديم 2013/07/25, 12:16 AM   #9
احمد العراقي


معلومات إضافية
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل: 2010/12/19
المشاركات: 2,307
احمد العراقي غير متواجد حالياً
المستوى : احمد العراقي تم تعطيل التقييم




عرض البوم صور احمد العراقي
افتراضي

قوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}(1). ____________

(1) التحريم: 4ـ 5.
الصفحة 256 إنّ هاتين الآيتين نزلتا في عائشة وحفصة باتفاق المفسرين والمحدثين، وذكروا أنهما قد آذيتا النبي(صلى الله عليه وآله) وتعاونتا على معصيته وإغضابه، فاعتزلهن مدة من الزمن، فأنزل الله تعالى هذه الآيات المباركة تطالبهن بالتوبة على فعلتهن، وفي غير هذا الحال فقد توعدهن الله تعالى وهددهن بالتظاهر عليهن وتطليق النبي(صلى الله عليه وآله) لهن، وهذا البيان في الآيات المباركة بالإضافة إلى تضمنه الذم والتقريع والوعيد لهما، فإن ما ذكره المفسرون في سبب نزول الآيات صريح في إيذاء حفصة وعائشة للنبي(صلى الله عليه وآله) ومعصيتهما له، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًاً}.
قال السمرقندي في تفسيره:
"{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} يعني: تعاونا على أذاه ومعصيته، فيكون مثلكما كمثل امرأة نوح وامرأة لوط، تعملان عملاً تؤذيان بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله)"(1).
وقال القرطبي في تفسيره:
"{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} أي: تتظاهرا وتتعاونا على النبي(صلى الله عليه وآله) بالمعصية والإيذاء"(2).
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن الخطاب (رض)، قال:
____________

(1) السمرقندي، تفسير السمرقندي: ص446.
(2) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج18 ص189، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
الصفحة 257 "فدخلت على عائشة، فقلت: يا بنت أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقالت: مالي ومالك يا بن الخطاب، عليك بعيبتك، قال: فدخلت على حفصة بنت عمر، فقلت لها: يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله، والله لقد علمت أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يحبك، ولولا أنا لطلقك"(1).
2ـ قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}(2).
قال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء}.
"قال المفسرون: نزلت في امرأتين من أزواج النبي(صلى الله عليه وآله) سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة وهي ثوب أبيض، ومثلها السب، وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما.
وقال أنس وابن زيد: نزلت في نساء النبي(صلى الله عليه وآله) عيرن أم سلمة بالقصر، وقيل: نزلت في عائشة أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة، وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله، إن النساء يعيرنني ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هلا قلت: إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد"(3).
والآية المباركة كما هو واضح تضمنت جملة من ألفاظ الذم والتهكم والنهي والتهديد والتوعّد بسوء العاقبة، حيث عبرت بلفظ (بئس) الذي هو من أساليب الذم في اللغة العربية، ونهت الذين نعتتهم بالإيمان عما بدر منهم من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وأسماء الفسوق وأمرتهم بالتوبة، وتوعدتهم أن يكونوا مع الظالمين إن لم يكفّوا عن فعلهم الشنيع.
____________

(1) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج2 ص1105، كتاب الطلاق، باب الإيلاء ح 1479، دار الفكر ـ بيروت.
(2) الحجرات: 11.
(3) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج16 ص326.
الصفحة 258 ولا أجد أسلوباً أشد من هذه الأساليب في بيان ذم الشخص وتوبيخه، ولو أنكرنا دلالة هذه التعابير على الذم والتوبيخ فإنه لا يثبت لنا ذم لفاسق أو منافق أو كافر في القرآن الكريم؛ لأن الآيات التي وردت في ذمهم وتقريعهم لا تتجاوز هذه الألفاظ الواردة في هذه الآيات المباركة في حق نساء النبي(صلى الله عليه وآله) وبعض الصحابة.
قال الفخر الرازي في تفسيره:
"{وَمَن لَّمْ يَتُبْ} أمرهم بالتوبة عما مضى وإظهار الندم عليها مبالغة في التحذير وتشديداً في الزجر"(1).
وقال البيضاوي في تفسيره أيضاً:
"{فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب"(2).
وقال الشوكاني في تفسيره:
"{وَمَن لَّمْ يَتُبْ} عما نهى الله عنه {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لارتكابهم ما نهى الله عنه وامتناعهم عن التوبة، فظلموا من لقّبوه، وظلمهم أنفسهم بما لزمهم من الإثم"(3).
____________

(1) الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي: ج28 ص133.
(2) البيضاوي، تفسير البيضاوي: ج5 ص218، دار الفكر ـ بيروت.
(3) الشوكاني، فتح القدير: ج5 ص64، عالم الكتب.
الصفحة 259 وهناك آيات أخرى تصرح بعصيان بعض نساء النبي وإيذائهن لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وذم الله عز وجل لهن(1).
وقد أكد هذا المعنى الكثير من الروايات المتضافرة التي تنص على إيذاء عائشة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) في مواطن كثيرة، فلطالما آذته في التجاوز على من يحب من نسائه حسداً منها، فقد كانت تذم خديجة (عليها السلام) وتتهجم عليها بألفاظ قاسية وهي لم ترها، كل ذلك حسداً منها لما تراه من منزلة ومحبة خاصة لخديجة في قلب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك يؤذي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويغضبه، وهذا ما أخرجه المحدثون في مجامعهم بأسانيد معتبرة.
فقد أخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن عائشة، قالت: "ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوماً خديجة فأطنب في الثناء عليها، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة، فقلت: لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، قالت: فتغير وجه رسول الله تغيراً لم أره تغير عند شيء قط إلا عند نزول الوحي وعند المخيلة(2) حتى يعلم رحمة أو عذاب"(3).
وفي لفظ آخر: "فتمعّر(4) وجهه تمعراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينظر أرحمة أم عذاب"(5)،
____________

(1) الأحزاب: 28ـ 30، راجع الطبري والقرطبي وغيرهما في تفسير هذه الآيات.
(2) المخيلة: السحابة المخيلة والمخيل والمختالة التي تحسبها ماطرة، الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ج3 ص372.
(3) أحمد بن حنبل، المسند: ج17 ص542، دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق: حمزة أحمد الزين، وقد حكم على الحديث بأن إسناده صحيح.
(4) تمعر: وتمعر لونه عند الغضب: تغير، الجوهري، الصحاح: ج2 ص818.
(5) أحمد بن حنبل، المسند: ج17 ص532، دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق: حمزة أحمد الزين، وقد حكم على الحديث بأن إسناده صحيح.
الصفحة 260 وقد أخرجه الحاكم في المستدرك أيضاً، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي قائلاً: "على شرط مسلم"(1)، وقال الهيثمي: "رواه أحمد وإسناده حسن"(2)، وقال ابن كثير في تعليقه على سند الحديث:
"وهذا إسناد جيد"(3)، والحديث رواه البخاري(4)، ومسلم(5)،
وابن حبان(6)، وغيرهم بألفاظ مختلفة.
فهذه الآيات الشريفة وغيرها والأحاديث النبوية الصحيحة تبين لنا مدى المعاناة التي كان يكابدها النبي(صلى الله عليه وآله) والأذى الذي كان يتحمله من المقربين إليه في منزله، والذي يعتبر من أعظم الأذى عليه، بل هو يعتبر أيضاً ترجمة حية للحديث النبوي الشريف المعروف: "ما أوذي أحد ما أوذيت في الله"(7).
ثالثاً: العتاب المتضمن للذم والتوبيخ
لقد استغربت كثيراً من قولكم: نعم، وردت آيات عتاب لا تنقص من مكانتهم التي ثبتت في عشرات الآيات المادحة، وتسمية ذلك ذماً من أعجب الكلام، فليس كل عتاب في القرآن يكون ذماً.
____________

(1) الحاكم، المستدرك على الصحيحين مع تعليقات الذهبي في التلخيص: ج4 ص318، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(2) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص224، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(3) ابن كثير، البداية والنهاية: ج3 ص158، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(4) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص444، ح3750، دار الفكر ـ بيروت.
(5) مسلم، صحيح مسلم: ج4 ص1889، كتاب الفضائل ح2437، دار الفكر ـ بيروت.
(6) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج15 ص468، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط، وقال في حكمه على الحديث: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(7) الألباني، صحيح الجامع الصغير: ج2 ص976، نشر المكتب الإسلامي، وقال عنه الألباني: حسن.
الصفحة 261 فإنه مما تقدم اتضح أن الآيات المباركة استعملت أشد ألفاظ الذم والتوبيخ والتهديد في حق جملة من الصحابة وبعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، وذلك كالحكم على بعضهم بالارتداد والخسران المبين والمقت والغضب والطرد عن رحمة الله تعالى واللعن في الدنيا والآخرة، وغير ذلك مما تقدم من ألفاظ الذم والتقريع، التي لا يمكن حملها على مجرد العتاب واللوم، بل إن حمل تلك الألفاظ الشديدة على العتب والملامة الخفيفة تحكّم وبلا دليل.
ويضاف إلى ذلك ما ذكرناه من أن العتاب ذاته قد يتضمن في كثير من الأحيان الذم والتوبيخ، ويفهم ذلك من الكلام الصادر في مقام العتاب المشتمل على ألفاظ الذم، وكذا يفهم من مقام حال المتكلم والظرف والواقعة التي صدر الكلام لبيانها والحكم عليها، ولا يخفى ذلك على من لاحظ الاستعمالات العربية في هذا المجال، حيث يرادف في كثير من الأحيان بين لفظ العتاب وألفاظ الذم والتوبيخ والتقريع، وقد قلتم في تقرير هذه الحقيقة: "فليس كل عتاب في القرآن يكون ذماً" مما يعني أن بعض العتاب قد يكون ذماً أيضاً، وهو ما أثبتناه في الآيات السابقة في حق بعض الصحابة ونساء النبي(صلى الله عليه وآله)، وصرح به القرطبي أيضاً فيما تقدم من كلامه.
آيات عتاب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)
قلتم في ص45: "فإنّ الله قد عاتب من هو أفضل من الصحابة ومن أمهات المؤمنين وما كان ذلك ذماً؛ فقد عاتب نبينا محمداً في عدة مواطن ولم يكن ذلك ذماً. عاتبه في الأعمى، وعاتبه في الأسرى، وعاتبه في موضوع مولاه زيد، وعاتبه في تحريم ما أحل سبحانه، ولم يكن ذلك ذماً، أو منقصاً من مكانته صلوات الله وسلامه عليه".
الصفحة 262 قلت: الجواب على ما بينتموه من إشكال يتضمن الأمور التالية:
أولاًَ: التباين بين عتاب النبي(صلى الله عليه وآله) وعتاب غيره
لو افترضنا جدلاً أن الله تعالى عاتب نبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله)، فإن عتابه يختلف تماماً عن ألفاظ الذم والتوبيخ التي خاطب الله تعالى بها بعض الصحابة، فإن خطاب الله تعالى لنبيه الأكرم بلفظ: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ} وأما خطابه لبعض الصحابة فقد جاء بألفاظ: {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} وأمثالها من ألفاظ الذم أو ما يسمى بالعتاب المتضمن للتقريع والتوبيخ، وهذا ما لم يتضمنه خطاب الله تعالى مع نبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله) إذا افترضنا أنه من ألفاظ العتاب.
ثانياً: لا يوجد عتاب للنبي(صلى الله عليه وآله) في القرآن الكريم
نحن نعتقد أن الموارد التي ذكرتها في حق النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) خالية عن كل أشكال العتاب واللوم في حقه، وإنما العتاب فيها متوجه إلى مخاطبين آخرين كالصحابة وغيرهم.
1ـ آيات العتاب على الأعمى
أما بالنسبة إلى مسألة الأعمى في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى} (1)، فإن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير هذه الآية مبني على أن المخاطب بالآيات المباركة شخص آخر كان حاضراً في المجلس، والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة جداً:
____________

(1) عبس: 1ـ2.
الصفحة 263 منها: إن الصفات المذكورة في الآيتين الكريمتين تضمّنت بعض الصفات الأخلاقية الذميمة، التي لا يمكن أن يكون النبي(صلى الله عليه وآله) هو المعني بها؛ لأن العبوس والصدّ عن الفقراء مع الإقبال على الأغنياء ـ كما هو صريح الآيات اللاحقة في السورة المباركة ـ ليس من صفات النبي(صلى الله عليه وآله) ولا تشبه أخلاقه الكريمة وتحننه وعطفه وسماحته مع أصحابه.
ومنها: إنّ الله تعالى قد أشاد بخلق النبي(صلى الله عليه وآله) وعظمه، إذ قال قبل نزول سورة عبس: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فهذه الآية نزلت في بداية البعثة المباركة، فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته بإطلاق القول في ذلك، ثم يعود ثانية فيعاتبه عتاباً شديداً على سوء بعض أعماله وصفاته الخلقية ويذمه على ذلك؟!
ومنها: ما ورد أيضاً في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(1)، وهذه الآية بقرينة ورودها في سياق إنذار العشيرة تكون نازلة في أوائل الدعوة الإسلامية، وكذلك قال تعالى في آية أخرى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}(2)، وقد نزلت هذه الآية في بداية الدعوة العلنية للإسلام، وعليه فكيف يتصور أنه(صلى الله عليه وآله) خالف تلك الأوامر الإلهية بالعبوس في وجوه المؤمنين والإعراض عنهم والإقبال على المشركين، الذي يتنافى مع خفض الجناح للمؤمنين والإعراض عن المشركين، وقد أُمر(صلى الله عليه وآله) بهما؟!
____________

(1) الشعراء: 214ـ215.
(2) الحجر: 94.
الصفحة 264 مضافاً إلى أن الإعراض عن الفقراء وتقطيب الوجه في استقبالهم مع الإقبال على الأغنياء من المشركين قبيح لدى العقل والعقلاء ومناف لكرائم الخلق الإنساني، ولا نحتاج لبيان وجوب التجنب عنه إلى نهي صريح في القرآن الكريم، فكيف يخالف النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ويرتكب أمراً واضح القبح والذم عند العقل والعقلاء.
فالصفات الذميمة التي سطرتها الآيات العشر الأول من سورة (عبس)، إنما هي من فعل شخص ثالث كان جالساً بحضرة النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد خاطبه الله تعالى بالذم والعتاب الشديد، تارة بتوجيه الخطاب إليه مباشرة عن طريق ضمير الغائب، وأخرى بتوجيه الخطاب إليه عن طريق مخاطبة النبي(صلى الله عليه وآله)؛ لتشديد الإنكار عليه ولبيان أنه لا يستحق أن يخاطبه الله تعالى مباشرة، وإن كان الخطاب في سياق الذم.
وقد نص على هذه الحقيقة بعض المفسرين وغيرهم من أعلام الطائفة السنية(1).
2ـ آيات العتاب على الأسرى
وأما مسألة الأسرى في قوله تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(2)،
____________

(1) لاحظ: الزركشي، البرهان: ج2 ص243؛ القاضي عياض، الشفا بتعريض حقوق المصطفى: ج2 ص167.
(2) الأنفال: 67.
الصفحة 265 فالعتاب فيها أيضاً غير متوجه إلى النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وإنما هو متوجه إلى بعض صحابة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)؛ وذلك لأن ظاهر الآية المباركة هو العتاب على أخذ الأسرى لا على أخذ الفدية منهم، حيث جاء التعبير فيها بـ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} ولا توجد أي دلالة فيها على أخذ الفدية، كي يعود العتاب على النبي(صلى الله عليه وآله)، وبقرينة ضمير الجمع في قوله: {تُرِيدُونَ} يظهر من الآية المباركة أنها وردت في مقام تنبيه المسلمين على نقطة مهمة في الحرب، وهي أن عليهم أن لا يفكروا ولا ينشغلوا بأخذ الأسرى قبل اندحار العدو بالكامل، حيث كان بعض المقاتلين من المسلمين يسعون للحصول على أكبر عدد ممكن من الأسرى، لكي يأخذ منهم مبلغاً أوفر من المال بإزاء الإفراج عنهم، وهذا ما يشغل المسلمين عن القتال ويفسح المجال أمام العدو لجمع قواه ومعاودة القتال، كما وقع ذلك في غزوة أحد.
ومن هنا ألقت الآية باللوم على الذين خالفوا الأمر، قائلة: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} بمعنى أن الاهتمام بالجانب المادي والغفلة عن الهدف النهائي وهو الانتصار على العدو، من المخاطر السيئة التي لابد أن يتنزه عنها المسلمون.
وقد أكد هذه الحقيقة جملة من علماء الطائفة السنية(1).
3ـ آيات العتاب في طلاق زيد لزوجته
____________

(1) أبو حيان الأندلسي، تفسير البحر المحيط: ج4 ص514؛ القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج2 ص164ـ 165.
الصفحة 266 وأما قضية زيد ومسألة زواجه وطلاقه في قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ }(1)، فهي خالية من العتاب واللوم أيضاً؛ لأن هذه الآية المباركة تتعرض لمعالجة ظاهرة اجتماعية غير مشروعة في الإسلام كان يمارسها الناس في الجاهلية، وجروا عليها بعد البعثة أيضاً، وهي تحريم نكاح أزواج الأدعياء، وكان زيد بن حارثة دعيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وربيبه، وكانت زوجته زينب بنت جحش، فأوحى الله تعالى إلى نبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله) أن زيد بن حارثة سيأتيه طالباً لطلاق زوجته، وأمره عز وجل أن يتزوجها بعد فراق زيد لها؛ ليكون ذلك ناسخاً لسنة من سنن الجاهلية في التحريم، فلما حضر زيد مخاصماً زوجته وعازماً على طلاقها، أشفق الرسول(صلى الله عليه وآله) من الإمساك عن وعظه وتذكيره، لاسيما وأنه كان المتصرف والقائم على تدبير أموره، خصوصاً وأن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يعلم أن المرجفين من المنافقين سيسيئون له بالقول ويقذفونه بحبّه لزينب بنت جحش وأن التطليق كان بتدبيره، مضافاً إلى أن الناس كانت ترى أن الربيب كالابن الصلبي فيشنعون على من ينكح زوجة الربيب بعد تطليقه لها؛ ولذا قال النبي(صلى الله عليه وآله) لزيد: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ"، ولم يكن النبي(صلى الله عليه وآله) مأموراً بترك إبداء الموعظة لزيد، وكذا لم يكن مأموراً بإبداء ما أخبره الله تعالى به، من أن زينب ستكون من أزواجه، فلم تتضمن الآية أي عتاب أو استنكار على فعل خالف فيه نبي الإسلام أمراً من الأوامر الإلهية، وإنما تضمنت الآية نسخاً لسنة جاهلية وإخباراً عن وقوعها مع حفظ الله تعالى وعصمته لنبيه الأكرم ودينه الخاتم من كيد المنافقين.
____________

(1) الأحزاب: 37.
الصفحة 267 وهذا ما أكده جملة من المفسرين، ففي تفسير القرطبي: "فإن قيل: كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لابد منه، أو هذا تناقض؟
قلنا: بل هو الصحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلاً وحكماً، وهذا من نفيس العلم، فتيقّنوه وتقبّلوه"(1).
والمفسرون وغيرهم الذين نفوا وجود العتاب في هذه الآية كثيرون يمكن مراجعة أقوالهم(2)، والبحث في هذه الآية المباركة طويل وعميق موكول إلى محلّه.
4ـ آيات العتاب في تحريم الأزواج
وأما تحريم ما أحل الله سبحانه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(3)، فالعتاب فيها أيضاً متوجه إلى بعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، والتحريم الذي تضمنته الآية ليس تحريماً شرعياً، بل هو قسم من قبل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)، ومن المعروف أن القسم على ترك بعض المباحات ليس فيه ما يوجب العتاب، وقوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ} لم تأت كتوبيخ وعتاب للنبي(صلى الله عليه وآله)، وإنما هي نوع من الإشفاق والعطف، كما تقول لمن يجهد نفسه كثيراً لتحصيل العلم مثلاً: لماذا تتعب نفسك وتجهدها في تحصيل الخير؟ وكقوله تعالى:
____________

(1) القرطبي، تفسير القرطبي: ج14 ص169.
(2) لاحظ: تفسير الواحدي: ص866،؛ تفسير البغوي: ص354؛ القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج2 ص194.
(3) التحريم: 1.
الصفحة 268 {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}(1) وليس في ذلك عتاب، بل عطف وإشفاق، والعفو والغفران الوارد في آخر الآية المباركة إنما هو لمن يتوب من زوجات الرسول بقرينة الآية اللاحقة وهي قوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}(2)، هذا هو نظر أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير هذه الآية المباركة، فلا يصح الاستشهاد والتنظير بها لما ورد من ذم وتوبيخ بعض الصحابة.
المنهج الخاطئ في فهم العقائد الشيعية
قلتم تحت عنوان "نماذج من عقائد الشيعة الإمامية" في ص45 رداً على ما أرسلته إليكم من الجواب حول بعض المقارنات التي ذكرتموها بين عقيدة الشيعة والسنة: "لا أظن أن المعنى غير واضح من كلامي، فإني لم أنسب الكلام إلى أحد ولا إلى كتاب من كتبكم، وإنما قلت لكم: (يفهم من عقيدة الشيعة كذا) ولم أقل: قال فلان، ولعلكم لو رجعتم إلى العبارة لتبين لكم المراد".
قلت: مع أنكم تكلمتم كثيراً في كتابكم عن صحة المنهج وخطئه إلا أنكم لم تلتزموا بما ذكرتموه، وهذا ما يتجلّى فيما نبينه من النقاط التالية:
أولاً: ترك المصادر الشيعية
إنّ المعنى المراد من كلامكم وإن كان واضحاً كما ذكرت، إلا أن المؤسف فيه أنه تضمن الجزاف من التهم والدعاوى من دون أن تستندوا فيها إلى مصدر أو مقال أو كتاب من كتب الشيعة الإمامية، ولا أدري كيف فهمت من عقيدة الشيعة كذا وكذا من دون أن تأخذه من أحد علمائنا أو كتاب من كتبنا؟!
____________

(1) طه: 1ـ 2.
(2) التحريم: 4.
الصفحة 269 وإنا لنربأ بجنابكم أن تحكم حكماً مسبّقاً على طائفة كبيرة من الطوائف الإسلامية من دون الرجوع إلى مصادرها المعتمدة في بيان عقائدها وأحكامها.
ثانياً: الاستنتاجات الشاذّة في الفكر الوهابي عن المذهب الشيعي
لقد صدقتم فيما قلتموه من أن فهمكم عن عقيدة الشيعة لم تكن منسوبة إلى كلام أحد ولا إلى كتاب من كتبنا؛ لأن النتائج التي استنتجتموها من عقائد الشيعة لا تمت إلى عقيدتهم بصلة، كقولكم: إن النبي(صلى الله عليه وآله) بعث إلى علي، فإن هذا لا يؤمن به مسلم يتلوا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(1)، وقولكم هذا ينم عن قلّة اطلاعكم على حقيقة الإمامة عند الشيعة وأبعادها، والتي تعني قيادة الإمام المعصوم للأمة في أمور الدين والدنيا، وحفظ مسيرة الرسالة الخاتمة عن التلاعب والتحريف.
ومما استنتجتموه قولكم: "إن أهل الشيعة تشترط وجود معصوم يرجع إليه، وهذا يعني لابد أن يكون في كل بقعة معصوم ليرجع إليه" إلى آخر كلامكم.
ونحن نجل شخصكم الكريم عن هذا الاستنتاج الضحل الذي لا يتناسب ومكانتكم العلمية، فإن المسلمين بكافة فرقهم يؤمنون بضرورة وجود النبي(صلى الله عليه وآله) في زمانه وضرورة عصمته لإبلاغ الشريعة لجميع الأمة وكل من أراد الإسلام، مع أنه لم يلزم من ذلك القول بضرورة وجود نبي في كل بقعة ليرجع إليه؟!
____________

(1) سبأ: 28.
الصفحة 270 إلى آخر استنتاجاتكم الشاذة التي أجبنا عنها في الرسالة التي أرفقناها مع كتابنا هذا، وستأتي الإجابة عن كثير منها في ثنايا بحوث الكتاب.
الاعتماد على الروايات الضعيفة في فهم العقائد الشيعية
ثم إنكم ذكرتم في كتابكم ص46: "إن الشيعة الإمامية فسرت القرآن خطاباً للأئمة وشيعتهم، فما كان من خير وإيمان فهو للشيعة وما كان من كفر وضلال فهو للمخالف، ثم الجنة لهم والنار لأعدائهم".
وذكرت بعد ذلك نماذج من الروايات من كتبنا للتدليل على ما زعمته.
قلت: إن الذي يؤسفنا أن ما ذكرته سعادة الدكتور مجانب لروح البحث والتحقيق العلمي، ويظهر ذلك مع ملاحظة ما يلي:
1ـ إنكم أكدتم وفي أماكن متعددة من كتابكم (حوار هادئ) على أن الاستناد على الروايات الضعيفة من الخلل الجسيم في المنهج، مما يؤدي إلى الخلل الكبير في النتائج، وقد رفعت هذا الشعار على غلاف الكتاب، ولكن عندما أردت الاستدلال على ما فهمته عن الشيعة من مصادرنا استندت إلى بعض الروايات الضعيفة أو المرسلة والمقطوعة الأسناد، فالرواية الأولى مرسلة عن داود بن فرقد عمن ذكره وكذلك الرواية الثالثة فإنها مقطوعة السند، بل لا سند لها.
وأما الرواية الثانية فهي ضعيفة السند بسهل بن زياد(1) وعبد الله بن
____________

(1) قال النجاشي في رجاله ص158:سهل بن وياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري< وقال السيد الخوئي في معجم الرجال ج9 ص356:وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً أو أنه لم تثبت وثاقته<.
الصفحة 271 محبوب(1).
ولا أدري كيف تطالبنا بالاستناد إلى الروايات الصحيحة والمعتبرة من كتبكم ولا تلتزم أنت بهذا الأسلوب والمنهج عندما تريد الاستناد إلى كتبنا في الاستدلال على مرادك؟!
2ـ إن المضمون الذي جعلتموه غرضاً لإشكالاتكم، وهو أن القرآن الكريم نزل أثلاثاً أو أرباعاً قد جاء أيضاً في كتبكم بعبارات وألفاظ مختلفة.
ومن تلك المضامين:
أ ـ ما ذكره ابن تيمية في الفتاوى عن أبي الفرج بن الجوزي بإسناده عن حسان بن محمد الفقيه يقول: "سألت أبا العباس بن سريج، قلت: ما معنى قول النبي(صلى الله عليه وآله): (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)؟ قال: إن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام، فثلث أحكام وثلث وعد ووعيد وثلث أسماء وصفات، وقد جمع في قل هو الله أحد، أحد الأثلاث وهو الصفات"(2).
ب ـ وفي تفسير القرطبي: "وقيل: إن القرآن أنزل أثلاثاً، ثلثاً منه أحكام، وثلثاً منه وعد ووعيد، وثلثاً منه أسماء وصفات"(3).
ج ـ ما أخرجه الطبري بسنده عن ابن عباس، أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: "أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب"(4).
____________

(1) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث: ج11 ص312.
(2) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج17 ص104.
(3) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج20 ص247، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(4) الطبري، جامع البيان: ج1 ص54، دار الفكر ـ بيروت.
الصفحة 272 د ـ ما أخرجه البيهقي في الشعب بسنده عن أبي هريرة، قال: "قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):... فإن القرآن على خمسة أوجه، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال"(1).
هـ ـ ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: "....ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال"(2).
وهذه الروايات وإن كان هناك من يخدش في بعض أسنادها، ولكن أوردناها تماشياً مع ما انتهجته في الاستدلال برواياتنا، وهي كما ترى قد قسّمت القرآن وصنّفته أثلاثاً وأرباعاً وأخماساً وأسباعاً وربما أكثر، ومنها ما خصّ فهمه بالعرب، ومنها ما خصّ فهمه بالله تعالى ولا يعلمه إلا هو، فعطلت قسماً كبيراً منه، ولم يبق منه إلا ما دل على الحلال والحرام، مع أن الروايات التي نقلتها من طرقنا أوسع من ذلك بكثير، فإنها بالإضافة إلى ما ذكرته من آيات الحلال والحرام، نصت أيضاً على الآيات التي اختصت بأهل البيت(عليهم السلام) ومحبيهم وأعدائهم، ومن الواضح أن الناس ما بين محب لأهل البيت(عليهم السلام) وما بين مبغض وعدو لهم، إذ المبغض لهم يعد منكراً لضرورة من ضرورات الدين الإسلامي، قال تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
ثم إن التوجيه الذي تذكرونه تفسيراً لرواياتكم يصلح جواباً أيضاً لرواياتنا التي قسمت القرآن أثلاثاً وأرباعاً.
وأما قولكم: "ولا ندري أي التقسيمين هو المعتمد؟ أرباعاً أو أثلاثاً"!!
____________

(1) البيهقي، شعب الإيمان: ج2 ص427، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(2) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج3 ص20، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
الصفحة 273 فإننا أيضاً لا ندري أي التقسيمات في رواياتكم هي المعتمدة؟ أثلاثاً أم أرباعاً أم أخماساً أم أسباعاً!!!
أضف إلى ذلك أن مضامين الروايات التي أوردتها من كتبنا واردة بألفاظها في بعض المصادر السنية، بغض النظر عن ضعفها أو صحتها.
من تلك الروايات ما أخرجه الحاكم الحسكاني(1) في الشواهد بسنده عن علي(عليه السلام) قال: "نزل القرآن أرباعاً، فربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام، فلنا كرائم القرآن رواه جماعة عن محمد بن الحسن كما رويت، وجماعة عن زكريا"(2).
وورد بالألفاظ ذاتها ما أخرجه ابن المغازلي الشافعي(3) في المناقب(4)، والقندوزي(5) الحنفي في الينابيع(6)، وأخرج الحاكم عن علي(عليه السلام) أيضاً،
____________

(1) الحسكاني: الإمام المحدث، البارع، القاضي، أبو القاسم، عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسكان القرشي، العامري، النيسابوري، الحنفي، الحاكم، ويعرف أيضا بابن الحذاء، من ذرية الأمير الذي افتتح خراسان، سير أعلام النبلاء، الذهبي: ج18 ص268 ـ 270.
(2) الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل: ج1 ص57 ص59.
(3) قال محمد بن عبد الله الحضرمي: (كان محدثاً يسند إليه في زمانه، روى عنه الكثير، وهو عن جماعة، وكان ثقة، أميناً، صدوقاً، معتمداً في منقولاته مسنداً إليه في مروياته، له كتب منها: ذيل تاريخ واسط لأسلم المشهور ببحشل؛ وكتاب في مناقب سيدنا علي كرم الله وجهه، جمع فيه فأوعى، نقل فيه عن ثقات الرواة) الميزان القاسط في ترجمة مؤرخ واسط: ص19، عن طبقات الحضرمي.
(4) ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب: ص328 ـ 329.
(5) القندوزي: سليمان بن خوجه إبراهيم قبلان الحسيني الحنفي النقشبندي القندوزي: فاضل، من أهل بلخ، مات في القسطنطينية. له (ينابيع المودة) في شمائل الرسول 0 وأهل البيت، الأعلام، خير الدين الزركلي: ج3 ص125.
(6) القندوزي، ينابيع المودة: ج1 ص378.
الصفحة 274 قال: "نزل القرآن أثلاثاً، ثلث فينا وثلث في عدونا وثلث فرائض وأحكام وسنن"(1).
3ـ إن الروايات التي نقلتها من كتبنا على ضعفها ليس فيها أي دلالة على ما استنتجتموه من أن القرآن نزل في الشيعة وفي أعدائهم وهم أهل السنة، فإن في قولكم هذا مغالطة واضحة؛ لأن الروايات لم تذكر أن القرآن نزل في الشيعة ولا أن أعداءهم هم أهل السنة، وإنما قالت: إن القرآن نزل في الحلال والحرام والسنن والأمثال وفي أهل البيت(عليهم السلام) ومحبيهم، ويدخل في المحبين جميع المسلمين ممن لم يبغض أهل البيت ولم ينصب العداوة لهم، ويدخل في أعداء أهل البيت(عليهم السلام) الكافرون والمنافقون والناصبون العداوة لهم(عليهم السلام) وقد نزلت في هؤلاء آيات كثيرة جدّاً كما هو واضح، وأهل البيت(عليهم السلام) يمثلون الخط الصحيح والأصيل في الإسلام وهم الذين أمر الله تعالى بمودتهم وأمر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بالتمسك بهم في حديث الثقلين وغيره، وجعلهم كسفينة نوح في أمته من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.
قال الملا علي القاري في المرقاة:(ألا إن مثل أهل بيتي) بفتح الميم والمثلثة، أي: شبههم (فيكم مثل سفينة نوح) أي: في سببية الخلاص من الهلاك إلى النجاة، (من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) فكذا من التزم محبتهم ومتابعتهم نجا في الدارين، وإلا فهلك فيهما"(2).
____________

(1) الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل: ج1 ص58.
(2) ملا علي القاري، مرقاة المفاتيح: ج9 ص3988.



الان اسئلكم يامعشر العمرية ماهو تفسير هذه الاية
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًاً}
والسؤال الثاني ماهو حكم من خرجة على خليفة المسلمين الشرعي وتسببت بقتل مئات المسلمين ماهو حكمها
الذي تؤذي رسول الله عائشة وكلام الله القران يثبت اذيتها هل نعتب عليها اذا اذت علي ابن ابي طالب؟
الان ياابنا امهاتكم ان امكم اذت الله ورسولة وانتم اليوم تقفون مع امكم هل هجرتم الله ورسولة ؟


توقيع : احمد العراقي
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أنہي مہأأمہلہك وجہودي كہل وجہودي بہيہن أديہك
شہلہون يہصہيہر وأنہي مہلہكہك أبہخہل بہدمہي عہلہيہك