عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/24, 04:25 AM   #2
معلومات إضافية
رقم العضوية : 4414
تاريخ التسجيل: 2016/02/20
المشاركات: 1,006
ابو الحسن غير متواجد حالياً
المستوى : ابو الحسن is on a distinguished road




عرض البوم صور ابو الحسن
افتراضي



في غيبته(عليه السلام)



في غيبته عليه السلام

الغيبة الصغرى

فلسفة مرحلية الغيبة؟

الغيبة الكبرى

الغيبة لطف إلهي

هوية الغيبة

خلفيات غيبة الإمام عليه السلام

أولاً: حفظ وجود الإمام

ثانياً: التمحيص الإعدادي

ثالثاً: اتـّـضاح عجز الاُطروحات الاُخرى

رابعاً: استمرار روح الرفض للظلم و الظالمين

خامساً: الغيبة تبلور مفهوم الانتظار: و سيأتي الحديث عنه لاحقاً

سادساً: الغيبة سرّ من أسرار الله تعالى

سابعاً: تساهم الغيبة في عدم خلو الأرض من حجة



في غيبته

لا شكّ أنّ الاعتقاد بأنّ للإمام المهدي(عليه السلام) غيبتين ـ صغرى وكبرى ـ من معتقدات الشيعة القطعيّة، ووافقهم على ذلك بعض علماء السُنّة، وهذا ما تؤكّده الروايات المكثّفة الواردة عن الفريقين.

فقد أخرج النعماني بإسناده، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد(عليه السلام) يقول: «للقائم غيبتان إحداهما طويلة والاُخرى قصيرة، فالاُولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والاُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه في دينه»([1]).

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): كان أبو جعفر(عليه السلام) يقول: «لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الاُخرى، فقال: نعم .....»([2]).

وقال ابن الصباغ وهو مالكي المذهب: وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الاُخرى، فأمّا الاُولى فهي القصرى، فمنذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وأمّا الثانية وهي الطولى، فهي التي بعد الاُولى في آخرها يقوم بالسيف، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )([3]).



الغيبة الصغرى :

بدأت الغيبة الصغرى بولادة الإمام المهدي(عليه السلام) سنة (255 هـ )، وانتهت بوفاة السفير الرابع والأخير علي بن محمد السمري سنة (328 هـ أو 329 هـ )، فامتدّت أربعاً وسبعين سنة.

وكان الإمام(عليه السلام) خلال هذه الفترة يتصل بأتباعه عن طريق السفراء، وهم بدورهم ينقلون إليه الأسئلة ويأخذون منه الأجوبة. والسفراء هم:

1 ـ عثمان بن سعيد العمري الأسدي، المتوفى ببغداد، والذي قَبِل السفارة عن الإمام المهدي(عليه السلام)، وكان وكيلاً عن جدّه الإمام علي الهادي(عليه السلام)، ثمّ عن أبيه الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).

2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري، المتوفى عام 305 هـ ببغداد.

3 ـ الحسين بن روح النوبختي، المتوفى عام 320 هـ ببغداد.

4 ـ علي بن محمد السمري، المتوفى عام 328 هـ ببغداد.



فلسفة مرحلية الغيبة؟

لقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون الغيبة على مرحلتين، والسرّ في ذلك من الوضوح بمكان حيث تعتبر الغيبة الصغرى بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الكامل للأئمة السابقين(عليهم السلام)، وبين الغيبة الكاملة للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الكبرى.

وقد مهّد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة(عليهم السلام) لغيبة الإمام في أحاديث متظافرة كانت أغلبها مشفوعة بإخبارات تفصيلية دقيقة تبيّن شكل هذه الغيبة، وهوية الإمام الغائب، وأنّه الثاني عشر، ونحوها.

وتُعدّ هذه النصوص من الدلائل الإعجازية الواضحة على إمامته عجل الله تعالى فرجه.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية»([4]).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وجعل في صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهديّ اُمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيعلن أمر الله ويظهر دين الحق...»([5]).



الغيبة الكبرى:

بدأت الغيبة الكبرى بانتهاء السفارة، أي بعد وفاة السفير السمري(رضي الله عنه)سنة 328 هـ ، وستبقى مستمرة إلى يوم الظهور الموعود، بعد أن تستعدّ البشرية للقاء الإمام(عليه السلام) ليخرجها من الظلم والجور إلى النور.

الغيبة لطف إلهي :

بما أنّنا نعتقد ـ نحن الشيعة ـ بأنّ وجود الإمام لطف من الله على عباده، ولولا الإمام لساخت الأرض بأهلها، إذن فوجود الإمام المهدي(عليه السلام)لطف من الله تعالى، وحيث إنّ الإمام(عليه السلام) بوجوده الظاهري بين الناس سوف يكون عرضة للقتل، كما نلمس هذا المعنى من عدّة روايات من أهل البيت(عليهم السلام)، ففي الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «......... أمّا مولد موسى(عليه السلام)، فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة، فدلّوه على نسبه، وأنّه يكون من بني إسرائيل، حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول الى قتل موسى(عليه السلام) بحفظ الله تبارك وتعالى إيّاه، كذلك بنو اُمية وبنو العباس لمّا وقفوا على أنّ زوال ملك الاُمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى القائم، ويأبى الله عزّوجل أن ينكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون»([6]).

إذن على هذا الأساس يتّضح أنّ غيبة الإمام وحفظه من الأعداء لطف إلهي بعباده، بعدما رفض الناس أنفسهم هذه التوصية الإلهية المتمثّلة باتّباع أهل البيت(عليهم السلام).



هوية الغيبة :

عند إجراء مسح ميداني للروايات الواردة بصدد الغيبة وتحديد هويتها، نجد أنّها ظاهرة بأنّ غيبة الإمام ليست أكثر من فقد معرفة شخص الإمام المبارك، وبعبارة اُخرى: أنّ الغيبة ليست أكثر من استتار الهوية والعنوان، وليس استتار وخفاء شخص الإمام، وهذا يظهر من كثير من الروايات:

منها: ما ورد من التوقيع الذي خرج من المهدي(عليه السلام) إلى سفيره محمد بن عثمان(رضي الله عنه) يقول فيه: «فإنّهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلّوا عليه»([7]).

ولا شك أنّ الوقوف على المكان ينسجم مع كون الإمام(عليه السلام) حاضراً بشخصه، غايته أنّنا لا نعرفه ولا نعلم مكانه.

وكذا من الروايات: ما أخرجه الشيخ الطوسي في الغيبة([8])، عن السفير الثاني محمد بن عثمان العمري أنّه قال: «والله إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة ويعرفهم ويرونه».

وهذه الرواية واضحة الدلالة على أنّ غيبة الإمام(عليه السلام) ليست أكثر من خفاء هويته، دون خفاء الشخص.

ومن الروايات كذلك: ما قاله أبو سهل النوبختي حين سُئل، فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين روح دونك؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم واُناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة على مكانه لَعلِّي كنت أدلّ على مكانه، وأبو القاسم لو كانت الحجة تحت ذيله وقُرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه([9]).

ومن الواضح أنّ قوله: لو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم... لعلّي كنت أدلّ على مكانه» يدلّ على وجود الإمام بشخصه، إلاّ أنّه مجهول المكان للجهل بمعرفة شخصه المبارك.

مضافاً إلى ما ورد من استحباب الدعاء للإمام(عليه السلام) في عصر الغيبة بالحفظ من خلفه ومن أمامه... وهي واضحة الدلالة على وجود الإمام بشخصه المبارك، إلاّ أنّنا لا نعرفه فقط. إذن اتّضحت هوية الغيبة، وأنّها ليست غيبة لشخص الإمام، وإنّما الإمام حاضر بشخصه ووجوده إلاّ أنّ الناس غير عارفين له أو ملتفتين إلى حقيقته.



خلفيات غيبة الإمام(عليه السلام):

لقد جاءت الكثير من النصوص الروائية حافلة بذكر الأسباب والعلل والخلفيات لغيبة الإمام(عليه السلام)، ومن هذه الخلفيات:



أولاً: حفظ وجود الإمام:

وهذا الأمر في غاية الوضوح حين نجد السلطات العباسية تسعى سعياً حثيثاً لقتله. إذن لأجل أن لا تخلو الأرض من حجة لله تعالى لابدّ من حفظ وجوده(عليه السلام). أمّا السبب الذي يكمن وراء اختصاص الإمام الثاني عشر بالغيبة لحفظه من القتل، في حين أنّنا نجد آباءه (عليه السلام) كانوا حججاً لله أيضاً أنّهم(عليهم السلام) قد تعرّضوا للقتل والمطاردة والاغتيال.

والجواب بات واضحاً مع ملاحظة الدور الموكول إليه وهو اقامة الدولة الاسلامية العالمية على يديه، فيبقى غائباً إلى حين توفر جميع العوامل اللازمة لانجاز مهمة كتوفر الانصار وغيرها.

ومن الروايات التي تشهد لذلك هي ما رواه زرارة عن الإمام الباقر(عليه السلام)انه قال «ان للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت ولِمَ؟ قال: يخاف ـ وأومى بيده إلى بطنه، قال زرارة يعني القتل)([10]).



ثانياً: التمحيص الإعدادي:

التمحيص: هو التطهير مع شدّة الاختبار، حيث إنّ مادة (محص) تدلّ على الخلوص والتطهير من كل عيب، يُقال: محّص الذهب بالنار أي خلّصه ممّا يشوبه، وعن عليٍّ(عليه السلام) في ذكر فتنة قال: «يمحّص الناس فيها كما يمحّص ذهب المعدن»، وفي الدعاء «اللهمّ محّص عنّا ذنوبنا» أي خلّصنا من ذنوبنا([11]).

والتمحيص والابتلاء سُنّة إلهية رافقت البشرية منذ خلقها، كما يشير إليها الذكر الحكيم، قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )([12])، وقال أيضاً: (وَلُِيمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ أَلَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )([13]).

فمن خلال التمحيص يتعين مركز الفرد وواقعه تجاه عقيدته وإيمانه، استقامةً أو انحرافاً. كما يكشف التمحيص عناصر القوّة والضعف في نفسية الإنسان، فهو طريق لاستكمال النفوس، كما أشار لذلك السيد الطباطبائي في الميزان، حيث قال: التربية الإلهية للإنسان من جهة دعوته إلى حسن العاقبة والسعادة امتحان; لأنّه يظهر ويتعين حال الشيء أنّه من أهل أي الدارين، دار الثواب ودار العقاب؟ لذلك سمّى الله تعالى هذا التصرف الإلهي بلاءً وابتلاءً وفتنةً، فقال بوجه عام: (وَنَبْلُوَكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً )([14])([15])

فقد تبيّن بأنّ الامتحان سُنّة إلهية جارية... ومن هنا يظهر معنى المحق والتمحيص أيضاً، فإنّ الامتحان إذا ورد على المؤمن أوجب امتياز فضائله الكامنة من الرذائل، أو إذا ورد على الجماعة فاقتضى امتياز المؤمنين من المنافقين والذين في قلوبهم مرض صدق عليه اسم التمحيص، وهو التمييز، وكذا إذا توالت الامتحانات الإلهية على الكافر والمنافق وفي ظاهرهما صفات وأحوال حسنة مضبوطة فأوجبت تدريجاً ظهور ما في باطنهما من الخبائث، وكلّما ظهرت خبيثة أزالت فضيلة ظاهرية كان ذلك محقاً له أي كان انفاداً تدريجياً لمحاسنهما، قال تعالى: (وَتِلْكَ الاَْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلُِيمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ )([16]).

وتتضاعف أهمية التمحيص في عصر الغيبة فيما إذا اقترن بالإعداد ليوم الظهور; لتحمّل المسؤولية لإنقاذ العالم من الظلم والجور، التي تفترض وجود عدد كاف ممحّص ليكون من المخلصين الذين لهم شرف المشاركة في الدولة الكريمة.

وقد تظافرت الروايات عن الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) على تعرض الأمة للتمحيص والاختبار الشديد:

منها: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «والله لتكسّرن) تكسّر الزجاج، وإنّ الزجاج لَيعاد فيعود كما كان، والله لتكسّرنّ تكسّر الفخار، وإن الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان، والله لتُغربَلُنّ، ووالله لتميّزنّ، وواللهِ لتُمحّصنّ حتى لا يبقى منكم إلاّ الأقلّ»، وصعّر كفّه([17]).

وعن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «والله لا يكون ما تمدّون إليه أعناقكم حتى لتمحّصوا، وحتى لا يبقى منكم إلاّ الأندر الأندر»([18]).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «هيهات هيهات، لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتى تمحّصوا، هيهات، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتى تُميَّزوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتى تُغربَلوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى يشقى من يشقى ويسعد مَن يسعد)([19]).

وعن ابن عباس: أنّ جابر قال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال(صلى الله عليه وآله): «إي وربّي، ليمحِّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين»([20]).

مضافاً لروايات الفتن والابتلاء في آخر الزمان التي وردت في طرق الفريقين بالتواتر، وهنالك أبواب خاصة عقدت في مصادر القوم في هذا المجال، وما ذلك إلاّ لأجل التمحيص والاختبار; لاستخراج المخلصين وإعدادهم للنهوض بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم في دولة الإمام المهدي (عليه السلام).

وأخرج الحاكم في مستدركه، عن أبي سعيد، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «ينزل باُمّتي في آخر الزمان بلاء شديد، فيبعث الله عزّ وجلّ من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)([21]).

ومن هذا المنطلق نعرف أهمية التمحيص والاختبار الذي أشارت إليه الروايات بكثافة، وممّا يشهد على أهمية ودور التمحيص، هو ما فعلته الاُمّة الإسلامية بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث حادت عن كتابها وسُنّة نبيّها، ممّا يكشف عن أنّها لم تكن اُمّة ممحّصة قادرة على تحمّل المسؤولية. ومن هنا نفهم عدم قيام الأئمّة(عليهم السلام) بحملة عسكرية; لأنّهم لا يرون القيام بعمل عسكري وحده كافياً للانتصار وإقامة دعائم الحكم الصالح على يد الإمام، بل يتوقف على إعداد جيش عقائدي ممحّص مخلص يؤمن بالإمام وعصمته إيماناً مطلقاً، ويعي أهدافه الكبيرة، ويدعم تخطيطه.

أمّا في دولة المهدي(عليه السلام) فسوف يتحقق فيها هذا الشرط وهذا العدد الكافي من المخلصين من خلال معاصرة البشرية تلك الظروف القاسية.

ومما ينبغي الإشارة إليه هو أنّ التمحيص المقصود الذي من خلاله تتهيّأ البشرية لليوم الموعود هو تمحيص البشرية بشكل عام وعلى مدى عمرها الطويل، بالشكل الذي ينتج الأفراد المخلصين القادرين على تحمّل المسؤولية في الدولة الكريمة.



ثالثاً: اتّضاح عجز الاُطروحات الاُخرى:

ففي فترة الغيبة يتضح عجز كلّ الاُطروحات والمدارس الاُخرى عن تحقيق السعادة والكمال المنشود للمجتمع البشري، وينكشف زيف هذه الاُطروحات، كاُطروحة الاُمم المتحدة، أو حقوق الإنسان وغيرها، وهذا يشكّل عاملاً مهمّاً يساهم في ازدياد التفاعل الإيجابي مع المهمّة الإصلاحية الكبرى للإمام(عليه السلام)، ومن ثم يزيل العقبات التي تقف بوجه هذا التفاعل المطلوب لتحقيق الأهداف الإلهية. وفي هذا الصدد جاءت بيانات أهل البيت(عليهم السلام) لتبيّن هذه الحقيقة:

فعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا، لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سِرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزّ وجل: (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )»([22]).

رابعاً: استمرار روح الرفض للظلم والظالمين:

إنّ الغيبة للامام(عليه السلام) تساهم في إدامة رفض الظلم والفساد من قبيل حكّام الجور; وذلك لأنّه(عليه السلام) لو كان ظاهراً قبل توفّر الظروف المناسبة لتحركه فهو في هذه الحالة: إمّا أن يهادن الظلمة ويجمّد أيّ نشاط له، ومن ثم يبايع الحكام الظلمة، وهذه البيعة لا تسمح له بالتحرك، مع أنّه مذخور للقضاء على الظلم والفساد، مضافاً إلى أنّ مهادنته(عليه السلام) وتجميد نشاطه يضعف روح الرفض للظلم لدى المؤمنين; لأنّهم يرون أمامهم المكلف بإزالة الظلم صامت، فضلاً عن أنّ هذا الموقف السلبي لن يوقف كيد الظالمين ومساعيهم المستمرة لقتله تخلّصاً من هاجس دوره المرتقب; لذا تساهم الغيبة في مضاعفة روح الرفض للظلم. ومن هنا علّلت الروايات الغيبة «لئلاّ يكون في عنقه بيعة إذا قام بالسيف»([23])، وكذا ما جاء في توقيعه(عليه السلام) إلى إسحاق بن يعقوب في جواب أسئلته «... وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )([24])، أنّه لم يكن أحد من آبائي(عليهم السلام) إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي»([25]).

خامساً: الغيبة تبلور مفهوم الانتظار: وسيأتي الحديث عنه لاحقاً.

سادساً: الغيبة سرّ من أسرار الله تعالى:

فقد علّلت جملة من الروايات أنّ الغيبة هي سرّ من أسرار الله تعالى، وليس بالضرورة الاطّلاع على السبب والحكمة وراء أفعال الله تعالى، وإلاّ فالكثير بل غالب أفعال الله تعالى لا تبيّن الحكمة من ورائها; ولذا جاء في بعض الروايات عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «إنّ للقائم (عليه السلام) منّا غيبة يطول أمرها»، فسأله سدير: ولِمَ ذاك يابن رسول الله؟ قال: «إنّ الله عزّ وجلّ أبى إلاّ أن يُجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنّه لابدّ له يا سدير من استيفاء عدد غيباتهم، قال تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق)»([26]).

سابعاً: تساهم الغيبة في عدم خلو الأرض من حجة.

وهذا واضح جداً، لا سيّما مع ملاحظة ما جرى على آبائه من القتل والمطاردة، فلو كان (عجل الله فرجه) ظاهراً لعمد الظالمون لقتله والقضاء عليه، وفي هذا انقطاع لخليفة الله في الأرض. إذن فالغيبة تساهم في الحفاظ على وجود خليفة الله في أرضه.

ولذا ورد في الروايات عن النبي(صلى الله عليه وآله): «لا يزال الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فاذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها»([27]).







--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ الغيبة للنعماني: 175/2.

[2] ـ نفس المصدر: 177/7.

[3] ـ الفصول المهمّة: 2 : 1100 .

[4] ـ إكمال الدين: 413/12، كفاية الأثر: 66.

[5] ـ كفاية الأثر: 10.

[6] ـ كمال الدين: 147 ضمن ح 13.

[7] ـ الغيبة للطوسي: 364/331.

[8] ـ المصدر السابق: 364/329.

[9] ـ نفس المصدر 391/358.

[10] ـ كمال الدين: 481/9، علل الشرائع 1/287/9.

[11] ـ تفسير مواهب الرحمن: 6 : 335 .

[12] ـ آل عمران: 179 .

[13] ـ آل عمران: 141 ـ 142 .

[14] ـ الأنبياء : 35 .

[15] ـ تفسير الميزان: 4/35 .

[16] ـ آل عمران : 140 ـ 141 .

[17] ـ الغيبة للطوسي: 340/289.

[18] ـ الغيبة للطوسي: 337/283.

[19] ـ الكافي: 1/370/6، الإمامة والتبصرة: 130.

[20] ـ ينابيع المودة: 3/297/7، كشف الغمّة للأربلي: 2/1016، معجم احاديث المهدي 1/100.

[21] ـ مستدرك الحاكم: 4/465.

[22] ـ غيبة الطوسي: 472/493، والآية: 128 من سورة الأعراف.

[23] ـ علل الشرائع: 1/286/6، عيون أخبار الرضا: 1/247/6.

[24] ـ المائدة: 101 .

[25] ـ معادن الحكمة: 2/303، الاحتجاج: 2/544، بحار الأنوار: 53/181/10.

[26] ـ إثباة الهداة: 3/486/212.

[27] ـ كنز العمال: 12/17/33856.


يتبع

-
-
-




توقيع : ابو الحسن
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس