عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/24, 04:32 AM   #5
معلومات إضافية
رقم العضوية : 4414
تاريخ التسجيل: 2016/02/20
المشاركات: 1,006
ابو الحسن غير متواجد حالياً
المستوى : ابو الحسن is on a distinguished road




عرض البوم صور ابو الحسن
افتراضي



دور الانتظار في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة




دور الانتظار في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة

محاربة اليأس و بثّ روح التفاؤل و أقسام اليأس

المرابطة

أقسام المرابطة

هل الإمام صاحب الزمان مرابط؟

أثر المرابطة في عصر الغيبة






دور الانتظار في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة

للانتظار أبعاد وزوايا مختلفة، وعلى هذا يكون له دور وأثر كبير وفاعل في حياة الفرد والمجتمع، ولعلّ من أهمّ آثاره هي:

1 ـ من خلال الانتظار يتوجّه الإنسان إلى التعلّق بربّه والتمسّك بإمامه، وطلب الفرج من الله تعالى، وهذا ممّا عَلّمناه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: «أفضل عبادة المؤمن انتظار الفرج من الله عزّوجلّ»([1]).

2 ـ إنّ الانتظار في واحدة من أبعاده يعني الإيمان بالغيب، ومن ثمّ يحمل العبد على العمل والتعبّد بعقيدته، ويكون محباً للعدل كارهاً للظلم، وبذلك يوجّه نفسه وسائر إخوانه إلى ما فيه الخير لنفسه ولإخوانه، من خلال مشاركته وتعاونه مع إخوانه في أحاسيس الانتظار; ليتمكنوا من مقارعة الجزع، كما نلمس ذلك في دعاء الندبة: «هل من معين فاُطيل معه العويل والبُكاء؟ هل من جزوع فاُساعد جزعه إذا خلا؟ هل قذيت عينٌ فساعدتها عيني على القذى؟»([2]).

3 ـ يساهم الانتظار بدفع المؤمن للامتثال والالتزام الكامل بتطبيق الأحكام الإلهية، وبذلك يكتسب الإرادة القوية والإخلاص الحقيقي الذي يؤهّله للمشاركة والتشرّف بتحمّل المسؤولية الكبيرة في اليوم الموعود.

4 ـ إنّ الانتظار يدفع الإنسان المؤمن إلى أن يعيش هذه العقيدة بشكل يملي سلوكه وكلّ أحواله، كما في الدعاء «هل إليك يابن أحمد سبيل فنلقى؟ هل يتّصل يومنا منك بعدة فنحظى...؟ فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فَنقُرَّ عيناً؟ متى ترانا ونراك؟...»([3]).

5 ـ الانتظار يحقق الرابطة الروحية والصلة الوجدانية بين الإمام وشيعته المنتظرين، وبذلك يتوفّر الإنسان المؤمن على عزيمة ـ للمشاركة مع إمامه في نشر العدل على الأرض ـ لا يثنيها حتى الموت، كما في الدعاء: «... وإن حال بيني وبين لقائه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً، وأقدرت به على خليقتك رغماً، فابعثني عند خروجه ظاهراً من حفرتي، مؤتزراً كفني، حتى اُجاهد بين يديه في الصفّ الذي أثنيت على أهله في كتابك، فقلت: (كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)»([4]).

6 ـ يمثّل الانتظار عنصر التوازن في حياة المؤمن إلى الحالة الوسط بين الإفراط ـ الذي يمثّل حالة اليأس والقنوط ـ والتفريط وهو الاستعجال بالأمر، وكلاهما منهيّ عنهما في الشريعة، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجل انتظار الفرج»([5]).

وكذا ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «... كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون، وإلينا يصيرون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل»([6]).

7 ـ الإنسان المؤمن المنتظر لإمامه لا شكّ أنّه مقتد بإمامه الصابر أمام هذه المحن والظلم، وهذا بدوره يساهم في استلهام روح الصبر من إمامه(عليه السلام).

إذن الانتظار ذو عطاء تربوي كبير على المؤمنين العاملين في مختلف نواحي الحياة، إذ يزيل عوامل اليأس والخَوَر من النفوس، ويبشّر بغد مشرق يشعّ فيه نور الإسلام على جميع أنحاء المعمورة. وهذا يدعم مسيرة التكامل إلى الأمام.

8 ـ من خلال الانتظار يتم التعلق بالأنبياء ورسالاتهم وتجديد العهد معهم، والارتباط بمركز الرسالة النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)، لاسيّما الإمام الذي يحقق هدف الأنبياء، والمنقذ الكامل لرسالة الإسلام على وجه الأرض.

9 ـ يساهم الانتظار في بناء وإصلاح المجتمع، حيث إنّ الإنسان المؤمن حين يشعر أنّ كل أداء ونشاط اجتماعي يصبّ في خدمة وتحقيق هدف الإمام وهو إقامة دولة العدل، وهذا بدوره يمنح الإنسان طاقة كبيرة من الروح المعنوية حال ممارسته نشاطاته وأعماله.



محاربة اليأس وبثّ روح التفاؤل وأقسام اليأس:

إنّ عدم اليأس يمكن أن يدخل تحت مفهوم الانتظار، فيكون من مصاديقه أو من لوازمه، إلاّ أنّنا أفردناه لأجل تسليط الضوء عليه; لما يتمتع به من الأهمّية، ويمكن جعل اليأس على أربعة أقسام:

القسم الأول: اليأس من الظهور بصورة كلّيّة ونهائية، ولازم هذا الكلام عدم ظهور القائم(عليه السلام)، مع أنّ قيام القائم من ضروريات المذهب، إذن هذا القسم من اليأس حرام ولا إشكال في حرمته، ولعلّ هذا القسم مصداق لقوله تعالى: و(لاَ يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )([7])، حيث عدّ اليأس في الشريعة من الكبائر.

القسم الثاني: اليأس من ظهور الإمام القائم(عليه السلام) في فترة معينة، كأن يُقال مثلا: إنّ الإمام(عليه السلام) لا يظهر في هذه الفترة إلى مدة 30 سنة، ولعلّ حكم هذا القسم هو الحرمة أيضاً; لأنّ اليأس من الظهور خلال هذه الفترة المعينة يلازمها عدم الانتظار خلالهما، وهو خلاف ما ورد في كثير من الروايات التي تحثّ على الانتظار صباحاً ومساءً، فمن جملة الروايات الواردة في هذا الجانب هي :

1 ـ عن أبي المرهف، عن الصادق(عليه السلام) قال: «هلكت المحاضير»، قال: وما المحاضير؟ قال(عليه السلام): «المستعجلون، ونجا المقرّبون»([8]).

2 ـ في الحديث أنّه قال يقطين لابنه علي: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل بكم فلم يكن؟ قال: فقال له علي: إنّ الذي قيل لكم ولنا من مخرج واحد، غير أنّ أمركم حضركم فاُعطيتم محضه، وكان كما قيل لكم، وإنّ أمرنا لم يحضر، فعُلِّلنا بالأمانيّ، ولو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة أو ثلثمائة سنة لقست القلوب، ولرجعت عامّة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه، تألّفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج»([9]).

3 ـ عن الفضل، عن الصادق(عليه السلام) قال: «أقرب ما يكون العبد إلى الله عزّوجل وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجة الله، فعندها توقّعوا الفرج كلّ صباح ومساء»([10]).

4 ـ عن حمّاد بن عثمان، عن الصادق(عليه السلام) قال: «وتوقّع أمر صاحبك ليلك ونهارك فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن، لا يشغله شأن عن شأن»([11]).

5 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «... إذا اشتدّت الحاجةُ والفاقةُ، وأنكر الناس بعضهم بعضاً فعند ذلك توقّعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً»([12]).

6 ـ ما ورد في التوقيع الشريف: «فإنّ أمرنا يبعثه فجأةً حين لا تنفعه توبة»([13]).

7 ـ الحديث المروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حينما سأل: قيل له: يارسول الله، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «مَثَلُهُ مَثلُ الساعة (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ لاَتأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً)»([14]).

ويمكن دخول هذا القسم مصداقاً للآية الكريمة: (لاَ يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )([15]).

القسم الثالث: اليأس من قرب زمان الظهور، ولعلّ حكم هذا القسم كسابقه; لدخوله تحت الأخبار الواردة في وجوب انتظار الفرج صباحاً ومساءً.

القسم الرابع: وهذا القسم من اليأس هو الممدوح; لأنّه يأس من كلّ الاُطروحات التي تّدعي قيام العدل، والدفاع عن حقوق الإنسان، أمثال منظمة حقوق الإنسان، والاُمم المتحدة، وغيرها من المراكز التي تحمل الشعارات الخالية من المضمون. فعندما يحصل اليأس من كلّ التجارب السابقة التي ادّعت لنفسها حلّ مشاكل العالم ثمّ افتضح زيفها، نتيجة التمحيص، وهو كما قال تعالى: (اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُـجْرِمِينَ )([16])، حيث قال السيد العلاّمة الطباطبائي في تفسيرها: «تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى، وتلك قراهم البائدة، دعوهم فلم يستجيبوا، وأنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا، حتى إذا استيأس الرسل من إيمان اُولئك الناس وظنّ الناس أنّ الرسل قد كُذِبُوا ـ أي أخبروا بالعذاب كذباً ـ جاء نصرنا...»([17]).

وهذا المعنى تشير إليه الروايات، وأنّه إذا حصل اليأس فتوقّعوا الفرج، ولا يكون الظهور إلاّ بعد اليأس. فعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين فشكا إليه طول دولة الجور، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «والله ما تأملون حتى يهلك المبطلون، ويضمحلّ الجاهلون ويأمن المتّقون، وقليل ما يكون حتّى يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتى يكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك، إذ جاء نصر الله والفتح، وهو قوله عزّوجل في كتابه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا )»([18]).

إذن ظاهرة اليأس التي حرّمها القرآن الكريم، وأكّد أهل البيت(عليهم السلام)على ضرورة التخلّي عنها، من الظواهر السلبية في حركة الفرد والمجتمع، لاسيّما في عصرنا هذا، إذن يجب علينا أن نتفاءل ونلقِّن أنفسنا، ونتيقّن بأنّ الفرج والفتح بيد الله عزّوجلّ، وأنّ الكون والطبيعة والحياة كلّها تسير وتتجه إلى غايتها، وأنّ كلّ خطوة وحركة تقرّبنا من الهدف، فلابدّ أن نكون ثابتين أقوياء، لا نعرف الذبذبة في اتخاذ الرأي، ولا الوهن في المواقف، ولا الميوعة والترهّل في السلوك، علينا أن نستمدّ قوّتنا من قوة الإسلام وثباته.





المرابطة:

المرابطة مأخوذة من الربط، بمعنى الشدّ، وعرّفها السيّد العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان([19]) بأنّها: «نسيج الترابط بين قوى وأفعال أفراد المجموعة الإسلامية في الشدّة والرخاء، وفي جميع شؤونهم الدينية والدنيوية».

ويتحقّق هذا الارتباط من خلال الالتزام العملي بالشريعة ودوام العمل بها، وتحديد مسؤولية كلّ فرد بالنسبة إلى الاجتماع الذي يقع في مقدمته التمسّك بولاية أهل البيت(عليهم السلام)، كما أشار لذلك العلاّمة المجلسي(رحمهم الله)في شرح قول الإمام أبي عبد الله(عليه السلام): «رباطنا رباط الدهر»، حيث قال: «أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على طاعة إمام الحقّ وانتظار فرجه ويتهيّؤا لنصرته»([20]).

وفي ضوء ما تقدّم نجد اهتمام وتأكيد القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام)على ضرورة المرابطة، كما سيتّضح.

أقسام المرابطة:

بعد التأمّل في حصيلة النصوص الواردة في المرابطة من القرآن والسُنّة يمكن تصوريها على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: وهو الإرصاد لحفظ الحدود وثغور المسلمين، والاستعداد والتهيّؤ للدفاع عن البلاد الإسلامية في مناطق الثغور والحدود مع الكفّار، وهذا القسم من المرابطة واجب لدى وقوع بلاد المسلمين في معرض الخطر من هجوم الكفار، وأمّا إذا لم تكن في معرض الخطر من الكفّار فلا تجب وإن كانت في نفسها أمراً مرغوباً فيه في الشريعة الإسلامية المقدّسة([21]).

ولعلّ ما يشير إلى ذلك الروايات التالية:

1 ـ عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)، قالا: «الرباط ثلاثة أيام، وأكثره أربعون يوماً، فإذا كان ذلك فهو جهاد»([22]).

2 ـ عن النبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، واُجري عليه رزقه وأمن الفتان»([23]).

3 ـ عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كل ميت يختم عمله، إلاّ المرابط في سبيل الله فإنّه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من أفتان القبر»([24]).

4 ـ وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً أنّه قال: «عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»([25]).

القسم الثاني: وهي مرابطة المؤمن لإمام زمانه(عليه السلام)، بأن يربط نفسه بحبل ولايته ويتمسّك به، ويلتزم اتباع أوامره ونواهيه، ويمكن القول بوجوب هذا القسم على كلّ فرد، كما تقدّم من عدم قبول العمل إلاّ بولايتهم(عليهم السلام)، ولعلّ ما يشير إلى ذلك من الروايات هي:

1 ـ ما ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) في قول الله عزّوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ) قال: «اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوّكم، ورابطوا إمامكم المنتظر»([26]).

2 ـ عن الإمام الكاظم(عليه السلام) قال: «اصبروا على المصائب، وصابروا على التقيّة، ورابطوا على ما تقتدون به، (وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )»([27]).

3 ـ وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «اصبروا على الفرائض، وصابروا على المصائب، ورابطوا على الأئمة»([28]).

4 ـ عن يعقوب السرّاج، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في معنى الآية قال: «اصبروا على الأذى فينا»، قلت: فصابروا، قال(عليه السلام): «على عدوّكم مع وليّكم»، قلت: ورابطوا؟ قال: «المقام مع إمامكم، واتقوا الله لعلّكم تفلحون»، قلت: تنزيل؟ قال: «نعم»([29]).

5 ـ وعن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث آخر أنّه قال: «رابطوا إمامكم فيما أمركم، وفرض عليكم»([30]).

6 ـ عن الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير الآية قال: «اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمة»([31]).

القسم الثالث: وهو أن يربط فرساً أو نحوها، لكي يركبه ويقاتل به أعداء الإمام(عليه السلام) انتظاراً ليوم ظهوره. ولعلّ ما تشير إلى استحباب هذا القسم من الروايات هي:

1 ـ عن الإمام الصادق(عليه السلام) في معنى آية المرابطة (اصبروا) يقول: «عن المعاصي، وصابروا على الفرائض، واتقوا الله، يقول الله: (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ )ثمّ قال(عليه السلام): وأيّ منكر أنكر من ظلم الاُمّة لنا وقتلهم إيّانا؟ ورابطوا، يقول: في سبيل الله، ونحن السبيل فيما بين الله وخلقه، ونحن الرباط الأدنى، فمن جاهد عنّا فقد جاهد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وما جاء به من عند الله»([32]).

2 ـ وعن أبي جعفر(عليه السلام) في هذه الآية، قال: «نزلت فينا، ولم يكن الرباط الذي اُمرنا به بعد، وسيكون ذلك من نسلنا المرابط»([33]).

3 ـ ما ورد عن ابن طيفور المتطبِّب، قال: سألني أبو الحسن(عليه السلام): «أي شيء تركب؟»، قلت: حماراً، فقال(عليه السلام): «بكم ابتعته؟»، قلت: بثلاثة عشر ديناراً، فقال(عليه السلام): «إنّ هذا هو السرف أن تشتري حماراً بثلاثة عشر ديناراً»، قلت: ياسيدي، إنّ مؤونة البرذون أكثر من مؤونة الحمار، قال: فقال: «إنّ الذي يموّت الحمار يموّت البرذون، أما علمت أنّ من ارتبط دابّةً متوقّعاً به أمرنا ويغيّظ به عدوّنا، وهو منسوب إلينا، ادرّ الله رزقه، وشرح صدره، وبلّغه أمله، وكان عوناً على حوائجه»([34]).

ولا يخفى أن احضار الفرس ونحوه كناية عن حالة التأهّب والاستعداد التامّ.

هل الإمام صاحب الزمان مرابط ؟:

دلّت جملة من الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام)على أنّ الإمام صاحب الأمر والزمان(عليه السلام) هو المرابط في سبيل الله عزّوجل، منها:

1 ـ ما ورد في التوقيع الشريف الخارج إلى الشيخ المفيد، وهو: «مِن عبدالله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله»([35]).

2 ـ ما ورد عن أبي جعفر(عليه السلام) في معنى آية المرابطة، قال: «نزلت فينا، ولم يكن الرباط الذي اُمرنا به بعد، وسيكون ذلك من نسلنا المرابط، ومن نسل ابن ناثل([36]) المرابط»([37]).

3 ـ عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين(عليهم السلام): أنّ ابن عباس بعث إليه مَن يسأله عن هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا )([38])، فغضب علي بن الحسين(عليه السلام) وقال للسائل: «وددت أنّ الذي أمرك بهذا واجهني به»، ثمّ قال: «نزلت في أبي وفينا، ولم يكن الرباط الذي اُمرنا به بعد، وسيكون ذلك ذرّيّة([39]) في نسلنا المرابط»([40]).



أثر المرابطة في عصر الغيبة:

للمرابطة دور كبير في حياة الفرد والمجتمع، لاسيّما في عصر الغيبة، ولعلّ من أهمّ آثارها هي:

1 ـ إنّها تقوّي الروابط بين الفرد والمجتمع، وتجعلهم متّجهين صوب الهدف، ومن هنا نجد اهتمام الإسلام بالمجتمع كاهتمامه بالفرد على حدٍّ سواء في الأهمية، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيًما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ )([41]).

2 ـ حيث إنّ نفس المرابطة لا تتحقّق إلاّ بالالتزام العملي بالشريعة، وهذا بدوره يساهم في جعل كلّ حركة من حركات الإنسان قائمةً على أساس الشريعة، وبذلك يتحوّل التزامه بالشريعة إلى همٍّ يوميٍّ متحرّك، ممّا يدعم إخلاصه وارتباطه بالله تعالى وبإمامه(عليه السلام)، وهذا بلا شكّ أنّه من مقرِّبات الظهور.

3 ـ من خلال المرابطة يتحقّق حفظ البلاد الإسلامية من الأعداء، ويحفظ النظام في المجتمع، وبدونها يختلّ النظام، ولا يمكن تحصيل السعادة في المجتمع إلاّ من خلالها.

4 ـ حيث إنّ المرابطة تكون بكل ما فيه الخير والصلاح للفرد والمجتمع، ممّا دعت إليه الشريعة، فتشمل العبادات كالصلاة والصيام...، وتشمل المعاملات بين الأفراد وأحكام الزواج; لأنّ جميع ذلك أنزلها الله تعالى لصالح الإنسان وهدايته إلى الكمال، ففي الرواية الواردة في الدرّ المنثور، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أدلّكم على ما يهجر الله به الخطايا، ويكفّر الذنوب؟»، قلنا: بلى يارسول الله، قال: «إسباغ الوضوء مع المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»([42]).

5 ـ تساهم في إعداد النفس معنوياً لليوم الموعود، والمشاركة في تحمّل المسؤولية، وهذا ما نلمسه في الروايات التي تحثّ على إعداد السلاح، انتظاراً لظهور الإمام(عليه السلام)، ومن الروايات التي تشير إلى ذلك عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «لَيَعُدَّنّ أحدُكم لخروج القائم(عليه السلام) ولو سهماً، فإنّ الله تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن يُنسئ من عمره»([43]).

وعن أبي عبدالله الجعفي قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي(عليه السلام): «كم الرباط عندكم؟»، قلت: أربعون، قال(عليه السلام): «لكنّ رباطنا رباط الدهر، ومن ارتبط فينا دابّة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده، ومَن ارتبط فينا سلاحاً كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرّة، ولا من مرّتين، ولا من ثلاث، ولا من أربع، فإنّما مَثَلنا ومَثَلكم مَثَل نبيّ كان في بني إسرائيل، فأوحى الله عزّوجل إليه أن ادع قومَك للقتال فإنّي سأنصرك، فجمعهم من رؤوس الجبال ومن غير ذلك، ثمّ توجّه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا، ثمّ أوحى الله إليه أن ادع قومك إلى القتال، فإنّي سأنصرك، فدعاهم فقالوا: وعدتنا النصر فما نصرنا، فأوحى الله تعالى إليه: إمّا أن يختاروا القتال، أو النار، فقال: ياربّ القتال أحبّ إليّ من النار.

فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر، فتوجّه بهم، فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتّى فتح الله عزّوجل لهم»([44]).

وقال العلاّمة المجلسي(قدس سره) في شرح قوله(عليه السلام): «كان وزنها...» إلى آخره، أي كان له ثواب التصدّق بضعفي وزنها ذهباً وفضة كل يوم، ويحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، أي له من الثواب مثِلَي وزن الدابّة»([45]).





--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ المحاسن 1/453 ح446، عنه البحار: 52/131 ح33.

[2] ـ راجع مفاتيح الجنان، دعاء الندبة .

[3] ـ يراجع مفاتيح الجنان، دعاء الندبة .

[4] ـ الصف: 4.

[5] ـ الخصال: 675/10، البحار : 52/123/7 .

[6] ـ غيبة الطوسي: 426 ح412 و413 ، عنه البحار: 52/103 ح6 و7 .

[7] ـ يوسف: 87 .

[8] ـ الغيبة للنعماني: 203/5، بحار الأنوار: 52/138/43 .

[9] ـ الغيبة لطوسي: 343/292، بحار الأنوار: 52/102/4 .

[10] ـ كمال الدين: 1/337/10، بحار الأنوار: 52/145/67 .

[11] ـ الاقبال: 1/368 .

[12] ـ تفسير القمي: 2/ 185 .

[13] ـ التهذيب: 1/38 .

[14] ـ كمال الدين: 2/372 /6 ، والآية: 187 من سورة الأعراف.

[15] ـ يوسف: 87 .

[16] ـ يوسف: 110 .

[17] ـ الميزان : 11/279 .

[18] ـ دلائل الإمامة: 248، والآية في يوسف: 110.

[19] ـ الميزان: 4/96 .

[20] ـ روضة الكافي: 8/282/ 576، مرآة العقول: 26/582.

[21] ـ منهاج الصالحين للسيد الخوئي: 376، كتاب الجهاد ، جواهر الكلام: 555 مجلد الحجّ والجهاد.

[22] ـ تهذيب الأحكام: 6/125 ح1، عنه وسائل الشيعة: 15/29، أبواب جهاد العدو، ب6، ح 1.

[23] ـ تذكرة الفقهاء: 9/451.

[24] ـ منتهى المطلب: 2/902.

[25] ـ بحار الأنوار : 90/329 ح 8، عن الخصال: 124 ح46 .

[26] ـ تفسير البرهان : 2/149/4، عن غيبة النعماني: 206 ح13 .

[27] ـ تفسير البرهان : 2/149/3، عن معاني الاخبار: 369 ح1.

[28] ـ تفسير البرهان : 2/149/2، عن الكافي: 2/66 ح3.

[29] ـ تفسير البرهان : 2/152/13، عن تفسير العياشي: 1/237 ح200.

[30] ـ تفسير البرهان : 2/151/8، عن مختصر البصائر: 63 ح31.

[31] ـ تفسير القمي : 1/136.

[32] ـ تفسير البرهان : 2/151/10، عن تفسير العياشي: 1/236 ح197 .

[33] ـ تفسير البرهان : 2/152/14، عن تفسير العياشي: 1/237 ح201 .

[34] ـ الكافي: 6/535 ح1.

[35] ـ الاحتجاج: 2/600، البحار : 53/176/8 .

[36] ـ ابن ناثل: هو ابن عباس، كما ذكر المجلسي في البحار: 24/218.

[37] ـ تفسير العياشي: 1/237 ح201، عنه البرهان: 2/152 ح14 .

[38] ـ آل عمران : 200 .

[39] ـ كذا في المصدر.

[40] ـ الغيبة للنعماني : 206/12، عنه البحار: 24/219 ح15 .

[41] ـ الأنعام : 153 .

[42] ـ بحار الأنوار: 77/311 .

[43] ـ الغيبة للنعماني : 335/10، عنه البحار: 52/366 ح146 .

[44] ـ روضة الكافي : 8/381 /576، عنه البحار: 19/318 ح67.

[45] ـ مرآة العقول : 26/582 .







توقيع : ابو الحسن
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس