عرض مشاركة واحدة
قديم 2019/07/07, 01:50 AM   #4
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي


كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

على رغمي ولا اغتبطت بري *** فلا جزيت بنو العباس خيراً

بــوار الدهـــر بالخبـــر الجلي *** أتوني مهطعين، وقد أتاهم

وصد الثدي عـــن فمه الصبي *** وقد ذهل الحواضن عن بنيها

فشـــدت فـــي رقاب بني علي *** وحل عصــــائب الاملاك منها

تطــالبها بميـــراث النبـــــي (17) *** فضجت أن تشد على رؤوس

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: «.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.». والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.

وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً «أهل بيت أمير المؤمنين» حيث قال لهم: «.. راجين عائدته في ذلك [أي في البيعة للرضا (عليه السلام)] في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.» فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الابقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: «.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم [يعني للعلويين] عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.».

ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: «.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..».

لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، «وقد حدث ذلك بالفعل» عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.

ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضا (عليه السلام) ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.

د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمام (عليه السلام)، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.

ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمام (عليه السلام) يكبره ب‍ «22» سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات! إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.

ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيت (عليهم السلام).. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:

فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة (18). حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضا (عليه السلام) وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.

وثانياً: ولنفس السبب (19) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضا (عليه السلام).

وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضا (عليه السلام) ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمام (عليه السلام) بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجواد (عليه السلام) الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين (20).

ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي يستعملها في القضاء على الإمام (عليه السلام)، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم (21)، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..

ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمام (عليه السلام) لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..

وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.

ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمام (عليه السلام) ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن (22) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: «.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.».

ويذكرني قول المأمون: «ومواساتهم في الفيء إلخ..» بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

وتعطون من مئة واحدا *** يمن عليكم بأموالكم

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه (23)، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: «.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.» (24).

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..


____________

(1) وقد كان بينهم الكثيرون في أول عهد الدولة العباسية. ونقصد ب‍ «الكفاءة» هنا: الكفاءة الظاهرية، التي يقرها منطق الجبارين المتغطرسين، لا الكفاءة الحقيقية التي يريدها الله، وجاء بها محمد. وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.

(2) وفيات الأعيان، طبع سنة 1310 ه‍ ج 1 ص 8. والورقة لابن الجراح ص 22، ومعاهد التنصيص ج 1 ص 205، والشعر والشعراء ص 541، والكنى والألقاب ج 1 ص 330. والأطلس: هو الرجل يرمى بالقبيح..

(3) معاهد التنصيص ج 1 ص 205، 206، وشرح ميمية أبي فراس ص 281، والبداية والنهاية ج 10 ص 290، والبحار ج 49 ص 143، والغدير ج 2 ص 377، والأغاني ج 18 ص 68، و ص 101 طبع دار الفكر، والورقة لابن الجراح ص 22، ونزهة الجليس ج 1 ص 404، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 166، والحنينيات: منسوبة إلى حنين النجفي العبادي. المغني المشهور، والمعبديات: منسوبة إلى معبد المغني المشهور، والبربط: ملهاة، تشبه العود، وهو فارسي معرب. وأصله: بربت: لأن الضارب يضعه على صدره.. انتهى عن نزهة الجليس.

(4) عصر المأمون ج 1 ص 369، نقلاً عن: تاريخ بغداد، لابن طيفور ج 6 ص 75.

(5) المحاسن والمساوي ص 141، وضحى الإسلام ج 2 ص 58، و ج 3 ص 152، و 156، وعصر المأمون ج 1 ص 371، والموفقيات ص 41، وكتاب بغداد ص 54.

(6) البداية والنهاية ج 10 ص 277، وفوات الوفيات ج 1 ص 241، ما عدا البيت الرابع.

(7) الطبري ج 11 ص 1094، طبع ليدن، والعقد الفريد للملك السعيد ص 84، 85، وتجارب الأمم ج 6 المطبوع مع العيون والحدائق ص 461.

(8) قال في النجوم الزاهرة ج 2 ص 201، 202،، ومثله في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 308، وغيرهما: «أن المأمون كان يبالغ في التشيع، ويقول: إن أفضل الخلق بعد النبي علي بن أبي طالب. وأمر أن ينادى ببراءة الذمة ممن يذكر معاوية بخير، لكنه لم يتكلم في الشيخين بسوء بل كان يترضى عنهما، ويعتقد إمامتهما.».

وهذا بعينه هو مذهب المعتزلة في بغداد ابتداء من بشر بن المعتمر، وبشر بن غياث المريسي وغيرهم من معتزلة بغداد، حتى لقد قال بشر المريسي المعتزلي المعروف على ما في البداية والنهاية ج 10 ص 279:

قولاً له في الكتب تصديق ... قد قال مأموننا وسيدنا

خير من قد أقلت النوق ... إن علياً أعني أبا حسن

أعمالنا والقرآن مخلوق ... بعد نبي الهدى، وإن لنا

وصرح بأنه يذهب مذهب المعتزلة كثيرون، منهم: البداية والنهاية ج 10 ص 275، وضحى الإسلام ج 3 ص 295، وإمبراطورية العرب ص 600، وغيرهم، بل لقد قال خيري حماد، في تعليقته على ص 601، من إمبراطورية العرب بقوله: «أجمعت كتب التاريخ العربي على أن المأمون مال إلى الأخذ بمذهب المعتزلة، فقرب أتباع هذا المذهب إليه إلخ.»، ويدل على ذلك أيضاً أقوال. وأشعار المأمون المتقدمة.. ولعل وصف بعض المؤرخين بالتشيع هو الذي أوهم البعض بأن المأمون كان يتشيع بالمعنى المعروف للتشيع، فجزم بذلك، وبدأ يحشد الدلائل، والشواهد، التي لا تسمن، ولا تغني من جوع، وقد غفل عن أنهم يقصدون بكلمة «التشيع» المعنى اللغوي، لا المعنى الخاص المعروف الآن..

وبعد.. فإن من الواضح: أن عقيدة المأمون تلك، لم تكن تثمر على الصعيد العملي العام، فإنه كان من السياسيين. الذين لا ينطلقون في سلوكهم، ومواقفهم الخارجية ن منطلقات عقائدية، ومفاهيم إنسانية. وإنما يكون المنطلق لهم في مواقفهم، وتصرفاتهم، هو ـ فقط ـ مصالحهم الشخصية، وما له مساس في استمرار فرض سلطتهم، وتأكيد سيطرتهم..

(9) وفيات الأعيان ترجمة يحيى بن أكثم ج 2 / 218 ط سنة 1310 ه‍ والسيرة الحلبية ج 3 / 46 والنص والاجتهاد ص 193، وفي قاموس الرجال 9 / 397، نقلاً عن الخطيب في تاريخ بغداد: أنه كان يقول: «ومن أنت يا أحول الخ..» ولا يخفى أنهم أرادوا تلطيف العبارة بقدر المستطاع، فحرفوها إلى ما ترى.

هذا.. وقد يرى البعض: أن تفضيله علياً، وإعلانه بسب معاوية، وإباحته المتعة، وقوله بخلق القرآن، ليس إلا لإشغال الناس بعضهم ببعض، وصرف الناس عن التفكير بالخلافة، التي هي أعز ما في الوجود عليه، والتي ضحى من أجلها بأخيه، وأشياعه، ووزرائه، وقواده. وكذلك من أجل صرف الناس عن أهل البيت (عليهم السلام)، وإبعادهم عنهم.. ولعل هذا الرأي لا يعدم بعض الشواهد التاريخية، التي تؤيده، وتدعمه.

(10) المحاسن والمساوي ص 150.


(11) كتاب بغداد ص 51.

(12) القوي خ ل.

(13) المحاسن والمساوي، طبع دار صادر ص 68، وطبع مصر ج 1 / 105.

(14) كتاب بغداد ص 7.

(15) غاية الاختصار ص 68.

(16) أعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 113، والبحار ج 49 / 137، وعيون أخبار الرضا ج 2 / 151، ومسند الإمام الرضا ج 1 / 75.

(17) التنبيه والإشراف ص 303، والولاة والقضاة للكندي ص 168.

(18) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص 62 عن ابن الأثير.

(19) التربية الدينية ص 100.

(20) راجع مروج الذهب ج 3 / 441، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج 11 / 1103، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج 10 / 269: أنه (عليه السلام) لم يدخل بها إلا في سنة 215 للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج 2 / 454 ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضا (عليه السلام) ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضا (عليه السلام)، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاته (عليه السلام) ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت علي (عليه السلام) حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.

(21) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبط (عليه السلام).

(22) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظم (عليه السلام) من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيت (عليهم السلام)، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهادي (عليه السلام) إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 226، والمجلسي في البحار ج 50 / 203، والمفيد في الإرشاد ص 314.

(23) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

(24) مقاتل الطالبيين ص 629.


توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
رد مع اقتباس