الموضوع: بحث حول الدعاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015/09/09, 07:38 PM   #1
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي بحث حول الدعاء

الفصل الأول :
مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة
الدعاء في اللغة: الدعاء: هو أن تميل الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك. تقول: دعوت فلانا أدعوه دعاء، أي ناديته وطلبت إقباله، وأصله دعاو، إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت. وللدعاء في الكتاب الكريم وجوه عدة، كلها تدور حول المعنى اللغوي المتقدم، نذكر منها:
1 - النداء، يقال: دعوت فلانا، أي ناديته وصحت به، قال تعالى: *(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)*(1) أي، ننادي... وقد يستعمل كل واحد من النداء والدعاء موضع الآخر، قال تعالى: *(كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء)*(2).
(هامش)
(1) سورة آل عمران: 3 / 61. (2) سورة البقرة: 2 / 171. (*)
ص 10
2 - الطلب، يقال: دعاه، أي طلبه، قال تعالى: *(وإن تدع مثقلة إلى حملها)*(1)، أي تطلب أن يحمل عنها.
3 - القول، قال تعالى: *(فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا...)*(2)، أي قولهم إذ جاءهم العذاب.
4 - العبادة، قال تعالى: *(لن ندعو من دونه إلها)*(3)، أي نعبد.
5 - الاستعانة، قال تعالى: *(وادعوا شهداءكم من دون الله)*(4)، أي استعينوا واستغيثوا بهم.
6 - الحث على الشيء، قال تعالى: *(قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا)*(5)، أي حثثتهم على عبادة الله سبحانه.
7 - النسبة، قال تعالى: *(ادعوهم لآبائهم هو أقسط)*(6)، أي انسبوهم واعزوهم.
8 - السؤال، قال تعالى: *(قال ادع لنا ربك)*(7) أي سله (8).
(هامش)
(1) سورة فاطر: 35 / 18. (2) سورة الأعراف: 7 / 5. (3) سورة الكهف: 18 / 14. (4) سورة البقرة: 2 / 23. (5) سورة نوح: 71 / 5. (6) سورة الأحزاب: 33 / 5. (7) سورة البقرة: 2 / 69. (8) يراجع في معنى الدعاء، صحاح الجوهري - دعا - 6: 2337. ومعجم مقاييس اللغة - دعو - 2: 279. وأساس البلاغة - دعو - 131. والقاموس المحيط - دعا - 4: 329. ولسان العرب = (*)
ص 11
الدعاء في الاصطلاح: طلب الأدنى من الأعلى: على جهة الخضوع والاستكانة (1). ودعاء العبد ربه جل جلاله: طلب العناية منه، واستمداده إياه المعونة (2). ويقال: دعوت الله أدعوه دعاء: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير (3). قال تعالى: *(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)*(4). ويقول العلامة المجلسي: الأدعية المأثورة على نوعين:
1 - الأوراد والأذكار الموظفة المقررة في كل يوم وليلة المشتملة على تجديد العقائد وطلب المقاصد والأرزاق ودفع كيد الأعداء ونحو ذلك، وينبغي للمرء أن يجتهد في حضور القلب والتوجه والتضرع عند قرائتها، لكن يلزم أن لا يتركها إن لم يتيسر ذلك.
2 - المناجاة، وهي الأدعية المشتملة على صنوف الكلام في التوبة والاستغاثة والاعتذار وإظهار الحب والتذلل والانكسار، وظني أنه لا
(هامش)
- دعا - 14: 257. ومفردات الراغب: 170. والأنباء بما في كلمات القرآن من أضواء 2: 270. (1) عمدة الداعي: 12. (2) تفسير الرازي 5: 97. (3) المصباح المنير 1: 194. (4) سورة غافر: 40 / 60. (*)
ص 12
ينبغي أن تقرأ إلا مع البكاء والتضرع والخشوع التام، وينبغي أن تترصد الأوقات لها. وهذان القسمان من الدعاء ببركة أهل البيت (عليهم السلام) عندنا كثير. فأما القسم الأول فأكثرها مذكورة في مصباحي الشيخ الطوسي والكفعمي، وكتابي التتمات والإقبال لابن طاووس في ضمن التعقيبات وأدعية الأسبوع وأعمال السنة وغيرها. والقسم الثاني أيضا منشورة في عرض تلك الكتب وغيرها، كالأدعية الخمس عشرة، والمناجاة المعروفة بالإنجيلية، ودعاء كميل النخعي وغيرها، والصحيفة الكاملة جلها بل كلها في المقام الثاني (1). علاقة الدعاء بالعبادة: تقدم أن العبادة هي أحد الأمور التي يصدق عليها مفهوم الدعاء اللغوي الواسع، ويدل على ذلك آيات قرآنية كثيرة وردت في هذا السياق، منها قوله تعالى: *(لن ندعو من دونه إلها)* أي لن نعبد إلها دونه، فهذه الآية وغيرها تترجم الصلة اللغوية الدائمة القائمة بين العبادة والدعاء. أما الصلة الاصطلاحية بين العبادة والدعاء، فإن الدعاء في نفسه عبادة، لأنهما يشتركان في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى، وهو غاية الخلق وعلته، قال تعالى: *(وما خلقت الجن
(هامش)
(1) الاعتقادات / المجلسي: 41. (*)
ص 13
والإنس إلا ليعبدون)*(1)، وقال تعالى: *(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)*(2). فالدعاء والعبادة يعكسان الفقر المتأصل في كيان الإنسان إلى خالقه تعالى مع إحساسه العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الدعاء هو العبادة التي قال الله: *(إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)*) (3) يعني أن الدعاء هو معظم العبادة وأفضلها، وذلك كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الحج عرفة) أي الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم (4). ويؤيد ذلك حديث الإمام الباقر (عليه السلام): (أفضل العبادة الدعاء) (5). وما رواه سدير عنه (عليه السلام)، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): أي العبادة أفضل؟ فقال (عليه السلام): (ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب مما عنده) (6). وإذا قيل: إن الدعاء لا يصح إطلاقه على العبادة الشرعية التكليفية، فإن الصيام مثلا لا يسمى دعاء لغة ولا شرعا، وعليه فليس كل عبادة شرعية دعاء.
(هامش)
(1) سورة الذاريات: 51 / 56. (2) سورة الفرقان: 25 / 77. (3) الكافي 2: 339 / 7، والآية من سورة غافر: 40 / 60. (4) تفسير الرازي 5: 99. (5) الكافي 2: 338 / 1. (6) الكافي 2: 338 / 2. (*)
ص 14
نقول: (الدعاء من العبد لربه: هو عطف رحمته وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية والمملوكية، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء، لأن العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية والاتصال بمولاه بالتبعية والذلة ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه، وهو الدعاء) (1). وإلى ذلك يشير قوله تعالى: *(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)*(2)، فالآية تدعو إلى الدعاء وتحث عليه وتعد بالإجابة، وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة، فقد عبرت أولا بالدعاء (ادعوني) ثم عبرت عن الدعاء بالعبادة (عن عبادتي) أي عن دعائي، بل (إن الآية تجعل مطلق العبادة دعاء، حيث إنها تشتمل على الوعيد لترك الدعاء بالنار، والوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا، لا على ترك بعض أقسامها دون بعض، فأصل العبادة إذن دعاء) (3). وإذا تأملنا في قوله تعالى: *(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)*(4). نلاحظ أنه (كما يشتمل على الحكم وهو إجابة الدعاء، كذلك يشتمل على علله، فكون الداعين عبادا لله تعالى هو الموجب لقربه منهم، وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم) (5).
(هامش)
(1) تفسير الميزان 10: 38. (2) سورة غافر 40: 60. (3) تفسير الميزان 2: 33. (4) سورة البقرة: 2 / 186. (5) تفسير الميزان 2: 32. (*)
ص 15
فإخلاص العبودية لله تعالى هو علة القرب منه تعالى والارتباط به، والقرب منه هو مظنة الإجابة، وهو يكشف عن الصلة الموضوعية بين حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (عليكم بالدعاء، فإنكم لا تقربون بمثله) (1). الدعاء مخ العبادة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد) (2) هذا الحديث المبارك يكشف لنا عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني *(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)*(3). وهذا الاقبال هو التعبير الحي عن الصلة الموضوعية بين الخالق والمخلوق، وعن شعور الإنسان بحاجته الدائمة إلى ربه تعالى في جميع أموره واعترافه الخاضع بالعبودية له تعالى، والتي تتجسد في الشعور بالارتباط العميق بالله سبحانه، فجوهر العبادة إذن هو تحقيق الارتباط والعلاقة بين الخالق والمخلوق، والدعاء هو أوسع أبواب ذلك الارتباط وتلك العلاقة، فهو إذن مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفضل العبادة الدعاء، وإذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة، إنه لن يهلك مع الدعاء أحد) (4).
(هامش)
(1) الكافي 2: 339 / 6. (2) بحار الأنوار 93: 300. (3) سورة فاطر: 35 / 15. (4) عدة الداعي: 35. (*)
ص 16
الدعاء في البلاء والرخاء: الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الإنسان بربه بارئ الكون، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الأحوال، نابعا من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الإنساني. الدعاء في البلاء: إن علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان، ولكل امرئ طريق من قلبه إلى خالقه، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الأحداث وهو بكل شيء محيط، فحتى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن، وعندما توصد في وجهه الأبواب، وتنقطع به العلل والأسباب، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعا منكسرا، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم، قال تعالى: *(وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)*(1). وقال تعالى: *(وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)*(2). وقال تعالى: *(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا)*(3)، والآيات في هذا المعنى
(هامش)
(1) سورة يونس: 10 / 12. (2) سورة الروم: 30 / 33. (3) سورة الإسراء 17: 67. (*)
ص 17
كثيرة، وكلها تدل على أن التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الإنسان وطبيعي في وجوده. قال رجل للإمام الصادق (عليه السلام): يا بن رسول الله، دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: (يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الإمام الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث) (1). لقد جعل الإمام الصادق (عليه السلام) الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه، لقد دله الإمام (عليه السلام) على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر، إن هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلى عند تقطع الأسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الأسباب والعلل الظاهرة، هو الدليل على وجود تلك القدرة، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الإنسان. إن التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء، أمر غير مرئي بالحواس، ويمكننا أن نشبهه بتوجه غريزي مرئي ومعروف، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أمه، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أمه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعود عليه، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان
(هامش)
(1) بحار الأنوار 3: 41 / 16. (*)
ص 18
معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما، وكذلك حال الغرائز الأخرى في الإنسان، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجه الغريزي في ذات الإنسان. إن هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان، قد تغطيه حجب الإثم والشقاء بعد ما يظهر للعيان بنداء الفطرة، فيتراءى للإنسان أنه قد استغنى، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلقا بالأسباب التي هي دونه، قال تعالى: *(كلا إن الإنسان ليطغى * إن رآه استغنى)*(1)، وقال تعالى: *(فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)*(2)، وقال تعالى: *(فلما نجاكم إلى البر أعرضتم)*(3). فإذا اقتصر الإنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة، فإن ذلك لا يمثل كمالا إنسانيا ولا إخلاصا عباديا، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة. الدعاء في الرخاء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موصيا الفضل بن العباس: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) (4) يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدة ولا ينساك، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم، وذلك لأن من نسي ربه
(هامش)
(1) سورة العلق: 59 / 6 - 7. (2) سورة يونس: 10 / 12. (3) سورة الإسراء: 17 / 67. (4) من لا يحضره الفقيه 4: 296 / 896. (*)
ص 19
في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء، ثم إذا دعا ربه في الشدة، كان معنى عمله أنه يذعن بالربوبية في حال الشدة وحسب، وليس هو تعالى على هذه الصفة، بل هو رب في كل حال وعلى جميع التقادير. عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان، يجب أن يعلم بأن ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله، وأنه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها، وذلك لأنه خالق الكون والإنسان والحياة، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم. ولهذا نجد أن الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش، يدعون ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله: *(وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين)*(1). إن الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم، وقد ورد في الروايات ما يدل على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء. فعن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه كان يقول: (ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه أحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء) (2).
(هامش)
(1) سورة الأنبياء: 21 / 89 - 90. (2) من لا يحضره الفقيه 4: 285 / 853. وأمالي الصدوق: 218 / 5. ونهج البلاغة - الحكمة (302). (*)
ص 20
وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنه كان يقول: (لم أر مثل التقدم في الدعاء، فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل ساعة) (1). وعن الإمام أبي الحسن (عليه السلام): (إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تمل الدعاء، فإنه من الله عز وجل بمكان) (2). فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطاه الإجابة، لأنه يقع ضمن دائرة الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الأسباب في الشدة والرخاء، هو الآخر لا تتخطاه الإجابة، وهو مخ العبادة وجوهرها النقي، وهو الذي وصف به المتقون: (ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غيرة الخاشعين) (3). والدعاء بالمعنى الأخير عبادة حية متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للأفعال الخاصة والكلمات المحددة، بل ينطلق فيها الإنسان حرا في المكان الذي يقف فيه، والوقت الذي يختاره، واللغة التي يتحدث بها، والكلمات التي يعبر بها، والمضمون الذي يريده. اقتران الدعاء بمظاهر العبادة: لقد اهتم الشارع المقدس بالدعاء لأنه أحب الأعمال إلى الله تعالى في
(هامش)
(1) الإرشاد: 259. (2) 2: 354 / 1. وقرب الإسناد: 171. (3) نهج البلاغة: الخطبة (121). (*)
ص 21
الأرض، فقرر لآناء الليل والنهار ولكل يوم من أيام الأسبوع وللشهور والسنين أدعية خاصة، وجعل كذلك لكل حالة من حالات الإنسان ولكل فعل يريد الإقدام عليه ولجميع مطالبه الدنيوية والأخروية وظائف من الدعاء والذكر. ويأتي في مقدمة ذلك اقتران الدعاء بسائر العبادات والطاعات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه تعالى بشكل لا يقبل الانفصال، ففي الصلاة والصيام والحج دعوات قررتها الشريعة المقدسة في أوقات معينة. ومن موارد الدعاء في الصلاة تأكد استحبابه في الركعة الثانية من كل فريضة أو نافلة وفي السجود وفي أدبار الصلوات. القنوت: القنوت شرعا: الذكر في حال مخصوص، وهو مستحب في كل صلاة مرة واحدة، فرضا كانت أو نفلا، أداء أو قضاء، عند علمائنا أجمع، ومحله بعد القراءة قبل الركوع (1). قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع) (2). ومما ورد في فضل القنوت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أطولكم قنوتا في دار الدنيا، أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف) (3).
(هامش)
(1) جواهر الكلام 10: 353. (2) الكافي 3: 340 / 7. والتهذيب 2: 89 / 330. (3) ثواب الأعمال: 33. وأمالي الصدوق: 411. (*)
ص 22
ويجوز الدعاء في القنوت بكل ما جرى على اللسان، لما روي عن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت وما يقال فيه، فقال (عليه السلام): (ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئا مؤقتا) (1). ويستحب الدعاء بالمأثور لتجاوز الخطأ واللحن الشائع على الألسن في هذا الزمان، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (يجزيك في القنوت: اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا وأعف عنا في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير) (2). الدعاء في السجود: إن الدعاء هو الاقبال إلى الله تعالى والانقطاع إليه ليتحقق القرب من منازل الرحمة الالهية، والسجود باعتباره روح العبادة حيث تتجلى فيه منتهى العبودية والخضوع للواحد الأحد يحقق الغرض المراد من الدعاء، وهو القرب من رحاب الخالق جل وعلا، فعلى العبد أن ينتهز فرصة القرب ليسأل من خزائن رحمة ربه وذخائر مغفرته. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد) (3). وعنه (عليه السلام): (إن العبد إذا سجد فقال: يا رب يا رب حتى ينقطع نفسه، قال له الرب: لبيك ما حاجتك) (4).
(هامش)
(1) الكافي 3: 340 / 8. والتهذيب 2: 314 / 1281. (2) الكافي 3: 340 / 12. والتهذيب 2: 87 / 322. (3) الكافي 3: 324 / 11. (4) بحار الأنوار 86: 205 / 19. (*)
ص 23
ويستحب أن يدعو العبد بالمأثور أثناء السجود، فعن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه إذا دعا ربه وهو ساجد، فأي شيء تقول إذا سجدت؟). قلت: علمني - جعلت فداك - ما أقول؟ قال (عليه السلام): (قل: يا رب الأرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيد السادات، ويا جبار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا. ثم قل: فإني عبدك، ناصيتي بيدك، ثم ادع بما شئت وسله، فإنه جواد ولا يتعاظمه شيء) (1). وعنه (عليه السلام): (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا وضع وجهه للسجود يقول: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، فاغفر لي ذنوبي يا حيا لا يموت) (2). وسنأتي على الموارد الاخرى من مظاهر العبادة التي تقترن بالدعاء في الفصل الثالث عند ذكر تأثير عامل الزمان والمكان في استجابة الدعاء.
(هامش)
(1) الكافي 3: 323 / 7. (2) سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): 337 / 392. (*)
ص 25


الفصل الثاني :
آداب الدعاء وشروطه
لقد حددت النصوص الإسلامية آدابا للدعاء وقررت شروطا، لا بد للداعي أن يراعيها كي يتقرب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه، ويتحقق مطلوبه من الدعاء، وإذا أهملها الداعي فلا تتحقق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء. وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب:
1 - الطهارة: من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء، سيما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة، فقد روى مسمع عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (يا مسمع، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما؟ أما سمعت الله يقول: *(واستعينوا بالصبر والصلاة)*؟) (1).
(هامش)
(1) تفسير العياشي 1: 43 / 139. (*)
ص 26
2 - الصدقة وشم الطيب والرواح إلى المسجد: روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (كان أبي إذا طلب الحاجة... قدم شيئا فتصدق به، وشم شيئا من طيب، وراح إلى المسجد..) (1).
3 - الصلاة: ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء، للرواية المتقدمة في الطهارة، ولما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين، فأتم ركوعهما وسجودهما، ثم سلم وأثنى على الله عز وجل وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم سأل حاجته، فقد طلب الخير في مظانه، ومن طلب الخير في مظانه لم يخب) (2).
4 - البسملة: ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم) (3).
5 - الثناء على الله تعالى: الثناء على الله سبحانه اعتراف بالوحدانية، وتحقيق للانقطاع التام إلى الله تعالى دون ما سواه، فينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحمد لله الذي جعل
(هامش)
(1) الكافي 2: 347 / 7. (2) بحار الأنوار 93: 314 / 20. (3) بحار الأنوار 93: 313. (*)
ص 27
الحمد مفتاحا لذكره، وسببا للمزيد من فضله..) (1). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربه وليمدحه) (2). وقد أعد الله تعالى لمن يمدحه ويمجده على حسن آلائه جزيل الثواب بما يفوق رغبة السائلين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تشاغل بالثناء على الله، أعطاه الله فوق رغبة السائلين) (3). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن العبد لتكون له الحاجة إلى الله فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآله حتى ينسى حاجته، فيقضيها من غير أن يسأله إياها) (4). أما ما يجزي من الثناء على الله سبحانه قبل الشروع بالدعاء، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن ذلك فقال: (تقول: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وأنت العزيز الكريم) (5).
6 - الدعاء بالأسماء الحسنى: وعلى الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى، لقوله تعالى:
(هامش)
(1) نهج البلاغة: الخطبة (157). (2) الكافي 2: 352 / 6. (3) شرح ابن أبي الحديد 6: 190. (4) بحار الأنوار 93: 312. (5) الكافي 2: 365 / 6. (*)
ص 28
*(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)*(1)، وقوله تعالى: *(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى)*(2). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله بها استجيب له) (3). واعلم أن بعض أهل العلم يقول: ينبغي للداعي إذا مجد الله سبحانه وأثنى عليه أن يذكر من أسماء الله الحسنى ما يناسب مطلوبه، فإذا كان مطلوبه الرزق يقول: يا رزاق، يا وهاب، يا جواد، يا مغني، يا منعم، يا مفضل، يا معطي، يا كريم، يا واسع، يا مسبب الأسباب، يا منان، يا رزاق من يشاء بغير حساب. وإن كان مطلوبه المغفرة والتوبة، يقول: يا تواب، يا رحمن، يا رحيم، يا رؤوف، يا عطوف، يا صبور، يا شكور، يا عفو، يا غفور، يا فتاح، يا ذا المجد والسماح، يا محسن، يا مجمل، يا منعم. وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو يقول: يا عزيز، يا جبار، يا قهار، يا منتقم، يا ذا البطش الشديد، يا فعال لما يريد، يا قاصم المودة يا طالب، يا غالب، يا مهلك، يا مدرك، يا من لا يعجزه شيء. ولو كان مطلوبه العلم يقول: يا عالم، يا فتاح، يا هادي، يا مرشد، يا معز، يا رافع، وما أشبه ذلك (4).
(هامش)
(1) سورة الأعراف: 7 / 180. (2) سورة الإسراء: 17 / 110. (3) التوحيد: 195 / 9. (4) عدة الداعي: 199. (*)
ص 29
وقد ورد في الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تأكيد كثير على الدعاء بالأسماء الحسنى، وأن الله تعالى يستجيب لعبده المؤمن إذا دعاه بأسمائه الحسنى خصوصا في حال السجود. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من قال: يا الله يا الله عشر مرات قيل له: لبيك ما حاجتك؟) (1). وعنه (عليه السلام) قال: (إذا قال العبد وهو ساجد: يا الله يا رباه يا سيداه، ثلاث مرات، أجابه تبارك وتعالى: لبيك عبدي، سل حاجتك) (2). وقال (عليه السلام): (كان أبي إذا لجت به الحاجة يسجد من غير صلاة ولا ركوع ثم يقول: يا أرحم الراحمين، سبع مرات، ثم يسأل حاجته، ثم يقول: ما قالها أحد سبع مرات إلا قال الله تعالى: ها أنا أرحم الراحمين، سل حاجتك) (3). 7 - الصلاة على النبي وآله: لا بد للداعي أن يصلي على محمد وآله بعد الحمد والثناء على الله سبحانه، وهي تؤكد الولاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأهل بيته المعصومين الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى علي وعلى
(هامش)
(1) الكافي 2: 377 / 1. (2) أمالي الصدوق: 335 / 6. (3) وسائل الشيعة 7: 88 / 16. (*)
ص 30
أهل بيتي) (1). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات (2). وقال (عليه السلام): (إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم سل حاجتك، فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى) (3). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من دعا ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع الدعاء) (4). واعلم أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما تكون بعد الثناء، لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل والمدح له، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يسأل الله حوائجه) (5). أما في كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روي بالإسناد عن بريدة، قال قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على
(هامش)
(1) كفاية الأثر: 39. (2) مجمع الزوائد 10: 160. (3) نهج البلاغة: الحكمة 361. (4) الكافي 2: 356 / 2. (5) الكافي 2: 351 / 1. (*)
ص 31
محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) (1). ومن نماذج الصلاة على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في الدعاء ما روي بالإسناد عن حريز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، كيف الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: (قل: اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين ألهمتهم علمك، واستحفظتهم كتابك، واسترعيتهم عبادك، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبهم ومودتهم، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلى الله عليه وعلى أهل بيته) (2). ومن أدب الدعاء عند سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه يجعل الثناء والصلاة على النبي وآله مفتاحا لأغلب فقرات الدعاء، وهذا واضح لمن تأمل الصحيفة السجادية، وهو المراد بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تجعلوني كقدح الراكب، إن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء، اجعلوني في أول الدعاء وآخره ووسطه) (3). ومن نماذج أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) التي تبدأ بالثناء فالصلاة على النبي في جميع فقرات الدعاء ثم المسألة، قوله (عليه السلام): (يا من لا تنقضي عجائب عظمته صل على محمد وآله واحجبنا عن الالحاد في عظمتك، ويا
(هامش)
(1) مجمع الزوائد 10: 163. (2) بحار الأنوار 94: 67 / 55. (3) بحار الأنوار 93: 316. (*)
ص 32
من لا تنتهي مدة ملكه صل على محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك، ويا من لا تفنى خزائن رحمته صل على محمد وآله واجعل لنا نصيبا في رحمتك، ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار صل على محمد وآله وأدننا إلى قربك) (1).
8 - التوسل بمحمد وآله (صلى الله عليه وآله وسلم): وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها، وأهل البيت (عليهم السلام) هم سفن النجاة لهذه الأمة، فحري بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم، ويسأله بحقهم، ويقدمهم بين يدي حوائجه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الأوصياء مني... بهم تنصر أمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع الله عنهم، وبهم استجاب دعاءهم) (2). وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (من دعا الله بنا أفلح، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك) (3). وعن داود الرقي، قال: إني كنت أسمع أبا عبد الله (عليه السلام) أكثر ما يلح به في الدعاء على الله بحق الخمسة، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) (4). ومن نماذج التوسل المروي عنهم (عليهم السلام) هو أن تقول: (اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد، وأتقرب بهم إليك، وأقدمهم بين يدي
(هامش)
(1) الصحيفة السجادية: الدعاء (5). (2) تفسير العياشي 1: 14 / 2. (3) أمالي الشيخ الطوسي 1: 175. (4) الكافي 2: 422 / 11. (*)
ص 33
حوائجي) (1). وعن سماعة بن مهران، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): (إذا كان لك يا سماعة عند الله حاجة فقل: اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي، فإن لهما عندك شأنا من الشأن، وقدرا من القدر، فبحق ذلك الشأن وبحق ذلك القدر أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا) (2).
9 - الاقرار بالذنوب: وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقرا مذعنا تائبا عما اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنما هي المدحة، ثم الثناء، ثم الإقرار بالذنب، ثم المسألة، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بالاقرار) (3). وكان من دعاء الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المروي عن كميل بن زياد: (وقد أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي، معتذرا نادما، منكسرا مستقيلا، مستغفرا منيبا، مقرا مذعنا معترفا، لا أجد مفرا مما كان مني، ولا مفزعا أتوجه إليه في أمري، غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك، اللهم فاقبل عذري، وارحم شدة ضري، وفكني من شد وثاقي) (4).
(هامش)
(1) بحار الأنوار 94: 22 / 19. (2) وسائل الشيعة 7: 102 / 9. (3) الكافي 2: 351 / 3. (4) نهج السعادة: 154 - كتاب الدعاء. (*)
ص 34
10 - المسألة: وينبغي للداعي أن يذكر بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله والإقرار بالذنب ما يريد من خير الدنيا والآخرة، وأن لا يستكثر مطلوبه، لأنه يطلب من رب السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء. وعليه أيضا أن لا يستصغر صغيرة لصغرها، لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار) (1). وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع) (2). ويستحب للداعي إذا كان دعاؤه عبادة خالصة يتقرب بها إلى مولاه أن يسأل ما يبقى جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلى الله تعالى التي يتساوى فيها جميع البشر. جاء في وصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام): (فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله، وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له) (3). وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (بكى أبو ذر من خشية الله حتى
(هامش)
(1) الكافي 2: 339 / 6. (2) بحار الأنوار 93: 295 و300. (3) نهج البلاغة: الكتاب (31). (*)



يتبع


fpe p,g hg]uhx



رد مع اقتباس