عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/12/13, 12:06 AM   #2
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي

الاهتمام الجديّ بتأمين مصالح المسلمين

الأخلاق الحكوميّة لذاك العظيم هي: اليقظة في مقابل وساوس الأعداء، والتواضع أمام المؤمنين والإطاعة المحضة والعبوديّة بالمعنى الحقيقي في مقابل أوامر الله والسرعة في العمل والتحرّك نحو مصالح المسلمين. هذه خلاصة عن شخصيّة ذاك العظيم[14].

“ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم عن النار إلّا وقد نهيتكم عنه وأمرتكم به“[15]. لقد أوضح الرسول الأكرم كافّة الأمور التي تؤدّي بالإنسان والمجتمع الإنساني إلى السعادة. لم يوضّح ذلك فقط، بل عمل به أيضًا. في زمان الرسول، جرى تأسيس الحكومة الإسلاميّة، والمجتمع الإسلامي، وتمّ تطبيق الاقتصاد الإسلاميّ وأقيم الجهاد الإسلامي، وأُخذت الزكاة الإسلاميّة, أصبح البلد إسلاميًّا والنظام إسلاميًّا.

وأمّا مهندس هذا النظام وقائد هذا القطار في هذا الخطّ، فهو النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والشخص الذي كان يخلفه[16].



الصبر على المشقّات وتحمّلها

هنا تحمّل الرسول الأعظم مع أصحابه المخلصين، ثلاثة عشر سنة من المشقّات والمرارات حتّى تجذّرت غرسة الإسلام. وهنا حصلت بيعة العقبة مع أهل يثرب والهجرة المباركة إلى مدينة الرسول وتأسّست الحكومة الإسلاميّة بعد سنوات من المعاناة اليوميّة في شُعَبِ أبي طالب، وبعد تعذيب الأصحاب أمثال بلال وعمار وياسر وسمية وعبد الله بن مسعود والآخرين وبعد رحلة طويلة وشاقّة وعديمة النتائج للرسول بين قبائل مكّة والطائف[17].

… أحاطت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من التهديدات من كافّة الجوانب. فاضطرب بعضُ الناس وانهار آخرون واشتكى البعض، ولام آخرون الرسول ودعوه للصلح, أمّا الرسول فلم يضعف للحظة واحدة في ساحة الدعوة والجهاد وتقدّم بالمجتمع الإسلاميّ بقوّة ليصل به إلى قمّة العزّة والقوّة. حيث تمكّن هذا النظام والمجتمع في السنوات اللاحقة أن يصبح القوة الأولى على مستوى العالم ببركة صمود الرسول في ساحات الحرب والدعوة[18].

إيجاد النظام في المجتمع

كانت إدارته الاجتماعيّة والعسكريّة في أعلى مستوياتها، فكان يلاحق كافّة الأمور. طبعًا كان المجتمع صغيرًا, المدينة وأطرافها، وبعد ذلك أضيف إليه مكّة ومدينة أو مدينتان أخريان, إلّا أنّه كان مهتمًّا بأمور الناس وكان منظّمًا ومرتّبًا. وقد أجرى في ذاك المجتمع البدوي، والإدارة والحساب والمحاسبة والتحفيز والتنبيّه بين الناس. هذه هي الحياة الاجتماعيّة للرسول التي يجب أن نقتدي بها جميعًا، من مسؤولي البلد وأفراد الشعب[19].



العمل لإيجاد العدل بين الناس

النقطة الأخرى في الدعوة الإسلاميّة، عبارة عن إيجاد العدل بين الناس. من جملة خصوصيّات الجاهليّة، أنّها نظامٌ ظالم. كان الظلم، عرفًا رائجًا… فعمل الإسلام على النقطة المقابلة، جاء بالعدل, ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾[20]. فهو من خصوصيّات المجتمع الإسلاميّ والعدل وليس مجرد شعار، بل يجب على المجتمع الإسلاميّ أن يتحرّك نحو العدل، وإذا كان العدل مفقودًا عليه أن يوجده. فإذا ما كان في العالم نقطتان متقابلتان إحداهما العدل والأخرى الظلم، وكلتاهما غير إسلاميّة، فالإسلام يُظهر موافقته على نقطة العدل تلك، حتّى لو كانت غير إسلاميّة. الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أرسل المهاجرين إلى

الحبشة، أي إنّه هو الذي أرسلهم ليكونوا في حماية ملكٍ (غير مسلم)، وذلك بسبب العدل. بعبارةٍ أخرى أبعد الناس عن البيئة التي يعيشون فيها وعن مكان حياتهم بسبب الظلم الذي كان يمارَس عليهم[21].

خلاصة معنى ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[22] أن يعيش الناس في بيئةٍ عادلة ومجتمعٍ عادل ونظامٍ عادل, لهذا الأمر جاء الرسول, جاء لإيجاد عالَمٍ عادل ومجتمع ونظام عادلَين. طبعًا في النظام العادل يجد البشر الفرصة للوصول إلى التكامل والتعالي, ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾. ويقول بعد ذلك: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾[23]. هل يكفي مجرّد الحديث والموعظة وأن نقول للناس تعالوا لإقامة نظامٍ عادل؟ لو فرضنا أنّ النّاس تمكّنوا من إقامة نظام عادل، فهل سيسمح الذئاب والسارقون والمجرمون ببقاء هذا النظام العادل؟ لذلك أنزلنا الحديد. لماذا أنزلنا الحديد؟ عندما نرجع إلى كتب الحديث، نجد الإمام عليه السلام عندما فَسّر الآية، ووصل إلى ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾، قال “السلاح“, السيف، السهم، الأسلحة التي تُصنع من الحديد. يتحدّث الله تعالى عن السلاح، إلى جانب الحديث عن دعوة النبوة, يتحدّث عن الأسلحة والقوة القاهرة، إلى جانب الموعظة التي فرضها على الأنبياء، وإلى جانب تأسيس النظام التوحيدي والإلهي.

المداراة

عاش الناس معه عشر سنوات ليل نهار, ذهبوا إلى منزله وزارهم في منازلهم، وكانوا معًا في المسجد وفي الطريق، وسافروا معًا وناموا وجاعوا وفرحوا… إنّ هؤلاء الناس الذين عاشوا معه عشر سنوات، كانت تتعمّق في قلوبهم محبّته والاعتقاد به يومًا بعد يوم. عندما تخفّى أبو سفيان، أثناء فتح مكة، ودخل معسكر النبيّ بحماية وتشجيع من العباس – عم النبيّ – ليحصل على الأمان، شاهد النبيّ يتوضّأ صباحًا، والناس مجتمعون حوله لالتقاط قطرات الماء التي تنزل من وجهه ويديه! قال حينها: إنّه رأى كسرى وقيصر – الملكين الكبيرين والقويّين في العالم – إلّا أنّه لم يشاهد فيهما هذه العزّة[24].

المشهد الآخر من حياة الرسول، سلوكه وتصرّفه مع الناس. لم ينس على الإطلاق الخُلق والطبع الشعبي والمحبّة والرفق بالناس والسعي إلى إرساء العدل بينهم. كان يعيش كما الناس وبينهم، كان يجلس وينهض معهم، كان صديقًا ورفيقًا للغلمان وطبقات المجتمع المتدنّية، كان يتناول الطعام معهم ويجالسهم، ويُظهر لهم المحبة والمداراة. لم تغيّره السلطة ولا الثروة الوطنية. لم يختلف سلوكه في المرحلة الصعبة عنه في مرحلة انتهاء الصعوبات. كان مع الناس ومن الناس في كافّة الأحوال! كان يرفق بهم ويريد لهم العدل[25].

الدعوة إلى الولاية

إنّ الشخص الذي يجري الحديث عنه في هذا اليوم (عيد الغدير), أي الوجود المقدّس لأمير المؤمنين، مولى المتّقين عليه السلام، كان قدوة وشخصيّة ممتازة في قسمَي الولاية, الولاية على نفسه وإخضاعها وهذا هو الجزء الأساس، وفي القدوة التي قدّمها فيما يتعلّق بالحكومة الإسلاميّة والولاية الإلهية. و إنّ النموذج الأتمّ والأسوة (الساطعة) في التاريخ لكلّ من أراد معرفة الولاية الإلهيّة، يكمن هنا. إنّ الذي يجب أن يُطرح كدرسٍ لنا اليوم… هو أن نبذل جهودًا حقيقيّة وأن نجاهدَ في هذين القسمَين من الولاية اللّذين لمع فيهما مولانا ومحبوبنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث يمكن أن تكون كلّ كلمة من كلامه وكلّ حركة من حركاته درسًا لكلّ إنسان… وفي باب الولاية ساحتان أساسيّتان:

الأولى: ساحة النفس الإنسانيّة، حيث يمكن للإنسان أن يجعل للإرادة الإلهيّة ولاية على نفسه فيُدخل نفسه في ولاية الله، هذه هي الخطوة الأولى والأساسيّة وما لم يتحقّق ذلك لن تتحقّق الخطوة الثانية.

الثانية: هي إدخال بيئة الحياة في ولاية الله أي أن يتحرّك المجتمع بالولاية الإلهيّة بحيث لا يمكن لأيّ ولاية -من ولاية المال، وولاية القوم والقبيلة، وولاية القوّة، وولاية السنن والآداب والعادات الخاطئة – أن تشكّل مانعًا عن ولاية الله أو أن تقدّم نفسها في مقابل ولاية الله[26].

لقد أدّى نبيّ الإسلام الأكرم إحدى أهمّ الواجبات اتّباعًا لأمر الله وعملًا بآيات القرآن الصريحة, ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾[27], إنّ مسألة تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والخلافة هي على درجة كبيرة من الأهمية بحيث إنّك إن لم تفعل ذلك، فلم تبلّغ رسالته! فإمّا أن يكون المقصود هنا أنّك لم تبلّغ الرسالة في هذه القضية على وجه الخصوص, لأنّ الله تعالى قد أمر ﴿بَلِّغْ﴾ وإمّا أن تكون المسألة أكبر من ذلك. وهي إيجاد خدشٍ في أصل رسالة الرسول من خلال عدم القيام بهذا العمل حيث تصبح القواعد متزلزلة – هذا الاحتمال موجود – وكأنّه لم يبلّغ أصل الرسالة. والمحتمَل أن يكون هذا هو المعنى، وفي هذا الحال تكون القضيّة شديدة الأهميّة. هذا يعني أن يصبح موضوع تأسيس الحكومة، وأمر الولاية وإدارة البلد جزءًا من النصوص الأساسيّة للدين وأنّ الرسول امتثل – مع كلّ عظمته – واهتمّ بإبلاغ الرسالة أمام أعين الناس، بأسلوبٍ وشكلٍ وكأنّه لم يُبلّغ أيّ أمرٍ واجب بهذا النحو, لا الصلاة، ولا الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج[28].


توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
رد مع اقتباس