عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/10/11, 08:15 PM   #1
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي قراءة في عالم الشباب

قراءة في عالم الشباب
1 ـ مراحل النمو البشري
(هوَ الذي خلقكُم مِنْ ترابٍ ثمَّ مِنْ نطفةٍ ثمَّ مِنْ علقةٍ ثمَّ يخرجكُم طفلاً ثمَّ لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون) (غافر / 67)
(ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطواراً). (نوح/13 ـ 14))
وهكذا أبدع خالق الوجود هذا الكائن المعقّد التكوين والفاعلية، فقد انطلقت حركة الحياة بقدرة خالقها من تراب الارض، لتمر عبر مراحل من التكوين والنمو والتطور العضوي والنفسي والعقلي. ان عظمة الله
تتجلى في بيان هذه الاية، تتجلى في كيفية نشأة هذا الانسان من تراب الارض.
نشأة الجسم بأجهزته وأعضائه المعقَّدة التكوين والاداء والنشاط، تتجلى بتكوينه النفسي، وبحالاته الانفعالية والعاطفية من الحب والكراهية والرضا والسخط والشهوة والغضب والخوف والحزن والفرح.
تتجلى بتكوينه العقلي، بالادراك الحسي والتجريدي وبالخيال والقدرة على التفكير بالغائب والمجهول، وموقفه النفسي منه، وقدرته على اكتشافه والاعداد والتخطيط له.
انها عظمة الله تتجلى فى خلق الانسان التي يتحدث عنها القرآن في هذه الاية، ليبرز أهم ثلاث مراحل في حياته، تمثل التحولات الجسدية والعقلية والنفسية الاساسية في حياته، وهي:
1 ـ مرحلة الطفولة.
2 ـ مرحلة بلوغ الشدة (القوة).
3 ـ مرحلة الشيخوخة.
ولقد اجرى علماء الطب والنفس دراسات علمية تجريبية على التكوين الانساني المتعلقة بمرحلة الطفولة وخصائصها، كما درسوا المرحلة الثانية باطوارها الثلاثة: المراهقة، الشباب، الكهولة.
وفي الخطاب الاسلامي للانسان تجد التمييز في التربية والتكليف والتوجيه والتعامل بين أفراد الانسان في المراحل والاطوار. وهذا المنهج يكشف عن رؤية علمية، وتشخيص موضوعي دقيق لتكوين الانسان النفسي والعقلي والجسدي، وبناء التعامل على هذا الاساس.
وفي بحثنا هذا نريد أن نتحدث عن مرحلة الشباب لاهميتها في حياة الانسان، لانها مرحلة القوة والحيوية والنشاط الغريزي وتفتّح الطاقات والمؤهلات، ولانها مرحلة محفوفة بالمخاطر والمآزق النفسية والعاطفية والغريزية.
فطاقة الشباب الجسدية والعقلية والنفسية كأية طاقة حرَّة في هذا الوجود، كالطاقة المائية والطاقة النووية، يمكن أن توجه لخدمة الانسان وخير البشرية، كما أنها قابلة لان تتحول الى طاقة هدم ومشاكل ومعاناة للفرد نفسه وللمجتمع.
2 ـ العوامل المؤثرة في سلوك الفرد
يشكل السلوك الانساني وحدة موضوعية مترابطة، وهو نتيجة لتفاعل وتداخل عوامل وعناصر عديدة، فموقف الانسان، كالرحمة والصدق والعدل، والنطق بالكلمة الطيبة، أو الكذب والنفاق وجريمة القتل، وتناول المخدر، وممارسة الاحتكار، هو في حقيقته مرآة يعكس لنا عدداً من العوامل والعناصر التي تفاعلت فيما بينها، فصنعت من ذلك الانسان انساناً رحيماً أو مجرماً محترفاً للاجرام، أو محتكراً جشعاً، أو انساناً متوازن الشخصية، أو معقداً يعاني من مرض نفسي أو عصبي.
ان الدراسات النفسية وبحوث علماء الطب والفسيولوجيا والاجرام وعلم النفس استطاعت أن تقدم لنا تحليلاً للسلوك الانساني، وترجعه الى عوامله ودوافعه الاولى، فكشفت تلك البحوث والدراسات عن أن الموقف السلوكي ـ الخيّر منه والشرير ـ هو مركَّب من تفاعل عدة دوافع وعوامل ونوازع ذاتية وبيئية ووراثية واجتماعية... الخ.
ومن المفيد أن نلخص تلك العوامل بشكل موجز لنقدم توضيحاً لحالات المواقف لاسيما الازمات والعقد والمشاكل النفسية، وحالات الانحراف والممارسات السلوكية غير الطبيعية التي تظهر على مساحات واسعة من جيل الشباب.
فظاهرة التمرد على الاعراف والقانون السليم، والشذوذ الجنسي، والاجرام والسرقة والعدوانية، وانحلال الشخصية والتسكع، وتناول الكحول والمخدرات، والانتحار والامراض العصبية والنفسية، التي كثيراً ما تتحول الى امراض جسدية. ان كلّ تلك الظواهر والحالات يمكن ارجاعها الى العوامل الاساسية التي كونت الشخصية.
ومهما نتحدث عن تلك العوامل، ينبغي ان ندرك ان الانسان كائن ذو ارادة وقدرة على التغيير، واختيار المواقف السوية، بدلاً من المواقف الانحرافية؛ لذا شرعت التوبة، وشُرّع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما العوامل التي تشترك في صنع سلوك الفرد فهي:
1 ـ الاسرة وظروف التربية الاُولى.
2 ـ البنية التكوينية.
3 ـ التربية المدرسية.
4 ـ الاعلام.
5 ـ السلطة والقوى السياسية.
6 ـ الثقافة والمعتقد الذي يؤمن به الشاب.
وسنعرّف بدور كل تلك العناصر والعوامل، وأثرها في سلوك الشباب بصورة خاصة.
وان مثل هذه التوعية تضع الشاب أمام حالة من التأمل والمناقشة، والمحاكمة للنوازع والدوافع الغريزية والعاطفية والبواعث السلوكية، قبل أن يستجيب لها، ويقدم على فعل أو موقف.
وكم هو رائع ودقيق ذلك التوجيه النبوي الكريم القائل:
«اذا هممت بامر فتدبر عاقبته، فإن كان خيراً فاسرع اليه، وان كان شراً فإنته عنه»(1).
ولابد من أن نعرف أن من أهم أسباب المشاكل السلوكية في مرحلة الشباب، هو الانسياق غير الواعي وراء الدوافع والرغبات النفسية، والرضوخ لضغوط الغريزة والانفعالات التي تضغط على شخصية الشاب بوعي وبغير وعي.
ويمكننا أن نفهم هذا التوضيح من تحليل العلاقة بين الفكر والوعي والسلوك تحليلاً علمياً، كما أننا نجد ذلك مشخصاً في البحوث والتقارير الميدانية، والارقام والاحصاءات الدالة على تفشِّي الجريمة والانحراف والممارسات الشاذة في الاوساط التي يخيِّم عليها الجهل، والتخلف الفكري والثقافي، والكفر بالله، الذي هو نتيجة اخرى من نتائج الجهل البشري، وعدم فهم هذا العالم وتفسيره تفسيراً سليماً.
1ـ الاُسرة وظروف التربية الاُولى
ان النظرة العلمية التي ينظرها الاسلام لنشأة ونمو وتكوين الانسان عبر مراحل وجوده تتجلى في مقومات الربط بين تلك المراحل، ومنذ انعقاد النطفة، وحتى بلوغه مراحل الشيخوخة.
فقد ربط الاسلام بين أنواع الاغذية التي يتناولها الوالدان، وبين النطفة التي يتكون منها الجنين، كما ربط بين تعامل الوالدين مع الطفل في نشأته الاولى، ومايحيط به من أجواء وظروف ومحيط، وبين تكون شخصيته.
لذا نجد الرسول الكريم (ص) يوضح أن اعتناق الانسان لفكرة معينة وسلوك معين بمرحلة البلوغ والمسؤولية، انّما يساهم في تكوينه الابوان في مرحلة النشأة والتعليم.
فالانسان عندما يكون مسلماً مستقيم السلوك والشخصية، أو عنصراً منحرفاً، انّما يشارك في ذلك تأثير الابوين والنشأة الاولى. فالانسان يولد على الفطرة النقية الصافية المتجهة نحو الاستقامة في أصل نشأتها.
الاّ أن هذه الفطرة قابلة للتكيّف، وتقبل مختلف صور الفكر والسلوك، فتتشكل الذات، وتتكون الشخصية في مرحلة النشأة الاولى .. يتضح ذلك من قول الرسول الكريم محمد (ص) : «كل
مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجسانه»(2).
ويتحدث القرآن عن هذه الحقيقة، حقيقة العلاقة بين التربية الاولى التي يتولاّها الآباء، وبين سلوك الانسان بعد مرحلة البلوغ والتكامل العقلي والجسدي.
قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أُمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون). (النحل / 78)
(ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة).(التحريم / 6)
فبذا يربط القرآن بين ما يتعلمه ويكتسبه الانسان في نشأته الاولى، مما يسمع ويرى ويعقل، وبين ما تؤول اليه الشخصية فيما بعد؛ لذا دعا الآباء الى تربية أبنائهم تربية صالحة، وحذّرهم من نتيجة الاهمال.
ويربط الامام علي (ع) بين ما يكتسبه الانسان في مرحلة الطفولة، وبين ما تستقر عليه شخصيته من أوضاع فكرية ونفسية وسلوكية في مرحلة البلوغ في وصيته لولده الامام الحسن السبط(ع) قال:
«انّما قلب الحدث كالارض الخالية؛ ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالادب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك، لتستقبل بجدِّ رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كُفيت مؤونة الطلب، وعُوفيت من علاج التجربة»(3).
ان الامام المربي يثبت لنا بذلك مبدأ تربوياً هاماً، وهو المبادرة الى تربية الطفل تربية صالحة (قبل أن يقسو قلبه، ويشتغل لبه).
ان هذا المبدأ التربوي القائم على أُسس علمية يدعونا الى المبادرة لتربية الطفل، وتعليمه قبل أن تتشكل شخصيته، وتأخذ صيغتها، وتمتلئ بالتجارب والمعلومات غير السويّة، وتتطبّع على انماط من السلوك يحتاج التخلص منها الى اعادة التربية، وتشكيل الشخصية مرة اُخرى. وفي اعادة التصحيح والاصلاح جهد ومعاناة، وتحمّل للتبعات والمشاكل التي يرتكبها الناشئ والشاب.
وربما تعذر حلّ بعضها، وذهب الانسان ضحيتها؛ ذهب ضحية المشاكل التي واجهها في تربيته واُسرته الاولى.
فإن منشأ الكثير من العقد والامراض النفسية والمشاكل السلوكية، هو مرحلة الطفولة غير السوية، التي تنشأ تحت وطأة المشاكل والاجواء المضطربة والمتأزمة، والتعامل غير السليم.
ان دراسة أُجريت على 7598 جانحاً في الولايات المتحدة الاميركية من نزلاء المؤسسات الاصلاحية سنة 1910 أظهرت أن 7ر50% أتوا من اُسر متصدِّعة. وأن 5ر50% من نزلاء المدارس الاصلاحية في انجلترا، واسكتلندا أتوا من بيوت متصدعة. وان أحصاءً قام به أحد باحثي المانيا الغربية على 144 من المجرمين الاحداث بيَّنَ أنهم جميعاً ينتمون الى اُسر متصدعة.
كما أجرى أحد الباحثين في المانيا الغربية احصاءً على 2000 حدث مجرمين تبيَّن من خلاله أن 26% منهم ينتمون الى اُسر انفصل فيها الابوان عن حياتهما الزوجية لسبب وآخر.
وأجرى باحث فرنسي عام 1942 في مدينة باريس دراسة على الاحداث المنحرفين فتبيّن أن 88% منهم كانت اُسرهم متفككة)(4).
كما ان سبب العادات الحسنة بشكل أساس هو التربية البيتية، كذلك فإن كثيراً من الحالات الانحرافية والعقد والامراض النفسية التي يعاني منها الفرد في مرحلة الشباب، مثل الحقد والشعور بالنقص، والكسل، والاتكالية، والانانية، والعدوانية، والبذاءة، وحالات الشذوذ الجنسي، والخمور، والمخدرات، والتسكع، والكذب، والسرقة، والنفاق، وسوء معاشرة الاخرين، والكسل، والانطوائية، والجبن، تعود نشأتها الى التربية البيتية في مرحلة الطفولة، فتنشأ مع الانسان عاداته وأخلاقه وصفاته، وتشب وتبقى تلازمه. وان كان التخلص منها والانتصار عليها أمر ممكن.
فالانسان كائن ذو ارادة واختيار، وقدرة على التغيير، الاّ ان ذلك يكلّفه مشقّة ومعاناة، كما انّ البعض يذهب ضحية تلك التربية.
لذا فإن من أسباب فهم الانسان لشخصيته، وللحالات التي يعاني منها، أو الاخرى الايجابية في شخصيته أن يستذكر طبيعة نشأته الاولى، ويدرس ظروف الطفولة التي نشأ فيها، ليعرف منشأ المشكلة، أو الايجابية في شخصيته.
2ـ البنية التكوينية
تفيد الدراسات والابحاث الميدانية التي اُجريت على سلوك الافراد، لاسيما السلوك الشاذ غير الطبيعي، كالمصابين بالشذوذ الجنسي، والعقد والامراض النفسية والعصبية والمجرمين القتلة... الخ.
تفيد تلك الدراسات أن هناك عوامل بيولوجية وفسيولوجية، بعضها وراثي، تؤثر في سلوك الفرد، كما تؤثر عوامل التربية والمحيط، والاكتساب الاجتماعي.
فقد ثبت علمياً أن لافرازات الغدد الصماء ـ الهرمونات ـ تأثيراً بالغاً على الشخصية، وتزداد فاعلية وتأثير تلك الهرمونات في مرحلة المراهقة والشباب ـ ذكوراً واناثاً ـ وبكيفيات تناسب طبيعة الجنس.
غير أن الانسان بقدرته الارادية، يستطيع ان يُغيِّر مواقفه، ويتصرف في المثيرات والمحفزات والرغبات والشهوات الشخصية.
وتؤكد الدراسات العلمية أن نوع التكوين الانساني، والتركيب الجسمي له تأثير في نوعية السلوك والتصرف البشري.
فالفتاة والشاب، يؤثر في سلوكهما طبيعة تركيبهما الجسدي، من الجمال والقوة، أو الضعف وبساطة الشكل، أو فقدان عناصر الجمال.
كما يؤثر الانتماء الطبقي، ومستوى الموقع الاجتماعي للفرد في سلوكه وممارساته وشدة الرجولة والانوثة، أو ضمورها في الشخص حسب انتمائه الجنسي؛ بل وللون البشرة وحجم بعض الاعضاء، كالنهدين والشعر في الفتاة، والعضلات وطول القامة في الشاب، واللباقة الكلامية، تأثير في السلوك والتعامل، والنظرة للذات ولقيمتها عند الاخرين.
وانطلاقاً من أن تكوين الانسان الجسدي، يؤثر في سلوكه وتعامله وثقته بنفسه، بل وفي نشوء الحالات السلوكية غير الصحيحة، كالغرور والتكبر، أو الشعور بالنقص، والغيرة والحسد، وربما نشوء روح الانتقام من الاخرين عندما يشعر بتخلف الحالة الجسدية، أو الجمالية عنده، عالج الاسلام تلك المسألة معالجة خاصة فحذر من الغرور والكبرياء، كما حذر من الغيرة والحسد والشعور بالنقص، وأوضح ان قيمة الانسان بأفكاره وسلوكه وخلقه.
فالانسانية قيمة ومعنى، وذات متقوّمة بالفكر والمشاعر والوجدان والاخلاق والارادة، وليس بالظواهر الجسدية، ولا بالشكل المادي المغري للانسان. جاء ذلك في قوله تعالى: (انّ اُكرمكم عند الله اتقاكم). (الحجرات / 13)
كما جاء التحذير من الانخداع بالشكل الظاهر الجسدي، الذي لا يحمل المحتوى الانساني السوي، في وصفه للمنافقين في قوله تعالى: (واذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون). (المنافقون / 4)
وقال محذراً من الغرور في وصية لقمان لابنه:
(ولاتمش في الارض مرحاً انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولاً).(الاسراء /37)
وفي حديث الرسول الكريم محمد (ص) بيان وتوعية وتثقيف، وتعريف بقيمة الاعمال والصور الجسدية، قال (ص):
«ان الله تعالى لاينظر الى صوركم واموالكم، ولكن انما ينظر الى قلوبكم وأعمالكم»(5).
وكما جاء التحذير، والدعوة الى عدم الغرور والتعالي، أو الاغترار بالشكل والجسم والمظاهر الجسدية، كاللباقة الكلامية، والقوة والصحة... الخ، قام بتوعية اخرى لمن يفقدون بعض الملكات الجسدية، ويشعرون بالنقص، وروح الغيرة والحسد، وربما يدفعهم ذلك الى الشعور بالنقص والخجل، أو يولد في البعض روح الانتقام.
قال تعالى: (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق* ومن شر غاسق اذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد اذا حسد(6)). (الفلق / 1 ـ 5)
وقال تعالى: (ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وَسْألوا الله من فضله انّ الله كان بكلِّ شيء عليماً). (النساء / 32)
وتتجسد الدعوة الى التكامل النفسي، والنظر الى الذات نظراً متوازناً، بعيداً عن الشعور بالنقص، أو نتيجة لما يتمتع به الانسان من مواصفات، في دعاء الامام زين العابدين، علي بن الحسين (ع): «اللهم واجعل غناي في نفسي»(7).
فالدعاء يلخّص أرقى تعامل تكاملي مع الذات، ويجنّبها الاحساس بالنقص، أو الشعور بالحقد والحسد والغيرة.
ففي كل انسان مواصفات وقابليات وملكات يتمتع بها، كافية لان تجعل منه انساناً مقتنعاً بشخصيته لو أحسن الاستفادة منها، وذلك عدل الله سبحانه، وتلك حكمته في الخلق، والشعور بتفوق الاخرين
دافع نحو العمل والابداع والاحساس من الجميع بالحاجة الى الاخرين. وضّح القرآن ذلك بقوله: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخرياً).(الزخرف / 32)
ونجد تلك التوعية على معالجة تلك المشكلة النفسية التي تنشأ بسب الوضع الجسدي للانسان واردة في عموم ما بيَّنه الرسول (ص)من صفات الانسان المؤمن، جاء ذلك في قوله (ص): «ولايجتمعان في قلب عبد، الايمان والحسد»(8).
3ـ التربية المدرسية
لم تعد مسألة التربية وأثرها في السلوك المستقبلي للانسان، مسألة علمية، أو عملية غامضة، فهي من أوضح القضايا في منطق العلم. فالعناصر التربوية في الحياة المدرسية لها أكبر الاثر في تكوين الشخصية، وتشكيل هويتها.
فالطفل في عالمنا المعاصر يقضي الشطر الهام من حياته في أجواء المدرسة، فهو يبدأ حياته في أحضانها، ومنذ دور الحضانة ورياض الاطفال يتدرج في مراحل حياته بين المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعة، فهو يقضي حياة الطفولة والمراهقة والشباب في نظام حياتي مخطط ومصمم وفق اُسس وأهداف ومنهج محدد.
لذا فهو ينشأ وينمو وتتكون شخصيته وفق فلسفة التربية والنظرية الحياتية التي تتبناها المدرسة، سواء المدارس التي تديرها الدولة، أو الافراد والمؤسسات، فهي تعمل على صياغة نمط الشخصية، ولون السلوك.
فالمدرسة التي تتبنى الفكر المادي من خلال منهجها، والاجواء التربوية فيها وطريقة الممارسات السلوكية المختلفة وتربي الفردية والاباحية ولاتعتني بقيم الاخلاق والايمان بالله، فإنها تنتج شخصية اباحية، تبحث على مستوى السلوك الفردي عن اللذة والمتعة، وتنساق وراء الشهوات والدوافع الغريزية الشاذة من غير ضوابط، وهي على الصعيد الاجتماعي والسياسي تنتج عقلية مادية رأسمالية.
لذا فإن الاصلاح والتغيير العام، يبدأ بشكل اساس من المدرسة في فلسفتها التربوية، ومناهجها وطرق الحياة فيها، وشخصية المعلم الممارس للتعليم.
فإن العناصر المدرسية ـ المنهج واسلوب الحياة والتعامل داخل المدرسة والمعلم ـ تساهم بمجموعها بتكوين وبناء الشخصية.
فالمدرسة تربي الطالب على ان يعيش مع عشرات، أو مئات من الطلبة، ويتعامل مع مختلف الشرائع والاذواق والطبائع، ويكتسب منهم.
كما تقوم المدرسة التي تبني الحياة التربوية فيها على اُسس فلسفة محددة بغربلة الاوضاع الاجتماعية، وانتخاب ما يوافق فلسفتها، ورفض ما لا ينسجم وأهدافها، لذا فهي نموذج مصغر لمجتمع ودولة.
وليس هذا فحسب، فالمدرسة تشكل بالنسبة الى الطالب، ومنذ يبدأ بالاحساس بفهم شخصيته، ونمو التفكير بالمستقبل الذي يأخذ بالسيطرة على تفكيره وطموحاته، تكون بالنسبة اليه هي الوسيلة الاساسية التي يحقق من خلالها أهدافه الحياتية، وطموحاته المستقبلية.
لذا فإن استطلاع الرأي العام وسط الطلبة، يوفر لنا قراءة للامال والاتجاهات والميول التي يحملها الطلبة، وتحديد نمط المستقبل الذي يراودهم، كما وأن الفشل في الدراسة ينتج مشكلة كبرى للكثير منهم، تنعكس على سلوكهم، ومستقبل حياتهم، بل وعلى اُسرهم ومجتمعهم؛ لذا تنبغي دراسة مشاكل الطفل والمراهق المدرسية، قبل أن تستفحل ويصعب حلها فيترك الدراسة في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية، دون ان يكتسب الثقافة، أو المهارة والخبرة العلمية التي تحقق آماله المعقولة.
وكثيراً ما يكون للمعلم، واُسلوب التربية في المدرسة، أو طريقة التعامل الاثر الكبير في حصول المشاكل للطفل والناشئ والمراهق، مما اقتضى ان يكون في المدرسة باحث اجتماعي ونفسي لدراسة مشكلة الطالب، حسب سنّه وظروفه، ومشاكله من الطفولة والصبا والمراهقة، وحلها بالطرق والوسائل العلمية، قبل أن تتحول الى مشكلة وعقدة تشرد الطالب، وتجني على مستقبله الدراسي، وقد اخذت المدارس الحديثة بهذا الاسلوب.
كما وتساهم الظروف الاقتصادية السيئة مساهمة كبيرة في ترك الطالب في هذه السن للدراسة، وتوجهه لطلب العيش، أو يتركها بسبب العجز عن تغطية نفقات الدراسة.
كما ويساهم أصدقاء السوء مساهمة كبيرة في حصول الفشل الدراسي. فالطفل والمراهق يسهل جذبه في هذه المرحلة الى ممارسات اللهو والانشغال، وتحويل الاهتمام من الجدية والتفكير في المستقبل المحترم الى التردي والتسكع والتشرد والعبث.
ولثقافة الابوين، وتقديرهم لمستقبل أبنائهم، وحرصهم عليهم، ولاسلوبهم في التعامل معهم من التشجيع والتوجيه، أو سوء التعامل والاهمال، الاثر الكبير في الفشل الدراسي، أو تحقيق النجاح والتفوق.
كل ذلك يدعو الى التعامل مع الشاب والمراهق، أو من هو على أبواب المراهقة بتوجيه سليم، وتعامل يساعده على النجاح في حياته المدرسية.
ومن الجدير ذكره أن الا سلام اعتبر طلب العلم فريضة على كل مسلم، وعلى المستويين: المستوى العيني، والمستوى الكفائي. اعتبر التعلم بمختلف فروعه، طريقاً الى اكمال انسانية الانسان ، والايمان بالرسالة الالهية، ومعرفة الله تعالى، والاستقامة السلوكية، وبناء المجتمع، وتنظيم الحياة، جاء ذلك واضحاً في قوله تعالى:
(انمّا يخشى اللهَ من عباده العلماء). (فاطر / 28)
وبقوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اُوتوا العلم درجات). (المجادلة / 11)
وبقوله: (اقرأ وربّك الاكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الانسان ما لم يعلم). (العلق / 3 ـ 5)
وربط بين الجهل والانحطاط السلوكي. فقال تعالى: (انكم لتأتون الرجال شهوة دون النساء بل أنتم قوم تجهلون). (النمل / 55)
وقال تعالى: (والاّ تصرف عني كيدهن أصب اليهن واكن من الجاهلين). (يوسف / 33)
(وحملها الانسان انّه كان ظلوماً جهولاً). (الاحزاب / 72)
(اني أعظك أن تكون من الجاهلين). (هود / 46)
(ولكني أراكم قوماً تجهلون). (الاحقاف / 23)
وكما أسس القرآن الدعوة الاسلامية على أساس العلم والمعرفة، ونادى باقامة الايمان على أساس العلم والدليل والبرهان، واصل الرسول (ص) الدعوة الى طلب العلم، والحث عليه، ومارس هو(ص) نشر العلم والمعرفة.
وطلب الرسول (ص) من أسرى قريش في بدر، أن يعلّم كل واحد منهم عشرة صبيان من أبناء المسلمين، كفداء لهم من الاسر، ليوحي بأنّ الفك من أسر الحروب يعادله الفك من أسر الجهل.
وكم نقرأ في الاحاديث والاوامر والارشادات النبوية الكريمة، الحث والالتزام بطلب العلم. منها قوله (ص): «طلب العلم فريضة على كل مسلم»(9).
ومنها: «انّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم»(10).
ومنها: «من سلك سبيلاً يطلب به علماً، سلك الله به سبيلاً الى الجنة».
من تلك وأمثالها من البيانات والممارسة، نكتشف أهمية العلم، وطلبه في الاسلام. ويتضح لنا الاهتمام بعلوم الحياة، كالطب والهندسة والفيزياء والزراعة والكيمياء، ومختلف المهن والصناعات، اذا عرفنا أنّ الشريعة الاسلامية اعتبرت تلك العلوم والصناعات والمهن، من الواجبات الكفائية، أي يجب توفيرها بقدر الكفاية، نعرف أهمية العلم، وهدف الاسلام العملي من تحصيل العلوم.
وتتولى الدولة، كما يتولى الافراد تنفيذ هذا الواجب. وذلك يعني اعداد الافراد وتأهيلهم علمياً، وتدريبهم على الخبرات والحرف والمهن المختلفة، لتوفير الكفاية الاجتماعية من تلك العلوم والصناعات والمهن والحرف.
ويزداد حث الاسلام الآباء على تعليم أبنائهم، والرفق بهم، وحل مشاكلهم، ومن الواضح أن للاُسرة دوراً كبيراً في توفير الاجواء المناسبة لتعليم الأبناء، وتشجيعهم على طلب العلم حتى مرحلة التأهيل الكافي، وتجنيبهم أصدقاء السوء، الذين يساهمون في ارباك الاستمرار الدراسي، كما تستطيع الاُسرة، بالتعاون مع المدرسة، حل مشاكل الأبناء الدراسية.
ومما ينبغي الاهتمام به، هو توعية الطلبة عن طريق المقررات الدراسية وأجهزة الاعلام على أهمية الدراسة، وتشجيعهم على الاستمرار حتى اكمال المراحل الدراسية، وتعريفهم بالاسباب التي تعيق مواصلة الدراسة، واعطاؤهم النصائح والارشادات الكافية، لانقاذهم من الهروب من الدراسة، أو معاهد التأهيل المهني.
كما يجب على الدولة أن تساهم مساهمة فعالة في التعليم، وفي حل مشاكل الطلبة الاقتصادية التي تضطرهم لترك الدراسة.
انّ الشاب مدعو الى التفكير بوعي في الحرص على مستقبله، وانّ مواصلة الدراسة والعلم واكتساب المهارات والخبرات، والتأهيل المهني مسألة أساسية في حياته، يجب عليه أن يهتم بها، وليكن أكثر الناس حرصاً على مستقبله، وعليه أن يجعل الاخرين الذين خسروا مستقبلهم ودراستهم عبرة له، ولا يكون هو ضحية الاخطاء.
4ـ الاعلام وسلوك الشباب
في عالمنا المعاصر تطورت وسائل الاتصال، ونقل الافكار والمعلومات، بشكل لم يسبق له مثيل، فهي تنتقل بسرعة الضوء والصوت، وتغزو العالم في ثوان معدودة.
وهناك أعداد ضخمة من المؤسسات والاجهزة والادوات الخاصة بالتثقيف الجماهيري وتكوين الرأي العام، وتصميم الشخصية.
وغدت وسائل الاعلام والمعلومات، كالتلفزيون وشبكات الانترنيت والكومبيوتر والصحافة والراديو والكتاب والمجلة... هي القوة المهيمنة على التفكير والفعالة في تكوين نمط السلوك.
فالاعلام يساهم في تكوين الفكر السياسي والدعاية للشخصيات والافكار، كما يساهم مساهمة فعالة، لاسيما الاعلام المصور، كالتلفزيون والسينما والفيدو والمجلة بالاغراء الجنسي، والتعريف بالازياء والسلوك والافكار والاثارة، وتوجيه الرأي العام.
والشباب ـ لاسيما في مرحلة المراهقة ـ مهيأون أكثر من غيرهم، لتقمص الشخصيات، والتأثر بالشخصيات التي تظهر على شاشة التلفزيون، أو السينما، من الممثلين وعارضي الازياء، ورجال العصابات، وشخصيات العنف... الخ.
كما يتأثر الشباب بالشخصيات التي تمثل دور البطولة السياسية والاجتماعية والثورية وعظماء التاريخ، ذلك لان المراهق ـ من الاناث والذكور ـ في هذه المرحلة هو في طور تكوين الشخصية، وانتقاء المثال الذي يتأثر به.
وحيث انّ الغرائز والمشاعر، لاسيما غريزة الجنس، هي في قمة القوة والعنفوان، والضغط على المراهق، وتبحث عن طريق للتعبير والتفريغ، فإن وسائل الاعلام ساهمت مساهمة فعالة في اثارة الغريزة الجنسية عن طريق الافلام والصور الخلاعية والماجنة والمغرية وعن طريق القصص الغرامية والادب والثقافة، كما ساهمت أفلام العصابات والاجرام في حرف الكثير من المراهقين وتدريبهم على اقتراف الجريمة، لذا فإن الرقابة في بعض دول العالم تمنع العديد من عرض الافلام الجنسية، وأفلام العصابات، كما تمنع أحياناً حضور المراهقين الى قاعات عرض تلك الافلام.
وتفرض بعض دول العالم الرقابة على أفلام الفيديو الخليعة والمثيرة، أو التي تدرّب على تناول المخدرات والجريمة.
سجل الدكتور اسكندر الديلة نتيجة احصائية قام بها في لبنان، تخص مشاهدة الفيديو، جاء فيها: (أن مشاهدة الافلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الاولى، وحلت الافلام البوليسية في المرتبة الثانية....)(11).
وجاء في تقرير آخر: لقد تبين من دراسة اجريت في الولايات المتحدة على 110 من نزلاء مؤسسة عقابية أن 49% من هذه المجموعة أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح و 12 ـ 21% منهم أعطتهم السينما الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة.
ومن خلال دراسة اُجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 ـ 18 سنة تبيَّن أنَّ 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهدتهن مشاهد جنسية مثيرة في السينما. و41% منهن قادتهن المشاهد الى الحفلات الصاخبة، والمسارح الليلية. و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الافلام. و17% تركن المنزل لخلاف مع الاهل حول ذهابهن الى السينما.
وجاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الاحداث، وعلى لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين في ميدان الاحداث ما يأتي: «لا يخالجني أيّ تردد أن لبعض الافلام، وخاصة الافلام البوليسية المثيرة معظم الاثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الاحداث».
وفي انجلترا تمكنت بعض الدراسات من خلال استجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الاولاد دون السادسة عشرة فأجاب ستمائة منهم بوجود علاقة بين انحراف الاحداث والسينما.
كما اظهرت بعض الدراسات في الغرب على أنَّ بعض السرقات الكبيرة كان الدافع اليها تردد الاحداث بشكل متكرر الى قاعات السينما)(12).
وهكذا يتضح أن مشاهدة الافلام العاطفية، ومنها الجنسية هي في المرتبة الاولى، وأن مشاهدة الافلام البوليسة يأتي في المرتبة الثانية، وكما أكدت الدراسات العلمية، فإن المراهق في هذه المرحلة يسعى من خلال المحيط لتكوين شخصيته، وهو سريع التأثر والتقبل؛ لوجود العواطف والغرائز والشحنات النفسية والجسدية المتوثبة، والباحثة عن التعبير والتفريغ.
ومن هذه الاحصائية ندرك أهمية العمل الاعلامي في تكوين السلوك العاطفي والغريزي، والاقدام على تقمص شخصيات أبطال الافلام والمغامرات.
5ـ السلطة والقوى السياسية
مع تطور الحياة الاجتماعية والمدنية وتعقيدها تعاظم دور السلطة والدولة وأهميتها في حياة الفرد والجماعة، وأصبح تدخل الدولة مسألة بارزة، وضرورية أحياناً في القضايا الاجتماعية والفكرية والتربوية والاقتصادية والتثقيفية والاعلامية، فهي التي تشرف على فلسفة التربية ونظمها، وهي التي تدير اكبر المؤسسات الاعلامية، وتوجه المؤسسات الاخرى وفق خطها الفكري وسياستها العامة، وهي التي تصمم طبيعة النظام والقانون الذي يبيح للافراد هذا السلوك أو ذاك، أو منعهم منه، وبالتالي فإن الدولة تساهم مساهمة فعالة في تكوين شخصية الفرد وثقافته ونمط سلوكه، سلباً وايجاباً.
والرسالة الاسلامية عندما اعتبرت وجود الدولة الاسلامية أمرا واجباً، وعُرِّفت الدولة الاسلامية بأنها: «الدولة التي تقوم على اساس الاسلام وتستمد منه تشريعاتها» انما كانت تسعى لان تكون الدولة هي الاداة التنفيذية للمبادئ، وبناء الفرد والجماعة وقيادة الاُمّة على اساس الاسلام. لذا ثبت علماء العقيدة الاسلامية المبدأ القائل ان وجود الامام لطف، أي يقرب العباد من الطاعة ويبعدهم عن المعصية، ذلك لانه يمارس عملية بناء الحياة، وقيادتها على اساس القيم والمبادئ الاسلامية من خلال الدولة التي يقودها.
وكما تساهم الدولة في تكوين سلوك الافراد تساهم القوى والاحزاب السياسية في تكوين شخصيات الافراد، لاسيما الشباب، ذلك لانهم أكثر أفراد المجتمع اقبالاً على الانتماء السياسي للقوى والحركات والاحزاب السياسية، وحمل افكارها، سواء أكانت تحمل فكراً نيِّراً ومستوحىً من مبادئ الاسلام وقيمه الاصيلة، أو كانت أحزاباً وتجمعات منحرفة أو متحللة. لذا كان واجب الآباء توجيه الأبناء نحو الصواب، وحمايتهم من الانزلاق في صفوف الحركات والاحزاب والتجمعات المنحرفة عن المنهج الاسلامي القويم، وتجنيبهم المخاطر، وحالات الانحراف.
6ـ أثر الثقافة والمعتقد الذي يؤمن به الشاب
(والله أخرجكم من بطون اُمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون). (النحل / 78)
(اقرأ وربّك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الانسان ما لم يعلم* كلاّ إنّ الانسان لَيَطغى * أن رآهُ استغنى). (العلق / 4 ـ 7)
(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ). (فاطر / 28)
تشير هذه الآيات الكريمة من بين آيات عديدة الى أهمية العلم والتعليم، وتربط بين العلم والمعرفة والسلوك، وتوضح العلاقة الترابطية بين تلك الحقائق، فالشكر والخشية، أي الطاعة والالتزام بالقانون وقيم الأخلاق، قبل أن يتحول الى موقف يمرُّ بمراحل داخل الذات يبدأ بالتصور، وهو البذرة الاولى للفعل، ثم يحدث الميل النفسي (الاستجابة) نحو ذلك التصور، ثم القناعة به (تصديقه) ثم اختياره، واتخاذ القرار الذاتي بالفعل، ثم اصدار الامر بالفعل، فتحدث الاستجابة الحركية الفعلية للأفكار.
وهكذا يتحول التصور الى فعل عبر عمليات عقلية ونفسية وعصبية وعضلية معقدة.
ومن الواضح أن العقيدة والثقافة التي يحملها الانسان تساهم في خلق الأفكار والتصوّرات التي تصنع الموقف، وفي الميل اليه، واتخاذ قرار الفعل.
وتدل الدراسات الميدانية ان مستوى ونوع الثقافة والفكر والعقيدة التي يحملها الانسان، تؤثر تأثيراً بالغاً في سلوكه، فإن الاحصائيات تفيد أن نسبة الاجرام والانحراف عالية في الأشخاص غير المتعلمين، أو واطئي الثقافة والمعرفة، وغير المؤمنين بالله، وبمسؤولية الحساب الاخروي، أو الذين لا يحترمون يوم الجزاء، لجهلهم وتردي وعيهم.
فالمعرفة والتأهيل الثقافي المتقدم الذي يحمله الانسان يساهم في حماية الشخصية من السقوط، وممارسة الاجرام بصورة عامة، كما يساهم الايمان بالله، وبعالم الآخرة مساهمة كبرى في استقامة السلوك، وتوازن الشخصية.
فالانسان الذي يحمل وعياً اجتماعياً وعلمياً لتصورات الفعل التي تراوده، ويدرك عواقبه السيّئة ونتائجه الوخيمة في الدنيا والآخرة، يشكل ذلك الفهم والوعي، بصورة أساسية، رادعاً عن السقوط والولوغ في تلك الممارسات المشينة.
والمتعلم الواعي لعلمه وثقافته، يحترم شخصيته، ويعرف قيمة وجوده الانساني في المجتمع، ويقدر مسؤوليته أمام خالق الوجود الذي آمن به عن علم ووعي، فيترّفع عن الاجرام، وممارسات السقوط، وارتكاب المعاصي، ويحصّن نفسه ضدها.
وكلما تعالت مفاهيم التقوى والورع والتزكية والقيم والاعتبارات، واحترام الشخصية عند الفرد، بسبب ثقافته ووعيه الاجتماعي، ومعرفته بالله؛ ازداد بعده عن الخروج على القيم الاجتماعية السليمة، وازداد احترامه للقانون الذي يحمي مصلحته، ومصلحة المجتمع، ويحقق أمنه وسلامته. كما يدعوه ذلك الوعي العلمي والثقافي الى تجنب ممارسة الأفعال التي تجلب عليه اهانة الشخصية، والوقوع تحت طائلة العقاب القانوني والالهي، واحتقار المجتمع، ورفض الرأي العام له.
في حين يكون الشخص الجاهل المتردّي الفهم والثقافة والوعي لقيمة وجوده وشخصيته، طعمة للجريمة والانحلال والسقوط.
وقد جاء في أحد التوجيهات الواردة عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ تحليل علميّ دقيق يوضح أهمية احترام الانسان لشخصيته، ووعيه لقيمة وجوده ومعرفته بعواقب الاُمور، وأثر كل ذلك في ممارسة السلوك العداوني، والسقوط الاجتماعي، فقد جاء في الحديث الشريف: «من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره»(13). وورد أيضاً: «صديق الجاهل تعب»(14).
كما جاء توجيه سلوكي، وتحليل نفسي آخر، في حديث يوضح صعوبة تدريب الجاهل على الاستقامة، بعد أن انحرف عنها، وتغيير سلوكه المعتاد، الذي اتخذ صيغة نفسية وسلوكية متكررة، مما يكشف خطورة الجهل، وتأثيره البالغ في احداث الجريمة والانحراف وترسيخهما. جاء ذلك في قول الامام الصادق (ع): «رياضة الجاهل، وردّ المعتاد عن عادته، كالمعجز»(15).
والدراسات والاحصاءات الميدانية والتحليل العلمي، تكشف لنا
أن الاستقامة النفسية والسلوكية تحتاج الى ثلاثة عناصر اساسية هي:
1 ـ العلم والمعرفة بالسلوك والفعل الذي يقدم عليه الانسان، فالانسان الذي يعرف ضرر الخمر والمخّ‍درات والتدخين والقمار والطيش، وخطر الزنا، والشذوذ الجنسي، لا يقدم عليه، ولا يرتكبه. أما الذي تقوده الشهوة والجهل، فإنه يقع فريسة تلك الممارسات الهّدامة، ويضيّع فيها ماله وصحته وسمعته؛ لذا يجب توعية جيل الشباب والمراهقين، وتثقيفهم بالارقام والحوادث والاحصاءات، والتجارب التي وقع فيها الآخرون، من ذكور واناث، فذهبوا ضحيتها، ليتكون لديهم الوعي، والرادع الذي يردعهم عن كارثة السقوط في تلك الهاوية، ويجنّبهم الوقوع فيها.
ولكي تستقيم سلوكية الانسان، يجب الحرص على نشر العلم والوعي والثقافة ومكافحة الجهل والامية، وأن يكون المنهج المدرسي والثقافة التي يتلقاها الناشئون والشباب وغيرهم هي ثقافة علمية موجهة لحماية الانسان من السقوط والانحراف والجريمة.
فإن العلم يوفّر للانسان: وعي الكون والحياة، وفهمهما فهماً علمياً صحيحاً، فيتعامل معهما تعاملاً سليماً متوازناً، بعيداً عن الخرافة والجهل، ويوفر له وعي الذات، وفهم قيمة وجوده وقدره وشخصيته، فيتعامل مع ذاته وشخصيته تعاملاً موضوعياً، ويحفظ لها كرامتها وسلامتها وحرمتها، كما يوفر له فهم الدوافع والنوازع والانفعالات التي تتحرك في أعماق نفسه، وتدفعه نحو الافعال، فيوجهها الوجهة الصحيحة، ويتعامل معها تعاملاً واعياً، فيرفض منها ما يدفعه نحو الشر، أو يقوده الى الضرر والتضييع، ويستجيب لنوازع الخير والاتجاه الطبيعي السليم.
ويوفر العلم للانسان أيضاً فهم الفعل ونفعه وضرره الذي يعود عليه وعلى مجتمعه، فيفعل ما هو خير ونافع، ويرفض ما هو ضار وشرير، ويضع بين يديه فهم حاضره ومصيره ومستقبله، فيجنبه الوقوع في الأخطاء والمشاكل وتضييع الفرص النافعة والمؤاتية، ويوفر له فهم الواقع والمحيط الذي يعيش فيه، فيعرف كيف يتعامل معه، ويجنب نفسه المشاكل، ويوظف الممكن الصالح والمفيد .. وهكذا يكون العلم دليل الانسان، وقائده في الحياة.
2 ـ العقيدة: وتشكل العقيدة والقيم الفكرية والثقافية التي يحملها الانسان الدافع الأساس نحو ممارسة هذا السلوك أو ذاك أو تركه.
فالنظريات والأفكار الإباحية، كالفكر الماركسي والوجودي والفكر المادي المنحل، المتستّر بالحرية، ونظريات علماء النفس الاباحيين، وغيرها من النظريات القائمة على أساس الفهم المادي المجرد عن القيم الأخلاقية، والايمان بالله، والداعي الى الاباحية، قد جرَّ على البشرية ألوان الانحراف والشذوذ والكوارث والممارسات المادية.
ويبقى المنقذ الفكري والعقيدي الوحيد للبشرية هو الاسلام الذي نظّم السلوك البشري على أساس عقيدي، اذ حرَّم كل ما من شأنه الضرر بصحة الانسان أو بالمصلحة الفردية والجماعية، فحرّم الزنا واللواط والخمور والقمار والمخدّرات والقتل والاغتصاب الذي بلغ لدى الانسان المادي الى مستوى بيع الملايين من الأطفال للاستخدام الجنسي، والمتاجرة بالجنس ذكوراً واناثاً.
لذا فإن الشاب المؤمن بالله، وبيوم الحساب والجزاء، يحصّن نفسه من الوقوع في تلك الممارسات التي تقود الى اتلاف الصحة والمال والسمعة، وكثيراً ما تنتهي بالسجون والانتحار والقتل، واساءة السمعة وسقوط الشخصية.
وتؤكد الاحصاءات والدراسات التي تقوم بها المعاهد المختصة، ان نسبة الجريمة والانحراف والمشاكل والأمراض النفسية، تتصاعد في أوربا وامريكا وروسيا واليابان وغيرها من بلدان العالم، رغم التقدم العلمي والتقني والرفاه الاقتصادي؛ ذلك لأن العلم والمعرفة والرفاه الاقتصادي لا تحصّن الانسان من الانحراف والجريمة والشذوذ.
فالانسان قد يعرف قبح وخطر الكذب والتزوير والزنا والمخدّرات والتدخين والاسراف والاحتكار والظلم والبذاءة والقتل والسرقة والاغتصاب والانتحار واليأس والسخط والقلق والغرور... الخ ولكنه يمارسه بشكل متصاعد، اذ لم يمنعه العلم المنفصل عن الايمان بالله وبالجزاء عن تلك الجرائم... ويجمع القرآن بين العلم والايمان، ويربط بينهما بقوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اُوتوا العلم درجات). (المجادلة / 11)
فالتقدم والرقي الانساني لا يكون الا بالتفاعل بين العلم والايمان.
3 ـ الارادة: الارادة هي القدرة على الفعل والترك، وهي خلاصة الموقف الانساني المعبّر عن وجوده، والارادة هي أساس المسؤولية الشرعية عن الفعل.
فالانسان القوي الارداة يستطيع التحكم بالمواقف والدوافع والرغبات والنزعات النفسية، كما يستطيع مواجهة الحوادث والصدمات والأزمات... وبذا يكون سلوكه سلوكاً انتقائياً أمام المثيرات والمغريات والأزمات.
وإنّ سر قوة الشخصية، بصورة أساسية، هو قوة الارادة. كما انّ قوة الارادة، هي أحد الاسباب المؤثرة في نجاح الانسان، وتنفيذ أهدافه وطموحه المستقبلي المشروع .. فبالارادة يقاوم الانسان اغراء الجنس المحرّم، والمال الحرام، ومحاولات اقناع المنحرفين لما يريدون أن يسخروه له، والمغرّرين به، ومثيرات الفعل الشاذ والمنحرف. وبالارادة يقاوم الرغبة في تناول الكحول والتدخين والمخدرات... الخ؛ لذا فإن تربية الارادة كانت من أهم أهداف الاسلام التربوية والأخلاقية.
ويحتاج الشاب احترام اراداته الذاتية؛ ليدخل ميدان الحياة قوي الشخصية انتقائي السلوك والمواقف. يفكّر ويحسب ويوازن قبل أن يتخذ القرار، لاسيما وانه يعيش في مرحلة صاخبة من الانفعالات والاثارات الغريزية العارمة.
ومن أهم عناصر تقوية الارادة هي: الايمان بالله سبحانه، والمواظبة على الصبر، وأداء العبادات، كالصوم والصلاة والجهاد، وتدريب النفس على ترك المحرّمات والمكروهات، وأداء الواجبات وتهذيبها، والقناعة بما عنده، والاصرار على تنفيذ ما يريد تحقيقه من أهداف الخير، وطرد التردّد والأفكار القلقة.
3 ـ مشاكل الشباب
لكل مرحلة من مراحل الحياة خصوصياتها الخاصة بها من التكوين العقلي والجسدي، والأمراض الجسمية، والمشاكل النفسية، والممارسات السلوكية.
فلكل من مرحلة الطفولة، ومرحلة ما قبل المراهقة، ومرحلة المراهقة، وكذا الكهولة والشيخوخة خصوصياتها، وان الفرد يحمل معه في كل مرحلة بعضاً من آثار المرحلة السابقة التي كثيراً ما تسلك أساساً للمرحلة اللاحقة.
ولعل المشاكل التي تنشأ في مرحلة الشباب والمراهقة، هي من أخطر المشاكل، وأكثرها أهمية. ومن المفيد أن نذكر أبرز تلك المشاكل التي تحدث للشباب، فيعانون منها معاناة شخصية، والاُخرى التي يحدثونها لاُسرهم ومجتمعاتهم، وتسليط الضوء عليها، وهي:
1 ـ الشباب وترك الدراسة.
2 ـ التمرد.
3 ـ تسلط الخيال وأحلام اليقظة.
4 ـ الغرور وعدم تقدير العواقب.
5 ـ القلق.
6 ـ الشباب والجنس.
7 ـ تناول المخدّرات والتدخين.
8 ـ البطالة.



يتبع


rvhxm td uhgl hgafhf uhgl



رد مع اقتباس