عرض مشاركة واحدة
قديم 2024/02/24, 07:40 AM   #3
الباحث الطائي

موالي مبتدأ

معلومات إضافية
رقم العضوية : 6251
تاريخ التسجيل: 2024/02/16
المشاركات: 54
الباحث الطائي غير متواجد حالياً
المستوى : الباحث الطائي is on a distinguished road




عرض البوم صور الباحث الطائي
افتراضي



نكمل البحث ، وصلنا للآية 23 ( إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ )

النعجة هي انثى الضأن ( الشاة ) ، فقال المدعي ( صاحب النعجة الواحدة ) ان اخيه المدعى عليه ( صاحب التسع وتسعون نعجة ) قد سأله ان يكفله نعجته الواحدة الى نعاجه اي يجعلها تحت كفالته وسلطته ( وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) ألح واصر عليه في طلبه .

وكما يظهر ويستشعر للمتلقي من مجمل توصيف المدعي انه ضعيف الحال مقابل اخيه الذي يظهر عليه اليسر ، فأذا صدر منه مثل هذا الطلب فهذا يظهر بالعموم الظلم ويستجلب العطف على اخيه الضعيف ، وهذا هو المطلوب بالدقة للاختبار .

وبالفعل أثرت هذه الدعوى أثرها المباشر في نفس داوود ع فتعجل بالقول اقرب منه بالحكم لانه استعطف المدعي بما وقع عليه من ظلم المدعى عليه رغم انه اخيه ، وهذا يضيف قسوة على المشهد مما لو كان صدر من غريب لان صلة الرحم اقرب للاحسان والرحمة في مثل هذا الحال .

وبالمباشر قال داوود ع ( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ )
اي بمعنى ان اصراره عليك انت الفقير على ان تكفله نعجتك الوحيدة وهو الغني الى نعاجه التسع والتسعين هو ظلم .

واسترسل فقال ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ )
اي ان الكثير من الشركاء في الاموال يظلم بعظهم بعضا وهذا محتمل كثيرا حصوله او صدوره عن اخيك اذا كفل نعجتك لانه اصل طلبه وهو يعلم بحالك هذه كان ظلم لك ، وهذا يعني انه ليس ممن يتصف بالايمان والعمل الصالح الذين استثناهم من الوقوع في الظلم ، فتأمل .

إلى هنا ظاهر الحكم يناسب ظاهر الدعوى على فرض صحتها من المدعي ولا يوجد وجه يبررها من المدعى عليه ،

ولكن القضاء الحق اذا سار وفق سياق القضاء العادل يتطلب مثلا
1- أن يسأل المدعي (صاحب النعجة الواحدة ) البينة / الدليل على صدق مدعاه ( البينة على من ادعى )
2- أن يسأل المدعي عليه هل حقا فعل هذا ( الاقرار )
3- أن يطلب من المدعى عليه سبب فعله الذي فعل ، لانه يحتمل هناك مبرر يرتفع فيه وجه صدور الظلم منه

فأذا اجرى على الاقل كل هذه الامور يستطيع بعدها تقرير انه حصل ظلم ام لم يحصل ، ليتمكن بعدها من اصدار القضاء الحق العادل بين الناس.

إلا ان النبي داوود ع وصفه الله بالحكمة وانه عبد مطيع لربه أَوَّابٌ ، ليس من شأنه الظلم او الخروج عن سواء الصراط الحق ، وليس مثله غير خبير في صنعته (قضائه)
وقد آتاه الله فَصْلَ الْخِطَابِ ، فما حصل له غفلة مال فيها باستعطافه الاخ الضعيف على أثر ظلم اخيه فاستعجل بالحكم قبل تمام ثبوت التهمة .

وهنا وفي هذه اللحظة الدقيقة من الاختبار انتهى دور الملائكة ( ولعلها اختفت من عنده لانه لو بقي الخصمان لكان داوود ع بعد تنبهه لما وقع فيه من خطأ الاستعجال ان يعيد مجرى القضاء الى جادة الصواب ويكمل معهما حتى يتبين له الامر ، وحيث لم يحصل فهذا يرجح انتهاء دور الملائكة وانتهاء الاختبار ويعزز ذلك انه بالمباشر ودون فاصلة من قول او عمل اتصل قوله تعالى واصفا امر حدث عن داوود ع وهو ( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) اي تيقن أن الله اختبره بهذا وكان اختفائهم دليل عليه خاصتا لمن هو على اتصال بالسماء والملائكة .

وسواء تنبه النبي داوود ع على اثر اختفاء الملائكة كما احتملنا ، او هو تنبه لنفسه مما وقع فيه . فالنتيجة واحدة ، وحيث انه عبد أوآب ، استغفر ربه عن الظلم الذي وقع منه في الحكم ، وَخَرَّ رَاكِعًا اي انحنى لله خاضعا ، وَأَنَابَ اي رجع بالتوبة الى الله .

الباحث الطائي

يتبع لاحقا



رد مع اقتباس