عرض مشاركة واحدة
قديم 2016/06/10, 10:12 PM   #42
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

☆ معـــاني الإيمـان

إنّ المتأمِّل إلى آيِ الكتاب الحكيم ، ومعاجم اللّغة لَيعجَز عن الإحاطة الشاملة بكلّ معاني الإيمان ، وسوف نقتصر في هذا المقام على بعض تلك المعاني.

* المعنى في أصل اللّغة ،
الإيمان في اللّغة : التصديق نفْسُه.

* المعنى في الشرع ،
للإيمان في الشرع معانٍ شريفة لا تُحصى كثرةً ، نذكر منها :

التصديق ، والأمن ، والعلم ، والطّاعة.

1 - الإيمان بمعنى التصديق :

يُستعمل وصفاً على سبيل المدح لِمَن عرَفَ الحقّ بقلبه، وأذعنَت له نفسه قولاً وعملاً ، وضدّه الشكّ والمؤمن المجسِّد لهذا المفهوم يوصف بـِ "الصِّدِّيق "؛

قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ﴾.

وعليـه، فإنّ المشهود له بالإيمان الحقّ في آية الولاية، يعتبر صِدِّيقا.

" إنّما وليّكم الله ورسوله وهذا المؤمن الّذين........." الآية .
" إنّما وليّكم الله ورسوله وذو الإيمان الّذين ........" الآية .

المؤمن وذو الإيمان : أي الصِّدِّيق .

2- الإيمان بمعنى الأمن :

وهو السكينة والأمان ، وطمأنينة القلب والنّفس .

قال تعالى : ﴿ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾.

فالمؤمن والآمن بمعنى واحد ؛ الإيمان أمان، والأمان إيمان.
والمؤمن والآمن : مَن اطمأنّ وصدّق ، ووثقَ بالشيء.

ويُقال : أمِنَه على كذا ، جعله أميناً ، ووثق به، واطمأنّ إليه فيه.
(معجم اللسان - ابن منظور).

ويُقال : رجلٌ أمينٌ وأمان ، يؤمَن به.
(المفردات - الراغب الاصفهاني).

ويُقال : رجلٌ يَمان ، على وزن فَعال ، مفتوح الفاء ؛ وهو مصدر للفعل
" أمِنَ " أصله " أمان " ، أُبدِلَت همزته ياء ، فأصبح " يَمان " :
أي أمين ، ومأمون .

ويُقال : رجلٌ يِمان ، على وزن فِعال ، مكسور الفاء ؛ وهو مصدر للفعل
"ءامَنَ " على وزن " فاعَلَ " أصله " إيمان " على وزن " فيعال " ، خُفِّف بحذف يائه، وأُهمِلَ في الاستعمال ، فصار " إِمان " ، ثمّ أبدِلَت همزته ياء، فأصبح " يِمان " على وزن فِعال : أي أمين ومؤتمَن.

الفعل " ءامَن " أُشرِبَ معنى الفعل " أمِن " لِمناسبة بين الفعلين، حتى صار الفعلان بمنزلة واحدة من حيث المعنى ، وهذا واضح من آي القرآن الكريم.
والإيمان والأمان عبارة عن مصادر، وهي بمعنى واحد ، وفي الحديث
الشريف : { لا إيمانَ لِمَن لا أمانَ له ، ولا دِينَ لِمَن لا عهدَ له } .

فلك عزيزي القارئ أن تقول : يَمان أو يِمان ، كلاهما صحيحٌ، لأنّ المعنى
واحد لم يتغيّر ، وكلّ ما في المسألة أنّ الهمزة في " أمان " أبدِلت بالياء،
فصار يَمان ، على وزن فَعال ، مفتوح الفاء.
وأنّ " إِمان " أصله " إيمان " خُفّفَ بحذف يائه ، ثمّ أُبدِلَت همزته ياء،
فصار يِمان ، على وزن فِعال ، مكسور الفاء.

وحروف الإبدال اثنا عشر حرفاً ، مجموعة في قولهم : ( طال يوم أنجدته ).

( وليس الإبدال أنّ العرب تتعمّد تعويض حرف من حرف ، وإنّما هي لغات مختلفة لمعانٍ متّفِقة ، تتقارب اللّفظتان في لغتينِ لمعنى واحد حتى لا يختلِفان إلّا في حرفٍ واحد ).
(المزهر في علوم اللغة - للسيوطي - الجزء الأول).


أمن : في أسماء الله تعالى : " المؤمن " ، هو الّذي يصدق عبادَه وعدَه ، فهو من الإيمان : التصديق ، أو يؤمنهم من عذابه ، فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف.
(النهاية في غريب الحديث والأثر - ابن الأثير ).

رجلٌ أمنٌ وأمانٌ وإيمانٌ ويمانٌ ، عبارة عن مصادر يُرادُ بها الوصف، وجميعها بمعنى واحد : أمين ومؤتمَن ومأمون. وهي بمنزلة قولهم : رجلٌ عدلٌ.

قال الشاعر :
وكان الّذي سمّـاه باسمِ نبيّـــــــه
سليمانَ إنّ اللهَ ذا العرش جاعِلُه

على النّاس أَمْناً واجتماعَ جماعة
وغيثَ حَيَاً ينبت للنّاس وابـلُــــه.
(الفرزدق - ديوانه).

على النّاس أمناً هو بمعنى : أميناً ومؤتمَناً ، أي إماماً.

من أراد أن يعرف أسرار علم النّحو وعلوم البلاغة فعليه بشِعر الفرزدق، الشاعر الــدّويهيــة ، .... ولِسانُها البَذّاخ في كلّ منطقِ.

طيَّب الله أفئــدتَكم بالفوائــــــد أحبّائي القُــــرّاء .
..........................................

وبناءً على ذلك ، يكون الموصوف بالإيمان في آية الولاية ، أميناً وأماناً،
يجب أن يؤمَن به.
" إنّما وليّكم الله ورسوله وهذا المؤمن الّذين .......... " الآية .
" إنّما وليّكم الله ورسوله وذو الإيمان الّذين .......... " الآية .
المؤمن وذو الإيمان : الأمين ، المؤتمَن ، المأمون.
و " أمين " : صفة مشبَّهة على وزن فعيل بمعنى مفعول ، وهي مشتقَّة من الإيمان والأمان.
واللّفظ في القرآن الكريم ، جاء وصفاً للملائكة، والبشر الجديرين بالعهد والأمانة.
قال تعالى في وصف جبريل ع : ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾.
وقال تعالى في وصف موسى ع : ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾.
وجاء وصفاً ليوسف ع : ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾.
وجاء وصفاً لنوح ع : ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾.

" الأمين " الوارد في الآيات المباركات ، هو بمعنى : الثقة المأمون،المؤتمَن على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة.
فاللّفظ ، في الشريعة ، مستعمَلٌ لوصف من يتولّى أمراً جليلاً وهو لِذلك أهلٌ.
وعليــــه ، نعلم أنّ الأمين، والمؤتمن : هو الإمام.

" إنّما وليّكم الله ورسوله والأمين الّذين يقيمون ............" الآية.
" إنّما وليّكم الله ورسوله والإمام الّذين يقيمون ............ " الآية.

و " الأمين " بمعنى مفعول ، يستوي فيه المفرد والجمع، والمذكَّر والمؤنّث، الجمع : أمناء ويمانون ، المفرد : أمين ويمان.
والأمناء أو اليمانون : أولياء الله ، وهم الرّسُل والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين.
جاء في الأثر عن صفة المهدي ، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطّاهرين ، :
{ قرشيٌّ يمانٌ ، ليس من ذي ولا ذو }.
(النهاية في غريب الحديث والأثر - ابن الأثير ).

قرشيّ : منسوب إلى قريش ، وليس إلى اليمن .
كيف يكون منسوباً إلى اليمن وقد نسبه إلى قريش ! أقرشيٌّ ويمانيٌّ في آن ؟

كيف يكون منسوباً إلى اليمن وقد قال : ليس من ذي ولا ذو ؛ ومعلوم أنّ
ذي و ذو ، ألقاب لملوك اليمن ، وهم ملوك حمير.

ثمّ إنّ لفظ " يمان " خالٍ من الياء الدّالة على النّسبة ، ولو كان منسوباً إلى اليمن لقال : يمانيّ ، لأنّ ذلك من لوازم اللّسان العربي ، فلا نسبة بدون الياء الدّالة على معنى النّسب ، وهي الياء المشدّدَة المكسور ما قبلها ، ولا تُخفَّف إلّا عند الضرورة ؛ ولا يصح حذف ياء النّسبة لأنّ المعنى يتغيّر ، ووضع تنوين الكسر في آخر اللفظ هكذا
" قرشيٌّ يمانٍ " غَلَط ، لأنّ اللّفظ صحيح الآخر، مرفوع بضمّة ظاهرة ، وهو مصدرٌ أريد به الوصفُ ، فمن أين جاءوا بتنوين الكسر؟

قال الشــاعـــر :
سمَوْنا لِنجرانَ اليمانيِّ وأهلِــه
ونجرانُ أرضٌ لم تُدَيَّثْ مقاوِلُه.
(الفرزدق - ديوانه).

تأمّل كيف أنّ الشاعر جاء بالياء الدّالة على النّسبة إلى بلاد اليمن ، وشتّان
ما بين يمانيٌّ ويمان. المعنى مختلف تماماً.

النّسبة إلى بلاد اليمن يمانِيّ ويمَنِيّ ، وقد تُخفّف ياء النسبة.
تُخفف فقط ، ولا تُحذَف.

فائــــــدة :
الضمير في قول الفرزدق : ( أهله ومقاوله ) يعود على نجرانَ : بلدة يمنيّة، واقعة حالياً ، تحت سلطات الاحتلال السعودي البغيض.
وجاز التعبير عن المؤنّث بضمير المذكَّر ، لأنّ " نجران " مؤنّث تأنيثاً مجازياً؛ وهو نظير قول الشاعر :
فلا مُزنة أودقَت ودقها
ولا أرض أبقلَ إبقالها .

المَقاوِل : الملوك ، المفرد : مَقوَل ، وقَيْل.
قال الشاعر :
ومرَّ أبو سفيـان عنّي مُعرِضاً
كأنّك قَـيْــلٌ في كبار المَجادِل.
(أبو طالب بن عبد المطلب عليه السلام - ديوانه).

إذاً ، " يمان " في حديث صفة المهدي ، مصدرٌ موصوفٌ به ، وهو بمعنى : أمين ومؤتمَن ، والأمين أو المؤتمن هو الإمام. ويجوز أن يُقرَأَ : يَمان،على وزن فَعال ، مفتوح الفاء ، أو يِمان ، على وزن فِعال ، مكسور الفاء.
فمعنى الحديث : المهدي قرشيٌّ أمينٌ، أي إمام : المهدي إمامٌ قرشيٌّ.
وقد ورد في الأثر : { إنّ الأئمّة من قريش }.

وأخالك الآن عزيزي القارئ ، تتمكَّن من معرفة معنى قوله صلى الله عليه وآله : { الإيمان يمانٌ والحكمة يمانيَة } .

يمان : بدون ياء النّسبة ، والياء في " يمانيَة " للدّلالة على المبالغة في الوصف، وليست للدّلالة على النّسبة إلى بلاد اليمن.

هذا الحديث الشريف يتضمّن فائدتينِ : شرعية ، ولُغوية.

* الفائـــدة الشرعـيّـة :

الحديث يتضمّن معاني الإيمان في الشرع .
( ونحن بصدد بيان وتوضيح بعض تلك المعاني).

الإيمانُ يمانٌ : يمان بمعنى أمين ، مؤتمن ، وهو الإمام . فيكون المعنى : الإيمانُ إمامٌ .
وقد عَلِمنا من آية الولاية أنّ " الإيمان " إسمُ عَلَمٍ لِبشر.

العربُ تقول : رجلٌ أمنٌ ويمانٌ وأمانٌ، ويقصدون بذلك : الرجل الأمين، الميمون، المؤتمن : أي الشريف ، سيّد القوم ورائدهم ، وهو المَلِك أو الحاكم.

قال الشاعر :
تطاولَ اللّيلُ علينا دَمّونُ
دمّون إنّا معشرٌ يمانون
وإنّنا لأهلِنا محِبّون.
(امرؤ القيس - ديوانه).

يمانون ، يعني : ميامين ، أشراف ، ملوك، وامرؤ القيس من معشر ملوك.

ولو أراد النّسبة إلى بلاد اليمن لقال : يمانيّون أو يمانيون ( بالتخفيف ).
ثمّ إنّ امرأ القيس من بلاد اليمن ، ومخاطبته لِدمّون بأنّه من اليمن ليس له أي معنى أو فائدة ، فدمّون تعرف أنّه من اليمن !.
الشاعر، هاهنا ، في موضع الألم والتحسُّر ، يشكوا إلى دمّون ـ حيٌّ سكنيٌّ يَمَنِي آنذاك ـ الحال الّتي يعاني منها ، وهذا البيت قِيلَ عندما وصَلَ إلى الشاعر نبأ مقتل أبيه.

وقال الشاعر :
ومَجــدي يـدلّ بني خِـنـدِفٍ
على أنّ كلّ كـريم يمــــان.
(المتنبي - ديوانه).

كلّ كريم يمان : أي ميمون ، مبارَك ، ماجِد ، شريف.

وقال جريرُ، من قصيدةٍ طويلة :
وإنّي وإن كانت إلى الشّام نيَّتي
يمانيُّ الهوى أهلَ المجازةِ آلَـفُ
(جرير - ديوانه).

يقول جرير : على الرغم أنّ وجهتي إلى الشّام ، ولكن لا يعني هذا أنّني أطلب الشام لِذاتها أو أنّني أحبّ الذهاب إليها. فلماذا يا جرير تذهب إلى الشام إذاً؟
قال : إنّما أقصدها لأنّي يمانيُّ الهوى : أي مَلَكِيّ الهوى : أحبّ الملوكَ الّذين يجزلون لي العطاء وآلفهم ، قلبي معلَّقٌ بهم ، وفي الشام ملوك بني أُميّة ؛ أقصد الشام من أجلهم ، لأنّهم يعطونني الدّراهم والدّنانير.

من أجلِ العطاء أَحَبّ جريرُ كلَّ يمانٍ وصار يمانيَّ الهوى ؛
الشاعر جرير لم يكن مِن عُشاق أهل اليمن ومحبيهم ، وديوانه مليء بهجائهم.
الياء في " يمانيّ " ليست للدّلالة على معنى النِّسبة إلى بلاد اليَمَن ، وإنّما جيء بها للمبالغة في معنى الصفة ؛ فالشاعر يريد أن يخبرنا بأنّه يحبّ الملوك جِدّاًجِدّاً؛ وقصيدةُ جريرَ هذه ، تعتبر وَثَنيّةً من الوثنيات العملاقة الّتي قيلَتْ في مدح طواغيت بني أميّة.

وقال عبدُ يغوثَ الحارثي :

وتَضحَكُ منّي شيخةٌ عبشَمِيَّةٌ
كأن لم ترَ قبلي أسيراً يمانِيَا.

معنى البيت : هذه المرأة تضحك على حالي كوني أسيراً، وكأنّها لم تجد قبلي أميراً وسيّداً قد وقع في الأسر . هذا هو المعنى المقصود.

المرأة لم تضحك لِكون الأسير من اليَمَن ، فليس في هذا ما يدعو إلى الضحك والعَجَب ؛ إنّما ضحكَتْ لكون الأسير سيّدَ القومِ ورئيسهم .

وذلك أنّ عبد يغوث هذا وقعَ في الأسر ، وعندما جيءَ بالأسير إلى حي بني عبد شمس قالت المرأة : مَن أنت ؟ فقال : أنا سيّد القوم ؛ فضحكت المرأة وقالت : قبّحَكَ الله من سيّد قومٍ حين أسروك ، فأنشدَ السيّدُ الأسيرُ هذا البيت الشعري.
وأصل اللّفظِ " يمان " ، والياء للمبالغة في الوصف.

وقال داهـيـةُ الشعراء :

أتاني من الأنباء بعد الّذي مضَى
لِشَيبانَ من عاديّ مَجْدٍ مقدَّمِ

مِن ابنَيْ نَزار واليمانـين بعدهــم
أيادي سبـأ ، والعقلُ للمتفهِّمِ
(الفرزدق - ديوانه).

ابنَي نزار : ربيعة ومضر ، قبائل حجازيّة ، وليست يمنيّة ؛ واليمانين بعدهم : أي والملوك بعدهم ؛ أمّا قوله : أيادي سبأ ، فهو مَثَلٌ يُضرَب لِمن كان حالهم التفرُّق والشتات بعد نعيمٍ ومُلك ورخاء ؛ وليس مقصودُ الشاعرِ من ذلك النّسبةَ إلى بلاد اليمن . كيف يكون المراد هو النّسبة إلى اليَمَن وقد قال ابنَيْ نزار ؟ وقال : بعدهم ؟
ومعلوم تأريخيّاً أنّ مملكة سبأ اليمنيّـة أقدَم زمناً من حكاية ابنَي نزار، قبيلة ربيعة ومضر، وهم المعروفون بالعدنانيين.

ومن أجل التنبيه والإشارة إلى أنّ الشاعر لم يقصد النّسبة إلى بلاد اليمن،
قال : " والعقل للمتفهِّم ".

الّذين قصَدَهم الشاعر بقوله :
" واليمانين بعدهم " هم بنو شيبان ، وهؤلاء ينتمون إلى قبيلة بكر، وهي بَطنٌ من بطون ربيعة ، وقد كانوا ملوكاً وأشرافاً ، وفيهم يقول الشاعرُ :

وما رحَلَتْ شيبانُ إلّا رأيتَها
إماماً وإلّا سائر الناس تابع.

..................

قولـه صلى الله عليه وآله وسلم : { والحِكمـــة يمـانِيَــــة }.

الحكمة : لفظٌ جامعٌ لكلّ المحاسن والفضائل ، ولها معانٍ عدّة.
( ومرجعها إلى العدل والعلم والحِلم).
(معجم العين - الفراهيدي).

الحكمة يمانيـَة ، معناه : الحكمة إمامة.
الإيمان إمام والحكمة إمامة.

الحكمة في الشرع هي الإمامة أو الخِلافة.

قال تعالى : ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ﴾.
وقال صلى الله عليه وآله : { الصّمتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعله }
(المفردات - الراغب الاصفهاني ).
الصمت حكم، أي حِكْمة.

وهذا الحديث صحيح تماماً من النّاحية اللّغوية ؛ حكمَ ، يحكُم ، حُكْماً وحِكْمةً فهو حاكِم وحكيم ، فالحِكمة حُكم ، والحكيم حاكِم ؛ والحُكم هو الإمامة.

الحكمة : الإمامة ، وهي الملك العظيم ، الرئاسة العامة في الدّين والدّنيا جميعاً.

قال أحد الشعراء يمدح المأمون العبّاسي :

يا خيرَ من ذملَتْ يمانِيَــةٌ بـه
بعدَ الرسولِ لآيسٍ أو طامعِ.

وقال الشاعرُ :
يا حبّذا جبلُ الرّيانِ من جبلٍ
وحبّذا ساكنُ الرّيان من كانا
وحبّذا نفحــاتٌ من يمانِيَـــةٍ
تأتيك من قِبَلِ الرّيان أحيانا.

جبل الريان يقع في الشام ، في إحدى محافظات الجمهورية العربية السورية.

نحن نجد في هذه النّصوص أنّ " يمان ، ويمانيَة " ألفاظ لا علاقةَ لها ببلاد اليمن ، معناها مختلف تماماً عمّا يتوهمه كثيرٌ من النّاس.

لفظ ( يمان ) من الألفاظ المتشابهة ، ولا بدّ من الإتيان بالياء الدّالة على معنى النّسب دون غيره عند إرادة النّسبة إلى بلاد اليمن.
وياء النّسبة في الحقيقة ، ياء مُشدَّدة ، أي أنّها عبارة ياءينِ اثنينِ ، وليس ياءً واحداً ، وحرف النّسبة بحكم المنفصل ، أي أنّه حرفٌ زائد على حروف اللّفظ الأصلية، وإنّما يُجاء بها للدّلالة على نسبةِ شيءٍ إلى آخر، أو للدّلالة على المبالغة في الوصف.

وياء النّسبة تُخفّف ولا تُحذَف ، لأنّ حذفَها يؤدّي إلى تغيّر المعنى ، فلا يصح أن يكون تنوين الكسر عوضاً عن حذف ياء النسبة ، لأنّ ياء النسبة زائدة وليست حرفاً أصليّاً ؛ فهي حرف معنَى وليس حرف مبنَى.

تنوين الكسر ( الكسرتينِ ) يؤتى به للدّلالة على الياء المحذوفة ـ في حالتَيْ الرفع والجر ـ إذا كانت الياء من أصل اللّفظ.
نقول : عليٌّ عليه السلام والٍ عادلٌ.

تنوين الكسرِ في ( والٍ ) عوضاً عن الياء المحذوفة الأصلية ، أصل اللّفظ ( والي ) اسم منقوص.

هذا الكلام لا ينطبق على ياء النّسبة ، لأنّها تعتبر زائدة وليست أصلية.

لا يصح أنّ نقول : " الإيمان يمانٍ " ونريد بذلك النسبة إلى بلاد اليمن؛
هذا الكلام غلط ؛ نقول : الإيمان يمانِيٌّ ؛ هذا هو الصحيح.

يجوز حذف ياء النّسبة في حالة واحدة : إذا كان الإسم المنسوب مسبوقاً بـِ ( أخو ، أو ذو ، أو ابن ).

يُقال : أخو العراق ، أي العراقيّ ؛ أو أخو عراقٍ ، أي عراقيّ.
ويُقال : ذوي الشأم ، أي الشاميّون ؛ أو ذو شامٍ ، أي شاميّ أو شآميّ،منسوب إلى بلاد الشام.
ويُقال : أخو يَمَنٍ ، أي يمانِيّ أو يَمَنِي، وذوو يَمَنٍ ، أي يمنيين أو يمانيّين، منسوب إلى بلاد اليمن.

قالوا : أَبْلِغ أميرَ المؤمنين أخا العراق إذا أتيته.
وقالوا : ذوو الشأمِ من أهلِ الحفير وراسمِ.
وقالوا : سألْنا ذوي يَمَنٍ عن معنَى قولهم : قَيْلٌ ؟ فقالوا : مَلِكٌ.

قولـه صلى الله عليه وآله : { الإيمان يمانٌ } .
يمانٌ : خبر مرفوع بالضمّة الظاهرة على آخره، لأنّه صحيح الآخر ، وهو مصدرٌ أُرِيدَ به الوصفُ ، وليس المقصود من هذا الحديث النّسبة إلى بلاد اليمن.

التفريق بين الياء الدّالة على معنى النسبة وبين غيرها من الياءات يتم عن طريق السياق والقرائن المتصلة باللفظ ومقام الخطاب و....... إلخ .
والعقل للمتفهِّمِ كما قال الـدّويهيــة.

ومُجمَل القول ، إنّ هذا الحديث الشريف ـ الإيمانُ يمانٌ والحكمة يمانِيَة ـ يعتبر جامعاً شاملاً لكلّ معاني الإيمان ، الشرعية واللّغوية.

* الفائــــدة اللّغـويّـــة : فائــدة في علم الصرف :

" يمان " مصدرٌ ، و " يمانيَة " اسم بمعنى المصدر، والياء في يمانية لإشباع معنى الصفة ، وهي زائدة ؛ ويجوز أن يكون " يمانية " مصدراً صناعياً.
" الإيمان واليمان " بمعنى واحد ، وهي مصادر للفعل " ءامَنَ " على وزن " فاعَلَ " ، مُعتلّ الفاء ، فاؤه همزة.
إيمان : على وزن فيعال ، ويِمان : على وزن فِعال ، مكسور الفاء، وهو مُخفّف من فيعال.
فالرسول الحكيم صلى الله عليه وآله يريد أن يقول لك : إنّ الإيمان واليِمان ، من النّاحية اللّغوية شيءٌ واحد ؛ الفيعال فِعال ، والفِعال فيعال.

قال المحقِّقون ، النّحاةُ والصرفيون : ( إنّ "الفيعال" هو القياس لِمصدر " فاعَلَ " فهو أصل "الفِعال" ، خُفّفَ بحذف يائه ، وأُهمِلَ في الاستعمال، وإنّما كان قياس مصدر فاعَلَ هو الفِعال ، لأنّ المصدر الرباعي الأحرف،يُبنَى على ماضيه ، وزيادة ألِفَاً قبل آخره ، فالأصل في الفيعال، " فاعال "، مبنيَّاً على فاعَلَ ، كُسِرَتْ فاؤه فانقلبت الألِف بعدها ياءً مراعاةً للكسرةِ قَبلَها.
وقد شذّ مجيء " المُفاعَلَة " مصدراً لـِ "فاعَلَ " ، لأنّ القياس إنّما هو الفِعال، ولِهذا يجعلها المحققون من العلماء اسماً بمعنى المصدر ، لا مصدرا ، لأنّ المصدر إنّما هو الفِعال ، المخفف من الفيعال.
إذا كان الفعلُ من وزن " فاعَلَ " وفاؤه " ياء " يمتنع مجيء مصدره على فِعال ، مثل ، ياسَرَ ويامَنَ ، ليس فيه إلّا المُياسَرة والمُيامَنة ).
(جامع الدروس العربية - الشيخ الغلاييني - الجزء الأول ).

إذاً ،
" إنّما وليّكم الله ورسوله و ذو الإيمان الّذين ............" الآية.
" إنّما وليّكم الله ورسوله و ذاتُ الإيمان الّذين .........." الآية.

الإيمان ،هاهنا، عَلَمٌ لِبَشَر ؛ إسمٌ ولقبٌ وكنية ، خاص بالموصوف
ولا ينصرف إلى غيره.
قال عز وجل :
﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.
.........................................

" إنّما وليّكم الله ورسوله و ذو الإيمان الّذين ............" الآية.

الإيمان ،هاهنا، مصدرٌ موصوفٌ به ، يستوي فيه المفرد والجمع،
وهو بمعنى : أمين ومؤتمَن ، الجمع : أمناء ويمانون.

مطاع ثم أمين.


أَحَقٌ هو ؟
قولوا : إي وربّي إنّه لَحقٌّ . مُطاعٌ ثـمّ أمين ، وما صاحبكم بمجنون.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو زينب اليمني ; 2016/06/10 الساعة 11:05 PM
رد مع اقتباس