كيف حالكم احبتي عن الموضوع عن ""آفات اليدين "القسم الرابع نستعذ بالله العلي العظيم :
اعلموا احبتي أن اليدين من أعظم النعم وأجلها وهما آلتا البدن وقدرتاه يأخذ بهما ويعطي ويوفي ويستوفي ثم هما آلتا العبادة فبهما تطهر وتطهر ثيابك وبهما تركع وعليهما تسجد وبهما تجاهد وإمامك تعاهد ومبنى جزيل من المنافع الدينية والدنيوية عليهما وآفاتهما كثيرة وهما أخف من غيرهما في الضبط عما يحرم فإنهما تبع للقلب فبحراسة القلب يصلح مزاجهما على الطاعة
وبفساده يفسدان فاحفظهما عن جميع ما يحرم وخصوصا عن خمس آفات هي الغالبة عليهما من المحظورات
الآفة الأولى:
قتل النفس المحرمة :
هذه الآفة هي أعلى أنواع الفسوق وربما كان عقابها أعظم من عقاب بعض أنواع الكفر والأمر فيها عظيم والتحرز عنها يسير مع التوفيق وقد روى عن بعض كبار العلماء أنه قال: (لا توبة منها) مع اعتقاده لقبول التوبة في الكفر وما ذلك إلا لما علم من عظمها فقد بين الله تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} وانتم تعلمون أن من قتل الناس جميعا كفر لأن من جملتهم الأنبياء عليهم السلام والكفر واقع بقتلهم وقد قال كبار من العلماء: "ليس لهذه الآفة كفارة أبدا" ولعظمها لا يكفرها شئ وإن كان في قتل الخطا كفارة عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين إن عدمت الرقبة وفي حديث النبي(من لقي الله بدم حرام لقي الله يوم القيامة وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم (من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ تحت العرش يقول: رب سل هذا فيم قتلني في غير منفعة) وهذا في نفس عصفور فما ظنك في من قتل النفس المحرمة فاستكثر منها فاحتزوا منها ومما اشتبه عليكم منها فخطرها عظيم
الآفة الثانية سائر أنواع الظلم :
اعلموااحبتي أن اكثر الظلم إنما يقع باليدين من ضرب الناس ولطمهم وأخذ أموالهم بهما وغير ذلك وهذه الآفة مما اجتمع العقل والسمع على قبحها والكتاب ناطق بها وكذلك السنة بما لا يحتاج فيه إلى إطناب وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم كما تخرب الدور) فاجتنبه فإن النجاة من هذه الأمور التي تتعدى إلى الغير بعد وقوعها تعسر جدا وعلى قدر عظمها فيهم تكون أشق لأنه لا نجاة إلا بالخروج عن حقهم والرجوع إليهم بخلاف سائر المعاصي فإن الرجوع منها إلى ملك كريم غفور رحيم قد رآك عليها فعفى عنك
فله الحمد في الآخرة والأولى حمدا لا ينعد ولا يحصى
الآفة الثالثة أخذ عطايا الظلمة:
ولست أعني بذلك المغصوبات فإن ذلك قد تقدم بيانه ولكني أعني به ما كان يحل أخذه من غيرهم نحو زكوا تهم وأعشارهم وما يكون من خواص أموالهم فإن في أخذها إعظاما وإيهاما وإشكالا إذ لا إشكال أنك إذا رددت فقد استخففت لا يعرف غير ذلك ففيه إتيان بحق الله الواجب عليك وإذا أخذت فقد منعت حق الله فيهم وعلى حسب منزلتك عند الناس يجب عليك من هذا الحق ما لا يجب على غيرك فإنه لو أخذ منهم رجل لا يعرفونه ولا يعرفه أهل البلد الذين يعلمون بأخذه لا نقول: إنه يحرم عليه إلا ان يكون عين الحرام وإن كان لو رد لكان قد أتى بحق من حقوق الله عز وجل ولو أن الأخذ منهم لم يورث الإيهام والإعظام فهو مورث لإسقاط حق الله تعالى وهو الاستخفاف وموقع للمحبة في القلب (فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها) بهذا تحدث النبي وفي قول احد ائمة اهل البيت عليهم السلام "لا تؤخذ أعشارهم إلا ان يكون المؤمن في حال قطيعة يخشى معها التلف، أخذ ما يمسك به الرمق فقط، ويترك الزائد قال: ويكون حالها كالميتة" وأكثر العلماء ردوا ولم يأخذوا منهم: الحسن البصري وعمرو بن عبيد وبشير الرحال وأما أهل البيت عليهم السلام فلا ينبغي أن نعد أحدا أخذ منهم فإنهم يتجنبونهم ولا يأخذون منهم إلا ما يتوصلون به إلى إصلاح دين معلوم مشهور وربما توصلوا به إلى قتالهم وإهلاكهم أو عند ضرورة لازمة ولا خلاف أن ذلك جائز عند هذه الأحوال أو واجب وفي حديث النبي قال في آخر كلام: (وسيليكم أمراء إن استرحموا لم يرحموا، وإن حكموا لم يعدلوا، وإن سئلوا الحقوق لم يعطوا، وإن أُمِروا بالمعروف أنكروا، حتى لا يحملوكم على أمر إلا احتملتموه طوعا أو كرها، فأدنى الحق لله عز وجل على العباد في ذلك الزمان أن لا يأخذوا منهم العطاء، ولا يحضروا في الملاء))
قال بعض الصالحين: وقد كثر في زماننا هذا الأخذ من الظلمة، وجرت العادة به لغير ضرورة ولا صلاح دين وكنت أدركت الإنكار على آخذيه، إلى أن استمر وكثر ومال من يعرف بالزهد إلى الأمراء والسلاطين والظلمة، وحينئذ انطمس الإنكار فيه رأسا، فلا أعلم زاجرا عنه، وربما كان ولا أعلم) وهكذا المعاصي متى اعتيدت ولهج بإظهارها سهلت على القلوب وخف الوزر في قبحها على النفوس فنسأل الله أن يجبل قلوبنا بهدايته ويحملها على طاعته وإن يثبتنا على الاستمرار على مرضاته وإن يحمينا عن اللهج بمعصيته والاعتياد بإغضابه
فلا ملجا لناإلا إلى رحمته فنسأله بحقه وبحق أوليائه أن يؤمننا من عقوبته احفظ يدك أن تكتب بها ما لا يحل لك فإن القلم أحد اللسانين وعلى الجملة ما حفظت منه اللسان فاحفظ منه القلم والبنان
الآفة الرابعة:
استعمال اليد في اللهو واللعب نحو اللعب بالنرد
واستعمال العيدان
فإن هذه أمور محظورة مستخفة
وصاحبها ساقط المنزلة عند الله تعالى وعند خلقه
وأمرها أظهر من أن يخفى
وفي حديث النبي (من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه)
الآفة الخامسة :
أن تلمس بيدك من عورات الناس ما لا يجوز لك فأن هذه كبيرة عظيمة وصاحبها ملوم محسور وكذلك إذا استمتعت بيدك استمتاعا مما لا يجوز لك وفي الحديث (وإن قوما يحشرون وبطون أيديهم كبطون الحوامل) وروي (لعن الله ناكح اليد وناكح البهيمة) فإن هذه كبيرة عظيمة وصاحبها ملوم محسور وفي الحديث (العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك ويكذبه الفرج) ولو لمست بيدك يد غلام أو يد بعض أقاربك من النساء اللاتي يجوز لك النظر إليهن واقترنت الشهوة عند لمسك بيدك للمكان ستمرارك على ذلك بمنزلة لمسك بيدك لبعض الأجنبيات في الوزر والأثم فافهموا وقس على ذلك جميع ما يختص اليدين فإنك تجده وتدركه إن شاء الله تعالى الهذا نكتفي وان شاء الله غدا نكمل الحلقة الخامسة عن ""آفات البطن "" وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم ....