2013/12/10, 05:39 PM | #1 |
معلومات إضافية
|
مراتب اليقين
وقد ظهر مما ذكر : أن اليقين جامع جميع الفضائل ولا ينفك عن شيء منها ، ثم له مراتب : (أولها) علم اليقين ، وهو اعتقاد ثابت جازم مطابق للواقع - كما مر - وهو يحصل من الاستدلال باللوازم والملزومات ، ومثاله اليقين بوجود النار من مشاهدة الدخان . و(ثانيها) عين اليقين ، وهو مشاهدة المطلوب ورؤيته بعين البصيرة والباطن ، وهو أقوى في الوضوح والجلاء من المشاهدة بالبصر ، وإلى هذه المرتبة أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله : لم أعبد ربا لم أره بعد سؤال ذعلب اليماني عنه - عليه السلام - : أرأيت ربك ؟ وبقوله - عليه السلام - : رأى قلبي ربي . وهو إنما يحصل من الرياضة والتصفية وحصول التجرد التام للنفس ، ومثاله اليقين بوجود النار عند رؤيتها عيانا . و(ثالثها) حق اليقين ، وهو أن تحصل وحدة معنوية وربط حقيقي بين العاقل والمعقول ، بحيث يرى العاقل ذاته رشحة من المعقول ومرتبطا به غير منفك عنه ، ويشاهد دائما ببصيرته الباطنة فيضان الأنوار والآثار منه إليه ، ومثاله اليقين بوجود النار بالدخول فيها من غير احتراق . وهذا إنما يكون لكمل العارفين بالله المستغرقين في لجة حبه وأنسه ، المشاهدين ذواتهم بل سائر الموجودات من رشحات فيضه الأقدس ، وهم الصديقون الذين قصروا أبصارهم الباطنة على ملاحظة جماله ومشاهدة أنوار جلاله . وحصول هذه المرتبة يتوقف على مجاهدات شاقة ص 129 ورياضات قوية ، وترك رسوم العادات وقطع أصول الشهوات ، وقلع الخواطر النفسانية وقمع الهواجس الشيطانية ، والطهارة عن أدناس جيفة الطبيعة ، والتنزه عن زخارف الدنيا الدنية ، وبدون ذلك لا يحصل هذا النوع من اليقين والمشاهدة : وكيف ترى ليلي بعين ترى بها * سواها وما طهرتها بالمدامع ثم فوق ذلك مرتبة يثبتها بعض أهل السلوك ويعبرون عنه (بحقيقة حق اليقين) والفناء في الله ، وهو أن يرى العارف ذاته مضمحلا في أنوار الله محترقا من سبحات وجهه ، بحيث لا يرى استقلالا ولا تحصيلا أصلا ، ومثاله اليقين بوجود النار بدخوله فيها واحتراقه منها . ثم لا ريب في أن اليقين الحقيقي النوراني المبري عن ظلمات الأوهام والشكوك ولو كان من المرتبة الأولى لا يحصل من مجرد الفكر والاستدلال ، بل يتوقف حصوله على الرياضة والمجاهدة وتصقيل النفس وتصفيتها عن كدورات ذمائم الأخلاق وصدأها ، ليحصل لها التجرد التام فتحاذي شطر العقل الفعال ، فتتضح فيها جلية الحق الاتضاح . والسر أن النفس بمنزلة المرآة تنعكس إليها صور الموجودات من العقل الفعال ، ولا ريب في أن انعكاس الصور من ذوات الصور إلى المرآة يتوقف على تمامية شكلها وصقالة جوهرها وحصول المقابلة وارتفاع الحائل بينهما والظفر بالجهة التي فيها الصور المطلوبة ، فيجب في انعكاس حقائق الأشياء من العقل إلى النفس : 1 - عدم نقصان جوهرها ، فلا يكون كنفس الصبي التي لا تنجلي لها المعلومات لنقصانها 2 - وصفاؤها عن كدورات ظلمة الطبيعة وأخباث المعاصي ، ونقاؤها عن رسوم العادات وخبائث الشهوات ، وهو بمنزلة الصقالة عن الخبث والصدأ 3 - وتوجهها التام وانصراف فكرها إلى المطلوب ، فلا يكون مستوعب ألهم بالأمور الدنيوية وأسباب المعيشة وغيرهما من الخواطر المشوشة لها . وهو بمنزلة المحاذاة 4 - وتخليتها عن التعصب والتقليد . وهو بمثابة ارتفاع الحجب 5 - واستحصال المطلوب من تأليف مقدمات مناسبة للمطلوب على الترتيب المخصوص والشرائط المقررة ، وهو بمنزلة العثور على الجهة التي فيها الصورة . ص 130 ولولا هذه الأسباب المانعة للنفوس عن إفاضة الحقائق اليقينية إليها ، لكانت عالمة بجميع الأشياء المرتسمة في العقول الفعالة ، إذ كل نفس لكونها أمرا ربانيا وجوهرا ملكوتيا فهي بحسب الفطرة صالحة لمعرفة الحقائق ، ولذا امتازت عن سائر المخلوقات من السماوات والأرض والجبال ، وصارت قابلة لحمل أمانة الله (26) التي هي المعرفة والتوحيد ، فحرمان النفس عن معرفة أعيان الموجودات إنما هو لأحد هذه الموانع ، وقد أشار سيد الرسل - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى مانع التعصب والتقليد بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه ويمجسانه (27) وينصرانه ، وإلى مانع كدورات المعاصي وصدأها بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : لولا أن الشياطين يحرمون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض . فلو ارتفعت عن النفس حجب السيئات والتعصب وحاذت شطر الحق الأول تجلت لها صورة عالم الملك والشهادة بأسره ، إذ هو متناه يمكن لها الإحاطة به ، وصورة عالمي الملكوت والجبروت بقدر ما يتمكن منه بحسب مرتبته ، لأنهما الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار المختصة بإدراك البصائر ، وهي غير متناهية ، وما يلوح منها للنفس متناه ، وإن كانت في نفسها وبالإضافة إلى علم الله سبحانه غير متناهية ، ومجموع تلك العوالم يسمى ب (العالم الربوبي) ، إذ كل ما في الوجود من البداية إلى النهاية منسوب إلى الله سبحانه ، وليس في الوجود سوى الله سبحانه وأفعاله وآثاره ، فالعالم الربوبي والحضرة الربوبية هو العالم المحيط بكل الموجودات ، فعدم تناهيه (هامش) (26) إشارة إلى قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا الأحزاب ، الآية : 72 . (27) روى السيد المرتضى علم الهدى هذا الحديث في الجزء الثالث من أماليه بدون كلمة (يمجسانه) ، وكذا في غوالي اللئالي ، إلا أن المعروف في روايته إضافة كلمة (يمجسانه) ولكنها بعد كلمة (ينصرانه) ، كما أرسلها في مجمع البيان : ج 8 ص 303 طبع صيدا ، وكذا في مجمع البحرين في مادة (فطر) ، وكذا في صحيح البخاري : ج 1 ص 206 ، وصحيح مسلم : ج 2 ص 413 ، ومعالم التنزيل في هامش تفسير الخازن : ج 5 ص 172 ، وغير هؤلاء . (*) ص 131 ظاهر بين ، فلا يمكن للنفس أن تحيط بكله ، بل يظهر لها منه بقدر قوتها واستعدادها ، ثم بقدر ما يحصل للنفس من التصفية والتزكية وما يتجلى لها من الحقائق والأسرار ، ومن معرفة عظمة الله ومعرفة صفات جلاله ونعوت جماله ، تحصل لها السعادة والبهجة واللذة والنعمة في نعيم الجنة ، وتكون سعة مملكته فيها بحسب سعة معرفته بالله وبعظمته وبصفاته وأفعاله ، وكل منها لا نهاية له . ولذا لا تستقر النفس في مقام من المعرفة . والبهجة والكمال والتفوق والغلبة تكون غاية طلبتها ، ولا تكون طالبة لما فوقها . وما اعتقده جماعة من أن ما يحصل للنفس من المعارف الإلهية والفضائل الخلقية هي الجنة بعينها فهو عندنا باطل ، بل هي موجبة لاستحقاق الجنة التي هي دار السرور والبهجة المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: المواضيع الإسلامية lvhjf hgdrdk |
2013/12/10, 06:26 PM | #2 |
معلومات إضافية
|
جزاكم الله خيراااااااا
|
2013/12/11, 12:51 PM | #3 |
معلومات إضافية
|
شكرا لتواجدك الكريم
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كن من أصحاب اليقين | فدك الزهراء | المواضيع الإسلامية | 7 | 2015/10/01 10:27 PM |
مراتب الإمامة | بسمة الفجر | المواضيع الإسلامية | 3 | 2013/12/10 05:08 AM |
هوى نجم اليقين .. أمير المؤمنين | ابوشهد | الشعر الشعبي | 6 | 2013/07/13 09:08 PM |
عين اليقين / محسن الكاشاني | النبأ العظيم | الكتاب الشيعي | 3 | 2013/06/30 08:32 AM |
لو زاد اليقين لمشينا على الماء.. | النبأ العظيم | المواضيع الإسلامية | 6 | 2013/03/23 11:41 AM |
| |