2016/07/21, 02:52 AM | #1 |
معلومات إضافية
|
معادلات النّصر الإلهيّ
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته أهمّ المعادلات وأثبتها، هي تلك الّتي تحكيها الوقائع؛ لأنّ الإنسان ـ بطبعه ـ مشدودٌ إلى ما يرى ويسمع وتتلقّاه حواسّه، وتلك هي قصّة الانتصار التاريخيّ للمقاومة الإسلاميّة على عدوّ الأمّة والتاريخ. الوعدُ الإلهيّ بالنّصر سنّة لا تقبل التّبديل ولا التّحويل، فقد قال تعالى: ?كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ?(البقرة: 249)، وقد قصّ علينا قصّة جيل الرّسالة الأوّل، فقال عزّ وجلّ: ?وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ?(آل عمران:123)؛ لكنّ التّصديق النّظريّ بالفكرة شيء، والإيمان بها، بحيث تمتزج الفكرة بكلّ عناصر الرّوح في الإنسان، شيء آخر؛ والفرقُ بينهما هو الفرق بين الفكرة المجرّدة والفكرة المحرِّكة الفاعلة على أرض الواقع. لقد استطاع المقاوِم المُسلم أن يمتلك العناصر الّتي مكّنته من مضاعفة فاعليّته، وتكثيف آثار حركته على أرض المواجهة، بما جسَّد المعادلة الإلهيّة الثّانية، وهي أنّ الفرد زائداً الإيمان، لا يُمكن أن يكون مقابل فردٍ من الأعداء؛ فإن لم يكن الواحد مقابل عشرة، فالواحد مقابل اثنين لا أقلّ، وهذا هو قوله تعالى: ?إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ? (الأنفال:65-66). وقبل الاسترسال في الحديث عن تلك العناصر، يبدو أنّه من نافل القول التّأكيد أنّ تحديد تلك العناصر مهمّ لجهة تأمين الاستمرار في عمليّة إعداد الكوادر الّتي تعمل في المواجهة؛ كما أنّ ربط هذه العناصر بأصالتها الإسلاميّة، يعزّز الصّورة الإسلاميّة لحركة المقاومة ضدّ الاحتلال، بما ينبغي أن يُكسبها أرضيّةً ومشروعيّةً شعبيّةً رأينا آثارها منذ اللّحظات الأولى للانتصار، ما استدعى كلّ خطوط السياسة الاستكباريَّة وخططها، بهدف إبعاد الشّعور الإسلاميّ العامّ مع المقاومة المحسوبة على مذهبٍ من المسلمين. ولعلّ من أهمّ تلك العناصر، ويُمكن أن نعتبرها معادلات، ما يلي: أوّلاً: المعادلة الروحيّة ليس غريباً أنّ المسجد مثّل نقطة ارتكاز في نشأة الرّوح المقاوِمة لدى المقاوِمين؛ ذلك لأنّ هناك معادلةً إلهيّة؛ أنّه كلّما زادت نسبة إحساس الإنسان بعبوديّته لله أكثر، زادت نسبة إحساسه بحرّيته أكثر. ليست المسألة هنا مسألة اعتباريّة، يتصوّر فيها الإنسان الرّبط بين العبوديّة لله والحرّية أمام العالم، فيقوم بتركيز الفكرتين، فيُصبح استدعاء الأولى استدعاءً للثّانية، بل إنّ المسألة تمثّل حقيقةً وجوديّةً، يُصبح فيها التّركيز على الشقّ الأوّل من المعادلة مستدعياً حكماً للشقّ الثاني، كما قال الإمام عليّ(ع): "عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونَه في أعينهم"(1)، حيث إنّ نتائج الإحساس بالعبوديّة لله، امتلاك الإرادة أمام كلّ من عدا الله في هذا الوجود؛ وهذا بحدّ ذاته فعلُ حرّية. لقد اكتسب المسجد دوره في التّنمية الروحيّة على مدى التّاريخ الإسلامي، وهو ما نلمحه بوضوح لدى جيل الرّسالة الأوّل، واستمرارُه في أداء هذا الدّور يجعله الموئل الأوّل والأفضل لتحقيق هذه المعادلة في كلّ جيل. ثانياً: المعادلة الفكريّة المتابعة للخلفيّة الواقعيّة لآيات القرآن الكريم، مقرونةً بحركة التّوجيه والتّعليم الّتي كان يقوم بها النبيّ محمّد(ص) تجاه المسلمين، ستجعلنا نخلُص إلى أنّ ثمّة معادلة أخرى كانت تلعبُ دوراً أساسيّاً في صناعة انتصارات مجتمع الرّسالة الأوّل، وهي أنّ التّنمية الفكريّة الّتي يرتقي فيها المُسلم فكريّاً وثقافيّاً، ويعي فيها واقع الحياة وقواعدها ومجرياتها، كانت تؤدّي دور وضوح الرّؤية في الغاية والأهداف والوسائل، وتعزّز القوّة الروحيّة التي هي عنصر أساس من عناصر تحقيق النّصر؛ لأنّ الحياة، بما هي تجلٍّ لسنن الله ولخلقه وموقعٌ لربوبيّته، كلّما فُهِمَتْ أكثر، كانت ساحةً لوعي موقع الأقدام أكثر، وللشّعور بالأمل الكبير الّذي يلتقي بالوعد الإلهيّ في نهاية المطاف. ربّما نلمح ذلك في قول الله تعالى عن الكافرين: ?بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ?(الأنفال: 65). ولذلك نقول: ليس صحيحاً أنّ تعزيز الفكر، بما هو حركة نقدٍ وإنتاج للمعرفة، وانشغالٌ بالتفكير في مجريات الحياة، يناقض التنمية الروحيّة لدى الإنسان؛ بل هو مدماكٌ أساسيّ في مواجهة متغيّرات الحياة وتحدّياتها، ممّا يُمكن أن يوجّه بإشكالاته إيمان الإنسان وعقيدته في الحدّ الأدنى. نعم، صحيحٌ أنّ الفكر وحدَه لا يكفي للتّنمية الروحيّة، ولذلك يحتاج إلى أن يترافق مع البرنامج العباديّ الذي يجعل الإنسان يصلّي من موقع علم، فتُصبح صلاتُه النوعيّة مضاعفة التّأثير قياساً بالصّلاة الكمّية، وهو ما نفهمه من الحديث الشّريف القائل: "ركعتان يصلّيهما العالم أفضل من ألف ركعة يصلّيها العابد"(2). ثالثاً: المعادلة النفسيّة تلعب قيمة الصّبر دوراً محوريّاً في تجاوز العقبات والضّغوطات الجسديّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة وغيرها، الّتي تفرزها حركة الصراع والمواجهة؛ هو ما ركّز عليه القرآن الكريم في أكثر من آيةٍ؛ بل اعتبر الصّبر دليلاً على قوّة النفس لا على ضعفها؛ ولذلك كان الصّبر جزءاً أساسيّاً من حركة النّصر في أيّ معركة؛ لأنّ السّقوط أمام أيّ بلاءٍ وضغطٍ يمثّل حالة انكسار وانكشاف للمحرّك الأساسيّ لعنصر القوّة في حركة الصّراع. قال تعالى: ?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ?(البقرة: 155-157)؛ إنّ هذه الآية تؤكّد أنّ وضوح الرّؤية، والرّبط الدائم فكريّاً وروحيّاً، بين خطّ البداية والنّهاية، هو العنصر الأساس في تعزيز قيمة الصّبر. وبذلك نفهم أهمّية العامل الفكريّ والرّوحيّ معاً في تأثيره في العامل النّفسي، في عمليّة تحقيق النّصر في نهاية المطاف. رابعاً: المعادلة الاجتماعيّة إنّ كلّ التّعليمات الإسلاميّة الّتي تريد أن تحقّق السّلم الاجتماعيّ بين الفرد المسلم ومجتمعه؛ ذلك السّلم القائم على بنية واقعيّة من الأخلاق العمليّة وصلة الرّحم والتّباذل والتّواصل والتّعاون على البرّ، والإحساس مع الفئات المحرومة، وتفعيل قيمة العطاء وعمل الخير، وحتّى فيما يرتبط بالشّؤون الصحّية والترفيهيّة الّتي تعمل على تخفيف الضّغوط النفسيّة وتنفيسها وما إلى ذلك، تصبّ ـ في شكلٍ وآخر ـ في شدّ اللّحمة بين أبناء المجتمع، وفي سدّ كلّ الثّغرات الّتي تلعب دوراً تفكيكيّاً في هذا المجال، وهذا من شأنه أن يهيّئ البيئة الحاضنة، وخطّ الدّفاع المتماسك للمجاهدين في إدارة المواجهة. ولذلك، كان المطلوب دائماً هو تعزيز عناصر الوحدة الداخليّة كمعادلة من معادلات النّصر، من دون أن تعني الوحدة إلغاء التنوّعات الّتي هي أمرٌ طبيعيّ على مستوى الأفكار والخيارات، بل تعني تفعيل عناصر الاشتراك من جهة، وتحديداً واضحاً للخطوط الحمراء الّتي يجب أن يقف الجميع عندها بسبب تداعياتها المُفترضة على الجميع وعلى النّهج والقضيّة من جهة ثانية، بحيث يساهم ذلك كلّه في ضبط الاختلافات وإدارتها، لتصبّ في نوعٍ من الغنى الذاتيّ الّذي يُكسب المجتمع حيويّةً وديمومةً في إنتاج الأفكار والقيم، ويورث جميع أفراده الإحساس بالاعتبار والتّقدير، ويُبقي الحذر الدّائم من أن تأكل القضايا الصّغيرة القضايا الكُبرى كمؤشّرٍ لضمور الإحساس الاستراتيجيّ أمام مقتضيات التكتيك. وهنا يطلّ العامل الفكريّ كجزءٍ من تعزيز الوعي للساحة ومجرياتها، وللموازنة الدائمة بين القضايا الكُبرى والصّغيرة، وللوضوح الدّائم للأوليّات التي ينبغي أن توزّع الجهود في تناسبٍ معها، بحيث لا يجري إنهاك المجتمع داخليّاً، فيصل مُتعباً إلى أيّ ميدانٍ، فيسقط حتّى قبل أن تبدأ المعركة. هذه بعض الأفكار الّتي تداعت إلى النّفس أمام ذكرى التّحرير، أردنا من خلالها فتح الباب للتّفكير العميق في العوامل الّتي تُساهم في إبقاء عناصر النّصر متوافرةً في كيان المجتمع، عبر تأكيد المعادلات الإلهيّة الّتي تربط بين الأسباب والمسبّبات، وبين الأفعال ونتائجها، وبين المسار وخواتيمه، كجزءٍ من الإعداد الدّائم والمستمرّ الّذي يُضاف إلى الإعداد البدني والعسكري والفكري المرتبط بالتّفكير في الوسائل الجهاديّة الّتي تتطلّبها حركة المعركة، وعندئذٍ سيكون للنّصر طرفان: طرف بيد الإنسان عبر القيام بمسؤوليّاته في هذا المجال، وطرفٌ بيد الله تعالى فيما يمدّه من ألطافه؛ لأنّ الله لا يقاتل عن الإنسان، بل النّصرُ دائماً يتحقّق على أيدي النّاس، وبذلك نفهم أنّ مثل قول الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?(محمد: 7)، هو إشارة إلى تلك المعادلات الإلهيّة للنّصر؛ والله من وراء القصد. --------------------------------------- هوامش 1- نهج البلاغة، من خطبة للإمام عليّ(ع) في وصف المتّقين. 2- الشيخ الصّدوق، من لا يحضره الفقيه: 4/367/5762. المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: القران الكريم luh]ghj hgk~wv hgYgid~ hgYgid~ |
2016/07/21, 07:41 AM | #2 |
معلومات إضافية
|
احسنتم الطرح وبارك الله فيكم
|
2016/07/22, 04:36 PM | #3 |
معلومات إضافية
|
أحسنتم نشراً وجزاكم الله خير الجزاء
وجعلها ربي فسي ميزان حسناتكم |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
معادلات, الإلهيّ, النّصر |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الاختبار الإلهيّ للإنسان | شجون الزهراء | المواضيع الإسلامية | 1 | 2016/04/09 01:49 PM |
الغضب الإلهيّ | شجون الزهراء | القران الكريم | 3 | 2016/01/10 09:16 PM |
| |