العصمة في حديث الثقلين

[شجون الزهراء]

العصمة في حديث الثقلين

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما )

وفي رواية أخرى : ( إني تارك فيكم خليفتين )
وفي رواية ثالثة عن أبي سعيد الخدري : ( إني أوشك أن أدعى فأجيب ) ثم يأتي الحديث إلى أن يصل : ( وإن اللطيف أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) ( 1 )

الكلام ينبغي أن ينصب في مضمون الحديث وفي دلالاته, وبادئ ذي بدء لا نحتاج إلا بحث مطول لإثبات من هي العترة لاسيما بملاحظة الوقائع التاريخية الثابتة والروايات التي تدل مباشرة على شخصية العترة والمراد بها. . فلو عدنا للآية المباركة : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) لوجدنا أن الروايات تنص بأجمعها أن المقصود بأهل البيت في الآية ومن الوجهة التاريخية لحيثية النزول وسياقه هم العترة الطاهرة فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسنان ( عليهم السلام ) ثم من جاء بعدهم من أئمة أهل البيت بالاستناد إلى حديث الثقلين. . حيث يدل بوضوح على استمرار الآل والعترة مع القرآن وأن القرآن والعترة خليفتين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لن يفترقا. . وبالجمع بين حديث الثقلين وبين ما روي عن النبي في حصر الائمة والخلفاء من بعده باثني عشر. . يعطينا نتيجة : أن أهل بيت النبي هم فاطمة والائمة الاثني عشر عليهم السلام.

لذلك فإن العترة في حديث الثقلين هم أنفسهم أهل البيت في الآية الكريمة وهم علي وفاطمة والحسن والحسين ثم يتبعهم التسعة من ولد الحسين عليهم السلام.

وبشأن الدلالة فإن ما يفيده الحديث الشريف هو إثبات العصمة المطلقة. والمقصود بها العصمة في حالات التبليغ وخارجها قبل البلوغ وبعده على مستوى العمد وغير العمد من جميع ضروب السهو والخطأ والنسيان.

وقد يسأل السائل :
كيف اثبت الحديث العصمة على هذا المستوى أو كما اطلقتم عليها بالعصمة المطلقة ؟
يمكن تقديم الإجابة من خلال نقاط محددة وكما يلي :
النقطة الأولى : نعرف جميعاً أن القرآن معصوم عن الخطأ والاشتباه والنسيان ونحو ذلك فهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو إلى ذلك حق لا ريب فيه مصون من الخطأ والاشتباه والنسيان وأي خطل آخر. . فعند العودة إلى حديث الثقلين تراه ينص في وصف علاقة القرآن بالعترة بقوله : ( وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) فلو كان هناك ـ معاذ الله ـ معصية في أهل البيت أو اشتباه أو نسيان قبل البلوغ وبعده في الصغر أو بعد ذلك عمداً أو سهواً في حالات التبليغ وغيرها في موضوع الاشتباه أو الخطأ أو المعصية لافترقوا عن الكتاب وهذا خلاف نص الحديث. . فمن المعروف أن (( لن )) تفيد التأبيد أي هما لن يفترقا أبداً في هذه النشأة وهي نشأة التكليف. . وبهذا تثبت لأهل البيت العصمة المطلقة من خلال حديث الثقلين.

وقد يسأل سائل :
إن هذا الكلام ينطبق على حال العترة الطاهرة بعد البلوغ فلماذا وكيف نمدد الدليل إلى ما قبل البلوغ أيضا ؟

إذا كان لا يصدق على العترة قبل البلوغ أنهم عترة لكان الاعتراض وارداً وعندئذ لا يمكن إثبات العصمة لهم إلا بعد البلوغ ولكن ما دام يصدق عليهم أنهم عترة قبل البلوغ وبعده والحديث بنص (( أنهما لن يفترقا )) فإذن تثبت لهم العصمة مطلقاً من عدم الافتراق من الولادة إلى قيام الساعة.

النقطة الثانية : أما المدخل الثاني فينطلق مما نصت عليه الرواية من أن التمسك بهما عاصم من الضلالة. . فالحديث الشريف لم يقل إن التمسك بالقرآن وحده عاصم من الضلالة بل نص على أن التمسك بهما ( الكتاب والعترة ) عاصم من الضلالة. . فالإنسان المسلم يتلو سورة ( الفاتحة ) في صلاته اليومية وهو يدعو الله أن يهديه الصراط المستقيم ( اهدنا الصراط المستقيم ) والصراط المستقيم هو ( صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فما يطلبه الإنسان في صلاته يومياً هو أن يخلصه الله من الضلالة وأن لا يكون من المغضوب عليهم ولا من الضالين. . وعند العودة إلى حديث الثقلين فليس من المصادفة أن ينص على سبيل المنجي من الضلال هو التمسك بالقرآن والعترة معاً. . والمعنى نفسه يتأكد مرةً أخرى من خلال حديث المعرفة : ( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك, اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك, اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ) ( 2 )

فحديث الثقلين ناظر إلى هذه الجهة المتمثلة في أن الذي لم يعرف العترة ولم يتبع أهل البيت ضال عن دينه كما هو عليه نص دعاء المعرفة. . وإذا ما كان في أهل البيت ـ معاذ الله ـ أي نقص أو عيب أو معصية أو سهو أو اشتباه فلم يكن اتباع القرآن وأهل البيت منجياً من الضلالة كما هو المفروض حيث أكد الحديث وجوب اتباعهما والتمسك بهما. . فإن التمسك بهام يعني الاتباع لهما. . وإذا كان المتبوع يشتبه أو يعصي ولو سهواً أو نسياناً أو غفلة فسيقع التابع في الاشتباه والخطأ والمعصية ثم لا يكون الاتباع منجياً من الضلالة بنحو الإطلاق مع أن الحديث ينص على أن اتباع القرآن والعترة منج من الضلالة مطلقاً.

نخلص في الحيثية الثانية التي نستفيدها من الحديث الشريف إلى أن اتباع القرآن و العترة منج من الضلالة مطلقاً وهذا لا يكون إلا إذا كان القرآن والعترة على الصراط المستقيم أزلاً وأبداً أي قبل البلوغ وبعده عمداً وسهواً في حالات التبليغ وغيرها وهذا ما يثبت عصمة العترة الطاهرة مطلقاً وبشكل كلي.

النقطة الثالثة : المدخل الثالث يتمثل في أنه لو جاز الافتراق بين القرآن والعترة فمعنى ذلك وقوع الاشتباه في كلام الرسول الأعظم صلى لله عليه وآله. . فلو أن فرداً من أهل البيت عليه السلام اشتبه عمداً أو سهواً قبل البلوغ أو بعده فإن ذلك سيتنافى مع ما صدر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال : ( إنهما لن يفترقا ) لأن الافتراق سيحصل بحسب الفرض لو وقع العصيان عمداً أو سهواً قبل البلوغ وبعده في حالات التبليغ أو غيرها. . وهذا ما ينافي عصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالأخص لو كان الحكم أو البيان مرتبطاً بمجال التبليغ فكيف يكون ذلك وإجماع المسلمين وأهل القبلة قائم على عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التبليغ بحيث لا يصدر منه العصيان عمداً أو سهواً كما لا يصدر منه السهو أو الخطأ أو الاشتباه. . ومن الواضح أن حديث الثقلين يتحرك في دائرة التبليغ ومجالاتها لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ) فلو افترقا في مورد للزم ألا يكون النبي معصوماً في حالات التبليغ. . وهذا خلاف ما أجمع عليه علماء المسلمين من اتفاق كلمتهم على عصمة النبي صلى الله عليه وآله في مجالات التبليغ بل الأنبياء جميعاً.
بالإضافة إلى أن في هذا ـ لو وقع ـ مخالفة لما نص عليه القرآن. فالقرآن يصرح : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) لماذا ؟ لأنه ( وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى ) وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بالكتاب والعترة من دون أن يكون ثمة مجال لنفوذ الاشتباه والخطأ والنسيان إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوقوع العترة بما يخالف العصمة ولو في حال ما أو مورد واحد لأن ذلك يخالف صريح القرآن في عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

بهذه النقاط الثلاث نستطيع أن نصل إلى نتيجة قطعية تتمثل في إثبات حديث الثقلين العصمة المطلقة لكل من صدق عليه أنه من أهل البيت ومن العترة.

وقد يسأل السائل :
أن ما يدعو إليه الحديث الشريف ينصرف إلى الحب والعاطفة والمودة وحسب ومن ثم فهو لا يدل على اتباع أهل البيت عليهم السلام وهذا يستلزم تصدع الأبنية البرهانية التي استندتم إليها في إثبات العصمة ؟

ربما يثير بعضهم مثل هذا الاعتراض محتجاً أيضا بالآية الكريمة : ( قل لا اسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) فيستنتج أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن ينصب العداء للعترة أو أن لا يهتم بمودة أهل البيت عليهم السلام بيد أن الرجوع إلى الحديث نفسه خاصة النهاية التي ينطوي عليها يكشف أن المراد من التمسك شيء وراء المحبة والمودة وإبراز العاطفة للعترة لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الرواية التي تنص : ( ولا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ) فلو كان الكلام يدور حول المودة والحب فلا معنى للتقدم والتأخر. . أجل يصح الحديث عن التقدم والتأخر إذا كانت الرواية تأمر بالاتباع فعندئذ يمكن تصور أن الإنسان يتقدمهم من حيث العمل أو يتأخر عنهم ولا يعبأ بهم ولا يتبعهم من حيث العمل أيضاً. . من جهة أخرى يمكن الرجوع إلى الحديث نفسه للتساؤل عما يعنيه من التمسك بالقرآن. . فهل معناه حب القرآن وإبراز العواطف الإيجابية إزاءه أم المراد به هو الالتزام بتعاليم بكتاب الله واحكامه وجعله إماماً يأتم المسلمون به في حياتهم ومختلف جوانب نشاطهم ؟

إذا كان الالتزام بالقرآن هو المعنى الذي يتبادرإلى الذهن من الحديث فهو نفسه ينصرف إلى العترة الطاهرة أيضاً لكونه ينص على الإثنين معاً ( ما إن تمسكتم بهما ) بملاحظة هذه القرينة والتي سبقتها مضافاً إلى الأجواء التي ورد فيها الحديث يتضح بأن المراد منه ليس المودة وحسب بل الاتباع أيضاً. . على ذلك يتضح بأن سنة العترة من أهل البيت متمثلة بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم حجة كفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله وتقريره لا فرق بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة عليهم السلام من هذه الحيثية. . فكما أن القرآن يأمر : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) لأنه ( وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى ) فكذلك العترة ولكن بواسطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذ ثمرة مباركة وفرع كريم للشجرة الطيبة المتمثلة بالعصمة.

والحمد لله رب العالمين
وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين


______________________

( 1 ) ينظر في صيغ الحديث وضبط طرقه وأسانيده ومصادره : فضائل الخمسة من الصحاح السنة ج2 ص 5 فما بعد.

( 2 ) الأصول من الكافي. كتاب الحجة, باب في الغيبة ح5 ص 337. أيضا : جمال الأسبوع للسيد علي بن طاووس الحلي طبعة دار الرضي للنشر, قم, ص 520.

( 1 ) ينظر في صيغ الحديث وضبط طرقه وأسانيده ومصادره : فضائل الخمسة من الصحاح السنة ج2 ص 5 فما بعد.

( 2 ) الأصول من الكافي. كتاب الحجة, باب في الغيبة ح5 ص 337. أيضا : جمال الأسبوع للسيد علي بن طاووس الحلي طبعة دار الرضي للنشر, قم, ص 520.

المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: الحوار العقائدي

---

hguwlm td p]de hgergdk

[مهندس حسين]

الحمد لله الذي هدانا لولاية أهل البيت ومحبتهم
جزيتِ خيراً

[الرافضيه صبر السنين]

احسنتم وجزاكم الله خيرا

[الملكه]

بارك الله بكم