Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > منتديات اهل البيت عليهم السلام > الرسول الاعظم محمد (ص)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014/02/08, 02:21 PM   #1
بنت الصدر

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1425
تاريخ التسجيل: 2013/04/23
الدولة: العراق
المشاركات: 8,074
بنت الصدر غير متواجد حالياً
المستوى : بنت الصدر will become famous soon enough




عرض البوم صور بنت الصدر
افتراضي كلمات الرسول وأدب الرسول (صلى الله عليه وآله)



والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إنسان تبرعم عن قلب الصحراء مع البراعم التي تتفتّق تحت أنداء الفجر، والرمال التي تتبلور على وهج الشمس، والرياح التي تثور لتسوّي الكثبان والوهاد، حيث ينتحر التكلّف، فتعيش الطبيعة أقصى انطلاقاتها، وتبلغ الفطرة أوج نضجها، فإذا بصلابة الجلاميد، تشدّ على أعصاب التهاميّ، وإذا بوميض البروق يضطرب في عينيه، وإذا بلهيب الهجير يجري في عروقه، وإذا برسالة السماء تنطلق على لسانه، وإذا بالأميّ يدوّي بصوت يكرّس كلّ ما في السماء من خير ونور، فيصوغ من شعب الجاهليّة شعب المعجزات، وإذا بالبدو الرّحّل ينتشرون في أرجاء العالم لقيادة الشعوب، فيمتدون بصوته في كلّ اتجاه، حتى يغرقوا فيه كلّ عرش وتاج، وإذا بظلّ اليتيم يحوم بأجنحته العريضة في الآفاق، فيكتنف مطلَّ الشمس، لينتعش تحته الضعفاء، ويتهافت الجبّارون.

ثمّ ما هي البلاغة في أروع انتفاضاتها؟

أليست هي العبقريّة التي تنفجر على ألسنة العباقرة، على نحو ما تتفتّح في أعمالهم؟

وإذا كان جميع العباقرة أدباء - تختلف مستوياتهم الأدبية، بمقدار ما تختلف درجات مواهبهم - فماذا يمنع الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يكون سيّد الأدباء أجمعين، كما كان سيّد الأوّلين والآخرين؟
أو ليس هو الإنسان الوحيد، الذي أصبح الأدب على لسانه معجزة نبوّة، تحدّث البلاغة البشريّة، بكلّ ما أمكن العنف والاستفزاز، فأنابت إليه صاغرة مذعنة، يسربلها خشوع الإيمان، بعد أن كان الأدب - ولا زال - لغة تملّق واستجداء؟
أوَ ليست المواهب الإنسانية النبيلة،
قد تكرّست فيه أكثر ممّا تفرّق في العباقرة والمفكّرين؟
ومن ثمّ أصبح أدب النبيّ (صلى الله عليه وآله) فوق مستوى بقيّة الآداب، بمقدار ما هو فوق مستوى بقيّة الأدباء.

وأوّل ما يصدمك في أدب الرسول (صلى الله عليه وآله)
هو العقل الجبّار،

الذي يترك أفكاره تتوالد وتتسلسل، كالنهر الذي يجري ويجري دون أن يكون لجريه حساب أو انقطاع، ويعمّقها حتى لا تظلّ عليه أغوار، ثم يضبطها بحدود دقيقة لا تسمح لعواطفه الحارّة، وأحزانه البعيدة أن تطغى عليه، أو تطيش بكلمة عن غرب لسانه أو شقّ يراعه بلا استئذان، حتى ليدهش الباحث من تلك الدقّة المنطقيّة، لو علم أن النبيّ
(صلى الله عليه وآله) لم يكن يفكّر في إعداد كلماته، ولو قبيل ارتجالها بلحظات، وإنّما كانت تنفجر من نفسه الجيّاشة - لحظة الارتجال - بلا إعداد.

ثمّ الخيال الواسع الخفّاق، الذي قد يكون أهمّ شروط البلاغة - وهو الحسّ الذي يربط جميع الموجودات، بشبكة واحدة شاملة من الأسباب والمسبّبات، حتى لا يكون شيء في الوجود، إلاّ مسبّباً عن شيء وسبباً لشيء. وهذا الذوق، هو الفارق الوحيد بين الفن والعلم، حيث

إن دليل العلم هو العقل، الذي يجزّئ الأشياء ثمّ يدرس كلاًّ من أجزائها بانفراد، بينما يكون الإلهام دليل الفن، الذي يجمع المتباينات في إطار من التناسق الجمالي، ليجمع من تفاعلها صورة مطبوعة تضفي على الكون رواءً جديداً، وما كان الأدب فنّاً إلاّ بهذا الشمول. فالأديب أسبق من الفيلسوف في التطلّع إلى خفايا الأشياء، وهو بهذا الذوق يبقى دليل الفيلسوف إلى الرابط الكوني العام. والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أقوى من عرف هذا الرابط بدقّة الفيلسوف، وعبّر عنه بأسلوب الأديب، فأكّد على أن جميع الكائنات متوالدة عن بعضها إرادة فاعلة في الكون، وممتدّة ممّا وراء الكون، فإذا الكون كلّه وحدة مترابطة فيما بينها، ومرتبطة بما وراءها، برابط وثيق يكون إنكاره أعظم جريمة في الحياة، وهو الكفر، الذي يعاقب عليه الإنسان بالإعدام.

فكان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أستاذ الفيلسوف منذ كان، ودليل الأديب إلى الأبد، لأنّه عرف ما يعرفه الفيلسوف والأديب معاً، وعرف ما لم يعرفاه، وهو الرابط العام بين مظاهر الطبيعة وما وراء الطبيعة، وبين الدنيا والدين، فلم يعرّف ما وراء الطبيعة إلاّ بما يهيمن على الطبيعة، ولم يفسّر الدين إلاّ بما يصلح الدنيا، وعبّر عن هذا التكامل الشامل بأقوال موجزة معجزة:

(من خاف الله، أخاف الله منه كلّ شي، ومن لم يخف الله، أخافه الله من كلّ شيء).

(من أحبّ أن يكون أعزّ الناس فليتّق الله، ومن أحبّ أن يكون أقوى الناس، فليتوكّل على الله).

وينفرد أدب النبيّ (صلى الله عليه وآله) - عن كلّ ما انحدر إلينا عبر الأجيال، من نتاج الفكر والذوق - بميزة تجعل له مصافّاً مستقلاً، فوق كل المستويات الأدبيّة - لو استثنينا القرآن وحده -

وهي السلاسة العفوية البالغة، في رصف المعاني والألفاظ معاً، بحيث تجري رخاء على مهل، كما يجري الرقراق الفرات في السواقي المستلقية على بساط الرمل، أو كما تجري العطور في رفيف الأنسام.
وتستوي أجواؤه - رغم تناوله مختلف المواضيع -

كما تستوي صفحات البحار، في الآصال الغيد. حتى إنّك تنساب معه إلى أبعد الآماد وفي شتى المجالات - بلا وعي أو رأي منك - كما ينساب الدم في عروقك إلى أبعد أعضائك، دون أن تشعر بشيء فتوافق أو لا توافق.
فيحملك على جناحه العريض، ويجوس بك أينما شاء من المضانك الشائكة،

وإن من العجيب أن ينتج أدب قبل أربعة عشر قرناً، ثمّ لا يحمل شيئاً من آثار القدم، ولا يهرمه الدهر حتى كأنّه نتاج ساعته. وكأن زوابع العصور لم تزده إلا فتنة وروعة، كالدّر الذي كلّما تكرّر عليه الجديدان، ازداد جدّة ورواء. فهو الطارف التليد، الذي يجمع الذوق القديم والجديد، في إطار لولاه لكنّا نشكّ في وجود مثل هذا الإطار، فهو أقدم مدرسة وأحدث مدرسة.

وأعجب من ذلك: أن يعيش أدب الرسول (صلى الله عليه وآله) قمّة البلاغة، في مختلف العصور، التي تطوّرت فيها مقاييس البلاغة إلى حدّ التناقض، فتحسبه في كلّ يوم وليد يومه، حتى كأنه البدر، الذي لا يغيره اختلاف الفصول.

وبهذه الميزة، كان أدب النبيّ (صلى الله عليه وآله) نواة مدرسة أدبيّة، شاء جميع الأدباء أن يتخرّجوا عليها، وإن لم يستطيعوا التخلّص من رواسب أنفسهم، فانعكست أشعّتها على كلّ أديب بمقدار صفاء جوهره، واقتبس منها كلٌّ بمقدار قدرته على الاقتباس.
وقد بلغ الرسول (صلى الله عليه وآله) في التجرّد لمعالجة الموضوع الذي يعرضه أن ترفّع عن التكلفات البلاغيّة إلى حدّ التقشّف، حتى يجري مع هدفه بعفوية عازفة عن كلّ التزويقات الأدبية، فإذا كان هنالك سجع موزون، فهو كما يكون من الطير في غنائه والبحر في هديره، والأسد في زئيره، يأتي من صنع الطبع الزاخر، الذي لا يعرف التكلّف والرياء، فيكون سجعاً يردّ النغم على النغم، ويذيب الوقع في الوقع، على قرارات لا أوزن منها على السمع، ولا أحب على الذوق. ومثال ذلك

هذا القول الشهيّ الرقيق:

(الشمس والقمر، يبليان كلّ جديد، ويقربان كلّ بعيد، ويأتيان بكلّ وعد ووعيد، فأعدّوا الجهاز، لبعد المجاز).

وتأمّل في هذا الكلام المسجّع، وفكّر في مقدار ما يشفّ عنه، من سلامة الذوق، وقوة الطبع:

(... فاطلبوا العلم من مظانّه، واقتبسوه من أهله، فإن تعلّمه لله حسنة، وطلبه عبادة... وتعليمه من لا يعلمه صدقة،وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل الجنّة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدّث في الخلوة، والدليل على السرّاء والضرّاء، والسلاح على الأعداء،والزين عند الأخلاّء،يرفع الله به أقواماً، فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم،ويُهتدى بفعالهم، ويُنتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلّتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تبارك عليهم...).

فلو حاولت إزاحة كلمة عن مكانها، أو استبدال لفظ مسجوع بآخر غير مسجوع، لبدا لك كيف أن السجع في هذه الرائعة، ضرورة فنيّة يقتضيها الطبع، الذي يمزج اللفظ بالمعنى، حتى لكأنّهما من معدن واحد، فيبعث النثر شعراً له أوزانه وأنغامه، وليس له تكلّفة واصطناعه.

وقد تميّزت نظرات الرسول (صلى الله عليه وآله) الاجتماعية، بملاحظة نادرة غذّت خياله المبدع، فإذا بها تتعاون مع تجاربه الكثيرة، لتظهير المجتمع، في لوحات لها من الحياة أكثر ممّا للأحياء، فتعبّر عن واقعيّة صادقة، لها آفاق ترى، وأبعاد لا ترى إلاّ بالتأمّل الكثير.
فاستمع إليه، كيف يصوّر العاقل، ليعطي صورة ودرساً:

(... إذا أراد أن يتكلّم تدبّر، فإن كان خيراً تكلّم فغنم، وإن كان شرّاً سكت فسلم...).

وكيف يفسّر الظواهر الاجتماعية ببعضها، ليمنح فكرة وخبرة:
(لا فقر أشدّ من الجهل، ولا مال أفضل من العقل).
وكيف ينبئ عن الغيب المجهول، لينذر ويحذّر، حتى تبحث العقول المذعورة عن ملجأ، فيأتي توجيهه إلى القرآن، كما يومئ النجم للتائهين:

(إذا التبست عليكم الأمور، كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن).

ويتسع أدب الرسول (صلى الله عليه وآله) للحقوق العامّة، التي أكّد عليها في كلّ وصيّة صدرت منه إلى أحد، وكلّ عهد عقده لوالٍ، ويظهر النبيّ (صلى الله عليه وآله) في كلّ تأكيداته على الحقوق العامة، جادّاً يتدفّق بصورة حارة، تشفّ عمّا وراءها من إيمان عميق، بضرورة إقامة مجتمع عادل تهيمن عليه إرادة السماء، وكرهٍ عنيد للمجتمع المتأرجح، بين حقّ مسلوب وضعيف مطلوب، وما يقدح بينهما من إعصار يلفّ الغاصب والمغصوب على السواء.
وبدت صرامته في الحقوق، حتى في وصاياه إلى ولاته العدول، ففي وصيته إلى (معاذ):

(... أنزل الناس منازلهم، خيرهم وشرهم، وأنفذ فيهم أمر الله، لا تحاش في أمره ولا ماله أحداً، فإنها ليست بولايتك ولا مالك...).

ورغم أن النبي (صلى الله عليه وآله) رسول دين، يتوقع أن يكرّس أدبه لزحزحة الناس عن الدنيا ودفعهم إلى الآخرة، لم يجمد أدبه على التوجه إلى الآخرة، وإنما وزّع أدبه على حاجات الإنسان كلها، سواء أكانت حاجاته دنيوية أو أخروية، فكان أدباً جمّاً يضيء الدرب أمام الإنسان أنّى سار.
وحيث كان الرسول (صلى الله عليه وآله) أفضل من عرف خصوبة الإنسان، وتخلفه عن المستوى اللائق به، كشف عن عجزه عن مغالبة التخلّف الذي مُني به، فإذا هو سوء فهمه لارتباط الدين بالدنيا وظنه بأن الأمل والعمل يحولان دون الفوز بالآخرة، فحاول نسف هذه الأسطورة، ومنح الإنسان طاقات جديدة لا حدود لها، فحشد المبادئ الإنسانية الكبرى في كلمات، جمعت خلاصة الأفكار البنّاءة في سطور، من أجل بناء مجتمع حي سعيد،
يوم وضع كلمته فوق كلمة الجميع فقال:

(إن قامت الساعة، وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها، فله بذلك أجر).

فكانت كلمة تكفي لإضاءة الحياة، وتعميق مفاهيم الإنسانية في الإنسان، حتى هذا المستوى، الذي قد يبدو فوق الجشع والحرص، ولكن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو الذي يجدر به أن يقول هذا القول العظيم، لينقذ أجيالاً وأمماً من التقشف الصوفي، الذي ما أنزل الله به من سلطان. وإن أدب النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي يقدر أن يحلّ فيسمو، حتى يصور فسيلة في يد إنسان يريد أن يغرسها فتقوم عليه الساعة، ثم يأمره بغرسها، وهو لا ينسى أن الفسيلة لا تثمر إلاّ بعد سنين من غرسها. ولا يكتفي بمجرد أمره بذلك حتى يجعل له أجراً من ثواب الله.

ويبقى أدب الرسول (صلى الله عليه وآله) واسعاً يشمل أرحاب الحياة، دون أن ينسى جانباً أو يهمل جانباً، غير أن أسلوبه يرتفع إلى قمة الجمال والوعي، عندما يتحدث عن الهدف الأعلى لرسالته، وهو التعريف بالله، فإنه الموضوع الذي تخصص فيه النبي (صلى الله عليه وآله) فعرف منه ما لم يعرفه أيّ مخلوق سواه، وعرضه بطريقة فريدة، لو لم يسبقه القرآن، لما كان له نموذج في كل ما صدر عن جميع الأنبياء والصدّيقين، لأنّه يتناول أعمق المسائل الفلسفيّة، التي تستعصي على أعظم المفكرين، فيخضعها لأسهل العبارات، التي يهضمها أبسط السذّج الرعاع، حتى لتدهش لجبروت الفكر، كيف يجعل المستحيل سهلاً سائغاً لا تكدّره صعوبة. فلنستمع إلى هذه الجمل الخالدة، التي لن نسمع نظيرها إلاّ منه أو من تلامذته الأئمة الأطهار (عليهم السلام):

(الحمد لله، الذي كان في أوّليّته وحدانيّاً، وفي أزليّته متعظّماً بالإلهيّة، متكبراً بكبريائه وجبروته، ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق، على غير مثال كان سبق لشيء ممّا خلق... المحتجب بنوره دون خلقه، في الأفق الطامح، والعزّ الشامخ، والملك الباذخ، فوق كلّ شيء علا، ومن كلّ شيء دنا، فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو بالمنظر الأعلى...).

والخطابة موهبة وزّعها الله على خلقه كما يشاء، فتربّع على القمّة منها كثيرون، منهم ساسة، ومنهم أدباء، ومنهم مفكرون، غير أن أحداً لم يبلغ ما بلغه النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقد نشأ في المحيط البدوي الساذج، الذي تسلم فيه الفطرة من شوائب الكلفة والزور، حتى لا يسمها سوى طابع الصراحة والصدق، وعايش أقواماً عاشوا وماتوا للأدب، وتركوا في ذاكرة الدهر روائع لا يمكن أن تسفيها الليالي والأيّام، وميّزه الله بالطبع الزاخر، والذوق الرفيع، والبلاغة الآسرة، ومنحه علماً واسعاً لا يقاس، وحجّة دامغة لا تقارع، وقدرة نادرة على الارتجال، أضف إلى ذلك صدق قلبه ولسانه، وطهارة ضميره، وعمق إيمانه، ونبل هدفه، ثمّ تجاربه الكثيرة التي هي ضرورة للخطيب الناجح، كلّ هذه منضمّة إلى عبقريته الشخصيّة، التي أوجزت كلّ ما في سلالته من جرأة وقوّة، فتجمّعت فيه أسباب التفوّق الطبيعيّة، وأمدّه ما وراء الطبيعة بما لا أعلى ولا أكمل، حتى إن الوحي كان يعصمه عن أن ينطق بالهوى، فكان النطق السهل، والبيان الرفيع، من عناصر شخصيته، التي ميزّته عن سواه.

وهذه مؤهلات نادرة، إن تفرّق بعضها في الخطباء الذين كانوا - بحقّ - عالميّين، فإنّها لم تجتمع في أحد غيره.
فإذا تفرع المنبر، كان مطمئنّ القلب، واثقاً من عدالة قوله وهدفه، وكانت قوّة فراسته تكشف له أهواء النفوس، وأعماق القلوب، حتى إذا انطلق لسانه بما يجيش به صدره، حرّك في مستمعيه نوازع الفضيلة، التي تتفرغ لتحقيق إرادته.
وإذا شئنا أن نعرف مدى ارتفاع النبيّ (صلى الله عليه وآله) عمّا سواه من كبار الأدباء، في مختلف الأمم والعصور، وضعنا إلى جانب أدبه نماذج من آدابهم، لا لنستنج شيئاً من قياس الرسول بهم، فالرسول الذي هو عقل الكون وضمير الوجود، لا يقاس بغيره مهما بلغ، وإنّما لننضد أمامه قمم الوجود، حتى نراها كيف تتصاغر دونه، ولا تبدو سوى آثار حملت نفسها إليه عبر الدهور، لتعتزّ بقيّة عمرها، بأنّها وقفت خاشعة أمامه لحظات.

فلنستمع إلى هذا النفر القليل، الذين لم يقف إلى جانبهم غيرهم حتى يكثروا.
فهذا سليمان بن داود (عليه السلام) الملك الرسول (صلى الله عليه وآله) يتحدث عن تفاهة الحياة، وتداور الأحياء:
(جيل يمضي، وجيل يأتي، والأرض قائمة مدى الدهر، والشمس تشرق، والشمس تغرب، ثمّ تسرع إلى موضعها الذي طلعت منه. تذهب الريح إلى الجنوب، وتدور إلى الشمال، تدور وتطوف في مسيرها، ثمّ إلى مداورها تعود الريح. جميع الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن، ثمّ إلى الموضع الذي جرت منه الأنهار، إلى هناك تعود لتجري أيضاً).
وهذا المسيح: عيسى ابن مريم (عليه السلام) يندّد بالتخلّف البشريّ في حوارييه:

(يا عبيد السوء! يهولكم طول النخلة، وتذكرون شوكها، ومؤونة مراقيها، وتنسون طيب ثمرها ومرافقتها، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة، فيطول عليكم أمده، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها.

يا عبيد السوء! نقوّا القمح وطيّبوه، وأدقّوا طحنه، تجدوا طعمه، ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه، تجدوا حلاوته، وينفعكم غِبّه، بحقٍّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقّد بالقطران، في ليلة مظلمة، لاستضأتم به، ولم يمنعكم منه ريح نتنة، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.

يا عبيد الدنيا! بحقٍّ أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة، إلا بترك ما تحبّون، فلا تنظروا بالتوبة غداً، فأن دون غدٍ يوماً وليلة، وقضاء الله فيها يغدو ويروح. بحقٍّ أقول لكم: إن من ليس عليه دين من الناس، أروح وأقلّ همّاً ممّن عليه الدّين، وإن أحسن القضاء، وكذلك من لم يعمل الخطيئة، أروح وأقلّ همّاً ممّن عمل الخطيئة، وإن أخلص التوبة وأناب، وإن صغار الذنوب ومحقّراتها من مكايد إبليس، يحقّرها لكم، ويصغرها في أعينكم، فتجتمع وتكثر فتحيط بكم. بحقٍّ أقول لكم: إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله، وصدّقها بفعله، ورجل أتقنها بقوله، وضيّعها بسوء فعله، فشتّان بينهما، فطوبى للعلماء بالفعل، وويل للعلماء بالقول.
يا عبيد السوء! اتخذوا مساجد ربّكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم، واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات. إن أجزعكم عند البلاء لأشدّكم حبّاً للدنيا، وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا.
يا عبيد السوء! لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة، ولا بالثعالب الخادعة، ولا بالذئاب الغادرة، ولا بالأُسد العاتية، كما تفعل بالفراس، كذلك تفعلون بالناس، فريقاً تخطفون، وفريقاً تجدعون، وفريقاً تغدرون بهم. بحقٍّ أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً، كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم، وقد فسدت قلوبكم، وما يغني عنكم: أن تنقّوا جلودكم، وقلوبكم دنسة؟
لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيّب، ويمسك النخالة، كذلك أنتم، تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدوركم.
يا عبيد الدنيا! إنّما مثلكم مثل السراج، يضيء للناس ويحرق نفسه. يا بني إسرائيل! زاحموا العلماء في مجالسهم، ولو جثواً على الركب، فإن الله يحيي القلوب الميّتة بالحكمة، كما يحيي الأرض الميّتة بوابل المطر)(1).
__________
(1) - البحار، الجزء الأول، الطبعة القديمة صفحة 48 - 49.

كلمات الرسول نورُ بيانٍ *** قطّرته السّماء في أنوارهْ
وارثُ الرّوض بالرّياحين أولى *** وبأكنافه وطيب ثمارهْ
ليس بدعاً أن تنظمَ الدّرَّ في السلـ *** ـك فهذا الضياء بعض نهارهْ
تجتليه العيونُ صُبحاً جديداً *** وتغوصُ الألباب في آثارهْ
أُمّةُ الضّاد حسبها في المعالي *** أن تُحلّي بحبكةٍ من دِثارهْ
مُنقذُ الدين من مناةٍ وعزّى *** والحجى من جُموده واجترارهْ
ذلك الثّائرُ السّماوي كان الـ *** ـدهر يفني آناءَه في انتظارهْ
أيقظ الخاملين في كلّ قُطرٍ *** غاب حقُّ الحياة عن أبصارهْ




والحمد الله على نعمة الله علينا
منقووووووووووووووووووووووول



;glhj hgvs,g ,H]f (wgn hggi ugdi ,Ngi)



توقيع : بنت الصدر
[IMG]https://s*******-a-cdg.xx.fbcdn.net/hphotos-xpa1/v/t1.0-9/10257763_1403054306651158_385830557615175906_n.jpg ?oh=a01c3d1af4356ef62041dc6c00e65318&oe=54EC69BE[/IMG]
رد مع اقتباس
قديم 2014/02/08, 02:25 PM   #2
عاشق نور الزهراء


معلومات إضافية
رقم العضوية : 1213
تاريخ التسجيل: 2013/03/14
الدولة: Canada
المشاركات: 14,823
عاشق نور الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : عاشق نور الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور عاشق نور الزهراء
افتراضي



توقيع : عاشق نور الزهراء
تفضلوا بزيارة صفحة منتدياتكم المباركة على الفايسبوك على الرابط التالي :
https://www.facebook.com/she3aalhsen?ref=hl
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وصية الرسول صلى الله عليه وآله لأصحابه .... بنت الصدر الرسول الاعظم محمد (ص) 1 2015/09/23 12:56 AM
في رحاب عشق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق الرسول الاعظم محمد (ص) 2 2014/01/28 03:03 PM
بعض من وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لأبي ذر رضوان الله عليه عاشق نور الزهراء الرسول الاعظم محمد (ص) 6 2013/09/23 05:17 PM
لمحات من أخلاق الرسول صل الله عليه وآله احمد العراقي الرسول الاعظم محمد (ص) 11 2013/09/16 08:29 PM
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من قرأ في شهر رمضان آية عاشق نور الزهراء شهر رمضان المبارك 6 2013/07/12 03:40 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |