Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > منتديات اهل البيت عليهم السلام > عاشوراء الحسين علية السلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015/02/22, 06:55 AM   #1
الجمال الرائع


معلومات إضافية
رقم العضوية : 799
تاريخ التسجيل: 2012/12/12
المشاركات: 857
الجمال الرائع غير متواجد حالياً
المستوى : الجمال الرائع is on a distinguished road




عرض البوم صور الجمال الرائع
افتراضي ماساة الاسلام الكبرى

عاش الامام الحسين ( ع ) وهو في ريعان الصبا ، وغضارة العمر في كنف جده الرسول الاعظم ( ص ) وكان يغدق عليه بعطفه ، ويفيض عليه بحنانه ، ويعمل على توجيهه وتقويمه ، حتى توسعت مداركه ، ونمت ملكاته وهو في سنه المبكر ، وكانت هذه الفترة القصيرة التي عاش مع جده من أهم الفترات وأروعها في تاريخ الاسلام كله ، فقد وطد الرسول ( ص ) فيها أركان دولته ، وأقامها على أساس العلم والايمان ، وهزم جويش الشرك وفلل قواعد الالحاد ، وقام الاسلام على سوقه عبل الذراع مفتول الساعد وأخذت الانتصارات الرائعة تترى على الرسول ( ص ) وأصحابه ، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا ، أفواجا ، وامتد حكم الاسلام على أغلب مناطق الجزيرة العربية.

وفي غمرات هذه الانتصارات الرائعة شعر الرسول ( ص ) بان حياته قد انطوت وأيامه قد انتهت ، لانه أدى ما عليه وأقام دينه العظيم يؤدي فعالياته في توجيه الانسان ، واقامة سلوكه ، فإذن لابد له من الرحيل عن هذه الحياة . . . . ونتحدث عن فصول هذه المأساة الكبرى التي مني بها المسلمون وننظر إلى ما رافقها من الاحداث الخطيرة فانها ترتبط ارتباطا موضوعيا بما نحن فيه ، فهي تكشف عن كثير من الاسباب التي أدت إلى ما عاناه الامام الحسين ( ع ) مع أهل البيت من النكبات والخطوب.

طلائع الرحيل:

وبدت طلائع الوفاة ، ومفارقة الحياة للقائد والمنقذ والمعلم الرسول صلى الله عليه وآله فقد كانت هناك انذارات متوالية تدلل على ذلك وهي كما يلي:

[194]

1 - ان القرآن نزل على الرسول ( ص ) مرتين فاستشعر ( ص ) بذلك حضور الاجل المحتوم ( 1 ) وأخذ ينعى نفسه ، ويذيع بين المسلمين مفارقته لهذه الحياة ، وكان يقول لبضعته سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام " ان جبرئيل كان يعارضنى بالقرآن في كل سنة مرة ، وأنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك الا اقتراب أجلي . . . " ( 2 ).

2 - انه نزل عليه الوحي بهذه الآية : " انك ميت وانهم ميتون ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " وكانت هذه الآية انذارا له بمفارقة الحياة ، فاثارت كوامن التوجس في نفسه ، وسمعه المسلمون يقول:

" ليتني أعلم متى يكون ذلك ؟ ".

ونزلت عليه سورة ( النصر ) فكان يسكت بين التكبير والقرأة ويقول:

" سبحان الله وبحمده . أستغفر الله وأتوب اليه " وفزع المسلمون وذهلوا ، وانطلقوا اليه يسألونه عن هذه الحالة الرهيبة فاجابهم ( ص ):

" ان نفسي قد نعيت الي . . . " ( 3 ).

وفزع المسلمون وهاموا في تيارات مذهلة من الهواجس والافكار ، فقد كان وقع ذلك عليهم كالصاعقة ، فلا يدرون ماذا سيجري عليهم ان خلت هذه الدنيا من النبى ( ص ).

حجة الوداع:

ولما علم النبي ( ص ) بدنو الاجل المحتوم منه رأى أن يحج إلى
( 1 ) الخصائص الكبرى 2 / 386.
( 2 ) تاريخ ابن كثير 5 / 223.
( 3 ) مناقب ابن شهر اشوب 1 / 167 . ( * )


[195]

بيت الله الحرام ليلتقي بعامة المسلمين ، ويعقد هناك مؤتمرا عاما يضع فيه الخطوط السليمة لنجاة أمته ، ووقايتها من الزيغ والانحراف.

وحج النبى ( ص ) حجته الاخيرة الشهيرة بحجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة فاشاع فيها بين الوافدين لبيت الله الحرام ان التقاءه بهم في عامهم هذا هو آخر عهدهم به قائلا:

" إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، بهذا الموقف أبدا . . . ".

وجعل يطوف على الجماهير ، ويعرفهم بما يضمن لهم نجاحهم وسعادتهم قائلا:

" يا أيها الناس ، اني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي . . . " ( 1 ).

ان الركيزة الاولى لسلامة الامة ، وصيانتها عن أي زيغ عقائدي هو تمسكها بكتاب الله ، والتمسك بالعترة الطاهرة فهما أساس سعادتها ونجاحهها في الدنيا والآخرة.

ولما انتهى ( ص ) من مراسيم الحج ، وقف عند بئر ( زمزم ) وأمر ربيعة بن أمية بن خلف فوقف تحت صدر راحلته ، وكان صبيا فقال:

يا ربيعة قل:

" يا أيها الناس ان رسول الله يقول لكم : لعلكم لا تلقونني على مثل حالي هذه ، وعليكم هذا ، هل تدرون أي بلد هذا ؟ وهل تدرون أي شهر هذا ؟ وهل تدرون أي يوم هذا ؟ ".

فقال الناس : نعم هذا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، واليوم الحرام وبعدما أقروا بذلك ; قال ( ص ):

" ان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا ، وكحرمة
( 1 ) صحيح الترمذي 2 / 308 . ( * )


[196]

شهركم هذا ، وكحرمة يومكم هذا ألا هل بلغت ؟ ".

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، واتقوا الله " ولا تبخسوا الناس أشيآءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين " فمن كانت عنده أمانة فليؤدها.

ثم قال ( ص ) : الناس في الاسلام سواء الناس طف الصاع لآدم وحواء لا فضل لعربى على عجمي ، ولا عجمي على عربي إلا بتقوى الله ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، ثم قال : لا تأتوني بأنسابكم ، وأتوني باعمالكم ، فاقول للناس هكذا ولكم هكذا ، ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال : اللهم اشهد .

ثم قال ( ص ) : كل دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي ، وأول دم أضعه دم آدم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ( 1 ) ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، وكل ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي ، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب ، ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، أيها الناس انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ثم قال:

" أوصيكم بالنساء خيرا فانما هن عوار عندكم لا يملكن لانفسهن شيئا
( 1 ) آدم بن ربيعة كان مسترضعا في هذيل فقتله بنو سعد بن بكر . ( * )


[197]

وانما اخذتموهن بامانة الله ، واستحللتم فروجهن بكتاب الله ، ولكم عليهن حق ولهن عليكم حق كسوتهن ، ورزقهن بالمعروف ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحدا ، ولا يأذن في بيوتكم الا بعلمكم واذنكم ، فان فعلن شيئا من ذلك فاهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ضربا غير مبرح ، ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، فاوصيكم بمن ملكت ايمانكم فاطعموهم مما تأكلون ، والبسوهم مما تلبسون ، وان اذنبوا فكالوا عقوباتهم إلى شراركم ، ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، ثم قال : ان المسلم أخو المسلم لا يغشه ولا يخونه ، ولا يغتابه ، ولا يحل له دمه ، ولا شئ من ماله الا بطيب نفسه ، الا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال : اللهم اشهد.

ويستمر ( ص ) في خطابه الحافل بما تضمنته الرسالة الاسلامية من البنود المشرقة في عالم التشريع ، ثم ختمه بقوله:

" لا ترجعوا بعدي كفارا مضللين يملك بعضكم رقاب بعض ، اني خلفت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا هل بلغت ؟

قالوا : نعم.

قال ( ص ) : اللهم اشهد ، ثم التفت اليهم فطالبهم بالالتزام بما أعلنه وأذاعه فيهم قائلا:

[198]

" انكم مسؤولون فليبلغ الشاهد منكم الغائب " ( 1 ).

وبذلك انتهى خطابه الرائع الحافل بما تحتاجه الامة في الصعيد الاجتماعي والسياسي ، كما عين لها القادة من أهل بيته الذين يعنون بالاصلاح العام وببلوغ أهداف الامة في مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية.

مؤتمر غدير خم:

ولما انتهى الرسول ( ص ) من حجة قفل راجعا إلى يثرب ، وحينما انتهى موكبه إلى غدير خم ، هبط عليه أمين الوحي يحمل رسالة من السماء بالغة الخطورة ، تحتم عليه بأن يحط رحله ليقوم باداء هذه المهمة الكبرى وهي نصب الامام امير المؤمنين ( ع ) خليفة ومرجعا للامة من بعده ، وكان أمر السماء بذلك يحمل طابعا من الشدة ولزوم الاسراع في اذاعة ذلك بين المسلمين ، فقد نزل عليه الوحي بهذهه الآية:

" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس " ( 2 ).

لقد أنذر النبى ( ص ) انه ان لم ينفذ ارادة السماء ذهبت أتعابه ، وضاعت جهوده وتبدد ما لاقاه من العناء في سبيل هذا الدين فاتبرى ( ص ) بعزم ثابت وارادة صلبة إلى تنفيذ ارادة الله ، فوضع اعباء المسير وحط رحله في رمضاء الهجير ، وأمر القوافل أن تفعل مثل ذلك ، وكان الوقت قاسيا في حرارته حتى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتقي به من
( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 90 - 92.
( 2 ) سورة المائدة : نص على نزول هذه الآية في يوم الغدير الواحدي في أسباب النزول والرازي في تفسيره وغيرهما . ( * )


[199]

الحر ، وأمر ( ص ) باجتماع الناس فصلى بهم ، وبعد ما انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الابل لتكون له منبرا ففعلوا له ذلك ، فاعتلى عليها وكان عدد الحاضرين - فيما يقول المؤرخون - مائة الف أو يزيدون ، وأقبلوا بقلوبهم نحو الرسول ( ص ) ليسمعوا خطابه فاعلن ( ص ) ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وانقاذهم من الحياة الجاهلية إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الاسلام ، كما ذكر لهم كوكبة من الاحكام الدينية والزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم ، ثم قال لهم:

" انظروا كيف تخلفوني في الثقلين ؟ ".

فناداه مناد من القوم.

" ما الثقلان يا رسول الله ؟ ".

فقال ( ص ) : " الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله عزوجل وطرف بايديكم ، فتمسكوا به لا تضلوا ، والآخر الاصغر عترتي ، وان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا . . . ".

ثم أخذ بيد وصيه وباب مدينة علمه الامام امير المؤمنين ( ع ) ليفرض ولايته على الناس جميعا ، حتى بان بياض ابطيهما ، ونظر اليهما القوم ، فرفع ( ص ) صوته قائلا:

" يا أيها الناس ، من أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم ؟ ؟ ".

فاجابوه جميعا " الله ورسوله أعلم ".

فقال ( ص ) : " ان الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه " قال ذلك ثلاث مرات أو اربع ، ثم قال:

" اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واحب من أحبه ، وأبغض
[200]

من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وادر الحق معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب . . . "
.

وبذلك أنهى خطابه الشريف الذي أدى فيه رسالة الله ، فنصب أمير المؤمنين ( ع ) خليفة ، وأقامه علما للامة ، وقلده منصب الامامة ، وأقبل المسلمون يهرعون ، وهم يبايعون الامام بالخلافة ، ويهنئونه بامرة المسلمين وأمر النبي ( ص ) ، امهات المؤمنين ان يسرن اليه ويهنئنه ففعلن ذلك ( 1 ) ، وأقبل عمر بن الخطاب فهنأ الامام وصافحه وقال له:

" هنيئا يابن أبى طالب أصبحت وأمسيت مولاي ، ومولى كل مؤمن ومؤمنة " ( 2 ).

وانبرى حسان بن ثابت فاستأذن النبى ( ص ) بتلاوة ما نظمه فاذن له النبى ( ص ) فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم *** نجم واسمع بالرسول مناديا
فقال فمن مولاكم ونبيكم ؟ * فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاميا
الهك مولانا وأنت نبينا * ولم تلق منا في الولاية عاصيا
فقا له : قم يا علي فانني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له اتباع صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا ( 3 )
ونزلت في ذلك اليوم الخالد في دنيا الاسلام هذه الآية الكريمة
( 1 ) الغدير 2 / 34.
( 2 ) مسند أحمد 4 / 281.
( 3 ) الغدير 1 / 271 . ( * )


[201]

" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا . . . " ( 1 ).

لقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين ، وتمت نعمة الله على المسلمين بسمو أحكام دينهم ، وسموا قيادتهم التي تحقق آمالهم في بلوغ الحياة الكريمة وقد خطا النبي ( ص ) بذلك الخطوة الاخيرة في صيانة أمته من الفتن والزيغ فلم يترك أمرها فوضى - كما يزعمون - وانما عين لها القائد والموجه الذي يعنى بامورها الاجتماعية والسياسية.

ان هذه البيعة الكبرى التي عقدها الرسول العظيم ( ص ) إلى باب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين ( ع ) من أوثق الادلة على اختصاص الخلافة والامامة به ، وقد احتج بها الامام الحسين ( ع ) في مؤتمره الذي عقده بمكة لمعارضة حكومة معاوية وشجب سياسته فقد قال ( ع ):

" أما بعد : فان هذا الطاغية - يعني معاوية - قد صنع بنا وبشيعتنا ما علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم ، واني أريد أن أسألكم عن شئ فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني ، واسمعوا مقالتي ، واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ومن ائتمنتموه من الناس ، ووثقتم به فادعوه إلى ما تعلمون من حقنا فانا نخاف أن يدرس هذا الحق ، ويذهب ويغلب ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ، وما ترك شيئا مما أنزل الله في القرآن فيهم الا تلاه وفسره ولا شيئا مما قاله رسول الله ( ص ) : في أبيه وأمه ونفسه وأهل بيته إلا رواه ، وكل ذلك يقولون : اللهم نعم قد سمعنا وشهدنا ، ويقول التابعون : اللهم نعم قد حدثني به من أصدقه وآتمنه من الصحابة ، وقال ( ع ) في عرض استدلاله:

( 1 ) ذكر نزول الآية في يوم الغدير الخطيب البغدادي في تاريخه 8 / 290 والسيوطي في الدر المنثور وغيرهما . ( * )


[202]

" أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله نصبه - يعني عليا - يوم غدير خم فنادى له بالولاية ، وقال : ليبلغ الشاهد الغائب ، قالوا : اللهم نعم . . . " ( 1 ).

إن البيعة للامام في يوم عيد الغدير جزء من رسالة الاسلام ، وركن من أركان الدين ، وهي تستهدف صيانة الامة من التيارات العقائدية ، ووقايتها من الانحراف.

مرض النبي:

ولما قفل النبي ( ص ) راجعا إلى يثرب بدأت صحته تنهار يوما بعد يوم ، فقد ألم به المرض ، واصابته حمى مبرحة حتى كأن به لهبا منها فكانت عليه قطيفة فاذا وضع أزواجه وعواده أيديهم عليها شعروا بحرها ( 2 ) وقد وضعوا إلى جواره اناء فيه ماء بارد فما زال يضع يده فيه ، ويمسح به وجهه الشريف ، وكان ( ص ) يقول : ( ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ) ، وهرع المسلمون إلى عيادته وقد خيم عليهم الاسى والذهول فازدحمت حجرته بهم فنعى اليهم نفسه وأوصاهم بما يضمن لهم السعادة والنجاه قائلا:

" أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بى ، وقدمت اليكم القول معذرة اليكم الا اني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي " ثم أخذ بيد وصيه وخليفته من بعده الامام أمير المؤمنين قائلا لهم:

( 1 ) الغدير 1 / 199.
( 2 ) البداية والنهاية 5 / 266 . ( * )


[203]

" هذا علي مع القرآن ، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض " ( 1 ).

وقد قرر ( ص ) بذلك أهم القضايا المصيرية لامته ، وعين لها القائد العظيم الذي تنال به جميع أهدافها وامالها.

استغفاره لاهل البقيع:

وحينما ألم المرض بالنبى ( ص ) أيقن بمفارقته لهذه الحياة ، وحدثته نفسه أن يذهب ليودع مقابر المسلمين ويستغفر لهم ، فاستدعى أبا مويهبة في غلس الليل البهيم فلما مثل عنده أمره أن يمضى معه إلى البقيع قائلا له:

" لقد امرت بالاستغفار لاهل البقيع فلذا بعثت اليك للانطلاق معي ".

وسار النبي ( ص ) حتى انتهى إلى بقيع الغرقد ، فسلم على الاموات وقال لهم:

" السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه ، اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها . الآخرة شر من الاولى . . . ".

لقد استشف ( ص ) من وراء الغيب ما تمنى به أمته من الانقلاب على الاعقاب وما تصاب به من الانحراف بدينها وعقيدتها ، وانها ستواجه أمواجا رهيبة من الفتن والضلال تعصف بها إلى مجاهل سحيقة من هذا الحياة والتفت ( ص ) إلى ابى مويهبة قائلا له:

" يا أبا مويهبة اني قد اوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة ".

( 1 ) الصواعق المحرقة . ( * )


[204]

فبهر أبومويهبة وانطلق قائلا : بأبى أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، فقال ( ص ):

" لا والله لقد اخترت لقاء ربي والجنة ".

واستغفر ( ص ) لاهل البقيع ثم انصرف إلى منزله ( ص ) فاستقبله عائشة وكانت تشكو صداعا في رأسها وهي تقول:

" وارأساه ".

" بل أنا والله يا عائشة أقول : وارأساه ، ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك ، وكفنتك وصليت عليك ، ودفنتك ".

فأثار ذلك حفيظتها ، واندفعت تقول:

" والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فاعرست فيه ببعض نسائك ".

فتبسم النبى ( ص ) ( 2 ) وجعل يطوف بأزواجه وقد رأى نفسه أنه في حاجة إلى التمريض فاستأذن ازواجه ان يمرض في بيت عائشة فاذن له في ذلك فخرج عاصبا رأسه معتمدا على علي بن ابى طالب ، وعمه العباس وقدماه لا تكادان تحملانه من المرض حتى دخل بيت عائشة.

سرية اسامة:

واستبانت التيارات الحزبية للرسول ( ص ) وايقن انها جادة في
( 1 ) البداية والنهاية / 224 ، سيرة ابن هشام 3 / 93 ، تاريخ الطبري 3 / 190 ، وذكرت المصادر الشيعية ان النبى ( ص ) لما أحس بالمرض أخذ بيد علي وتبعه الناس فتوجه إلى البقيع واستغفر لاهله.
( 2 ) البداية والنهاية 5 / 224 - 225 . ( * )


[205]

مخططاتها الرامية لصرف الخلافة عن اهل البيت ( ع ) فرأى ان خير وسيلة يتدارك بها الموقف ان يبعث بجميع اصحابه لغزو الروم حتى تخلو عاصمته منهم ليتم الامر إلى ولي عهده الامام أمير المؤمنين ( ع ) بسهولة ويسر ، فامر اعلام المهاجرين والانصار بذلك وكان منهم - فيما يقول المؤرخون - ابوبكر وعمر وأبوعبيدة الجراح وبشير بن سعد ( 1 ) وأمر عليهم اسامة ابن زيد وهو شاب حدث السن ، وكانت هذه البعثة سنة احدى عشرة للهجرة لاربع ليال بقين من صفر ، وقال ( ص ) لاسامة:

" سر إلى موضع قتل ابيك فاوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحا على اهل ابنى ( 2 ) وحرق عليهم ، واسرع السير لتسبق الاخبار فان اظفرك الله عليهم فاقلل اللبث فيهم ، وخذ معك الادلاء ، وقدم العيون والطلائع معك . . . " وفي اليوم التاسع والعشرين من صفر رأى جيشه قد منى بالتمرد فلم يلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم العسكرية فساءه ذلك ، وخرج مع ما به من المرض الشديد فحثهم على المسير ، وعقد بنفسه اللواء لاسامة وقال له:

" اغز بسم الله ، وفي سبيل الله ، وقاتل من كفر بالله . . . ".

فخرج اسامة بلوائه معقودا ودفعه إلى بريدة ، وعسكر ب ( الجرف ) وتثاقل فريق من الصحابة من الالتحاق بالمعسكر ، واظهر الطعن والاستخفاف بالقائد العام للجيش يقول له عمر:

( 1 ) كنز العمال 5 / 312 ، طبقات ابن سعد 4 / 46 ، تاريخ الخميس 2 / 46.
( 2 ) ابنى - بضم الهمزة وسكون الباء ، ثم نون مفتوحة بعدها الف مقصورة - ناحية بالبلقاء من أرض سوريا بين عسقلان والرملة تقع بالقرب من موتة التي استشهد فيها زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب . ( * )


[206]

" مات رسول الله ( ص ) وأنت علي أمير ؟ ! ! ".

وانتهت كلماته إلى النبي ( ص ) وقد ازدادت به الحمى وأخذ منه الصداع القاسي مبلغا عظيما ، فغضب ( ص ) وخرج وهو معصب الرأس قد دثر بقطيفته ، وقد برح به الاسى والحزن ، فصعد المنبر وأظهر سخطه على عدم تنفيذ أوامره قائلا:

" أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة ؟ ولئن طعنتم في تأميري أسامة ، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبلهه ، وأيم الله انه كان لخليقا بالامارة وان ابنه من بعده لخليق بها . . " ثم نزل عن المنبر ودخل بيته ( 1 ) وجعل يوصي اصحابه بالالتحاق باسامة وهو يقول لهم:

" جهزوا جيش اسامة ".

" نفذوا جيش اسامة ".

" لعن الله من تخلف عن جيش اسامة "
.

ومن المؤسف أنه لم تثر هذه الاوامر المشددة حفائظ نفوسهم ، ولم يرهف عزائمهم هذا الاهتمام البالغ من النبي ( ص ) فقد تثاقلوا عن الالتحاق بالجيش واعتذروا للرسول ( ص ) بشتى المعاذير ، وهو لم يمنحهم العذر وانما أظهر لهم السخط وعدم الرضا ، وقد حللنا أبعاد هذه الحادثة المؤلمة ودللنا على مقاصد القوم في الجزء الاول من كتابنا " حياة الامام الحسن ابن علي ".

السيرة الحلبية 3 / 34 . ( * )


[207]

اعطاء القصاص من نفسه:

وألم المرض بالنبي ( ص ) فكان يعاني منه أشد العناء ، فاستدعى الفضل بن عباس فقال له:

خذ بيدي يا فضل ، فاخذ بيده حتى اجلسه على المنبر ، وأمره ان ينادي بالناس الصلاة جامعة ، فنادى الفضل بذلك فاجتمعت الناس فقال صلى الله عليه وآله:

" ايها الناس ، إنه قد دنا مني خلوف من بين أظهركم ، ولن تروني في هذا المقام فيكم ، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى اقومه فيكم ، الا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد ، ومن كنت اخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد ، ولا يقولن قائل اخاف الشحناء ، من قبل رسول الله ، الا وان الشحناء ليست من شأني ، ولا من خلقي ، وان احبكم إلي من اخذ حقا إن كان له علي او حللني فلقيت الله عزوجل ، وليس لاحد عندي مظلمة . . ".

وقد اسس ( ص ) بذلك معالم العدل ، ومعالم الحق بما لم يؤسسه أي مصلح في العالم فقد اعطى القصاص من نفسه ليخرج من هذه الدنيا وليس لاي احد حق او مال او تبعة عليه ، فانبرى اليه رجل فقال له:

" يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم ".

فقال ( ص ) : " اما انا فلا اكذب قائلا ، ولا مستحلفه على يمين فبم كانت لك عندي ؟ ".

قال الرجل : أما تذكر انه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم
[208]

فأمر ( ص ) الفضل ان يعطيها له ، وعاد ( ص ) في خطابه فقال:

" ايها الناس من عنده من الغلول شئ فليرده ؟ ".

فقام اليه رجل فقال له : يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.

قال ( ص ) : لم غللتها ؟ كنت اليها محتاجا.

فأمر ( ص ) الفضل أن يأخذها منه فأخذها ، وعاد ( ص ) في مقالته فقال ( ص ):

" ايها الناس من احس من نفسه شيئا فليقم ادع الله له ".

فقام اليه رجل فقال : يا رسول الله اني لمنافق ، واني لكذوب ، واني لشئوم ، فزجره عمر فقال له:

" ويحك ايها الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك ".

فصاح به النبى ( ص ) " صه يابن الخطاب ، فضوح الدنيا اهون من فضوح الآخرة ، ودعا للرجل فقال : اللهم ارزقه صدقا وايمانا واذهب عنه الشئوم " ( 1 ).

وانبرى اليه رجل من اقصى القوم يسمى سوادة بن قيس فقال له:

يا رسول الله انك ضربتني بالسوط على بطني ، وانا اريد القصاص منك فأمر ( ص ) بلالا ان يحضر السوط ليقتص منه سوادة ، وانطلق بلال وهو مبهور ، فراح يجوب في ازقة يثرب وهو رافع عقيرته قائلا:

" ايها الناس اعطوا القصاص من انفسكم في دار الدنيا ، فهذا رسول الله قد اعطى القصاص من نفسه . . . ".

ومضى إلى بيت النبى فأخذ السوط وجاء به إلى الرسول فأمر ان
( 1 ) البداية والنهاية 5 / 231 . ( * )


[209]

يناوله إلى سوادة ليقتص منه ، فاخذه سوادة واقبل نحو رسول الله ( ص ) وقد اتجه المسلمون بقلوبهم إلى هذا الحادث الرهيب فالرسول ( ص ) قد فتك به المرض والم به الداء وهو يعطي القصاص من نفسه ، ووقف سوادة على رسول الله فقال له:

" يا رسول الله اكشف لي عن بطنك ".

فكشف رسول الله ( ص ) عن بطنه فقال له سوادة بصوت خافت حزين النبرات:

" يا رسول الله أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ؟ ".

فاذن له رسول الله فوضع سوادة فمه على بطن رسول الله يوسعها تقبيلا ودموعه تتبلور على خديه قائلا:

" أعوذ بموضع القصاص من رسول الله من النار يوم النار ".

فقال له رسول الله:

" أتعفو يا سوادة أم تقتص ؟ ".

" بل اعفو يا رسول الله ".

فرفع النبي ( ص ) يديه بالدعاء قائلا:

" اللهم اعفو عن سوادة كما عفا عن نبيك " ( 1 ).

وذهل المسلمون وهاموا في تيارات من الهواجس والافكار ، وأيقنوا بنزول القضاء من السماء ، فقد انتهت أيام نبيهم ، ولم يبق بينهم إلا لحظات هي أعز عندهم من الحياة.

( 1 ) بحار الانوار 6 / 1035 . ( * )


[210]

التصدق بما عنده:

وكانت عند النبي ( ص ) قبل مرضه سبعة دنانير أو ستة فخاف صلى الله عليه وآله أن يقبضه الله وهي عنده فأمر أهله بالتصدق بها ، ولكن انشغالهم بتمريضه أنساهم ذلك ، وكان ( ص ) يفكر بها فسألهم عنها فاجابوه انها لا تزال باقية عندهم فطلب منهم أن يحضروها فلما جئ بها اليه وضعها في كفه وقال:

" ما ظن محمد بربه لو لقى الله وعنده هذه ".

ثم تصدق بها ، ولم يبق عنده أي شئ من حطام الدنيا ( 1 ) ، وقد تحرج ( ص ) في حياته عن جميع ملاذ هذه الحياة ، فكان فيما يقول الرواة إنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ( 2 ) وقد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير ( 3 ) وكانت وسادته من أدم حشوها ليف ( 4 ) وكان يجلس على حصير حتى أثر في جنبه فقال له أصحابه:

يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء ، فقال لهم : مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ( 5 ) وقد جاءته فاطمة بكسرة خبز فقال لها : ما هذه الكسرة يا فاطمة ؟ قالت : قرص خبز
( 1 ) مسند أحمد 6 / 104.
( 2 ) صحيح البخاري كتاب الاطعمة.
( 3 ) مسند أحمد 4 / 105.
( 4 ) صحيح مسلم كتاب اللباس والزينة.
( 5 ) صحيح الترمذي 6 / 60 . ( * )


[211]

لم تطب نفسي حتى اتيتك بها ، فقال ( ص ) : أما انه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام ( 1 ).

وكان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء ( 2 ) وروت عائشة عن زهده فقالت : ظل رسول الله ( ص ) صائما ثم طوى ، ثم ظل صائما ثم طوى ، ثم ظل صائما ، فقال : يا عائشة ان الدنيا لا تنبغي لمحمد وآل محمد ، يا عائشة ان الله لم يرض من اولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر عن محبوبها ثم لم يرض مني الا ان يكلفني ما كلفهم فقال : " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) واني والله لاصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة الا بالله ( 3 ).

وظل رسول الله ( ص ) على هذه الحالة زاهدا في الدنيا غير حافل بجميع ما فيها من المتع والنعم حتى توفاه الله واختاره اليه.

رزيه يوم الخميس:

واستشف الرسول ( ص ) من التحركات السياسية التي صدرت من أعلام صحابته انهم يبغون لاهل بيته الغوائل ، ويتربصون بهم الدوائر ، وانهم مجمعون على صرف الخلافة عنهم ، فرأى ( ص ) أن يصون امته من الزيغ ، ويحميها من الفتن فقال ( ص ):

( 1 ) طبقات ابن سعد ج 1 القسم 2 ص 114.
( 2 ) صحيح الترمذي 2 / 57.
( 3 ) الدر المنثور للسيوطي نص عليه في تفسيره لقوله تعالى : " فاصبر كما صبر اولو العزم " . ( * )


[212]

" إئتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " ( 1 ) وهل هناك نعمة على المسلمين اعظم من هذه النعمة ؟ إنه ضمان من سيد الانبياء - الذي لا ينطق عن الهوى - ان لا تضل امته في مسيرتها ، وتواكب الحق وتهتدي إلى سواء السبيل.

انه صيانة لتوازن الامة ، واستقامتها ، وضمان لرخائها وامنها ، وتطور لحياتها.

انه التزام من سيد الكائنات بان لا تصاب امته بنكسة أو ازمة في ميادينها السياسية والاقتصادية.

حقا انها فرصة من أثمن الفرص وأندرها في تاريخ هذه الامة ، ولكن القوم لم يستغلوها ، فقد علموا قصد الرسول ( ص ) وانه سينص على باب مدينة علمه وأبي سبطيه ، وتضيع بذلك اطماعهم ومصالحهم فرد عليه أحدهم:

" حسبنا كتاب الله . . " ولو كان هذا القائل يحتمل أن النبى ( ص ) يوصي بحماية الثغور أو بالمحافظة على الشؤون الدينية لما رد عليه بهذه الجرأة ، ولكنه علم قصده من النص على خلافة امير المؤمنين.

وكثر الخلاف بين القوم فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به الرسول ، وطائفة اخرى اصرت على معارضتها خوفا على فوات مصالحها ، وانطلقت النسوة من وراء الستر فأنكرن عليهم هذا الموقف المتسم بالجرأة على النبي صلى الله عليه وآله وهو في ساعاته الاخيرة من حياته ، فقلن لهم:

" ألا تسمعون ما يقول رسول الله ؟ ! ! ".

فثار عمر وصاح فيهن خوفا على الامر ان يفلت منهم فقال لهن:

( 1 ) الرواية أخرجه الطبراني في الاوسط ، والبخاري ، ومسلم وغيرهم . ( * )


[213]

" إنكن صويحبات يوسف اذا مرض عصرتن اعينكن ، وإذا صح ركبتن عنقه . . . ".

فرمقه الرسول وصاح به.

" دعوهن فانهن خير منكم . . . ".

وبدا صراع رهيب بين القوم ، وكادت أن تفوز الجبهة التي ارادت تنفيذ ما أمر به الرسول ( ص ) ، فانبرى احدهم فسدد سهما لما رامه النبى ( ص ) وأفسد عليه ما أراد قائلا:

" ان النبى ليهجر . . . " ( 1 ) لقد انستهم الاطماع السياسية مقام النبى ( ص ) الذي زكاه الله وعصمه من الهجر وغيره مما ينقص الناس.

ألم يسمعوا كلام الله يتلى عليهم في اناء الليل واطراف النهار ، وهو يعلن تكامل النبي ( ص ) وتوازن شخصيته ، قال تعالى : " ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى " وقال تعالى : " انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ".

لقد وعى القوم آيات الكتاب في حق نبيهم لم يخامرهم شك في عصمته وتكامل شخصيته ، ولكن الاطماع السياسية دفعتهم إلى هذا الموقف الذي يحز في نفس كل مسلم ، وكان ابن عباس اذا ذكر هذا الحادث الرهيب
( 1 ) نص على الحادثة المؤلمة جميع المؤرخين في الاسلام ، وذكرها البخاري في صحيحه عدة مرات في 4 / 68 و 69 ، و 6 / 8 ، الا انه كتم اسم القائل ، وفي نهاية غريب الحديث ، وشرح النهج المجلد الثالث ( ص 114 ) تصريح باسمه . ( * )


[214]

يبكي حتى تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ، وهو يصعد آهاته ويقول:

" يوم الخميس ، وما يوم الخميس ؟ ! ! قال رسول الله ( ص ):

إئتوني بالكتف والدواة : أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فقالوا:

إن رسول الله يهجر . . . "
( 1 ).

حقا انها رزية الاسلام الكبرى فقد حيل بين المسلمين وبين سعادتهم وتقدمهم في ميادين الحق والعدل.

فجيعة الزهراء:

ونخب الحزن قلب بضعة الرسول ( ص ) وريحانته ، وبرح بها الالم وأضناها الاسى حينما علمت أن أباها مفارق لهذه الحياة فقد جاءت اليه تتعثر بخطاها وهي مذهولة كأنها تعاني الآم الاحتضار فجلست إلى جانبه وهي محدقة بوجهه وسمعته يقول : " واكرباه ".

ويمتلئ قلبهاه الطاهر بالاسى والحزن والحسرات فتسرع اليه قائلة:

" واكربى لكربك يا أبتي ".

فاشفق الرسول ( ص ) حينما رأى حبيبته كأنها صورة جثمان قد فارقته الحياة فقال لها مسليا:

" لا كرب على أبيك بعد اليوم " ( 2 ).

فكانت هذه الكلمات أشد على نفسها من هول الصاعقة فقد علمت أن أباها سيفارقها ، ورأها النبى ( ص ) وهي ولهى حائرة ، قد خطف
( 1 ) مسند أحمد 1 / 355 وغيره.
( 2 ) حياة الامام الحسن 1 / 112 . ( * )


[215]

الحزن لونها وهامت في تيارات مذهلة من الاسى فأراد أن يسليها فأمرها بالدنو اليه واسر اليها بحديث فلم تملك نفسها ان غامت عيناها بالدموع ثم أسر اليها ثانية فقابلته ببسمات فياضة بالبشر والسرور ، وعجبت عائشة من ذلك وراحت تقول:

" ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ! ! ".

وسألتها عائشة عما أسر اليها أبوها فاشاحت بوجهها عنها وأبت أن تخبرها ، ولما انصرمت الايام أخبرت سلام الله عليها عن ذلك فقالت أخبرني:

" إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة ، وانه عارضني في هذا العام به مرتين ولا أراه الا قد حضر أجلي . . . ".

وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها ، وأما سبب سرورها وابتهاجها فتقول أخبرني:

" إنك أول أهل بيتي لحوقا بي ، ونعم السلف أنا لك . . . الا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة . . . " ( 1 ).

لقد كان السبب في اخماد لوعتها اخباره لها أنها اول أهل بيته لحوقا به ، وأخذ ( ص ) يخفف عنها لوعة المصاب قائلا لها:

" يا بنية لا تبكي ، واذا مت فقولي انا لله وإنا اليه راجعون ، فان فيها من كل ميت معوضة ".

وقالت له بصوت خافت حزين النبرات:

" ومنك يا رسول الله ؟ ".

" نعم ومني " ( 2 ).

( 1 ) حياة الامام الحسن 1 / 113.
( 2 ) انساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 133 . ( * )


[216]

واشتد الوجع برسول الله ( ص ) فجعلت تبكي وتقول لابيها:

أنت والله كما قال القائل:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للارامل
وأفاق رسول الله ( ص ) فقال لها : هذا قول عمك أبي طالب:

وقرأ قوله تعالى : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " ( 1 ).

وروى انس بن مالك قال : جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين إلى النبى ( ص ) في مرضه الذي قبض فيه فانكبت عليه ، والصقت صدرها بصدره وهي غارقة في البكاء فنهاها النبى عن ذلك فانطلقت إلى بيتها والنبى تسبقه دموعه ، وهو يقول:

" اللهم أهل بيتي ، وأنا مستودعهم كل مؤمن . . . ".

وجعل يتردد ذلك ثلاث مرات وهو مثقل بالهم لعلمه بما سيجري عليهم من المحن والخطوب.

ميراث النبي لسبطيه:

ولما علمت سيدة النساء ان لقاء أبيها بربه قريب خفت إلى دارها وصحبت معها ولديها الحسن والحسين ، وهي تذرف الدموع ، وتطلب مه أن يورثهما شيئا من مكارم نفسه التي عطر شذاها العالم بأسره قائلة:

" أبه هذان ولداك فورثهما منك شيئا . . . ".

( 1 ) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ( 133 ) . ( * )


[217]

ويفيض عليهما الرسول ببعض خصائصه وذاتياته التي امتاز بها على سائر النبيين قائلا:

" أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين فان له جرأتي وجودي " ( 1 ).

ويقومان الحسنان من عند جدهما وقد ورثا منه الهيبة والسؤدد ، والجرأة والجود ، وهل هناك مما تحويه هذه الارض أثمن وأعز من هذا الميراث الذي لا صلة له بعالم المادة وشؤونها ، وانما يحوى كمالات النبوة وخصائصها وصية النبي بالسبطين:

وأوصى النبى ( ص ) الامام عليا برعاية سبطيه ، وكان ذلك قبل موته بثلاثة ايام ، فقد قال له:

" يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهدم ركناك والله خليفتي عليك . . . ".

( 1 ) مناقب ابن شهراشوب 2 / 465 ، وفي نظم درر السمطين ( ص 212 ) ان فاطمة ( ع ) قالت : يا رسول الله انحل ابني الحسن والحسين فقال : " انحل الحسن المهابة والحلم ، وانحل الحسين السماحة والرحمة " وفي رواية : " نحلت هذا الكبير المهابة والحلم ، ونحلت الصغير المحبة والرضى " وفي ربيع الابرار ( ص 315 ) جاءت فاطمة بابنيها إلى رسول الله ( ص ) فقالت : يا رسول الله انحلهما ، قال : فداك أبوك ما لابيك مال فينحلهما ثم أخذ الحسن فقبله ، وأجلسه على فخذه اليمنى ، وقال : ( أما ابني هذا فنحلته خلقي وهيبتي ، وأخذ الحسين فقبله ووضعه على فخذه اليسرى ، وقال : نحلته شجاعتي وجودي " . ( * )


[218]

ولما قبض الرسول ( ص ) قال علي : " هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله ".

فلما ماتت فاطمة قال علي : " هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله ( ص ) " ( 1 ).

لوعة النبي على الحسين:

وخف الامام الحسين ( ع ) إلى جده الرسول ( ص ) حينما كان يعانى آلام المرض وشدائد الاحتضار ، فلما رآه ضمه إلى صدره وذهل عن آلام مرضه وجعل يقول:

" مالي وليزيد ، لا بارك الله فيه ، اللهم يزيد . . . ".

ثم غشي عليه طويلا ، فلما أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلا ، وعيناه تفيضان بالدموع ، وهو يقول:

" أما ان لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عزوجل " ( 2 ).

لقد تمثلت كارثة الحسين ( ع ) أمام جده الرسول وهو في ساعاته الاخبرة فزادته آلاما وأحزانا.

إلى جنة المأوى:

وآن الوقت لتلك الروح العظيمة التي لم يخلق الله نظيرا لها فيما مضى
( 1 ) أمالي الصدوق ( ص 119 ).
( 2 ) نفس المهموم للشيخ عباس القمي ( ص 29 - 30 ) نقله عن مثير الاحزان لابن نما الحلي . ( * )


[219]

من سالف الزمن وما هو آت ، أن تفارق هذهه الحياة لتنعم بجوار الله ولطفه ، وجاء ملك الموت فاستأذن بالدخول على الرسول ( ص ) فأخبرته الزهراء بأن رسول الله ( ص ) مشغول بنفسه عنه ، فانصرف ، وعاد بعد قليل يطلب الاذن ، فأفاق الرسول ( ص ) من اغمائه ، وقال لابنته:

" أتعرفيه ؟ ".

" لا يا رسول الله " .

" انه معمر القبور ، ومخرب الدور ، ومفرق الجماعات "
.

وقد قلب الزهراء ( ع ) وأحاط بها الذهول وأخرسها الخطب ، واندفعت تقول:

" واويلتاه لموت خاتم الانبياء ، وامصيبتاه لممات خير الاتقياء ، ولانقطاع سيد الاصفياء ، واحسرتاه لانقطاع الوحي من السماء ، فقد حرمت اليوم كلامك . . . ".

وتصدع قلب النبي ( ص ) واشفق على بضعته فقال لها:

" لا تبكي فانك اول أهلي لحوقا بي " ( 1 ).

واذن النبي ( ص ) بالدخول لملك الموت ، فلما مثل أمامه قال له:

" يا رسول الله ، ان الله أرسلني اليك ، وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها وإن أمرتني ان اتركها تركتها . . . " فبهر النبي ( ص ) وقال له:

" أتفعل يا ملك الموت ذلك ؟ ".

" بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني "
.

وهبط جبرئيل على النبي ( ص ) فقال له:

( 1 ) درة الناصحين ( ص 66 ) . ( * )


[220]

" يا أحمد ان الله قد اشتاق اليك " ( 1 ).

واختار النبي ( ص ) جوار ربه ، فاذن لملك الموت بقبض روحه العظيمة ولما علم أهل البيت ( ع ) ان النبى ( ص ) سيفارقهم في هذه اللحظات خفوا إلى توديعه وجاء السبطان فالقيا بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع والنبى ( ص ) يوسعهما تقبيلا فأراد أمير المؤمنين ( ع ) أن ينحيهما عنه فأبى النبى ( ص ) وقال له:

" دعهما يتمتعان مني واتمتع منهما فستصيبهما بعدي إثرة . . . ".

ثم التفت إلى عواده فقال لهم:

" قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي ، والمضيع لسنتي ، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . . . " ( 2 ).

وقال لوصيه وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين ( ع ):

" ضع رأسي في حجرك فقد جاءك أمر الله ، فاذا فاضت نفسي فتناولها وامسح بها وجهك ، ثم وجهني إلى القبلة ، وتولى أمري ، وصل علي أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن بالله عزوجل . . . ".

وأخذ امير المؤمنين رأس النبى ( ص ) فوضعه في حجره ، ومديده اليمنى تحت حنكه ، وقد شرع ملك الموت بقبض روحه الطاهرة ، والرسول صلى الله عليه وآله يعاني آلام الموت وشدة الفزع حتى فاضت روحه الزكية فمسح بها الامام وجهه ( 3 ).

( 1 ) طبقات ابن سعد 2 / 48.
( 2 ) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 114.
( 3 ) المناقب 1 / 29 ، وتضافرت الاخبار بأن رسول الله ( ص ) توفي ورأسه في حجر علي انظر كنز العمال 4 / 55 ، طبقات ابن سعد وغيرهما . ( * )


[221]

ومادت الارض ، وخبا نور العدل والحق ، ومضى من كانت حياته رحمة ونورا للناس جميعا ، فما اصيبت الانسانية بكارثة اقسى من هذه الكارثة لقد مات القائد والمنقذ والمعلم ، واحتجب ذلك النور الذي أضاء الطريق للانسان وهداه إلى سواء السبيل.

ووجم المسلمون وطاشت أحلامهم ، وعلاهم الفزع ، والجزع ، والذعر وهرعت نساء المسلمين ، وقد وضعن أزواج النبي الجلالبيب عن رؤوسهن يلتدمن صدورهن ، ونساء الانصار قد ذبلت نفوسهن من الحزن وهن يضربن الوجوه حتى ذبحت حلوقهن من الصياح ( 1 ).

وكان أكثر أهل بيته لوعة ، وأشدهم حزنا بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء ( ع ) فقد وقعت على جثمانه ، وهي تبكي أمر البكاء وأقساه ، وهي تقول:

" وا أبتاه ، وا رسول الله ، وا نبي الرحمتاه ، الآن لا يأتي الوحي الآن ينقطع عنا جبرئيل ، اللهم الحق روحي بروحه ، واشفعني بالنظر إلى وجهه ، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة " ( 2 ).

وأخذت تجول حول الجثمان العظيم ، وهي تقول:

" وا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه . . . وا أبتاه جنة الفردوس مأواه . ..

وا أبتاه أجاب ربا دعاه ! ! " ( 3 ).

( 1 ) أنساب الاشراف ق 1 / ج 1 / 574.
( 2 ) تاريخ الخميس 2 / 192.
( 3 ) سير أعلام النبلاء 2 / 88 ، سنن ابن ماجة وجاء فيه ان حماد ابن زيد ، قال : رأيت ثابت راوي الحديث حينما يحدث به يبكي حتى تختلف أضلاعه . ( * )


[222]

وهرع المسلمون وهم ما بين واجم ونائح قد مادت بهم الارض وذهلوا حتى عن نفوسهم قد عرتهم الحيرة والذهول.

تجهيز الجثمان المقدس:

وتولى الامام أمير المؤمنين ( ع ) تجهيز النبي ( ص ) ولم يشاركه أحد فيه فقام في تغسيله وهو يقول : " بأبي أنت وأمي ، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والانباء ، وأخبار السماء خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك ، وعممت حتى صار الناس فيك سواء.

ولو لا انك امرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لانفذنا عليك ماء الشؤون ، ولكان الداء مماطلا ، والكمد محالفا . . . " ( 1 ).

وكان العباس عم النبي ( ص ) واسامة يناولانه الماء من وراء الستر ( 2 ) وكان الطيب يخرج من بدن رسول الله ( ص ) والامام يقول:

" بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبت حيا وميتا " ( 3 ) ، وكان الماء الذي
( 1 ) نهج ابلاغة محمد عبده 2 / 255.
( 2 ) وفاء الوفاء 1 / 227 ، البداية والنهاية 5 / 263 ، وفي كنز العمال 4 / 53 ان عليا غسل رسول الله ( ص ) وكان الفضل بن عباس وأسامة يناولانه الماء ، وفي البداية والنهاية 5 / 260 ان اوس بن خولى الانصاري ، وكان بدريا ، نادى يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال علي : ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يل من غسله شيئا.
( 3 ) طبقات ابن سعد / القسم الثاني ( ص 63 ) . ( * )


[223]

غسل فيه من بئر يقال لها الغرس كان ( ص ) يشرب منها ( 1 ) ، وبعد الفراغ من غسله ادرجه في اكفانه ، ووضعه على السرير.

الصلاة عليه:

وأول من صلى على الجثمان المقدس هو الله تعالى من فوق عرشه ، ثم جبرئيل ، ثم اسرافيل ، ثم الملائكة زمرا زمرا ( 2 ) ، ثم صلى عليه الامام امير المؤمنين ( ع ) وأقبل المسلمون للصلاة على جثمان نبيهم فقال لهم الامام امير المؤمنين ( ع ) : لا يقوم عليه امام منكم ، هو إمامكم حيا وميتا فكانوا يدخلون عليه رسلا رسلا فيصلون عليه صفا صفا ليس لهم امام وأمير المؤمنين واقف إلى جانب الجثمان وهو يقول:

" السلام عليك ايها النبى ورحمة الله وبركاته اللهم انا نشهد انه قد بلغ ما أنزل اليه ونصح لامته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فجعلنا ممن يتبع ما أنزل اليه ، وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه ".

وكان الناس يقولون آمين ( 3 ).

وكانت الجموع تمر على الجثمان العظيم كاسفة البال كسيرة الطرف قد نخر الحزن قلوبها ، فقد مات من دعاهم إلى الهدى والحق ، وأسس لهم دولة تدعو إلى انصاف المظلوم ، والانتصاف من كل معتد أثيم ، ومن أشعل نور الهدى ، وأضاء الحياة الفكرية في جميع انحاء الارض.

( 1 ) البداية والنهاية 5 / 261.
( 2 ) حلية الاولياء 4 / 77.
( 3 ) كنز العمال 4 / 54 . ( * )


[224]

دفنه:

وبعد أن فرغ المسلمون من الصلاة على الجثمان العظيم وودعوه الوداع الاخير قام الامام امير المؤمنين ( ع ) في غسل الليل فوارى الجثمان المقدس في مثواه الاخير ووقف على حافة القبر وهو يروي ترابه بماء عينيه ، وقال بصوت خافت حزين النبرات:

" ان الصبر لجميل الا عنك ، وان الجزع لقبيح الا عليك ، وان المصاب بك الجليل ، وانه قبلك وبعدك لجلل . . . " ( 1 ).

لقد انطوت الوية العدل ، ومادت أركان الحق ، وارتفع ذلك اللطف الآلهي الذي غير مجرى الحياة إلى واقع مشرق تتلاشى فيه آهات المظلومين والمعذبين ولا يكون فيه ظل للحاجة والحرمان ، ويجد فيه الانسان جميع ما يصبو اليه من الدعة والامن والاستقرار.

فزع العترة الطاهرة:

وفزعت العترة الطاهرة من موت الرسول ( ص ) كأشد وأقسى ما يكون الفزع فقد خافت من انتفاض العرب الذين وترهم الاسلام عليها فان نزعة الاخذ بالثأر متأصلة وذاتية عند العرب وغيرهم ، وقد كانت قلوبهم مليئة بالحقد والكراهية لاسرة النبي ( ص ) يتربصون بها الدوائر ، ويبغون لها الغوائل للانتقام منها ، وكانوا يرون ان عليا هو الذي وترها وأطاح برؤوس أبنائها ، فهي تتطلع اليه للاخذ بثأرها منه ، وقد أيقن علي
( 1 ) نهج البلاغة محمد عبده 3 / 224 . ( * )


[225]

وسائر أفراد اسرته بذلك ، فقد باتوا ليلة وفاة النبى ( ص ) وهم يتوسدون الارق ، قد أحاطت بهم الهواجس ، والآلام ، وقد حكى مدى ذعرهم الامام الصادق عليه السلام بقوله:

" لما مات النبي ( ص ) بات أهل بيته كأن لا سماء تظلهم ولا ارض تقلهم لانه وتر الاقرب والابعد . . . " ( 1 ).

وقد عانى الامام الحسين ( ع ) وهو في سنه المبكر هذه المحنة الكبرى وعرف أبعادها ، وما تنطوي عليه من الرزايا التي ستعانيها اسرته ، كما انه قد فقد بموت جده العطف الذي كان يغدقه عليه ، وقد اضناه ما حل بأبويه من فادح الاسى والحزن بموت الرسول ( ص ) وقد ترك ذلك اسى في نفسهه استوعب مشاعره وعواطفه.

لقد مضى الرسول ( ص ) إلى جنة المأوى ، وكان عمر الامام الحسين عليه السلام - فيما يقول المؤرخون - ست سنين وسبعة أشهر ( 2 ) وقد تكاملت في ذلك الدور جميع مظاهر شخصيته وعرف واقع الاحداث التي جرت وما دبره القوم من المخططات الرهيبة لصرف الخلافة عن اهل البيت ( ع ) ، فقد تركوا جنازة نبيهم غير حافلين بها وذهبوا يختصمون على الحكم ويتنازعون على السلطان ، وقد عرفته تلك الاحداث طبيعة المجتمع وسائر غرائزه واتجاهاته ، فأعلن ( ع ) رأيه فيه بقوله : " الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحيطونه حيث ما دارت معائشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون "، وهذه الظاهرة الذاتية سائدة في جميع انحاء المجتمع لا تتخلف في جميع ادوار التاريخ.

( 1 ) بحار الانوار ج 6 / باب وفاة النبي.
( 2 ) منهاج السنة 3 / 11 ، وجاء فيه ان النبي ( ص ) مات ولم يكمل الحسين سبع سنين . ( * )


[226]

لقد حفلت وفاة النبي ( ص ) باحداث رهيبة بالغة الخطورة كان من أفجعها وأقساها ابعاد العترة الطاهرة عن الشؤون السياسية في البلاد وجعلها في معزل عن واقع الحياة الاجتماعية ، في حين ان الامة لم تكن بأي حال في غنى عن ثرواتها الفكرية والعلمية المستمدة من الرسول الاعظم ( ص ) كما ان الهزات العنيفة التي منيت بها الامة إنما جاءت نتيجة حتمية لفصل الخلافة عن أهل البيت ، فقد انتشرت الاطماع السياسية بشكل سافر عند كثير من الصحابة مما أدى إلى تشكيلهم للاحزاب النفعية التي لم تكن تنشد في مخططاتها السياسية سوى الوصول إلى الحكم والتنعم بخيرات البلاد.

وعلى أي حال فان موت الرسول ( ص ) كان من أفجع الكوارث الاجتماعية التي دهمت المسلمين ، وقد حكى الذكر الحكيم مدى خطورتها قال تعالى : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا " ، وقد تحقق هذا الانقلاب الخطير الذي عناه الله على مسرح الحياة العامة ، وكان من أفجع أنواعه ابادة العترة الطاهرة على صعيد كربلاء ، ورفع رؤوس أبناء النبى ( ص ) على الحراب وسبي مخدرات الرسالة يطاف بها في الاقطار والامصار . ( * )


lhshm hghsghl hg;fvn



توقيع : الجمال الرائع
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم
رد مع اقتباس
قديم 2015/02/25, 07:30 PM   #2
ابوشهد

موالي ماسي

معلومات إضافية
رقم العضوية : 67
تاريخ التسجيل: 2012/03/04
المشاركات: 4,509
ابوشهد غير متواجد حالياً
المستوى : ابوشهد is on a distinguished road




عرض البوم صور ابوشهد
افتراضي



توقيع : ابوشهد
عظم الله اجرك و احسن عزاءك و غفر لشهدائك يا عراق
رد مع اقتباس
قديم 2015/02/25, 09:41 PM   #3
الجمال الرائع


معلومات إضافية
رقم العضوية : 799
تاريخ التسجيل: 2012/12/12
المشاركات: 857
الجمال الرائع غير متواجد حالياً
المستوى : الجمال الرائع is on a distinguished road




عرض البوم صور الجمال الرائع
افتراضي

شكرا لك على المشاركة اخي ابو شهد تحياتي لك


توقيع : الجمال الرائع
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أسس الطريق في الغيبة الكبرى بسمة الفجر الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) 2 2015/03/31 08:27 PM
السيدةً زينب الكبرى عليها السلام رجل متواضع الواحة الفاطمية 2 2015/02/25 10:14 PM
28 بلدة صغيرة من حول العالم أجمل المدن الكبرى النبأ العظيم السياحة والسفر 3 2014/11/22 02:09 AM
دور زينب الكبرى عليها السلام بعد واقعة الطف بنت الصدر عاشوراء الحسين علية السلام 2 2014/11/03 06:27 PM
مواضيع حسينية 2 الجمال الرائع عاشوراء الحسين علية السلام 4 2014/10/23 12:48 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |