Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المنتــديات العامة > المواضيع الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016/08/30, 10:57 AM   #1
سعد عطية الساعدي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4785
تاريخ التسجيل: 2016/08/23
المشاركات: 19
سعد عطية الساعدي غير متواجد حالياً
المستوى : سعد عطية الساعدي is on a distinguished road




عرض البوم صور سعد عطية الساعدي
افتراضي الفعل الأخلاقي والبناء الحضاري

الفعل الأخلاقي و البناء الحضاري

بحث عملي
في المؤثرات الفكرية و النفسية للفعل الإنساني



سعد عطية الساعدي



بسم الله الرحمن الرحيم

الطبعة الاولى ـ 1427هـ /2007م – بغداد = مؤسسة الشهيدين الصدرين
مسجل في دار الكتب والوثائق العراقية




المقدمة


إن موضوع البناء الإنساني و الحضاري عبر مراحل نماء الإنسان ومعرفة تركيبته البشرية وماهية طبيعته الانسانية...هل هي في أصلها خيّرة أم شريرة ؟ وما أثر العنصر الطيني ( أي المزاجية ) فيها ؟ وما آثارتلك التركيبة وذلك العنصر على العملية النفسية التي ترافق حركة السلوك الانساني؟ وما هي إنعكاسات كل ذلك على سلوك الفرد وأفعاله؟

هذا الموضوع ليس سهلاً لتداخل فقراته مع خصوصية كل مرحلة من مراحل النمو الانساني، في الكيفيات و المعالجات و الآليات من أجل تكوين وتأسيس منهجية تربوية و وضع خطة توجيهية في عملية الإعداد و البناء الذين يتطلبهما البناء الحضاري والانساني برمّته..

ودليل الصعوبة إختلاف آراء و نظريات الفلاسفة و المنظرين في علم النفس والاجتماع ، و كذلك ما بين النظريات الوضعية و المنظور الإسلامي ..كلها تؤكد صعوبة الامر ، مادام الموضوع يتعلق بدراسة الإنسان لبواطن الإنسان اللامتشابة من حيث الدوافع والإنفعالات والسلوك.

الصعوبة في تحديد الموضوع الآنف إثارةً وحلاً تتطلب استخدام مصادر معتمدة وهدف واضح و خطة ناجحة .
رغم إننا أخذنا من هذا الموضوع زاوية محدودة وهي زاوية تحديد مصادر الفعل الانساني ومنطلقاته النفسية ، إلا إننا اعتمدنا المتطلبات المذكورة تلك .

منهج البحث

اعتمدنا في هذا البحث منهجية إيضاح فكرة الموضوع و تعضيدها من خلال المصادر التي إعتمدناها ، و خصوصاً المصادر المنبثقة من الفكر و التراث الإسلامي . و لهذا إعتمدناها و تمسكنا بمقاطعها المطولة لسببين هما :

الأول ــ من أجل إتمام المعرفة المرجوة في المقطع دفعة واحدة . وهذا في رأينا أفضل من التجزئة التي من شأنها أن تحدث النقص في مضامين البحث أو التقطيع .

الثاني ــ كي لا نضطر للرجوع و التكرار و كأننا ندور في دوائر المصادر و مقاطعها المأخوذة في البحث .

أما تناول الاشكالية و كيفية التعامل مع المصادر من أجل وحدة البحث كموضوع مترابط الفقرات فقدكانت من خلال النظر الى حاجة كل فقرة و ربطها بالمعنى المطلوب من المصادر بالشروحات و التعليقات التي تظمنها المنهج المتبع في علاج مثل هذه الموضوعات واشكالياتها ،شافعين تلك التشخيصات بحلول وسبل للمعالجة و تحديد للآليات و ذكر لوصايا عملية..
خطة البحث

بدأنا بأساسيات الموضوع وصولاً إلى الفرعيات حتى يكون تسلسل البحث منضبطاً ومنطقياً .و كما هو معلوم أن التقديم و التأخير على حساب الأولويات يربك ترابط الموضوع و يضعف وحدته كبناء مترابط مع بعضه.. فيفقد الموضوع فائدته المعرفية المتصاعدة و المتناسقة من حيث التشعب و التفرع .

وقد قسمنا البحث إلى مبحثين الأول : خص الإطار النظري للفعل الإنساني . و الثاني : خص النظرة في الآليات و خطط التحرك .. وذلك للوصول بالبحث إلى هدفه وهو عملية البناء الشخصي بدءاً بالإعداد و انتهاءً بضع اليد على نتائج تربوية عبر المراحل النمائية للإنسان .

و قد ختمنا بحثنا هذا بالخاتمة التي ضمّناها عدة توصيات لمرحلة مهمة و حساسة من مراحل النمو والبناء الإنساني تصورناها في بحث هذا الموضوع و رسم هدفه...


المبحث الأول :
الإطار النظري للفعل الإنساني

تمهيد حول التركيبة البشرية

الإنسان أهم و أكرم المخلوقات من حيث القيمة الوجودية في عالم الكائنات لأنه خليفة الله على الأرض ، و من أجله أنزلت كل الرسالات السماوية .

و من حيث التركيبة الخلقية هو في أحسن صورة و أتم قوام شكلا ً و مضموناً بما خصه الله تعالى بخصائص مشتركة دقيقه يحسن من خلالها التمييز و التفاعل ، عبر الحس و الإدراك مفكراً و منتفعاً من التجربة و مختزناً للخبرة ..يتعاطى مع المستجدات برؤية وقراءة و تصور يفوق آنية الحدث و الحاجة .

إختص بتركيبة ( العقل و الشهوة ) ليكون دوره فعالاً و مؤثراً في محيطه و وجوده ، شديد الاستجابة تجاه المثير ،مختاراً للكيفية و الوسيلة ، داركاً لما يعمل . و هذا عين المسؤولية و تمام التحقيق للارادة و الاختيار في العمل والحركة ، معبراً عن هدف خلقته.

وهذه التركيبة الثنائية حمّلته كامل المسؤولية للأمانة والتي حملها و قبل بها فيما. بعد 0بعدأن اشفقت من حملها الجبال 0 ليكون المخلوق الافضل والاهم والاكمل 0يحوز على هذا الكمال بمجرد أن يحافظ على هذه الامانة 0 ويكون غشوما جهولأ كما عبر الذكر الحكيم -أن تجاهلها وضيّعها -وذلك عندما يتيه في ظلاميات الوهم والشهوات 0 يقول الامام علي( ع)0( ان الله ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة 0 وركبّ في البهائم شهوة بلا عقل 0 وركبّ في بني ادم كليهما 0 فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة 0 ومن غلبت شهوته عقله فهو اشر من البهائم ) ا

إن هذا النص الاسلامي يحدد لنا الاصل المحرك للسلوك من خلال سمة رئيسية تطبع (( الاصل )) المذكور وهي سمة ((الثنائية)) في هذا الاصل . بمعنى ان هناك طرفين يتجاذبان الكائن الادمي في بحثه عن اللذة وإجتنابه عن الألم هما (( العقل و الشهوة )) أو الخير و الشر أو الموضوعية و الذاتية أو الأوامر و النواهي الشرعية .

هذا التركيب الثنائي الذي يرثه الفرد فطرياً يجسد الجانب ( الوجداني ) من الارث ، و يقابله جانب ((إدراكي)) من الارث هو الوعي بمبادئ كل من ( العقل ) و ( الشهوة) ، بمعنى أن الشخص حينما رُكّب فيه ( الاستعداد ) أو (القابلية ) على ممارسة الخير أو الشر ( العقل و الشهوة ) : قد رُكّب فيه أيضاً (ادراك) كل من الخير و الشر ، حتى تصبح ممارسته للسلوك خاضعة لعملية ( اختيار) و ليس لعملية (إجبار) ، مما يترتب على ذلك تحمل مسؤولية السلوك الذي يمارسه ().

إذاً فالانسان مخلوق مميز في تركيبته الثنائية و التي جمعت العنصر الأعلى (العقل) و العنصر الأدنى (الشهوات) . ولم يكن هذا المخلوق مختزلاً بحدود هذه التركيبة رغم أساسيتها في تكوينه ، فهنالك أمور هي محركة له من الخارج كالفطرة و والايمان تعينه على ترويض الشهوات دعم العقل ليكون الانسان بالتالي متعالياً عن الدناءة و الوضاعة والسقوط .

وهذا هو هدف كل الرسالات السماوية ؛ إغناء العقل البشري بالفكر النقي و العقائد الصائبة وتهذيب نفس الانسان هدايته إلى سبيل الرشاد .

ورغم المشتركات الخلقية الآدمية ، لكن الانسان متنوع المزايا والطبائع في كثير من الدقائق و الصفات و الأمزجة و التي لم تجعل أثنين متشابهين في كل شيء رغم وحدة الأسرة و التربية و البيئة .

وهذا يعني ان إنعكاسات تفاعله مختلفه في الجوانب الحسية و الاداركية كالاستجابة للموثرات و كيفية التعامل معها في التفاصيل ، رغم التشابه في العموميات مثل الحاجة للطعام و الشعور بالخوف و طلب اللذة و الراحة .و لكن الرغبات و الغايات هي التي تكَّون الاختلاف .
و لهذا كثرت النظريات و الدراسات التي إهتمت بتركيبة الأنسان و سلوكه و أخلاقه و نزعاته النفسية ، و لم تحقق كامل الحقيقة بسبب التنوع و الاختلاف وإن كان ضئيلا ، و لكنه دقيق من شخص لآخر .

و تبقى هذه الدراسات غير منتهية لأنها لا تحصر كل البشر كأفراد و ما يحملون من نزعات ورغبات و سلوك ، و لكنها تبقى نافعة في كل ما تتوصل له وإعطاء أفضل البيانات و المعلومات عن الأمراض والسلبيات و كيفية معالجتها بالوسائل و الأساليب العلمية المدروسة .
و من الميزات الفريدة التي اختص بها الانسان سعيه للعلم وطلبه للمعرفة بلا توقف والذي أصبح جزء مهماً من حياته ووجوده . ومنها دراسة نوعه وجنسه متقدماً فيها بجد ودقه.

وقد إنبثقت من الدراسة تلك ثلاثة علوم مهمة مرتبطة بهدف واحد ( هو معرفة الانسان للانسان )من خلال علم النفس والاخلاق وعلم الاجتماع .

ورغم الاختلاف في بعض النظريات والآراء ، إلا إنها أعطت نتائجها العلمية . وهذا دليل على عظم مضمون الانسان وأهمية تركيبته البشرية وما يترتب منها من سلوك وأفعال وماهية الاستجابة ونوع المثير المسبب .

( يعني علم النفس . بسلوك الكائن الادمي في شتى مجالات نشاطه إلا أن الزواية التي يشدد عليها النشاط تنحصر في العملية التالية (( الاستجابة )) حيال (( مثير )) معين . هذه العملية النفسية القائمة على الاستجابة قبال المثيرات تتناول جانبين من
الشخصية :
1 الجانب الادراكي مثل التفكير . التخيل . التذكر . النسيان . الخ .
2 الجانب الوجداني مثل الارادة . الرغبة . الانفعال ... الخ .
السلوك الآدمي يظل قائما ًبأكمله على العملية النفسية المذكورة فيما تشكل هذه العملية مادة علم النفس )() .

أعطتنا هذه الفقرة مشتركات العملية النفسية كونها إنعكاسات ومردودات طبيعية للاسباب والدوافع التي تؤديها في حركة الانسان وتفاعلة بين الاستجابة والمثير والتي يتولد منها الجانبان المذكوران – الادراكي – والوجداني . ليؤدي من خلالها الانسان كامل تفاعله النفسي ، رغم سعة مساحته الفعلية المتنوعة ..

ولابد لنا من التعرض للطبيعة البشرية ( الفطرة) أولاً ، ثم التعرض للطبيعة المزاجية ( العنصر الطيني ) كونهما أساسين في التركيبة البشرية ومؤثرين في العملية النفسية .
أولاً : الطبيعة الانسانية ( الفطرة )

الانسان خليفة الله على الارض وهو مكلف بالعمل على ضوء هذه المهمة _ الامانة التي أشفقت منها الجبال . ومن أجل هذا التكليف والواجب العظيم كان الانسان بهذه التركيبة الخلقية والمضامين الدقية المتنوعة والتي ميزته عن باقي المخلوقات حتى يؤدي دوره الوجودي وفق أحكام السماء وشروط التكليف .

ولهذا فهو غير عاجز عن معرفة الخير والشر وتشخيص الحاجة والضرورة بالعقل وادراك النفع لذاته و دفع الألم عن نفسه. إن الله ـ تعالى ـ لطف بالانسان و جعل طبيعته تميل للخير ، بعد أن هداه الله تعالى النجدين و خصّه بفطرة نقية مجبولة على التوحيد و طاعة الخالق .و من الخطأ الاعتقاد بأن الله تعالى قسم الناس دون إرادتهم إلى أشرار و أخيار و يسيء الظن بعدله و لطفه.

( يولد كل إنسان بفطرة نقية توحيدية بحيث إذا بقي بعيداً عن تأثير العوامل الخارجية -كالتربية و الصداقة و الاعلام- التي تسبب إنحراف عقيدته سلك طريق الحق . فليس ثمة شرير بالولادة و الخلقة بل الشرور و لقبائح أمور ذات صفة عارضة و طارئة تنشأ بسبب العوامل الباطنية و الاختيارية .و لهذا فإن فكرة المعصية الذاتية في آدم المطروحة من قبل المسيحية المعاصرة ، لا أساس لها من الصحة قط )() .

هذه هي حقيقة الطبيعة الانسانية المعتمدة على الفطرة حيث يستعين بها الانسان في صراعه الدنيوي والنفسي لئلا ينهزم أمام قوة الغرائز وينساق بسهولة للإستجابة حيال المثير.

والفكرة المسيحية ليست هي الوحيدة التي يسجل عليها هذا التقاطع لأصل الطبيعة الانسانية والعدل الالهي ، بل هناك بعض المسلمين اعتقدوا بمثل هذا الاعتقاد وهو قريب من تلك الفكرة بالمضمون والاساس . الذين اعتقدوا بمبدأ الجبر والذي يصور الانسان مجبوراً في أفعاله حيال الخير والشر ولا ارادة له أوخيار في أفعاله .

لقد اختلفت آراء الناس وأفكارهم في هذه المسالة الضخمة ومساحتها ودقتها مع عمق باطن الانسان وكثرة تنوع الاشياء وتشابه الامور ، ومن هؤلاء : المفكرون والفلاسفة وكل المنظرين في علوم الانسان كعلم النفس والاخلاق منذ القدم منقسمين بين أنواع من الآراء والاوصاف للطبيعة البشرية ومصادر الفعل والسلوك العام . بين الشر المطلق – والخير المطلق . أوالخلط بينهما ، وكأن العملية غير منضبطة وفق نظام الخلق والعدل المحكم.

أربعة آراء في الفطرة
وسنناقش بعضا ً من أفكار الفلاسفة والمنظرين في هذه الخصوص ، لنرى وجه الاختلاف والتعارض فيما بينها ،كما سوف نرى الخلط بين الطبيعة البشرية العامة المميزة للانسان عن باقي المخلوقات ( الفطرة ) بما ألهمت هذه الطبيعة بالثنائي المشترك ( العقل والشهوة )، وبين العنصر الطيني ( المزاجية ).

( إختلفت وجهات نظر الفلاسفة والمربين حول طبيعة الفطرة الانسانية وهل أنها جبلت على خصال الخير والفضيلة فتكون الاصالة لخصال الخير ؟- أم أن الاصالة لخصال الشر والرذيلة ؟ على أربعة آراء )().
هنالك أربعة آراء ينقلها السيد عبد الهادي الشريفي _معقباً عليها_ إرتأينا نقلها لتتضح لنا الفكرة ومن ثمّ نحاور ها :
أولاً :رأي سقراط والرواقين ومن حذا حذوهم والكونفوشيين : حيث ذهبوا إلى أن الطبيعة الانسانية خيرة في أصل الخلقة وأن الناس جميعاً خلقوا أخياراً بالطبع . ثم يصيرون أشراراً بمجالسة أهل الشر والميل الى الشهوات الرديئة.ودور التربية وفقاً لهذه الرأي هو تنمية الروح الخيرة الفطرية في الانسان. فإذا ما صدر من أحد شر يجب حمله _ وفقا لهذا الرأي_ على إنه خطأْ في التعبير من غير قصد أو ارادة شر .

وقد عقب السيد الشريفي على هذا الرأي بأنه غير صحيح ، وتساءل :إذ لو كان الناس جميعاً أخياراً بالطبع فمن هم الاشرارالذين يجالسونهم ؟ ومن أين جاؤوهم ؟ أليسوا منهم ؟

فإن كانوا منهم فكيف نحكم على الجميع بأنهم أخيار، وإن كانوا أخياراً بالطبع فكيف يميلون الى الشرور ، وهذا معناه أن فطرتهم تستبطن إستعداداً للشر فهم إذن ليسوا أخياراً بالطبع .

ثانياً : رأي أفلوطين المصري ومن تبعه من اليوسيعين وهوبز : وهو الرأي الذي يرى أن الناس مطبوعون على الشر وإنما يصيرون أخياراً بالتأدب والتعلم ، إلا أن فيهم من هو في غاية الشر لاتصلحه التربية ، ومنهم من ليس في غاية الشر .
وتعقيب الشريفي هنا يركز على أن تحويل الطباع المجبولة على الشر أمر غير ميسور . ومن يريد أن يغير الطباع يحاول أن يغير خصائص الاشياء التي خلقها الله سبحانه ولا أحد يقدر على ذلك الامن منحها هذه الطبيعة .

ثالثاً : رأي الفيلسوف الالماني كانت الذي يرى أن الطفل منذ ولادته الى سن محدودة ليس له حياة أدبية ، فلا تنسب فطرته الى الخير ولا الى الشر ، لانه لايعقل مايفعل .

كما يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن الطبيعة الإنسانية محايدة ، ليست خيرة و لا شريرة في أصل خلقتها و فيها إستعداد للخير أو للشر بحسب التربية و ظروف البيئة .و قد ذهب إلى هذا الرأي أيضاً كثير من علماء الأخلاق و الفلاسفة المحدثين .

رابعاً : رأي جالينوس و هو أن من الناس من هو خيّر بطبعه، و هم قليلون و لاينتقل هؤلاء إلى الشر .

و منهم من هو متوسط بين هذين . و هم ينتقلون بمصاحبة الأخيار وموعظهتم ، وقد ينتقلون بمخاطبة أهل الشروإغوائهم .
وهذا مذهب معتدل موافق للعقول وقريب من هذه الآراء فلاسفة الشرق () .

ويمكن القول :إن أصل طبيعة الانسان خيّرة ليست على إنهم أخيار لا يعلمون الشر -كالرأي الأول- طالما أسهمت النفس في الفجور و التقوى ، و لكن في طبيعتها بواطن تحب الخير مثل الفطرة و العقل و الضمير .

و الذي يهمنا أنه أصبح الظلم و الشر و السوء كلها منكرة و مرفوضة إنسانياً على طول العصور و تعاقب الأجيال . و هذا الرفض مسألة خالدة في أصل الطبيعة الانسانية كما أن فعل الخير و الصدق و الاحسان مقبول إنسانياً .

يقول الأستاذ جعفر السبحاني في هذا الصدد : ( الأسس الأخلاقية التي تمثل في الحقيقة ــ أسس الهوية الإنسانية و لها جذور فطرية أسس ثابتة و خالدة . و هي لا تتغير بسبب مضي الزمان و طروء التحولات و التطورات الإجتماعية . فمثلا ً ، حسن الوفاء بالعهد و العقد أو حسن مقابلة الأحسان بالأحسان قضية خالدة ثابته و هذا القانون الأخلاقي لا يتغيير أبداً . و هكذا الحكم بقبح الخيانة و خلف الوعد . و على هذا الأساس فإن في الحياة البشرية الاجتماعية طائفة من الأصول و الأسس التي أمتزجت بالفطرة و الطبيعة البشرية و تكون ثابتة و خالدة )() .

هذه الأصول و الاسس كما عبر الأستاذ السبحاني بالهوية الأنسانية هي التي قصدنا بالطبيعة الخيّرة في أصل خلق الأنسان مع وجود التروع للأهواء و ما يترتب منها أفعال شريرة . و هي التي تتقابل مع تلك البواطن و الأصول الخيّرة .

الأراء الأربعة التي ذكرها السيد الشريفي و تعقيبه عليها كانت قيمةً لما حملت من تناقض و التي أنحصرت بين كلية الخير و كلية الشر في الرأيين الأولين ..و أما الثالث فقد صور الطبيعة الانسانية أنها ليست متصارعة بين الخير و الشر بل و كأنها خاملة الدوافع و الاستجابة حيال المثير في أصل الطبيعة.

و أما الرأي الرابع وهو أكمل من تلك الأراء الثلاثة . و لكنه عام . و عيبه أنه قسم الناس الى اشرار واخيار و كأنهم قد خلقوا كذلك . و هذا مخالف لأصل الخلق ، فما هو ذنب من خلق شريرا و ما فضل من خلق خيّرا ؟.

و الملاحظ إن جالينوس حاول أن يجمع و يعبر عن الناتج السلوكي العام و يجعله في طبيعة الخلق .و هذا هو الخطأ الكبير الذي أعطى الصورة العامة لآرائه . و هذا خلط لآراء العينات من الناس .

أقول :حقيقة الطبيعة خيّرة و لكن هذا لا ينهي الصراع الباطني ، لوجود الشهوات ( الفجور ) ، فيكون لكل إنسان ما سعى بمحض الخيار و الارادة .

فلا تعني الطبيعة الخيّرة بأن البشر كلهم أخيار ، والا فمن أين أتى اليهم فعل الشر ، بل الطبيعة خيّرة لوجود بواطن محفزة لحب الخير مقابل الفجور أو الشهوات كدوافع تميل للشر خارج الحق و المشروع و إنها غير خامله بل مؤثرة و بشكل كبير ليحصل أهل الخير على فضل الجزاء الوفير و كذلك أهل الشر على العقاب الأليم .

فالأفعال و السلوك هي المجسدة لأي جهة يميل الفرد و إلى أي هدف يتجه ... و منه نداخل الموضوعة الثانية المتعلقة بمفردة المزاجية ..

ثانياً : المزاجية و آثارها ( العنصر الطيني )
المزاج عنصر مؤثر في تركيبة البشر الخلقية . و له آثاره في توجيه سلوك الفرد لما يُكوّنه من سمات بعضها الحاد و بعضها البارد في شخصيته .
في علم النفس الحديث هناك التحليلات و الآراء حول آثار المزاج ، و كذلك النظريات و الآراء الأسلامية و التي أكدتها أقوال و آراء الأئمة الأطهار -كما يثبتها الدكتور محمود البستاني في كتابه( الأسلام و علم النفس )..

وسنأخذ رأي أمير المؤمنين علي (ع) فهو يعطينا صورة واضحة و معرفة أكيدة في هذا المقصد العلمي .

يرى الإمام علي عليه السلام أن الناس يختلفون في طبيعتهم و جبلتهم إختلاف معادن الأرض و طبيعتها : قطعة جد حصبه . وأخرى جد سبخه ومجدبه وبينهما مراتب كثيرة .

روي ذعلب اليماني عن أحمد بن قتيبه عن عبد الله بن يزيد عن مالك بن دحية قال :كنا عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال - وقد ذكر عنده أختلاف الناس - :

(إنما فّرق بينهم مبادئ طينهم ( أي عناصر تكوينهم ) وذلك كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها . وحزن تربة وسهلها . فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون وعلى قدر إختلافها يتفاوتون . فتامّ الرواء ناقص العقل . وماد القامة قصير الهمه . وذاكي العمل قبيح المنظر وقريب القعر بعيد السير . ومعروف الضريبه منكر الجلبيبه . وتائه القلب متقرف اللب وطليق اللسان حديد الجنان )() .

لقد بين لنا أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الحديث سبب إختلاف الناس والذي ينعكس على بنائهم النفسي وكيانهم الشخصي والذي يحدث آثاراً في السلوك والتوجه العام للفرد وخصوصاً عند الاثارة من شئ بعد الاستجابه له سلباً أو إيجاباً.

والمزاجية تبدأ مع الانسان منذ طفولته المبكرة فيكون سلوكه مزاجي مع بدأة الفطرة وقبل أكتمال أثر وقوة الثنائي المشترك ( العقل والشهوة ) وهي فترة براءة الطفولة المحققة لعفوية الخطوات الاولى للانسان في مرحلة الطفولة المبكرة . ولهذا نرى الطفل متلمساً للاشياء قبل أدراكها وهو الدافع البدائي الممزوج بين الفطرة والمزاج ، وهو الفرق فيما نشاهده من طفل متحرك ومشاكس وآخر عنود وثالث هادئ أو خامل .

هذه السمات المزاجية تبقى ملازمة للانسان لاتنسلخ عنه لانها خلقية في تركيبته وليست مكتسبة . وكل آثارها ومساحتها الفاعلة في توجيه سلوك الفرد متأتية من مدى تأثره بالبيئة والعالم الخارجي بكل تفاصيلة كمثيرات ومهيجات لهذه السمات حتى يؤدي الجانب النفسي التفاعلي دورة من مبدأ (الاستجابه – والمثير) حيال أمر أو حاجة ما .

وما يؤكد عليه الدكتور البستاني في هذا المجال ،ومن المنظور الاسلامي، في غاية الاهمية ،حيث يبين لنا أثر المزاجية في التكوين والتركيب البشري ، يقول الفعل الأخلاقي والبناء الحضاري يقصد بالسمات الداخليه أو المزاجيه : الطابع العام للشخصيه فيما يغلب على سائر سماتها الاخرى ، وهو طابع تربط من خلاله – بعض الاتجاهات النفسيه – بينه وبين العنصر الوراثي الذي يتحدد في ضوء غلبة أحد عناصر التكوين الجسمي على الاخرى بحيث ينعكس في مزاج عام يطبع تصرفات الشخص وهذا من نحو : الانبساط مقابل الانطواء أو المرح مقابل الكآبه أو النشاط مقابل الكسل ، وهكذا وقد لا يرتبط بالعنصر الوراثي الذي يصل بين التكوين الجسمي والسمات بل مطلق الوراثة : عضوية كانت أم وظيفية وقد لايرتبط أساساً باي عنصر وراثي يقدر إرتباطه بالبيئة فحسب . المهم أنها تشكل طابعاً عاماً متجهاً نحو داخل الشخصيه الإسلاميه. ويمكننا أن نستخلص من قائمة السلوك للامام الصادق (ع) جمله من هذه السمات :

الفرح = الحزن . الراحة = التعب .
الرجاء = القنوط الخ ... ().

هذا البيان من خلال المنظور الاسلامي المفسر لتوجيهات المزاجيه وما تنتج من آثار في البناء النفسي كسمات مؤثرة في سلوك الفرد . ولقد بين لنا الدكتور البستاني الوثيقة الاسلامية في قول الامام الصادق (ع) يؤكد لنا أن المزاجيه وما تخلفه من سمات ليست أثر جانبي , هامشي كما يعبر البعض وكانها إضافات طارئه أو زائده خارجه عن البناء التكويني للفرد بحيث يتعلم فيها لان يكون مزاجي أو لامزاجي في وضع أو مثير معين .
وما ذكره الدكتور البستاني في هذا المجال يبين لنا بأن المزاجيه عنصر تكويني ثابت . وهذا متطابق مع قول أمير المؤمنين (ع) الذي نقلناه سابقاً . كما يبين لنا أثر هذا العنصر في التأثر حيال المثيرات والانعكاسات البيئية .

( ولعل الوثيقة الاسلامية التي تحدثت عن ( خلق الانسان وتركيبه ) ..قد توفرت بنحو ملحوظ على دراسة السمات المزاجيه حيث عرضت لسمات عصابيه وذهانيه من نحو ما وقفنا عليه عن التكوين الجسمي :

(( فاذا حلت به الحرارة : أشِر وبطر وفجر واهتز ونبغ ، واذا كانت باردة اهتم وحزن واستكان وذبل وتسي وآيس... ))().

وملخص ما نفهمه من ذكر الدكتور البستاني في خصوص المزاجيه هو إنعاكسها على شخصية الفرد وسلوكه كدوافع باطنية للفعل .

وبعد ، فموضوع المزاجية شغل فكر الانسان منذ القدم وتناوله الفلاسفه كتقسيمات الاغريق للامزجة وجعلها أربعة أنواع: الدموي ، الصفراوي ، البلغمي ، السوداوي .وكالتصنيف الحديث للاشكال ثنائيه أو رباعيه أو خماسيه .

ويحاول الباحثون من خلالها إيجاد الصلة بين التركيب الجسمي والمزاجي ، من نحو إيجاد الصلة - مثلاً - بين الشكل الجسمي للبدين وبين ميل صاحبه الى الانطوء و الكآبة () .

الفكر والمنظور الإسلامي عالج كل المسائل وبيّن الكيفيات بالعلم اليقين ، في هذه المسميات المتعلقة بعلوم الانسان. ولهذا كانت العقائد والتربية الدينية من أجل بناء الانسان بناء نفسياً سوياً متجهاً بكل تركيبته البشرية وعمليته النفسية نحو الخير والفضيلة ومكارم الاخلاق ، بعد تحريره من العبوديات الباطلة .

وعليه ، فحريّ بنا أن نلقى شيئاً من الضوء على تحليل خرائط الآثار الايجابية التي تتركها الافكار والعقائد والرؤى الكونية على موضوعة الفعل الانساني الخلاق المتميز...




أثر العقائد في صدور نوعية الفعل الأخلاقي

العقائد مرتكز فكري لا يمكن أن تنفصل عن واقع الإنسان وحقيقة خلقه وارتباطه بالخالق الواجد . ويكون توجه الإنسان من مصدر أخلاقي رسمته له السماء . ضمن منهج عبادي وتربوي متكامل ليكون الإنسان طموحاً ساعياً بأفعاله وسلوكه إلى الخير والفضيلة.

يروض ( شهوته ) لعقله مستعينا ًبطبيعته الخيرة المجبولة على حب الإيمان والتوحيد وطاعة المعبود حتى لا تؤثر عليه الطباع المزاجية حيال المثيرات . ولهذا أكدت الشريعة السمحاء على حسن الخلق وترك الغضب والميل للتسامح والتقوى والتسابق لفعل الخيرات .
وهذا يتطلب التروي والتريث حيال المثيرات الغرائزية والمزاجية والابتعاد عنها أو الصبر عليها .

( نحن نعتمد في أخذ العقائد والإحكام الدينية على حجتين إلهيتين هما :العقل والوحي . وعمدة الفرق بين هذين هو أننا نستفيد من (( الوحي )) في جميع المجالات ، بينما نستفيد من (( العقل (( في مجالات خاصة .
إن العقل والوحي يؤيد كل منهما حجية الآخر ، وإذا أثبتنا بحكم العقل القطعي حجية الوحي فإن الوحي بدوره يؤيد كذلك حجَّية العقل في مجاله الخاص به)() .

ولهذا كان العقل حجة الله –تعالى- في باطن الإنسان ومؤثراً بشكل غير عاجز عن أداء وظيفته النفعية أزاء الفجور والذي يقيم الإنسان كي لا يهوى إلى مستوى البهائم ويرتقى فوق الملائكة في ( الثنائية المشتركة ) التي ميزته عن باقي المخلوقات . وكان موضوع الوحي والرسالات والعقائد رحمة من الله تعالى عبر كل الأزمنة والعصور .

( والنزعات الإيمانية الدينية تؤدي إلى أن يقوم الإنسان بجهود رغم نزعات الطبيعة الفردية ويضحي بوجود ه في سبيل إيمانه أحياناً وهذا يتيسر في حال تجد فيه فكرة الإنسان حاله قدسية وسيادة مطلقه على وجود الإنسان . والقوة الدينية فقط هي التي تتمكن من أن تهيأ القدسية للأفكار وتجعل حكمها نافذاً على الإنسان بقدره تامة )() .

إن هدف السماء ليس عبادياً فقط بل بنائياً عملياً يريد ان يحرر الإنسان والمجتمع من كل الممارسات العبادية الباطلة والسلوكيات المنحرفة التي جعلت الفرد أسير أفكار اختلط فيها الشعور بالظلم مع التقاليد ، تلك التقاليد التي جعلت الفرد يحتمي بالقبيلة وفق ممارسات شخصية دون الرجوع إلى الله – تعالى – في سياق حكمة الخلق وعدالة السماء .

وخيردليل على ذلك جهاد الأنبياء وصبرهم على الأذى من أجل الرجوع إلى الله وتأكيد أن الخلق ليس عبثاً و أن الأفعال السيئة تستحق العقاب الأليم طالما الإنسان مرتبط حياتياً بالدارين الأولى و الآخرة .

فأثر العقائد الدينية في سلوك الفرد و المجتمع إيجابي لصالح الإنسان حتى يجسد المعنى الحقيقي لذاته ووجوده ، فالعقائد تركز في ذهن الانسان أنه مخلوق مكرم من الله تعالى ، وأن قضية هدايته مخصوصة بكل هذا الكم من الأنبياء والرسالات والتضحيات ..ليسير بالمحصلة النهائية نحو مكارم الأخلاق والفضيلة بواعز باطني لا يمكن أن ينتزع منه بعد أن يكون إيماناً وعقيدة راسخة لديه .

وأثر العقائد في السلوك والأفعال هو تحرير مصادرها من الشبهات والظلال والانحراف ليكون الإنسان عاملاً متحرراً من عبوديات الأهواء والغرائز ، متوجهاً بسلوكه إلى الله تعالى ، وبالتالي يكون الفعل وفق معيايير خاصة كالحلال والحرام والخير والشر والقبح والحسن والثواب والعقاب ..متجرداً من العبث واللهو والاهواء والاذواق ..ولهذا آثار حضارية كبيرة وكثيرة ، سنقرأ ذلك في الفقرة التالية :



أثر العقائد في البناء الحضاري للمجتمع

المجتمع الإيماني يحرص أكثر من غيره على بنائه الإنساني باعتبار الفرد جزءاً لا يمكن إهماله أو التفريط فيه بل مكفول الحقوق مثلما هو مطالب بالواجبات ضمن الجهد الاجتماعي العام - المشروع . وكذلك كل فرد لا يمكنه الانفصال عن مجتمعه بل يحرص عل مكانته القيمية من خلال الممارسات الأخلاقية والالتزامات الاجتماعية ..

وهذا يجسد عقائدياً بمشاركات الفرد النافعة لأنه جزء مساهم اجتماعيا تحكمه الروابط الإيمانية:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الحجرات/15
وكذلك صلة الأرحام والتي حث الشرع الحنيف على التمسك بها:

وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌالانفال/75

عندها يكون المجتمع و من خلال أفراده حريصا على إيجاد روابط تشد أجزاءه أخلاقياً نحو البناء المتصاعد في المساهمات الخيّرة . و بالمعرفة و الإيمان يتجه نحو العلم النافع و الحضارة الإنسانية .

إن( العلاقات الرئيسية بالرغم من أن السماء رسمت علاقات خاصة بين البشر ك ( العلاقات العائلية و القرابية و الرفاقية .... الخ ) إلا إنها طالبت بأن تكون أمثلة هذه العلاقات من أجل الله تعالى تمشياً مع عملية التوظيف العبادي أو النية العبادية التي أشرنا إلى أنها تجسد علاقة الإنسان مع السماء . و هذا يعني أن البشر حينما يقيمون علاقات مع بعضهم الآخر : بالرغم من أن هذه العلاقات ينتفعون بها دنيوياً ، إلا أنها مسبوقة بعلاقة رئيسية هي : العلاقة مع الله تعالى )().

هذه العلاقات الاجتماعية هي انعكاس للعلاقة الرئيسية مع الله تعالى و التي يحرص عليها الفرد ليعززها اجتماعياً . و لقد حث الإسلام على تجنب إثارة الخلافات و ذم النمام و المدح أهل العفو و التسامح من أجل المحافظة على العلاقات و البنية الاجتماعية و خصوصاً صلة الأرحام و التي تمد جذورها في كل النسيج الاجتماعي و هذه من أهم الآثار العقائدية في البناء الاجتماعي .

( إن التوازن الاجتماعي لا يصبح ( ممكناً ) إلا بقدر خضوعه لأفعال أو عمليات اجتماعية يتفاعل الناس في آليات خاصة من السلوك و في مقدمتها عملية ( التعاون ) فيما بينهم ، أو عملية( (الصراع ) مع القيم المنحرفة أو ( التنافس ) إلى أهداف مشتركة أو ( التكيّف) مع بيئات تتطلب تنازلاً عن الذات أو تمثيلاً و توحداً مع قيمة جديدة ، أو الانسحاب أساساً من ميدان التفاعل : حفاظاً على قيمة إيجابية .... الخ )() .

ما نلاحظه في هذا المقطع الآليات الخاصة من السلوك كما عبر عنها الدكتور البستاني لأنها أساسية في العلاقات الاجتماعية و مبدأ التعاون هو اللبَّنة الأساسية في قوة البناء و التلاحم بدءا بالأسرة و الأقارب و انتهاءً بالمجتمع و الأمة . التعاون المخلص يفضي حتماً إلى التفاني و نكران الذات و نبذ المطامع و المنافع الشخصية الضيقة على حساب الأكثر و كذلك تنقية المعاملات من كل أشكال الرباء و المزايدات على حساب جهد و مكانة الآخرين بل تشكل قيمة المجموع من قيمة الفرد نوعاً و سلوك .

و المبدأ الآخر الذي أكده الدكتور البستاني هو الصراع مع القيم المنحرفة . وهذا أساس بناء مطلوب لتصحيح الميول و الانحرافات كون عين المجتمع مراقبة لمثل هكذا اتجاهات أن توسعت أصبحت خطرة تهدد العقائد والبناء فهي كالوباء إن أنتشر دمر النسيج الاجتماعي في أصل الأساسيات وهي المبادئ والقيم التي تشكل الهوية العامة والميزة الانتقائية للانتماء العقائدي للأمة .

وحتى في البناء الحضاري فلا خلاف بين العقائد السماوية في مثل هكذا بناء ، بل حثت كل الرسالات السماوية الإنسان على الانتفاع من الخيرات كي يحقق الرفاه المعيشي والسير نحوالتقدم الحضاري والعلمي من أجل بناء مستقبل متصاعد النمو عبر مراحل الزمن .

و هذا البناء المستقبلي انما يتمّ وفق القيم والمعايير الاخلاقية والقواعد العلمية كي يحسن استخدام مكتسبات العلم والحضارة وفق منظور السماء الإيماني وحكمة الخلق التي لاعبث فيها ، والتي حذرتنا من كل أشكال الضرر والانسياق وراء المغريات والتصورات العبثية التي تؤدي إلى التحلل الفكر ي والاجتماعي كما هي الحضارة الغريبة اليوم والذي أسست قواعدها العلمية والحضارية على علم مجرد من العقيدة والإيمان .

و( العلم بلا إيمان سيف بيد زنجي سكران . وسراج في منتصف الليل بيد لص لسرقة أفضل البضائع ولهذا فإن الإنسان العالم بلا إيمان لا يختلف عن الجاهل بلا إيمان...)().

ويعطينا الشهيد مطهري في مقطوعته هذه الصورة والمثال معاً على مدعي الحضارة اللا إيمانية والتي عادت للجاهلية وان بأساليب ووسائل مختلفة عما كان عليه وسائل وأساليب العصور القديمة لأنها معبرة من خلال السلوك والأفعال على نقص الإيمان وفقدان العقيدة المحررة للسلوك من ظلاميات الشهوات ووهم التحضر .

( فالمكان الذي كان العلم فيه ويبقى مكان الإيمان فارغاً يشبه بعض مجتمعات العصر الحاضر حيث بذلت جميع الطاقات العلمية في سبيل الأنانيات وطلب الزيادات والافضليات والاستثمارات والاستعبادات والحيل والمكر ومن الممكن اعتبار القرنين أو الثلاثة الماضية عصر عبادة العلم والهروب من الإيمان واعتقد الكثير من العلماء أن جميع مشاكل الإنسان سوف تنحل بطرف إصبع العلم ولكن التجربة أثبتت عكس ذلك )() .

البعض يعتبر منظور العقائد بعيداً أو مختلف عن منظور الأخلاق كما ضن الغربيون . بأن منظور وقواعد العلم تتخلف عن منظور ومنطلقات الإيمان وساروا نحو الحضارة دون الرجوع إلى الله ورقابته حتى وجدوا إنفسهم في متاهات جهل العصر المتضارب الأفكار والأهداف فأنتجوا هلوسة حضاريه اختلطت فيها كل المتناقضات . علم متطور وحضارة مهدومه أخلاقياً مفرطة في العمران ومهدومه الإيمان مما أنعكس سلوكياً على المجتمع عموماً . وما نراه ونسمعه خير دليل .

( فأن المسيرة الإنسانية لكي تتقدم نحو الأفضل عليها أن تقوم باء صلاح نفسها من الداخل . وإلا مهما كانت الإصلاحات الخارجية عظيمة من دون أن تمس الضمير الداخلي للإنسان فان مصيرها الفشل وإن طال أمرها )().

إذن الإصلاح الداخلي عمل تربوي ضخم يجعل من الإنسان منتجه نحو السمو أو الخير على أقل تقدير ليغلب فيه العقل على الشهوة وتتحرر مصادر أفعاله من الشائنات والنواقص الشهوانية ويكون فرداً خيراً يحمل أخلاقا فاضلة وشخصية قويمة يحقق الإنسان فيها هدف السماء وعليه يكون البناء الشخصي على الصعيد الفردي هو النواة في التحرك الجديد ..




السمو الأخلاقي و البناء الشخصي

التعالي على الشائنات و النواقص من أجل السمو نحو الكمال والفضيلة هو الوسيلة الأكيدة لبناء الإنسان أخلاقياً ضمن شخصية محافظة على إصدار أفعالها و تحكيم العقل في أجزاء سلوكها و غلبته على الشهوة . و هذا التوجه و البناء ليس بالهين و لا بالمستحيل كذلك .

ومن أجل أن لا نلغي كل النتائج نحو هذا المقصد الشريف مادامت التكاليف على سعة النفس و القدرة . و قد بينت لنا ذلك الشريعة السمحاء .

و بين لنا الفكر الإسلامي الوسائل و حثنا عليها وقد شملت كل الممارسات الشرعية حتى التي حملت جوانب خصوصيات في غاية الدقة و الأهمية حرصاً على بناء الإنسان الفرد بناءً صالحاً و سليماً عبر الممارسات الأخلاقية.

( من المعلوم أن الإنسان هو هدف الأخلاق فرداً و جماعات . و هو الذي تتوجه إليه الأوامر و النواهي ، وهو الذي يقوم بعملية صنع الحضارة كما أنه هو الذي ينتصر و هو الذي ينهزم . و سر انتصاره هو إيمانه ـ أي اعتقاده ـ بأن هناك هدفاً من وراء هذا العالم . يقول الإمام الخميني :ـ إن منشأ جميع الهزائم و الانتصارات هو الإنسان نفسه . الإنسان أساس الانتصار و أساس الهزيمة وإن الإيمان أساس جميع الأمور )().

و ( كما أن الذي يتميز به الإنسان عن الكائنات الأخرى بالإضافة إلى كونه عاقلاً هو كونه صاحب أخلاق . فإذا انعدمت الأخلاق فلا يبقى هناك معنى للإنسان لأنه و إن تميّز بعقله إلا أن هذا التميز لا يضفي عليه شيئاً ما دام فاقداً لعنصر الأخلاق )().

الأخلاق أساس في بناء الإنسان النفسي و الشخصي ليحقق الانتصار في تقدمه نحو البناء العلمي و الحضاري في مستقبل مزدهر ينعم فيه الإنسان بالكرامة و الحرية الحقيقية و التي تحفظ حق الفرد و المجتمع ضمن ممارسات مشروعة تحافظ على القيمة و المعنى الحقيقي لهدف الإنسان الأخلاقي و هذا غاية الفكر و المشروع الإسلامي و الذي عبر عن هذه الغاية .
الحرص على سلامة الإنسان و إنجاح بنائه النفسي و الشخصي منذ البدايات الأولى أمر ركزت عليه النصوص لتبين سمو الغاية الإسلامية و التي تريد للإنسان أن يسموا معها ( مرحلة انعقاد النطفة :ـ يلاحظ أن المشرع الإسلامي قد شدد بإلحاح ملحوظ على هذه المرحلة و قدم توصيات متنوعة تتصل بمختلف الحالات و المواقف و الأزمنة منها على سبيل المثال و تأكيد على الجانب الأخلاقي أساساً حفاظاً على سلامة الجنين و بالتالي إنسان معافا نفسياً .

حالات الطمث ، و الاحتلام ، و الاختضاب . مثيراً إلى أت الممارسات التي تزامن الحالات المذكورة تنسحب آثارها السلبية على الجنين في حالة انعقاد النطفة . و تتمثل هذه الأثار السلبية في إعراض عقلية و نفسية و جسمية مثل ( الرَهان ) و ( العصاب ) كالنزعة العدوانية )() .

هذا المقطع يعطينا دقة المنظور الإسلامي و الذي منح مساحة واسعة و مهمة لمطلب الأخلاق و التمسك بها وجدانياً حتى في الممارسات الشرعية من أجل أعداد الإنسان إعدادا سليماً نفسياً و عقلياً بدءً بمرحلته الجنينية منذ انعقاد النطفة حتى يكون مهيأ للبناء الشخصي القويم.. يدرك دوره و مسؤوليته الاجتماعية و الحضارية و المساهمة فيها كفرد نافع و مؤثر .

ونعود للمنظور و المشروع الإسلامي لاكمال المقاطع النصوصية التي اهتمت بهذا الجانب التربوي.

فـ( مرحلة الحمل هذه بدورها تحتمل موقعاً له خطورته أيضاً من عملية تحسين النسل . و قد قدم المشرع الإسلامي توصيات متنوعة تخص مرحلة ( الحمل ) قائمة في الغالب على التغذية المنتقاة للحامل . و انعكاس أثر التغذية على الجنين في سماته النفسية و العقلية و الجسمية يقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع ) :ـ « أطعموا حبالاكم اللبان فأن يك في بطنها غلام خرج زكي القلب شجاعاً و إن تكن جارية حسن خلقها و خلقها »() .

هذه العناية الإسلامية بنشأة الجنين تعتبر دعماً لكيفية الإعداد للفرد عبر المحافظة على سلامته العقلية و اكتسابه صفات مقبولة تكون أصلا في طبيعته الخلقية . أو المقطع الثالث مرحلة النفاس فقد جاء فيها ( يقول النبي (ص) لا تأكل نفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاماً إلا كن حليماً ــ و أن كانت جارية كانت حليمة)().

يبين لنا هذا المقطع الأهمية الإعدادية للبناء النفسي و الشخصي و الأخلاقي فمنهجية الإنسان منتقلة بمراحل زمنية تبدأ منذ انعقاد النطفة من خلال مراعاة الجانب الأخلاقي الذي أخره المنظور الإسلامي حفاظاً و حرصاً على إنجاح عملية الأعداد و البناء ، و بعدها في المرحل اللاحقة فللبيئة و التربية الجانب المهم و الأكبر عبر التوجيهات و مراقبة الممارسات السلوكية و الأخلاقية حسب مراحل الطفل و نمائه الجسمي و العقلي .

فالعملية ليست بالهينة طالما هي إعداد و بناء إنسان متسامي أخلاقياً و المتكامل شخصياً و أن بالحد المقبول لتكون خصوصياته الوجدانية و الفكرية و يحضى بالاهتمام و التقدير .

وكل ذلك من أجل أن تكون المنهجية التربوية و البنائية ناضجة و فعالة من خلال الآليات و الخطط الموضوعة لرعاية طبيعة الإنسان و تنظيم آثارها المزاجية ، ولأنها الأكثر أثراً في مرحلة الطفولة حتى لا يصطدم بالممنوعات و الحواجز فيحدث الرفض أو اللجوء إلى الممارسات الجانبية و البعيدة عن عين المربي .

و سنناقش كيفية هذه الآليات و الخطط وفق المنظور الإسلامي في القسم التالي من هذا البحث ...





المبحث الثاني :
الآليات و خطة التحرك للبناء الإنساني


نظرة في الآليات و المراحل





تبدأ هذه الآليات من مرحلة الطفولة كونها أهم مراحل الإعداد و البناء كما بدأت في المراحل الثلاث الأولى المذكورة سابقاً ، وعبر عنها المشرع الإسلامي لتترابط المراحل و الآليات و الخطط ، وفق رؤى و توجيهات علمية واضحة تساعد في إنجاح المقصد التربوي وحصد ثماره ، عندما يتم انتاج إنسان قويم متمسك بالأخلاق و القيّم .

وسنناقش هذه الآليات في المراحل الجديدة و من خلال نموذج الدكتور البستاني ...

يقسم البحث الأرضي نمو الشخصية إلى أربع مراحل :
1ـ مرحلة الطفولة المبكرة : و تبدأ من الولادة إلى السابعة
2ـ مرحلة الطفولة المتأخرة : و تبدأ من السابعه الى الرابعة عشرة
3ـ مرحلة المراهقة و تبدأ من ـ 14 ـ إلى 21.
4ـ مرحلة نهاية الحياة الشخصية .
والنصوص الإسلامية بدورها، تتجه إلى التقسيم المذكور ذاته() .
هذه المراحل الانتقالية في النماء البنائي لشخصية الإنسان و ترابطها هي أساس المناهج التربوية إن كانت أرضية أو إسلامية بغض النظر عن الاختلاف . و لا يمكن تخطي أي من هذه المراحل و إهمالها ، فإن ذلك سوف يترك أثراً و إن مزاجياً و هي السمة الطفولية الغالبة و إهمالها يغلب هذه السمة على باقي التركيبة البشرية .

وهناك آليات و خطط خاصة لكل مرحلة من هذه المراحل . و رغم ضرورة كل المراحل و حتى لا يكون بحثنا مخصصاً لعلم النفس وحده سنركز على المرحلتين الثالثة و الرابعة مروراً بالأولى و الثانية .

لقد بين لنا الدكتور البستاني إن المرحلة الأولى هي الطفولة المبكرة و التي أطلق الرسول (ص) ــ على طفل هذه المرحلة لقب السيد لأنه يمارس لعبه بمزاجية هذه المرحلة المصرة على اللعب العفوي . و التي في أواخرها يبدأ التعليم الابتدائي الذي يؤكد أمكانية الطفل على التعليم و التوجيه .

و أما المرحلة الثانية فيؤكد المشرع الإسلامي على ضرورة ممارسة التوجيه على طفل هذه المرحلة و منها التأديب و التدريب بعد أن تخطى الأولى .

( النصوص الإسلامية في تعاملها مع أطفال هذه المرحلة ، خطورة لما تتطوي عليه من الأرهاصات بالسلوك اللاحق للشخصية . وفقاً لنمط التنشئة التي تستطيع عليها إن توصيات المشرع الإسلامي لهذه المرحلة تلح على ظاهرة التأديب )() .

و الغرض من التأديب في هذه المرحلة مساعدة الطفل كي يقف عند الخطأ و يتفهمه حتى لا يكرره و يكون منتفعاً و مستعداً للواعز الأخلاقي و البناء الشخصي السوّي و الذي ساهم التأديب و التدريب بإنجاح هذا البناء .

( و إذا تجاوزنا ميدان المهارة العقلية و الحركية إلى سائر الميادين أمكننا ملاحظة التشدد في التوصيات الإسلامية على مرحلة الطفولة المتأخرة بحيث تتناول سائر أنماط التعامل الفردي و الاجتماعي و انعكاس ذلك على سلوك الشخصية اللاحقة و منها ، على سبيل المثال ؛ عملية التدريب على الصلاة )().

تدريب طفل هذه المرحلة على الصلاة قبل سن التكليف حتى يكون مستعداً يتم من خلال التدريب لتحمل المسؤولية و الواجبات المستقبلية ، مما يضفي على شخصيته القوة و الصبر و الإرادة ، و كذلك حتى يتعلم حدود الحلال و الحرام و يكون منظّماً لسلوكه و أفعاله و دوافعه مع أحكام الشرع الحنيف في المراحل اللاحقة .

و في هذه المرحلة يجب أن لا يحمل الطفل بما لا يدرك و يطيق من مسؤوليات و أعمال و خصوصاً تلك التي هي خارج محيط الأسرة ، لأن ذلك سيجعله متسابقاً مع الآخرين بغية إرضاء أسرته و بأي طريقة كانت ، إن تعسر عليه الأمر .و قد نهى النبي (ص) أيضاً عن ذلك .

( نهى ـ( ص ) عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعته بيده, فإنه إن لم يجد سرق )() .
يجب على المربي أو ولي الأمر في هذه المرحلة مراقبة سلوك الطفل و محاولة معرفة ميوله وقدراته و نستطيع أن نسمي أواخر هذه المرحلة بالتطبع و التعود. و التي مال الطفل من خلال لعبه و ممارساته الحياتية و من خلال المثيرات و المؤثرات و بما يدرك منها إلى تلك الآثار و التي أن استقرت في عمليته النفسية أصبحت عادات و طباع و لهذا يجب مساعدة الطفل على اكتساب العادات و الطباع الحسنة لتكون جزءً من بنيانه النفسي و كيانه الشخصي و إن تطلب الأمر الصرامة من أجل تحسينها و التغلب على السيئ منها لتحرير سلوكياته و توجهاته من آثارها .

و لهذا كانت وصايا التدريب على الصلاة و منع طفل هذه المرحلة من العمل و الكسب في الخارج كما مر بنا .

( المرحلة الثالثة ( المراهقة ) تمثل هذه المرحلة بداية ( الرشد) لدى الشخصية . مودعه بذلك مرحلة الطفولة بادئه بتحمل المسؤولية التي ألقتها السماء على الكائن الآدمي و ما يصاحب ذلك من ترتيب آثار ( الثواب و العقاب )().

يبين لنا هذا المقطع و من خلال المنظور الإسلامي أهمية هذه المرحلة كتحول جسمي في نماء الفرد و كذلك كمسؤولية من خلال التكاليف و الواجبات العبادية و العملية الشرعية . و التي سيراقب فيها المكلف أو ( المراهق ) من خلال أدائه لها و أعماله الدنيوية و الذي دخل في مبدأ ( (الثواب و العقاب ) . هذا التحول لم يتوقف على التحول الجسمي بل دخل في صلب البناء و النمو النفسي و تقوت المشاعر و الأحاسيس و تحفزت الاستجابة حيال المثير بأثره الغرائزي و الذي ينتج منها شعور المراهق بالاستقلالية و بحثه عن كيفية تحقيقها مع متطلبات تحوله هذا و تطور حوافز استجاباته و أثارتها للمثير باتجاه آخر . و هنا تكمن الخطورة و مسؤولية المربى بشكل خاص و المجتمع بشكل عام .

و لهذا وجب الاهتمام به و توجيهه نحو الصواب و الصالح حتى يحافظ على مكتسباته التربوية و التدريبات العبادية السابقة . و لقد تصورنا من هذا الاهتمام عدة وصايا و آليات بأنها ناقعة في هذه المرحلة .





وصايا و آليات عملية
أولاً : إبعاد المراهق عن المثيرات و المهيجات لتحوله الجديد و مرحلة الحساسية و التي لا يحسن التصرف حيالها أو الحصانة منها لأنها أخطر ما تكون عليه . و خصوصاً في وقتنا هذا لأنها أصبحت متيسرة و سافرة مخيفة ز هي موجه من أجل انحلال الجيل عن مبادئ الأخلاق و قيم الدين .

ثانياً : تحسين الجو العام للأسرة . حرصاً على سلامة بناء أفرادها نفسياً في هذه المرحلة . و يقيناً الجو الأسري الصحي بالمبادئ و القيم ووفق منهجيه إيمانية بالتعاليم الدينية هو حصانة يتغذى بها الأفراد ليخطوا مراحل الإعداد و البناء بنجاح و عافية .

ثالثاً: مساعدته على كيفية اختيار الأصدقاء الصالحين في صحبتهم و المتلائمين له في اخلاقهم و توجهم العام للحياة . و منعه من مخالطة أصدقاء السوء . لأن سوئهم و عاداتهم سوف تنعكس عليه و تؤثر على سلوكه و أفعاله . و عندها يضيع جهد و نفع التربية التي تلقاها سابقاً بما أكتسبه أولائك السيئين من المناهج التربوية الخاطئة أو الإهمال التربوي أصلاً أو من المناخ الأسري السقيم .
رابعاً: عدم السماح له بالانفتاح الكيفي على المحيط الخارجي و دون مسائلة أو توجيه خوفاً من أن يكتسب ممارسات و أعمال قد لا يقدر نتائجها تقديراً صائباً .

وذلك لأن المحيط الخارجي متنوع و خليط من الناس و السلوكيات و الثقافات مع أشيائه الأساسية المثيرات و المغريات .

و لهذا يجب أن لا يتسلب شعوره الاستقلالي و كذلك أن لا يهمل . بل يجب الموازنة تربوياً بين شعور المراهق بالاستقلالية و رعايته لتقويم هذا الاستقلال . كي يعزز شعوره في بنائه النفسي و الشخصي على الإرادة و الاعتماد على النفس مستقبلاً .

( يقصد بالاستقلالية : إن الشخصية تبدأ بالتحسس بأنها كيان مستقل عن أسرته أما تموجها فيقصد في ذلك الاضطراب أو التردد في الانتهاء إلى الموقف الحاسم الذي تختطه الشخصية لمستقبلها)().

هنا تكمن أهمية خطة التحرك المساندة لهذه الاستقلالية من أجل مساعدته في اتخاذ القرار و تحرير عمليته النفسية من التوجهات و التردد و اللذان يضعفان اتخاذه للقرار كشخصية مستقبلية مفتوح أمامها المستقبل بكل تنوعاته و مفاجأته .

و يجب أن يرفد المراهق حينها بالخبرة الإرشادية ليستعين بها في بناء تجربته الخاصة من أجل التخلص من سلبيات و تداعيات التخوف و التردد . و هي أخطر ما تواجه بناء الشخصية و المعوق لاستقرار العملية النفسية و تحرير الأفعال نحو الوضوح و التميز بين الصح و الخطأ و الخير و الشر . فالارتباك لا يخرج القرار الصائب و لا الفعل المنتقى من الذبذبات و التمويه .

( يتضخم التدريب مع المرحلة الطفلية المتأخرة ، حتى يصل إلى ما أسميناه في حينه ب ـ المسؤولية شبه إلزامية ــ ممهداً بذلك الانتقال إلى المرحلة الإلزامية الكاملة . و نظراً لاهمية هذا الانتقال و ما يرفقه من ــ ( التموج ) . هنا نؤكد من جديد إن مرحلة بتحمل المسؤولية من حيث آثار ــ الثواب و العقاب ــ عليها ( دنيوياً و أخروياً ) هذه المرحلة تجيء مع (بداية ) المراهقة . مع انبثاقها مباشره .

إلا أن المشرع في الآن ذاته لم يفصل المراهقة من السلسلة القائمة على التدريب أي يخضعها لنفس العمليات التي طبعت مرحلتي الطفولة مع مراعاة كل مرحلة بما يناسبها من النماء العقلي لدى الشخصية )() .

نستطيع أن نشبه هذه المراحل النمائية للإنسان في بنائه النفسي و الشخصي عبر مناهج التربية و التدريبات السلوكية و مدى انتفاع الإنسان منها بالمراحل المدرسية فمن كان ضعيفاً في مرحلة ما في مستواه التعليمي و العلمي أنعكس ضعف مرحلته على باقي المراحل اللاحقة و لا يحقق النجاح الكامل و المطلوب و الذي من أجله أو دخل المدرسة .

فالمراحل الطفولية تمد الفرد تدريجياً كمتعلم في مرحلة المراهقة كونها أساس في تلقيه التربوي و محصلة التدريبات و المراجعات من قبل المربي أو الأسرة . و لا يمكن فصل هذه المراحل بما يكون فاصلاً مؤثراً أو فراغاً تربوياً طالما هي ناتج امتداد إنساني متواصل المسيرة و البناء مع الأيام و أشيائها .

( نستخلص من هذا إن ــ المراهقة ــ تتميز أيضاً بإمكانات ـ التطبع ـ على السلوك أو ــ تعديله ــ بالرغم من أن ــ المراهق ــ يتحمل مسؤولية تصرفاه أجمع و هذا يعني إن الإحساس بالاستقلال و ما يرافقه من الانتقال من مرحلة إلى أخرى . يتطلب بدوره قسطاً من التدريب حتى تستكمل الشخصية تماسكها )().

لقد لاحظنا من خلال المصادر التأكيد الأمامي على مسالة التدريب خلال مراحل الأعداء والتربية . وذلك من أجل تحقيق الآليات والخطط ابتغاء زرع روح الإرادة في المتدرب مع استنهاض قدراته الطفو ليه التحملية وقبول الصبر في مرحلة المراهقة واللذان يتطلبها التدريب. يعني تعويد النفس البشرية على قبول شي من خلال التدريب قدلا تميل له . وهو لسبب الذي أوجب الآليات وخطة التدريب .

وهذا عين مطلب التربية الدينية بهدف ترويض النفس والذي تسمية مع تقدم المراحل – بالجهاد الأكبر – أي ترويض النفس على قبول ما تكره وإبعاده عما تحب وتميل غليه مع ضرورة التميز في ذلك بين النافع والضار أو الصالح والطالح في أصل ذلك الحب وتلك الميول النفسية . حتى يكون هدف التدريب للصالح والنافع حصراً .
وخير ما يفسر خطة التدريب المقصودة قول أمير المؤمنين علي (ع) :
(يثغر الغلام لسبع سنين . ويؤمر بالصلاة لتسع . ويفرق بينهم في المضاجع لعشر ) .

قول أمير المؤمنين (ع) يؤكد خطة التدريب كعمل تربوي وزمن تطبيقه أسري وخصوصاً التدريب على الصلاة وتفريق في المضاجع في العاشرة تمهيداً للمرحلة اللاحقة ( المراهقة ) ومع كل الحسابات إلا إنه التدريب على الاستقلالية وأن ببدايات أولية بسيطة لكنها تميداً احترازي.

( نهاية المراهقة تمثل نهاية التدريب أي إنها تتمتع بإمكانات تطبع الفرد على السلوك الصائب . بحيث إذا فشلت التربية في تدريبه ( في سن21) على السلوك الجيد ، حينئذ يكون ولي أمره معذوراً إمام الله أي ، أن نهاية التدريب تتم مع نهاية مرحلة – المراهقة )().

أما المرحلة اللاحقة هي المرحلة ( الرشده )والتي تنتهي التدريب بعد استكمال النماء الجسمي ونهاية المراهقة وما فيها من تغيرات سيستشعرها الفرد . وتبدأ هذه المرحلة بالنماء العقلي من أجل إنماء طاقات العقل الذهنية والمهارات الفردية . ومدة هذه المرحلة كالمراحل النمائية السابقة سبع سنين أيضاً تنتهي في سن -28- وفي نهاية هذه الفترة يكون الفرد في أعلى وأكمل طاقاته العقلية ويكون الفرد خالها أكتمل بنائه الشخصي وقد اختزل تجاربه و نمت خيرته .

( و مما لا شك فيه إن لكل مرحلة من المراحل الأربع ، خصيصة نمائية يمكن استخلاصها من خلال الربط بين المرحلة و نمط المهارة المقترحة بها . فالعام الرابع عشر يقترن مع البلوغ الجنسي. و الثامن عشر (( فترة المراهقة المتأخرة )) يقترن مع درجة الذكاء و الحماقة ، و الحادي و العشرين يقترن مع الجسم من حيث نهاية الطول و الثامن و العشرين يشكل المهارة العقلية في نهايتها غير مقترنة بالمهارات الأخرى ).

و بعد نهاية هذه المراحل يكون الفرد مهيأ لمراحل النضوج عبر الفترات القادمة . نضوج الفكر و الخبرة و التجربة التي عاشها و تصرف حيالها و سيطبقها في مراحله القادمة مع كل محطة نضوج و يضاف إليها مقومات و مكتسبات النضوج . فيكون الإنسان بعد تلك المراحل الأربعة شخصية قائمة بخصوصياتها الفردية و مقوماتها النوعية .

ما نستخلصه من هذه العملية البنائية عبر المراحل كلها . هو إنها ضرورية و لابد منها مع سلامة المناهج و صلاحية الخطط و الآليات و التدريب لكي يكون الإعداد جيداً و البناء ناجحاً .

و من الملاحظ أن العملية البنائية للإنسان لم تقف عند البناء التربوي بل هناك البناء النفسي و الذي يتبناه علم النفس . و بيان الوسائل المنظمة للأصول و الدوافع النفسية . بعد الغور في أعماق العملية النفسية من أجل تحرير مصادر الأفعال من ضغوط الشهوة و ميلها لتميز العقل من أجل سلوك مستقيم ز أفعال صالحة .

و هذا يستدعي الخوض في الكيفيات و الآليات و الوسائل العملية التربوية التي تحرر الفعل الإنساني و تطلق كنواة محرّكة للمشروع الحضاري المطلوب تفعيله في هذا البحث ...



تحرير المنطلقات السايكلوجيه للفعل



( التركيب الثنائي الذي يرثه الفرد : حيث يشكل المحرك الأساس للسلوك قد وازنه من الطرف الآخر (وعي ) بطبيعة هذا التركيب ( العقل و الشهوة ) و السؤال هو :
أولاً : ما هو الفارق بين كل من ( العقل ) و ( الشهوة ) ؟
ثم : هل أن كلاً من ( اللذة ) التي يجسدها ( العقل و الشهوة) متكافئة من حيث الفاعلية أم أن احدهما أشد من الأخرى )() .

كما هو واضح أن ( العقل و الشهوة ) يجسدان النفسية برمتها و التي ينتج منها دوافع البحث عن اللذة و التجنب عن الألم ــ كمطلب نفسي وجداني و من خلال الوعي لحيثيات اللذة و ما يولده الألم. و هذه الحيثيات و الوعي مشروعية المطلب و يعتبران عما يحمله الإنسان من فكر و قيم و مدى التزامه بهما كمبادئ أخلاقية مؤثرة في السلوك تحرر الدافع و الفعل معاً من الانجذاب للمغريات و الممنوعات اللذان يثيران الشهوة .

و هذا في حد ذاته تفعيل للإرادة كخيار و للوعي مؤثر في هذه العملية . لا فرض نفسي يساعد الشهوة على الانفلات حيث ما كانت اللذة دون النظر لماهية شرعيتها و قبولها بالعقل حتى يكون طلب اللذة مشروع بما ذكر القرآن الكريم:
(( و لا تنسى نصيبك من الدنيا )) .



و حتى يمارس الإنسان حقه الشرعي هذا فإن ذلك يتطلب منه الإيمان بعطاء الله ــ تعالى ــ في النصيب و كذلك التمسك بمنافع العقل و اللذان يشكلان أهم محررات المنطلقات السايكلوجية و المنظمان للدوافع المسببة للأفعال .

و مثلما لا يقبل الإنسان تحمل الألم بالمقابل فإنه لا يقبل اللذة على حساب الحق و النصيب المذكور .

لقد عالج المنظور الإسلامي هذا الغرض بالكيفيات و عبر التدريب على الصلاة كما مر بنا في مراحل الطفولة و من خلال التوجيه لتنظيم هذه الدوافع منذ تلك المراحل تكون المناهج التربوية و الأخلاقية مساعدة و ناضجة في هذا المجال . بعد معرفة حدود الإشباع و علاقة الصبر و التأجيل عندما يكون ضروري وواقع حال و ضرف . و حتى تكون التربية مؤثرة و فعالة من خلال المناهج العلمية و التدريب و التوجيهات لتتحول إلى آليات متمركزة في جهاز الإنسان القيمي .

( من الواضح ــ في حقل الحقائق النفسية ــ إن الكائن الآدمي لا تنفصم دوافعه ( النفسية ) الخالصة عن دوافعه ( البيولوجية ) بقدر ما تحكمه قوانين ( الوحدة ) بين نمطي دوافعه . و يتم ذلك ــ عادة ـ أما من خلال عملية ( تحويل ) ما هو بيولوجي إلى ما هو نفسي . أو عملية ( تصعيد ) له . أو (تأجيل) لإرواء الحاجات الحيوية بعامة . و إخضاعها بالجهاز القيم لدى الإنسان )() .

يبين لنا الدكتور البستاني في المقطع الآتي عملية التحويل هذه ليؤكد من خلالها عملية التنظيم تصاعداً مع عملية النماء و البناء الإنساني .

( و لعل أوضح نموذج للنمط الأول من ( وحدة ) كل من السلوك الحيوي و النفسي هو : سلوك الطفل . فالطفل يبدأ في مستهل حياته بالبحث عن إشباع حاجاته من الطعام . و ( الأم ) عادة تجسد مصدر إشباعه المذكور . و بمرور الزمن تحدث علاقة (ارتباطيه) بين ( الحاجة ) : الحليب و مصدرها : ( الأم ) . فتتحول محبة الطفل لحليب الأم إلى محبة الأم ذاتها في نهاية المطاف)() .

و في المقطع التالي يتبين لنا عملية التأجيل و هي المؤسسة للتنظيم السلوكي :

( يبد أن التأجيل للحاجات الحيوية و هو : النمط الثالث من ( وحدة ) السلوك النفسي و الحيوي يظل هو : الصياغة المثلى لسلوك الإنسان بعامة ، متمثلاً في تدريب الطفل على تنظيم أوقاته للطعام و تحديد مقاديره . و اختيار النوم الملائم له : و كلها تتطلب ( تأجيلاً ) متواصلاً لحاجات الطفل : حيث يضطر إلى أن ( يصبر حتى يحين الموعد ، و يضطر إلى أن يتناول قدراً خاصاً من لا مطلق ما يشتهيه ،و يضطر إلى تناول النوع يلائم صحته لا مطلق ما يجبه من الطعام و هكذا )().

هذه التدريبات التي أكدنا عليها في المناهج و الوصايا التربوية في مراحل الطفولة . تؤكد نفعها في تهذيب العملية النفسية حتى لا تكون عملية الإشباع مفتوحة و عشوائية بلا قيود قيمية أو تنظيم . و من أجل أن يحقق الإنسان دوره الحياتي العملي بضوابط حيال المغريات و المثيرات . و الضروة و البيولوجية و التي لا يمكن أن نتصور إلغاء الشهوات بدعوى سيطرة العقل طالما الشهوات لها ضرورياتها الحياتية و الشرعية . و كذلك لا يمكن أن نتصور إلغاء دور العقل ليكون الإنسان شهوانياً فقط مهما أنحدر معها . لأن هذا خلاف التركيبة البشرية و مناقض للعملية النفسية . بل هو عملية الموازنة بين فرضيات العقل و حاجة الشهوات بشقيها المذكورتين في الفقرات فيما بين المشروع و الضروري كحاجات لابد منها .

و حتى في مسألة ( التجنب عن الألم ) حيث لها أحاسيسها و مشاعرها النفسية و الوجدانية . و لا يمكن قبول الألم إلا من أجل لذة أكبر من الألم في اعتبار القيم و الأخلاق و بغيرها فلا يمكن قبوله إلا من تجرد من إنسانيته كما عبر السيد في المقطع التالي .

( أن المحرك الرئيسي للإنسان في كل نشاطاته هو (( حب الذات )) فهو الواقع الحقيقي الذي يكمن وراء حياة الإنسانية و يوجهها بأصابعه والذي نعبر عنه يحب اللذة و بغض الألم .فلا يمكن أن تكلف إنساناً أن يتحمل مختاراً مرارة الألم دون شيء من اللذة في سبيل أن ينعم الآخرون و يلتذوا . إلا إذا سلبت إنسانيته . و أعطي طبيعة جديدة لا تعشق اللذة . ولا تكره الألم و حتى الألوان الرائعة من الإيثار التي نشاهدها في الإنسان و نسمع بها عن تأريخه تخضع في الحقيقة أيضاً لتلك القوة المحركة الرئيسية ( غريزة حب اللذات )() .



رفضنا للألم نابع من شعورنا الإنساني و الذي لا يمكن مخالفته إلى إن قابل الألم لذة تكون سبباً لذلك . و من هذه الموازنة أو المعادلة نفسها رغم الفارق ننظم طلب أو دوافعنا للشهوة . فالجهاز الوجداني الذي يرفض الألم أو يعادله باللذة المرجوة من ورائه يقابله الجهاز القيمي لإخضاع طلب الشهوة و إشباعها ضمن تنظيم الحاجة و المشروع .

تعبيراً عن حب اللذات المتوازن مع القيم و الأخلاق و الفهم الحقيقي للشهوة و الحاجة إليها .

( و حب الذات هذا يساعد الإنسان على الأعمال الخيّرة . و القيم لا تصبح محبوبة إلا بسبب عناية الدين و تربيته فإن القيم بسبب التربية الدينية تصبح محبوبة للإنسان و يكون تحقيق المحبوب بنفسه معبراً عن لذة شخصية خاصة فتفرض طبيعة ( حب الذات) بذاتها السعي لأجل القيم المحبوبة تحقيقاً خاصة بذلك )() .

حب الذات هذه و المنطلقة سماتها من القيم و الأخلاق و الطبائع التي صقلت من خلال التعاليم الدينية و الفكر السوي و من خلال المناهج و التدريبات و التنظيم للأفعال و الأصول النفسية تضفي توازناً ملحوظاً على شخصية الفرد دون انفصام في جانب ما من الباطن النفسي كعملية مؤثرة في دوافعه و أفعاله و صفاته التي ينتهجها الإنسان في سلوكه العام ووجوده الكائن . رغم تجاذب الشهوة و قوة آثارها الغريزية . و حب الذات السوي ميالاً للعقل أكثر من الشهوة حتى لا يتصدع البنيان الشخصي و الذي أساسه حب الذات هذا .

( الخطايا ( وهي الشهوة ) خيل شمس حمل عليها و خلعت لجمها . التقوى ( و هي العقل ) مطايا ذلل حُمل عليها أهلها و أعطوا أزمّتها)().

وصف أمير المؤمنين علي (ع) في هذا المقطع للفجور و التقوى و الذي شبه الأولى بالخيل التي حملت أهلها و قد نزع منها الزمام و هذا التشبيه يعني الكثير فالقيادة للخيل و ليس للمحمول بل هو منقاد أصلاً . وشبه الثانية بالمطايا التي حملت أهلها ة قادوها بالزمام . الفرق في هذين التشبيهين هو الزمام كونه أساس القيادة و التوجيه .

والمطلوب في وصف الإمام هو أن للعقل قوة مؤثرة في التوجيه يمكن من خلالها ترويض الفجور و تنظيم آثارها لمصالح الخير و التقوى . و أن لم يكن هذا المؤثر النفعي ( العقل ) فعالاً فما جدوى القيم و المناهج و التدريبات طالما العملية النفسية حيوية متفاعلة مع المثيرات و ليست شيء نمطي راكد يستقر بتوجيه أولي . بل هي مواجهه للمثيرات و المتغيرات وفقاً للظرف و الحاجة . فإن لم تكن مبنية على أساس سوي اهتزت موازينها الضعيفة عند المستجد و تغيرت اتجاهات سلوك الفرد و أفعاله باتجاه سد الحاجة إن لم تكن اللذة بعينها .

( بيد أن هذا لا يمنعنا من الذهاب إلى أن اللذة الشهوية أشد ( إلحاحاً ) من اللذة العقلية : و إن كانت هذه الآخرة أشد ( فاعلية ) لأن ممارسة التأجيل للشهوة تعني كونها أشد إلحاحاً من اللذة العقلية و إلا لما كان للمطالبة بتغليب ( العقل ) على (الشهوة ) أي معنى .

فالباحث عن الإمتاع الجنسي مثلاً لابد أن يتحسس بأن المنبّه الجنسي أشد إلحاحا عليه من المنبه العقلي : لذلك إما أن يمارس ما هو غير مشروع تحقيقاً للإشباع ، أو يمارس عملية مقاومة و تغليب و تأجيل للرغبة الجنسية المذكورة . و في الحالتين ثمة ( إلحاح ) من الجانب الشهوي يدفعه إلى الاستسلام له أو مقاومته)() .

يتضح لنا في هذا المقطع أهمية اللذة الشهوية و أثرها الفعال و المستمر في العملية النفسية و التي تنعكس على سلوك و أفعال الإنسان المتأخر بها أن لم ينجح في عملية التنظيم و الترويض التي نطلبها في هذه الفقرة . و المقطع الآتي يبين لنا ممكنية إنجاح التنظيم و الترويض من خلال دور العقل أو (التقوى ) و الذي يبين لنا عظم أثره و ممكنية سيطرته على أساسيات العملية النفسية إن أوتيح له ذلك .

( إن هذا الإلحاح من الجانب الشهوي لا يعني أشد فاعلية أو تأثيراً من الجانب العقلي كما أشرنا بقدر ما يعني كونه أشد إغراءً. و هذا الأغراء سرعان ما يفقد فاعليته إذا مارس الشخص (تدريباً) على مقاومته بحيث يحدث العكس تماماً في عملية التدريب المشار إليها . و هو ما تقرره الآية الكريمة بوضوح حينما تقول (( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً )) كما أن النبي (ص) ألقى إنارة كاملة على هذه الظاهرة ، أوضح أن عملية تأجيل ( الشهوة ) و أبدالها باللذة ( العقلية ) أي : التدريب على الجانب العقلي من اللذة . سوف يستتبع نفور الشخص من الجانب ( الشهوي ) اللذة . حيث قرر ( ص) بأنه يتشعب من المداومة على الخير كراهية الشر)() .







الخاتمة

مهمة البناء الإنساني وفق معايير و مبادئ الأخلاق من أجل تحرير مصادر السلوك و الفعل الإنساني من ضغوط الميول الشهوية طلباً للذة و الخطط و التدريبات في وقتها المناسب و حاجتها الملحة وفق متطلبات المراحل النمائية للفرد . و يقدر من الاهتمام و المسؤولية التي يحتمها ديننا الحنيف و هي جزء من الأمانة التي حملها الإنسان و يتحمل نتائجها .

هذه المهمة تتطلب المناهج التربوية و الخطط العملية بما فيها الآليات و التدريبات مع الالتزام بالتطبيق و المتابعة . و نحن أكدنا على هذا خلال البحث . و كيفية الإعداد و الذي يبينه لنا المنظور الإسلامي . أي الإعداد منذ المراحل عند لقاء الزوجين و مراعاة الوصايا الشرعية و التي اعتبرها علماء الأخلاق من ضمن الوصايا الأخلاقية و التي بيناها في البحث عند انعقاد النطفة و كذلك مراعاة الجنين في مرحلة الحمل و بعده عند النفاس من خلال أحاديث الرسول (ص) و الأئمة الأطهار . و هذه الملاحظات مهمة يجب الحرص عليها . لأنها أساسية في البناء النفسي و العقلي للجنين .
و بعد هذا الإعداد السابق للعملية التربوية البنائية تكون مهمة معرفة تركية الإنسان المسببة للعملية النفسية و مكوناتها - العقل و الشهوة و هما الخصوصية الإنسانية التي تميزت الكثير عن الملائكة و البهائم على اعتبارها ثنائي مشترك و الذي عليه تحوم العملية النفسية برمتها . هذه المعرفة تحد منا كثيراً في عملية البناء لأنها تعرفنا بالطفل في المراحل الأولى و إن كان تحكمه المزاجية








hgtug hgHoghrd ,hgfkhx hgpqhvd hgpqhvd hgt/g




التعديل الأخير تم بواسطة سعد عطية الساعدي ; 2016/08/30 الساعة 10:59 AM
رد مع اقتباس
قديم 2016/08/31, 02:02 AM   #2
الرافضيه صبر السنين


معلومات إضافية
رقم العضوية : 3796
تاريخ التسجيل: 2015/05/07
المشاركات: 7,552
الرافضيه صبر السنين غير متواجد حالياً
المستوى : الرافضيه صبر السنين is on a distinguished road




عرض البوم صور الرافضيه صبر السنين
افتراضي

احسنتم وتسلمو اناملكم بارك الله فيكم
وشكرا لطرحكم المبارك


توقيع : الرافضيه صبر السنين
رد مع اقتباس
قديم 2016/08/31, 02:02 PM   #3
معلومات إضافية
رقم العضوية : 4414
تاريخ التسجيل: 2016/02/20
المشاركات: 1,006
ابو الحسن غير متواجد حالياً
المستوى : ابو الحسن is on a distinguished road




عرض البوم صور ابو الحسن
افتراضي

احسنتم

بارك الله بكم على هذا الطرح القيم

وسلمت اناملك


توقيع : ابو الحسن
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأخلاقي, الحضاري, الفظل, والبناء

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إلى أبي الفظل محمد باقر الربيعي القصائد الحسينية 6 2016/09/07 07:54 PM
في البعد الأخلاقي الشيخ عباس محمد شباب أهل البيت (ع) 1 2015/09/10 12:03 AM
ما أكثر الوصف وأقلّ الفعل! شجون الزهراء القصة القصيرة 2 2014/03/05 03:40 PM
دور المراقد في العمران والبناء بنت الصدر المـدن والأماكن المقدسة 1 2014/02/04 07:17 PM
المصلحة في الفعل الإلهي تراب البقيع المواضيع الإسلامية 9 2012/08/26 03:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |