Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المـنتـديات الأدبيـة > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015/05/22, 02:29 PM   #1
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



رواية (رحلة البقاء)

تحكي باسلوب قصصي ممتع وجذاب رحلة انسان من عالم الدنيا الى البرزخ ثم الى عالم القيامة الكبرى
الرواية تتكون من جزئين الجزء الاول هو(تحت اجنحة البرزخ) والذي يحكي وقائعا واحداثا لذلك الانسان وما يلاقيه في عالم البرزخ بعد موته وانتقاله اليه.
أما الجزء الثاني (في أمواج القيامة) والذي يُكمل قصة ذلك الانسان ويعرض ما تمر به من أحداث في عالم ما بعد البرزخ بشكل قصصي ايضا ليشمل القيامة الكبرى، ومقدماتها، وما بعدها من الخلود الأبدي والوجود السرمدي.

الرواية بجزئيها من تأليف الكاتب عبد الرزاق الحچامي

ارجو منكم قراءة هذه الحلقات التي سوف اوردها لكم تباعا وعدم أهمالها لأنها مهمة جدا تقينا من شر الأشرار لاسيما الشيطان الرجيم
التعريف بعالم الآخرة وبناءا على الأسس العقائدية لعالم مابعد الموت والمستوحاة من القرإن الكريم والاحاديث الشريفة وآراء العلماء والباحثين

هنا سأختصرها على شكل حلقات قصيره
والاشخاص الذين يريدون قراءتها كامله
هنا في هذا الرابط تحميل الكتاب كامل

https://play.google.com/store/apps/d...Rihlat.Albakaa


hojwhv v,hdm vpgm hgfrhx (uhgl hgfv.o)(Hl,h[ d,l hgrdhli)



رد مع اقتباس
قديم 2015/05/22, 03:00 PM   #2
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)


~: (( الحلقة الأولى))


كان هناك ثلاثة أصدقاء مؤمن وسعيد وجمال
كان جمال يحب الحياة الدنيا وجمالها وبعيدا عن الله اما سعيد كان أيمانه ضعيفا وكان بحاجة إلى من يقوي إيمانه،
فصديقه مؤمن هو الذي أرشد سعيد للألتزام بدينه، بعد أن أخذه إلى عالم جليل ،
قائلا له أرجو أن تسمح لي أن أشغل وقتك قليلا فقد ضاق صدري ولا أجد من يفتح قلبه لي ويستمع بتمعن لما أقول
فبقينا حيارى في الميدان نظر ألي بتأمل عميق وظهرت عليه ملامح التأثر والأهتمام بي فقال بني ماهي مشكلتك
قال: إن الدنيا صغُرت في عيني وحقرت في نفسي، حتى أصبحت كالصفحة السوداء تمنعني من الوصول إلى الله،
وكانت كلماتي ممزوجة بالبكاء الذي منعني من الأستمرار في الكلام مما جعل العالم الجليل أن يؤخر اللقاء إلى يوم غد بعد صلاة المغرب
غادرت المجلس الى بيتي مشيا على الأقدام لأتمكن من التفكير بالمسائل والمطالب التي سوف أعرضها على العالم الجليل يوم غد
وبعد وصولي الى البيت وخلال طرقي للباب فتحه ولدي مرتضى الذي يبلغ السنة الرابعة من عمره وهو مرتبك
ويقول أن والدته خرجت لتشتري بعض الحاجيات ولم تعد الى الآن ، اصطحبت مرتضى لنبحث عن أمه ما إن وصلنا الدكان الذي نشتري عادة احتياجاتنا منه
ظهر الأرتباك على وجه البائع فعلمت أن أمرا ما قد حصل وبعد السؤال عن ام مرتضى أخبرنا عند عبورها الشارع تعرضت إلى حادث دهس وهي الآن في المستشفى ، حين وصول سعيد للمستشفى أُخبر بوفاة زوجته، وبعد انقضاء الأيام الثلاثة لمراسيم الفاتحة،
أخذ يفكر كثيرا بالآخرة وهو يقول:( آه الويل لي، إذن أيامي في الدنيا قليلة، آه ٠٠٠كيف بالصكوك التي لم يصل وقتها ،
وكيف بحساب العمال الذي كله في دفتري الخاص ولا يكتبه ويقدمه للشركة أحد غيري،
أم كيف بالأسرار التي في صدري والتي طالما ترددت في كشفها متأملا أن يعود جمال لرشده ويتوب من أعماله،
إنها أسرار سرقاته من الشركة وقد لايعلم بها أحد غيري أم كيف ب ...ألخ.
أحسٓ بصداع شديد في رأسه فقرر أخذ ابنه مرتضى لأحد الحدائق وملاعبته كي ينشغل عن التفكير القاتل ،
شعر مرتضى بالتعب من اللعب نادٓ والده واسرع راكضا نحو أبيه وحضنه وضمه والده الى صدره
قال مرتضى لوالده أريد ماما لماذا لم تأتي معنا ، قال سعيد: تحيرت بالإجابة فقلت له إنها بجوار الله الرحمن الرحيم
الذي تصلي له كل يوم وأنت تلعب بمسباحها هل تتذكر؟ اثنى رقبته إلى الأرض وبدأت دموعه تسيل دون أن يصرخ أو يصدر منه صوت .
ذهبنا الى مسجد قريب لأداء فريضة الصلاة وبعد أدائها أحسست أن صلاتي هذه المرة تختلف عما قبلها فتسائلت في نفسي
لماذا انقضى عمري وأنا لم أحس بطعمها إلا هذه المرة، أتُرى أنها غير مقبولة عند ربي ؟ أم أنها لم تكن كاملة؟
فيا ويلاه ماذا عن صلاتي السابقة، وهل هي في محل قبول عند الحق تعالى، أم أنها مردودة على رأسي ؟
وتسائلت مرة أخرى : إذاكانت صلاتي هذه المرة صلاة مودع للدنيا، فلماذ الم تكن كذلك قبل هذا الوقت؟
وتلوح في الأفق كلمات الإمام زين العالدين في دعاء ابي حمزة الثمالي فأقتبس الأمل منها
عندما يقول
:(( فاعطني من عفوك بقدارأملي ولاتؤاخذني بأسوأ عملي، فإن كرمك يجل عن مجازاة المذنبين، وحلمك يكبر عن مكافأة المقصرين))،
أو عندما يقول
(( إلهي أن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، وإن أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك وأنا والله أعلم أن سرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك)).
وبينما أنا في حديقة المنزل وإذا بجرس الهاتف يرن رفعت السماعة
وإذا بمدير الشركة يسأل إذا كان السقف الخامس للمبنى المسؤول عنه هل هو جاهز للصب غدا؟
أجبته فيه بعض النواقص يمكن إصلاحها في الغد إنشاء الله وسأشرف عليها بنفسي.




~:
(( الحلقة الثانية))


بعد أن قال سعيد لمدير الشركة إني سوف اشرف على العمل بنفسي،
طلب منه أن يلتقي معه اليوم بشأن جمال الذي يشتغل معه في الشركة والسرقات التي يقوم بها وغيرها من الأعمال التي لا يرضى الله عنها
كي يزيح هذا الثقل عن قلبه ويصفي نفسه من كل هذه الشوائب التي يمقتها الله سبحانه وتعالى،
ذهب سعيد الى مدير الشركة وصارحه بكل شئ و أحس أن هذا الثقل أخذ يخف عنه شيئا فشيئا،
بادره مدير الشركة ولماذا لم تخبرني من قبل وأولا بأول ، قال كنت أتأمل أن يعود إلى رشده ويعيد الأموال إلى محلها
كما كان يعد بذلك بين مدة وأخرى ويلمح على إنها قرض وله صلاحية التصرف بها .
قال المدير لسعيد ان جمال سيأتي غدا قبل الظهر الى المبنى وأن لا تتكلم معه بشئ عن حديثنا هذا ،
فأني أعلم كيف سأتصرف معه . وبينما أنا في دوامة الفكر هذه وإذا بأمر يخطر على ذهني .....
أنا شكوت للعالم الجليل الحُجُب التي تمنعني الوصول الى الله، وقد علمت الآن أنه لم يتركني دون جواب عن عدم مبالات عنه
بل أراد لي معرفة الطريق بنفسي، وقد لمست الآن أن الوصول إلى الله والدنو منه لايكون إلا بالتحرر من تبعات الدنيا و مادياتها والتزود بزاد التقوى للرحيل اليه ,
آه لماذا كل هذه الحجب قد وضعتها أمامي ، لا أدري لماذا يصنع الإنسان شقاوته بيده ليعيش في الدنيا في ظلمات الحيرة والضلال والحرص والغضب ،
ولايذوق السعادة حتى لقطرة منها،بل الأكبر من ذلك لماذا يفشل الإنسان في معبر قصير ، ونعيم الأبد ينتظره ،
ولماذا يقدم الإنسان بنفسه إلى جهنم كان يعلم أنها أمامه , آه لماذا كنت هكذا ولم أذق السعادة إلا هذه اللحظة ،
وقد خالطها الندم والحسرة على ماسبق .
في اليوم التالي ذهبت الى المبنى المعني وصعدت سلالمه حتى وصلت الطابق الرابع
وإذا بجمال واقف كأنه ينتظر شخصا ما، ولما رآني ابتسم ابتسامته الكاذبه التي تعودت عليها
ثم قال بلهجة ساخرة، ماذا ستفعل يامهندس سعيد، الصب غدا والسقف غير مهيأ.
قال سعيد لدي الوقت الكافي لم يبق إلا الشئ القليل، قال سعيد فأخذ بيدي يجرها
وهو يقول : هيا نصعد فليس لدينا وقت كاف ...
أخيرا صعد اإلى الطابق الخامس وكانت خطوات سعيد بطيئة وهادئة تدل على الجولات التي قام بها في المبنى ،
أما جمال فكانت خطواته مرتبكة، ووجهه مضطرب ولونه يتغير بين الحين والآخر ،
وبعد وصولهم الى السقف الخامس واستقرت أقدامهم فوقها ،
قال جمال لسعيد تعال وانظر الى الحديد كيف تم ربطه كما اردت وكان على حافة السقف وكان مربوطا بشكل جيد،
ما إن التفت سعيد على جمال ليقول له إنه عمل جيد حتى أحس بوضع يدي جمال على ظهره ودفعه بقوة من على السقف إلى الأسفل.




~:
الحلقة الثالثة


إن لحظات السقوط بين الطابق الخامس والأرض ماهي إلا نهاية حياة سعيد
حيث لاحظ قطع الحديد الحادة والمبعثرة هنا وهناك ، وماهي إلا لحظات قليلة وتنكشف الأسرار ،
ويظهر الغيب الذي أخفي طوال عمر سعيد وسيصل إلى ماتخوف منه تارة وما اشتاق اليه تارة أخرى .
يقول سعيد: إن في هذا السقوط لم يبق لي فيها أحد في الوجود أتوجه إليه ولم يبق لي سواه هو الله ،
حقا في تلك اللحظات أحسست بمعنى التوحيد ، وتذوقت طعمه حينها نطق لساني صارخا ياألله ياألله يا.....
يقول ولم أكمل الثالثة حتى سمعت صوت السقوط قويا على الأرض وبدأ الألم شديدا في بدني ،
وسلبت مني القدرة على الصراخ وانشلت أعضائي عن الحركة وحجبت عني الرؤية
فلم أعد أرٓ شيئا ولاأبصر أحدا وغرقت في إغماء شديد وعميق .....



~:
الحلقة الرابعة


ان هذا الإغماء الشديد والعميق الذي غرقت فيه،
وظهرت لي ملامح شخص لم أتعرف عليه مسبقا كلما أنظر إليه تبهت عيني لرؤيته،
وينبهر فكري لعظمة خلقه، يعجز الخيال عن وصفه ومقارنته بخلق من مخلوقات الدنيا يصاحبه عدة مخلوقات اخرى
ذات اجنحة لطيفة وأبدان خفيفة و العجيب في ذلك أن الناس كانوا مشغولين بي عنه ولم يلتفتوا اليه على الرغم من غرابة منظره وكأنهم لم يروه،
اما أنا فقد شغلني هو عن غيره ويبدو إنه كان جنبي ثم أخذ يبتعد عني،
والآن بدأ يقترب مني أكثر فأكثر فاضطربت حتى أحسست برجفة في بدني وكلّ لساني عن النطق والسؤال عمن يكون ،
ثم تكلم بكلام لم أفهمه مع من كان معه، أختلط كلامه مع دوي من حولي وصراخ عدة نساء،
التقطت منه بعض الكلمات منها قوله لهم : إنه من المؤمنين لكنه لم يصل الى مرتبة الأولياء فارفقوا به قليلا وأعينوه على نطق الشهادتين .
كان بدني لايتحرك يمينا ولايسارا وبصعوبة بالغة كنت التفت الى ماحولي فوجئت بصديقي مؤمن ذلك الوجه المشرق
ويجلس جنبي ليقول: سعيد سعيد هل تسمع كلامي ؟ اجبته بصوت خفيف نعم،
قال لي قل لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،
أردت النطق لكن ظهرت لي مخلوقات بوجوه قبيحة سوداء كالقير الأسود أصابني خوف شديد فأمسكوا لساني عن النطق ........



~:
الحلقة الخامسة


عندما أصابني الخوف الشديد من الوجوه القبيحة وأمسكوا بلساني من النطق بقول لا إله إلا الله ومنعوني من ذلك،
عندها سمعت مؤمنا مرة أخرى ينادي،
سعيد هل تسمعني؟ أجبته بصوت ضعيف نعم ،
ألم تستطيع قول لاإله إلا الله ؟ قلت بلى.
قال مؤمن : لعل الشياطين قد اجتمعت حولك لتمنعك عن النطق،

( قيل في الكافي عن أبي عبدالله قال:" مامن أحد يحضره الموت إلا وكل به أبليس من شياطينه
من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ")
....،
ياسعيد الملائكة حولك يرشدونك إليه فاستعن بهم، إنك في حال احتضار ، لقد بدأ سفرك الطويل هل تفهمني ؟
قال سعيد إن مؤمنا لم يكن يرى ما أرى نعم إنها سكرات الموت وهذا ملك الموت مع أعوانه قد جاء ليقبض روحي،
نعم وهذه ملائكة الرحمة عن يميني، وهذه الشياطين عن يساري، إلهي يامن انطق عيسى في مهده انطق لساني بذكرك.......
التفت لي أحد ملائكة الرحمة وقال: إنك كنت كثيرا ماتذكر الله في دنياك، وسنحاول أن نجد لك شيئا يبعد الشيطان عنك.
التفت إلى أصحابه ليقول لهم: هل تجدون من أعماله شيئا ينفعه في أزمته هذه ؟ ادعوا أعماله وأوقاته لتتجسم أمامه .....




يتبع


رد مع اقتباس
قديم 2015/05/22, 03:28 PM   #3
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

~: الحلقة السادسة


بعد ان طلب احد الملائكة من إيجاد أعماله الحسنة تنفعه في أزمته .
قال سعيد: إن الشىء الذي رأيته لايمكن وصفه ولو صب على أهل الدنيا لغشي عليهم ولم يفيقوا،
هنا تجسمت أمامي كل الأفعال القبيحة التي فعلتها
منذ أن بلغت سن التكليف وحتى يومي هذا
آه كم كانت موحشة وقبيحة وبشعة
وكذلك الأوقات والساعات التي ضيعتها خالية أو مملوءة بالذنوب،
ياحسرتي على كل عمل خالطه الرياء،
ياويلتي على كل مال أخرجته لغير الله،
وعلى كل كلمة تفوهت بها أو كتبتها لغير الله،
آه وماهذه الوحوش المخيفة المظلمة في سوادها،
وهل سترافقني ؟ وإلى متى وما ذلك الأسود المكشر أنيابه
، وماهذا السوط الذي بيده.
يقول سعيد ولشدة الهول والحسرة أغمي علي،
ولم أفق إلا بسياط الشيطان الذي كان قد أمسك بلساني،
وأبرز أنيابه ضاحكا ومقهقها بصوت عال وشكل قبيح
وهو يقول : ياعزيزي لاتتحير وقل ربي الدنيا، ألم ترظ“ ان الشريف من شرفته أمواله،
ولو كنت مطيعا لها بما أمرتك ماوصلت إلى هذه الحال،
فذلك صديقك جمال لايزال يترفه ويتنزه ويأكل ويشرب مايشتهي ويتلذذ بما يريد
هل تعلم كيف وصل الى ذلك ؟
أنا أقول لك ، أنه أطاع الدنيا فأوصلته إلى هذا المقام إذن فهي الرب
لاغيرها فلعل حالك يتحسن، ولعل مع أعواني الذين تراهم نستطيع أن نخرجك مما أنت فيه.
ازدادت حيرتي واسودت ظلمتي وانشل فكري،
فصرت أنظر لما حولي،
وإذا بأحد ملائكة الرحمة يقول: انظر إلى هناك إنها أعمالك الحسنة
الخالصة لله وأفكارك الطيبة وأوقاتك التي ملأتها بطاعة الله
وتلك مساعداتك لأخوانك، وتلك نفقاتك في سبيل الله......
حينها توجه أحد الملائكة نحو ملك الموت
وقال له: لقد وجدنا في أعماله ماينفعه في عدم العدول عن دينه وفي نطق الشهادتين
قال : وما تلك الأعمال التي يمكنه الإستغاثة بها؟
لقد كان يؤدي الصلاة في أول وقتها، ويصل رحمه، ويحسن بوالديه
عن الإمام الصادق ع أنه قال:" من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن، فليكن لقرابته وصولا وبوالديه بارا، فإذا كان كذلك هون الله عنه سكرات الموت.......،، وكان كثيرا مايقرأ دعاء العديله وسورة يس والصافات ودعاء (رضيت بالله ربا .....) بعد كل صلاة وأيضا كان يقرأ زيارة آل يس ويكثر من ذكر لاحول ولاقوة إلابالله العلي العطيم .
هذه جملة من الأذكار النافعة لثبات المؤمن على عقائده الحقة
وعدم عدوله الى الباطل عند الأحتضار.
قال ملك الموت : نعم إنني كنت انظر إليه حين وقت الصلاة فأراه يقيمها في أول وقتها، وقد سجلت له ذلك كله .


~: الحلقة السابعة

قال سعيد: كنت لا أرغب في النظر الى الشيطان
لكني أردت أن أرى أثر كلام الملائكة مع ملك الموت عن لساني
في الأثناء رأيت الشيطان قد اشتعل غضبه بعد أن ترك لساني
وقال لأعوانه : لا فائدة من الجلوس هنا والحديث معه إن لديه من الأعمال
ما لا نستطيع بوجودها تغيير عقيدته ومنعه من نطق الشهادتين
اذهبوا جميعا وسوف انتقم منه في مكان آخر ،سأنتقم منه....
وللمرة الثالثة أسمع نداء مؤمن وهو يقول: سعيد هل تسمعني ؟ هذه المرة
دون أن أقول له نعم ، نطق لساني لاإله إلا الله محمد رسول الله ،
هناك رأيت الأبتسامة على وجه صديقي مؤمن والدهشة على كل من كان
حولي من الحاضرين فقد بدأوا يسألونه عما يجري ،
ولماذا تبسم بعدما كان قلقا خائفا وقد ابتل وجهه بالعرق الذي اختلط بالدموع
(فعلا إنه صديق مخلص لم يتخلى عن سعيد
حتى في اللحظات الأخيرة من حياته )
قال سعيد بعد أن نطقت كلمة التوحيد
أصبحت لي الجرأة على التكلم مع الملائكة
فقلت لأحدهم: هل أستطيع أن أخبر من حولي بما يجري لي
كي يعتبروا ويؤمنوا بعالم مابعد الموت ؟
قال أحد الملائكة: كلا لن تستطيع النطق والكلام مرة أخرى مع أهل الدنيا.
أقترب مني ملك الموت
وسلم بقوله: السلام عليك أيها العبد الصالح .
(وسئل رسول الله (ص) كيف يتوفى ملك الموت المؤمن، فقال: إن ملك
الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو
وأصحابه لايدنون منه حتى يبدأه بالتسليم ويبشره بالجنه ).

فوجئت بسلامه علي ،
فقلت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .
قال: إننا مأمورون من الجليل الأعلى بأخذ روحك ونزعها من بدنك الدنيوي .

آه الويل لي، هل تسمح لي بأيام قليلة أعيشها في الدنيا مرة أخرى
لأستكثر من أعمالي، وأثقل ميزاني وأودع أحبائي ؟
هيهات من ذلك فالله لايؤخر نفسا إذا جاء أجلها،
وقد أعطاك الله من الوقت في الدنيا مايكفي للرقي إلى كمالات الأولياء
ونيل درجاتهم ، فأين كنت من ذلك ؟
سمعت ذلك فجزعت جزعا عظيما وأصابتني حسرة كبرى
ودعوت بالويل على نفسى فبأي أعمال سأقابل بها ربي.
( أعمال سعيد الحسنة كانت خلال خمس سنوات اما التي قبلها فما هو مصيره )...........

~: الحلقة الثامنة

لقد قام سعيد بأعمال حسنة خمس سنين،
أما ماقبلها كانت محاطة بالجهل والغفلة، محفوفة بالشك والرياء .
قال سعيد: استحضرت ذلك بنفسي وبكيت بكاءا شديدا، فتدارك ملك الموت حالي
وقال: ان كفة ميزان أعمالك الحسنة قد غلبت أعمالك السيئة
بعد أن أبدل الله بعضها حسنات ، وتقبل توبتك النصوح قبل خمس سنين
فلا تخاف ولاتحزن، أنا أبرُّ بك أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك
أفتح عينيك جيدا وانظر إلى هؤلاء الأنوار الأربعة هل عرفتهم ؟
نعم عرفتهم إنهم رسول الله(ص) والزهراء وعلي والحسن والحسين التسعة المعصومين من ذرية الحسين ( ع ).
(( مامن مؤمن يحضره الموت إلا ورأى محمدا وعليا حيث تقر عينه، ولامشرك يموت إلاورآهما حيث يسوئه ))
قال ملك الموت : صدقت ياعبد الله، هل تريد أن يكونوا رفقائك في الجنة ؟ ام العودة الى الدنيا،
أجابه سعيد فورا، لا أريد الدنيا فخذ روحي وعجل بها
فأنا لم أفارقهم بقلبي في الدنيا فكيف الآن وقد تمثلوا أمامي
ألتفت ملك الموت إلى الملائكة وأمرهم بجلب ماء الكوثر
فأتوني به وبيد كل واحد منهم كأس تناولت أحدها
وشربت قليلا لكن أي شراب وأي طعم كان
ليس كماء الدنيا شربته على عطش شديد فأحسست بارتواء عظيم
وطعم ماتذوقت ماء في الدنيا بلذته
فسألت أحد الملائكة قائلا: من أين هذا الماء ؟
إنه ماء الكوثر ، نحن نعطيه لبعض عباد الله المؤمنين لنخفف عنهم
ألم الأحتضار وفراق الدنيا وأهلها ونبشرهم بنعيم الآخرة وشرابها.
وماذا تفعلون بالكفار والعاصين حين تتوفونهم؟
قال الملك : ذلك ليس واجبنا فنحن ملائكة الرحمة ، هل تريد العودة للدنيا ؟
كلا احملوني إلى حيث يشاء ربي. لم أكمل كلامي حتى أحسست برجفة
في بدني وروحي بدأت تخرج أكثر فأكثر حتى وصلت الحلقوم ..........

~: الحلقة التاسعة
قال سعيد: بعد أن وصلت روحي الحلقوم
فإذا بحديقة واسعة وأشجار ماشاء ربي تمثلت أمامي
فوجهت إليها نظري وفكري، فإذا بها من الجمال مالايوصف
ومن السعة ماليس لها حد. التفت إلى أحد الملائكة
وقلت له: ماهذا الذي أراه ؟
قال: انه مقامك في الجنة طبتظ“ وطاب مثواك، وانك تقدم على رب رحيم كريم
قلت لهم: لاأريد العيش في الدنيا مرة أخرى
لكن أريد العودة ساعة واحدة لأخبر أهلي بما أرى، هل يمكن ذلك؟
قال الصادق (ع) انه إذا بلغت النفس الحلقوم أُري مكانه من الجنة فيقول: ردوني الى الدنيا حتى أخبر أهلي بما أرى، فيقال: ليس إلى ذلك سبيل ))
قالت الملائكة: هيهات لك ذلك، ولو رجعت وأخبرتهم لاتهموك بالكذب والخداع
يقول سعيد: لم أعد اسمع كلام من اجتمعوا حولي من أهل الدنيا
لكن مازلت أرى صورهم وألاحظ شفاههم دون أن افهم مايقولون
اما مؤمن فيبدو انه فهم أن روحي قد وصلت الحلقوم
وقد اكتفى بالنظر لي دون الكلام. حتى اختفت صورهم جميعا عني
ولم ارظ“ أحدا منهم ، وأصبح بدني جثة هامدة ملقاة بينهم .....
حلقت روحي فوق بدني وانفتحت عيني البرزخية لأرى من حولي
أشباح بأشكال عجيبة مختلفة فيما بينها إلا صديقي مؤمن لايزال بوجهه
النوراني بينهم فتعجبت منه كيف لايخاف منهم بل رأيته ًُ
يهظ“دِأ بهم بعد أن اشتد الصراخ والعويل والنساء يضربن على وجوههن،
فقلت لاحول ولاقوة إلا بالله ليتني كنت استطيع الكلام
وأقول لهم عن حالي لكن هيهات ذلك، وعندما اشتد الصراخ
قال ملك الموت: ماهذا الصراخ والله ماظلمناه ولايسبقن أجله،
ولايستعجلن قدره ومالنا في قبضة من ذنب،
وان ترضوا بما صنع الله تؤجروا، وان تحزنوا وتسخطوا تؤثموا
.(( في الكافي ، عن ابي عبدالله (ع) قال: دخل رسول الله( ص) على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه فقال: ياملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال: ابشر يامحمد فاني بكل مؤمن رفيق، واعلم يامحمد أني اقبض روح ابن آدم فيجزع أهله ، فأقوم في ناحية من دارهم فأقول: ماهذا الجزع ؟ فوالله ماتعجلناه قبل اجله، وماكان لنا في قبض روحه من ذنب، فإن تحتسبوا وتصبروا تؤجروا، وان تجزعوا تُأثموا وتؤزروا


~: الحلقة العاشرة


عندما نادى ملك الموت ماهذا الصراخ والله ماظلمناه .
في الأثناء ازداد عددالناس وارتفع الصراخ من كل حدب وصوب
قال سعيد فبقيت كالحيران لاأدري ماذا أفعل وقد رأيت ملك الموت
وأعوانه قد تهيئوا لمفارقتي
فناديتهم بأعلى صوتي: ياعزرائيل، ياملائكة الرحمة، إلى أين تذهبون
وتتركوني وحيدا في هذا العالم الغريب فأنا لا أعلم إلى أين المقصد، وكيف سيكون المسير.
التفت ملك الموت نحوي وقال: ياعبد الله اتبع جنازتك حيث حملوها،
وستلاقي من يرشدك الطريق .
قلت له: ياملك الموت ماهي العقبات التي أمامي، فإني أخاف الوقوع في الهاوية وأرى الشياطين تحوم حولي .
قال ملك الموت : أمامك ضغطة القبر، إذ ستكون عليك شديدة وصعبة
ومؤلمة لتنقي بها روحك مما علق بها حين وجودها في قالبك المادي
ولابد من تطهيرها لتتمكن من عبور مراحل البرزخ، وتنسجم معه ،
لقد أصابني الخوف من كلامه، وقلت له وهل يمكن النجاة من ضغطة القبر ؟
كان هذا ممكنا لك في الدنيا، اما الان فلا لان روحك من اول الخلق
هي جوهر وجودك وهي من عالم المجردات،
اما بدنك الملقى على الأرض كان من عالم الماديات
وكلما تعلقت روحك بعالم الماديات ابتعدت عن عالم المجردات والملكوت
ولذلك يمنعها من الأنسجام معه عند الانتقال اليه
أما اولياء الله المخلصين جردوا أرواحهم من ابدانهم وحرروها
فاتصلوا بالملكوت قبل حلول أجلهم وتنعموا به قبل ان اقبض ارواحهم
طأطأت رأسي وأوكلت أمري إلى الله ثم قلت وماذا بعد ضغطة القبر؟.........


الى اللقاء في الحلقة القادمة مع رحلة البقاء



التعديل الأخير تم بواسطة ولاية علي ; 2015/05/22 الساعة 03:30 PM
رد مع اقتباس
قديم 2015/05/23, 03:32 PM   #4
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

~: (( الحلقة الحادية عشر))

لما سأل سعيد وماذا بعد ضغطة القبر
قال ملك الموت: سيأتيك ملكان ويسألانك عن ربك ودينك
ونبيك وإمامك وكتابك وقبلتك ، فإن أجبتهما تنجو ويفتح
لك باب من أبواب الجنة .
قلت له متعجبا: إن هذه الأسئلة بسيطة
قال ملك الموت: كلا ليس كما تتصور،فهنا في عالم
الملكوت تظهر الحقائق كما هي فإن حفظتها في الدنيا
ولم تكن قد صدقّت بها عن علم وفهم وتدقيق لم ينفعك
ذلك، إذ إن أصول العقائد لايكفي حفظها فقط،
ولايمكن التقليد بها، ومن كان يقلد فيها لم ينطق لسانه| عند سؤال الملكان ابدا. أراد ملك الموت الذهاب
لكن سعيد ترجاه بسؤال أخير، فقال لابأس قل ماعندك،
قال سعيد: كنا في الدنيا نخاف حتى من اسمك،
ونتصور انك تأتي وتقبض ارواحنا بقسوة وشدة وبصورة
موحشة، لكن الآن أرى خلاف ذلك
قال ملك الموت: إن ماتقوله صحيح بل اشد قسوة ووحشة
لكن هذا حين وصول أجل الكافر والعاصي
إذ آتيه بهيأة موحشة ومرعبة فيكون ذلك أول عذابه حين
موته، وانزع روحه بسيخ من نار فيصرخ ويستغيث ولامغيث له.
( في الكافي ) عن أبي عبد الله( ع ) أن أمير المؤمنين ( ع ) اشتكى عينه فعاده النبي ( ص ) فإذا هو يصيح، فقال له النبي : أجزعا أم وجعا ؟ فقال يارسول الله ما وجعت وجعا قط اشد منه، فقال: ياعلي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فينزع روحه به......). )) .
قال سعيد:أحسست بشئ من الخجل لكثرة السؤال
من أكون أنا حتى أكثر من الأسئلة وهو ملك موت كل
الدنيا، لذا شكرته ثم فارقني، فأحسست بغربة ووحشة
شديدة ، غرقت في تفكير عميق لم أفق منه إلا بعد أن
رأيت الجنازة قد حملوها بعيدا عني فأسرعت للحاق بها....
كانت السيارة تسير بسرعة بالغة بعد أن وضعت الجنازة
فوقها، واستقلت عددا من الناس داخلها وكان صديقي
مؤمن أحدهم وقد سررت كثيرا عند رؤيته وهو مشغول
بقراءة القرآن والدعاء حتى وصلنا المقصد، وهو فحص
الجثة وأخذتهم الحيرة وأنا أحوم حولهم فياليتهم يسمعون
كلامي لأقول لهم ان جمالا هو الذي دفع بي من أعلى
السقف الخامس، بعد الانتهاء من الفحص حملوا الجنازة
واتفقوا على موعد ومكان التغسيل والتكفين والتشييع.......


~: (( الحلقة الثانية عشر))


وبعد ان اتفقوا على موعد ومكان التغسيل والتكفين والتشييع
يقول سعيد: كنت أحس بعلاقة غريبة تشدني إلى جنازتي
كما انه لن تغيب عن مخيلتي أنوار المعصومين والجنة
التي تمثلت لي وقدح ماء الكوثر الذي تذوقته عند
الأحتضار حتى نسيت ضغطة القبر التي تنتظرني
لذا كنت أنادي بمن يحمل جنازتي أن عجلوا بي إلى مثواي وغايتي
في مختصر بصائر الدرجات عن أبي جعفر (ع) قال: قال علي ابن الحسين( ع)موت الفجأة تخفيف على المؤمن وأسف على الكافر، وان المؤمن ليعرف غاسله وحامله، فإذا كان له عند ربه خير ناشد حملته بتعجيله، وان كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به....)).
وبعد ان انتهت مراحل التغسيل والتكفين والناس شهود
على ذلك بين مدهوش ومبهور وبين من يستعجل الإنهاء
ليلحق في عمله، ويغرق مرة أخرى في دنياه ،
وكأن الموت كتب على غيره دونه ثم وضعوا الجنازة مرة
أخرى في التابوت وارادوا حملها للدفن
وإذا بأحدهم يقول لقد أجّل الدفن إلى غد لوجود مشكلة
في شراء أرض القبر ، ووضعت الجنازة في أرض مسجد
المنطقة لتبيت الى اليوم الثاني.
قال سعيد: أصابني قلق واضطراب شديدين وكيف
سأقضي هذه الليلة ومن سيكون مؤنسي، وبدءوا يأتون
جمعا وفرادى ليقرءوا الفاتحة، بعدها ازداد سواد الليل
وبدأ الحاضرون يغادرون المسجد وهذا مما زاد وحشتي
في عالمي الجديد، حتى خلا المسجد تماما، إلا من شخص
أجبروه على البقاء وهو لا يعرف آية من القرآن أو كلمة من
دعاء، فلم يكن غير مؤنس فقط بل ازددتُ وحشة وخيفة
منه. وأخذ يغط في نوم عميق وارتفع صوت شخيره،
وبدأت احوم في المسجد من مكان الى آخر حتى جلست
في زاوية منه وأحسست باطمئنان وسكون وهذا هو
المكان الذي كنت أخلو فيه لقراءة القرآن في عالمي
الدنيوي نظرت إلى جنازتي وإذا بوحوش مخيفة مرعبة
قد اقتربت منها وأحاطت بها وتهيأت لافتراسها
ياإلهي ماذا أفعل ليس لدي سلاح لأبعدهم
وكلما دنوت منهم توجهوا نحوي وألقوا عليّ نظرات مخيفة
أكاد أذوب من هولها، وكلما وضعوا أنيابهم على جنازتي
أحس بألم لايطاق وكأنهم يقطّعون روحي ويمزقونها
وليس بدني الملقى فلا أدري ماهذه العلاقة بيني وبين
بدني بعد انفصالي منه، ولم يكن هناك معين استعين به
ولا ناصر انتصر به وألوذ إليه فبدأت أصرخ وأستغيث
بصوت عالٍ وقلت في نفسي عجيب هذا الذي انتخبوه
ليبيت معي في المسجد ألا يسمع صراخي ألا ينهض
ياويلي ماذا أفعل.....


~: (( الحلقة الثالثة عشر))

وبعد الصراخ والاستغاثة ومامن مجيب يجيب
ساعة مضت من العذاب وكأنها سنين
هنالك أطلّت إشراقة صديقي مؤمن وهو يدخل المسجد
وبيده قرآنه الصغير، فتنفست الصعداء عند رؤيته
وتوجهت أنظار الوحوش نحوه، فتعجبت من عدم خوفه
منهم وجلوسه جنب التابوت وقد أحاطوا به
لكن مجرد ان فتح القرآن وبدأ يتلو ماتيسر منه
حتى لاذت الوحوش بالفرار من كل جانب حينها
أردت أن أشكر مؤمن لكن لم تكن لي طاقة الكلام معه
فألقيت بنفسي في مكاني، زال الألم عني بتلاوة القرآن
ورنين آياته، فقمت وجلست بجنب مؤمن وسلمت عليه
وكلمته مرة وناديته أخرى لكن لا جواب، حينها قلت لنفسي
يبدو إنك لاتريدين القبول بأنك خرجت من دار الدنيا،
وكل آدمي مازال فيها لايسمع كلامك، ولايرد جوابك
حينها تمنيت العودة للدنيا لا لشئ، إلا لأشكر صديقي مؤمن
وأمسح دموعه، وأقول له أني مازلت بخير على الرغم من
غموض المسير وجهل المصير. وبعد أن أشرقت شمس
الصباح، حتى حان موعد الرحيل فحملوا النعش مسرعين
بين بيوت المنطقة وهم ينادون
(( لاإله إلا الله محمد رسول الله على ولي الله))
وقد حلقت فوقهم أرى من ينادي ومن يبكي ومن يذكر الله
ويستغفر، ورأيت ابني الصغير يبكي ويصرخ بين أحضان
خالته، فاختلطت دموعه بدموعها، وبعد دخولهم المقبرة
وقد هيئوا الحفرة ووضعوا النعش بجنبها، كان خوفي
عميقا وفكري مشغولا بظلمة القبر ووحشته وغربته
ووحدته وماهي إلا ساعة وكل هذا الجمع العظيم سيغادر
المكان، ولايبقى غيري أنا وبدني داخل الحفرة الضيقة
وتحت هذا التراب الذي سيصب فوق رأسي ولا أدري
مايجري بعدها لا أدري ......
حملوا البدن المطوي بكفنه ترافقه أصوات الناس
بالصلاة على محمد وآله، ووضعوه فى محله ومأواه الأخير
حينها بدأ الملقن بالتلقين وكلما نطق كلمة أعدتها خلفه
وكلما قال ياعبد الله أجبت نعم إني أسمع ماتقول
."" في كتاب الزلفى (( عن أبي جعفر ( ع ) قال: قال رسول الله ( ص ) لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ، فإنها آنس للمؤمن حين يموت وفي قبره))"".
وبعد انتهاء الملقن من كلامه ونادى بالحاضرين الصلاة
على محمد مرة أخرى وبعد أكمالهم الصلاة حتى بدأوا
بإلقاء التراب على البدن المسكين ولم يتركوه حتى امتلأت الحفرة.........

~: (( الحلقة الرابعة عشر))


وبعد أن ملأ التراب الحفرة، وتساوت الأرض معه
بدأ المشيعون بمغادرة المكان الواحد تلو الآخر
وأنا أنظر إليهم وأسمع كلامهم، ذهب الجميع
ولم يبق غير صديقي مؤمن
إذ قال لهم إنني أبقى معه ساعة أخرى كي لايستوحش
سعيد في أول دخوله القبر، ولأعيد عليه تلقين الشهادتين
حتى لايكل لسانه بنطقها ولايتردد في جوابها عند سؤال الملكين إياه.
قال سعيد: بعد دخولي القبر أحسست بشئ ما يجرني نحو بدني
ولم استوحش من القبر بالرغم من إحساسي بألم الفراق
وضيق الآفاق، لعلمي بقرب مؤمن، وأٰنسي بقراءته للقرآن.
مضت ساعة على هذه الحالة حتى غادرني مؤمن وغادر
النور معه وبقيت وحيدا في منزلي، وازدادت ظلمة قبري،
وعظم خوفي ووحشتي، وإذا بالنداء يأتي من فوق القبر
وتحته وعن يمينه وشماله، فأطرق سمعي وشغل فكري
وهو يقول:(( أنا بيت الوحشة، أنا بيت الوحشة)).
''في كتاب نهج السعادة (( ورد في أحد كتب أمير المؤمنين ( ع ) .... ياعباد الله مابعد الموت لمن لم يٰغفر له اشد من الموت: القبر، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته. إن القبر يقول في كل يوم: أنا بيت الغربة أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود والهوام ...)).
أصابني هول شديد ووضعت يدي على رأسي
وصرخت بأعلى صوتي: من المنادي؟ ومن أين هذا الصوت الذي أرعبني؟
عاد الصوت مرة أخرى ولكن بشدة أكبر، وصدى أكثر
أنا بيت الوحشة والدهشة، ألم تكن تحسب يوما انك سوف
تأتي وتنزل عندي ، كنت مشغولا بالدنيا فنسيتني
وكنت تعمل وتجمع الأموال لبناء منزل فيها ولم تفكر في منزلك بعد موت
كنت منبهرا خائفا من كلامه، التفت يمينا ويسارا لعلي
اعرف مصدرا لذلك الصوت، ولكن دون جدوى
فصرخت مرة أخرى: قل لي بالله عليك من أنت؟ وأين أنت حتى أجيبك؟
قال: أنا القبر الذي دفن فيه بدنك .
قلت: عجبا وهل القبر الذي كله جماد يتكلم؟!
نعم، ( انطقنا الله الذي أنطق كل شئ ) ( وقالوا لجلودهم لم
شهدتم علينا، قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو
خلقكم أول مرة وإليه ترجعون )
لاتتعجب ان الذين بقوا في الدنيا يستخدمون الجمادات
ولايعلمون أنها سوف تشهد عليهم، بعضهم يصنعون
السياط ووسائل التعذيب ليؤذوا بها المؤمنين ونفسها
سوف تشهد عليهم وعلى ظلمهم . سكت قليلا
ثم قال: انك سوف ترى العجائب والأهوال عندي أولها ضغطتي عليك
قال سعيد: قلت في نفسي: بسم الله، هذا ماأخبرنا به
الرسول والأئمة الأطهار ( ع ) ، فكم قرأتُ في دنياي عن
ضغطة القبر وأنها شديدة تُخرج زين البدن منه، وتهشم
العظام وتكسر الأضلاع و.... آه آه والويل لي،
كيف سأتحملها أم من ينقذني وينجيني منها؟
وبدوامة الأفكار هذه كاد يغمى عليّ لولا أملي بالنجاة
وتذكري مقامي في الجنة الذي رأيته عند الأحتضار لذلك
عزمت على سؤاله
فقلت له: وهل هناك سبيل للنجاة من ضغطتك هذه؟
قال: الآن كلا ، كان السبيل لديك في الدنيا فلماذا أهملته،
~: ولم تعمل بما قرأته يوم ذاك. ........


~: (( الحلقة الخامسة عشر))


عندما قال القبر لسعيد لماذا أهملته في الدنيا ولم تعمل بما قرأته يوم ذاك.
قال سعيد: تذكرت أني عملت بما قرأته في دنياي،
فسألته متعجبا: لعلك نسيتها إذ إنني قد عملت بها
فهل ترغب بتذكيرك إياها، كانت الأولى كفران النعم وقد سعيت واجتهدت في شكر نعم الله مااستطعت
والثانية اجتناب النجاسات وقد اجتنبتها،
والثالثة الغيبة والنميمة وقد تركتها،
والرابعة سوء الخلق مع الأهل وقد كنت حسن الخلق مع
زوجتي وطفلي فماذا تقول في ذلك ؟
أجابني بصوته الخشن: صحيح ماتقول، ومن جعله الله
شاهدا عليك لايخطأ ولاينسى،
ولكن شكر النعم الذي قلت انك أديته، إنما كان الكثير منه
لقلقلة لسان فقط فعندما كنت تقول الحمد لله، لم تكن
تستحضرفي قلبك ذلك ولم يختلط معه الخشوع والذل
بمقابل المحمود عندما تحمده ، فعندما يقدم لك إنسان
مثلك خدمة صغيرة تشكره وفي قلبك إحساس بمنته
عليك وكأنك تستحي منه، فتنوي منحه هدية ما، أو تجازيه
بخدمة أخرى .قل لي هل كانت كل هذه الأحاسيس لديك
عندما كنت تقول: ( الحمد لله) ؟.
قال سعيد: تحيرت في إجابته، وماذا عساي أن أقول له
لذا التزمت الصمت ولم اجبه، فعاد مرة أخرى
ليقول: ولا يكفي ماذكرته، لأن شكر النعم لايكون كاملا إلا
بأداء حقها العملي، فمن رزقه الله المال عليه التصدق
ومساعدة الفقراء وأداء الحقوق الشرعية المترتبة عليها،
ومن رزقه العافية فعليه صرف قدرته وعافية جوارحه في
الله ومن اجل الله وفي خدمة الدين والناس، ومن رُزق
الجاه والمنصب فعليه العدل بين الناس وأداء حقوقهم
بما يتناسب مع منصبه ومنزلته.....
التزمت الصمت مرة أخرى، فليس عندي شئ أُدافع به عن نفسي،
وأصابني اليأس من النجاة منه،
ثم سألته قائلا: ماذا تقول في الأذكار التي كنت أداوم عليها
وهي مما يؤمنني منك ومن وحشتك وضغطتك، فأنني
كنت اقرأ سورة النساء في كل يوم جمعة،
(( عن أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب( ع) قال: من قرأ سورة النساء في كل جمعة، أو من من ضغطة القبر)). وأداوم على قراءة سورة الزخرف و
.....(( قال أبو جعفر( ع ) من أدمن قراءة حم، الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر حتى يقف بين يدي الله عز وجل .......)).
إن الملائكة يسجلون كل صغيرة وكبيرة منها رياءا ومنها إخلاصا وصدقا لله ومنها لقلقة لسان
وما اصدق قول الامام علي ( ع ) عندما يقول: يامن بدنياه اشتغل قد غره طول الأملالموت يأتي بغتةوالقبر صندوق العمل.
قال سعيد: انقطع الصوت فلم يعد له أثر يذكر،
وبدأت اسمع بدلا منه أصواتا غريبة مخيفة.......

يتبع


رد مع اقتباس
قديم 2015/05/23, 03:46 PM   #5
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)


~: (( الحلقة السادسة عشر))

بعد أن سمعت الأصوات الغريبة والمخيفة من القبر
كان يرافقها إحساس بضغوط عظيمة مؤلمة على بدني
الذي مازالت روحي مرتبطة به، وكأن القبر قد كُبس عليّ
من جميع جهاته بمكابس زيتية وفي ذلك الوقت سادت ظلمة شديدة،
فصرخت ومامن مجيب حتى انقطع نفسي
وبدأت اسمع أصوات تكسر عظامي
وزادت شدة آلامي بدرجة لاتوصف
ولو جمعت كل آلامي في الدنيا لما عادلت جزءا يسيرا ممايصيبني الآن....
انتهت ضغطة القبر وكأنها طالت سنينا وسنينا
فتركتني مكسر الأضلاع، مهشم العظام
لا أستطيع الحركة والنهوض، أصرخ صراخ الأطفال من
الألم، ومما زاد الأمر عسرا أن وحوشا سوداء مخيفة دخلت
القبرو استعدت للهجوم على بدني، وراحت تكشر بأنيابها
المرعبة، وتنظر إلي بنظراتها الحاقدة، وتحت أقدامها
ظهرت عقارب سوداء مخيفة، وفي جانب آخر انطوى ثعبان
ضخم الهيئة مخيف المنظر كان يُخرج لسانه الملتهب مرة
ويدخله أخرى، وكأنه يعطي تحذيرا باللدغ والأفتراس،
والذي يزيد المشهد وحشة أن جميعها كانت تصدر أصواتا
مخيفة للغاية، وتخرج من أفواهها شرارات ملتهبة تنذر
بافتراسٍ قريب الوقوع، حينها سالت دموعي أسفا وحزنا
على حالي وضعفي بين هذه الوحوش المفترسة والحيوانات المهولة
هنالك انقطع أملي من كل شئ غير الله
فانطلق لساني مرددا: ياغياث المستغيثين ياأنيس
المستوحشين، ياأمان الخائفين، (( يامفزعي عند كربتي
وياغوثي عند شدتي إليك فزعتُ وبك استغثت وبك لذت لا
ألوذ بسواك ولا اطلب الفرج إلا منك ))
ثم اعقبت استغاثتي هذه بالتوسل بأصحاب المنازل
العظمى عند الله (( يامحمد ياعلي ياعلي يامحمد اكفياني
فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران ......))
بدأت الوحوش تتقدم نحوي بهيئتها المخيفة
وراحت العقارب تقفز هنا وهناك وكأنها سعيدة بفريستها التي اقترب موعدها .
ياله من أمر عجيب! كانت بكل خطوة تقترب فيها تنكشف
ظلمة القبر اكثر فاكثر حتى انجلت، وإذا بكائنات لطيفة
منيرة ذات صور جميلة تدخل القبر، وتقف أمام هذه
الوحوش المتقدمة لتعلن الحرب معها، حينها عادت لي
أنفاسي وبقيت انتظر ماذا سيحدث ........
بدأ الصراع العنيف بين المجموعتين، وكم كان شديدا لدرجة
امتلأ القبر من غبرته واختفى الثعبان على أثره،
وبقيت الوحوش والعقارب بين الفر والكر حتى خرجت
هاربة، ولحقتها العقارب إلا واحدا قفز نحوي،
وعلق بقدمي فلسعها لسعة شديدة مؤلمة وغرز إبرته فيها ولم يخرجها منها،
فصرخت صراخا عظيما من ألمها، واستنجدت بالكائنات المنيرة
ولكن لاأحد يتجرأ على سحبها وإبعادها عني
فبقيت هكذا بين اللوعة والألم والصراخ والعويل
لا أعلم ماذا سيجرى لي بعد ذلك .........

(( الحلقة السابعة عشر )) ~:

بعد الصراخ والعويل اقترب مني أحدهم وكان أجملهم
صورة وأكثرهم نورا وأعذبهم كلاما
فراح يمسح على بدني بيده اللطيفة الشفاف
ويهوّن عليّ مالقيته من ألم ووحشة، حينها بدأ الألم
يغادرني ويزول شيئا فشيئا، وأحسست بقوة تمكنني من
النهوض والحركة حتى زالت جميع آلامي إلا ألم العقرب
الذي لم يزل عالقا في قدمي .
شكرته كثيرا مع رفقائه وشكوت له مالقيته
فقال: إن كل مارأيته وسوف تراه هو صور لمجسمات
أعمالك السيئة وعقائدك الباطلة المنحرفة
وهي ستكون مؤذية مهلكة لاتتهاون عن جلب الشر إليك
حتى تلقيك في قعر جهنم، ومارأيته من وحوش وعقارب
وثعبان إنما كان جزءا بسيطا منها،
لكن بمقابل هذه ستكون هناك جبهة أعمالك الحسنة
وعقائدك الحقة، وهاتان الجبهتان في صراع دائم في عوالم مابعد الموت،
سأل سعيد أحد الكائنات المنيرة: هل لك ان تخبرني عن
أعمالي السيئة التي تجسمت بهذا الشكل المرعب من
الوحوش والعقارب والثعبان؟
قال: إن كل مؤمن لايقضي حاجة أخيه المؤمن وهو قادر عليها
يسلط الله عليه في قبره ثعبانا يُعرف بالشجاع
ولأن لك بعض الأعمال الحسنة كان ثعبانك ضعيفا
أما العقرب الذي علق بقدمك ولم يزل يؤذيك
فهو دَين عليك لم تؤده إلى صاحبه.
قال سعيد متعجبا: ولكني أديت كل الذي كان عليّ من
أموال الناس، ولم يبق شئ في عنقي.
قال: قبل أحد عشر عاما اقترضت من صديق لك في
الجامعة ولم تؤده له حتى الآن.
قال سعيد: كنت أتلوى من الألم، وبين الحين والآخر يغرز
العقرب إبرته في قدمي،
فأصرخ صرخات عظيمة،
فقلت للكائن المنير: بالله عليك اخبرني كيف النجاة من هذا
العقرب الخبيث؟
قال له: إن العقرب سوف يبقى عالقا حتى يؤدي عنك
شخص ما دٓينك في عالم الدنيا، أو يبرئك صديقك منه.
أصابني غم عظيم، وغمرني الحزن على نفسي،
فليس هناك شخص يعلم بها وينقذني بأدائها عني
ولا أنا كتبتها في وصيتي ولا.....
وبينما أنا في تلك الدوامة من الفكر الذي اختلط به أنين الألم،
وإذا بصوت مرعب مهول يملأ القبر
فهو كصوت الرعد في السماء نظرت إلى صاحبي الذي
كنت أتحدث معه فإذا به مبهور من ذلك واتخذ جانبا من
القبر مع رفقائه ليراقبوا ما سيحدث اما أنا كنت أكثر
اضطرابا عندما دخلا كائنين الى القبر ذات ملامح عجيبة
غريبة وهيبة عظيمة مخوفة توحي إلى عِظم شخصيتهما،
فلم أرٓ مثلهما مخلوقا قط في عالم الدنيا،
في الكافي ؛ (( عن أبي عبدالله ( ع ) قال: يجئ الملكان منكر ونكير إلى المبيت حين يدفن، أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف، يخطان الأرض بأنيابهما، ويطآن في شعورهما، فيسألان الميت من ربك وما دينك......)).

بادرني أحدهما قائلا: من ربك؟
ماذا سوف يقول له سعيد من الخوف

الحلقة الثامنة عشر .


بعد ان بادره احدهما قائلا له من ربك ؟.
قال لهما سعيد: هل انتما منكر ونكير ؟
قال الآخر: نعم، و لابد لك من الإجابة عن أسئلتنا كي نعلم
صحة عقائدك، وأنها نابعة من الإيمان القلبي بها، لا عن
تقليد ولقلقة لسان، والآن أجب عن السؤال الأول دون تأخير، من ربك؟
كان سؤاله للمرة الثانية بغضب أكثر وصوت أعلى
حينها أسرعت بالإجابة فقلت: - ربي... ربي ... ياإلهي إن
لساني غير قادر على نطق ما أردت نطقه، بل نسيت
ماأردت قوله ونويت الإجابه به
فأصبحت أنظر إليهما تارة وإلى الكائنات المنيرة تارة أخرى
لعل أحدهم يسعفني، وبدلا من ذلك رأيت رجلا أسود اللون
كالقير، قبيح الشكل، موحش المنظر، قد برزت أنيابه فزادته
قباحة فوق قباحته، وبدت منه رائحة كريهة زادتني نفورا
منه. بدأ يقترب مني حتى استقر أمامي
وقال: أراك كلّ لسانك عن النطق وتعثرت في الإجابة، ولكن
لابأس عليك فأنا سوف أنقذك من مأزقك، قل إن ربي هو
أنتما الملكين، وكل شئ بيديكما، ألا ترى قوتهما وتسلطهما
عليك، فلو شاء أحدهما أن يحرقك الآن لفعل، وعلى فرض
أنني أكذب عليك كما تظن ففي جميع الأحوال إن أجبت بما
قلته لك، فسوف تنجو منهما لأن أي شخص تمجده وتمدحه
فسوف تغمره نشوة الكبرياء والسلطة، وسوف يعفو عنك،
بل قد يكرمك ويكافئك على تمجيده إياه.
قال سعيد كنت متحيرا في أمري بين كلام هذا القبيح
الأسود، وبين ماكنت أؤمن به من توحيد الله
فقلت في نفسي لماذا لا يظهر هذا الإيمان بهيئة جواب
للملكين، فهل أن توحيدي لله لم يكن خالصا في الدنيا؟
ام انه لم يُعجن في روحي التي لم تفنى حين موتي
ولن تفنى حتى الأزل إذا ضعف الإيمان والتوحيد تجسد
بهذه الهيئة من التعثرات في الجواب
وبينما أنا في تلك الدوامة من الفكر وإذا بأحد الملكين
يصرخ في وجهي: لماذا لم تجب حتى الآن عن سؤالنا ألم
تعلم من ربك ومن كنت تعبد ؟
قال سعيد: وقبل ان أبدأ كلامي المتعثر سمعت أحد
الكائنات النورانية ينادي: قل ربي الله الذي لا إله إلا هو
بعدها نادت جميع الكائنات النورانية بصوت واحد منتظم
: قل ربي الله قل ربي الله الذي لا إله إلا هو.
وبعد أن سمعت كلامهم قلّ اضطرابي واطمئن قلبي وانطلق لساني
فقلت: ربي الله ، ربي الله الذي لاإله إلا هو الملك القدوس
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر .
تنحى القبيح جانبا وكأنه فشل في مهمته السيئة
وبقي ينظر لي بنظرات حقد وشر منتظرا فرصة أخرى يتدخل بها
قال أحد الملكين: إن توحيدك لم يكن خالصا لله بصورة كاملة لقد كنت في بعض الأحيان تعلق الرزق أو النجاة من
مصيبة وقعتَ فيها بأشخاص مخلوقين مثلك
كما أن بعض أعمالك يخالطها الرياء وحب الشهرة والسمعة
، غافلا عن أن ذلك مخالف للتوحيد الخالص لله الذي بيده
أسباب الكون ومسبباته ، لذلك لم تتمكن من الإجابة إلا
بعد مساعدة الولاية ورفقائها من الصلاة والصوم والزكاة
والحج والعمرة والبر والإيمان والأحسان، ولولاها لفشلتَ
ولأحرقنا عليك القبر وجعلناه بابا إلى نار جهنم التي توعدكم الله بها.
قال منكر: بقيت أمامك أسئلة إن نجحتَ في الإجابة عنها نجوتَ، وإلا هلكتَ وبقيتَ في عذاب وبلاء إلى ماشاء الله .
والآن أخبرنا من هو الرسول الذي أرسله الله اليكم وبأي دين جاء فأطعتموه ؟
ياترى بماذا أجاب سعيد على هذا السؤال ؟



الحلقة التاسعة عشر


عندما سأل منكر سعيد من هو الرسول الذي أرسله الله اليكم
قال سعيد: كان لدي اليقين الكامل بنبوة محمد ( ص ) وبرسالته ،
إن نبينا هو محمد بن عبد الله ( ص ) آمنت به بالدليل دون
أن أراه ، واتبعت رسالته دون أن أكون معاصرا له واتبعت
خليفته من بعده علي ابن ابي طالب الذي كان حجة الله
على خلقه، ثم تلا في الإمامة أحد عشر كوكبا معصومون
من الزلل، أمرنا بطاعتهم، فكانوا هم سفينة للنجاة وسبيلا للهداية
يقول سعيد: كنت خلال حديثي مع الملكين
انظر لمن حولي فرأيت القبيح يشتعل غضبا ويمتلئ غيظا
لدرجة انه لم يحتمل البقاء، فترك موضعه واختفى
فلا أثر له ! أما منكر ونكير فبعد انتهاء كلامي سمعتهما
يتحدثان معا بصوت خافت لم أفهمه، بعدها توجه نكير
إلي بالكلام وقال: إنك سبقت سؤالنا حول الإمامة بحديثك
فلا نسألك عنها، ولكن قل لي بأي دين جاء نبيكم وأي
كتاب؟ وأي قبلة أوصاكم بالتوجه إليها؟
نبينا الكريم جاء بدين الأسلام وهو أكمل الأديان وخاتمها،
وكتابنا القرآن، وهو(( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن
حكيم خبير)).
وقبلتنا الكعبة فهي محور توجه المسلمين إلى
الله الذي أمرنا بها بقوله: (( وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم
شطره )).
كنت سعيدا جدا لتمكني من الإجابة .
قال منكر وقد بدت عليه ملامح التبسم الممزوج بالوقار والهيبة: إن أجوبتك كانت مصداقا للآية الكريمة
(( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )).
وهي إنما كانت حصيلة جهودك في البحث عن الحقيقة
وتحصيل العقائد الحقة خلال سني عمرك الأخيرة
كما إن تلقين صديقك مؤمن حين نزول بدنك في القبر
كان له الأثر في ذلك ، إضافة إلى مساعدة بعض الأعمال
والأذكار التي أديتها في الدنيا، هن قبيل صيام أيام شهر
شعبان، وإحياء ليلة الثالث والعشرين من رمضان وصلاة
مائة ركعة فيها .
((روى الشيخ الصدوق في ثواب صيام شهر شعبان أن من صام تسعة أيام منه عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه. وروي عن الإمام الباقر( ع ) ثواب كثير لمن أحيا ليلة الثالث والعشرين من رمضان وصلى فيها مائة ركعة ..... من جملة ذلك الثواب أن الله تعالى يدفع عنه هول منكر ونكير....)).
بعد ان انتهى منكر ونكير من أسألتهما
قال لهما سعيد: يبدو إن لديكما العلم والأطلاع بدرجة
الإيمان في قلبي وصدقه من كذبه وماهي العقائد القوية
والضعيفة لدي ، فما وجه تساؤلاتكما هذه؟
أجابه أحدهما: إن أسألتنا كانت لغرض إظهار مستوى
عقائدك إليك لتطّلع عليها،وان هذه الأسئلة والأجوبة تكون
سرورا للمؤمن إن أجاب عليها، وعذابا للكافر إن تعثر فيها
لم يترك الملك مجالا لسؤال
آخر فبادر قائلا: إن روحك سوف تترك بدنك الدنيوي المادي
بصورة كاملة ، وتستقر في قالب مثالي لطيف يشابه من
حيث الصورة والشكل قالبك الأول
( تفسير الصافي ، عن الصادق ( ع ) انه قال:...... فإذا قبضه الله عز وجل صير الله تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا).
قال الملك ذلك واختفى مع صاحبه فجأة ، التفت يمينا
ويسارا ابحث عنهما ولكن لا أثر لهما قط تركوني وحيدا لا
أدري ماذا سيحدث لي بعد ذلك .

الحلقة العشرون


اختفى الملكان عن سعيد وبقي حائرا لايعرف ماذا سيحدث
له بعد ذلك ، لكن بعد ان أخبره الملك إنه سوف يستقر
في قالب مثالي لطيف يشابه من حيث الصورة والشكل قالبه الأول
قال سعيد: فقد احسست بعد اختفائه بتفكك كل القيود
التي كانت تربطني ببدني المادي وكأن حبالا كانت تجرني
نحوه قد تقطعت ، وقيودا قد تمزقت، فأصبحت خفيفا
لطيفا، ولم أشعر بالتحاقي بالقالب المثالي إلا بعد
استقراري فيه لخفته ولطافته.
زالت همومي وآلامي بنجاتي من أسئلة منكر ونكير
إلا هم العقرب وألمه، فهو لايرتضي المفارقة ولايقبل
المساومة، لذا عاد أنيني وصراخي منه، وبينما أنا كذلك
لاحظت اتساعا في القبر وانفتاح باب منه نحو حديقة
واسعة كبيرة،حينها قال لي أحد الكائنات النورانية وهو
يجرني نحوه: لنخرج إلى الحديقة التي فتح القبر الباب أليها
تحركنا جميعا واتجهنا نحو الباب، فخرجنا منه وجلسنا وسط
خضرة واسعة، كانت سعته مد البصر، وجماله ملفت
للنظر، وقد وزّعت فيه الورود بشكل منسق ومنتظم، كما
ان ألوانها تتغير بين الحين والإخر لتعطي جمالا باهرا ورائحة
خلابة. كانت الكائنات الروحانية على شكل ست صور،
بينهن صورة أحسنهن وجها، وأبهاهن هيأة، وأطيبهن ريحاً
قد استقرت فوق رأسي، أما الأخريات فكانت واحدة عن
يميني، والثانية عن يساري، والثالثة بين يدي والرابعة خلفي
والخامسة عند رجلي،
فقالت أحسنهن صورة: من أنتم جزاكم الله خيرا؟
قالت التي على يميني: أنا الصلاة .
وقالت التي على يساري :أنا الزكاة،
وقالت التي بين يديّ: أنا الصيام،
وقالت التي خلفي أنا الحج والعمرة،
وقالت التي عند رجلي أنا البر والإحسان.
ثم قالت الصور جميعا ومن أنت ؟ فأنت أحسننا وجها،
وأطيبنا ريحا، وأبهانا هيأة ؟
قالت أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
(( عن الإمام الباقر ( ع ) قال: إذا مات العلد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجها وأبهاهن هيأة وأطيبهن ريحا و......))
قال سعيد كنت أشاهد وأسمع مايجري من حديث بين الكائنات النورانية
فسألتهن مستغربا: ألم تتعارفن قبل هذا الوقت ؟
قالت الولاية: كلا لم تترك أحداث القبر مجالا لذلك .
إنه كان اجتماع أنس مع هذه الكائنات النورانية،
لكنه انقضى سريعا لحلاوته إذ استأذنوا بمغادرة المكان
فأجبتهم مستغربا: أحقا ماتقولون ؟ وهل سأبقى وحيدا غريبا هنا؟
أجاب أحدهم: إن لكل منا طاقة محدودة في الدفاع عنك
ومرافقتك، وذلك يتبع مدى أدائك لنا في الدنيا وإخلاصك
لله حين الأداء، لذلك سوف يغادرك بعضنا ويبقى الآخ،
وبعد سويعات سوف يغادرك الجميع. وسيكون هذا منوالنا
خلال مسيرتك في عالم البرزخ، لكننا سنلتقي بين مدة
وأخرى، ولابد لك من أن تمر بمراحل وأشواط قد تكون
صعبة وموحشة في بعضها، وقد تكون ممزوجة بنعيم
أعمالك حتى تستقر لك درجة ومرتبة تكون عليها إلى يوم
الحشر والحساب الأكبر .
قال سعيد: وهل سيكون بإمكاني الرقي خلال مدة البرزخ ؟
قالت الكائنات النورانية إن ذلك مرتبط بأعمالك أيضا .
وكيف؟ قد يكون رقيك بسبب صدقة جارية لم تزل آثارها
ومنفعتها مستمرة على أهل الدنيا، فكل يوم يمضي عليك
ترقى درجة تتناسب معها، ومنها الولد الصالح الذي ترعرع
في أحضانك وقد بلغ رشده
(( في الكافي عن أبي عبد الله ( ع ) قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال ، صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هُدى سنَّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له)).
فخدم الأسلام وأهله ، أو قد يكون رقيك بسبب دعاء خير
يأتيك من أهل الدنيا ، أو من صلاة أو صيام أو عمل خير
يُهدى ثوابه إليك .ثم ساد صمت قليل لنرى
ماذا ستقول الكائنات النورانية لسعيد .

الى اللقاء في الحلقة القادمة مع رحلة البقاء


رد مع اقتباس
قديم 2015/05/24, 03:20 PM   #6
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

~: الحلقة الواحد والعشرون .


عندما ساد الصمت لحظات
قال أحد الكائنات الروحانية : والآن لابد من الفراق وسيبقى معك الصلاة والصيام إلى وقت آخر
ذهبوا وعيني تلاحقهم، ثم بعد سويعات غادرني الصلاة والصيام فبقيت وحيدا فريدا
ساد ظلام الليل لكني مازلت أرى فهناك أنوار ثابته وأخرى
تشع بين الحين والآخر، ومازالت رائحة الورود العطرة تخالط
النسيم النقي الذي كان يهب برفق وهدوء،
لكني لا أحس بلذة ذلك بسبب لدغة العقرب الذي لم يزل
عالقا في قدمي، وبين لحظة وأخرى تتطاير شرارات عينه
المخيفة نحوي، لذا تنحيت جانبا وجلست حزينا مستوحشا
على سرير دلني عليه نوره المشع وبريقه الجذاب.
قلت في نفسي اهذه هي الجنة التي كنت أحلم بنعيمها ؟!
لكني لا أرى فيها غير الغربة والوحشة، وفي هذه الأثناء
سمعت ُ نداءا من شجرة قريبة فتوجهت نحوها، وأطرقت لكلامها
فإذا بها تقول إن كل ماتراه هنا هو تجسم لأعمالك في الدنيا
قال تعالى ((يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وماعملت من سوء.....))
وانت بحاجة إلى نقاء أكثر كي ترقى إلى وضع افضل مما انت فيه .
أجبت الشجرة متسائلا : حتى انت وهذا السرير الذي جلست عليه هو تجسّم لأعمالي ؟.
قالت نعم .
قلت : بالله عليك أخبريني أي عمل تجسم بصورتك هذه ؟
أجابت الشجرة أما أنا فقد خلقت منذ وقت طويل على أثر
ذكر وتسبيح وتهليل كان بتدبر وخلوص لله، وكذلك هذه
الأشجار التي تراها والمتباينة في الشكل والجمال، وإنما
هذا التباين بينها يتبع التفاوت في دوجة أذكارك.
قال لها سعيد: لم تخبريني عن السرير الذي كنت جالسا عليه.
قالت : اما السرير فهو تجسم لإيوائك مسافر ذات يوم
أدخلته ساعة في بيتك فوقيته حر الظهيرة .
قال سعيد: أصابتني الحسرة والندم على أوقات عمري التي
انقضت، ولم أملأها بذكر الله، لكن الحسرة لا تنفع والندم
لايجدي وعليّ التيليم والقبول .
تمعنت جيدا في ثمر هذه الشجرة، فرأيته أشبه بالتفاح لكنه
بألوان متعددة، فنويت الطلب من بعضها ولكن قبل أن
أتفوه بكلمة واحدة رأيت الثمر يتساقط أمامي واحدة تلو
الأخرى وبعدد ألوانها، تجولت في أنحاء الحديقة فرأيت
الطيور المضيئة بألوانها الزاهية وتغاريدها المطربة تطير
بين الأشجار ورأيت الأنهار تشق الحديقة بشكل هندسي رائع
لتجري وتشكل شلالات جميلة امتزجت أصواتها فتكونت
نغمة موسيقية عذبة، لم تكن الأنهار من نوع واحد وانما
متعدد فكان الاول نهر ماء عذب، والآخر لبن ناصع البياض
مصفى، والآخر تسمى مادته خمرا طعمه لذيذ ورائحته
عطرة إنه لايشبه خمر الدنيا سوى اسمه .
بينما كنت أتجول في الحديق الخلابة وانظر يمينا ويسارا
وإذا بشخص غاية في الجمال والبياض يتقدم نحوي ويسلم علي ،
فأجبته وعليك السلام .
فهل تعلمون من هو هذا الشخص في الحلقة القادم سوف نعرف


~: الحلقة الثانية والعشرون .


عندما سلّم عليّ الشخص الذي كان في غاية الجمال والبياض
وقلت له وعليك السلام أحسست براحة كبيرة عند رؤيته،
فقلت له: هل يمكن أن تخبرني من أنت وماذا تفعل هنا؟.
قال: أنا خلاصة أعمالك الحسنة، قد كنت معك في الدنيا،
وسأكون معك على طول مسيرتك في عالم البرزخ .
قال له سعيد: لكنني لم ارك قبل هذا الوقت !
قال خلاصة الأعمال الحسنة: ان الإنسان لايرى في الدنيا
سوى ظاهر عمله، غافل عن باطنه وحقيقته الملكوتية التي
هي مرافقة له لحظة الأداء ولاتظهر له إلا بعد كشف الغطاء عنه .
قال سعيد: وماذا بعد البرزخ ؟
قال: بعد البرزخ سيكون لي دور يتناسب مع عظمة الحساب والأهوال يوم ذاك .
قال سعيد: إذن قد فزت ونجوت.
قال ذو الأعمال الحسنة كلا، إن أمامك الكثير من الأهوال
والمصائب وأنواع من العذاب سوف يصب عليك، وكله
آثار أعمالك السيئة، وكل عذاب يصيبك في البرزخ سوف
يطهّرك أكثر واكثر حتى تنقى.
قال سعيد: وماذا سيكون دورك في كل ذلك، وأين رفقتك
لي في تلك الأهوال والمصائب ؟
قال: إن لي حدا محدودا في مرافقتك والسعي لنجاتك
إذ أن لديك ملكات فاسدة ومعاصي ارتكبتها ولم تتب منها
ولابد لك من أن تذوق عذابها، وفي ذلك سوف أكون بعيدا حتى تطهر منها .
قال سعيد: وماذا عن العقرب الذي في قدمي، وكيف الخلاص منه ؟
قال: إن هذا متعلق بالشخص الذي يطلبك مالا ولم
تؤده إليه، وسوف لايزول عنك حتى تؤديه دينه أو يبرئك منه.
قال سعيد: وماذا بوسعك أن تساعدني في هذا الأمر ؟.
قال سوف أبذل أقصى جهدي لمساعدتك ونجاتك منه
إنشاء الله . والان لابد لي من مفارقتك .
قال سعيد تركني وحيدا وذهب ، انطفأت كل المصابيح
وذهب بريق كل الأشياء، وساد الظلام، فلم أعد أرظ“ شيئا، ولا
أسمع صوتا، وغمرتني وحشة شديدة، وتحيرت إلى أي جهة
أقصد وإلى اي طرف أخطو، لعل هذا مقدمة للعذاب.....
انجلى الليل وأقبل عليّ كائنان عملاقان أسودان كسواد
القير، لا يُرى منهما شيء غير شرارات تخرج من عينيهما
وحلقيهما، وشرارات أخرى تخرج من عصاتيهما الملتهبتين،
دنيا مني حتى وصلاني وأنا في حالة خوف شديد،
فمسكني إحدهما من رأسي والآخر من قدمي وحملا بي
سريعا كالبرق إلى واد كبير عميق يصعد منه دخان أسود
عظيم وله سور ضخم لم اتمكن من تمييز حد لنهايته لا من
أعلى ولا من يمين أو يسار، اقتربنا منه فانفتح لنا بابه الذي
لو اجتمعت آلاف مؤلفة من البشر لِفتحه ماتمكنوا منه.
دخلنا وإذا بأصوات صراخ وعويل لنساء ورجال، وشممت رائحة كريهة نتنة
فقلت للمأمورين معي: ماهذا المكان الذي جلبتماني إليه، لعلكما اشتبهتما في شخصي.
قال أحدهما: نحن ملائكة الغضب لانشتبه في شخص
قط، وفوقنا رقيب نأخذ منه الأمر، ورقيبنا عليه رقيب حتى
يصل الأمر إلى الجليل الأعلى، ألم تقرأ في القرآن
الكريم لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون .
أما الآخر فقال: وهذا وادي خصص لعذاب العاصين،
ولابد لك من قضاء أنواع العذاب فيه حتى تنقى من ذنوبك.
قال الملك كلامه وضربه على رأسه،

في الحلقة القادمة لنرى كيف كانت هذه الضربة وماالذنب الي اقترفه في دنياه.........

~: الحلقة الثالثة والعشرون .

قال سعيد: لما ضربني بعصاه على رأسي اشتعل نارا،
وصرخت صرخة عظيمة، وضربني الآخر على بطني
فالتهبت هي الأخرى. ذهبا عني وبقيت أتلوى وأحشائي
تحترق حتى بدأت اسمع صوت توغل النار فيها.
بأي حال سيئة كنت، وأي آلام تحملت، بل أي صراخ صرخت،
ناديت ومامن مجيب، واستغثت ومامن مغيث.
لقد كان احساسي بحرارة النار إحساس من حضر فيها ودخلها
لامن أخبروه عنها ويتخيلها، شتان بين الأثنين.
بقيت بهذه الحال ساعات شغلني ألمي فيها عمّا حولي،
فلما هدأت النار وعاد جلدي كما كان نظرت يمينا وشمالا
فرأيت واديا ليس له حدود قد انتشر فيه آلاف من ملائكة
الغضب بأشكال مختلفة مرعبة يحملون سياطا مختلفة،
منها الغليظ ومنها النحيف، وبعضها من نار وبعضها من
مواد أخرى أجهلها، وهناك مجاميع أخرى تحمل مقامع من
حديد مُحمر . قظ“دِم عليّ ملكان ظهرا فجأة فلا اعلم من أي
جانب أتيا. اقتربا مني وحملاني إلى غرفة مليئة بصفوف
الملائكة الذين اصطفوا بشكل مرتب ومنتظم،
وهم ينظرون إلى ملك عظيم الخلقة قد تصدرهم وتقدم
عليهم، ويبدو أنه زعيمهم. ألقياني أمامه وتحدثا معه
بحديث لم افهمه وخرجا فبقيت انظر اليه كالذليل بين يديه،
ارتجف خوفا منه. أومأ الى ملكين آخرين فأتيا سريعا
وحملاني إلى غرفة أخرى، إذ جاءنا فيها ملك يحمل لوحا علقه في عنقي
وقال: إن هذا اللوح يحوي أعمالك السيئة صغيرها وكبيرها
سوى ماُتبْتَ منه، ويوضح كل منها جزاء عمله من العذاب
حسب نوعه ودرجته ومدته، كما يحوي صفاتك وملكاتك
السيئة التي لم تزل باقية بسبب عدم اقتلاعها من جذورها في الدنيا،
أجابه سعيد: وهل يمكن لي معرفتها؟
نعم يمكن لك ذلك.
حملني إلى غرفة أخرى ودخلنا فيها فرأيت ملكا قد وضع
أمامه لوحا عظيما ، فلما رآني
قال للمأمور الذي معي: ما اسمه وما رمزه ؟ ذكر المأمور
اسمي الكامل ورقم طويل تتخلله أحرف وكلمات لم أفهمها،
بعدها خاطبني الملك قائلا: اجلس هنا. أشار إلى كرسي كان
في الغرفة فجلست عليه وقال: هل ترى هذا الكتاب ؟
قال تعالى في سورة الكهف ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملوا حاضرا ولايظلم ربك أحدا"
نعم أراه ولكنه ليس بكتابٍ كما أعرفه !
توقف الملك قليلا عن الكلام
ثم قال: إن لكل إنسان يدخل هذا الوادي مقداراً معلوماً من
العذاب وفترة تتناقص مع كل لحظة تمضي عليه، وهذه
المدة لاتزيد ولاتنقص إلا بإذن الله، كما أن ذلك مرتبط بما
تركته في دنياك من صدقة جارية أو أعمال سيئة لم يزل
أثرها في الدنيا قائما.
قال سعيد: بالله عليك قل لي كم سأبقى أسيرا عندكم في
هذا الوادي المرعب ؟
نظر الملك الى الكتاب وتمعن فيه ثم قال ...

الحلقة الرابعة والعشرون .

نظر الملك الى الكتاب وتمعن فيه
ثم قال: إننا مأمورون طبق هذا الكتاب بحبسك مدة إحدى
وخمسين سنة وثمانية أيام و..... لم يكمل الملك حديثه بعد
أن التفت نحوي لأنه رآني قد أُغشي علي، ولولا تماسك
الكرسي لسقطتُ منه، أفقت بسوطٍ من أحد الملائكة اللذين
أحاطوا بي،
حينها قلت له بصوت ضعيف متقطع ولهجة آيس
معترض: بأي ذنب كل هذه المدة ؟ إنني تبت إلى الله توبة
خالصة قبل خمس سنين ، وسعيت جاهدا في طاعة الله
ورعاية حقوق الناس و.... قاطعني الملك
وقال: صحيح ماتقول، ولولا توبتك هذه لكان لابد لك من
اللبث هنا آلاف السنين، بل وقد يمتد عذابك إلى يوم
الحشر الأكبر، ولكن بسبب توبتك الخالصة سُجلت لك هذه
المدة القصيرة جدا.
قال سعيد أتقول إحدى وخمسون سنة مدة قصيرة!
قال الملك: بالنسبة إلى غيرك نعم قصيرة جدا، ولولا علمي
بدرجة إيمانك وتقواك ما أجبتك على أسئلتك، ولا أظهرتُ
لك هذا الأحترام . وبسبب ذلك الإيمان ستكون درجة
عذابك قليلة لو قارنتها بغيرك .
قال سعيد: وبماذا سوف تعذبونني ؟
نظر مرة أخرى الى الكتاب
وقال: نحن مأمورون طبق هذا الكتاب بإدخالك في مئة
وسبعة وثلاثين نوعا من العذاب ،
وها أنا ذا أشاهد فيه صفات سيئة لم تزل فيك وإن كانت
بدرجة ضعيف، من قبيل التكبر والعجب وصفات مختلفة
أخرى . توقف قليلا ثم استمر في حديثه
فقال: كان عليك مراقبة نفسك في الدنيا ومحاسبتها قبل أن
تحاسب الآن، كما انك كنت تستهين بذنوبك الصغيرة ولم
تتب منها وكان يصيبك شئ من العجب في طاعتك، ولديك
أعمال حسن أديتها لله لكن خالطها الرياء دون أن تشعر به .
توقف مرة أخرى وتمعن في الكتاب
وقال: وأرى ظلمك لولدك خمسا وأربعين مرة ، وأكلك مال
حرام خمسا وستين مره و.....
قال سعيد قاطعته معترضا: عن أي مال حرام تقول ؟ إني
سعيت جاهدا على عدم أخذ دينار واحد، فمن أين أتيتَ
بذلك ؟ إنني أرى الخطأ في كتابكم هذا.
أجابني بهدوء رغم جرأتي على اتهامهم بالخطأ في كتابهم
فقال: انك كنت تعمل مهندسا، وتتقاضى راتبا شهريا مقابل
ثمان ساعات عمل يوميا ولديك خمس وستون حاله
انشغلتَ فيها بأمور شخصية أثناء وقت عملك وبدون
رخصة من صاحب العمل، وقد أثر ذلك على إنتاحية الشركة
وان كان بشكل غير ملحوظ . فلابد من قضاء هذه المدة
بأي حال كان، ولعل يصل اليك شئ من أهل الدنيا يخفف
عنك العذاب، وينقص من مدة مكوثك، أو لعل لديك من
الأعمال الحسنة ما تسمح لك بنيل شفاعة الشافعين.
سلمت أمري إلى الله طوعا أو كرها ،
وقلت لهم احملوني إلى حيث يشاء ربي ......

~: الحلقة الخامسة والعشرون .


قال سعيد: سلمت أمري إلى الله طوعا أو كرها ،
وقلت لهم احملوني إلى حيث يشاء ربي .
ثم قال: ليتني عرفت قدري في الدنيا قبل أن يعرفونه لي
الآن تحت أقدام فأهل جهنم .
أَظ“لقوا بي وأنا مكتف الأيدي والأرجل على أرض محمرة
مسودة ملتهبة، كلما لامسها جزء من بدني دفعت به
ليتكيء ، فأصبحت متقلبا ممدودا أتحول من مكان إلى آخر
تحت أقدام سكان جهنم الذين كانوا يقفزون من شدة
آلامهم ، والنار مشتعلة فيهم ، فكأنهم قطع من نار متحركة
مضطربة ، والملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم بسياط غليظة.
آه ثم آه، ألمي لايوصف، وعذابي (( رغم قلة درجته على
قول الملك)) لو قُسّم على أهل الدنيا جميعا ماتحملوه .
لقد كانت حرارة النار تدخل إلى أعماق قلبي فتحرقه قبل بدني

في سورة الهمزة (( نار الله الموقدة . التي تطلع على الأفئدة))
وأي نار! أظن أن حرارتها لو مسّت جبال الأرض لانصهرت،
ولو سقطت شرارة منها على بحار الأرض لتبخرت.
كنتُ أسمع في الدنيا وأقرأ عن نار الآخرة وأتصورها بما
يتناسب مع تخيلاتي المحدودة في ذلك الوقت،
أما الآن فأن روحي بعينها تذوق العذاب وهي حاضرة فيه
لاخارجة عنه ، وشتان بين الاثنين.
أصابني عطش شديد، لذا كنت حين تقلبي انظر هنا وهناك بحثا عن الماء فرأيت أحد ملائكة الغضب يحمل إناءً اسود
يتصاعد منه بخار، ويُسمع منه صوت فوران ما بداخله،
أدناه مني فانشوى وجهي لشدة غليانه، وكنت مترددا بين
قبوله ورده لكن يبدو أن لا خيار لي في ذلك،
فقد أراقه في فمي دون أن ينتظر، وليته لم يرقه ،
لقد كان حميما وأي حميم ، قطّع أمعائي لشدة غليانه ،

((.... وسُقوا ماءً حميما فقطع أمعائهم))
فازددت ألما وعطشا فوق ألمي وعطشي، وندمتُ حتى
على نيتي في طلب الماء وشربه .
قال الملك وقد ضربني بسوطه مستهزئا: كيف كان طعم الماء؟ لم أجبه
فقال: انّه (( بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا))
الكهف

(... وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وكانت مرتفقا)
وهناك نوع من الماء هل تريده؟
أجبته بصوت ضعيف وشفاه يابسة: نعم .
تناول إناءً آخر وأراقه في فمي فإذا به أسوء من الأول
لذا قذفته خارجا بعد أن ترك في حلقي مرارة لاتطاق
فقلت له: أتقول عن هذا انه ماء؟!
قال: انه ماء صديد، يخرج مع الذي يسيل من اثر جروح أهل جهنم.

سورة ابراهيم
[color="rgb(46, 139, 87)"](( من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولايكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وماهو بميت....))

أحسست بجوع شديد حتى إنني لم أعد أقوى على الحركة ،
بل حتى على التقلب يمينا وشمالا .
رفعت رأسي قليلا بحثا عن الطعام فرأيت شخصا يصرخ
صراخ المجنون بعد أن دخلت أفعى عظيمة في فمه
ثم خرجت من دبره، وبدأت تلدغ في وجهه وبدنه والنار
ملتهبة تحت قدميه . نحّيت بصري عنه لبشاعة منظره ،
وإذا بسوط أحد الملائكة يهزني ،
رفعت رأسي نحوه فقال: هل تريد طعاما
أجبته بصوت خافت متقطع : نعم.
لم يمكث طويلا حتى أتى بإناء ممتلئ قرّبه مني فنظرت لِما فيه وإذا به طعام على هيأة نبات ذي أشواك حادة
ورائحة نتنة كريهة . فتح السلاسل من يديّ وأشار لي
بتناوله . أخذت الإناء وتناولت مافيه ، وليتني لم أتناوله ولم
أطلبه لقد مزق حلقي فلا يدخل فيه ولايخرج منه
ولم أقذفه إلا بشق الأنفس وجهد جهيد ،
فقلت له عجبا من طعام !
نظر لي الملك وقال:

[color="rgb(46, 139, 87)"](( إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما))[/color]
قلت له : من أين أتيتظ“ بهذا الطعام؟.
تابعونا ماذا أجاب الملك .........


~: الحلقة السادسة والعشرون


بعد أن قال سعيد للملك من أين أتيت بهذا الطعام
قال: أنت صنعته لنفسك في دنياك ، فأتيتُ به من خزانة أعمالك.
قال سعيد: عجبا، وكيف اصنع لنفسي طعاما كهذا؟
قال الملك: أكلك مال الحرام تجسم لك بهذا الشكل من
الطعام، كنت لا تراعي في وقت عملك انك أجير لثمان
ساعات يوميا في شركة أبرمت عقدا معها فتأتي متأخرا
أحيانا ، أو تخرج منها مبكرا دون عذر شرعي يجوز لك ذلك.
؟مضت ساعة وإذا بي أسمع ضجيج أناس يصرخون،
زاد الضجيج شيئا فشيئا لاقترابهم مني فتمعنت فيهم
وإذا بهم مجاميع مجاميع من أناس ذات وجوه وأبدان
سوداء والنار محيطة بهم، ونار أخرى تخرج من افواههم
وآذانهم، وهم في حالة هول وذعر شديدين، يركضون
وكأنهم قد فرّوا من فزع عظيم . أصغيت إلى صراخهم
فسمعتهم يقولون: أين نهر الماء ... أين نهر الماء !
جمعت قواي وقمتُ من مقامي وتبعتهم أملا
في إيجاد نهر ماء كما يزعمون، ولم يمض وقت حتى اقتربنا
من ضفة نهر كبير، وما أن وصلوا إليه حتى ألقوا بأنفسهم
فيه إلا أنا إذ وصلتُ متأخرا فهممتُ باللحاق بهم
ولكني سمعت صراخهم قد تضاعف، وعويلهم قد عظُم
نظرت إليهم فرأيتهم يصرخون ويستغيثون وسط نهر يغلي
غليانا شديدا علمت فيما بعد أن مادته كانت النحاس
المذاب ذات الحرارة العظيمة .
سورة الواقعة
[color="rgb(46, 139, 87)"](( في سموم وحميم وظل من يحموم لابارد ولاكريم )).[/color]
حمدت الله أني لم أكن معهم، ويبدو أن لدي من الأعمال
ما منعتني من ذلك . هممت بالعودة وإذا بي أرى مجاميع
أخرى في حالة ركض شديد نحو جهة أخرى، وتلاحقهم ريح
ذات حرارة وسموم حتى وصلتهم وأحاطت بهم ودخلت
في مسام أبدانهم، فبدأوا يصرخون ويستغيثون،
وكلما رأوا غيمة سوداء هربوا إليها ليستظلوا بظلها،
فإذا هي الأخرى تبدو وكأنها دخان أسود غليظ يمطر عليهم
بكتل من نار ملتهبة لاتخطئ في هدفها ولا توحم مَن تحتها
. انتهت فترة عذاب الصباح وكأنها استغرقت سنين طويلة
لشدتها وقسوتها، فهدأت النار وانطفأت من تحت أقدامنا،
واختفى سواد دخانها من انظارنا، وشعاع لهيبها عن أعيننا،
ورُفعت سياط ملائكة الغضب عن أبداننا، وأعلنوا بدأ
الأستراحة حتى الليل، حيث وجبة العذاب التالية

.....(.آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تشير إلى أن في البرزخ ليل ونهار، وأن هناك وجبتين من العذاب يوميا وهذا يبدو واضحا في ظ¤ظ¦ من سورة غافر والتي تعرض حال آل فرعون(( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)).


~: الحلقة السابعة والعشرون .


بعد ان انتهى عذاب الصباح ، واعلان بدأ الأستراحة
حيث وجبة العذاب التالية . ذات يوم وبالتحديد بعد خمسة
أيام من دخولي في جهنم ، كنت أعيش حالة عصيبة من
المرارة والألم وسط حرارة النار المشتعلة حولي،
إذ كان عرقي يخرج من رأسي وبدني ويجري عليه ثم يتخذ
سبيله إلى الأرض التي تحتي ، فأراه يتبخر فورا لشدة
حرارتها وعظيم لهيبها، وبينما أنا في هذه الحالة إذ جاءتني
نسمة هواء باردة ، فغمرتني بعذوبتها وأطفأت النار من
حولي ، وجرى من تحتي ماء ! لا أصدق ما أرى ، نعم إنه ماء
يجري ، وها هي قدماي تبتل منه غرفت منه غرفة لأتيقن أن
ما أراه حقيقة لا خيال ، وقد كان كذلك . لقد تغير كل شئ وهدأت جميع النيران ، وغابت جميع مجسمات أعمالي
السيئة لأعيش حينها حالة من الراحة والسكون.
سمعت أصواتا ماكانت غريبة عني فأصغيت إليها جيدا
وإذا بها أصوات أهلي يتحدثون فيما بينهم ،
ثم ظهرت أمامي صورهم وقد اجتمعوا حول قبري . في الحدائق النضرة :

عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن ( ع ) قال: قلت له: المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال: نعم ، ولايزال مستأنسا به مازال عند قبره ، فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره ووحشتة
.نعم ها هي والتي تدعولي وتبكي ،
وها هو أخي يتلو القرآن، ما أجمل صوته وأعذب لحنه،
وهذه أختي تمسك مرتضى بيدها وتحاول قراءة شئ من
الكتاب الذي بيدها الأخرى، هممت بالتقدم نحو صورهم
وإذا بصوت يناديني: لا فائدة من ذلك، اكتف بالنظر اليهم
والأنس بوجودهم حول قبرك. فهمت المعنى وبقيت انظر
اليهم وأتمعن في صورهم وأحسست بأنس عظيم
باجتماعهم هذا. تمنيت أن لايغادروا قبري ولكن ليس كل
مايتمناه الانسان يناله فقد اقترب موعد الرحيل ثم تركوني
وذهبوا، وعاد كل شئ الى مكانه، وتوقدت النيران من جديد
وظهرت أعمالي السيئة بهيئتها الموحشة المظلمة مرة
أخرى وهي تحمل في داخلها حقد عظيم
مضت فترة أخرى في جهنم كنت خلالها متعجبا ومتألما
من العقرب العالق في قدمي كيف لايمل ولايهدأ
وكيف لايحترق بتلك النيران وحرارتها العالية
وذات يوم سمعته صرخ صرخة عظيمة، وأخرج شوكته
فنظر لي نظرة حقد وسخط ثم لاذ بالفرار بعيدا،
وحينها ما وجدت سببا لتصرف هذا، ولا علمت حدثا
يستوجب فراره هكذا ، فقلت في نفسي لعل الأيام
ستكشف لي ذلك . ذات يوم أخبرني أحد خزنة جهنم
أن غدا سيكون العذاب من نوع جديد ,
ياالله ماهذا العذاب ؟؟


~: الحلقة الثامنة والعشرون .


عندما أخرج العقرب شوكته ونظر لي نظرة حقد ولاذ بالفرار ،
أخبرني أحد خزنة جهنم أن غدا سيكون العذاب من نوع جديد
، وهو صعود جبل من نار ، وسيكون عذابه لي ذا درجة
قليلة نسبة مع من يتسلقه من أصحاب الذنوب والمعاصي،
وقال أيضا : سيكون العذاب على كل فرد يختلف عن الآخر
تبعا لدرجة معاصيه وملكاته الفاسدة . جاء الغد وإذا
بالملائكة يأتون بأشكالهم المخيفة ، ويجرونني ذليلا على
ارض جهنم الملتهبة نيرانها، فلا أدري من أي آلام اصرخ
واستغيث ، مِن حرارة النار تحت قدمي، أم من جروح بدني
الحارقة، ام من أثر سياط الملائكة الموجعة ،
أم من اثر الأشواك الحادة فهي كالسكاكين المبعثرة هنا
وهناك ، ام من لدغات العقارب والأفاعي والتي اخذ كل
منها سهمه مني، أم من الوحوش المرعبة التي ماتركتني
حتى غرزت أنيابها في بدني ، فقلت عجبا لأعمالي التي
تجسمت بهذه الصور فأصبحت قطّاع طرق لي ،
وعجبا لنفسي أن كنت غافلا عنها فلم أطهرها يوم كانت
لدي الفرصة لفعل ذلك . وعجبا أن كل مالاقيته الآن
هو في طريقنا إلى جبل النار ، فكيف إذا وصلنا إليه ،
أم كيف سيكون العذاب فيه وأنا بهذه الحالة من الضعف والعطش والجوع .....
قال سعيد: وصلنا المقصد فألقوا بي أرضا ، مكبَل الأيدي
والأرجل على أرض يجري فوقها ماء اسود كالقير،
يغلي كغلي القدور، والنار ملتهبة مشتعلة فيه وقد أحاطت
بي من كل جانب . ذهبوا عني وتركوني أتلوع وأتضرع ،
فنظرت أمامي وإذا بجبل عملاق لاترى قمته ولاتهدأ نيرانه
قد أُحيط بسور عظيم ، وأمام السور ملائكة شداد غلاظ
ذوي هياكل ضخمة ووجوه مرعبة قد وقفوا بهيأة محكمة
وصفوف منتظمة ، بقيت وانا بهذه الحالة انظر مبهورا
خائفا وإذا بأحد خزنة جهنم يضربني بسوطه
ثم يقول: إن صعود هذا الجبل الذي تراه أمامك يستغرق
عشر سنين حتى تصل قمته، وسوف تلاقي فيه مصائب
وبلايا وأنواعا من العذاب جديدة منهكة ومؤلمة حتى تصل
آخره ، ثم يلقى بك من تلك القمة في وادٍ مُظلم معتم لا
ترى فيه حتى قدميك ، قد مُلئ بأنواع من الوحوش
المفترسة الجائعة تأكل فيك ولاتشبع ، وهي على هذا
الحال مدة ثلاث سنين ، ثم توضع ممدودا مقيدا في
صندوق من حديد ساخن مدة خمسة سنين،
وسترافقك فيه أعداد من العقارب القارصة والأفاعي
السامة الملتهمة ، بعدها يفعل الله مايشاء.
سكت قليلا ثم أضاف وكأنه يهوّن عليّ ما سألاقيه
فقال: إن البعض منهم يستغرق صعوده الجبل آلاف
السنين ، ويلاقي فيه أنواع عذاب اشد واشد مما سوف
تراه وتلاقيه أنت في صعودك ، ويبدو لي انك انسان
مؤمن تقي ، لكن لم تزل فيك ملكات فاسدة بدرجة ضئيلة
، إذ انك ما استأصلتها من جذورها، تبعتها اعمال سيئة
فتجسمت جميعها بهذه الصور من العذاب التي سوف
تلاقيها في صعودك جبل النار هذا.......
احسست بحزن عميق وخوف لا يوصف لكنني احسست
بقدرة التوجه الى ربي ومناجاته ، فبكيت بكاءا شديدا،
وتضرعت إلى ربي متوسلا وانطلق لساني مرددا
(( ياغافر الذنب ياقابل التوب ياعظيم المن ياقديم الأحسان ، اين سترك الجميل ، اين عفوك الجليل ، اين فرجك القريب ، اين غياثك السريع، اين رحمتك الواسعة ......))
( لم يتمكن النطق به إلا لأنه كان يردده بتدبر وخشوع في عالم الدنيا ، فتجسم هنا بصورة قدرة على مناجاة الرب الصادقة).

بعد هذا الدعاء ماذا سوف يحدث لسعيد.؟؟....


~: الحلقة التاسعة والعشرون .


قال سعيد: بعد أن تردد لساني بالدعاء أقبل نحونا ملك
حسن الوجه ، جميل المنظر فاستبشرت من قدومه،
وكان كلما يقترب اكثر ينفتح صدري أكثر حتى وصل إلينا،
فسلّم ثم تحدث مع الخازن المرافق لي بحديث قصير
وذهب، وتبعه الآخر بعده! بقيت وحيدا مبهورا مما حدث
متحيرا في أمري وما سيؤول إليه مصيري .
أحسست بخفوت النار حولي وبرودة الماء الأسود تحتي حتى اختفى
فقلت في نفسي: أترى حان وقت الأستراحة!
كلا ليس هذا وقتها، إذن لعل زائرا محترما يريد القدوم!
لا أظن ذلك إذ لازال العذاب قائما على غيري.
أترى هو ضوء أمل بالنجاة ! نعم لعله مقدمة لذلك،
ولكن بأي سبب، فملائكة ربي لايخطئون في حساباتهم
ولاينقصون ولايزيدون في العذاب إلا بأمر من الجليل
الأعلى ، كما إنني لازلت مكبَل الأيدي والأرجل، ومازال جبل
النار يرعبني بضخامته ونيرانه ..... آه .... حقيقة عشتُ بين
الخوف والرجاء ، واليأس والأمل ، فتراني تارة اضحك
وأخرى ابكي ، وتارة تخنقني حسرة أعمالي التي أوصلتني
إلى المقام من الذلة والعذاب .
لم تمض مدة طويلة حتى أتاني خازن آخر ومعه مخلوق
غريب لم أرظ“ مثله من قبل . كان بدنه كالفرس ووجهه
كملائكة الغضب وله جناحين كبيرين . تقدم الخازن نحوي وفتح عني قيودي
وقال: لقد وصلتك هدية كبيرة من أهل الدنيا ، لذا أُمرتُ بنقلك إلى غرفة بعيدة عن جبل النار ، وسوف تستقر فيها
حتى يأتي أمر الله . لا أستطيع أن أصف حالتي ساعة
سمعت ذلك ، فأصبحت كالمجنون الذي يتخبط هنا وهناك
لا يعلم ماذا يفعل ، حتى هدأت والملك ينظر لي
فقلت له : اعذرني إنها الفرحة جعلتني افعل هكذا .
لم يجبني بشئ ، وأخذ بيدي وأشار لي بالصعود فوق ظهر
المخلوق الذي معه . انطلق بنا بسرعة فائقة واعتلى محلّقا
فوق ارض جهنم ، فرأيت في طريقنا مشاهد يشيب الرأس
لرؤيتها فكيف بمن يعيشها ! رأيت أعدادا لاتحصى من البحار
، ويبدو أنها بحار من المُهل والغسلين "

في سورة الحاقة: (( فليس له اليوم هاهنا حميم - ولاطعام إلامن غسلين- لايأكله إلا الخاطئون)). "
-- الغسلين هو مايسيل من أبدان أهل النار من قيح ونحوه
-- الغسلين التي قرأت عنها في عالم الدنيا ،

ورأيت دورا لاتحصى من الرصاص ، وأخرى من النحاس ،
وأخرى من الحديد وبينما كنت انظر لها مبهورا
قال الملك: في كل دار منها سبعون ألف تابوت من نار ،
وفي كل تابوت ألف حية، ومن كل حية يصدر ألف نوع من
العذاب ! ورأيت نساء معلقات بشعورهن ويصرخن صراخا
شديدا اختلط مع صوت غليان ادمغتهن ، وعليهن سلاسل
من حديد ساخن محمر ورأيت نساء على صور كلاب والنار
تدخل في أدبارهن وتخرج من أفواههن ،
ورأيت نساء معلقات بألسنتهن وصراخهن مثل صراخ الحمير
والنار تأكلهن ، والحَيات والعقارب تلسعهن وتنهشهن .
التفت الى الملك لعله يوضح لي شيئا مما أرى
فتدارك نظراتي إليه وقال: .....

~: الحلقة الثلاثون .


عندما التفتُ الى الملك لعله يوضح لي شيئا مما أرى
فتدارك نظراتي اليه وقال: اللواتي يكشفن شعورهن
وزينتهن لغير ازواجهن ، والصنفان الآخران اللواتي يؤذين
ويلومظ“نَّ أزواجهن من غير ضرورة . اشمأزت نفسي من
بشاعة هذه المناظر ، وأغلقت عيني وأطرقتُ قليلا وأردت
أن اشغل فكري بأمر آخر ، فحضر لدي أمر الهدية التي
وصلت من الدنيا وتساءلتُ في نفسي : ترى من الذي
ذكرني بعد ثلاثين عاما ، جزاه الله عني خيرا ترى هل هي
أمي أم أبي ؟ كلا لا أظن انهما في عالم الدنيا بعد هذه
المدة ، تُرى هل هي من زوجتي ؟ كلا إنها فارقت الدنيا
قبلي . لا أعلم ..... وبينما انا في هذه الدوامة من الحيرة والتفكير
وإذا بالملك يسألني : هل تعلم من أين أتت لك الهدية ؟
قال سعيد لاعلم لي ، بالله عليك أخبرني من أين هي ؟
قال الملك : إن ابنك مرتضى لم يزل في عالم الدنيا ،
وهو الآن شاب مؤمن متدين جمع مبلغا من المال خلال
سنة من الجهد والتعب والعناء لغرض شراء وسيلة نقل له
ولعائلته ، ولكن عندما علم بوجود سبعة عوائل فقيرة في
منطقته لاتملك قوت يومها ، عزم على تقسيم المبلغ بينها
وأهدى ثواب عمله هذا إليك ، فأمر الجليل الأعلى بعدم
إدخالك في جبل النار وكذلك نجاتك من عذاب عشر سنين
أخرى ، غمرتني فرحة شديدة فلم أتمالك نفسي ،
وكأن روحي تحاول فك القيود والتحليق في عالم الفرحة
والسرور ، حتى خشيت ُ الوقوع من على ظهر هذا المخلوق
الذي لم يزل يقطع المسافات الطويلة حتى أوصلنا
المقصد . لم أكد أضع قدمي أرضا حتى ان مدة العذاب
المكتوبة في الكتاب إحدى وخمسين سنة وثمانية أيام ،
قضيت منها ثلاثين عاما ، وعُفي عني عشرون ، إذن بقي
عام واحد وثمانية أيام . آه الويل لي ، صرخت صرخة
المجنون : أنا لا أريد العودة الى النار ، لا لاأريد ،
لاأطيق لحظة واحدة فيها . أراد أحد الملائكة أن يجرني
ويأخذني إلى الغرفة المقصودة ولكني أبيتُ ذلك وأجبته
قائلا : أنني أريد أن اناجي الجليل الأعلى ، أريد أن أتوسل
وأتضرع إلى ربي، أليس هو الرحمن الرحيم ؟
أليس هو أرحم الراحمين ؟ أليس هو حبيبي في الدنيا فكيف
يتخلى عني في الآخرة؟! ألقيت بنفسي ساجدا ودموعي
جارية وقلبي منكسرا وأملي منقطعا من كل شئ سوى الله
، وقرأت ملمات كثيراً ماترددت على لساني في الدنيا:
((ياالهي وسيدي وربي أتراك معذبي بنارك بعد توحيدك ،
وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك ، ولهج به لساني
من ذكرك واعتقده ضميري من حبك ، وبعد صدق اعترافي
ودعائي خاضعا لربوبيتك))
اجتمعت الملائكة حولي ، وأخذتهم الحيرة من أمري فهم
لايعلمون ماذا يجب عليهم فعله ، أراد أحدهم الدنو مني ،
لعله يتمكن من إقناعي بالذهاب ، لكني لم أبال بهم ،
وكنت غارقا في عالم آخر ، في عالم عشق الله وشوق لقائه
...... احسست بقدرة وجرأة اكبر على مناجاة ربي فدعوته
قائلا:(( الهي وسيدي وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك ولئن طالبتني بلؤمي لأطالبنك بكرمك ، ولئن ادخلتني النار لأخبرت أهل النار بحبي لك)) .
كان بعضهم يقول لايمكن لنا إجباره على مغادرة المكان، إنه انسان مؤمن وفي حالة مناجاة لله تعالى ،
إذن علينا الانتظار حتى يأتي أمر من الجليل الأعلى .

اذن ماهو هذا الأمر للرجل المؤمن ......


الى اللقاء في الحلقة القادمة مع رحلة البقاء
[/color]



التعديل الأخير تم بواسطة ولاية علي ; 2015/05/24 الساعة 03:25 PM
رد مع اقتباس
قديم 2015/05/25, 09:03 PM   #7
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

الحلقة الواحد والثلاثون

عندما قالت الملائكة علينا ان ننتظر أمر الجليل الأعلى ، في هذا الوقت قال سعيد
: ازددت شوقا إلى لقاء ربي ومرضاته ، واحسست بانقلاب عظيم في نفسي حتى بدأت اشعر أن حاجتي الى الله تغيرت وتجاوزت حدود الخلاص من عذاب سنة اخرى واصبحت اطلب النجاة من عذاب فراق ربي
( ان نقاء الانسان وتطهره من الذنوب يؤدي الى قرب المقام من الله تعالى ، وكلما كانت درجة النقاء اكبر كان القرب الى الله اعظم حتى يصل الى مرتبة العشق والشوق الى الله ، وقد حلّق الامام علي ( ع ) في فضاء تلك المرتبة وهو لم يزل في عالم الدنيا ، وذلك يبدو واضحا في هذا المقطع من دعاء كميل)
فدعوته مرددا: ((الهي هبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك ، وهبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر عن النظر الى كرامتك، ام كيف اسكن في النار ورجائي عفوك، فبعزتك يامولاي اقسم لأن تركتني ناطقا لأضجن اليك بين اهلها ضجيج الآملين ، ولأصرخن اليك صراخ المستصرخين ولإبكين عليك بكاء الفاقدين ، ولأنادينك ياولي المؤمنين.....))
ازدادت حيرة الملائكة حولي ، وتركوني بحالي ابكي واناجي ، وبينما انا بهذه الحال واذا بي اسمع صوت ملك اقبل علينا وهو ينادي
: اتركوه قد انتهى عذابه وعفي عنه ، قد جعل الاه نفسه شفيعا عليه. اقترب منا اكثر حتى وصل الينا وانا انظر اليه مبهورا
غير مصدق لما أرى ، لقد كان وجه ذلك الملك يشع بالنور الساطع والجمال الباهر ويبشر بالخير لمن يراه
ضمني بجناحيه وقال : ان الجليل الاعلى يبلغك السلام ويقول: عبدي اني ماتخليت عنك ، ولاطردتك من رحمتي ، لانك كنتٓ تقترب مني مرة وتبتعد اخرى ، وانا دائما اناديك وادعوك بالتقرب والزلفى لدي ، اما عذابك في جهنم فهو لروحك تزكية ونقاء كي تعيش حياة الابد طاهرا لايحبك عني شئ
بكيت بكاءا شديدا عندما سمعت كلام الملك وخطاب الجليل، وصعقت صعقة غشيتُ على أثرها ، فلم اعد أرى ولا أسمع ولا أشعر بشئ، وغرقت في إغماء عميق عميق.......

الحلقة الثانية والثلاثون


قال سعيد: بعد أن غرقت في إغماء عميق وعميق، كان لقائي مع أول حبيب لي وأنا في أحضانه ، هو عملي الصالح الذي عندما أفقتُ وفتحتُ عيني ، أطلّت علي إشراقته المنيرة وابتسامته اللطيفة .
قال بصوته العذب : كيف حالك ياسعيد ، مدة طويلة مضت وأنا أسعى لخلاصك من المأزق الذي وقعتٓ فيه ، ولنجاتك من بلايا أعمالك السيئة
لم أصدق ما أرى ، هل هو حقيقة أم أنني أعيش في عالم الوهم والخيال؟ بقيت حيرانا انظر إليه أُغلق عيني مرة وافتحها أخرى
فبادرني بكلامه مرة ثانية : سعيد أنا عملك الصالح ، أنا رفيقك وهاديك ، هل نسيت لقائي معك قبل ثلاثين عاما؟
بدأ يمسح دموعي الجارية فرحا للقائه، إنها دموع لقاء الحبيب لحبيبه ، لقاء المشتاق إلى من اشتقت إليه سنين وسنين
قلت له معاتبا: أين كنت طوال هذه المدة ، أنسيت وعدك لي في مرافقتي والدفاع عني عند الشدائد والبلايا؟ لقد قضيت اقسى وأمرّ العذاب ، وما كان لك حضور معي لتواسيني على مصائبي ، أو تخفف عني آلامي .
قال العمل الصالح : إنني لم أتخل عنك ابدا، وسعيت جاهدا طوال هذه المدة لنجاتك إذ كان لي علم بما تعانيه ، وأول عمل أنجزته لك هو إيصال خبر إلى ابنك مرتضى في المنام بأن والده يتعذب بسبب أن عليه دَين سابق إلى صديق له اسمه أحمد لم يؤده إليه . وعندما ذهب مرتضى الى الرجل أحمد وجده قد توفي ، فأعطى المبلغ الى ابنه الاكبر ، وطلب منه براءة الذمة في تأخير سداد المبلغ، وهذا العمل أدى إلى فرار العقرب العالق من قدمك أليس كذلك؟
: آه الآن فهمت سبب فرار العقرب ، جزاك الله عني خير الجزاء، لا أعاده الله لي. وإنني فرحت كثيرا عندما علمت بهدية مرتضى اليك ، ومنذ ذلك الوقت سعيت بكل وجودي لخلاصك الأخير من جهنم ، كما إنني هيأت لك دار استقرارك ومحل سكناك في الجنان التي سوف نرحل اليها بعد ثلاثة أيام ،
( في أمالي المفيد ((...... قال سمعت أبا عبد الله جعفر ابن محمد صلوات الله عليهما يقول: إن العمل الصالح ليذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له ، ثم قرأ: وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون))
قال سعيد : لاأعلم كيف اشكرك، جزاك الله عني خير الجزاء.
قال العمل الصالح: لاتنسى اني خلاصة أعمالك الصالحة ، وكلما استكثرت منها في الدنيا كانت قدرتي على الدفاع عنك أكبر، وجاهي عند الملأ الأعلى أعظم .
بينما كنا نتحدث وإذا بثلاثة وجوه منيرة أقبلت علينا ، واقتربت أكثر وأكثر فتمعنت فيها وإذا بها نفس الكائنات النورانية التي اجتمعت حولي في القبر ، أنها الولاية والصلاة والصوم ، جاءوا ليباركوا لي نجاتي وخلاصي من عالم البرزخ ، اجتمعوا حولي وتذكرت اجتماعهم أيام القبر الأولى ووعدهم لي باللقاء مرة أخرى . بقينا ثلاثة أيام في هذا المكان الذي كان بمثابة محطة استراحة مؤقتة ، وقد توافد خلالها وفود عديدة من الأنس والملائكة لتهنئني بمناسبة الخلاص من عذاب البرزخ .
انقضت الأيام الثلاثة فأخبرني عملي الصالح بأنه استلم الإذن بمغادرة المكان .

إلى أين سوف يذهب سعيد.....

الحلقة الثالثة والثلاثون


قال سعيد: بعد أن أخبرني عملي الصالح بأنه استلم الإذن بمغادرة المكان ، سألته إلى أين إنشاء الله
قال الملك : إلى وادي السلام
( في بحار الأنوار) روي عن أبي عبدالله(ع) أنه قال: ((مامن مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلا وحشر الله روحه إلى وادي السلام )) حيث هناك مقر المؤمنين، وجنات عدن التي وعد الله عباده المتقين.
قال سعيد : تهيأنا للسفر وسألت صاحبي عن كيفية الذهاب
فقال: هناك دابة سوف تأتينا لنستقر على ظهرها ونرحل. جاءت الدابة وبدأنا الرحيل أنا وعملي ، اذ لا رفيق لي غيره ، ولا أنيس لي سواه .......
سألته في الطريق عن مسائل عدة منها عن جبل النار فقال: إن جبل النار هو تجّسم لصفة التكبر عند الإنسان ، وهو الذي قال عنه الله تعالى في كتابه :
(( سَأُرهِقُه صٓعُودٓا )) ،
ويحوي على أنواع من العذاب هي تجسّمات لآثار ذلك التكبر كما أن درجة العذاب فيه تختلف من شخص إلى آخر تبعا لدرجة تكبره ومعاصيه حتى تصل إلى المتكبرين على الله تعالى ، وأما ماكان مقررا لك فهو أدنى درجاته .
قال سعيد : وماذا عن الوحوش المفترسة الجائعة في الوادي المظلم المعتم بعد جبل النار؟
قال العمل الصالح: إنها حالات الغضب التي كانت تعتريك، وتجعلك كالوحش المفترس لمن تغضب عليه ، إذ كنت تنحّي عقلك جانبا، ويغمرك ظلام الجهل المعتم الذي لايسمح لك بالنظر إلى من تغضب عليه إلا بمنظار صٓورة الغضب الضيقة .
أستمر بنا الحديث ونحن محلّقين على الدابة التي كانت تسير بسرعة لا توصف
كان يغمرني شوق كبير لرؤية جنان البرزخ التي كثيرا ماقرأت عنها في الدنيا، وشوقي للقاء أحبتي كان أكبر تذكرت والدي ووالدتي وأهلي وزوجتي ، لا أدري أين مستقرهم الآن ، وهل نجواكما نجوتُ ، أم لازالوا ......
بينما كنت غارقا في عالم الفكر والخيال ، وإذا برائحة عطرة عذبة تغمر مشامي وتخرجني من عالم فكري .
نظرتُ لما حولي فرأيت خضرة واسعة ليس لها حدود . لم تمض دقائق حتى توقفنا عندها واستقرت أقدامنا فوقها .
استأذنت الدابة للذهاب ، وحلّقت بجناحيها الشفافين إلى حيث قال عملي وقد أشار إلى احدى الجهات
: لنترجّل قليلا إلى تلك الأشجار المثمرة حيث هناك نهر ماء عذب وثمار مختلفة .
ذهبنا وأكلنا من أنواع الفواكه التي لا عين في الدنيا رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر، كانت من الألوان بما لاتُعد ومن الطعم بما لايوصف ، ومن الرائحة بما لايرغب من يشمّها أن يبتعد عنها ويفارقها .
قال عملي: إن هذا الذي تراه هو مقدمة لجنان البرزخ وماينتظرك اكبر وأكبر .
قال سعيد: وماذا عن جنان الخلد بعد يوم القيامة ؟
قال عملي : أما نعيم جنان الخلد فلا أستطيع وصفه لك الآن لأنك لن تستطيع أن تتخيل أو تتصور ما أقوله لك، ولكن أعلم أن كل ماتراه من جنة ونعيم وثمار واشجار وحور وانهار ولذة في عالم البرزخ ، إنما هي صورة وانعكاس لحقيقة النعيم والجنان والحور والأنهار واللذات في عالم الأبد بعد الحشر والحساب .
في الاثناء اقبل علينا ملك في غاية الجمال فسلّم علينا
وقال: لقد أتيت لكما بالإذن لدخول وادي السلام ، تعالوا معي .
قال سعيد : سألته مستغربا: وأين هو وادي السلام ؟
قال الملك : انتم الآن على مشارفه ، تقدموا قليلا .
قال سعيد: تقدمنا خطوة بعد خطوة وقدما بعد قدم، فإذا بباب عظيمة شفافة وقد اصطفت الملائكة عن يمينها ويسارها وهم ينتظرون قدومنا. تقدمنا نحوهم ، واقتربنا منهم فسمعنا أولهم يقول: (( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)).

إلى أين يتقدموا بعد ذلك .

الحلقة الرابعة والثلاثون


بعد أن استقبلت الملائكة العمل الصالح وسعيد. .
قال سعيد : تقدمنا نحوهم ، واقتربنا منهم وسمعنا اولهم
يقول : (( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)).
تقدمنا أكثر فقال آخرهم : (( ادخلوها بسلام آمنين))
قال سعيد : دخلت انا وعملي بسم الله الرحمن الرحيم ..... ياإلهي ماذا أرى ! أهو حقيقة أم خيال ؟ ماهذه الخضرة الواسعة المطعّمة بأجمل الألوان ، يا لسعتها وجمالها ، وماهذه الأشجار والبساتين الرائعة ، وماهذه الأنهار الجارية والأنوار المضيئة ، ومن هؤلاء الجالسين مجاميع مجاميع ووجوههم تشع نورا وبهاءا ، يبدو أنهم من جنس البشر ، نعم إنهم سكان جنان البرزخ جالسين مجتمعين ،
(( في الكافي بإسناده إلى حبة العرني قال: خرجت مع أمير المؤمنين ( ع ) إلى الظهر، فوقف بوادي السلام كأنه مخاطبا لأقوام .... فقال : يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته ، ولو كشفت لك الغطاء لرأيتهم حلقا حلقا يتحادثون ، فقلت: أجساد أم أرواح ؟ فقال : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه الحقي بوادي السلام وإنها لبقعة من جنة عدن)).
قال سعيد: ليتني أصل اليهم فأسألهم عن أهلي وأحبتي . أردت التحرك نحوهم ولكني تذكرت أني جديد العهد هنا ، لذا سألت الملك المرافق لي
: ماذا نفعل الآن؟
قال: علينا أن ننتظر حتى يأتي أمر الله .
قال سعيد : سمعت اسم الله فأحسست بحب عظيم له وشوق للقائه ، ورغبة في رضوانه ،
وتذكرت الآية الكريمة: (( ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم)).
قال سعيد: سررت عندما رأيت الدابة بنورها المشع وابتسامتها البهية
وقالت : اركبوا بسم الله مجراها ومرساها.
قلت لها: بالله عليك اخبريني من أنت؟
قالت : أنا تجسم مساعداتك للناس وقضائك حوائج المؤمنين في الدنيا ، وقد خلقني الله لأقضي حوائجك وأكون وسيلة تنقلاتك في عالم البرزخ .
قال سعيد: وكيف استدعيك عند الحاجة إليكِ؟
قالت : إن من خلقني أودع لدي القدرة على الحضور أمامك بمجرد حصول نية استدعائك لي.
انطلقت بنا وحلقت فوق الجنان وأي جنان!
قلت لعملي: إلى أين المقصد هذه المرة ؟
قال : إلى مسكنك البرزخي ، إلى مثواك ومقرك الذي طالما كان في انتظارك ، إلى ما غرسته في الدنيا ونما لك في الآخرة ،
إلى (( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا)).
لحظات لا توصف ، ومشاعر لا تقاس بشئ وأنا في طريقي إلى ماوعدني به ربي .....
قال عملي : لدي مايسرك أكثر ،هل أخبرك به ؟
قال سعيد: نعم ، وهل هناك من لايرغب في سماع مايسره .
قال العمل: اعلم أن الإنسان الذي يدخل السرور في قلوب المؤمنين سوف يخلق الله له من يسره ، وهذا المخلوق سوف تلاقيه وقد اعد لك الكثير مما تقرّ به عينك.
: وهل تعلم ماذا أعد لي؟
قال العمل: إن المستقبل سوف يكشف لك ذلك.....

إذا ماذا أعد له المستقبل .؟

الحلقة الخامسة والثلاثون


بعد أن قال العمل الصالح لسعيد ان المستقبل سوف يكشف لك مايسرك .
وبعد أن وصل الى مسكنه البرزخي كان أول مستقبليه هي زوجته في عالم البرزخ وهي من الحور العين التي قال عنها الله سبحانه وتعالى
في سورة الرحمن (( حور مقصورات في الخيام ))
كان جمالها يفوق جمال أهل الدنيا، ويحير العقول ولا طاقة لهم على رؤيتها ولو أنها طلعت على عالم الدنيا لطغى نورها على نور الشمس المشرقة.
قال لها سعيد : إنني أرى جمالك يفوق جمال حور العين التي رأيتها في طريقي إلى هنا ، فهل ترين شخصي ما يناسب جمالك وكمالك الذي أراه؟
قالت حور العين : نعم إنني أرى فيك ذلك ، فجمالك عظيم يفوق جمال يوسف(ع) الذي كنا نسمع عنه .
قال سعيد : استمر الحديث بنا طويلا وأحسست خلاله بسعادة عظيمة ، وكانت الأطباق تأتينا بين الحين والآخر بأيدي الولدان المخلدين الذين كانوا يطوفون علينا فهم كاللؤلؤ المنثور.
في سورة الإنسان قال تعالى (( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا))
تجولنا في الحدائق حتى وصلنا الى نهر يجري فيه ماء زلال يشاهد من خلاله قعره الذي يبدو انه من الياقوت الأحمر ، ثم تقدمنا أكثر فرأينا نهرا آخر من لبن بياضه كبياض الثلج ، وهناك نهر آخر وهو من عسل مصفى .
قال تعالى في سورة محمد (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات....)) .
يقول سعيد : وبمجرد أن نوينا لحم طير مشوي سمعنا نداءا لأحد طيور الجنة من على غصن فيها
وهو يقول بصوت جميل: أنا طير خلقني الله في الجنة ، وليس في الجنة عين إلا شربت منها، ولافاكهة إلا أكلت منها ، فهل تشتهي
الأكل منه؟
قال سعيد مستغربا: نعم
وما أن قلت ذلك حتى ألقى بنفسه أمامنا وخفق بجناحيه ثم خرج من كل ريشة منه قطعة لحم ،
قلت لحور العين: تفضلي بسم الله، هذا من فضل الله.
ولما انتهينا من تناول اللحم فوجئنا بعودة الطائر إلى حالته الأولى،
قال سعيد للحورية : العجيب إن مانشاهده في عالم البرزخ ليس إلا انعكاسا لحقيقة عالم البرزخ ، والبرزخ قطرة من بحر عالم الخلود......
قال سعيد في الأثناء أقبل علينا شخص تظهر عليه ابتسامات لطيفة استأذن منا وبادرنا بالسلام
وقال: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. أجبناه معا وبصوت واحد
: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
سأله سعيد : من تكون .
قال : أنا السرور الذي ادخلته في قلوب المؤمنين....
قال سعيد : قاطعته مسرورا: نعم نعم أخبرني عملي الصالح أني سألاقيك ، وان لديك مفاجآت سارة قد أعددتها لي . فأين هي ،
أشار السرور الى زوجته حور العين
وقال: زوجة من الخيرات الحسان ألم تدخل السرور في قلبك ؟
قال سعيد: كيف لا، بل غمرتني فرحا وسرورا لاحدود لهما، ولكن أخبرني مادورك بذلك الأمر؟

ماذا رد عليه السرور ...

الحلقة السادسة والثلاثون


عندما قال سعيد ان حور العين غمرتني فرحة وسرورا..،
وقال للسرور أخبرني ما دورك من ذلك ،
قال السرور:كنت أنا الوسيط بينكما، وقد سعيت بهذا الأمر منذ نجاتك وخلاصك من تبعات ملكاتك وأعمالك السيئة .
توقف قليلا ثم ابتسم وقال : ولَدَي أمر آخر يسرك كثيرا .
قال سعيد: قل لي بالله عليك ماهذا الأمر الذي يسرني كثيرا؟
قال السرور سوف يزورك في قصرك بعد ثلاثة أيام شخص عزيز عليك ، قد كان لك في الدنيا سندا وهاديا ، وهو الآن في مقامات عالية اعظم من مقامك الذي انت فيه ، فهو يتمكن من زيارتك بينما أنت لاتستطيع ذلك إلا للأشخاص الذين هم أدنى منك .
غمرتني فرحة كبيرة بسماع هذا الخبر ياترى من سيكون هذا الزائر
طلبت من سرور أن يخبرني باسمه فأبى إلا أن يجعلها مفاجأة لي في يوم اللقاء.
سألت سرور : كيف تمكنت من تهيئة هذا الأمر كله ؟
قال : إن خدمتك لضيوفك في الدنيا وسعيك لتوفير كل الراحة لهم بما يسرهم ويزيل عنهم أتعاب السفر وعناء الطريق كانت خالصة لله ، وقد تجسّم عملك هذا بهيئة قوة مكنتني من هذا الأمر .
مضت ثلاثة أيام وجاء اليوم الموعود ،
كان كل من في القصر متهيأ لساعات اللقاء ومتشوقا لرؤية الضيوف الكرام ، ويبدو على سكان القصر نشاط دؤوب وحركة كبرى بعدما عرف كل منهم دوره وواجبه ، وترى الواحد منهم يبشر الآخر ويحثه على العمل،
فقلت في نفسي : عجبا! يبدو أن الجواري والخدم فرحون اكثر منا بقدوم الزائر ،
اقترب الموعد وبلغ التهيؤ لاستقبال الزائر ذروته وحان اللقاء ،
: نعم إنها علامات تدل على قدومه، فها هي جنتي تزداد نورا فوق نورها ، وها هي الطيور زادت تغاريدها، والورود من ألوانها وروائحها ، والأشجار من ثمارها .... أقبل الزائر والنور يسعى بين يديه ، والبسمة على شفتيه ، الملائكة تحفه يمينا وشمالا، عانقني وضمني إلى صدره
وقال: هل وجدت ما وعدك ربك حقا ياسعيد؟
أجبته ودموعي جارية لفرحة لقائه : نعم وجدت ماوعدني حقا وزيادة يا مؤمن .
أجل انه صديقه مؤمن الذي كان يبدي النصائح لسعيد في الدنيا الفانية ،
يقول سعيد : كلما رأيت آثار نصائحه في الآخرة ازداد شوقا اليه ورغبة في لقائه .
ضمه مؤمن مرة أخرى وقال له: يبدو انك مازلت تذكرني يا سعيد.
قلت له : كيف أنساك وقد تربيت على يديك ، وسهرت الليالي من اجلي وتتحمل العناء في تعليمي مفاهيم ديني وأحكام أسلامي ، انت الذي وضعت وردة الأسلام في يدي وسقيتها حتى نمت وترعرعت ودخلت في قلبي ، انت يامؤمن كنت نورا استضئ به في ظلمات الدنيا وشبهاتها واستعين به من الزلق والمتاهات ، كنت اقتبس منك نورا في عالم الفناء فكيف يزول عن قلبي شوق لقائك في عالم البقاء.

الى هنا انتهى عالم البرزخ سوف ندخل في أمواج يوم القيامة


قال سعيد : سمعت صوتا يقول أفق من نومك ياسعيد، أما علمت باقتراب قيام الساعة والقيامة الكبرى ؟ كيف تنام رغدا في جنان البرزخ ، وبين أحضان الحور، وقد تحقق أول شرط من أشراطها !
نداء هز كياني كله ولم أكن نائما ، بل غارقا في بحر من الفكر ، سابحا في أمواج ذكريات عالم مضى ، عالم الدنيا الذي انقضى وكأنه لم يكن إلا ساعة او اقل ، كنت اتذكر عالم البرزخ ومراحل العذاب والنعيم فيه ، وها هي آلاف من السنين مضت وتمضي والجميع بانتظار القيامة الكبرى! ....

الحلقة السابعة والثلاثون


عندما قال سعيد وها هي آلاف السنين مضت وتمضي والجميع بانتظار القيامة الكبرى ،
قال تعالى: (( وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)).
قال سعيد : على الرغم من أني أعيش في جنات ونعيم عالم البرزخ ، وبرغم القصور والبساتين ، والحور والخدم من الملائكة الذين سخرهم ربي لخدمتي ، وليس لهم شغل شاغل غير ذلك.
( عالم البرزخ هو الفترة التي تتوسط بين عالم الدنيا وعالم القيامة الكبرى ، وهو أرقى درجة من الدنيا وأدنى من القيامة . تعيش فيه أرواح الأموات بأبدان لطيفة شفافة ، ويكون فيه ثواب وعقاب جزئي من الأعمال والعقائد والملكات، حينها إما أن يعيش الأنسان فيه داخل جنة ونعيم أو في عذاب نار أليم ) .
مرت سنين وسنين ، وكلما تحقق شرط من أشراط قيام الساعة في عالم الدنيا ، تحدث ضجة كبرى في عالم البرزخ ، وترى الخوف والأضطراب يغمرهم ،
حتى أصحاب الدرجات العالية كانوا يعيشون حالة بين الخوف من الساعة والحساب ، وبين الرجاء والنجاة من أهوال ذلك اليوم العظيم.
مرت الأيام ، وتشابكت الأحداث ، وسالت دماء كثيرة على الأرض حتى غيّرت لون أنهارها، بل أصبح اللون الأحمر هو السائد فيها......
أحسست بيقين لايخالطه الشك بأن الساعة آتية عن قريب ولاريب فيها، خصوصا بعد ان كسفت الشمس في وسط رمضان، وخسف القمر في آخره ، وخرج يأجوج ومأجوج منتشرين في الأرض ، وهم من كل حدب ينسلون .
قال تعالى : (( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون- واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين))
وتوالت أحداث وآيات عجيبة فير مأهولة على أهل الأرض كان آخرها أن أشرقت الشمس من مغربها ، وخرجت دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآيات الله لايوقنون ،
قال تعالى: (( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لايوقنون)).
حينها تحقق مصداق الآية الكريمة .
(( يوم يأتي بعض آيات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)).
أما الأرض فقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الأنسان مالها ، هنالك نطقت بإذن ربها ،
وقالت : إنما هو أمر الجبار إذ أوحى لها بأن ُتخرج مافي بطونها من أثقال وأسرار ، واستمرت أحداث الأرض زلزال بعد زلزال ، حتى ابتلعت معظم سكانها، وغاصوا في أعماقها الملتهبة ، فلم تر لهم باقية . كل شئ يشير الى قرب حدوث تغير شامل وواسع في عالم الوجود ، وبات الناس حيارى سكارى ، يرتطم بعضهم ببعض ، وكل شخص يفكر في مصيره ويتخلى عما سواه حتى الأم اهلت عن ولدها والمرضعة عن رضيعها ، بل لشدة الخوف من العذاب المرتقب وضعت كل ذات حمل حملها ، تيقنت أنها مقدمات الساعة
فأصابني خوف كبير ورعشة شديدة ، وكلما التقيت جماعة من سكان البرزخ ، أرى صورهم قد تغيرت واصفرت من قيام الساعة ، وما رأيت أحدا مطمئن القلب ، فيسليني ويعوِن علي ماسألاقيه في المستقبل المجهول ، ثم .....
(( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله))
إنها نفخة إسرافيل الأولى لإماتة خلق الله، إلا أولئك العارفون بحائق الوجود وأسراره، وقلوبهم غريقة بالمعرفة والمحبة الإلهية.
لم يسلم حتى جبرائيل وميكائيل من صعقة الموت ، بل حتى اسرافيل وعزرائيل الذي كان آخر من بقي
فقال له الله: مت ياملك الموت ،
فمات !
لم تتوقف الأرض عن أمر ربها ، إذ ألقت ما فيها وتخلت ، واندكا اجزائها دكا،
قال تعالى (( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا))
وتشققت أنهارها وسجّرت بحارها فالتهبت، وتحركت الجبال ونسفت نسفا اما السماء فقد عمّ فيه دخان عظيم مما زاد على الظلمة ظلمة ، فلا شمس تشع ولا قمر ينير ولا شمس براقة ،

الحلقة الثامنة والثلاثون


من التغيرات التي حصلت وفي هذا الوسط من الظلمة المعتمة انطوت السماء كطي السجل للكتب ،
قال تعالى: (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)).
سكنت الحركات ، وخمدت الأصوات ، وخلت من سكانها الأرض والسموات، وساد صمت وهدوء مطلق في أرجاء الكون ، اذ بقيت السموات خالية من املاكها ، والأرض من إنسها وجنّها وطيرها وهواها ،
وبقي المُلك لله الواحد القهار، المتصرف في الملك والملكوت ،
وكأن ربي يسأل خلقه:(( لمن الملك اليوم)).
لاأحد يجيب بل لاأحد غير الله ينطق حتى يجيب
ويقول: ((... لله الواحد القهار)).
طال سُبات الخلائق وسكونها ، والله أعلم كم كانت مدته ،
حتى حان ذلك اليوم الذي سمعنا فيه صوت نفخة الصور الثانية وصيحته
إنه إسرافيل عاد بعد أن أحياه الله
لينادي في خلقه: أن قوموا ليوم الحشر والحساب
ولكن أي صيحة كانت ! بل أي نداء هذا الذي يحي الأموات من أولهم ألى آخرهم ، ويخرجهم من الأرض قياما ينظرون ! ومن الاجداث مسرعين ، يرتطم بعضهم ببعض ، أبصارهم خاشعة ، وقلوبهم خائفة مضطربة ، كأنهم جراد منتشر إلى ربهم ينسلون .
قال تعالى (( فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر)).
حقا انه منظر مرعب ومهول أن تخرج كل الأجيال من البشر منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة في وقت ومشهد واحد ! والكل يسوق بنفسه مسرعا مضطربا ، والبعض زاحفا ... إلى ساحة المحشر والحساب.
قال سعيد : أسرعت مع هذا الجمع العظيم من الخلق وبين الحين والآخر أتعثر ، فأقع ذليلا على وجهي ، وأحس بأقدام الخلق فوقي ، ولكن سرعان ماأنهض قائما بمساعدة مخلوق كان يرافقني منذ خروجي من قبري ، ولشدة الزحام والأضطراب لم أتعرف عليه ، بل ماتمكنت من رؤيته بصورة تسمح لي بمعرفته . كنت ارى الكثير ممن بعثوا تتأجج النار من أفواههم ، وهم يتعثرون ، وتحت الأقدام يسحقون، هم كالأقزام في صغرهم وقد لاترى لهم أثر عند مرور الجمع عليهم ،
(عن رسول الله ( ص ) قال: يبعث يوم القيامة ناسا في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم ، فيقال ماهؤلاء في صور الذر ؟ فيقال هؤلاء المتكبرون في الدنيا ).
والعجيب أن البعض منهم كلما أراد القيام أركسه مخلوق قبيح كان يرافقه ليلقيه على الأرض مرة أخرى !
فقلت : بسم الله، هذا أول مشهد من مشاهد الذلّة والعذاب.
وبين هذه الوجوه رأيت شخصا يشع نورا ، ولاتبدو عليه آثار التعب سوى الدهشة التي كانت تظهر على ملامح وجهه،
سألته : هل تعلم مالذي حدث ؟ والى اين يساق بنا ؟
تمعن في وجهي ثم أجاب : أرى في صورتك ملامح الأيمان والتقوى ، ولكني أيضا أرى نورك صعيف لايكاد يضئ الطريق اليك .
نظر الى الجمع العظيم ،
ثم عاد ليقول : إن الله بعثنا بعد أن أماتنا موتة البرزخ ، ونحن الآن في يوم البعث الذي وعدنا به لنساق به الى الحشر والحساب ، ثم تجزى كل نفس بما كسبت ، ولايظلم ربك أحدا .
قال سعيد : سبحان الله ماأقصر لبثنا في عالم الدنيا والبرزخ ، وكأننا لم نقض فيهما إلاساعة أو أقل .
قال تعالى : (( يوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وماكانوا مهتدين ))
نظرت لما حولي فرأيت أحسنهم حالا من وجد لقدمه موضعا ، ورأيت من الرجال والنساء مالايحصى عدده ، ولانهاية لحدوده وهم في صور مختلفة
: فبعضهم ذات صور قبيحة ومهولة موحشة، ابدانهم عراة لايغطيها ولايسترها شئ، وهم في حالة يكاد الخجل يذيبهم ، والذلة والحسرة تقتلهم ، ولاملاذ لهم فيستترون فيه ، او يحتجبون به عن انظار غيرهم .

لنتابع ماهي الصور الأخرى التي هم عليها ...........

الحلقة التاسعة والثلاثون


من الصور الأخرى التي كان عليها البشر في يوم الحشر ،
كان البعض منهم على صورة القردة، وآخرين على صورة الخنازير،
وبعضهم منكسون على وجوههم وقد علت ارجلهم رؤوسهم وهم يسحبون عليها،
وبعضهم عمي يترددون،
وبعضهم صم وبكم ،
وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاّت على صدورهم ، ويسيل القيح من أفواههم فيتقذرهم أهل المحشر،
وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ،
وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ،
وبعضهم أشد نتنا من الجيفة ،
بينما هناك آخرون ملبّسون جبابا سابغة من قطران نار لاصقة بجلودهم .
( سأل معاذ بن جبل رسول الله ( ص ) عن قوله تعالى: (( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا)) .، فقال ( ص ) يامعاذ سألت عن عظيم من الأمر ، ثم أرسل عينيه ثم قال : تُحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا ، قد ميزهم الله تعالى من المسلمين وبدل صورهم، فبعضهم على صورة القِرَدة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، و....)
وفي الوقت نفسه كنت أرى البعض الآخر على صور جميلة متفاوتة ، كل حسب درجته وكماله الذي اكتسبه في عالم الدنيا ، وهم يرتدون ألبسة متغايرة فيما بينها.
قلت : سبحان الله ! ماهذا التفاوت في خلقه؟
وتساءلتُ مستغربا عن أي أرض أو سماء يمكن لها ان تسع كل هذا الحشر العظيم ؟!
قال سعيد : التفت نحوي شخص يبدو أنه من أهل الإيمان ، وكتابه القرآن ،
فقال : أما قرأتَ في القرآن : (( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار)).
قال سعيد: بهرني نور وجهه المشع، ،
فسألته : أخبرني ، كم سيطول وقوفنا في عرصة المحشر؟
أجاب قائلا: إن للقيامة خمسون موقفا، وكل موقف يستغرق ألف سنة ، أما قرأت في القرآن : (( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)) وأهوال هذه المواقف وشدتها مرتبط بدرجتك التي حُشرتَ عليها ، فإن (( لكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون)).
صمت قليلا ثم قال: أراك وقد حُشرتَ على هيئة إنسان ، ولباس التقوى يسترك، ولكني ألاحظ نورك ضعيف ، قد لايهديك في ظلمات القيامة والصراط.
أصابني هول مما سمعته منه ، وحسرة على ماقصرت به في عالم الدنيا ، إذ لم أرفع درجتي بأعمالي وملَكاتي ، ولم اوصلها إلى مراتب الإنسان الكامل الذي يشع نوره بين العباد في يومٍ يجمع الله به الأولين والآخرين.
بكيت بكاءا شديدا ، فاختلطت دموعي مع العرق الذي راح يجري جريانا من بدني ،
إذ أصبحت الشمس محرقة بعد أن اقتربت شيئا فشيئا فوق رؤوس العباد ، وانشغل كل واحد بهمه وغمه ، وأصبح لا يبالي بغيره.
وإذ أنا في ذلك الوضع من الحزن والقلق وبّختُ نفسي
وقلت لها: يا نفسي أصبحتِ كما قال إمامي زين العابدين في دعائه :(( أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي ، إذ الخلائق في شأنٍ غير شأني ، لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأن يُغنيه ، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة ٌ مستبشرة ، ووجوه يومئذٍ عليها غَبَرة ترهقها قَتَرة....)).
قال سعيد : لفت نظري مخلوق كان حسن الوجه ، جميل المنظر . اقترب مني والأبتسامه على وجهه ، ثم نادى باسمي !

من يكون هذا المخلوق ......

الحلقة الأربعون


عندما قال سعيد : لقد لفت نظري شخص حسن الوجه .... .
قال لسعيد : ألا تعرفني ؟
قال سعيد : نظرت إليه ، وهو أول من ينادي باسمي في ساحة المحشر ، ولكني لم اتعرف عليه ،
لذا أجبته مستغربا: كلا، إن أهوال القيامة أنستني كل شئ، فمن تكون ؟
قال له: أنا الذي كنت من البعث إلى المحشر أُنجيك كلما صرتَ تحت أقدام العباد، أنا الذي كنتُ أنير لك الطريق كلما دخلت في الظلام ، أنا الذي كنتُ أزيل عنك اليأس ، وأبشرك بالجنة ، وادعوك الى ترك القنوط من رحمة الرحمن،
في الكافي ، قال ابو عبد الله( ع) في حديث طويل : إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدِم أمامه ، وكلما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لاتفزع ولاتحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل......)).
شكر سعيد الشخص الجميل المنظر وقال له لولاك لكنت في أسوء حال قل لي بالله عليك من أنت ، فإني أحب ان تكون دائما برفقتي .
قال ذو الوجه الحسن : سأكون كذلك إنشاء الله ، إلا في المواضع التي لايسمح لي بتجاوزها.
تمعنت فيه جيدا وقلت له مترددا : هل أنت عملي الصالح؟
قال: نعم .
قال سعيد : كادت روحي تحلّق من فرحة لقائه ، فعانقته طويلا ،
ثم نظرت إليه مستغربا تَغَير صورته عما عهدتها عليه في عالم البرزخ وسألته عن ذلك ،
أجاب : في البرزخ كانت تظهر بعض تجسمات حقائق أعمالك ، وكنت أنا خلاصة لها ، أما في عالم القيامة فتظهر جميع أعمالك ، ودقائق إحساساتك ، وملكاتك التي كانت معك في الدنيا ،
أمَا قرأت في القرآن : (( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )).
قال سعيد : اذا من كلامك إني سألاقي الكثير من تبعات أعمالي السيئة ومصائبها.
قال ذو الوجه الحسن: نعم ياسعيد ومما يزيد الطين بلّه أن القيامه ليست كالبرزخ ، اذ لم يبق مخلوق في الدنيا حتى يتصدق نيابة عنك ، أو يذكرك بذكر أو دعاء ، بل تلاشت الدنيا ومافيها ، وأنت الآن في نشأة أخرى لها نظامها الخاص بها، وقوانينها التي تميزها عن غيرها ، وهذه القوانين الجديدة مما لم ترها من قبل ، بل لم تكن قادرا على تخيلها إن سمعتَ عنها.....
مضت أربعون عاما وحالة أغلب من في المحشر سيئة للغاية
إذ زادت حرارة الشمس باقترابها ، ولشدة حرارتها أصبح العرق يجري من أبداننا
أما الأرض فتكلمت ، وأخبرت من في المحشر أنها أُمرت بعدم السماح لعرَق العباد أن ينفذ فيها ، مما زاد ضجيج أهل المحشر واستيائهم .
واشتدت حرارة الشمس أكثر وأكثر بركوبها فوق رؤوسنا، وهي ليست كشمس الدنيا ، بل أشد وأقسى ، ولايمكن التستر أو التهرب منها
وبلغ العرق لدى البعض منا حتى قدميه ، وازداد الصراخ والعويل ومامن مغيث.....
في الأثناء خطر على فكري أمر الشفاعة ، ولكن شفاعة في هذا الوقت ولجميع أهل المحشر تحتاج إلى شفيع يكون أهل لها، وذي درجة عالية من المنزلة والقرب من الله.

فمن هذا الشفيع ياترى..........


الى اللقاء في الخلقة القادمة...بأذن الله تعالى


رد مع اقتباس
قديم 2015/05/26, 03:48 PM   #8
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي

الحلقة الواحد والأربعون


عندما فكر سعيد بالشفاعة وتوجه الى أحد الأنوار المشعة وطرح عليه هذه الفكرة لنجاته من هذا الموقف،
لكن أحد ذوي الأنوار المشعة قال لسعيد: أنت تعلم أنني لستُ ذا درجة عالية في المقام حتى أتمكن من الشفاعة لنفسي ، فضلا عن غيري .
قال سعيد : وماذا نفعل ، وإلى أي وجهة نتوجه؟
قال النور المشع: علينا بالأولياء المخلصين .
قال سعيد مستغربا: ألستَ أنت منهم ؟!
قال النور المشع وهو يتحسر من أمر ما: إنني من الأولياء المخلصين لله ، وأعلى من مقامي الأولياء المخلصين الذين استخلصهم الله لنفسه بعد أن رأى صدق اخلاصهم له.
قال سعيد: انطلقنا ومعنا جمع غفير إلى أحد أولياء الله المخلصين. وكنت ألاحظ خلال مسيرنا ما تبقى من أهل المحشر ،
فرأيتُ ذوي الابدان العارية ، والصور القبيحة ، لايتجرءون على الذهاب معنا ، بل لشدة خجلهم وذهاب ماء وجههم نكسوا رؤوسهم ،
وبعضهم من ذوي الدرجات السفلى لايتمكنون من القيام ، فضلا عن المسير ، فتراهم قد غرقوا في عرق أهل المحشر ، وهم في كل مرة يخرجون رؤوسهم ثم يدخلونها ، وهذا هو حالهم ، وأول مراحل عذابهم .
اقتربنا من أحد أولياء الله المخلصين ، اذ دلنا عليه نوره المشع الذي طغى على أنوار الأولياء الذين كنا برفقتهم ، دنونا منه اكثر واكثر حتى بان بياض وجهه ، وتألق ضياء صورته وهيبة وقفته و.......
يإلهي ماذا أرى ! أحقيقة هو ام خيال ! توقفت عن التقدم نحوه . فالتفت لي ولي الله الذي أتيت معه
وقال: ماالذي حدث؟ أراك مندهشا مستغربا مضطربا !
قال سعيد : أجبته بدموع جارية: إنه مؤمن ، إنه صديقي مؤمن ، إنه....... آه بأي وجه سألاقيه ، وبأي مقام أتقابل معه ، لا، لا ، اراد الولي أن يهون علي موقفي ، فقال: إنك بحمد الله على صورة إنسان ، وعليك لباس التقوى يسترك، فماذا تقول في غيرك ممن تخلفوا عنا من أهل المعاصي والذنوب؟
قال سعيد : نظرت إلى بدني ولباسي ، وقلت الحمد لله على كل حال ، ولولا هداية ربي لكنت اسوأ من ذلك .
نظرت إلى مؤمن مرة أخرى ، ورأيت عرق أهل المحشر لم يغط سوى قدميه وجزء يسير من ساقيه .
ياإلهي إنه يتقدم نحوي ، لابد إنه قد علم بقدومي ، ماذا أفعل ، إنه يقصدني لا غيري ، نعم ها هو أمامي .... عانقني وضمني إلى صدره ،
وقال: لا ياسعيد، لماذا تهرب مني ألست انا الذي ادخلتك خيمة الأسلام في الدنيا بعد أن رأيتها اهلا لها؟ وماتخليت عنك حتى عند فراقك الدنيا ونزولك في منزلك البرزخي ، فكيف أتخلى عنك الآن ، ألم يقل الله تعالى في قرآنه الكريم: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) وأنا وأنت الحمد لله من المتقين ، رغم اختلاف مقاماتنا ، وإن شاء الله سأشفع لك في مواضع عدة ، لترفع من مقامك الذي انت عليه الآن .
كنتُ أنصت لكلامه والعبرة تحرقني ، والدمعة تغلبني وكلما نطق بكلمة يعظم بكائي ،
أمسك بي وأوقفني بجنبه ليتحدث مع أولياء الله بعد أن طرحوا عليه أمر المأزق الذي يمر به أهل المحشر
فقال : إن أمرا كهذا لا أتمكن منه ، وقد طرحته على أمثالي في المقام ،
واتفقنا على ان ننطلق إلى أهل مقامات الرضا، الذين هم أعلى درجة منّا، ونرى مايمكن لهم ان يفعلوه.
طلب الحاضرون مرافقته ، ولكنه تعذر وقال: إن المقامات التي سوف ننطلق إليها ليس من الهين وصولها إلا لأمثالي في الدرجة والمقام ، وسوف أبذل مافي وسعي إن شاء الله لتحقيق ماطلبتموه مني .
انصرف الحاضرون ، ثم التفت مؤمن إلي
وقال: ما من إنسان في عالم القيامة إلا وهو محتاج لشفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام، حتى الأولياء والأنبياء .
قال سعيد: وكيف ذلك ؟ وهل هناك نبي يدخل النار ، أو يتعرض إلى عذاب كي يحتاج الشفاعة .
قال مؤمن: الأنبياء على تفاوت في الدرجة ، أما قرأت في القرآن : (( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات)). فكل رسول منهم يحتاج شفاعة رسول أعلى منه كي يرفع درجته ، لا أن ينجيه من النار والعذاب .
قال سعيد : سألته مستغربا من كلامه: حتى أولياء أولي العزم ؟
: نعم حتى هؤلاء.

الحلقة الثانية والأربعون


الكثير من البشر في عالم يوم القيامة محتاج الى شفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام حتى الأولياء والأنبياء بل وحتى أنبياء أولي العزم ، نعم حتى هؤلاء ، فهم بحاجة إلى شفاعة الخاتم ( ص ) وأظن أن مشكلة أهل المحشر ليس لها إلا الرسول الأعظم الذي ختم مقامات القرب إلى الله بمقامه ، وبلغ موقعا لم يبلغه أحد قبله ولابعده ،
فهو الذي قال القرآن بشأنه : (( ثم دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى )).
طلب سعيد من مؤمن ان يرافقه في رحلته،
تبسم مؤمن وقال : لا يمكن السماح لك بمرافقتي إذ أن درجتك التي اكتسبتها في عالم الدنيا والبرزخ لاتمكنك من ذلك.
قال سعيد: عدنا الى مواضعنا على أمل ان تصلنا أخبار مسيرة مؤمن وامثاله ، وفعلا علمنا أن الأمر قد وصل إلى نبي الله آدم ، ثم قطع مراحل أخرى ومراتب عدة حتى ان الأنبياء من غير أولي العزم انطلقوا الى نبي الله نوح
وقال لهم : أن هذا الأمر عظيم وأنا لست له ، اذهبوا إلى نبي الله ابراهيم ،
نبي الله ابراهيم دلهم على نبي الله موسى الذي دلهم على نبي الله عيسى ، وعندما وصلوا اليه
قال لهم : إن الله خص مقام المحمودية للرسول الخاتم محمد ، وهو أهل لهذا الأمر .
جمعوا أمرهم ، وانطلقوا إلى الخاتم ( ص ) وقالوا له: يامن ختم الرسالات برسالته ، والمقامات بمقامه ، يامن هو أولنا إسلاما ، وأرفعنا درجة ، وأوجهنا عند النار ، يا من أقو للعبودية لله وآدم بين الروح والجسد ،
عن رسول الله (ص) قال: (كنت نبيا ، وآدم بين الروح والجسد ) يامن يشهد على الشهداء ونحن الشهداء ،
قال تعالى : (( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) .
يارسول الله أشفع لنا ولأهل المحشر عند الله ، فًإن الحرارة كادت تذيب أبدانهم ، والعرق يصل الى أعناقهم ، بل إلى أفواه البعض منهم.
أجابهم الرسول الخاتم اذ قال: أنا لها يا أنبياء الله وأولياءه.
وانطلق الخاتم ( ص ) وسجد لله سجدة أطال فيها ، ومارفع رأسه الشريف منها حتى قيل له
: يا محمد إسئل تُعطى واشفع تُشَفّع ،
فقال : يارب أُمّتي أُمّتي. هنالك ارتفعت الشمس عن رؤوس العباد ، ونفذ العرق في الأرض،
وعاد الرسول الخاتم ، وكل من في المحشر ينطق باسمه ، ويحمده على شفاعته ،
وذلك قوله تعالى: (( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا))
قال سعيد: بعد ان رفع البلاء العام وقد شمل عموم أهل المحشر بشفاعة خاتم الأنبياء( ص ) .
قال سعيد: بقي كل شخص منا يعيش عذاب نفسه ، وحسرة أعماله، والذي يزيد من العذاب عذابا، أن كل شخص منا كان معروفا بين أهل المحشر بملامحه أنه فلان الذي كان في الدنيا ، رغم تغير صور وأبدان البعض منهم الى صور قبيحة منبوذة ، كهيئة الخنازير والقردة وأمثالها ، والبعض تفوح منه رائحة كريهة نتنه تجعل أهل المحشر يفرون منهم ، وذلك يجعلهم في عزلة وذلة منبوذين لدى الخلائق أجمعين ،
ثم قال سعيد : كنت أجول في عرصة المحشر عسى أن أجد ما ينفس كربتي في أول موقف من مواقف القيامة فأرى بعض أصحاب الدرجة السفلى يتمسكون بأطرافي ، ويتوسلون بي لنجاتهم ، أو على الأقل بتأمين لباس يسترون به أبدانهم ، وذات مرة سألني أحدهم أن أهب له شيئا من نوري رغم ضعفه
اذ قال: أعطني نورك ، أو دلني من أين أتيت به ؟
تذكرت آية القرآن التي تشير إلى هذا الطلب من المنافقين يوم القيامة ،
والتي تقول: (( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا)). حينها أجبته بما أجابهم القرآن ،
إذ قلت له : ارجع ورائك فالتمس نوراً.
قال: أتسخر مني ، أين النور الذي تقول عنه ورائي ؟
قال له سعيد : أنا أقول ارجع إلى الدنيا والتمس النور من هناك ، وهيهات لك ذلك . لقد تركتم نور الله ورائكم ، فلماذا لم تستضيئوا به ، ولم تلتمسوا منه وقد قضيتم عمرا فيها ! أما المخاصمات يوم المحشر فحدث ولاحرج ، وكثيرا ما كنت أشاهد مخاصمات بين أفراد يبدو من كلامهم أنهم كانوا في الدنيا أصدقاء على السوء ، أو شركاء على الباطل ، أما الآن فقد أصبح الواحد منهم أشد الأعداء للآخر ويود لو يقطّعه قِطَعا قِطَعا. .....

الحلقة الثالثة والأربعون


رأى سعيد في المحشر مخاصمات بين الأفراد كانوا أصدقاء في الدنيا وفي الآخرة أعداء ، وذلك عندما شاهد سعيد مشاجرة شديدة بين أفراد المحشر وقال إنهم ليسوا غرباء عني ، ويبدو أني أعرفهم دنوت منهم وتمعنت فيهم .....
ياإلهي ماذا أرى ! إنه جمال !! نعم ، إن ما أشاهده حقيقة لاخيال ، هو جمال بعينه وشخصه ، إنه هو الذي كان سبب مفارقتي للدنيا بعد أن ألقى بي من سطح مبنى ذي خمس طوابق ، والشخص الذي كان يتشاجر معه صديقه في العمل ، ومعروف بسيرته الحسنة في الشركة توقفت في موضعي ، وأصغيت لهما .
قال جمال وهو في أبشع صورة، عاري البدن ، أسود الوجه ، نتن الرائحة ، يقطر الدم من جروحه التي ملأت جميع أنحاء جسده ، وهو يتلوى ألما منها،
قال لصاحبه: أنت الذي غررتني ودفعت بي إلى سرقة أموال الشركة دفعة بعد أخرى ، حتى انكشف أمري ،وقتلنا سعيد بسببها.
صرخ صاحبه في وجهه وهو يقول: لاتقل قتلنا سعيدا ، بل انت قتلته ، وأنت الذي كنت تأخذ جميع أموال سرقاتك ، ولاتعطيني إلا القليل منها ، و.....
قلتُ سبحان الله ! هنا تنكشف الأسرار، وتظهر الحقائق المكنونة في الصدور، فجمال كنتُ أعرف سرقاته وقتله لي ، أما الآخر فكنت أحسبه من المخلصين في عمله وتعامله، وقد ظهر الآن أنه شريك جمال في سرقاته .
تركتهما يتشاجران وانصرفتُ عنهما موكلا الأمر الى الله تعالى،
وقلت : ربي أريد العدل والقصاص منهما، فأنت الشاهد وانت الحاكم .
وكانت نار جهنم تزفر بلهيبها بين فترة وأخرى على أهل المحشر ، فيبلغ حرها الأجوف ، وتسيل لها الأعراق ، وتذوب لشدة حرارتها الجلود ، وكل يتألم حسب درجته ومقامه.
كان عسيرا المكوث لحظة واحدة في تلك العرصة ، ونحن في اول موقف من مواقف يوم القيامة الكبرى ،
فكيف بي ومدته تطول الف سنة ،
أم كيف بي في المواقف الأخرى التي تليه حتى الخمسين.
قال تعالى: (( .....في يوم كان مقداره خمسين الف سنة )).
جفت دموعي من شدة البكاء على نفسي فأصبحت أبكي دما ، ومارأيت أحدا قبل هذا الموقف يبكي ولكنني بكيت .... ! أسفا على لحظات الدنيا التي انقضت ولم استثمرها كما ينبغي .
كل من في المحشر مشغول بنفسه ، فلا أحد من الجن أو الانس. ، ولا من الملائكة ينظر إلي فيسالني عما بي او يترحم علي سوى عملي ........ قلت لعملي الصالح : بالله عليك قل لي شيئا يهون علي مانزل بي ، ويطمئن قلبي الملتهب حسرة وندما .
قال العمل الصالح : إنشاء الله ستنال الشفاعة في آخر المطاف ، وسأقودك حينها الى الجنة ، فإن لدي الأمل بذلك .
سألته مستغربا : ومتى يكون ماتقوله ؟
طأطأ رأسه وقال: إن ذلك لايكون إلا في آخر موقف من مواقف القيامة الكبرى ، إذ لاسبيل لها الآن .
قال سعيد: إنك لم تطفئ ناري المشتعلة في أحشائي ، إن قلبي يلتهب الآن ، وتقول أني أنال الشفاعة بعد خمسين الف سنة !
قال العمل الصالح : ياعزيزي ، إنك تعلم أني خلاصة أعمالك الصالحة ، وملكاتك الحسنة ، فلا تتوقع مني أكثر مما ادخرته لنفسك في عالم الدنيا ، ولو كنت أعطيتني من القوة أكثر مما لدي الآن ، لتمكنتُ من تخفيف بعض آلامك ، ولكن لاتقنط من رحمة الله ، ولاتيأس من فضله ....
لم يكمل كلامه حتى سمعنا نداءا هزّ أهل المحشر ، وسمعه أولهم كما سمعه آخرهم .

ماهو هذا النداء الهزاز ...........


الحلقة الرابعة والأربعون


بعد ان قال العمل الصالح لسعيد لاتقنط من رحمة الله ولا تيأس من فضله
لم يكمل كلامه حتى سمعوا نداءا هزّ أهل المحشر ، وسمعه أولهم كما سمعه آخرهم
: (( يامعشر الخلائق أنصتوا واستمعوا منادي الجبار )).
انكسرت الأصوات عند ذلك ، وخشعت الأبصار ، وفزعت القلوب، ورفع الجميع رؤوسهم منصتين (( مهطعين إلى الداع ))،
فكان النداء : يامعشر الخلائق إن الله تعالى يقول: (( أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لايجور ، اليوم احكم بينكم بعدلي وقسطي ، لايُظلم اليوم عندي أحد، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه، ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات، وأثيب على الهبات، ولايجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا أحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها لصاحبها ، وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب)).
قال سعيد : توجه عملي الصالح نحوي
وقال: إن الله تعالى جعل هذا الموقف موقف تصفية الحقوق بين أهل المحشر ، إذ هنا يأخذ المظلوم حقه من ظالمه ، والمسروق من سارقه ، والمغتاب ممن اغتابه و.....
قاطعتُ كلامه بقولي له: وهل أخذُ حقي منهم يخفف عني ما أعانيه ، وما أتألم منه ؟
قال العمل الصالح: بالتأكيد ، وجميع ذلك ينفعك في موقف الميزان والحساب .
بعدها اصطحبنا عدد من الملائكة ، يسمونهم ملائكة أخذ المظالم ، وقد كان معهم كتابا سجل فيه كل مظلمة وتبعة كانت لي ولم استوفي حقي منها في عالم الدنيا .
كان أول إنسان توجهوا إليه هو جمال!.... ولكن بأي حال سيء كان . رأيته عاري البدن مسود الوجه والجسم وقد اختلط سواده بالدماء السائلة من جروحه ، يحاول ستر نفسه ، ولكن بأي شئ يستره !
قلتُ: سبحان الله ! أهذا جمال الذي كان يتكبر ويتملق لمسؤولي الشركة، أهذا جمال الذي كان يرتدي الملابس الفاخرة ، ويركب السيارة الحديثة ، ويسكن المنزل المجهّز بأحدث الوسائل والإمكانات ! أهذا المهندس الذي كان يصرخ باطلا على العمال ، ولايحترم أحدا دونه ، بل كان ينقص من حقهم ، ولا يبالي بأجورهم.
التفت نحو عملي الصالح وقلت له مشيرا بيدي إلى جمال: اترجو من هذا شئ وهو بتلك الحالة؟ ! هل لديه حسنة واحدة حتى أرجو أن تُعطى لي ، لا أظن ذلك.
قال العمل الصالح : لاتعجل الأمور ياعزيزي ، وترقب ماسيحدث .
اقترب المأمور من جمال ، وقال مخاطبا إياه بلهجة غاضبة
: إن لسعيد هذا مظلومية عندك، فماذا لديك كي يستوفيها منك ؟
صاعقة كبرى نزلت على جمال حينما رآني لأول مرة في ساحة المحشر ، وصُدِم صدمة عظيمة جعلته ساكنا جامدا، لاترى في أعضائه حركة ولادبيب إلا دبيب العرق الجاري ، والدماء السائلة على بدنه المحترق .
قال سعيد: العجيب أني شاهدت عليه نفس ملكاته التي كانت حاكمة عليه في عالم الدنيا ، من الغضب والكذب ونكران الحق ،
فاشتعل وجهه غضبا ، وازداد سوادا وتفحما ، وصرخ بوجه الملك قائلا: إنني لم أعرف سعيد ، وليس لديه أي مظلومية عندي.
غضبت لكلامه ، وصرخت بوجهه: إنك قتلتني ، وعدمتني الحياة في الدنيا ، حرمتني من فرصة لاتقدّر بأثمان ، ولولا فعلتك هذه لشغلتُ مابقي من عمري في طاعة الله ، ولرفعت درجتي بأعمالي ، ولادخرت ليومي هذا ما وسعني .
قال الملك المأمور: إن حالك وصورتك ياجمال تدل وتشهد على ذنبك بحقه.
صرخ جمال مرة أخرى وقال: إنه يكذب إنه يكذب......
وبين ذلك الصراخ والعويل ، وأذا بصوت يخرج من نفس بدن جمال
صمت الجميع وإذا بيديه تنطقان وتقولان
كما قال تعالى: (( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون))
: ونحن نشهد عليه ، إنه قتل سعيدا ظلما، اذ استعملَنا لإلقائه من أعلى الطابق الخامس إلى الأرض، وكنا شاهدين على ذلك.
دُهش الجميع من شهادة اليدين
وبقي جمال مبهورا مدهوشا، لايعلم مايقول
وقبل ان يتفوه بكلمة واحدة نطق جلده ليشهد هو الآخر بقوله
: وأنا أشهد عليه ، إنه قتل سعيدا ظلما بغير حق .
أما جمال فعاد يصرخ على يديه وجلده: لِمَ شهدتما بهذه الشهادة ، ألا تخافان أن يصيبكما العذاب والنار ؟
نطق جلده مرة أخرى وقال: لقد كنتَ غافلا يا جمال عن اليوم الذي يتحقق فيه قول الله تعالى : (( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)).

مَن شهد عليه أيضاً .............

الحلقة الخامسة والأربعون


عندما انطق الله اليدين والجلد حيث اتم حديثه مع جمال
وقال: لقد عدت يا جمال إلى الله الذي خلقك أول مرة ، ولكن إلى اسمه المنتقم الجبار ، بينما عاد غيرك إلى الله باسمه الرحيم الغفار ، والعذاب يصيبك أنت لاغيرك ، وما انا سوى ناقل له إليك ، وسوف يتحقق وعيد الله لك، ويكون حالك معي
كما قال تعالى : (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب)).
ما أن أكمل الجلد كلامه حتى سمعنا نداءا من الأرض ، ويبدو أنها كانت منتظرة فرصتها في الشهادة ،
إذ قالت : أنا الأرض أشهد أن جمال ألقى بسعيد من مكان مرتفع ، وفارق حياته الدنيا على سطحي الممتلئ بقطع من الحديد المبعثر.
لم يبقَ لجمال كلمة واحدة يتفوه بها ليدافع عن نفسه أو يكذب بها شهوده ، لذا استسلم ونكس رأسه منتظرا ماسيُفعل به .
قال الملك المأمور لمرافقيه من الملائكة : لا أحد في كتابه حسنات يمكن إعطائها لغريمه ، لذا علينا نقل سيئات من سعيد إليه بمقدار جرم القتل الذي ارتكبه بحقه.
( في شرح أصول الكافي ، سأل رجل من قريش الإمام السجاد قائلا له : يابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة ، أي شئ يأخذ من الرجل الكافر وهو من أهل النار ؟ فقال له السجاد (ع) يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ماله على الكافر فيعذب الكافر بها......)).؟
قال سعيد : ما أن أنهى الملك كلامه حتى أحسست ُ بخفة الثقل على ظهري ، وزيادة في نوري ، وانخفاض الحرارة التي كانت تحرق أحشائي ،
وفي الوقت نفسه رأيت جمالا قد ازداد صراخه ، وشدة آلامه ، وسواد وجهه الذي خالطه دمه الجاري عليه ، فازددت وحشة منه ، ونفرة من رائحته النتنة.
توجه الملك نحوي ، وقال: ألديك حق آخر تأخذه منه ؟ التفت لعملي الصالح أسأله وقبل ان ينطق بكلمة واحدة سمعنا نداءا من الأرض
يقول: نعم ، أنا أشهد أنه كان المدبر لقتل زوجة سعيد بحادث سيارة متعَّمد ! قلت سبحان الله ! وهذا سر آخر ما كنت أعلمه
نظرت لعملي الصالح متسائلا عما يجب فعله ، فأشار إلى الملك الذي بادرني بقوله
: كل حق ، صغير أو كبير ، مدون في هذا الكتاب الذي لا يضل ولا ينسى ، سواءً كان حرمانك من تكميل حياتك مع زوجتك في الدنيا ، أو غيبته لك، أو تسقيطه لسمعتك بأكاذيب وافتراءات عليك ، او سرقاته لأموالك ، ومامن ذرة مظلمة لك عنده إلا وانتزعنا لك حقها منه .
قال سعيد : تحسن حالي بعد تصفية الحساب مع جمال ، بينما هو اصبح أسوأ حالا مما سبق .
كنتُ أشاهد دخّان ناره المحترقة فيه يخرج من جميع أنحاء بدنه، أما نار باطنه فهي سوداء تتأجج في أعماق قلبه ، وتخرج من فمه ومناخره ، وهو يقوم ويقعد ، ويعوي كعويل الكلاب والذئاب.
كنت مستحضرا في فكري كبرياء جمال وتملقاته ، وافتراءاته علي في دار الدنيا . استحضرت نصائحي له بترك الأعمال السيئة وسرقاته من الشركة ،
ولكنه ما كان يصغي لجملة واحدة منها .
ولم أفق من هذه الذكريات إلا بنداء عملي الصالح الذي قال: سعيد أرأيتَ ماحصل لجمال ؟
قال سعيد : نعم قد رأيتُ .
انطلقنا نبحث عن مظالم أخرى نأخذها، وخلال مسيرتنا لفت نظري شخص مسودا وجهه ، مزرقة عيناه، مائلا شدقه، سائلا لعابه ، دالعا لسانه من قفاه ، بيده قدح وهو أنتن من كل جيفة على وجه الأرض ، يلعنه كل من يمر به من الخلائق
فقلت لعملي الصالح : ماذا كان يفعل هذا في دنياه؟
تمعن به قليلا ثم قال: لايشرب عبد خمرا في دنياه إلا وحشره الله بهذه الهيئة التي تراها، وقد أقسم ربي جل جلاله انه لايشرب عبد خمرا إلا وسقاه يوم القيامة مثل ماشرب منه من الحميم.
( بحار الأنوار، (( عن الصادق ( ع ) عن النبي ( ص ) انه قال: اقسم ربي جل جلاله لايشرب عبد لي خمرا في الدنيا إلا سقيته يوم القيامة مثل ماشرب من الحميم معذبا بعد أو مغفورا له ، ثم قال: إن شارب الخمر يجئ يوم القيامه مسودا وجهه ، مزرقه عيناه ، مائلا شدقه ، سائلا لعابه ، دالعا لسانه من قفاه))
وصل بنا الملك المأمور إلى رجل كان بدنه عاريا متعفنا ، تخرج منه رائحة جيفة الأموات، وهو يقطّع لحم بدنه المتعفن ويأكل منه ، كان يتلوى ألما حينما يمضغ لحمه بأسنانه الصفراء !
أمر عجيب ! لماذا يأكل هذا الشخص بهذه الصورة ، تحيرت أكثر عندما أخبرني الملك أن لي مظلمة عنده ، فتمعنت فيه أكثر ولكني ماعرفته .
سألت الملك عن أي حق لي عند هذا الشخص .

لنتابع الحلقة التالية ماهو هذا الحق ...........

الحلقة السادسة والأربعون


عندما سأل سعيد الملك عن هذا الشخص السالف الذكر عن حالته التي عليها، وعن أي حق له عنده ،
قال الملك: إنه كان يجلس مجالس الغيبة والبهتان عليك، ويشارك فيها ولايدافع عنك ، ولايقوم من مجلسه عندما تُذكر فيه بسوء ، أو تُفترى عليك الأقاويل . انه أحد رفاق جمال الذين لم تتعرف عليهم في دنياك.
سأله الملك عن سبب مشاركته في مجالس الغيبة والبهتان ، فأنكر ذلك ،
وقال : متى كان ذلك ؟ إنني لم أنطق أو أسمع أي غيبة عن هذا الشخص ، لم أسمع أي شئ عنه .....
أراد أن يبكي بدموع التماسيح ، ولكن فضحه سمعه بشهادته عليه اذ نطق
وقال: نعم انه كان يستعملني كثيرا لسماع الغيبة ، بل لسماع افتراءات كاذبة على سعيد ، وكان لايرد على أهل تلك المجالس ، بل يتلذذ بسماعها، ويضحك معهم ، وأنا شاهد على ذلك ، أنه كان غافلا عن الآية الكريمة: (( حتى إذا ماجاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون))
نكس الرجل رأسه للأرض وبكى بكاءا شديدا، وتمسك بأطراف ثيابي متوسلا أن أهبه حقي الذي عنده ، فأليت ذلك . لم يتركني على حالي ، بل راح يتوسل ، ويقّبل يدي مرة وقدمي أخرى ، وفي كل ذلك كنتُ أعرض عنه ولا أقبل منه .
التفت إلى عملي الصالح ، فقلت له : إنني كلما راجعت نفسي ، ما وجدت في قلبي ذرة تحنن ورأفة عليه أو رقة على حاله ، أيكون ذلك بسبب انحطاط درجته وتدنّي مقامه ؟
قال العمل الصالح : صحيح ماتقوله ، وصورته وحاله يدلك على ذلك ، ولو كان من المتقين لألقى الله في قلبك حبا له ، ولوهبته مظلمتك التي عنده ، والله يعطيك مثلها من الأجر.
قال سعيد : أخذت حقي منه ، وانطلقنا نبحث عن مظالم أخرى، ولكن خلال مسيرتنا أقبل علينا شخص مسودّ الوجه ، يصرخ بصوت عال
: أين فلان أين فلان .
أصغيت جيدا لما يقول .
عجيب أمره أنه ينادي بأسمي ويطلبني! تُرى ماذا يريد مني ؟
استوحشت منه أكثر عندما رأيتُ معه ملك مأمور وجمع من ملائكة أخذ المظالم .
اقترب مني وأراد أن يمسكني من عنقي ، فمنعه الملائكة الذين برفقته ، وكلما حاول ذلك مُنع منه.
تمعنت في صورته وملامحه أكثر وأكثر حتى تذكرته ، لقد كان صاحب محل صغير بالقرب من محل سكني أيام دراستي في الجامعة ، ولكن ترى ماذا يريد مني الآن ؟! بادرني الملك المأمور معه بقوله: إن لهذا مبلغ لديك لم تؤده إليه في الدنيا ، وهو الآن يريد أخذ مايعادله منك.
قال سعيد : سألته مستغربا عن زمن ذلك وكيفيته ،
فأجاب المأمور: لقد كنت تتسوق منه يوميا مايلزمك للعشاء لك ولرفاقك
، وذات مرة اشتريتَ منه بيضه واحدة ، فأعطيته مبلغا بعملة ذات فئة كبيرة ، فاستحى أن يصرفها لك لأن المبلغ كان زهيدا، لذا قال لك أن لاتثريب في ذلك ، يمكنك إضافتها على الحساب القادم ، ولكنك استحقرتها ولم تؤدها إليه ، فبقي مبلغها في عنقك حتى انتقلتَ من الدنيا للبرزخ بالموت ، وانقطع بك السبيل ، وماكان أحد في الدنيا يعلم بالأمر كي يؤديه عنك .
خاطبتُ الرجل ملتمسا إياه : ألا تهبها لي ؟ إني بأمس الحاجة إلى حسنة واحدة ، وأنت تريد أن تأخذ مني حسنات .
لم يعبأ الرجل بكلامي ، وقال: ألا ترى بدني يتوهج من شدة حرارته ؟ إنني أريد أن أضع اصبعي في بدنك فلعله يبرد قليلا ... ولو للحظة واحدة .
قال سعيد : نظرت إلى أصبعه فرأيته متوقدا محمرا كالجمرة الحمراء ! لم يترك لي فرصة النطق بكلمة واحدة ، إذ مد يده نحوي وغرز إصبعه في عنقي ، ولشدة حرارته أحدث ثقب فيه ، وصهر ماحوله،
صرخت صرخة عظيمة من شدة الألم سمعها من في المحشر، وبقيت أتلوى ألما وحرقة ،
وبكيت بكاءً عظيماً
فلا أدري على أي شئ أبكي
أبكي لعظيم ألمي
أم لحرقة بدني
أم لندامتي على غفلتي
واستحقاري لهذه وغيرها من تبعات عالم الدنيا.
مضت مدة طويلة وأنا أتألم مما أحدثه هذا الرجل في بدني ، بل أُضيفت فوقه تبعات أخرى ومظالم عدة ماكانت في الحسبان ، بل ماكنت أتوقع يوما أن يأتي أصحابها وينتزعوا مايعادلها مني ، وذلك لتفاهة قيمتها كما كنتُ أتصور في دار الدنيا .
ذات مرة أتاني شخص ماكنت أعرفه ، وقال إن مظلمته عندي ، مظلمته هي انه كان يشتري خبزا ، وكنت أنا أيضا واقفا لشراء الخبز ،
عمال الشركة قدموني عليه باعتباري مهندس فيها ، فامتعض من فعلي هذا ، وجاء اليوم ليأخذ حقه مني ، وقد أخذه وذهب بحاله .
وذات مرة جاءني شخص يطالبني بحقه في الجلوس في الصف الأول من صلاة الجماعة ، عندما اردت صلاة الجماعة في دار الدنيا قدمني أحد المصلين وطلب من هذا الشخص القيام وأحل محله ، فقام دون رضاه ، وقبلت أنا ذلك لغفلتي أني قد أخذت حق أسبقيته في المكان .
وعندما اخذ حقه مني الآن نكست نكسة كبيرة وانكسار عظيم .

ماهي هذه النكسة والأنكسار.......

الحلقة السابعة والأربعون


النكسة والأنكسار التي أصابت سعيد ان نوره قد ضعف ، وثقل سيئاته قد كبر ، وكفة حسناته قد خفت ، وبياض وجهه قد خالطه السواد .......
قال سعيد : أصبحت أرتجف كلما أرى شخصا يُقبِل نحوي أو يناديني ، التفت الى عملي الصالح ،
وقلت له : انطلقنا لنبحث عن مظالم تنفعنا ولكني أرى حصول خلاف ما تأملناه .
قال لي عملي الصالح: المشكلة انك تبت إلى الله توبة صادقة في الدنيا، ولكنك غفلت عن أداء حقوق الناس التي بقيت في عنقك ، والتوبة لاتكون كاملة إلا بإرجاع كل حق إلى صاحبه وإن صغر ، وأنت تعلم أن كل إنسان في المحشر بأمسّ الحاجة إلى زيادة رصيده من الحسنات ، ولو كان بمقدار ذرة أو أقل منها ،
و( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولافي السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )(يونس ٦١) .
قال سعيد : وماذا أفعل الآن ، وماهو حلك لهذه المشكلة؟
قال العمل الصالح : كان الحل بيدك في الدنيا ، وهو ان تذهب الى كل واحد من هؤلاء وتطلب منه براءة ذمة أو توفيه حقه. على كل لا تحزن ، فانك لازلتَ ضمن حدود درجة المؤمنين، ولم تبتعد عنها كثيرا.
قال سعيد : طأطأت رأسي الى الأرض ،
وقلت له : إني أخاف فقدان حتى هذه الدرجة وما سيؤول اليه مصيري . وجرت دموعي مرة أخرى أسفا وحزنا على تقصيري وغفلتي في عالم الدنيا ،اذ كنت غافلا عن ان حق الناس لايسقط بالتوبة فقط ، وصحيح أني تركت المعاصي ورعاية حقوق الخلق ، والتزمت بكلامي بيني وبين الله بعد اعلان توبتي ، لكني نسيت تبعات الماضي ولم أسعى لتصفيتها مع خلقه.
بقيت على هذه الحال مدة طويلة ، أرى كل شخص مشغول بنفسه عن غيره ، بل يفر حتى من أهله وأخوته ، ويهرب من أمه وأبيه ، وزوجته وبنيه
قال تعالى في سورة عبس: ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) .
أما أنا فكنت أعيش بين الخوف من قلة الحسنات ، وبين الأمل بالنجاة.....بل حتى ذلك الأمل صار ضعيفا
فوجئت بلقاء زوجتي في المحشر!
نعم كانت تقصدني وتبحث عني ، ولم يكن حالها أفضل من حالي .
تمعنت فيها جيدا وتيقنت ُ من شخصها ..... أجل هي آمنة أم مرتضى بعينها ، والتي فارقت الدنيا أثر حادث السيارة ، كان مرتضى صغيرا لم يتجاوز الرابعة من عمره .
سلمت عليها ، وسألتها عن حالها ،
فأجابتني : ليت الموت أعدمني الحياة يا سعيد ، وليتني لم أُخلق في الدنيا لأعيش حسرتها الآن ، وليت ال.......
لم تتمكن من إكمال جملتها ، حتى جرت دموعها بغزارة، وارتفع صوت بكائها ،
وما أن هدأت حتى سألتها : ولكن مالذي تطلبيه مني ؟ ولماذا تبحثين عني في صحراء المحشر ؟
كانت مترددة في الجواب ، وقد طغى على وجهها الخجل والحياء ، ولكنها تغلبت عليه ،
وقالت : كنت أبحث عنك كي أأخذ حقي منك .
: وماهو حقك عندي ؟
قالت: إن الله جعل للزوجة حقوقا على زوجها ، وأنت لم تراعي الكثير منها ، فهل كنت غافلا عنها ؟ أم أنك انجرفت مع العُرف السائد في مجتمعنا يوم ذاك ، والذي يفرض على المرأة واجبات لم يفرضها الله عليها.
لم تعطني فرصة السؤال عن أي حقوق تتكلم، واسترسلت في كلامها،
وقالت : أتذكر ياسعيد يوما دعوت فيه أصدقائك للعشاء في بيتنا ، وتعذرت لأني كنت متعبة وجلبت الطعام من السوق وبعدها أعرضت عني ولم تكلمني ليومين وقد جرحتني كثيرا بكلامك لي بعده ، مع أن الأسلام اعتبر خدمات المرأة في بيت زوجها تطوعا وإيثارا منها لاوجوبا عليها.
كما إنك كنت تتعامل معي كخادمة في بيتك ، تأمرني بجلب الطعام والأوراق ، والأعظم من ذلك إنك كنت تغضب علي إذا تأخرت في جلبها ، هل هذا كان يتوافق مع الأسلام الذي كنت تعتنقه وتدافع عنه؟
قال سعيد : نكست رأسي ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي ، فبأي جواب أرد عليها ؟ وبأي كلمة أجيبها؟ وكل كلامها كان صحيحا ، لذا التزمت الصمت ثم استأنفت حديثها
وقالت : كنت افتقد منك العون ببعض أعمال المنزل اذ ان كبرياءك يمنعك من ذلك واستحيائك من الناس يحول بيني وبينك. ولا أعلم أي عيب فيه ، ألم يساعد إمامنا زوجته فاطمة في منزلها بأعمال الطبخ وتربية الأطفال وغيرها؟ ألم تسمع قول نبينا ( ص ) لأمير المؤمنين بعد أن رآه ينقي العدس ، وفاطمة جالسة قرب القدر إذ قال له : (( مامن رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله من الثواب مثل ماأعطاه الصابرين )). ياسعيد ، أين كنت من كل هذا الثواب وأنت الآن في أشد الحاجة إليه ، وأراك تبحث عن الحسنة من هنا وهناك ، ومن فلان وفلان .
إحترق قلبي ألما وحسرة لما ضيعته من الثواب العظيم في الدنيا ،ولما قصرتُ به من حُسن العشرة مع الأهل والعيال، ولم تكتفي آمنة من عتابها لي ، بل استأنفت كلامها مرة أخرى

ماهو العتاب الآخر لسعيد من زوجته آمنه ..........

الحلقة الثامنة والأربعون


قال سعيد : استأنفت آمنة كلامها مرة أخرى لتوقد شعلة الندم والحسرة أكثر في قلبي
فقالت: ياسعيد إن كل واحد منا الآن يتمنى لو أفدى بدنياه ومافيها مقابل ان تزيد حسناته ولو واحدة ، أو تطفئ نيران سيئاته ولو للحظات ، وأنت ضيعتَ الكثير الكثير ، أين كنت من وصية خاتم الأنبياء لعلي إذ قال له: (( ياعلي، خدمة العيال كفارة للكبائر، وتطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، وتزيد في الحسنات والدرجات)).
اعترفت لها بتقصيري معها ، اذ لامجال لنكران الحقيقة ، أو التهرب منها ،
ولكني سألتها عما إذا كانت نادمة على خدمتها في بيتها طوال حياتها معي
فأجابت : إنني غير نادمة قط ، ولولا هذه الخدمات لما رأيت نوري بالدرجة التي تراها الأن، بل انني متأسفة على عدم المزيد منها ، ونادمة على أني لم أتلقى بجد تلك الأحاديث التي كانت توعد بالثواب العظيم للمرأة التي تخدم زوجها ، وأن هذه الخدمة تغلق عنها أبواب النيران وتفتح لها ابواب الجنان
( كتاب ميزان الحكمة ، عن الأمام الباقر ( ع ) : أيما أمرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار ، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت).
أو تلك التي توعد بالغفران للمرأة التي تسقي زوجها شربة ماء، وأن هذا العمل خيرٌ لها من صيام نهارها وقيام ليلها.
( وسائل الشيعة، عن الأمام الباقر ( ع ) ما من أمراة تسقى زوجها شربة من ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ، ويبني الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة) .
توقفت عن الكلام، وجرّت حسرة طويلة
ثم قالت : لافائدة من التأسف والندم الآن ، فقد انتهى التكليف ، وهيهات العودة الى الدنيا مرة أخرى .
قال سعيد : تأثرت كثيرا من كلامها ، واحسست بالخجل العظيم أمام الملائكة الذين كانوا برفقتها ، لذا حاولت أبراز جانب الإيجاب مني معها
اذ قلت لها : لم أنكر خدماتك لي في المنزل ولك الحق في كل ماقلتيه ، كان يجب عليّ حسن العشرة والخلق معكم ، وكان الأجدر بي أن أشكرك بدلا من اظهار عدم الرضا عليكِ.
كان الجميع ينصت لكلامي ويترقب نتيجة الحوار بيننا، ولم أجد من يقاطعني
فاستأنفت الحديث بقولي: لقد رفع الله درجتي ونوري بين أهل المحشر بسبب إخلاصي له تعالى في كدّي عليكم ، ولولا ذلك لما كان نوري بالدرجة التي ترينها.
( قال رسول الله ( ص ) : الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) .
وأسفي أن لم أكن حَسنَ الخلُق معكِ كما أوصى نبينا به ، وقد عُذّبتُ عظيم العذاب في البرزخ لأجله ،وخوفي الآن أعظم من آثاره في عالم القيامة الكبرى .
نويت لطلب منها أن تهبني ظلمي لها ، ولكني قبل أن أعرض عليها ذلك
قلت لها: إن من واجبات الزوجة في العشرة مع زوجها أن تطيعه ولاتعصيه ، ولاتخرج من بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها ، وأيما أمرأة باتت وزوجها ساخط عليها في حق ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها
(( جواهر الكلام، ومن حقه عليها أن تطيعه ولاتعصيه ولاتتصدق من بيته إلا بإذنه ولاتصوم تطوعا إلا بإذنه ، ولاتمنعه نفسها، ولو كانت على ظهر قتب ، ولاتخرج من بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها ولو لعيادة والدها أو في عزائه وأن تطيب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتتزين بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها غدوة وعشية .....))
فهل عملتِ بما فرضه الله عليكِ ، أم كنتِ غافلة عنه؟
ولقد ذكر لها موارد كثيرة كانت مقصرة فيها لعدم الرغبة منها في السفر معه وغيرها من الأمور التي يجب طاعتها له .
قال سعيد : التزمت الصمت الذي يدل على اعترافها بأخطائها . حينها رأيت الوقت المناسب لعرض طلبي منها ،
فقلت لها : أطلب منك يا آمنة أن تهبي لي ظلمي لك ، وأنا أهب لكِ تقصيركِ معي ،
(( في بحار الأنوار ، عن سيد العابدين ( ع ) قال: حدثني أبي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب ( ع ) يحدث الناس ، قال: إذا كان يوم القيامة .... ولايجوز هذه العقبة عندي ظالم ولأحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها لصاحبها وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ...)).
عسى الله أن يعف عنا ، ويتجاوز علينا ، وهو ارحم الراحمين . لم تمانع طلبي منها ، بل استقبلته بلهفه وترحيب طمعا برحمة العزيز الغفار ، ولعل عفوي عنها يخفف عنها شيئا من أهوال المحشر ومابعده ، ثم حان الوداع ، وآن الفراق ، ليشق كل منا طريقه المجهول ومضيت مرة أخرى في صحراء المحشر ، ولشدة حرارة الموقف أحسستُ بجفاف بدني ويبوسته ، وضعف في جوارحي .
أصبحتُ أقوم وأقع ، وأمشي وأتعثر ، ولم تعد لي طاقة على الحركة والأنتقال ، ومما زاد في الطين بلة أنه أتاني مخلوق قبيح الشكل ، أسود اللون ، يتلفت يمينا ويسارا ، وكأنه يخاف من شئ ما، فأمسك بيدي ،
وقال لي بلهجة ساخره :.........

الحلقة التاسعة والأربعون


قال المخلوق القبيح لسعيد: أبشرك بالنار ياسعيد ، أبشرك بالنار ، سوف تدخلها لا محالة في ذلك ، وإني أرى مستقبلك أسوء وأخزى بكثير مما أنت فيه الآن !
صعقني بكلامه وقلت له : وماذا يجب علي فعله حتى أنجو مما تقوله؟
ضحك مستهزئا من قولي ، ثم قال: لاسبيل لنجاتك ، وكل ماعليك فعله أن تتحمل أحقابا في نار جهنم ، قد تكون آلاف من السنين ، إن لم تكن ملايين !
صرخت في وجهه ، وحاولت إبعاده عني فما تمكنت من ذلك
حتى أتى عملي الصالح ، حينها ولى هاربا بعيدا عني , لا أعاده الله لي ،
قلت لعملي الصالح : من يكون ذلك الذي أرعبني ، وقد ولى هاربا حين حضورك؟
أجابني بقوله: إنه خلاصة أعمالك السيئة ، ولكن لا عليك به ، فإنه ضعيف ولا يتمكن منك إلا في بعض المواضع، إنه يستثمر أوقات الدنيا التي كنت َ بعيدا فيها عن الأعمال الصالحة فيأتي فيها الآن ليرعبك ويؤذيك ، ولكن عليك الحذر منه عند عبورك الصراط ، إذ سيكون لك في المرصاد ، ويستخدم كل ما لديه من قوة وسلطان كي يزلك عنه ، ويوقعك في الهاوية .
ومضت آلاف من سنين المحشر ، وفي عرصته التي لا ظل فيها ولا ظليل ، ومررت فيها بمواقف عسيرة غير يسيرة ، وفترات مريرة طويلة جدا لقيتُ فيها ما لقيت من مرارة وآلام ، وفي بعضها ذلة وانكسار ، ولماء وجهي خزي واندثار.
كنت أخجل كثيرا ، وتحرقني العبرة والحسرة عندما أرى أفراد من أقربائي في الدنيا ، وقد نالوا درجات عليا ونور عظيم ، وهم الآن في مقامات عالية .
والعجيب أنني كنت ُ أحسبهم أناس بسطاء ، إذ لم يكن ظاهر للناس قربهم من الله في دار الدنيا ، ولاتحس لأعمالهم الصالحة ضجيجا ، ولا لخيراتهم إلى الناس حسيسا.
سألت أحدهم وقد كنتُ أنا الذي حثثته على التوبة في الدنيا ، وتعاهدنا سويا على أن تكون توبتنا خالصة لله
سألته عن أي شئ أوصله إلى هذا المقام ؟
فأجاب : لاتظن أنني نلت هذا المقام من عمل وجهاد مع النفس و....
قاطعته ، وقلت له : هل تذكر أنا الذي فاتحتك بالتوبة إلى الله ، وقد تعاهدنا عليها ، وبدأنا بها في وقت واحد ، فبماذا افترقنا؟
: صحيح ماتقول ، لكنك لم تجاهد نفسك كما ينبغي ، ولم تمنعها من الرياء الذي كان يخالط الكثير من أعمالك . كنتَ تعمل قربة إلى الله ، لكنك لم تكن تراجع باطن قلبك ، وتتفحص حقيقة نيتك ، ولو فعلتَ ذلك وحاسبتها في وقتها ، لوجدت أن عملك مشوب ، ونيتك غير خالصة ، ولرأيت هدفا آخر قد لصق به ، واخترق صدق خلوصه .
: شكوت إليه طول الفترة التي مضت في المحشر ،
فتعجب من كلامي ، وقال: لقد كانت مدة قصيرة ولم أحس بطولها كما تقول ، فعن أي شئ تتحدث؟
إستغربت من جوابه ، وقلت له : أتحدث عن الفترة من أول الحشر حتى ساعتنا هذه .
أطرق قليلا ، ثم قال : أنت صادق فيما تقول ياسعيد ، إن طول مواقف القيامه تختلف من شخص لآخر ، وكلٌ حسب درجته ومقامه ، فبعض يحس به آلاف بل ملايين السنين ، وبعضهم لايحس به كذلك ، بل يمر عليه وكأنه نهر يقطعه ، أو جسر يعبر فوقه ، والخلق بهذا الأمر في تباين كبير........
سكنت الأصوات ، وساد الصمت بين العباد حينما سمعوا نداءا كان معناه
: يامعشر الخلائق إن العزيز الجبار يقول: (( يابني آدم إن صراطي مستقيما منذ خلقتكم وقد أمرتكم به ، وقلت لكم أكثروا من الزاد إلى طريق بعيد ، وخففوا الحمل فالصراط دقيق ( الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، يابن آدم أكثر من الزاد إلى طريق بعيد ، وخفف الحمل فالصراط دقيق ، وأخلص العمل ،فان الناقد بصير ، وأخر نومك إلى القبور ، وفخرك إلى الميزان ، ولذاتك إلى الجنة ، وكن لي أكن لك .....)). فمن سار عليه في دنياه نجى عندي ، ومن أعرض عنه ، ووضع فيه العقبات فعليه اليوم أن يتجاوزها.))
كان لكل واحد من أهل المحشر أمل بتجاوز عقبات الوصول إلى جنة الخلد ، والذي زاد من ذلك أن الجنة بدت للجميع فرأوها ، واشتاقوا لها .
ولولا خلود عالم القيامة لمات الجميع شوقا لها!
إنطلق الجميع أملاً باقتحام عقبات الجنة وتجاوزها ، وانطلقت أنا معهم ....
ياله من أمر عجيب ! ومنظر غريب ! جلب أنظار الخلق أجمعين ، دهشت أنا مما شاهدته
وسألت عملي الصالح عن أولئك الأشخاص ذوي الأنوار العظيمة الذين اقتحموا العقبات ، ثم قطعوا الصراط كالبرق الخاطف في سرعتهم ، ليقفوا على أبواب الجنان ، ثم يتعالون ويستقرون فوق أعرافها
فقال: أول تلك الأنوار هو الرسول الخاتم ( ص ) وتبعه أوصيائه بعده ، ثم الأنبياء أولوا العزم وسائر الأنبياء ثم أوصيائهم ، وتلك سيدة نساء العالمين يحاذي نورها نور خاتم الأنبياء . وتلك مريم العذراء مع مجموعة من النساء اللواتي كُنَّ من أفضل نساء عالم الدنيا في المرتبة بعد الزهراء البتول.
سأل سعيد العمل الصالح : ماهذا المكان المرتفع الذي وقفوا فوقه؟
قال العمل الصالح : إنه مكان من الجنان ، يشرف على الجنة والنار ، ويقال له الأعراف ....
قاطعه سعيد مستغربا: الأعراف ؟! وماذا يفعلون في مكان كهذا؟
قال العمل الصالح : انه مقام وهبه الله لهم ، وقد أوكل إذن ورود الجنة لهم، فهم الشهداء على أفعال الخلق ، ويعرفون ظواهرهم وبواطنهم .
قال سعيد : أطرقت قليلا ، ثم استأنفتُ الحديث معه بسؤالي منه: أيكونوا هم من قال الله تعالى عنهم : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ؟
: نعم ، فهم الرجال الذين يعرفون أهل النار بسيماهم ، وأهل الجنة بسيماهم ، ولهم حق الشفاعة ولاينالها إلا من ارتبط بهم في دنياهم وعرفهم وعرفوه ، واتبع سبيلهم ، وخطى بخطاهم .
قال سعيد: كنت أرى بعد الوجبة الأولى أُناس يقتحمون عقباتهم بسهولة بالغة ويعبرون فُراداً فرادا، ويصلون إلى الجنان ، ولكن ليس بمرتبة رجال الأعراف .
على كل حال ، لابد من البدء بالرحيل .... كانت الصلاة أول عقبات الطريق .

لنتابع ماهي العقبات التي تعرض لها سعيد .........

الحلقة الخمسون


قال سعيد: كانت الصلاة أول عقبات الطريق ، وقد مكثت ُ في محطاتها عددا من السنين حتى تم تحميلي بكل ماقصّرتُ بحقها ، كما أن صورة صلاتي الحقّة قد تجسمت وحضرت لتزيل عني بعض أشواك طريق اقتحامها ، وألقت باللوم علي أن لم أراعي أدائها في أوقاتها ، ولم أستحي من ربي حين الوقوف بين يديه فيها ، إذ كان فكري يهرب منه هنا وهناك !
قلت للصلاة : كلما أحاول أن يبقى تفكيري في الصلاة ، أشعر أن الفكر قد ذهب إلى أمر من أمور الدنيا ، تاركا بدني يقيم الصلاة وحده ، دون حضور القلب معه .
أجابتني الصلاة وقد أنكرت علي كلامي ، وأبطلت حجّتي : إن القلب إذا تعلق بشئ أَحبه ، يكون ذلك المحبوب قبلة لتوجه فكره حيثما كان ، وأنت ياسعيد ....
قاطعها سعيد قائلا: إن محبوبي لم يكن سوى الله .
قالت الصلاة : من أحب الله لم يتركه وهو في حضرته وبين يديه ، أليس كذلك؟
قال سعيد : ماذا بوسعي أن أقول لها؟ لزمتُ الصمت ، ولم أجبها بشئ .
قالت : كان حبك للدنيا أكبر من حبك لله وقد أنكرت على نفسك ذلك .
كما قالت : كنتَ إذا حان وقت الصلاة وكبّرتَ تكبيرة الاحرام مستنفراً كل قواك لأن تكون مع الله، سرعان ما يطير قلبك إلى حب الدنيا ، لتتعلق بها مرة أخرى .
وصلاتك هذه لم تقربك من مقام الحق تعالى،
( مستدرك الوسائل، عن النبي (ص): إن من الصلاة لما يقبل نصفها، وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإن منها لما يُلف كما يُلف الثوب الخلق، فيُضرَب بها وجه صاحبها، وإنما لك من صلاتك ما أقبلتَ عليه لقلبك)،
ولم تُزيل عن قلبك الظلُمة والكُدورة التي كُنتَ تشكو منها.
قال سعيد: توقفتْ قليلا لتعطيني فرصة التعليق على كلامها،
فسألتها: إذن سبب فرار الفكر في الصلاة هو التعلق بالدنيا؟
قالت الصلاة: نعم.
قال سعيد: وماذا كان بوسعي أن أعمل كي أتخلص من حالةٍ كهذه.
قالت الصلاة: كان عليك أن تخلع شجرة حب الدنيا بجذورها من قلبك، بالتفكر والتدبر في حقارتها، وزوالها مقابل عظمة الآخرة وأبديتها، وكان عليك أن تعرف الله، وتستحضر عظمة من تقف بين يديه، وحقارة شأنك أمامه، وكلما ازددت معرفة بالله ازددت حباً له وتوجهاً إليه وتعلقاً به، أما علِمتَ أن أول الدين معرفة الله، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده.
قال سعيد: كان عملي الصالح يصاحبني أحيانا ويرافقني أخرى، وذات مره سألته عن عقبة مساعدة الفقراء والمساكين
فتعجب من سؤالي وقال: ما الذي يذكرك بهذه العقبة؟
قال سعيد: إني لم أحصي جميع العقبات، بل الكثير منها كنت غافلا عنها ولكن عقبة مساعدة الفقراء والمساكين ذُكرت في القرآن الكريم بقوله تعالى: ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة )
ما إن انتهيتُ من تلاوة الآية حتى قال العمل الصالح: لو تمعنت في هذه الآية، لرأيت أنها لم تُذكر فقط عقبة مساعدة الفقراء بل ذُكِرتْ عقبات أخرى كرعاية اليتيم وأداء حقوقه ابتداءً من ذوي الأرحام وانتهاءً بعموم يتامى المجتمع والأخرى مساعدة الفقراء والمساكين وسد حاجاتهم من الطعام وغيره، ثم ذُكِرت عقبة الايمان، والصبر، والرأفة بالناس، حيث قوله تعالى: ( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة )
قال سعيد: عَلِمتُ أن العقبة القادمة هي عقبة صلة الرحم، فاستحضرت علاقتي بأقربائي وأهل بيتي،
وقلتُ لعملي الصالح: إنني كنتُ أصل رحمي، وأتفقد القريب والبعيد منهم وأساعد المحتاج منهم وأرشد من يلزم الرشاد.
قال سعيد: كنتُ لا أبخل عن مد يد العون إلى أي شخص يطلبها مني.........
قاطعه العمل الصالح بقوله: إذا كنت كذلك فلماذا أراكَ قد اصطحبت الخوف معك، فهل كان يُخالط أعمالك رياء، وحبّ سمعة بينهم؟
قال سعيد: الله يشهد أني كنتُ مراقباً لنفسي في كل أعمالي، كنتُ أحادث نفسي وأُصارعها، وفي آخر المطاف أُقنعها بأن الفضل أولا وآخرا لله تعالى، فهو المتفضل عليّ برزقه وهو الذي أعطاني العافية بالجوارح لعيادتهم وتفقدهم، وهو الذي وهبني العزة والكرامة بينهم، فأي فضل لي عليهم؟
قال العمل الصالح: إذن لم تخبرني عن أي شيء يُخيفك في تجاوز واقتحام هذه العقبة.
أكملنا جميع متطلبات العبور واقتربنا من الخروج منها و .....
يا إلهي ماذا أرى؟!

نتابع في الحلقة التالية ماذا رأى سعيد ..............

الى اللقاء في الحلقة القادمة مع رحلة البقاء


رد مع اقتباس
قديم 2015/05/28, 10:41 PM   #9
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

الحلقة الواحد والخمسون :~


عندما قال سعيد : ياإلهي ماذا أرى؟! إني أرى والدتي ، هي بعينها !
اقتربت منها أكثر فرأيتها
جالسة تبكي ، قد بدا عليها أثر إرهاق وألم شديدين .
ناديتها باسمها فالتفتتْ نحوي ، وفوجئتْ واضطربتْ كثيرا حينما رأتني واقفا أمامها
أحسست أن الخجل والحياء الشديدين قد خالجاها وقد ترددتْ في جوابي
فناديتها مرة أخرى : أماه أنا سعيد ، ابنكِ في الدنيا ، هل تعرفيني ؟
رفعتْ رأسها ، وأجابتني بصوت ضعيف : كيف لاأعرفك ياسعيد
: أراكِ شاحبة الوجه ، سيئة الحال، فما الذي حدث ؟
تحسرتْ ، وجرت دمعتها من عينيها، وقالت : أتذكر خالتك ياسعيد ؟
نعم أذكرها ، أعلم أنكِ لمدة يسيرة كنتِ لاتتحدثين معها .
ارتفع بكائها ، وقالت : ليتني ماقطعت علاقتي معها وهي أختي ، ليتني ماأصغيت للشيطان الذي كان يمنعني من الوصول إليها ، ليتني قبّلت ُ قدميها بدلا عن الإعراض عنها حينما أتتني إلى منزلي تريد المصالحة ، وتحذّرني من عواقب الآخرة
صمتت قليلا، ثم عادت تقول والحسرة تحرقها ، والندامة تكاد تميتها لولا خلود الحياة في عالم القيامة
: ليتني أصغيتُ لكلامها ياسعيد يوم أخذتَ بيدي تجرها وتقول: ( لنذهب إلى بيت خالتي نصالحها ، ونزيل الكدورة بينكِ وبينها ). آه ... ليتني سحقتُ تكبّري ، وذهبتُ معك يوم ذاك وقبّلتُ قدميها قبل يديها.
كنت أعلم أن تأنيبها لنفسها هذا لايزيدها إلا عذابا فوق عذابها ولكن ماذا عساي أن افعل لها. ابتعدت عنها ، وتركتها تتلوى ألما ، وراحت تجر بشعرها ، وتقطّعه ، وتنادي
: لاتتركني ياسعيد ، أنا أمك، ألستُ أنا التي تحملتُ العناء من أجلك ، وسهرتُ الليالي في رعايتك ؟
قال سعيد: تألمت من كلامها ، وعدتُ إليها لأقول لها: أماه ، إن كل إنسان هنا رهين عمله ، وأنا هنا رهين عملي
قال تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة)) ، لا أتمكن من التقدم خطوة واحدة إلا إذا كانت أعمالي وملكاتي تؤهلني لذلك، ولكن لعلي أتمكن من الشفاعة لك في المواقف الأخيرة إن كانت درجتي آنذاك تسمح لي ، ودرجتكِ تجيز لكِ استقبالها.
غادرتها هذه المرة دون عودة ، وابتعدت عنها رغم سماعي لصراخها وندائها لي .
خرجت من عقبة صلة الرحم ، ودخلت في عقبة المسؤولية ، دخلت فيها ولامناص من الدخول ، ولامجال للفرار منها....
تلقتني ملائكة الغضب بأشكالها المخيفة المرعبة وهيئتها الموحشة! فأصابني خوف عظيم منهم ، وأصبح بدني يرتجف لرؤيتهم ، ويرتعش كلما نظرتُ إليهم .
ضربني أحدهم بسوطه فوقعت أرضا ، وانشل بدني عن الحركة ، نظرتُ لما حولي أبحث عن عملي فلم أجده ، بل رأيتُ آلاف من الخلق قد سقطوا أرضا ، وحال بعضهم مثل حالي ، والكثير منهم أسوء مني . وبجهد جاهد ، رفعت رأسي لعلي أجد من يسعفني ويترحم على حالي ، ولكني رأيت شخصا قبيحا ، أسود اللون من أعلاه لأسفله ، قائم الشعر مكشرا ، قد برزت أنيابه الصفراء ، ونزلت إلى نصف بدنه ، وهو ينظر إلي ويقهقه بصوت عالي ، وما أن رفعت رأسي ، واستقر في مكانه حتى لطمه برجله ، ولم يكتفي بذلك بل راح يضغط على وجهي ويسحقه
ويقول: هل ظننتَ أنك لاتقع في مخالبي مرة أخرى، أين عملك الصالح لينجيك ؟ لقد هرب ولاترى له أثرا ، وبقيتَ وحيدا في قبضتي .
ماكان لدي القدرة على الكلام معه كي أسأله من يكون، ولكني ظننتُ أنه خلاصة أعمالي السيئة ، وقد كان كما ظننت .
قال لي مستهزئا: كانت تأخذك نشوة الرئاسة عندما يقال لكَ مدير مشاريع، وتفرح كثيراً بهذا الأسم ، وتحس بالعلو على غيرك ممن دونك في المسؤولية والوظيفة.
أحسست بزيادة ضرب الأقدام على وجهي وصدري ، ولاأعلم أين ذهب ملائكة الغضب ، إذ لم أعد أسمع لهم صوتا ، ولاأحس لهم أثرا ، وأصبحتُ عاجزاً تماماً عن أداء أي شئ، حتى عن رؤيتهم والتكلم معهم......
مضت فترة طويلة وأنا بهذه الحالة ، حتى أتى الوقت الذي أحسستُ فيه بأن شخصاً ما يجرني ، وجهتُ نظري نحوه وإذا بهم ملائكة الغضب قد عادوا ،
: فسألتهم عما يريدون فعله بي،
:فجاء الجواب أنه يُراد بي إلى غرفة المحاسبة التي كثيرا مادخلتها في العقبات السابقة .
دخلتُ غرفة المحاسبة وقد حضر الجميع من متهم ، وشهود ، وقضاة، ومحامين ......
محكمة الآخرة لاتتصوروها كمحكمة عالم الدنيا في مصاديقها ، بل في مفاهيمها فقط، فالمتهم أنا،
ولكن ليس كمتهمي محاكم الدنيا ، إذ كل سمات بدني تشير إلى تهمتي ،
والشهود ليس كشهود الدنيا يُحتمل فيهم الصدق والكذب ، بل لامجال للكذب والخداع هنا ،
ونفس أعضاء بدني تشهد ، والأرض تشهد ، والملكان المرافقان لي في الدنيا على يميني وعلى يساري يشهدان ، وقادة الأمة يشهدون من الأئمة والأولياء .
أما المحامين فهم أعمالي الصالحة وملكاتي الحسنة !
أما القضاة فهم من الملائكة الذين لايأخذون رشوة ، ولاتؤثر فيهم قرابة أو صداقة ، وهم موكّلون من الله تعالى الحاكم المطلق الذي هو شاهد على أعمال الخلائق ، بل على خواطر أفكارهم ، وهمسات قلوبهم ونياتهم ، قبل أن يشاهد الشهود ما وقع.
عرض القاضي علي كثيرا مما قصرتُ به في مسؤولياتي تجاه عائلتي والمجتمع الذي كنت فيه ، وحسبت على ذلك حسابا دقيقا ،
حتى وصل المطاف بنا إلى فترة تحمّلتُ فيها مسؤولية إدارة قسم المشاريع في الشركة التي كنتُ أعمل فيها ، وليتني ماتحملتها ولاقبلتُها .

ماذا سأل القاضي سعيد في محكمة الآخرة ؟ وماذا أجاب سعيد ؟ .........


الحلقة الثانية والخمسون :~


أخذ القاضي بطرح الأسئلة الدقيقة التي لم تترك منها صغيرة ولا كبيرة ، وبدأت الأسئلة

قال سعيد : سألني القاضي عن سبب قبولي في إدارة المشاريع في الشركة عند سفر مديرها لمدة شهرين
أجبته: لقد أصر المدير علي كثيرا على قبول طلبه وعدم رفضه ، لأنه لم يجد رجلا نزيها يعتمد عليه ، فاستحييت منه ولم ارفض طلبه.
القاضي : ماشعورك بهذا الأمر هل هو تقربا إلى الله ، ام لبروز نشوة حب الرئاسة لديك ؟
قال سعيد: لم أجبه .
فأذن القاضي لأحد الملكين اللذين كانا يرافقاني قي الدنيا ، فقال الملك الأول بعد أن توجه نحوي
: نحن الملكان اللذان كنا معك في الدنيا حيثما كنتَ، أحدنا على يمينك ، والآخر على يسارك ، نراقب أعمالك ، ونسجّل خواطرك، ولايفوتنا شئ عنك،

نحن الذين قال الله عنا: (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )).
قال سعيد: سبحان الله ، كيف يخفى على الله شئ وأنتما ترافقاني في الدنيا اينما ذهبت و خلوت .
أجاب الملك الآخر : الله لا يخفى عليه شئ في السماوات ولا في الأرض ، سواء كنا معك ام لم نكن فهو يعلم ما في نفسي ونفسك ، وقد محى عنك الكثير مما ثبتناه عليك من الذنوب والخطايا ، وأنسانا إياها لأنك تبتَ منها إذ سترها عليك في دار الدنيا وفي الآخرة ، ولايعلم بها الآن أحد غيره .
إذن فما وجه مرافقتكما لي مع ان الله يعلم كل شئ بدونكما؟
أجاب الملك : إن الله أراد أن نكون عليك حجة وشهودا على أعمالك ونياتك .
قال سعيد أخذتني العبرة ، وسالت دموعي أسفا على معصيتي لربي ، ربي الذي ستر علي عيوبي وذنوبي التي تبتُ منها ، وكم كان يناديني في القرآن ، ويدعوني في التوبة ، ويوعدني بالغفران والجنان ، وسِتر الذنوب ، وتبديل السيئات حسنات .... لقد صدق ربي وعده ولم يخلفه.
طلب القاضي من الرقيب الاستمرار في حديثه
قال الرقيب : لقد استحضر سعيد ذكر الله تعالى في قلبه ، لكنه تخيل نفسه يجلس خلف طاولة الإدارة والمهندسون حوله فأحس بسعادة ورغبة فيما تخيله ، وهذا الذي دفعه لقبول المنصب .
توجه القاضي للملك الآخر، وسأله : هل كان لديه أيضا لحظة القبول قصد إصلاح وضع المشاريع ، والحد من السرقات والفساد فيها؟
: نعم كان في قلبه ذلك أيضا.
القاضي: وماكانت غايته وراء قصده هذا؟ هل كان قصد إصلاح المشاريع خالصا لله وطلبا للآخرة ، أم كان لأجل أن يقال له أنه مهندس نزيه مخلص ؟ أم لأجل أن يرضى عليه مدير شركته ؟
كنت مندهشا من دقة السؤال والجواب الذي يدور بين القاضي والملك الرقيب الذي أجابه بقوله
: كانت نسبة إخلاصه لله في لحظة الموافقة ظ§ظ،، اختلط معها حب الرئاسة بدرجة ظ¤ظ¢، وحب السمعة بدرجةظ،ظ¥، وإرضاء مدير شركته بدرجة ظ£ظ،.
قال القاضي وهل كانت هناك نيات أخرى في قلبه؟
أجاب الملك سريعا: نعم كان لديه طموح في زيادة راتبه أيضا.
القاضي : وكم كانت درجة هذه النية لديه؟
الملك: أحد عشر درجة.
لم أكن أفهم مايقصدوه من هذه الأرقام والدرجات ، وكنت مبهورا من دقة الأسئلة وتشعبها،
وقلت في نفسي : الويل لي ، هذه المحاكمة كلها عن قبولي على موافقة تحمل المسؤولية ، فكيف سيكون الحساب على ساعات وأيام مابعد تولي هذه المسؤولية؟!
عاد القاضي يسأل اذ توجه نحوي وسألني عن هدفي من زيادة راتبي وأين صرفتها وكيف كنت أدير المشاريع ، وكيف اتعامل مع المهندسين والعمال وغيرهم، ومن قبيل حالات التكبر التي كانت تراودني
وسألني عن الأموال هل صرفت في موردها الصحيح ، وهل تم إعطاء العمال والمقاولين حقوقهم بصورة عادلة ، وفي كل ذلك كان هناك شهود على الأفعال ، إذ شهدت الأرض على بعضها ، وفي الأخرى ختم على فمي ، ونطقت أعضاء بدني لتقول الذي تماهلت ُ عن أدائه في الدنيا، ولم أعطه تمام حقه.
وأخيرا وبعد جهد جاهد ، وعناء كبير ، ومدة طويلة دامت سنين وسنين من الألم والحرقة ، تجاوزتُ عقبة المسؤولية ، وسُجّلت لي نتيجتها الأخيرة لتضاف الى العقبات السابقة واللاحقة ، إذ على ضوء مجموعها سيكون الحكم النهائي ، وتحديد مصير كل إنسان أهو للجنة والنعيم ، أم للنار والعذاب الأليم ....
انتهت العقبات وماكادت ان تنتهي لولا أعمالي الصالحة. وملكاتي الحسنة التي كنتُ استغيثُ بها عند كل شدة وبلاء .
أخبروني أن نتيجة كل هذه العقبات سوف تكون في آخرها ، ولكني لا أرى شيئا يدل عليها ،
ترى أين أجدها ؟ سألت أحد الملائكة عن هذا الأمر ،
فقال: (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا))
قلت له متسائلا: إنني لا أرى كتابا حتى أقرأه ، فأين هو ؟
قال الملك : إن نفسك هي كتاب أعمالك ، كما إنها سوف تظهر حين عبورك الصراط الذي يمر في وسط جهنم ، وأنت الآن على مشارفه ، ولايتخلف أي إنسان عن عبوره ، حتى الأولياء والمؤمنين ، فضلا عن الكافرين والفاسقين ، من كان مصيره الجنة يسلكه دون السقوط في الهاوية ، وأما من كان مصيره النار فسوف يقع ويمكث فيها.
التفت إلى عملي الصالح بعدما أصابتني رجفة وخوف عظيم، ورحت أنظر إليه قلقا مضطربا
فقال: (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)).
عظم خوفي واضطرابي ، وأمسكت بعملي الصالح ملتمسا إياه أن لايتركني وحدي ، فإني أرى الصراط حاد كالسيف ، وأرى جهنم سوداء مظلمة تحته .

ماذا حدث لسعيد عندما شاهد الصراط المستقيم .........

الحلقة الثالثة والخمسون :~


عندما شاهد سعيد الصراط المستقيم قال:كنت أُشاهد العديد قد ركبوه بأمل العبور إلى الضفه الأخرى، ولظ°كن انحرفوا عنه ، وسقطوا في جهنم التي كانت تلتهم كل من يسقط فيها، فتأكله نارها ، وتغمره ظلمتها، حتى لا نرى له اثراً إلا صراخه وعويله ،
وبين فترةٍ وأخرى ينادي المنادي لجهنم
: ((هل امتلأتِ))،
فتجيب وتقول : (( هل من مزيد)).
(يوم نقول لجهنم هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد)
في مقابل ذظ°لك كنت اشاهد ايضاً أناس تمكنوا من العبور الى الضفة الاخرى، ولم يزلوا عن الصراط، رغم تفاوت فترات عبورهم وصعوبة نجاتهم ، فكان البعض تلفحه النار بعد مساسها له ، وهم على الصراط وبعضهم من احترق اطرافهم فيصرخون، وبعض من يعبر الصراط بسرعة فلا يحس بتاتاً بحرارة ما تحته...
وهظ°كذا كان الحال لمن سبقوني ، اذ كل حسب عمله ودرجته التي خرج بها من الحساب.
تملكني الخوف والقلق العظيم الذي احاط بي ، فجلست ابكي بكاءً شديداً، ورفعت يدي متضرعاً الى الله ، داعياً إياه
:"ربي ها انا ذا بين يديك خاضعٌ ذليل، إن تعذبني فإني لذظ°لك أهل و هو يا ربِ منك عدلٌ، وإن تعفو عني فقديماً شملني عفوك ، وألبستَني عافيتك ، فأسألك اللهم بالمخزون من اسمائك ، وبما وارته الحجب من بهائك ، الا رحمْتَ هذه النفس الجزوعة، التي لا تستطيع حرَّ شمسك فكيف تستطيع حر نارك، والتي لا تستطيع صوت رعدك فكيف تستطيع صوت غضبك" .
قال سعيد : جاءني النداء من العلي الأعلى فكان معناه : "أي عبدي، إني خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ، بمشيأتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت انت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبظل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبسوءِ ظنك بي قنطت من رحمتي، لم أدع تحذيرك ولم اكلفك فوق طاقتك ، ولم احملك من الأمانة إلا ما قدرت عليه ".
ارتفع بكائي بعد سماعي خطاب الجليل لي ، فناديته معترفاً بكل ما اقترفته من المعاصي والذنوب أن يا ربي
: "أنا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته، وأنا الخائف الذي آمنته... أنا ياربي الذي لم استحيك في الخلاء ، ولم أراقبك في الملاء ، أنا صاحب الدواعي العظمى ، أنا الذي على سيده أجترى ، أنا الذي عصيت جبار السماء ، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا ،أنا الذي حين بشرت بها خرجت إليها أسعى ، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت، وسترت علي فما استحييت، وعملت بالمعاصي فتعديت، وأسقطتني من عينك فما باليت".
جاءني النداء مرة اخرى : عبدي ماذا تريد مني ؟
: أي ربي أنت تعلم ما في نفسي ولا أعلم مافي نفسك ، أريد النجاة من النار.
تأخر الجواب هذه المرة من العلي الأعلى ، فخشيت أن يكون قد أعرض بوجهه الكريم عني ، فناديته
: " إلظ°هي لم اعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخف ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولا لوعيدك متهاون ، لظ°كن خطيئة عرضت وسوَّلت لي نفسي، وغلبني هواي وأعانني عليها شقوتي ، وغرني سترك المرخى علي ".
ما أن اكملت مناجاتي حتى اطرق وجودي كله جواب الملك القدوس
: "إني اكرمت اوليائي بأن اعطيتهم مقام الشفاعة لخلفي ، فالتمس شفعاتهم، وأنا أشفع الشافعين".
قم من مقامي بسم الله الرحمظ°ن الرحيم، متوكلاً على الحي القيوم ، ملتمساً النجاة بحبي واتباع للنبي وآله، فخطوت خطوة بعد خطوة نحو الصراط، واخذت عملي الصالح بأن اعمالي وملكاتي أوصلتني لهذا المقام والدرجة، وإني سأمضي أملا من شفاعة محمد وآله ، ولا اظن أنهم يبخلون بشفاعتهم لي ، لأني ما برحت أمشي على هداهم في الدنيا، واخطو خطاهم ، وما خلى قلبي من حبّهم.
تقدمت لأضع القدم الأولى على الصراط، فسمعت نداءا من عملي الصالح ينادي باسمي ،
ويقول :سعيد، احذر أعمالك السيئة أن تزلك على الصراط، فتقع في هاوية العذاب .
إلتفت إليه و أجبته: إن شاء الله.
قال سعيد : عزمت على المضيُ،
فسمعته ينادي مرة أخرى: سعيد ، لا تخدعك المظاهر، وانظر إلى حقائق الأمور ، ولا تغرنك الدنيا بمغرياتها وزينتها.
استغربت من كلامه، فعن أي دنيا يتحدث، فقد ولّت وادبرت؟! لا اعلم! على كل حال،
وضعت القدم الأولى ولساني يردد:"يا محمد يا علي، يا علي يا محمد، إكفياني فإنكما كافيان ، وانصراني فإنكما ناصران".
قال سعيد: اصبحت لي جرأة على التقدم والعبور، فوضعت القدم الثانية، وأنا اتلو الآية الكريمة: "وأن هظ°ذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذظ°لكم ما وصاكم به لعلكم تتقون ".
وضعت القدم الثالثة ، وقدمت الرابعة أملاً في المضي اكثر ، إذ رأيت نفسي لا تزال بخير، ولم أزلّ عن الصراط حتى الآن ، ولظ°كن.....!
فوجئت بظهور القبيح الأسود أمامي . آه إنه خلاصة أعمالي السيئة ظهر مرة اخرى ليوقعني في الهاوية. يا إلظ°هي ، انه يقف في مسيري ، ولا مجال للفرار منه ،تقدم نحوي، ووقفت أنا في مكاني مثل خشبة يابسة أنظر إلى الصراط فأراه شعرة في دقته ، وسيف في حدته ، وأنظر لما تحته ، فأرى جهنم سوداء مظلمة ملتهبة ، تنادي هل من مزيد.
وصل بالقرب مني فسألته : ماذا تريد مني في هذا الموقف؟
: أريد أن اوقعك في النار لتحترق فيها
: لماذا؟
: إسأل نفسك قبل أن تسألني الآن .
: وكيف؟
: أما كنت تعلم أن عمل السيئات يدخلك النار ، ألم يقل لك ربك "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون".
إذن فلا تلومني ولوم نفسك ، وإنما معاملتي هي طبق القانون التكويني الذي وضعه الله لخلقه ، وقد أرسل لكم في الأرض من يبلغكم به ، ويحذركم منه.
قال سعيد: أبرز أنيابه الصفراء مقهقهاً بصوت عالٍ ، فخرجت منه رائحة كريهة نتنه . تنفرت منه ،
وقلت : سبحان الله هذا من صنع نفسي!

ماذا فعل القبيح الأسود بسعيد وهو على الهاوية

الحلقة الرابعة والخمسون :~


بعد أن تقرب القبيح الأسود من سعيد
قال سعيد : أخرج سوطه ، وراح يضربني به حتى تحركت قدمي وزلت عن موضعها ، وأصبحت على وشك الوقوع ،
فناديت بأعلى صوتي : يازهراء ........
بصعوبة بالغة أرجعت قدمي إلى موضعها بعد أن لفحتني جهنم ببعض نيرانها ، وقفت حائرا بين العودة إلى ماكنت عليه ، وبين السير والتقدم للأمام . نظرتُ أمامي ، وإذا بامرأة حسناء جميلة واقفة على الصراط ! تمعنت فيها جيدا فرأيتها قد لبست أنواع من الحلي ، ولوّنت وجهها بألوان متباينة!
أما القبيح فلم يغادرني ، بل راح يحثني على النظر إليها ، والتمتع بجمالها ، وكدت أفعل ذلك ، لولا تذكري كلام عملي الصالح حين غادرته ،
إذ قال لي : (( لاتخدعك المظاهر ، وأنظر إاى حقائق الأمور...))، فيا ترى ما هي حقيقة هذه المرأة ، وماهو باطنها وغايتها؟ أتكون كالأفعى ظاهرها ناعم أملس ، وباطنها سم قاتل ؟ لاأعلم.
رفعت رأسي فوقع نظري عليها مرة أخرى وهي تبتسم لي وتدعوني للأقبال عليها ، فبقيت حائرا في أمرها ، وإذا بالقبيح يقول لي بأعلى صوته ، لاتضيع هذه الفرصة ، تقدم نحوها وتمسك بها ، سوف تأخذك بأمان إلى الضفة الأخرى .
سألته مستغربا من كلامه : كنت دائما تتوعدني بالعذاب والنار ، فلماذا هذه المرة تدعوني للسعادة والنعيم ؟!
أجاب سريعا : إن أعمالك الصالحة وملكاتك الحسنة لم تترك لي مجالا لذلك ، فيئست منك، لذا إردت إرشادك في نهاية مسيرتك إلى مايسعدك ، لعلك تذكرني بخير فيما بعد.
تقدمت نحوها خطوة بعد خطوة وأنا في حيرة عظيمة من أمري ، مترددا بين الخوف منها ، وبين الأمل بالنجاة بواسطتها ، دنوت ثم دنوت ، حتى وقفت أمامها، فارتفع صوت القبيح مقهقها فرحا، فقلت في نفسي : عجبا أن يفرح هذا القبيح لسعادتي!
قررت تركها وعدم الذهاب معها إن طلبت مني ذلك ،
لذا قلت لها : افتحي الطريق أمامي كي أسلكه وحدي ، فإني لستُ بحاجة إليك .
قالت ، وهي ضاحكة ساخرة مني : هيهات لك ذلك ، كيف أتركك وقد وقعتَ في مخالبي ؟!
قلت لها : من أنتِ؟
قالت : أنا الدنيا.
: وماذا تفعلين هنا؟ لقد انتهى دوركِ بعد أن غرزتي بزينتك الكاذبة ما لايحصى من خلق ربي.
في (( نهج البلاغة ، من كتاب له ( ع ) الى سلمان الفارسي : أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية : لين مسها، قاتل سمها ، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة مايصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها وتصرف حالاتها ، وكن آنس ماتكون بها أحذر ماتكون منها ، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور اشخصته عنه إلى الغرور....))
ضحكت مرة أخرى وقالت : وخدعتك أنت أيضا ، أليس كذلك ؟
لا أظن ذلك ، وليس لديك دليل عليه . أعظم دليل هو إقبالك نحوي الآن ، وهذا الإقبال إنما هو تعلقك بعالم الدنيا ، بعد أن خدعتك وجذبتك وأنت على الصراط.
قال سعيد : وماذا تريدين فعله معي ؟
إن كل من يتعلق بي ، ويخلد الى الأرض ، ويعمل لأجلي ، ظنا منه أني دار مقر لاممر ، سوف يسقط في الهاوية ، وتكون النار مستقرا له في الآخرة ، ومقدار العذاب فيها إنما يتبع درجة تعلقه بي.
قالت ذلك ودفعت بي جانبا ، فزلّت قدمي عن موضعها ، وتحركت الأخرى ، وخرجتُ عن الصراط لأسقط في هاوية النار...
لحظات لاتنسى ، إنها لحظات السقوط من الصراط متجها نحو جهنم....
نعم إنها لحظات الوقوع في النار ، وقد بلغت فيها حسرتي وندامتي ذروتها، وملامتي لنفسي قمتها،
فقلت لها يانفسي : أما كنت تعلمين أن من تغره الدنيا وزينتها يكون مصيره الآن ما أنا سائر إليه ؟ أما كان الأجدر بكِ أن تستثمري ساعات الدنيا القصيرة بما ينجيك من ذلة وعذاب مواقف القيامة التي مضت ، وماينتظرك ِ أقسى وأمر؟ أما وضعتِ القدم الثابتة على صراط جسر الدنيا الذي أرشدكِ أهل الدين إليه ؟ يانفسي ذوقي عذاب النار ، فما أصبرك عليها.
وصلت الطبقة الأولى من جهنم ، فجرني خزانها اليهم ، وسحبوني نحوهم. ، قيدوني بالسلاسل
فقلت لهم : لِمَ تعاملوني بهذه المعاملة القاسية ؟ إني كنتُ سيد جنة في عالم البرزخ بعدما تطهرتُ فيه ، فأين ذهب كل ذلك ؟
أجابني أحدهم برفقة سوط شلّني عن الكلام ،
فقال: انك لم تحاسب في البرزخ إلا على الجزء اليسير من أعمالك وعقائدك ، فتطهرتَ منها ودخلت جنته ، ولكن في عالم القيامة يكون الحساب شامل ودقيق على كل أعمالك وعقائدك ، وأفكارك، وملكاتك ، صغيرها وكبيرها ، مما لم تحاسب عليها في البرزخ . لم ينفعني ذلك معهم ، إذ حملوني وسلكوا بي طريقا طويلا في جهنم ، وخلال ذلك شاهدت مناظر يشيب الرأس لرؤيتها ، فكيف بمن هو مستقر فيها......

ماهي المناظر التي يشيب الرأس لرؤيتها ...............

الحلقة الخامسة والخمسون :~


قال سعيد : عندما سلك خزان جهنم بي الى طريق طويل في جهنم وشاهدت منظراً يشيب له الرأس لرؤيته.
رأيتُ بركة تسمى (( ماء الحميم)) يُسمع من على ُبعدٍ فوران مافيها، ورأيت أناسا يشربون منها، فتتورم شفاههم العليا حتى تغطي أنوفهم وأعينهم ، وتتورم شفاههم السفلى حتى تصل إلى صدورهم .
وهناك أناس آخرون يشربون من بركة ، ذات رائحة نتنة عفنة مملوءة بعرق الكفار ودمائهم ، تسمى (( غسّاقا)) .
قال تعالى : (( لايذوقون فيها بردا ولاشرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا)).
ومررنا من بعيد على مواقع في جهنم ، فرأيت نارا عظيمة مشتعلة ، وملائكة الغضب يُلقون الناس فيها وينادونهم ألم يأتكم نذير ، وكلما ألقوا فيها فوج ازدادت توقدا وسعيرا ، وسُمع لها شهيقاً وزفيراً ،
قال تعالى : (( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما أُلقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ))
وبين مدة وأخرى يُخرَجون منها وقد احترقت جلودهم ، فصارت كالفحم الأسود ، والنار ملتهبة في أحشائهم التي باتت ظاهرة بعد أن انسلخ الجلد منها .
كنتُ أشاهد توسلهم بالملائكة حين يُخرجون أن لا يلقوهم في النار مرة أخرى ، وأسمع صراخهم وندائهم أن يا مالك ليقض علينا ربك ، فيأتيهم الجواب من خازن تلك النار أن لا فائدة من صراخكم هذا ، إنكم فيها ماكثون.
قال تعالى (( ونادَوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون))
إزددت خوفا واضطراباً حين شاهدتُ تلك المناظر المرعبة والمشاهد المخيفة ، فسألتُ الملائكة المأمورين معي
: عمّا يراد فعله بي ، فلم يجبني أحد ! بل لم يلتفت لكلامي حتى يجيبني.
مضينا إلى حيث يشاء الله لنا ، ولاأعلم أي شئ أراد الله لي ، وإلى أي أمر سيؤول مصيري .....
مضينا حتى وقفنا عند مجموعة من الملائكة وقد اجتمعوا حول إنسان يعذبوه .
شاهدت ملكا أتاه فثقب صدره الى ظهره ،وآخر نتف شعر رأسه ، وآخرون كانوا يضربوه بمقامع من حديد مُحمر
بينما كان ذلك الشخص يصرخ ، ويقول : أما ترحموني ....
أتاه الجواب من الزبانية : ياشقي ، كيف نرحمك ولايرحمك ارحم الراحمين ، أفيؤذيك هذا؟
فقال : اشد الأذى
فأجابوه : ياشقي ، كيف لو قذفنا بك في نار جهنم التي لم تدخلها بعد!
صرفت نظري عنه بعد أن أصابتني رعشة في بدني من قساوة ماشاهدته ، وشاب شعر رأسي خوفا من أن يكون عذابي مثله .
لم يمضي وقت حتى سمعتُ ذلك الإنسان وقد صرخ صرخة عظيمة ، فالتفتُ نحوه وإذا به قد قذفوه في أعماق النار....
توجه أحد الزبانية الذين كانوا يعذبونه إلى الزبانية المأمورين معي
وقال لهم:لقد هوى في العذاب سبعين ألف سنة ! فماذا عن صاحبكم؟
أجابوه ، وقالوا له : انه من أمة النبي الخاتم محمد( ص ) ونحن قد أُمرنا بإيصاله إلى وادي عذاب الموحدين من أمته .
قال الملك :إذن صاحبكم ذو حظ عظيم ، وسوف لن يشاهد مراحل العذاب الكبرى في الطبقات السفلى .
مضينا في مسيرنا مرة أخرى ، ويبدو أن الطبقة الأولى من جهنم أيضا لها دركات مختلفة من العذاب ، وشاهدت في بعضها رجالا تُقطّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار ، ثم يرمى بها ، وبعد السؤال علمتُ أنهم كانوا خطباء الناس وشعرائهم الذين يقولون مالا يفعلون.
وفي بعضها رأيتُ عقارب سوداء حجمها كالبغال، تلسع بعض الناس ، فيهربون منها ، ولكن هيهات لهم الفرار، إذ تستقبلهم حيات سوداء ، مرعبة ضخمة في هيئتها ، طويلة أنيابها ، تخرج النيران من أفواهها لتلسعهم هي الأخرى ، فيصرخون ويهربون منها ليعودوا للعقارب من جديد ، وهم كذلك في دوّارة بين هذه وتلك.
كان الزبانية معي يعاملوني بقسوة خلال مسيري معهم ، ولكنها كانت في نظرهم جيدة ، رغم الضرب والسياط منهم ، والذي كان يأتيني من كل جانب وبين الحين والآخر
إذ قال لي أحدهم ذات مرة : إن مأموريتنا إيصالك إلى وادي الموحدين ، لذلك فنحن نُظهر لك احترامنا حتى وصولنا إليه، ولاتخف كثيرا، فإن ما تشاهده في هذه الطبقة من جهنم هو أدنى درجات العذاب فيها ، وسوف لانقودك إلى الطبقات السفلى منها.
استمر مسيرنا في أخف طبقات جهنم كما يزعمون ! حتى انتهينا إلى مجاميع من نسوة كُنَّ يُعذَّبن بألوان العذاب .
أوقفوني هناك ، وقال لي أحد الملائكة المأمورين معي بعد أن أشار أليهن
: لاتظن أنهن من الأمم السالفة ، بل من أمة نبيكم خاتم الأنبياء . تمعنت فيهن فأنكرتُ شأنهن ، وارتعشت فرائصي لعذابهن ،
إذ رأيتُ امرأة معلقة من شعرها ، ويُسمع صوت غليان دماغها ، وفوران أحشاء رأسها . وأخرى معلقة من لسانها ، والحميم يُصب في حلقها ، وأخرى كانت تأكل لحم جسدها وتقطّعه بأنيابها ، وقد توقدت النار من تحتها .
ألوان عذاب لايتحملها الناظر لها ، فكيف بمن وقع فيها!
وجهت نظري نحو مجاميع أخرى ، فوقع نظري على امرأة قد شُدّت رجلاها إلى يديها ، وقد سُلطت عليها العقارب والأفاعي تلدغ بها ، ولفت نظري امرأة أخرى كان رأسها رأس خنزير ، وبدنها بدن حمار ، وهي تُعذب بأنواع لاتحصى من العذاب . وأخرى على صورة كلب والنار تدخل فيها

الحلقة السادسة والخمسون :~


عندما سأل سعيد أحد الملائكة عن عمل وسيرة النساء في الدنيا حتى يُسلط عليهن هكذا أنواع من العذاب .
أجابه ، وقال: أما المعلقة من شعرها فإنها كانت لا تستره عن الرجال
وأما المعلقة من لسانها فكانت تؤذي زوجها
وأما التي تأكل جسدها وتقطعه بأنيابها ، فهي التي كانت تزيّن بدنها وتجملّه للناس
وأما التي شُدّت يداها إلى رجليها ، والعقارب والأفاعي تلدغ بها ، فإنها كانت قذرة في ثيابها ، ولاتراعي وضوئها، ولاتتنظف بالأغتسال من النجاسات التي توجب الغُسل عليها.
ثم سأل سعيد الملك: وما بال التي رأسها رأس خنزير ، وبدنها بدن حمار؟
أجاب وقال: هي النمامة الكذابة ،
والأخرى على صورة الكلب فهي النواّحة المغنّية .
انطلقنا بعد توقف يسير حتى اقتربنا من شجرة كبيرة جدا تخرج في أصل الجحيم ، فطلبت من الملائكة المأمورين معي الذهاب إليها لأكل بعض الشئ منها ، إذ بلغ بي الجوع مبلغه ، وأصبحت حاضراً لتناول أي شئ أسد به رمقي ، وأطفئ به عطشي ، والغريب أن هذه المرة استجابوا لطلبي ، وقادوني لتلك الشجرة !
اقتربنا منها أكثر وأكثر ، فإذا بها شجرة مرعبة موحشة في شكلها وطلعها ، إنها شجرة الزّقوم
وهي كما قال عنها القرآن الكريم : (( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )).
عليها سبعون ألف غصن من نار ، وفي كل غصن سبعون ألف ثمرة من نار ، وكل ثمرة كأنها رأس شيطان قُبحا ونتنا، وقد تعلق على كل غصن من الزقوم سبعون ألف من الرجال والنساء ،
حاولت العودة ، وتوسلت بهم للتراجع عن طلبي ، ولكن لاجدوى ولاسبيل لذلك. أكلت من ثمرها كُرهاً فإذا بها أمرّ من الحنظل ، وانتن من الجيف ، وأحر من الجمر، واصلب من الحديد! وقعت في بطني فأصبحت تغلي في أحشائي كغلي الحميم .
إلهي ماذا أفعل ، ثمرة واحدة عملت بي ماعملت ، فكيف بمن طعامه الدائم منها!
رميتُ بنفسي من أعلى الشجرة إلى أودية أسفلها ، لعل وضعها يكون أفضل ، وحرارتها أقل ، ولكنها كانت أودية مذابة من الصفر والنحاس، واشد حرّا
من النار والزقوم التي هربتُ منها .
وقعت في تلك الأودية فرأيت فيها أناساً سبقوني السقوط فيها ، وهي تغلي بهم ، ثم ترميهم على حوافها ، حيث هوام النار من الحيات والعقارب والوحوش المرعبة في أشكالها ، إذ رمي بي إلى حافة الوادي ، فراحت العقارب تقترب مني ، والحيات تتراقص فرَحاً بقدومي ....!
اجتمعت وحوش أخرى من جهة ، والأفاعي والعقارب من جهة أخرى ، وتعلقوا بي ، وراح كل واحد منها يلدغ في بدني ، ثم يمزّقه ويقطعّه ، ثم يفعل فيه مايشاء ، وأنا أصرخ وأستغيث ومامن مغيث......
أشار لهم خازن النار بالأبتعاد عني، فابتعدوا لكن بأي حال تركوني ....
تركوني ممدودا على الأرض ، لاأعلم أي الآلام أشكوها ، وأي الجروح أداويها ، فكل بدني سموم وجروح وقروح .
فتحت عيني بعد جهد كبير ، وإذا بكلاب ضخمة كالجمال ، سوداء في لونها ، مخيفة في هيئتها ، إنها كلاب من نار ، تنتظر أمر الحملة على هذا العبد المسكين ! وقد جاءها الأمر بذلك ، فحملت حملة واحدة ، وراح كل واحد منها يقطع قطعة من بدني ، فتسيل الدماء منه ، ثم يُدفع بتلك القطعة في حلقي لتمزق أمعائي بحرارتها مع ما بها من رائحة نتنة عفنة ، وتتكرر ذلك حتى لن يبق لجلدي وجود ، وانكشفت أحشائي ، فراحت الكلاب تدوس على عظامي وتنهشها ، آه ليت في النار عدم وفناء ... ظهر خازن النار وسط هذه الغبرة وهو يشير نحوي ،
ويقول: أتأكل لحم أخيك في الدنيا وتطلب الفناء الآن ، أتسمع الغيبة على المؤمنين ولاترد عليها .
ناديته بما لدي من طاقة وقوة ضعيفة : متى كان ذلك ؟ إني تركت الغيبة وفررتُ منها كفراري منكم الآن .
وبعد هذه المدة الطويلة جاءني الجواب من خازن النار،
وقد أعطى الأمر للجميع بالأنصراف : في يوم كذا أُغتيب في حضرتك فلان فلم تنصره ، ولم تنطق بكلمة واحدة تدافع بها عنه مع قدرتك على ذلك ، وفي يوم كذا مرّ فلان أمامك فغيّرت َ ملامح وجهك ، وأشرتَ اليه بيدك اشارة فهم الحاضرون منها استحقارك له. لم يكن لي سبيل لإنكار ماذكره ، ولكني اعترضت عليه من جهة أخرى ، وقلت : ثلاث سنين طول مدة العذاب لأجل هذا الذنب الصغير ؟
غضب الملك وقال: أما علمت في الدنيا أن الغيبة اشد من الزنا؟
في الخصال (( عن النبي ( ص ) أنه قال: الغيبة أشد من الزنى ، فقيل يارسول الله ولما ذلك ، قال: صاحب الزنى يتوب فيتوب الله عليه ، وصاحب الغيبة يتوب فلايتوب الله عليه حتى يكون صاحبه الذي يحلّه ))
نكست رأسي ، وأجبته : نعم قد علمت ذلك ، ولكن هل جزاءه ثلاث سنين من العذاب ، وبهذا الشكل منه ؟ أمن العدل ذلك ؟ أم هل هناك تناسب بين العمل والجزاء الذي تعذبون به عباد الله؟
رفع الملك كل أنواع العذاب عني ، وأزال آلامي ، فتمكنت من الجلوس والتحدث معه ، حينها قال لي : إن عذابك عندي قد انتهى .
اردت منه تعليقا وجوابا على ما اعترضت عليه ، لكنه لم ينطق بشئ، فبادرته هذه المرة بالشكوى منه .

الى من يشكو وماهي هذه الشكوى ؟...........

الحلقة ستة وخمسين :~


عندما قال الملك لسعيد ان عذابك عندي قد انتهى .
قال له سعيد : إني أشكوك الى الله الواحد القهار الذي لايظلم عباده مثقال ذرة ، ولايجازي أحدا بأكثر من ذنبه .
توجه نحوي ، وقال: أي أمر تعني.
: إني لم أعصِ الله إلا لحظات ، ولم أجلس في مجالس الغيبة إلا ساعات ، فلماذا هذا العذاب ثلاث سنين ؟ لماذا لايكون ساعات أيضاً؟
أطرق الملك قليلا ، ثم أجاب: أما رأيتَ في الدنيا إنسانا قذف بنفسه من جبل ، فتكسّرت أعضائه ، وأصبح عاجزا عن المشي والحركة طوال حياته في دنياه ؟ لماذا لم تقل إن الخطأ كان لحظات فقط ، فلماذا حُرِم من الحركة عمراً بأكمله ؟ وهل أن أحدا عاقبه بهذا الجزاء في العجز عن الحركة ، أم أنه كان جزاء وأثر طبيعي لعمله هذا؟
لم أجبه لان كلامه لاشائبة فيه ،
ثم استمر في حديثه : إن كل ما لاقيته في جهنم وستلاقيه ، إنما هو أثر أعمالك السيئة ، وأنت صنعته لنفسك ، وليس لك الحق في الأعتراض عليه ،
لم يبق لي أي مجال في محاججته ، لذا سلك فكري طريقاً آخر ،
وذهب خيالي إلى مسألة الشفاعة والتوسل بها، ولكن الملك بادرني سريعاً بقوله : حتى الشفاعة التي تتأملها من أهل المقامات العالية ، إنما هي اثر لارتباطك بهم ، وسلوكك طريقهم ، كما إنها لاتتحقق لك إلا إذا كنتَ قد هيأتَ شروطها في عالم الدنيا ، ورفعتَ موانعها.
لم تمض فترة طويلة حتى أتاني مجموعة من زبانية جهنم ، فأصابني خوف عظيم منهم ، وارتعش كل بدني حين رأيتهم .
امسكوا بي وسحبوني بقسوة ، فقلت لهم : إلى أين هذه المرة ؟
فقال أحدهم : إن في جهنم واديا تعوذ منه النار كل يوم أربعمائة مرة ، أُعدّ للمرائين من القرّاء، ويسمى وادي جب الحزن
في كتاب جامع السعادات (( قال ( ص ) استعيذوا بالله من جب الحزن ، قيل وماهو يارسول الله ؟ قال: واد في جهنم أُعد للقراء المرائين )).
ولكني لم أكن من قراء المنابر على الناس .
قال ملك آخر : كنتَ تقرأ على زملائك النصائح والمواعظ حتى يُقال عنك أنك إنسان تحب الخير لهم ، ولاتبغي إلا رضوان الله فيهم ، وكنت تنصح رياءً بما لم تفعله ، كنتّ تظن أن عملك هذا لله ، ولكن لو تمعنت فيه قليلا لوجدته للناس قبل أن يكون لله .
في تلك الأثناء مرّ بنا مجموعة كبيرة من الملائكة ومعهم آلاف مؤلفة من الناس المسودة وجوههم ، المحترقة أبدانهم ، يصرخون ويستغيثون، وقد شدت في أعناقهم سلاسل غليظة من نار. انهم المتكبرون على الناس وعلى الله والمكذبون لرسوله ، وهم المخلدون في النار ، والآن يساقون إلى وادي سقر ، وهل تعلم ما وادي سقر ؟
قال سعيد : كلا ، لا أعلم .
قال الملك :إنه وادي يفوق جميع وديان جهنم في حرارته ، وأنه دار عذاب للمتكبرين .
بعد ذلك سيق بي الى وادي المرائين فرأيت فيه مد البصر من البشر ما لاتحصى أعدادهم ، والكل يبكي وينادي بالويل على نفسه .
استقبلتني الزبانية بأسواط مؤلمة ، ومقامع من نار ملتهبة ،
ثم قال لي أحدهم : يا شقي هل تريد ثواب أعمالك الصالحة التي عملتها في الدنيا ؟
استغربت من سؤاله هذا ، فأجبته : نعم أريدها ، فلعلها تنجيني من شر هذا الوادي وعذابه ؟
ضحك ساخرا من كلامي ، وقال: ياخاسر ، لقد عملتَ بما أمر الله عز وجل، ولكنك أردتَ به غيره ، ورغبت في مدح سواه . وياشقي لقد حبط عملك ، وبطل أجرك ، ولاخلاق لك اليوم ،
فالتمس ثوابها ممن كنت تعمل له ، وهيهات لك ذلك.
في الكافي (( قال ابو عبدالله ( ع ) : كل رياء شرك، إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله ))
قال كلامه هذا ، وألقى بي من أعلى الوادي ، ولم أصل إلى أسفله إلا وأنا مكسر الأضلاع ، مهشم العظام ، وقد دخلت الأشواك في جميع أنحاء بدني ، وما أن وصلت حتى استقبلتني زبانيته وأنا في هذه الحال لتقودني إلى النار ، وأنواع من العذاب...
قال سعيد : بقيت في هذا الوادي سنين عدة ، وأي سنين ! كل لحظة فيها كانت تعادل ألف عام أو تزيد عن ذلك لقسوتها ، وشدة ألم العذاب فيها ، حتى جاء اليوم الذي أتتني فيه ملائكة الغضب الذين ساقوا بي إلى هنا ليخرجوني منه وينقلوني إلى مكان آخر .
سألتهم عن أي مكان يراد بي ،
فجاءني الجواب : إلى وادي عذاب الموحدين من أصحاب الذنوب الكبيرة .
اعترضت عليهم إنني لم ارتكب في الحياة الدنيا ذنوبا كبيرة . إن كنتم على صواب ، فقولوا لي اي ذنوب كبيرة قد عملتها؟
جاءني الجواب برفقة سوط من أحدهم : هناك الكثير من الذنوب الكبيرة عملتها وتظن انها صغيرة ، ثم أما علمت أن الأستهانة بصغائر الذنوب ، والإصرار عليها يُعد من الكبائر؟

هاهو سعيد في وادي الموحدين وكلهم من أصحاب الذنوب الكبيرة لنرى ماذا ارتكب سعيد من الذنوب الكبيرة ..........

الحلقة الثامنة والخمسون :~


قال سعيد : دخلنا وادي الموحدين ، فإذا به من البشر مالايحصى عدده ، وكلهم من أصحاب الكبائر من الموحدين الذين ماتوا على كبائرهم ، غير تائبين منها .
كنتُ ضمن مجاميع الموحدين من أمة النبي الخاتم (ص )
فسألتُ أحدهم حين الدخول معهم : كم سيكون المكث هنا ؟
فقال: بعضهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث سنة ، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خُلقت إلى أن فنيت !
في تفسير الميزان : ( عن علي بن أبي طالب ( ع ) قال: قال رسول الله ( ص) : إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم ، غير نادمين ولاتائبين ، ....... فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ، ومنهم من تأخذه إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ..)
جزعت من جوابه ، فما أصبرني على العذاب فيه !
مضت فترة ونحن بانتظار أمر الجليل فينا ، حتى أتى الوقت الذي جاءنا فيه (( مالك )) خازن كل النار وهو يحمل أمر العزيز الجبار .
لم يمض وقت حتى أتى مالك، وهو ملك عظيم الخلقة ، مهيب الشكل ، مرعب الوجه ، قاطب عابس ، له من الهيبة والعظمة بدرجة أن زبانية النار لايتجرؤون على الكلام معه ، إلا من أذن له .
توجه مالك نحو بعض من الملائكة ، وسألهم: من هؤلاء؟ ما ورد علي من الأشقياء أعجب منهم ، لِمَ لمْ تسود وجوههم ، ولم توضع السلاسل والأغلال في أعناقهم ؟
تكلم احد الملائكة ، ويبدو انه رئيس مجموعة فيهم ،
فقال: هكذا أتونا ، فسقناهم إلى هنا بانتظار أمركَ فيهم.
توجه مالك نحونا، فارتعشت أبداننا رهبة منه ، ثم قال: يامعشر الأشقياء من انتم ؟
أجاب جمع منا وكنتُ معهم: نحن ممن أُنزل علينا القرآن ، ونحن ممن كنا نصوم شهر رمضان ، ونحج بيت الله الحرام ، و....
قال مالك : ما نزل القرآن إلا على النبي الخاتم محمد.
قال سعيد : سمعنا اسم محمد( ص ) فصحنا وصاح الجميع معنا
: نعم ، نحن من أمة النبي الخاتم محمد.
قال:أما كان لكم في القرآن زاجراً عن معاصي الله ، أما كان لكم في رسول الله وعترته أسوة حسنة إن كنتم ترجون الله واليوم الآخر ؟
أصابتنا الخيبة من كلامه ، ونكسنا رؤوسنا إلى الأرض خجلاً واستحياءً منه، وارتفعت أصواتنا بالبكاء ، حتى لم تبق لعيوننا دموعا بعد جفافها، فبكينا دماً!
إستغرب مالك منا ذلك ،
فقال: أتبكون دماً ، فما أحسن لو كان هذا في الدنيا من خشية الله ، ولو كنتم كذلك ما مستكم النار اليوم .
توجه نحو الزبانية ، وقال لهم : ياخزنة جهنم ، ألقوهم في النار ، فإنهم قد عصوا أمر الجبار ، ويا نار خذيهم .
ضج الجميع ، وعلت الأصوات ، والكل ينادي
: ((لاإله إلا الله )) حتى تراجعت النار عن موضعها ، فتوجه مالك نحوها
وقال: يانار أمرتكِ بإحراقهم ، فافعلي ماتُأمرين به .
ارتعشت النار خوفا من مخالفة أمر مالك ،
ثم قالت: كيف أأخذهم يامالك وهم يقولون (( لاإله إلا الله ))
قال مالك لها: نعم خذيهم ، فبذلك أمر رب العرش .
لم ترفض النار أمر مالك بعد أن علمت أن الأمر من العلي الأعلى، فبدأت تأخذ بنا كل حسب منزلته، ولاسبيل للفرار والتخلف عنها ، فمنّا من أخذته إلى قدميه ، ومنا من أخذته إلى ركبتيه ، ومنا من أخذته إلى عنقه ، أما أنا فقد أتتني النار لتأخذني ، فهربت منها ولحقتني حتى حُجزتُ في موضع لامجال للفرار منه، حينها وقفت النار أمامي وفرائصي ترتعش منها ،
وقالت : يا شقي ، أما علمتَ أن لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الأستغفار ؟
قلت لها : إني تبتُ من كل ذنب كبير ، والصغائر كنت غافلاً عنها ، فلماذا احترق بكِ؟
اشتد لهيبها وكأنها غضبت من كلامي ، ثم قالت : هي الغفلة يا شقي ،هي الغفلة .
قالت ذلك وارتفع شهيقها، وقفزت نحو قدمي ، فصرخت ألما من حرارتها ،
وناديت بأعلى صوتي : لا، لاتحرقي قدمي ، لاتحرقيها ....
لم تسمع ندائي ، ولم ترحم صراخي ، فلصقت بهما حتى احترق جلديهما ، وراحت تتوغل في أحشائهما وعظامهما.......
العجب كل العجب أني سمعت شخصاً بجنبي قد أخذته النار إلى فخذيه يحسدني على حالي ، ويقول لي : ليتني كنت مثلك ، ليت النار لم تحرق إلا قدمي !
أرادت النار أن تأخذ وجوه بعض من في الوادي
فصاح بها مالك : لاتحرقي جباههم فلطالما سجدت للرحمن عليها ، ولاتحرقي قلوبهم فلطالما عطشت في شهر رمضان ، ولاتحرقي لهم السنة فلطالما تلو بها القرآن .
أنفذ الله حكمه فينا، وبقينا على هذه الحالة ماشاء الله لنا من المدة الطويلة ، وبرغم تلك الآلام العظيمة، والمصيبة الجسيمة، وشدة الزحام وضيق المكان
وبرغم صراخ المعذبين وصياح المحترقين ، وجدت لي موضع جلوس في الوادي فجلست للتفكير والدعاء للجبار ،
وقلت في نفسي : أليس كل عمل في الدنيا يظهر باطنه هنا، فأين بواطن دعائي في ليالي الجمعة ؟ ومناجاتي بدعاء الجوشن الكبير ليلة القدر ، وأين تجسمات دموعي خوفا من ناره وطمعا في جنته ؟

ناديت ربي بجمل من دعاء كميل بأقدام محترقة ودموع جارية ...........

الحلقة التاسعة والخمسون :~


عندما قال سعيد : مضت فترة ونحن ندعو الله ونتوسل اليه ، ونطلب منه أن يأذن بشفاعة نبينا محمد فينا، حتى وصلتنا الأخبار من الملأ الأعلى تقول بأن الله سأل جبرائيل : (( مافعل العاصون من أمة محمد ؟
فقال جبرائل : (( إلهي أنت أعلم بهم ))،
فقال عز وجل : (( انطلق ياجبرائيل وانظر ماحالهم )).
بعد انطلاقه الى مالك وجده جالسا على سرير من نار وسط جهنم
فقال له : يامالك ، ماحال العصابة من أمة محمد خاتم الأنبياء؟
أجابه مالك، وقال: ما أسوء حالهم ، وأضيق مكانهم ، قد أحرقت النار أجسامهم ، وأكلت لحومهم ، وبقيت وجوههم وقلوبهم يتلألأ فيها الإيمان . يا جبرائيل أنت تعلم أني لو خالفتُ العزيز الجبار قيد أنملة فيهم لاحترقتُ .
سمع جبرائيل منه ذلك فطلب منه أن يرفع الطبق عنا لينظر الينا .
بعد ان رفع الطبق عنا، وإذا بأنظارنا تقع على مخلوق في غاية الجمال والهيبة بين صفوف الملائكة
تمعنت فيه فعلمت أنه ليس من ملائكة العذاب ، وهو يستبشر كل من يشاهده وينظر إليه ، تسائلنا فيما بيننا عمن يكون، لم نر مخلوق من قبل أحسن منه وجها ، واجمل منه صورة .
نادى مالك ليخبرنا أن الذي أمامكم هو جبرائيل الكريم على الله ، الذي قال الله تعالى بشأنه في القرآن
: (( ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين )) ، فهو أمين الوحي على نبيكم الخاتم محمد ، فهل عرفتموه؟
ضج الجميع ، وراح الناس يتسائلون فيما بينهم عن سبب مجيئه
قال سعيد : أما أنا فاستبشرت كثيرا بقدومه ، ولعل ذلك مقدمة لنجاتنا .
تقدمتُ نحوه بصعوبة بالغة ، إذ كنتُ أحسنهم حالا رغم أن النار أحرقت قدماي ، وكلما تقدمتُ أكثر أصطحبت أُناسا هم في درجتي حتى وصلناه ، فانبهرنا أكثر من عظمة خلقه.
اضطربتُ عندما توجه نحوي جبرائيل وأنا في حالة يرثى لها ،
فقال لي: كيف حالكم وماذا تريدون ؟
أجبته بلسان من يتلكأ في كلامه : ياجبرائيل ، يامن حمل أعظم أمانة إلى أكمل إنسان خلقه الله، يامن هو في الملأ الأعلى مطاع ثم أمين ، اقرأ نبينا محمد منا السلام ، وأخبره أن معاصينا قد فرّقت بيننا وبينه ، وأخبره بسوء حالنا وأننا بانتظار شفاعته فينا .
لم يطل بقائه فينا حتى غادرنا وأُغلق طبق جهنم علينا ، ولم نعلم بعدها ماذا حدث ، حتى وصلنا خبر يقول
: بعد أن ذهب جبرائيل وقام بين يدي الله ، قال الله تعالى له : (( ياجبرائيل كيف رأيت العصاة الموحدين من أمة محمد؟))،
فأجاب جبرائيل : (( يارب أنت أعلم بهم ، ما أشد حالهم وأضيق مكانهم ، تركتهم يستغيثون بنبيهم ، ويطلبون شفاعته فيهم )).
قال الله تعالى : (( هل سألوك شيئا؟))،
فقال جبرائيل : (( نعم يارب ، سألوني أن اقرأ على نبيهم السلام واخبره بسوء حالهم ))
فقال الله تعالى : (( انطلق الى حبيبي محمد وابلغه ذلك)) .
انطلق جبرائيل ودخل على النبي محمد (ص) وهو في خيمة من درة بيضاء ، ولها أربعة آلاف باب ، ولها مصراعان من ذهب ، فقال له بعد السلام عليه : (( يامحمد جئتك من عند العصاة الموحّدين من أمتك ، وقد تركتهم يُعذَّبون في النار ، وهم يقرءوك السلام ، ويقولون : ما أسوء حالنا ، وأضيق مكاننا، فأين نبينا ليشفع فينا))
(( في كتاب عالم مابعد الموت ، للفيض الكاشاني )).
لم يترك النبي الحال كما هو ، وهو مظهر رحمة الله، إذ أتى عند العرش وخر ساجدا ، وأثنى على الله ثناءً لم يثنه أحد مثله ،
فقال الله عز وجل : (( ارفع رأسك يامحمد ، واسأل تعطى، واشفع تُشفَّع))،
فقال النبي(ص) : (( يارب ، إن الأشقياء من أمتي قد أنفذتَ فيهم حكمك ، وأنت أرحم الراحمين ))،
فقال الله تعالى : (( قد شفعتك فيهم يامحمد ، فأت النار وأخرج منها من قال لااله إلا الله ، وكان أهلا لشفاعتك )).
قال سعيد : بلغ شوقي أشده لرؤية النبي الخاتم وأهل بيته بعد علمي بما حدث ، فهم شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء .
تعقّبتُ أخبار النبي وآله ، فعلمتُ أنهم قد وصلوا إلى مالك ، وحين نظر إليهم قام لهم تعظيما لمقامهم ،
فقال النبي الخاتم ( ص ) بعد السلام عليه : (( يامالك ماحال أمتي من الأشقياء ؟))،
فقال مالك: (( هم في حالة سيئة جدا، قد أحرقتهم ذنوبهم حتى وصلت لدى بعضهم إلى أعناقهم، وهم يستغيثون ويصطرخون ، ولشفاعتك يتألمون)).
قال الخاتم (ص) : (( يامالك افتح الباب ، وارفع الطبق عنهم )).
فتح الباب ، ورُفع الطبق عنا......
: ياإلهي ماذا أرى ، إنهم خمسة أنوار يحيط بهم الملائكة من كل جانب ، إنهم أصحاب الكساء الخمسة ، نعم ، هم فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ، هم أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة......
أجل ها هو رسول الله يتقدمهم ، وقد أضاء الوادي من انعكاس أنوارهم بعد ان كان معتماً شديد الظلمة، وقامت الملائكة اجلالاً ، وأمروا الناس بالقيام إكراما للنبي وآله .
: حاول جمع من المعذبين التوجه نحو خاتم الأنبياء والأقتراب منه ، فلم يتمكنوا من ذلك ، إذ هم لايطيقون نوره عن قرب ، ومقامهم لايسمح بنيل ما يرمون إليه، لذا نادوه من مكان بعيد ، وطلبوا شفاعته فيهم ونجاتهم مما أصابهم .
قال لهم الخاتم ( ص ) : (( ياأهل هذا الوادي من أمتي، أجيبوني ماذا فعلتم بالثقلَين من بعدي؟)).
في الكافي ، (( قال أبو جعفر ( ع ) قال رسول الله ( ص ) : أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي ، ثم أسألهم مافعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي)).
صمت الجميع ولم يجبه ، وأصابتهم دهشة شديدة من سؤاله منهم .
تعالت الأصوات وهي تقول: يارسول الله ، وما الثقلين ؟
أجابهم خاتم الأنبياء مستنكرا سؤالهم ، إذ قال : ألم أقل لكم : (( إني قد تركت فيكم الثقلين ماإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وأحدهما من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
اجتمع أصحاب الأصوات المتفرقة في مكان واحد ، ودار الحديث بينهم وبين الخاتم ( ص ) إذ قالوا له .

ماهو الحديث الذي دار بين الأصوات المتفرقة والخاتم ( ص )

الحلقة الستون :~


بعد أن اجتمع أصحاب الاصوات المتفرقة في مكان واحد، دار الحديث بينهم وبين الخاتم (ص)
اذ قالوا له: أما كتاب الله فقد عملنا به ، وأما عترتك فلم نعرفهم يارسول الله .
رد الرسول معترضا على جوابهم ، فقال: (( كيف تدّعون أنكم عملتم بكتاب الله دون العترة ، وقد أخبرتكم أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وقد فرقتم بينهما ، انتم لم تعرفوا اسرار القرآن لأنكم لم تعرفوا عترتي حتى يعرفوكم به وهل يمكن العمل بالشئ دون معرفته؟ )).
قالوا : إن علماؤنا لم يعرفونا بعترتك ، ولم يذكروها في كتبهم ونحن تبعناهم ، من أجل الوصول الى الجنة .
أجابهم الخاتم بقوله : (( إن علمائكم الذين عرفوا الحقيقة، واستيقنوا بها ، ثم جحدوها وحجبوها عنكم ، إنما هم الآن في الدركات السفلى من النار . أما أنتم فهلاّ سألتم عن الثقل الأصغر الذي لايفارق كتاب الله من هم؟ وهلاّ حاسبتم علمائكم عن سبب تركهم لهم )) .

( إن كلام وخطابات خاتم الأنبياء (ص) والتي ذكرناها في هذه الأحداث من الرواية ورَد معناها في الأحاديث والروايات والكتب المعتبرة ، وليس بالنص الحرفي منه(ص ).

استمر كلام الخاتم (ص) ليقول: (( ثم كيف تقولون أنكم عملتم بكتاب الله، وكتاب الله يقول لكم : (( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ، وقد بين القرآن من هم ولاة أمركم ، كما بينت أنا لكم ذلك ، فلا أطعتم الله ، ولارسوله فيكم ، ولاأطعتم ولاة أمركم)).
استأنف الرسول عتابه لهم وقال: الم أقل لكم: (( إن مثَل أهل بيتي فيكم مثَل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)).
ألم أقل لكم : (( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الأختلاف)).
ضج الناس جميعا بالبكاء على اثر عتاب الرسول الخاتم لهم، ولكنه استمر في كلامه وقال
: إن أحاديثي هذه وعشرات أمثالها موجودة في كتب مذهبكم لو تفحصتم وتعقبتم لعرفتم ، لكنكم أسلمتم رقابكم لأئمتكم ، واتبعتموهم دون تحكيم عقل ، أو تدقيق أمر)) .
قال سعيد : أصبحنا لانسمع إلا أنين وبكاء وطغى صراخ جمع من النساء والرجال ، ودعائهم على انفسهم بالويل والثبور، وهناك أصوات أخرى تنادي رسول الله أن
(( نستميحك العذر ياخاتم الأنبياء)).
توجه رسول الله (ص) نحو علي ( ع ) وأشار إليه ، ثم خاطب الناس ،
وقال : ثم مالكم اختلفتم من بعدي في علي وذريته ، وقد أخبرتكم في أول بعثتي أن (( هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم)) .
وأمرتكم بالسمع والطاعة له ، لكنكم قطّعتم دينكم إلى فرق ومذاهب ، وتركتم حبل الله المتين ، فبقي القرآن وحيداً غريبا يفقد صاحبه ، ومفسّره ، ومَن يعلم تأويله وبواطنه.
وفي موطن آخر قلتُ لكم: (( من أراد أن يحي حياتي ويموت ميتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي ابن ابي طالب ، فانه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة)).
طال الحديث بين الطرفين حتى لم يبق للناس حجة على رسول الله ، حينها أعرض عنهم ، وأشار إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، وقال للناس الكلام الأخير في حقهم : (( إن الله تعالى خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين في عالم الملكوت قبل أن يخلق أبيكم آدم (ع) بألفي عام ، حين لاسماء مبنية ، ولا أرض مدحية ، ولاجبال مرسية ، ولابحار مجرية ، ولارياح مسرية ، ولاشمس مضيئة ، ولاقمر منور، ولاظلمة ولانور ، ولاجنة ولا نار )).
قال خاتم النبوة كلامه هذا ، ثم أشار لعلي وفاطمة أن اشفعوا في أمتي لمن ترونه لائقا لشفاعتكم ، متّبعا لولايتكم.
قال سعيد : غمرتني فرحة كبيرة حين علمتُ بذلك ،
لذا جمعت عددا من المؤمنين بولايتهم ، والسائرين على نهجهم ، وتوجهت بهم نحو النفوس العارفة ، والأنوار المنيرة .
تمكنا من الدنو منهم ، حتى توقفنا عند الحد الذي لايجوز لنا تخطّيه، فناديتهم بقلب عاشق لهم ، وأديتُ التحية بخطابي إياهم ،
والجمع يردد معي ما أقول : (( السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزّان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الأمم)).
السلام عليكم يا من هم: (( الصراط الأقوم ، وشهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء ، والرحمة الموصولة ، والآية المخزونة ، والأمانة المحفوظة ، والباب المبتلى به الناس ، منأتاكم نجا ومن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون وعليه تدلون)).
قال سعيد : توقفت عن مدحتي لهم ، وساد صمت بين جموع الناس في الوادي ، فقام الجميع إجلالا للنبي وآله بعد علمهم بمقامهم ومنزلتهم عند الله، وتغيرت ملامح معظم الناس ، خجلا مما جهلوه عن نبيهم وأوصيائه ، وبين دهشة البعض وخجل الآخر ، وبين بكاء الباكين أسفا وحسرة المتحسرين ندما ,
تقدمت الزهراء بنورها البراق ....
نعم ، تقدمت الزهراء بعد أن أوحى الله عز وجل لها أن يافاطمة : سليني أعطك وتمني أُرضك ،
قالت فاطمة ( ع ) ..........

لنتابع الحلقة التالية ماذا قالت فاطمة لله الأعز الأجل الأكرم ...................


تابع



التعديل الأخير تم بواسطة ولاية علي ; 2015/05/28 الساعة 10:44 PM
رد مع اقتباس
قديم 2015/05/29, 12:13 AM   #10
ولاية علي

موالي جديد

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3817
تاريخ التسجيل: 2015/05/22
المشاركات: 10
ولاية علي غير متواجد حالياً
المستوى : ولاية علي is on a distinguished road




عرض البوم صور ولاية علي
افتراضي اختصار رواية رحلة البقاء (عالم البرزخ)(أمواج يوم القيامه)

الحلقة الواحد والستون :~



بعد ان قال الله عز وجل لفاطمة : (( سليني أعطك وتمني علي أُرضك ))
فقالت : (( الهي أنت المنى وفوق المنى ، أسألك أن لاتعذّب محبي ومحبي عترتي بالنار )).
توقفت عن الدعاء ، وألقت نظرة على جموع الناس وكأنها عرفت سرائرهم وأحوالهم ، ثم عادت تناجي الرب العظيم
وتقول : (( الهي وسيدي ، سميتني فاطمة وفطمتَ بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحق ، وأنت لاتخلف الميعاد)).
جاء النداء من العلي الأعلى أن: (( صدقت يافاطمة إني سميتكِ فاطمة ، وفطمتُ بك من أحبكِ وتولاكِ وأحب ذريتكِ وتولاهم من النار ، ووعدي الحق وأنا لااخلف الميعاد ، يافاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والارض بألفي عام أن لاأعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار . يافاطمة قد أوكلت أمر هؤلاء لكِ لتشفعي فيهم فأشفّعك، حتى يتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقعك مني، ومكانتك عندي . يافاطمة من قرأتِ بين عينيه مؤمنا ومحبا فخذي بيده وادخليه الجنة )).
بدأت فاطمة ( ع ) تلتقط شيعتها ومحبيها من النار كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، تلاها علي ثم الحسن ، ثم الحسين ، قال سعيد: حتى أصبحت أعدادنا كبيرة جدا ، وكنتُ أنا أحدهم ، نعم كنتُ ممن التقطتني فاطمة ( ع ) بشفاعتها.
قادتنا ملائكة الرحمة ، وأخرجونا من النار ، وتركنا ورائنا جمع كثير من الناس يصطرخون ويستغيثون ، مرة للزهراء يلتمسون ، وأخرى بأبيها يتوسلون ، وآخرين لعلي يطلبون ، ويقولون: (( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) ، وآخرون يئسوا من الشفاعة ، فراحوا يتمنون العودة للدنيا ، لا لشئ إلا لأن يكونوا من المتمسكين بثقل الولاية ،
إذ كانوا يقولون: ( فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين).....
قال سعيد : لا أكاد اصدّق أننا خرجنا من جهنم ، نعم، خرجنا منها وحال أكثرنا بأسوأ مايكون ، فهو كالحمم والفحم ، لذا ذهبوا بنا إلى نهر يُقال له نهر الحياة ، يُرش عليه من ماء الجنة فألقينا أنفسنا فيه ، حينها زالت عنا كل آثار النار والعذاب ، وخرج الواحد منا كالبدر في ليلة تمامه ، ولكن مكتوب على جباهنا جهنميون. في عوالي اللئالي، (( قال رسول الله ( ص) إن أهل النار يموتون ولايحيون ، وإن الذين يخرجون منها وهم كالحمم والفحم ، فيلقون على نهر يُقال له الحياة أو الحيوان ، فيرش عليهم أهل الجنة من مائه فينبتون ، ثم يدخلون الجنة وفيهم سيماء أهل النار ، فيقال هؤلاء جهنميون، فيطلبون الى الرحيم عز وجل إذهاب ذلك الإسم عنهم فيذهبه عنهم ، فيزول عنهم الأسم ، فيلحقون بأهل الجنة )
سرنا مع الملائكة بأمر فاطمة ، حتى وصلت جنة الفردوس ، فاستقبلتها اثنتا عشرة ألف حوراء لم يستقبلن أحد قبلها ولابعدها إكراماً لها،
ثم غادرتنا بنت خاتم الانبياء عند حدود الجنة ، غادرتنا بعد أن تركت في قلوبنا العشق لها ، وكل واحد منا يشعر بالمنة العظيمة منها عليه .
تقدمنا أكثر نحو الجنان برفقة الملائكة ودلالتهم ، وخلال مسيرنا هذا سمعت تلاوة ممن كانوا معي فأصغيت له اذ كان يقول :
(( لايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) .
مررنا في الطريق على عين ماء كبيرة توقفنا عندها ، وأمرونا بالأغتسال من مائها، فقذفت بنفسي فيها ، وأحسست بخفة الثقل عليَّ بعد طهارتي وتغير لون وجهي وحسنه ، إذ ازداد بهجة وسرورا، حتى خرج في أحسن صورة وأتم نور، مستعدا لجوار الله تعالى في جنانه.
انطلقنا إلى العين الأخرى وإذا بمائها يضئ من تلألؤ الحواري التي كانت واقفة على جوانبها .
تقدمت نحو إحداهن لأتناول الكأس الذي تحمله
فقلت لها وقد أدهشني جمالها ، وحسن هيئة الإناء الذي بيدها
: من أنتِ؟
قالت بعذوبة وأدب: أنا حورية خلقني الله من سعيك في الدنيا لتطهير نفسك رغبة في لقاء ربك .
ولكني لم أتمكن من تطهيرها كما ينبغي ، وكنتُ في دنياي متحسرا على ذلك عندما أرى أولياء الله سبقوني في القرب والمقام.
قال سعيد: تبسمت الحورية
وقالت :لايأس عليك ، فقد شفع لك شخص .....

من هو هذا الشخص ؟

الحلقة الثانية والستون :~


بعد أن قالت الحورية : لابأس عليك ، فقد شفع لك شخص اسمه مؤمن ، ورُفعت درجتك إلى درجات المتطهرين بعد أن قبل الله شفاعته فيك .
فرحت كثيراً بعد أن سمعت اسم صديقي مؤمن ، وتمنيت اللقاء به لأشكره على ذكره لي ، ووفاءه بوعده معي ، عندما قال لي في ساحة المحشر انه لن ينساني ، وانه سوف يشفع لي في المواطن التي يمكن له فيها ذلك، أنني لا أنسى فضله في دار الدنيا حيث زرع بذرة الإيمان في قلبي .
شربت من كأس ماء العين التي بيدها ...
سبحان الله ما أعذب هذا الشراب ، وما أعظم أثره على نفسي ، بعد شرابه أحسست بطهارة في قلبي من كل رجس وغل وملكة لاتليق بمقام القرب من الله
فقلت لها : وهل كل من شرب من أيدي الحواري الواقفة على ضفاف هذه العين سينال مانلته؟
قالت الحورية: : هم على تفاوت كبير، وكل ذلك بحسب شدة وضعف سعيه إلى ربه.
وقفنا على أبواب الجنة مع زمر العابدين ، ووفود المتقين ، وكل واحد منهم يسعى نوره بين يديه ، يحمل كتابه بيمينه ، موقناً برضا ربه....
ولم يطل وقوفنا كثيراً حتى أطلت علي إشراقة عملي الصالح بعد فراق طويل ، سلّم علي وعانقني ،
ثم قال : ألم أقل لك ياسعيد سيأتي اليوم الذي أقودك فيه إلى الجنة ، وها أنت على أبوابها.
انطلقنا نحو أبواب الجنان بعد أن استكملنا طهارة القلب والبدن ، وجاء أمر الجليل إلى خزان الجنة من الملائكة أن افتحوا أبواب الجنان لأحبائي من عبادي .
لم يتخلف أحد من الملائكة عن أمر الله ، وأنى لهم ذلك وهم : ((... لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون )).
امتلأ قلبي سرورا عندما سمعت حسن صرير أبواب الجنة ، ولكني رفضتُ الدخول ، وتأخرت عمن دخلها ،
فسألني الملائكة عن سبب تأخري فأخبرتهم أني لا أدخل الجنة حتى أشفع لأهل بيتي .
في بحار الأنوار ،((..... ثم قال ابو حعفر ( ع ) : إن لرسول الله ( ص ) الشفاعة في أمته ، ولنا شفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم ...)).
قال سعيد : أريد الشفاعة لأمي المسكينة التي تركتها خلفي في عقبة صلة الرحم ، ولا أعلم أين سارت بها أمواج الحساب.
أريد أن أشفع لأختي التي لاأنسى فضلها علي في دار الدنيا ، هداها الله الى الجنة ، التي تكفلت بتربية ولدي اليتيم الأبوين حتى أصبح من المؤمنين المتخلقين بأخلاق الأسلام، والمدافعين عنه بالقلم واللسان .
تقدم نحوي أحد الملائكة ، فتكلم معي بلطف بعد أن بارك لي بالنجاة والفوز بالجنة ونعيمها ،
وقال لي: إن مرتبتك لاتُجيز لك الشفاعة في جميع أهل بيتك ، وإن البعض منهم من له ذنوب ما لاتسمح له باستقبال شفاعتك فيه .
قال سعيد : أخبرني عن أي شخص منهم يمكنني الشفاعة له .
قال الملك : يمكنك ذلك لأختك فقط دون غيرها.
قال سعيد : آه ، والآخرون ، وأمي كيف السبيل لنجاتها؟
قال الملك : إن أمك لاتزال محبوسة معذّبة في عقبة صلة الرحم ، وأمامها عقبات عديدة لم تتجاوزها بعد.
أحاطت بي الملائكة من كل جانب يلتمسوا مني الدخول الى الجنة مع أقراني .
ولما رأوا إصراري على مطلبي قبل دخول جنتي ، قال أحدهم إذا أدعوا الله أن يشفعك في أختك .
قال سعيد : ألقيت بنفسي ساجداً داعياً الله تعالى ، باكياً، مستحضراً فضل الله العظيم علي بنجاتي من النار .
ناجيت ربي أن: (( ياإلهي ، يامن سلطان الآخرة بيده ، يامن لايشفع أحد في غيره إلا بأذنه ، أسألك بحق الأنوار التي خلقتها وخلقت كل نور منها إلا ألحقت أختي بالجنة.))
لم أغادر موقعي ولم أدخل جنتي ، وكنتُ أنتظر قدومها بشوق عظيم، ولا أعلم لماذا تخلفت عني ، وهي كما عرفتها كانت من المتقين ، ترى بأي عقبة تأخرت ؟
طال انتظاري على أبواب الجنة حتى جائتني حورية منها ، تلتمسني دخول الجنة ، وتخبرني أن رفيقاتها بانتظاري .
قلت لها : ومن أنتنَّ ؟
قالت: كل واحدة منا هي صفة من صفاتك الحسنة التي اصبحت ملَكة عندك في الدنيا. الجميع بانتظارك ياسعيد ، من خدم وجواري .و...
قاطع سعيد كلامها قائلا: أشكركِ كثيراً مع رفيقاتكِ، ولكني انتظر قدوم أختي معي ، وقبل رحلتي من الدنيا تعاهدنا في يوم الغدير أن لايدخل أحدنا أبواب الجنة حتى يشفع كل منا للآخر ، وأنا لاأريد أن أخلف عهدي معها .
لم تنطق بشئ ردا على كلامي ، لذا استأذنتْ العودة إلى رفيقاتها ، فأذنت لها .

طال بي الأنتظار ...
ماذا حدث بعد هذا الأنتظار الطويل ..........

الحلقة الثالثة والستون :~


بعد أن طال الانتظار بسعيد وهو ينتظر قدوم أخته حتى جائته البشرى.
قال سعيد: نعم قد وصلني خبر قدومها وأنها في الطريق إلينا إنها في المراحل الأخيرة من التطهير .
لم تزل عيني تراقب الطريق ، وتنظر الى كل قادم حتى أتت ....
نعم قد جاءت بنفسها وعرفتها من أول نظرة رغم تغير صورتها ، وشدة بياض وجهها ، عانقتها بعد فراق آلاف السنين ،
وأول كلمة قلت لها ودموع الفرح قد اختلطت بدموعها : أوفيتُ بعهدي معك يا أختي؟
رفعت رأسها وقالت: نعم ، قد وفيت َ يا سعيد ، وكنت وفيا للعهد في الدنيا والآخرة ، كنا ندعو الله سوية أن يجمعنا في الجنة وقد استجاب لنا ، فنعم الرب ربنا .
علم الجميع بقدومها ، وفتحت الجنة أبوابها ، اقتربنا أكثر ورأينا حشود الملائكة المستبشرة بقدومنا قد وقفت على باب الجنة ، وعند المرور بهم
نادى أولهم بصوت جميل : (..... سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ).
وتقدمنا أكثر ، فنادى آخرهم مشيرا إلى الجنة ونعيمها: (( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون)).
وبدأ الحفل بموسيقى التسبيح ، وتعالت نغمات التهليل ، فاختلط معها لحن تكبير الحاضرين ، وحمد الحامدين ،
لتكوّن بذلك أنشودة الخلود أن: (( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
نظرتُ إلى هدى وهي مبهورة بما ترى ، فرحة بالنعيم الذي ينتظرها، والملائكة التي ترافقها ، والجواري التي تخدمها والطيور التي تغرد بأغانيها فرحا بقدومي وقدومها ، حينها سمعتها تقول : (( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين )).
قال سعيد : لم يشغلني النعيم عن والدتي ،
فالتفت إلى هدى ، وقلت لها : إن أمي بحاجة إلى شفاعتنا ، وقد تركتها في عقبة صلة الرحم تتلوى ألما، وتحترق حسرة ، وطلبت من الملائكة الشفاعة لها، ولكنهم أخبروني بعدم تمكني من ذلك لأن درجتي ضعيفة لاتسمح لي بالشفاعة لأمثالها.
أجابتني هدى ، وقالت : صحيح ماقالوا ، لذا علينا التوسل بأصحاب المقامات العالية.
: وهل تعنين أحدا في كلامك يا أختي ؟
: نعم ، إن والدتي كانت تطلب دائما الشفاعة في دنياها من الحسين سلام الله عليه ، كانت تبكي كثيرا عندما أقرأ لها زيارة عاشوراء ، وخصوصا عند المقطع الذي يقول : (( اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود ، وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين(ع) ))، ونحن اليوم على الورود على الله ، أليس كذلك ياسعيد ؟
: آه، صحيح جدا ماقلتيه ، كانت تقيم مجالس العزاء للقربى من الله لا لشيء آخر .
قال سعيد لأخته : أختي العزيزة ، اتركي هذا الأمر لي واذهبي إلى جنتك التي أعدها الله لك ، فكل ماعملتِ في الدنيا من خير قد تجسم لك بشكل قصور جذابة ، وبساتين خلابة ، وخدم من الجواري والولدان المخلدين ، الذين وصفهم الله تعالى في قرآنه كأنهم لؤلؤ مكنون ، أختي: إني مسرور جدا لك ، وسوف أزورك عن قريب في جنتك ، ولعله مع والدتنا إن شاء الله .
عندما فارقتها ، سألت عملي الصالح عن الطريق إلى طلب شفاعة الحسين لوالدتي ، فذهب سريعا ثم عاد بالملك ، وقال لي أسأله بما تشاء ،
فسألته:كيف الطريق الى نيل شفاعة الحسين لوالدتي ، أريدها أن تلحق بنا .
إن والدتي من الصعب إخراجها من مأزقها الذي وقعت فيه إلا بشفاعة أصحاب المقامات العالية عند الله، وبما أنها كانت تطلب شفاعة الحسين وهي في الدنيا، وكانت تطلب القربى من الله بزيارته والبكاء عليه، فلا أظنه يتركها في الآخره وهي بأشد الحاجة إليه، ولا أظن الله يرفض شفاعته فيها،
قال سعيد: لذا سألت الملك عن كيفية الوصول إلى الحسين والتحدث معه فقال الملك إن قوانين الآخرة ليست كقوانين عالم الدنيا الذي كان مقيدا بالزمان والمكان، فلا يحتاج أن تذهب إليه حتى تتحدث معه، لقد كنت تزوره في الدنيا من على بُعد في المكان منه، وتعتقد أنه يسمع كلامك، ويرد جواب سلامك، فكيف وأنت الآن في عالم الآخرة؟
لم يكن حديثنا ينتهي حتى قدِم علينا مَلَك ساطع نوره، عظيم بهاءه وجماله واقترب منّا، ويبدو منه أنه قادم من الجنان العالية ثم توجه نحوي
وقال: إن الحسين سيد شباب جنان الخلد يبلغك السلام مع كل اخوانك المؤمنين ويريد زيارتكم عن قريب، فهل ترغب في ذلك؟
قال سعيد: طُرت فرحا وسرورا حينما علمتُ أن مولاي يرغب في زيارتنا، ولم أكن أُصدق ذلك لولا علمي بأن عالَم القيامة هو عالمَ الحقيقة المطلقة وليس فيه حلم ولا نوم ولا خيال لذا جمعتُ أمري
وقلت له: كيف لا أرغب في لقاء مولاي الحسين، وقد كنت أذرف الدموع شوقا لزيارة قبره، فكيف والآن يدعوني للقاء شخصه، أخبره أن سعادتي ليس بالجنة التي سأدخلها بل إن سعادتي بلقائه والنظر إلى جمال وجهه.

ماهي الطريقة التي سوف يستقبل بها سعيد الأمام الحسين عليه السلام؟

الحلقة الرابعة والستون :~


كان سعيد بشوق شديد لرؤية الأمام الحسين ( ع ) وان سعادته ليس بجنته ولا بالنعيم الذي فيها ولا بالأنهار التي تجري من تحتها بل سعادته بلقاء الأمام الحسين ( ع) والنظر الى جمال وجهه.
قال سعيد : كان الملك يمعن النظر في وجهي ويصغي لقولي ، وعندما توقفت عن الكلام
قال لي : إذا اذهب وادخل جنتك ، وحشّد مالديك فيها لاستقبال مولاك ....
قال سعيد : ارسلتُ عملي الصالح لاستطلاع الأوضاع ، وتهيئة أمر دخول جنتي ، لم يمكث كثيرا حتى جاءني مع جمع عظيم من الملائكة
وقال:إن كل شئ حاضر ومهيأ، وآلاف من الملائكة والخدم والجواري والحور بانتظار قدومك إلى مملكتك .
قال سعيد للملك: أحقا ماتقول ؟ ومن أكون أنا حتى يعطيني ربي كل هذه الكرامة من عنده ؟!
قال الملك: (( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا))، وانت من المتقين ياسعيد.
ثم دخل سعيد جنته .....
واي جنة ساحرة! وأين هي من جنات الدنيا وجنات عالم البرزخ !
تقدمنا في المسير داخل الجنان ، وفيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، حتى وصلنا إلى أول قصر من قصورها ، نظرت إليه فرأيته من فضة ، مشرقا بالدر والياقوت قد وقف على أبوابه الملائكة وحور العين ،
قال الملك : ياسعيد إن هذا القصر مُلكك ، ولك أعظم منه أمامنا فلنسري إليه .
انطلقنا ، حتى أتينا إلى قصر من ذهب مرصع بالدر والياقوت ، فأخبرني الملك أنه ملكي ، وهناك ماهو أعظم منه .
تابعنا مسيرنا ومررنا بقصور عديدة أخرى ، حتى وصلنا الى قصر في غاية الجمال ، يرى باطنه من ظاهره ، وظاهره من باطنه ، ليس له حد في سعته ، ولانهاية في علوه ، وما رأيتُ مثيلاً له في جماله وعظمته .
إن مواده من الذهب والفضة ، والدر والياقوت ، ذات الألوان المتعددة التي لم تكن في عالم الدنيا .
تخلف عنا الحشد العظيم ، ودخلتُ أنا وعملي الصالح والملك إلى حديقة القصر .
تبسم عملي الصالح بعد أن شاهد القصر ، وتمعن فيه
ثم قال: ياسعيد ، لقد كنت مهندسا في الدنيا، وذو خبرة عالية في تصميم الأبنية ، فما رأيك بهذا القصر؟
أجبته مبتسماً: لو اجتمع عظماء مهندسي الدنيا على بناء غرفة واحدة من غرفه ، ماتمكنوا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
تجولنا قليلا في حديقة القصر ، وكانت الورود تحيينا ، وتغّير من ألوانها بين الحين والآخر، وتطلق أنغاماً موسيقية رائعة بحركة ازهارها ورنين أوراقها ، يطرب لها سامعها . توقفت عند أحدها بعد أن رأيتها مسرورة جدا بقدومنا،
وقالت: أنا وردة خلقني الله قبل آلاف من السنين ، وكنتَ انت السبب في خلقي ، فلك المنة علي أن أخرجتني إلى عالم الوجود !
سألتها مستغربا : وكيف كنتُ أنا سبب وجودكِ ؟
قالت وكأنها واثقة من كلامها: انت الذي صنعت هذا بعملك الصالح في الدنيا والذي تراه أمامك الآن ، وهذا القصر العظيم أنت بنيته بعملك لبنة بعد لبنة منذ ذلك الوقت ، وهذه الورود والأشجار والأنهار أيضا .
توجهنا بعد ذلك نحو شجرة لفتت نظري من بين الأشجار، وتوقفت عندها فبهرني جمالها وظلها الممدود الذي استظل به جميع سكان القصر وحدائقه ومافيها، فكان المناخ ذا عذوبة بالغة ، ونور معتدل ، لاترى فيه شمس ولا زمهرير . التفت نحو الملك ،
وقلتُ له : مااسم هذه الشجرة؟
قال: إنها غصن من أغصان شجرة طوبى التي يمتد جناح ظلها على الجنان كلها . وأصلها من رضوان ، وماءها من تسنيم ، ومافي الجنة من قصر ولا دار إلا وفيه فرع منها.
قلت مندهشاً: سبحان الله إذا كان هذا غصن من أغصانها فكيف يكون أصلها ؟!
قال: إن أصلها في دار خاتم الأنبياء ووصيه علي.
: وهل دارهما واحدة ؟
: نعم ان دارهما واحدة وفي مكان واحد من جنة عدن ، عند قبة الرضوان ، وماقصرك وجميع ملكك إلا كذرّة من ذرات تراب جنة الخاتم وأهل بيته!
ثم قال الملك: من الأفضل أن نترك التجول في حدائق القصر إلى وقت آخر ، وندخل الآن الى غرفه . فإن زوجتك علمت بقدومك ، وقد بلغ شوقها اليك .

من هي زوجته التي تنتظره ؟

الحلقة الخامسة والستون :~

بعد أن قال الملك لسعيد لنترك التجول في حدائق القصر وندخل الى غرفه لان زوجتك علمت بقدومك وهي بشوق كبير إليك .
قال سعيد : دخلنا القصر ، فكان على شكل غرف من فوقها غرف مبنية بالدر والياقوت والزبرجد ، وسقوفها من الذهب محبوكة بالفضة ، ولصفاء جدرانها وأرضها ، كنتُ أرى صورتي فيها ، ولكثرة أبوابها لم أحصها ، وكان على كل باب ملك موكل به،
كانت في الغرف فرش مرفوعة بعضها فوق بعض ، بطائنها من استبرق ، وظاهرها من الحرير والديباج بألوان مختلفة ، تفوح منها رائحة المسك والعنبر ، وهي أخف من الريش وألين من الحرير.
اتجهنا الى غرفة في أعالي القصر تشرف على كل حدائقه . سألت الملك عنها ،
فقال: إنها غرفتك ، ولها من الميزات ما ليس لغيرها .
دخلتُ غرفتي بسم الله الرحمن الرحيم .....
سبحان الذي خلقني وخلقها ! إنها جنة صغرى داخل مملكة كبرى ، لها من الجمال والكمال ما ليس لغيرها من الغرف الأخرى تجري من تحتها الأنهار ، من غير أخدود ولاشقوق .
تحيرت في منابعها ومصباتها ، فلايعلم من أين تأتي وإلى أين تسير ! نهر من ماء غير آسن ، ونهر من لبن لم يتغير طعمه ، ونهر من خمر لذة للشاربين ، ونهر من عسل مصفّى ، فقلتُ سبحان الله والحمد لله ، وهذا أيضا مما وعدني الله به
إذ قال : (( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لايخلف الله الميعاد )).
قمت لاستطلاع مافي الغرفة ، وتذكرت قول الملك عن انتظار زوجتي لي ، فأين هي ؟ هممت بمناداة الملك الحاجب على باب الغرفة ، وإذا به ينفتح ويدخل النور معه ، ليزيد النور على النور سألت الجاجب عنه ، فقال هذا شعاع نورها!
: سبحان الله ! وأين هي الآن ؟
: مع وصيفاتها وجواريها ، وسوف تأتيك عن قريب .
نعم ، أقبلت وحولها وصيفاتها ، وآلاف الخدم والجواري من خلفها، والملائكة تحفها من كل جانب ، وتزفها بأعذب النغمات ، وأجمل الأنشودات .
كنت انظر إليها ، فانشغلت بجمالها الساحر عن الكلام معها،
وقلتُ سبحان ربي حينما قال: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)).
قال سعيد : اقتربت منها ،
وقلت لها : من أنت؟
قالت بصوت عذب : أنا إحدى زوجاتك في الجنة ، وأنا من الخالدات اللاتي لا يمتن ، والراضيات اللاتي لايسخطن .
: وهل أنت من نساء الدنيا أم من حور الجنان ؟
: أنا من حور العين التي قال عنها الله سبحانه : (( حور مقصورات في الخيام ))، وأنا من اللواتي قال الله عنها : (( إنا أنشأناهن إنشاءً. فجعلناهن أبكارا. عرباً أترابا )). وأنا من اللواتي خلقهن الله من تراب الجنة ، وعطرهن من عطرها.
قال سعيد : استانستُ كثيرا بكلامها ، وطربتُ لحديثها ، وماأحببتُ سكوتها .
فسألتها : ولماذا يطلق عليكم الحور العين ؟
: لتحيّر العقول في جمالنا
: ولماذا يطلق عليكن عُرُبا أترابا ؟
: لأننا نحن الوالهات لأزواجنا .
ثم قالت لسعيد : إن كل ماتراه من جمال وكمال عندي ، انت وهبته لي .
:وكيف ذلك ؟
:إن الله تعالى خلقني منذ آلاف السنين ، عندما كنت أنت في دار الدنيا تقضي عمرك فيه ، خلقني الله من امتناعك عن النظر إلى ما حرم الله عليك من نساء الدنيا امتثالاً لأمره ، ورغبة في ثوابه ، على الرغم من نزغات الشيطان إليك ، ووساوسه عليك . في أول خلقي لم أكن بهذه الدرجة من الجمال والكمال الذي تراه الآن ، ولكن كلما امتنعتَ عن النظر المحرم وكلما دمعت عيناكّ في الأسحار من خشية الله ، زادني ربي جمالا فوق جمالي ، ونورا فوق نوري، فلك الفضل علي أن كنت السبب في خروجي من العدم الى عالم الوجود ، ولك المنة علي أن جعلتني بتلك الدرجة الرفيعة ، والمرتبة العالية ،
قال سعيد : أظهرت لها بالغ الترحيب ، وأجلستها في مكان مرتفع من الغرفة لتتكأ على إحدى الأرائك المطلة على حدائق القصر، واتكأت أنا على أريكة تقابلها .
التفتُ الى زوجتي الحوراء ، فرأيت الأبتسامة والسرور على وجهها ،
وقلت لها : إن جلوسنا هذا مصداق لقول ربي : (( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون))
أجل جلسنا نشاهد الأنهار ، إنها اربعة أنهار تجري ، طينها مسك أذفر ، وحصاها الدر والياقوت ، شعرت برغبة من تناول شئ من تلك الأنهار وثمار الأشجار المطلة عليها ولحوم الطيور السائحة فوقها، فهممت أن أقول لها ، دخل علينا الملك الحاجب فسلّم ، وقال:
إن ما اشتهيته حاضر، فهل تأذن بإدخاله إليكما؟
نظرت إليه مندهشاً مستغربا مايحدث ، تبسمت له وأذنت له .
دخل علينا ملائكة في غاية الجمال لم أرهم من قبل هذا ،
فقالوا جميعا: (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)) ورددنا عليهم السلام .

فمن هم هؤلاء الملائكة ...........

الحلقة السادسة والستون:~


قال سعيد : عندما دخل علينا الملائكة وهم في غاية الجمال
قالوا جميعاً لنا (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) .
ورددنا عليهم السلام.
كان أحدهم يحمل طبقين في كل طبق أربعة أكواب ،
وآخر يحمل طبق فيه أنواع الفاكهه،
وآخر يحمل طبق فيه لحم طير مشوي ،
سألهم سعيد من يكونون،
فأجاب أحدهم : نحن خدام الجنة من الولدان المخلدين .
قال سعيد : التفت الى زوجتي الحوراء
وقلت لها: ماأَصْدَقَ وعد ربنا حينما
قال: (( يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. ولحم طير مما يشتهون. وحور عين. كأمثال اللؤلؤ المكنون. جزاء بما كانوا يعملون.)).
وضعوا كل ما أتوا به وانصرفوا ، فأحسست بعظيم نعم الله التي أعطانيها ، ماذا فعلت خلال عمري القصير حتى أجازى بكل هذا، وأُعطي كل هذه الكرامة من عنده ؟
ناديت ربي نداء العبد لمعبوده ، والفقير إلى المنعم عليه
: ياربي (( تقدست أسمائك ، وعظمت آلائك ، فأي نعمك يا إلهي أحصي عددا وذكرا، أم أي عطاياك أقوم بها شكرا ، وهي يارب أكثر من أن يحصيها العادون ، أو يبلغ علماً بها الحافظون)).
جرت على خدي دموع المقصّر المعتذر من ربه مقابل عظيم نعمه، وتنحيت جانبا من الغرفة ، ودعوت ربي متذللاً خاشعا
: ياإلهي (( لو حاولتُ واجتهدتُ مدى الأعصار والأحقاب لو عُمّرتها ، أن أؤدي شُكر واحدةٍ من أنعمك ما استطعتُ ذلك ، إلا بمنك الموجب عليَّ به شكرك )).
استغربت الحوراء حالي بعد أن تركتها مع ما لذ وطاب من الطعام والشراب .
لحقتني وجلست جنبي لتهب لي الطمأنينة والسكون
ثم قالت : عزيزي سعيد ، ليس أنت الوحيد الذي يشعر بتقصيره أمام خالقه ، إن الله تعالى متفضل على كل مخلوقاته ، ومامن أحد له المنة عليه في طاعته ، ولو حاسب الله الجن والأنس بعدله ما نجا أحد منهم قط ، أطاعوه بالجوارح التي وهبها لهم ، وذكروه باللسان الذي منحه اليهم ، وأعطوا الصدقة والخمس والزكاة من المال الذي وكّلهم عليه ، فأي منة للخلق على الله ؟ لكنه مع ذلك يهب من أطاعه كل هذه الجنان والنعيم !
: صحيح ياعزيزتي ، ولكن ألا يستحق ربنا العشق من عباده ؟ وهل يغفل العاشق عن معشوقه ؟ أو يهدأ الحبيب عند فراق محبوبه ؟ وأنا أشعر الآن بالتقصير أمام ربي أن عبدته وأطعته في الدنيا خوفاً من ناره وطمعاً في جنته ، لاحبا له وشكراً له على أنعمه ، وأنا لا أهدأ الآن حتى يغشيني ربي برضاه
وعاد الدمع يجري لأناجي ربي هذه المرة بلسان العاشق له : (( إلهي لو قرنتني بالأصفاد ، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد ، ودللتَ على فضايحي عين العباد ، وأمرتَ بي إلى النار ، وحلتَ بيني وبين الأبرار، ماقطعت رجائي منك ، ... ولا خرج حبك من قلبي )) فكيف وقد أدخلتني الآن جنتك ، وأغرقتني في نعمك التي لا تفنى ولا تزول ، أريد ياإلهي أن يعلم سكان سماواتك وأرضك أني أحبك.
لم يمضِ وقت طويل حتى جاءني رسول من العلي الأعلى ، فدخل علينا بعد الأستئذان ،
وقال: جئتك من العلي الأعلى لأبلّغك السلام ، وأنقل لك المعنى الذي أمرني بنقله إليك : (( عبدي: إني أحب خلقي منذ خلقتهم ، وأردت لهم الجنة ، وعرّفتها لهم ،
(( ويدخلهم الجنة عرفها لهم )) وأنرتُ لهم طريقها عبر أنبيائي ورسلي ، وضاعفتُ لهم أعمالهم ، فجعلتُ الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها ، كي تثقل موازينهم ،(( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)). ورأيت منهم التثاقل في طاعتي فأوجدت لهم ليلة القدر كي ترتفع هممهم ، ويتزود الفقير والغني منها بأضعاف من الزاد ليوم فاقتهم ، وقبلت منهم يسير الطاعة ، وغفرتُ لهم عظيم المعصية،كل ذلك كي يدخلوا جنتي ، ويتنعموا بنعمتي ، وقد رضيتُ على كل من دخلها ، وكتبت له الأبدية فيها )).
كان كلام الملك وخطاب الجليل لي كالماء البارد الذي صُب على قلبي الملتهب ، وأحسست بتمام السعادة وكمالها حين علمتُ برضا الرب عني .
كما عزز ذلك الرضا أن جاءني ألف ملك بعد أن استأذنوا مني ، وفُتحت لهم الأبواب ، ودخل كل واحد منهم يحمل باقة من ورود جنة المليك المقتدر .
أَخبَرَني كبيرهم بعد أداء التحية والسلام أن : العلي الأعلى قد أرسلهم لتهنئتي ، والمباركة بزواجي من الحور العين .
في كتاب الكافي ،((.... ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء ، وقال: فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه : استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه ، فيقول لهم الملك : حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم ...)).
قال سعيد : خرجت أنا والحوراء نتجول سوية في حدائق القصر ، وكان كل من يمر علينا يبدأنا بالسلام ، حتى الورود والأشجار والطيور والأنهار ، اقتربنا من نهر يختلف عن الأنهار الأربعة الأخرى ، شواطئه من اللؤلؤ والزبرجد ، وحصاه من الياقوت والمرجان ، وحشيشه من الزعفران ، وترابه من المسك ، على جانبيه تقف الجواري بين ظلال الأشجار العالية المتشابكة الأغصان وكلما هبت عليها ريح هادئة ، لايبقى غصن إلا وراح يغني بصوت عذب يطرب له سكان الجنان!
أما مياهه من شدة صفائها نرى صورنا المضيئة فيه، وأما تلاطم أمواجها كانت تسبح لخالقها بأنواع التسبيح ، وكان على شاطئه قباب مضيئة من الياقوت والدر الأبيض .
سألت الحوراء عن اسم هذا النهر ،
فقالت: إنه أحد فروع نهر الكوثر .
تقدمنا في مسيرنا تحت ظلال الأشجار المنتشرة على شواطئ الكوثر، وإذا بها تحيينا بأغصانها، وتدلي لنا بثمارها ، علّنا نقتطف شيئا منها ،
(( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا)).
وكل ثمرة نأكلها تعود بأذن الله الى هيئتها وموضعها فلا تنقص من شجرتها شئ.
إنه مصداق قول الله تعالى : (( وفاكهة كثيرة. لا مقطوعة ولا ممنوعة. )).
انطلقنا حتى جلسنا بالقرب من الورود ، ذات الروائح العطرة ، وراحت تحيينا بألوانها الجذابة ، التفتُ إلى الحوراء وإذا بها تحمل كأسا بيدها قدمته لي ،
ثم قالت : اشربه بسم الله .
تناولته منها ، وشربتُ منه ، فأحسست بلذة لا توصف ، وطعم لم أتذوقه من قبل هذا ،
فسألتها : ماهذا الشراب ياعزيزتي ؟ ومن أين أتيت به؟
: أتاني به أحد خدامي ، انه شراب مزيج من تسنيم ، أما قرأت في القرآن : (( ومزاجه من تسنيم. عينا يشرب بها المقربون )).
إذا كان هذا خليط من شراب تسنيم ، فمن يشرب خالصه ؟ وكيف يكون طعمه؟!
إن توحيدك في الدنيا لم يكن خالصا تمام الخلوص لله ، لذا فأن أصل هذا الشراب اختص الله به أنبيائه وأوليائه المقربون ، ممن طهروا قلوبهم من كل شئ سوى الله ، وكانوا لاينظرون إلى شئ إلا ورأوا الله فيه وقبله وبعده.
شكرتها على هذا الشراب ، ثم قلت لها
: رغم كل هذه النعم ولذاتها ، لم يغادر فكري أمر مولاي الحسين ، ورغبته في زيارة جنتي و....
قاطعتني بلهجة المتعجب المضطرب،
وقالت : عن أي أمر تتحدث ؟ أتقصد الحسين سيد شباب جنان الخلد ؟
نعم ياعزيزتي ، وعلينا تحشيد ما لدي ولديكِ لاستقباله كما ينبغي، وبقدر مانستطيع.....

في الحلقة التاليه سوف نعيش مع احداث الرواية باستقبال سيد شباب جنان الخلد

الحلقة السابعة والستون والأخيرة :~



لقاء واستقبال أمامنا و شفيعنا لجنة سعيد.
كان الجميع متشوق
((ونحن أيضا متشوقون )) لساعة اللقاء ،
((ومتلهفون)) ومتلهفاً لرؤية من كان منبع نوره ، وعنوان وجوده ،
(( ومتعطشون)) متعطشا لسماع حديث صاحب الشهادة العظمى ، والمنزلة العليا والدرجة الرفيعة ، إنه ابن بنت خاتم الأنبياء ...
قال سعيد : أجل كنتُ أرى في مملكتي حركة كبيرة وعمل دؤوب ، والكل قد علم ماعليه فعله ، فترى الملائكة والخدم كأنهم مضطربون ، والحور والولدان متحيرون ، ولكن الحقيقة أن الجميع كان يعمل بنسق ونظام ، دون ملل وسئام ، يفعلون مايؤمرون به ممن هو أعلى منهم في الدرجة والمقام ، والجميع فرح ، ويلتهب شوقا لرؤية سيده ، والتشرف بزيارته ، والأقتباس من نوره العظيم.
واقترب موعد اللقاء ، ودعوت أصحاب بقية الجنان ممن كانوا في مرتبتي ،
كما دعوت أختي للحضور مع زوجها الذي لاينقص عنها في النور والجمال ،
وسألتها عن ذلك الأمر ،
فقالت: خيرني ربي بين اختيار زوجي الذي كان في الدنيا ، وهو أقل مرتبة مني ، وبين اختيار زوج آخر ، فاخترت زوجي الذي كان في الدنيا ، ِلمَ رأيتُ فيه من النور والبهاء ، ووفاءً لإخلاصه معي ، وها أنت تراه وقد رفعه الله إلى مرتبتي.
وحان الموعد واللقاء ......
وجاء الشهيد في موكب من نور على نور ، وساد الصمت إذعانا للحق إذ جاء ، ولاتقل صف لي المجئ، وكيف يستطيع من هو ذرة من شعاع الحسين أن يصف الحسين ....!
جرت مراسم الأستقبال والترحيب ، ودار الحديث ، وسألته عن مسائل عدة ، كان منها عن سبب تكريمي بزيارته لي في جنتي ،
فقال: نحن الشهداء على أعمال الخلائق في الدنيا والآخرة،
في كتاب الكافي (( عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } قال : نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه... فرسول الله -ص- الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل ، ونحن الشهداء على الناس فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة )) .
فمن زارني في الدنيا عارفا بحقي ، مخلصا لربي ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشهدت له يوم القيامة بالخير ، وزرته ، وكنت شفيعه فيها .
قلت له : سيدي ، وما حكمة البكاء عليكّ وأنت في نعمةٍ ومقامٍ يغبطك به الأولون والآخرون ؟ ولماذا يثيب الله من بكى عليكّ ، وأنت قد حلّقت إلى ربك في جنته يوم سالت دمائك الطاهرة على أرض الدنيا ؟
أجاب سيد شباب أهل الجنة ، فقال : البكاء دليل علاقة الحبيب مع محبوبه ، والفقيد بمفقوده ، وكلما زادت رابطة الحب بينهما ، زاد البكاء لفقده ومصيبته ، ونحن ندعوا إلى كل ما يدعم هذه العلاقة التي إن ثبتت ثبت معها السير على طريق المحبوب ، والإقتداء بسلوكه .
توقف قليلا ، ثم استأنف كلامه ،
وقال : وإنما يثاب الزائر لي ، والباكي على مصيبتي إذا كان عارفا بحقي ، مخلصا في عمله هذا لربي . أما بدون ذلك فمهما أجهد نفسه ، وأتعب بدنه ، وقطع المسافات على قدمه ، لا ينفعه ذلك بشيء ، ولا تناله شفاعتي يوم الورود على الحق المتعال ، وإن ذرف بحراً من الدموع .
قام أحد المؤمنين ، فسأله قائلا : وما معنى أن يكون الزائر لك في الدنيا عارفاً بحقك ؟ ولما جعلتم هذا الشرط علامة لزواركم ؟
قال : إن أي شخص تزوره ولا تعرف قدره ، ومنزلته السامية ، وكمالاته العاليه ، لا يتعلق قلبك به، ولا يكون حبك صادقاً له ، ونحن أهل بيتٍ لا يعرفنا شخص حقّ معرفتنا إلا أحبنا واتّبع سبيلنا ، وسلك طريقنا ، كما إنه من عرفنا فقد عرف الله، ومن عرف الله أحبه ، ومن أحبه أطاعه، وأخلص له ، ومن أخلص له نجا من النار ، وفاز بجنان العزيز الغفار .
كان الجميع ينصت بكلامه ، ويقتبس من أنوار حديثه ، وبعد توقف قليل توجه نحوي
وقال : قد شفعت لوالدتك ، وهي الآن تقضي بقية عقبات الصراط ، وسوف تصلك إن شاءالله فيما بعد .
سررت كثيرا لهذا الأمر و شكرت إمامي على ذلك، ثم قادني طمعي إلى سؤاله الشفاعة لوالدي ،
فقلت له : سيدي ، إن والدي كان في الدنيا يقيم مجالس العزاء على مصيبتك ، ويمشي راجلاً إلى مرقدك ويصرف من أمواله الكثير في خدمة زوارك ، فهل له نصيب من شفاعتك ؟
أطرق الإمام قليلاً ثم قال: إن على والدك المرور ببعض الاهوال قبل الحصول على شفاعتي.
قال سعيد : ولماذا يا مولاي لا يصل إلى شفاعتك؟
قال الحسين -ع- : إن نهضتي أراد الله لها أن تكون مدرسة خالدة لا ترضى بمظاهر الظلم والفساد ، أرادها الله أن تضيء دروب الحق ، وتنير سبل الوصول إليه، أما والدك فقد شارك في وضع ستائر الظلمة أمامها ، وحجب الأمة أن تستنير بأنوارها .
صحيح ان والدك كان يقيم مجالس العزاء ولكن همه الاول والاخير ابكاء الناس واضفاء حرارة قصوى على مجلسه وان كان ذلك بعرض مآسي مفتعلة، واكاذيب مختلفة تهين الحسين ونهضته. كان يعلم بكذب القارئ فلماذا يدعوه؟ ولماذا يصرف الاموال له ويكرمه؟
كان يمشي راجلا اياما طوالا لزيارتي لا لشيء انما ليقول الناس عنه انه محب للحسين. ولم يجعل لله نصيبا في نيته وعمله هذا. والويل لمن يعمل للمملوك ويترك المالك المطلق، اننا اردنا ان تبقى مواقف عاشوراء حية الى الابد تنادي: "الا ترون ان الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا" واردنا من نهضة عاشوراء تعليم الاجيال كيف يكون الاخلاص لله والعشق للقائه. أردنا ان يبقى جواب زينب لابن زياد -حين سألها كيف رأت صنع الله بها وبأهل بيتها- خالدا ما بقيت الدنيا، يطرق اسماع اهلها (ما رأيت الا جميلا.. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون اليه وتختصمون عنده...) في كتاب اعيان الشيعة...
ثم أضاف عليه السلام: انني اتأسف كثيرا على والدك وأمثاله من الذين جرتهم حبائل حب الدنيا الى اصطناع القصص الواهية علينا املا في جذب الناس لهم ورغبة ﻷن تكون مجالس عزائهم مملوءة بالبكاء والنحيب.
قال سعيد : طال اللقاء ، ولا أحد يرغب في نهايته وقُدّم للحاضرين ما شاء ربي من نعيم الجنة ومأكلها ومشربها ، وارتفعت درجات العديد منا بشفاعته ، ثم غادرنا ودموع الحاضرين تسيل أسفاً على فراقه.
مضى وقت طويل ، ونحن ننتظر قدوم والدتي إلينا حتى جاء خبرها أنها في الطريق عند جنة من جنان الخلد .
وصلنا المكان المقصود ، فكان جنة من أوسع الجنان ، تفوق جنتي بكثير ، وفيها من الخدم والجواري ما يزيد على مملكتي ، تقدمنا أكثر بهدف الوصول إلى موقع اللقاء ، ماألطف تلك اللحظات وهي لحظات اللقاء مع والدتي ، وكذلك لاأعلم أي من أهل بيتي نجا ، وأيهم هلك في نار نزاعة للشوى ، تذكرتُ ابني مرتضى الذي فارقته صغيراً ، وتذكرت هديته لي بعد ثلاثين عاما من فراقه والتي كانت سبب نجاتي من عذاب عالم البرزخ،
وصلنا المكان المقصود ، ودخلتُ مع الوفد الذي برفقتي ، واستقبلتنا الملائكة بأشد الترحيب ، وأعذب الأناشيد ، وساروا بنا إلى المقصد المنشود ، واللقاء الموعود ، فأطلت علينا اشراقاتهم ....
أجل إنهم أهل بيتي بعينهم وحقيقتهم ، عرفتهم وماجهلتُ واحدا منهم ، ولكني افتقدت بعضهم .
انبهرت عندما شاهدت والدتي فقد كانت تبدو بنت الخامسة والعشرين من عمرها ، وكانت ذات جمال باهر ووجه زاهر ، تقدمت نحوي وضمتني الى صدرها باكيةً
وقالت : قد وفيت بوعدك لي ياسعيد .
أجبتها ودموع الفرح بلقائنا كانت كثيرة
:الفضل اولا وآخرا لله جل جلاله الذي صدقنا وعده ، ومن أصدق من الله قيلا......
اجتمعنا جميعا انا واهل بيتي منتظرين وصول والدي المحتوم الينا بعد ان يجتاز ما عليه من الاهوال لتطهير روحه والفوز بشفاعة ال بيت المصطفى محمد وال محمد.


بعد هذه الجولة في الحياة الخالدة ، تعايشنا مع الرواية ( رحلة البقاء ) بكل جوارحنا وعقولنا ،
وعلمتنا الكثير من الأمور التي نجهلها والتي لانجهلها بل نبهتنا إلى معرفة الله بالقلب والفكر ، وكل عمل صغير أو كبير هو قربة لله تعالى ،
إن الله سبحانه وتعالى أعطى الوجود للأنسان وكرّمه فيها ،
فمن الخطر والخطأ ان يتجه هذا العبد الى حب الدنيا حتى عدّه أهل البيت سلام الله عليهم
بأنه ( رأس كل خطيئة ) ، فأصلاح النفس ، واتباع طريق النجاة ، هو العمل بخلاف رغباتها. ختاما نتوجه بهذا الدعاء الى الله جلا وعلا
فنقول ((اللهم وانطقني بالهدى وألهمني التقوى ، ووفقني للتي هي أزكى ، واستعملني بما هو أرضى ، اللهم اسلم بي الطريقة المثلى ، واجعلني على ملتك أموت وأحيا.))
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ..



التعديل الأخير تم بواسطة ولاية علي ; 2015/05/29 الساعة 12:43 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وصية الإمام علي عليه السلام إلى كميل بن زياد رضوان الله عليه في فضل العلم والعلماء أسد العراق الحوار العقائدي 6 2015/02/02 12:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |