اهداء إلى سيدتي و مولاتي العلوية الهاشمية القدسية فاطمة الزهراء ع

[الجمال الرائع]

اهداء إلى سيدتي و مولاتي العلوية الهاشمية القدسية فاطمة الزهراء ع

الزهرائية و العلوية




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين
(يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ.)
موضوع الحديث هو العلاقة الوثيقة بين زهرائية سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وبين علوية مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه أفضل الصلاة السلام ، ثم الإرتباط بين حقيقة الزهراء بما هي زهراء و فاطمة بما هي فاطمة.
الوصول إلى حقيقة الأمر يتطلّب مقدّمة ضرورية وهي :
أهميّة المعرفة بالصفات في القرآن الكريم:
هناك سؤال يطرح نفسه و يثار في الأوساط العامّة وهو: لم لم تذكر أسماء أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم بالصراحة والعلن ؟ وقد أجيب على هذا السؤال بأجوبة مختلفة نذكر بعضها:
الأول: هل لو ذكرت أسمائهم ستنحلّ المشكلة و سيرتفع شكّ الشاكّين؟
هذا القرآن بنفسه ينادي (…مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الحشر/7). (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى)(النجم/3). (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(النجم/4). وأيضاً قال تعالى (…وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل/44) ولا شك أنّه قد نصب أمير المؤمنين علي عليه السلام خليفة على المسلمين وهو أمر واضح لا غبار عليه فيا ترى قد تمسكُّوا بما آتاهم الرسول صلى الله عليه وآله ؟
والعجب العجاب انّهم أخذوا من رسول الله عدد ركعات الصلاة و لم يأخذوا ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام علماً بأنّ الولاية هي باب الأشياء و رضى الرحمان !
الثاني: إن القرآن الكريم حتى لو ذكر أسماء هل البيت عليهم السلام صراحة لكان ذكر اسمه معلى غرار أسماء الأنبياء أعني أنّه كان يكتفي بالاسم دون الكنية أو اللقب أو اسم الأب والجدّ ، فهل كانوا يطبّقون الاسم على المعنيين أعني أهل البيت عليهم السلام؟
أم كانوا يأوّلون تلك الأسماء أو يفسّرونها وبالنتيجة كانوا يطبّقونها على من يرغبون إليهم أو على غير أهل البيت عليهم السلام كائناً من كان كما فعلوا ذلك بالنسبة إلى عدد من الأحاديث الشريفة ، كيف لا وفي قلوبهم أحقاد دفينة من يوم بدر وخيبر وأحد وغيرها !
فإذن لم تكن جدوى في ذكرها .
ثالثاً : لو كانت أسمائهم تذكر بكلً صراحة لكان المنافقون المستولون على الحكم يحرّفون كتاب الله بحذف تلك الأسماء ، و عليه لم يطمئن المؤمنون من عدم التحريف في سائر الآيات وهذا يعني تسرّب الشك في الدين و دخول الوهم في اليقين وهو الطامة الكبرى أعاذنا الله من شرّها.
أقول: مضافا إلى ما قيل هناك أمور أخرى ينبغي الإشارة إليها وهي:
رابعاً: ذكر اسم شخص ما في القرآن الكريم لا يدل على أنّه صاحب فضيلة ترجّحه على غيره بل هناك أسباب و علل مختلفة لذلك والأغلب أنّ الله تعالى يذكر الإسم ليعرف الشخص لا غير سواء أراد أن يمجّده كقوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)(مريم/41). أو يذمّه كقوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ)(القصص/4). أو لا هذا و لا ذاك كقوله (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ …)(المائدة/116).
محمدّ رسول الله:
ههنا سؤال وهو :
لم ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله ؟
أقول : إنّما ذكر من أجل أن تبيّن رسالته ، ولذلك تلاحظ في جميع الآيات التي ذكر فيها اسمه قد ورد الإسم كمسند و المسند إليه هو الرسالة تأمّل في هذه الآيات :
1-(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ..)(الأحزاب/40).
2-(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ..)(آل عمران/144).
3-(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ..)(الفتح/29).
4-(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ …)(محمد/2).
5-(…وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ )(الصف/6).
وأمّا سائر الأنبياء فنشاهد أنّه تعالى يخاطبهم بالإسم فيقول : (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ..)(هود/48). (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(النمل/9).
وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على خصوصية في خاتم النبيين صلى الله عليه وآله و أرجحيته على سائر الأنبياء .
ألا تلاحظ كيف يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(المائدة/67).
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ …)(المائدة/41).
خامساٌ: قد ذكر اسم علي عليه السلام في القرآن بنحو جميل ودقيق وغير مثير ، وبنحو لا يعرفه إلا أولوا الألباب كما في قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)(مريم/50). وهو جواب لقوله تعالى (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(الشعراء/83).(وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)(الشعراء/84). مضافاً إلى الجانب اللغوي الأحاديث أيضا تؤكّد على ذلك .
وقد كتبت في هذا المجال بحثاً مستقلا بالتفصيل سوف أتطرق إليه في المستقبل إن شاء الله .
سادساً: أن القرآن الكريم استعمل أسلوباً أفضل من أسلوب ذكر الأسماء، وهو التوصيف، والتوصيف أدق بمراتب من الاسم، لأنَّ الاسم يكون مشتركاً دون التوصيف فهو يضع النقاط على الحروف ويحدد المصداق بالقّة كقوله تعالى : وقوله(إنما يريد الله ليذهب…) فهل هناك من يدعي الطهارة غيرهم ؟
حتى بالنسبة إلى الأصحاب الخلّص لرسول الله صلى الله عليه و آله قال:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )(الفتح/29). عن الصادق عليه السلام(…فهذه صفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في التورية و الإنجيل و صفة أصحابه، فلما بعثه الله عز و جل عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله.)
في روضة الكافي .. قال: ان موسى عليه السلام ناجاه ربه تبارك و تعالى فقال له في مناجاته:يا موسى أوصيك وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم، و من بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك انه مؤمن مهيمن على الكتب كلها، و انه راكع ساجد راغب راهب إخوانه المساكين، و أنصاره قوم آخرون)!!!
*المعرفة بالنورانية:
أصل هذا النمط من المعرفة هو الحديث المعروف الذي نقله العلامّة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في كتاب بِحَارَالْأنْوَارٍ الجَزء : 26 صَ : 1 في تتمّة كِتَابُ الْإِمَامَةِ ، أَبْوَابُ عَلَامَاتِ الْإِمَامِ وَ صِفَاتِهِ وَ شَرَائِطِهِ وَ يَنْبَغِيْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَ مَا لَا يَنْبَغِيْ (قَالَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلَ أَبُوْ ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمَا يَا أَبَا عَبْدِ الْلَّهِ مَا مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ عِليه السلام بِالْنُّوْرَانِيَّةِ قَالَ يَا جُنْدُبُ فَامْضِ بِنَا حَتَّىَ نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَأَتَيْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ قَالَ فَانْتَظَرْنَاهُ حَتَّىَ جَاءَ قَالَ صَلَوَاتُ الْلَّهِ عَلَيْهِ مَا جَاءَ بِكُمَا قَالا جِئْنَاكَ يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ نَسْأَلُكَ عَنْ مَعْرِفَتِكَ بِالْنُّوْرَانِيَّةِ قَالَ صَلَوَاتُ الْلَّهِ عَلَيْهِ مَرْحَبَا بِكُمَا مِنْ وَلِيَّيْنِ مُتَعَاهِدِيْنَ لِدِيْنِهِ لَسْتُمَا بِمُقَصِّرِيْنَ لَعَمْرِيَ إِنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبِ عَلَىَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ الْلَّهِ عَلَيْهِ يَا سَلْمَانُ وَ يَا جُنْدَبُ قَالَا لَبَّيْكَ يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ قَالَ عَ إِنَّهُ لَا يَسْتَكْمِلُ أَحَدٌ الْإِيْمَانَ حَتَّىَ يَعْرِفُنِيْ كُنْهِ مَعْرِفَتِيْ بِالْنُّوْرَانِيَّةِ فَإِذَا عَرِّفْنِيْ بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ فَقَدْ امْتَحَنَ الْلَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيْمَانِ وَ شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَ صَارَ عَارِفَا مُسْتَبْصِرَا وَ مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَهُوَ شَاكٌّ وَ مُرْتَابٌ يَا سَلْمَانُ وَ يَا جُنْدَبُ قَالَا لَبَّيْكَ يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ قَالَ عَليه السلام مَعْرِفَتِيْ بِالْنُّوْرَانِيَّةِ مَعْرِفَةُ الْلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَعْرِفَةِ الْلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْرِفَتِيْ بِالْنُّوْرَانِيَّةِ وَ هُوَ الْدِّيْنُ الْخَالِصُ الَّذِيْ قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ وَ مَا أُمِرُوَا إِلَّا لِيَعْبُدُوَا الْلَّهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الْدِّيْنَ حُنَفَاءَ وَ يُقِيْمُوْا الْصَّلَاةَ وَ يُؤْتُوَا الْزَّكَاةَ وَ ذَلِكَ دِيْنُ الْقَيِّمَةِ …اعْلَمْ يَا أَبَا ذَرٍّ أَنَا عَبْدُ الْلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَلِيْفَتُهِ عَلَىَ عِبَادِهِ لَا تَجْعَلُوْنَا أَرْبَابا وَ قُوْلُوْا فِيْ فَضْلِنَا مَا شِئْتُمْ )
وهناك أحاديث كثيرة تؤيّد هذا الحديث مثل ما ورد عن جابر عن عبدالله الأنصاري يقول : ( سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : انما يعرف الله عزوجل ويعبده من عرف وعرف امامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عزوجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا ) وفي الزيارة الجامعة الكبيرة ( من عرفكم فقد عرف الله ).
فالمعرفة المطلوبة هنا هي معرفة لم يل إليها حتّى سلمان وأبي ذر في الوقت الذي سألا الإمام رغم أنّهما كانا من اللذين يدافعون عن أمير المؤمنين عليه السلام باستدلالاتهم القوية و حججهم الدامغة قيا ترى ماذا تعني المعرفة بالنورانية وأين النور اللذي به يعرف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟
أقسام المعرفة :
يمكننا أن نقسّم المعرفة إلى أربعة أقسام:
الأول : المعرفة البرهانية : والتي تعتمد على البراهين العقلية البحتة والأدلّة المنطقية الصرفة ، وهذا النمط من المعرفة هو ما يسمّى بالعلم الحصولي في اصطلاح المناطقة و هو رغم تأثيره في إقناع الإنسان فكرياً إلا أنّه ليس له تأثير عملي كبير ، فكم من اللذين قد ثبتت لديهم إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بالأدلّة العقلية وهم مخالفون وكم من اللذين هم مقتنعون بوجود الله تعالى بالأدلّة العقلية و هم ملحدون.
الثاني: المعرفة الإيمانية : وهي ضرورية جداً لمن يعتقد بالله تعالى ورسوله ، وتعتمد مضافا إلى الإستدلال العقلي ، على الأدلّة النقلية أعني كتاب الله وسنّة نبيه والأئمة من أهل بيته عليهم السلام ، وشأن هذه المعرفة رفيع ولكن ليست هي علّة تامّة لإبعاد الإنسان المؤمن عن الشوائب الحائلة دون الوصول إلى الله تعالى ، ولذلك نشاهد أنّه تعالى يخاطب المؤمنين و في نفس الوقت يأمرهم بالمعروف بل ينهاهم عن المنكر! فالإيمان المصطلح لا يكفي في بناء الإنسان بل من يريد أن يكون جنداً من جنود الإمام المهدي روحي فداه ينبغي له أن يجتاز هذه المرحلة ، وإلا سوف يتورّط في فخّ إبليس من خلال الشبهات و الأوهام .
الثالث: المعرفة الشهودية : والتي تكون بالاشراف والكشف والشهود بالقلب وهذه المعرفة لا يصل إليها إلا المحضوض ، وقد أطنب العرفاء في توضيحه وتبيينه وهو من العلم الحضوري الذي لا غبار عليه ولا شك أنّ هذا النوع من العرفان يرفع الإنسان درجات عالية ومستويات رفيعة ولكن لا يمكن الإكتفاء بهذه المعرفة إن لم تشفع بالمرحلة التالية.
الرابع : المعرفة بالنورانية : هذا ما أكّد عليه أمير المؤمنين عليه السلام لشخصيتين قد وصلا إلى مستويات عالية من الإستدلال والإيمان والشهود ، فأراد منهم عليه السلام أن ينظرا إليه من منظار النورانية .
وبعبارة أخرى ينبغي النظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام من منظار (الزهرائية) فمن من جملة سماتها عليها السلام هي (الزهراء) وهي تعني من يزهر منها النور فيشعّ الوجود بأجمعه فلا نور إلا نورها وبنورها يتنوّر الأولياء والأوصياء والأنبياء و في المعاني بسنده عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: سألت أباعبدالله عن فاطمة لم سمّيت زهراء؟ فقال: (لأنها إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض).[معاني الاخبار، ص 64؛ دلائل الإمامة، ص 54.]
المنطق الزهرائي والمنطق (ا ل عُ مَ رِ ي):
هناك منطقان لا ثالث لهما أحدهما المنطق العمري الجاهلي المبتني على اللاعقلية و ساحته هي الظلمة البحتة وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)(النور/40).
وهو يبتني على استدلال عقيم قد اعتمد عليه إبليس من قبل و لقّنه أولياءه أصحاب السقيفة .
و الجدير بالذكر أنّ أوّل من بايع الخليفة هو إبليس فروى الشيخ الكليني بسنده الصحيح عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول:
لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنع الناس ما صنعوا وخاصم أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح الأنصار فخصموهم بحجة علي (عليه السلام) قالوا يا معشر الأنصار قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قريش والمهاجرين منهم إن الله تعالى بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأئمة من قريش قال سلمان رضي الله عنه فأتيت عليا (عليه السلام) وهويغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبرته بما صنع الناس وقلت إن أبا بكر الساعة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة إنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله. فقال لي: يا سلمان هل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت لا أدري إلا أني رأيت في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أول من بايعه بشير بن سعد وأبوعبيدة بن الجراح ثم عمر ثم سالم.
قال: لست أسألك عن هذا ولكن تدري أول من بايعه حين صعد على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قلت: لا، ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير صعد إليه أول من صعد وهو يبكي ويقول الحمد لله الذي لم يمتني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد.
فقال علي (عليه السلام): هل تدري من هو. قلت: لا، ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت النبي (صلى الله عليه وآله). فقال: ذاك إبليس لعنه الله أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياي للناس بغدير خم بأمر الله عز وجل فأخبرهم أني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا إن هذه أمة مرحومة ومعصومة وما لك ولا لنا عليهم سبيل قد أعلموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم فانطلق إبليس لعنه الله كئيبا حزينا وأخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لوقبض أن الناس يبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد ما يختصمون ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس لعنه الله في صورة رجل شيخ مشمر يقول كذا وكذا ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبالسته فينخر ويكسع ويقول كلا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتم ما صنعت بهم حتى تركوا أمر الله عز وجل وطاعته وما أمرهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله).الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص343-344، حديث (541).
وهذا المنطق لا يعتمد على الموازين الشرعية والقيم المعنوية النورانية بل على الإستحسانات و الموازين الزائفة كما تشاهد في بداية الحديث .
فهولاء يقدّمون المهاجرين على الأنصار والأكبر سنّا على الشباب ويرون أنّ الإمارة ليس هي إلا رئاسة ظاهرية فبالإمكان أن تداول بنين مجموعة ، يقولون فليكن أبو بكر خليفة على المسلمين و سيأتي دور غيره من الأصحاب في المستقبل وربّما يكون علياً . هذا هو منطق الظلمة في قبال النور (هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ..)(الرعد/16). و هو أسلوب الطاغوت في قبال الطريقة الإلهية .
وأمّا المنطق الزهرائي :
هو الطريقة النورانية التّي تضيء الدرب ، وهو المنطق الذي يخرجك من الظلمات الشيطانية المتراكمة إلى نور الزهرائية ويتولّى الله أمر الأمّة لترفعها إلى العلويّة ، فالعالون كانوا متّصفين بهذه الصفة قبل أن يخلق آدم عله السلام (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ)(ص/75).
موقف إبليس السلبي تجاه أمر الله وعدم سجوده لآدم عليه السلام لا يخلو من أحد الوجهين : ألف: أنَّه نابع عن الروحيَّة الإستكبارية الكامنة فيه “استكبرت” وكان كذلك. ب: أنَّه ممن لا يُطلب منه أن يسجد لآدم لعلوِّه وسموِّ مرتبته “أم كنت من العالين” . وههنا سؤال يطرح نفسَه وهو: من هم العالون ؟ الشيخ الصدوق قد نقل حديثاً يجيب على هذا السؤال (باسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذ أقبل إليه رجل، فقال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله عز و جل لإبليس: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ من هم يا رسول الله الذين هم أعلى من الملائكة المقربين؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، كنا في سرادق العرش نسبح الله، فسبحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله آدم (عليه السلام) بألفي عام. فلما خلق الله عز و جل آدم (عليه السلام)، أمر الملائكة أن يسجدوا له، و لو يؤمروا بالسجود إلا لأجلنا، فسجدت الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس فإنه أبى أن يسجد..)
*الزهرائية في الدنيا:
فالزهرائية هي التّي نوّرت العالم حتّى أظهرت علوَّ العالين فقط لا غير وأوصلت الأمّة إلى تبنّي حقيقة واحدة فقط وهي (فقط علي) بعد ما كانت مختفية هذه الحقيقة عن أعين الخلق أخفاها إبليس اللعين بنفسه وبدعم من جنوده الأشرار ومن هنا نصل إلى النتيجة التالية وهي:
أنّه في المنطق العمري تختفي العلوية عن الأعين وتضيع بين الناس ، ولكن بمجرد الإنطلاق من الزهرائية تتنوّر البسيطة بل السماوات فتبعد الأمّة عن الظلمات ، ظلماتِ فلان وفلان وفلان و معاوية ووو كلُّ ذلك يتمّ من خلال ولاية الله تبارك و تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ …)(البقرة/257). وهو يتولى المؤمنين .
على هذا الأساس ينبغي النظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام من منظار (الزهرائية) لا غير فهي سلام الله عليها بما لها من هذه الصفة المشعّة قد نوّرت الدرب وأظهرت الولاية العلوية التي اختفتها أيادي الغدر و العدوان ولولا قيام الزهراء ودفاعها عن الولاية وتنويرها للكون لما تجلّت الولاية ، ولما عرفت ، ولما استمرت إلى يومنا هذا ولما انتشر صيتها لتسوعب العالم أجمع فيتعطّش إليها الناس فيطلبها بجدّ و يدعون لها وينتظرون من يحقّقها في الكون أعني ولي الله الأعظم الحجّة بن الحسن أرواحنا له الفداء وهذه الحقيقة تكم في قوله عجّل الله فرجه (و في ابنة رسول الله لي أسوة حسنة).
الزهرائية قبل العلوية:
من أجل ذلك لا بدّ من ظهور الزهرائية قبل تجلّي العلوية ، فلو لم تُظهر الزهراء نورها المشرق بعد فقدان أبيها صلى الله عليه وآله وسلّم و لو لم تخرج على القوم الظالمين و تبرز شخصيتها الأبيّة ، لما نظرت الأمّة إلى الولاية نظرة ارتفاعية و لكانت الأمّة ترى أمير المؤمنين عليه السلام كأحد الخلفاء شأنه شأن غيره اللهم إلا أنّه أتقى و أشجع و أقوى من الآخرين و كفى ! و بادرت بقراءة حياة أمير المؤمنين علي عليه السلام كقصّة من القصص وخبر من الأخبار التي كثر ما حدث أمثالها ! و بالصعوبة تتمكن من تشخيص الحق من الباطل .
هذا يعني استحواذ الظلمات و انتشارها وبالنتيجة ضياع شخصيّة مولى الموحدّين ، وخسارة الأمّة مثل أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبد الآبدين و بالنتيجة استمرار حكومة إبليس اللعين لا إلى الوقت المعلوم بل إلى يوم يبعثون و عدم ظهور الدين على الدين كلّه و لو كره المشركون .
السرّ المستودع فيها:
هناك سرّ في الصديقة سلام الله عليها يكمن في ذكر مصابها ، لا يوجد هذا السرّ في ذكر مصاب سائر أهل البيت عليهم السلام ، حتّى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام فعندما نتذكر مصائب عاشوراء نلعن الظالمين ونسلّم على الإمام عليه السلام فحسب، ولكن بمجرّد ذكر مصابها سلام الله عليها تَعظم في أنفسنا الولاية العلويّة، فعندما نقول فاطمة ! يتجلّى في أنفسنا علي عليه السلام ، لا كرجل عادي بل بما هو أمير المؤمنين ،هذا الأمر واضح لا يحتاج إلى تأمّل وفكر ولا يفتقر إلى دليل و برهان ، و حقيقة هو من الأسرار المستودعة فيها روحي فداها.
وهناك سبب لهذا الأمر وهو :
عندما نذكر مصائب فاطمة عليها السلام نحن في الحقيقة نبيّن الظلمات و الشرور التي فرضت نفسها في الأمّة بعد فقدان رسول الله صلى الله عليه و آله و حينما نشاهد تلك القبائح التّي هي ظلمات بعضها فوق بعض فبطبيعة الحال تشمأز قلوبنا فنسعى للتخلّص منها فنبحث عن النور هنا وهناك ونشتاق إلى النور فإذا بالزهراء عيليها السلام تشرق كوكباً درّياً ، فنورها يبعدنا من وادي الظلمات ، بل يجعلنا نتضايق ممن ظلمها ، هذا ما يجعلنا ندخل في سماء النور فإذا بنا نشاهد رأي العين الحقيقة العلوية حقيقة متعالية شامخة مبهرة !! تظهر في مولى الموحّدين ، قائد الغر المحجّلين ، أسد الله الغالي علي بن أبي طالب روحي فداه .
واللطيف أننا نشاهد الولاية حتى عندما نتعرض لسائر زوايا حياتها عليها السلام من زواجها ، وعملها في البيت وإطعامها المسكين واليتيم والأسير .
وهاهنا لنا أن نقول وبصوت عال:
الزهرائية عبارة عن نور مشرق لا تُرى فيه إلا العلوية
تأمّل جيداً وفقك الله لكلّ خير …. وللحديث تتمّة تأتي في الحلقة المقبلة …. خادم خادمة الزهراء …إبراهيم الأنصاري … البحرين …السبت 25 جمادي الأولى 1434 الساعة العاشرة

المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: الواحة الفاطمية

---

hi]hx Ygn sd]jd , l,ghjd hgug,dm hgihaldm hgr]sdm th'lm hg.ivhx u

[الملكه]

احسنتم
بارك الله بكم

[الجمال الرائع]

شكرا اختي الملكة الكريمة تحياتي

[ام محمد]

بارك الله فيك اختي
مسددة وموفقة في هذا الطرح المبارك

[الجمال الرائع]

شكرا اختي اخيكي / الجمال الرائع اخواني اخواتي انا رجل والجمال الرائع اخترت هذا الاسم لحبي للجمال بكل انواعه الجميلة تحياتي

[نوارة]

بحث رائع ومستفيض
بارك الله بك اخيا

[الجمال الرائع]

العفو اختي تابعي كل مواضيعنا اختي نوارة

[بنت الصدر]

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

موضـــــــوع رائـــــــــــــــع

سلمـــــت أنـــامـــــــــــــــلك


وبوركـــــت جهـــــــــــــودك


تحيـــــــــاتي

[الجمال الرائع]