Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المنتــديات العامة > الحوار العقائدي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016/08/02, 09:27 AM   #1
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي مناقشة عقيدة السنة في معجزات الأنبياء ع وكرامات الأولياء

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


ويقع الكلام فيه في عدة فصول :
الفصل الأول
مناقشة عقيدتهم بعدم اختصاص ما يجري
على الأنبياء (ع) والأولياء بهم

لا إشكال في أصل الاعتقاد بمعجزات الأنبياء (ع) ، ولا إشكال في الجملة في أصل الاعتقاد بمعجزات الأولياء وكراماتهم ، وإنْ كان بعض تفاصيل عقيدتهم في ذلك لا تخلو من مناقشة ، ولكن من أعظم الإشكالات التي تجعل المعجزة أو الكرامة بلا معنى ولا أثر القول بأنّ تلك المعجزات لا تختص بالأنبياء (ع) والأولياء ، وإنما تقع أيضاً للكفار والفسقة ، فالدجال كما تقدم باتفاقهم لرواية ذلك مسلم في صحيحه وقد اتفقوا على صحة كل ما فيه يحي الموتى ، ويأمر السماء فتطيعه ، وكذلك يأمر الأرض فتأتمر له ،

ويطلب الخربة أنْ تخرج كنوزها فتأتي إليه تسعى ، ولذلك يؤمن به جمع من الخلق ، فقد ورد فيما تقدم حسب ما رووه عن الرسول الأعظم (ص) واجتموا على تصحيحه : فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلا ممتلئا شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغـرض ، ثم يـدعـوه فيقبل ويتهلل وجهـه يضحك ...الخ . (1)
ويمكن كذلك لغير الأولياء على رأيهم المشي على الماء والإطلاع على المغيبات ، والنفوق من الغيب ، والطيران في الهواء ، وأنْ يفعلوا أموراً كثيرة غير ذلك ، وقد تقدم تفصيله ، فحينئذ ما الفرق بين معجزات الأنبياء (ع) وكرامات الأولياء الذين شرفهم الله تعالى وبين غيرهم ،
(1) صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ج4 ص 2251 ح 2937 ط. دار إحياء التراث العربي / بيروت .



وأي دلالة لما يجري على يد الأنبياء (ع) وأي حجة ؟ فما دام ما يفعله الأنبياء (ع) حسب ما تقدم في عقيدتهم يمكن أنْ يصدر من الدجالين والكفار وفساق الناس ، فحينئذ ما يصدر من الأنبياء (ع) من المعجزات لا يمكن الاحتجاج به ولا يمكن عده من دلائل النبوة ولا يمكن أنْ تُقام به الحجة بوجه من الوجوه ، ولو أتى أي ولي من أولياء الله تعالى يريد أنْ يقيم الدين ويعطيه الله من المعجزات والكرامات ما يؤيده به فمن الممكن أنْ يتهمـه متهم بأنّ هـذا هـو الـدجال أو يقـول بأنـه ليس مـن المؤمنين وأنّ ذلك يجري على الفسقة أيضاً .
ولعمري فإنّ تلك الأقـوال ليس لها هـدف سـوى التقليل مـن دور الأنبياء (ع) وتوهين معجزاتهم ، فمن تصدر منه كل تلك الكرامات يشترط عندهم حتى يمكن تصديقه أنْ يكون على رأي أحمد بن حنبل وعقيدته يقول بعدم خلق القرآن ويعتقد في صفات الباري تبارك وتعالى صفات التجسيم التي تقدم الكلام عنها ويوافقهم في غير ذلك ، وإلا لم يكن ما يصدر منه برهاناً على أي شيء ، بل حتى لو كان معتقداً بعقائدهم ،

فلا مانع حينئذ أنْ يتهم بأي تهمة لأنّ تلك الأمور لا تختص بالأنبياء (ع) ، فما دام الدجال تأتمر الأرض والسماء بأمره ويستخرج كنوز الأرض بمجرد طلبه ذلك منها ويحي الموتى كما أنّ نبي الله السيد المسيح (ع) يحي الموتى ، فقد يكون من يقوم بذلك أو بشيء منه دجالاً فاسقاً كذاباً يريد بفعله ذلك أنْ يخدع الناس .
وحينئذ يتحقق أمران :
الأول : نقض معجزات الأنبياء (ع) لأنّ ما لا يختص بهم وما يمكن أنْ يقع من الكاذب لا يمكن أنْ يكون دليلاً على صدق الصادق كما هو واضح ، بل لابد حينئذ من إثبات صدقه بدليل آخر .

الثاني : أنّ أي أمر في المستقبل قد يصدر من أحد يريد أنْ يؤيد الله به أحداً من أوليائه ، بل حتى لو أراد أنْ يؤيد به أحد أنبيائه وهو السيد المسيح (ع) لا يمكن الاحتجاج به أيضاً ولا يمكن أنْ نثبت بأي وجه من الوجوه حينئذ أنه السيد المسيح (ع) ، لأنّ الدجال يفعل كما يقوم هو بفعله ، فلا يمكن أنْ تزاح منه علامة الاستفهام .


وهذه اللوازم الفاسدة البينة لمعتقدهم الذي لا يمكن قبوله والذي يُعد خلاف المنطق وأدلة العقل من الأمور التي يمكن أنْ نستند إليها في إثبات أنْ الذين أسسوا لذلك الاعتقاد فيهم من هو متآمر على الدين أراد بذلك الطعن في الأنبياء (ع) ، ولم تكن هذه المفردة هي الأمر الوحيد الذي نسب في كتب الحديث المعتبرة عندهم للأنبياء (ع) ، فقصة الغرانيق التي دافع عنها عدد كبير من أساطين علماء السنة وأعلامهم هي مثال آخر ، وكذا نسبة الاجتهاد إلى الرسول الأعظم (ص) وكونه يخطئ في اجتهاده ، بل نسبة جملة من المعاصي والذنوب إلى رسول الله (ص) وكذلك دعوى تأثير سحر السحرة على النبي (ص) ، ودعوى أنه قد يخطي حتى في تبليغ ما أمره الله عز وجل به وإنْ كان لا يقر عليه ، كما سيأتي بيانه وتفصيله إنشاء الله تعالى في أبحاث النبوة كلها شواهد على ما ندعيه .

الفصل الثاني
في مناقشة ما ذكروه من تعميم كرامات

الأولياء إلى كل مؤمن تقي

عرفت مما تقدم أنّ المعروف بين علماء السنة أنّ كل معجزة من معجزات الأنبياء (ع) يمكن أنْ تقع لكل من كان ولياً لله عز وجل ، وهو كل مؤمن تقي متقرب إلى الله تعالى ، ويتحقق بزعمهم حتى عروج الروح إلى السماوات كما نسبوا ذلك إلى الماجشون الذي بزعمهم قبض روحه ملك الموت (ع) بالخطأ ورأى في السماوات أموراً نقلها لمن كان معه .
وبعبارة أخرى ، على زعمهم يمكن لكل مؤمن أنْ يحي الموتى ويبرئ المرضى ويلتقي مع الملائكة ويدخل النار فتكون له برداً وسلاماً كما ادعى ذلك ابن تيمية لنفسه ، حتى أضحت الكرامات عندهم أمراً ليس بالضرورة يترتب عليه أمور تحقق أغراض الشارع الأقدس ، ويدل على ذلك أمران :

الأول : صرّح عدد كبير منهم أنّ قد يكون من لم تحصل له الكرامات أفضل ممن أعطاه الله تلك الكرامات ، بل قد يكون عدمها أفضل من تحققها ، وأنه قد تحصل دون أنْ يترتب عليها فائدة في الدين ، يقول ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحّاوية : فالمعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة ، وكذلك الكرامة في عرف أئمة أهل الحق المتقدمين ، ولكن كثيراً من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما . (1)
إلى أنْ قال : ثم الخارق إنْ حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها ديناً وشرعاً ، إما واجب أو مستحب ، وإنْ حصل به أمر مباح كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكراً ، وإنْ كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه كان سبباً للعذاب أو البغض كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها بلعام بن باعورا لاجتهاد أو تقليد ، أو نقص عقل أو علم ، أو غلبة حال ، أو عجز أو ضرورة ، فالخارق ثلاثة أنواع : محمود في الدين ، ومذموم ومباح ، فإنْ كان المباح فيه منفعة كان نعمة ، وإلا فهو كسائر المباحات التي لا منفعة فيها .

(1) شرح العقيدة الطحّاوية ص 494 ط. المكتب الإسلامي / بيروت سنة 1404هـ- 1984م .


ثم قال : قال أبو علي الجوزجاني : كن طالباً للاستقامة لا طالباً للكرامة ، فإنّ نفسك متحركة في طلب الكرامة ، وربك يطلب منك الاستقامة . (1)
إلى أنْ قال : فاعلم أنّ عدم الخوارق علماً وقدرة لا تضر المسلم في دينه فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات ، ولم يُسخر له شيئاً من الكونيات لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله ، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له ، فإنه إنْ اقترن به الدين ، وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة ، فإنّ الخارق قد يكون مع الدين ، وقد يكون مع عدمه ، أو فساده ، أو نقصه ، فالخوارق النافعة تابعة للدين خادمة له ... (2)

ويقول ابن تيمية : وأكابر الأولياء إنما يستعملون هذه الكرامات بحجة للدين أو لحاجة للمسلمين ، والمقتصدون قد يستعملونها في المباحات وأما من استعان بها في المعاصي فهو ظالم لنفسه متعد حد ربه ، وإن كان سببها الإيمان والتقوى ، فمن جاهد العدو فغنم غنيمة فأنفقها في طاعة الشيطان فهذا المال وان ناله بسبب عمل صالح فإذا أنفقه في طاعة الشيطان كان وبالاً عليه ، فكيف إذا كان سبب الخوارق الكفر والفسوق والعصيان
(1) شرح العقيدة الطحّاوية ص 495 .
(2) شرح العقيدة الطحّاوية ص 497 .


وهى تدعو إلى كفر آخر وفسوق وعصيان ، ولهذا كان أئمة هؤلاء معترفين بأن أكثرهم يموتون على غير الإسلام ولبسط هذه الأمور موضع آخر . (1)
وقال أيضاً : ومما ينبغي أنْ يعرف أنّ الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل ، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوى إيمانه ويسد حاجته ، ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنياً عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته ، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة بخلاف من يجرى على يديه الخوارق لهدى الخلق ولحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة . (2)
وقال أيضاً : فاعلم أنّ عدم الخوارق علماً وقدرة لا تضر المسلم في دينه فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات ولم يسخر له شيء من الكونيات ولا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله ، بل قد يكون عدم ذلك انفع له في دينه إذا لم يكن وجود ذلك في حقه مأموراً به أمر إيجاب ولا استحباب وأما عدم الدين والعمل به فيصير الإنسان ناقصا مذموما إما أنْ يجعله مستحقا للعقاب وإما أنْ يجعله محروماً من الثواب ... (3)
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية ج1 ص 177 .
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية ج11 ص 283 .
(3) مجموع فتاوى ابن تيمية ج11 ص 323 .



والذي يدل عليه كلام ابن تيمية وابن أبي العز الحنفي أمور :
1- أنّ الأمور الخارقة التي قد تصدر من الأولياء وتعد من كراماتهم قد تصدر من غير الأولياء دونْ أن يترتب عليها أثر في الدين ، بل قد تؤدي إلى أمور مبغوضة لدى الشارع الأقدس .

2- أنه قد يكون منشأ الأمور الخارقة وغير النافعة بل التي تضر هو الدين نفسه ، يقول ابن تيمية فيما تقدم من كلامه : وأما من استعان بها في المعاصي فهو ظالم لنفسه متعد حد ربه ، وإن كان سببها الإيمان والتقوى .
3- أنّ الكرامات قد تكون لضعفاء الدين لكي يتقوى إيمانهم وتترسخ عقيدتهم .
4- أنّ الكرامات قد لا يترتب عليها إلا أنْ يسد البعض حاجته دون أنْ يكون في ذلك مصلحة للدين .
5- أنّ الذين هم أكمل إيماناً لم يكونوا في الغالب يحتاجون إلى الكرامـات لهـذا كانت الكـرامات في زمان الصحابة الذين هم أفضل من غيرهم حسب رأيه أقل من زمان التابعين .
6- أنّ حصول الكرامات قد يكون أمراً مرجوحاً وأنّ عدمها قد يكون أنفع لدين الإنسان .

الثاني : جملة من الأمور التي ذكروها في كرامات الأولياء لا يترتب عليها أثر في مصلحة للدين ، بل بعضها تتضمن نقض الغرض كالزعيق طوال الليل بدعوى مخاطبة الحيوانات والحديث بلغاتهم كما تقدم في ترجمة أبي الحمايل فيما ذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ، والتي جاء فيها : ، وكان عالي الهمة ، كثير الطيران من بلد لآخر ، فكان يغلب عليه الحال ليلاً ، فيتكلم بألسنة غير عربية من عجم وهند ونوبة وغيرها ، وربما قال : قاق قاق طول الليل ، ويزعق ويخاطب قوماً لا يرون ، وإذا قال شيئاً في غلبة الحال نفذ . (1)
فما معنى الحديث باللغات المختلفة الهندية وغيرها ، بل تجاوز ذلك إلى الكلام بلغة الحيوانات ، بحيث تأتي عليه حالات يسمع منه قول : قاق قاق طول الليل ، فإنّ من يسمع مثل هذا الذي يدّعون أنه من الأولياء لن يأخذ عن الأولياء فكرة سوى أنهم جماعة من الناس الذين ليس لهم استقامة في العقل ولا في التصرفات ، وبالتالي فإنّ النتيجة التي تؤول إليها مثل هذه الكرامة المزعومة ليست سوى تشويه الدين ، وصرف الأنظار عن أموره الأساسية .
(1) شذرات الذهب ج8 ص 187 وفيات سنة (932هـ) ط. دار الكتب العلمية / بيروت .


وبالجملة فالمعجزات والكرامات بالنظرة التي لديهم عنها هي قدرة تحصل عند البعض قد يشاركهم فيها غيرهم ولكن بمنشأ غير التعلق بالله عز وجل ، أو قد يؤدي الدين إلى قدرة لدى البعض تنتقض بها مقاصد الشريعة المقدسة ، والكرامات بهذا المعنى يمكن أنْ يقال بشأنها :
أولاً : أنها لا تدل على عظمة الأولياء بل لا يمكن الاحتجاج بها على شيء لأنها تقع للأعم من ذلك ، فلربما وقعت بعض الأمور الخارقة على غير مراد الشارع الأقدس فلا يمكن أنْ نثبت بها أي شيء ، بل على هذا لا معنى للاستدلال بمعجزات الأنبياء (ع) للدلالة على النبوة .

ثانياً : بعض القدرات عند بعض من يعتبرونهم من الأولياء هي ظاهرة غير سليمة ، ولو لم تكن لديهم لكان هو الأفضل لهم .
وأين هذه النظـرة المشوهـة لمعجزات الأنبياء (ع) والأولياء عندهم من نظرة مدرسة أهل البيت (ع) لمعجـزات الأنبياء (ع) والأئمـة المعصومين (ع) ، فإنّ الغرض منها هو بيان الدين وإقامة الحجة على الخلق ، ليتميز الحق من الباطل .
الفصل الثالث
في بيان غلو بعضهم فيمن اعتبروهم من الأولياء

الكتب المصنفة عندهم في كرامات الأولياء كثيرة جداً ، وبعضها فيها من الغلو الفاحش ما لا يخفى ، ومن ذلك دعواهم تجلي الباري تعالى عما يقولون علواً كبيراً في بعض أولئك الذين عدوهم من الأولياء ، ومن ذلك ما ذكره السبكي في طبقات الشافعية الكبرى في ترجمة أبي تراب النخشبي حيث قال : قال القاضي ناصر الدين ابن المنير المالكي في كتابه المقتفى : وفى الحكاية المدونة في كتب أهل الطريق أن أبا تراب النخشبي كان له تلميذ وكان الشيخ يرفق به ويتفرس فيه الخير ، وكان أبو تراب كثيراً ما يذكر أبا يزيد البسطامي فقال له الفتى يوماً : لقد أكثرت من ذكر أبى يزيد ، من يتجلى له الحق في كل يوم مرات ماذا يصنع بأبي يزيد ؟ فقال له أبو تراب : ويحك يا فتى ، لو رأيت أبا يزيد لرأيت مرأى عظيما ، فلم يزل يشوقه إلى لقائه حتى عزم على ذلك في صحبة الشيخ أبى تراب ، فارتحلا إلى أبى يزيد ، فقيل لهما : إنه في الغيضة ، وكانت له غيضة يأوى إليها مع السباع ، فقصدا الغيضة وجلسا على ربوة على ممر أبى يزيد ، فلما خرج أبو يزيد من الغيضة قال أبو تراب للفتى : هذا أبو يزيد ، فعندما وقع بصر الفتى على أبى يزيد خر ميتاً ، فحدث أبو تراب أبا يزيد بقصته وعجب من ثبوته لتجلى الحق سبحانه وتعالى وعدم تماسكه لرؤية أبى يزيد ،

فقال أبـو يزيد لأبى تراب : كان هذا الفتى صادقاً وكان الحق يتجلى له على قدر ما عنده ، فلما رآني تجلى له الحق على قدري فلم يطق . (1)
قال السبكي بعـد ذلك : قـال الفقيه ناصر الـدين واصطـلاح أهل الطريق معروف ، وحاصله رتبة من المعرفة جلية وحالة من اليقظة والحضرة سرية سنية ، والإيمان يزيد وينقص على الصحيح ، ولا تظنهم يعنون بالتجلي رؤية البصر التي قيل فيها لموسى عليه السلام على خصوصيته لن تراني ، والتي قيل فيها على العموم ( لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) (2) ، فإذا فهمت أن مرادهم الذي أثبتوه غير المعنى الذي حصل الناس منه على الناس في الدنيا ووعد به الخواص في الأخرى فلا ضير بعد ذلك عليك ولا طريق لسبق الظن إليك والله يتولى السرائر . (3)
قال السبكي بعد ذلك : قلت وكلام ابن المنير هذا في تفسير التجلي يقرب من قول شيخ الإسلام وسلطان العلماء أبى محمد بن عبد السلام رحمه الله في كتاب القواعد أنّ التجلي والمشاهدة عبارة عن العلم والعرفان ،
(1) طبقات الشافعية الكبرى ج2 ص 311 ط. دار إحياء الكتب العربية / القاهرة .
(2) سورة الأنعام : 103 .
(3) طبقات الشافعية الكبرى ج2 ص 311 .



واعلم أن القوم لا يقتصرون في تفسير التجلي على العلم ولا يعنون به إياه ، ثم لا يفصحون بما يعنون إفصاحاً وإنما يلوحون تلويحاً ، ثم يصرحون بالبراءة مما يوجب سوء الظن تصريحاً ، وقد ذكر سيد الطائفة أبو القاسم القشيري رحمه الله في الرسالة باب الستر والتجلي ، ثم باب المشاهدة ولم يفصح بتفسير التجلي كأنه خشي على فهم من ليس من أهل الطريق وعرف أن السالك يفهمه ، فلم يحتج إلى كشفه له وحاصل ما يقوله متأخروا القوم أن التجلي ضربان : ضرب للعوام وهو أن يكشف صورة كما جاء جبريل عليه السلام في صورة دحية ، وكما في الحديث : > رأيت ربى في صورة شاب < قالوا : وهذا تجلى الصفة ويضربون لذلك المرآة مثلاً ، فيقولون أنت تنظر وجهك في المرآة وليست المرآة محلا لوجهك ولا وجهك حالاً فيها ، وإنما هناك مثالها تعالى الله عن أن يكون له مثال وإنما يذكرون هذا تقريباً للأفهام وحـديـث فى صـورة شـاب أمـرد مـوضـوع مكـذوب على رسـول الله (ص) (1)
(1) وقد عرفت فيما تقدم إصرار عدد كبير من الحنابلة عليه ، وتكفير بعضهم لمن لا يقول به .

وضرب للخواص وهو تجلى الذات نفسها ويذكرون هنا لتقريب الفهم الشمس قالوا فإنك ترى ضوء النهار فتحكم بوجود الشمس وحضورها برؤيتك الضوء ، قالوا : وهذا تقريب أيضاًَ ، وإلا فنور الباري لو سطع لأحرق الوجود بأسره إلا من ثبته الله ، وقد يعتضدون بحديث أبى ذر رضي الله عنه سألت النبي (ص) : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه ، وفى لفظ قال : رأيت نوراً ، أخرجه مسلم والترمذي ، ولكنه حديث مؤول باتفاق المسلمين ، هذا حاصل كلام القوم وأنا معترف بالقصور عن فهمه وضيق المحل عن بسط العبارة فيه ، وقد جالست فى هذه المسألة الشيخ الإمام الصالح العارف قطب الدين بركة المسلمين محمد بن اسفهبدا الأردبيلى أعاد الله من بركته ، وقلت له : أتقولون بأن الذي يراه العارف فى الدنيا هو الذي وعده الله فى الآخرة ؟ قال : نعم . قلت : فبم تتميز رؤية يوم القيامة ؟ قال : بالبصر فإن الرؤية فى الدنيا فى هذين الضربين إنما هي بالبصيرة دون البصر ، قلت : فقد اختلف فى جواز رؤية الله تعالى فى الدنيا ؟ قال : الحق الجواز . قلت : فلا فارق حينئذ وتجوز الرؤية بالبصر فى الدنيا ، قال : الفارق أنه في الآخرة معلوم الوقوع للمؤمنين كلهـم وفى الدنيا لم يثبت وقوعه إلا للنبي (ص) وفى بعض ذوى المقامات العلية . هكذا قال ،

ومما قلت له ، وقد ضرب المرآة مثلاً قد يقال إن هذا نوع من الحلول والحلول كفر ؟ قال : لا ، فإن الحلول معناه أن الذات تحل فى ذات أخرى والمرآة لا تحل الصورة فيها هذا كلامه ، قلت له : فما المشاهدة عن التجلي ؟ قال : المشاهدة دوام تجلى الذات ، والتجلي قد يكون معه مشاهدة وهو ما إذا دام ، وقد لا يكون . انتهى .
قال السبكي : وأقول : إذا تبرأ القوم من تفسير التجلي بما لا يمكن ولا يجوز وصف الرب تعالى به فلا لوم عليهم بعد ذلك ، غير أنهم مصرحون بأنه غير العلم والعرفان . (1)
وخلاصـة الأمـر من كلام السبكي أنه تبني ما نقله عن شيوخه من تجلي الباري عز وجل في أبي يزيد البسطامي وأضرابه ، وأنّ ذلك التجلي كان بالبصيرة وليس بالبصر ، فقد تجلى الباري في نظره لتلميذ أبي تراب النخشبي فرأى الباري فيه ببصيرته ، فلم يتحمل ذلك وكان فوق ما يطيق فمات من حينه ، وتعالى الله عز وجل عما يقولون علواً كبيراً ، والغلو بهذا الشأنْ في كتبهم كثيرٌ جداً يجده المتتبع لما نقلوه في كتبهم التي صنفوها في كرامات الأولياء .
(1) طبقات الشافعية الكبرى ج2 ص 312 - إلى - 314.



ومن الواضح أنّ ليس كل السنة يقبلون هذا الغلو وهذه المبالغات ، ولكن يقول بهذا الغلو عدد كبير من علمائهم وفقهائهم المعتمدين عندهم في الفقه والفتوى والحديث والتفسير وغير ذلك .
وكما عند السنة غلاة في الأولياء كذلك يوجد فيمن نسب نفسه إلى التشيع غلاة ، ولا يمكن الاحتجاج بهم على الشيعة الإمامية خصوصاً بعد أنْ حذر علماء الشيعة الإمامية من الغلو والغلاة ، بل وأجمعوا على أنّ الغلاة الذي يتنافى غلوهم من التوحيد ويستلزم إنكار التوحيد كفار وحكموا بنجاستهم في كتبهم الفقهية ، كما أنهم ذموا الكثير من الرواة وطعنوا في رواياتهم بسبب كونهم من الغلاة ، وقد بينا ذلك في مقدمة هذا الكتاب .
وعلى ذلك فلا يمكن أنْ يؤتى بكل عبارة ولو من عبارات الغلاة والاحتجاج ولو بروايات من طعن فيهم فقهاء الشيعة الإمامية على الشيعة كما نشاهده عند الكثيرين ممن سعى للطعن في عقائد الشيعة ، على أنّ عمدة ما طعنوا فيه عليهم واتهموهم بالكفر هو ما قدمناه .




lkhram urd]m hgskm td lu[.hj hgHkfdhx u ,;vhlhj hgH,gdhx lkhram hgH,gdhx hgHkfdhx hgskm urd]m



توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
رد مع اقتباس
قديم 2016/08/02, 04:40 PM   #2
معلومات إضافية
رقم العضوية : 4182
تاريخ التسجيل: 2015/11/25
المشاركات: 1,648
عبد الرزاق محسن غير متواجد حالياً
المستوى : عبد الرزاق محسن is on a distinguished road




عرض البوم صور عبد الرزاق محسن
افتراضي

احسنتم و بارك الله فيكم وبجهوكم النيرة الاخت شجون الزهراء


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معجزات, مناقشة, الأولياء, الأنبياء, السنة, عقيدة, وكرامات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في بيان اتفاق علماء السنة إلا من شذ على أنْ جميع معجزات الأنبياء (ع) شجون الزهراء الحوار العقائدي 2 2016/08/04 12:33 AM
قصص الأنبياء والمرسلين ( تواريخ الأنبياء ع) عاشق نور الزهراء قصص الأنبياء والمرسلين 1 2016/07/31 01:58 AM
قصص الأولياء عابر سبيل المواضيع الإسلامية 3 2015/03/01 04:00 AM
إمام السنة ابن سيرين يرى أن الإمام المهدي عليه السلام يفضل على بعض الأنبياء ! أسد الله الغالب الحوار العقائدي 1 2014/06/27 11:38 PM
((صور + وثائق)): عقيدة أهل السنة والوهابية في (تجسيم الله) عقيدة بوذية يهودية هو الحق الحوار العقائدي 9 2013/05/27 02:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |