تحليل خطبة الحسين يوم الطف

[عبد الرزاق محسن]

تحليل خطبة الحسين يوم الطف

بســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي سيّد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وعلى من تبع نهج الثقلين الكتاب والعترة إلى قيام يوم الدّين واللعن الدائم المؤبد على أعداء محمد وآله إلى قيام يوم الدّين وبعد:

لقد خطب الامام الحسين عليه السلام في موقف لو حضره قس بن ساعده لحصر وتلعثم ولو شهده فصحاء قريش لخروا له سجدا فلعمري انه موقف يعجز عن النطق فضلا عن الخطابه ولكنه امام رسالي معصوم لا ينطق عن الهوى ان هو الا رضيع وحي وهو انه ابن علي بن ابي طالب

واذا تأملت كلمة عمر بن سعد لعنه الله : ويلكم كلموه فانه ابن ابيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر

وقد ظهرت اهمية خطبته عليه السلام في ذلك اليوم لقد زعزع الحسين عليه السلام بخطبه جيش الكوفه فقد انحاز اليه منهم جمع كثير كالحر بن يزيد الرياحي والانصاريين سعد بن الحارث واخيه ابو الحتوف وابي الشعثاء الكندي والحرث بن امريء القيس الكندي وبكر بن حي بن تيم الله وغيرهم

وسمع شبث بن ربعي قائد الرجالة وهو يلعن ابن مرجانه

وكان هذا سببا حدا بن سعد التعجيل بالقتال خوفا من ان يقلب الحسين الجيش باسره لانه يعرف ان الحسين اجمع الناس للفضائل والمكارم والمعارف

اول ما بدا به الحسين عليه السلام هو ان طلب منهم السماع والاصغاء

(( ايها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى اعظكم بما هو حق لكم عليّ وحتى اعتذر اليكم من مقدمي هذا واعذركم فيكم فان قبلتم عذري وصدقتم قولي واعطيتموني النصف من انفسكم كنتم بذلك اسعد ولم يكن لكم علي سبيل وان لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوني النصف من انفسكم فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لايكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ))

انظر وامعن النظر الى السحر والبلاغه والفصاحة فوالله لا تكاد تميز بين قول الخالق في الايات التي ذكرها الحسين وقوله عليه السلام وهذا لا يعني والعياذ بالله انني ارفع الحسين الى منزلة الخالق بقدر ما اقول ان الوحي نزل بالقران على صدر النبي صلى الله عليه واله بلغة العرب ولان الله عز وجل خلق اللغه وخلق قوانينها فلاشك انه قادر على رسم البلاغه والفصاحة في اللغه الى حد الاعجاز وليس غريب ولا عسير على الله ان يمنح هذه الملكة ويهب هذه النعمة لاهل البيت عليهم السلام كما منح ملكة احيا الموتى لعيسى عليه السلام

والله عز وجل لم ينزل ايات القران بهذه القوة اللغوية والمتانه البلاغية الا من باب التحدي والاعجاز

وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله


ولهذا عندما لم يكن الاعجاز ضروري في بقية الكتب السماوية السابقة كالزبور والتوراة والانجيل فلم نجد ان الله عز وجل افرغ فيها البلاغة والفصاحة كما فعل مع القران الكريم مما يعني ان البلاغة والفصاحة اعمال وافعال من الله وليست صفته الخاصة به

يعني ان بلاغة اللغة في القران الكريم هي ليست لغة الخالق التي لا يجوز ان تقارن بمثيلاتها كما تقارن بلاغة اديب مع اديب اخر و لا يجوز ان ينالها مخلوق من مخلوقاته باذنه

بعدما حصل الامام الحسين عليه السلام الاذن بالاصغاء والاستماع بدا يلقي حجته على القوم وعلى شكل مراحل فبدأ من اعلاها ثم تنزل وصولا الى اسفلها

فاولا عرّف نفسه لهم حتى يذكرهم بمنزلته الدينية من اصحاب الرسالة السماوية

((أيها الناس أنسبوني من أنا ثم ارجعوا الى انفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي الست ابن بنت نبيكم ووصيه وابن عمه واول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه او ليس حمزة سيد الشهداء عم ابي او اليس جعفر الطيار عمي

وانتقل الحسين عليه السلام الى تذكيرهم بمنزلته الدينية عند الله عز وجل

(( أو لم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لي ولاخي هذان سيدا شباب اهل الجنة ))

طبعا الحسين يذكرهم بمتن الحديث النبوي الذي يثبت احقية موقفه من الزاوية الشرعية والناحية الدينية ولكنه لم ينسى ان يخبرهم بسند الحديث و حسب الشروط العلمية الصحيحة عند كل مؤمن يحترم ايمانه ودينه والا ليس هناك سند اصح من حديث سنده اهل البيت وهل يوجد عاقل يشك في ثقة راوي مثل الحسين ؟

(( فان صدقتموني بما اقول وهو الحق فوالله ما تعمدت الكذب منذ ان علمت ان الله يمقت عليه اهله ويضر به من اختلقه ))

ثم انتقل الحسين الى تصحيح الحديث بمبدأ ( الزموهم بما الزموا به انفسهم ))

حسب شروط الصحة اللتي يؤمنون بها

(( وان كذبتموني فان فيكم من أن سألتموه عن ذلك اخبركم سلوا جابر بن عبد الله الانصاري وابا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن ارقم وانس بن مالك يخبرونكم انهم سمعوا هذه المقاله من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لي ولاخي اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ ))

ثم انتقل الحسين الى مرحلة اخرى مرحلة الدليل العقلي لانهم شككوا بالدليل النقلي

(( فان كنتم في شك من هذا القول افتشكون في اني ابن بنت نبيكم فوالله مابين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ))

يعني ان كنتم مسلمين فهذا بفضل النبي صلى الله عليه واله فان شككتم بمكانتي الدينية في الاسلام وشككتم بمنزلتي عند الله فلن تقدروا ان تشكوا اني ابن بنت هذا النبي ولا تستطيعون الهروب من هذه الحقيقة

وبعدما فرغ الحسين من الاحتجاج عليهم بالاعتبارات الدينية انتقل الى الاحتجاج بالاعتبارات الدنيوية

(( ويحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته او مال لكم استهلكته او بقصاص جراحه ))

لان هذه هي الاسباب التي تجعل الانسان (أي انسان مسلم كافر ) يقتل الانسان

وثم انتقل الحسين الى الا حتجاج بالاعتبارات السياسية



(( يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابجر وياقيس بن الاشعث ويازيد بن الحارث الم تكتبوا الي ان اقدم قد اينعت الثمار واخضر الجناب وانما تقدم على جند لك مجندة ؟ ))

يعني ان كان خروجي على يزيد هو جريمتي التي تريدون قتلي عليها فانتم سببها

وعندما الملاعين انكروا كلام سيد الشهداء قال لهم

(( سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ))

ليؤكد الحسين انهم هم المجرمون وليس هو

هنا انتقل الحسين الى اخر احتجاج

(( ايها الناس اذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم الى مأمن من الارض ))

كثير من الناس يعتقد ان الحسين بهذه الكلمة ندم على الخروج فطلب منهم العودة الى داره بعدما شعر ان الامور اصبحت على غير ما كان يتوقع ويرجو وان كلام الحسين هذا اعتراف منه على بطلان موقفه وبعض المخالفين النواصب يعتبره حجة على عدم صحة خروجه عليه السلام فالحسين لو اعطوه فرصة الرجوع لرجع وبايع يزيد كما فعل غيره
ولكن الامام الحسين يعلم انه مقتول في كربلاء والروايات مستفيضة عند العامه والخاصة بهذا ولهذا فانه يعلم علم يقين انهم لم يستجيبوا لطلبه بالانصراف بدليل قوله لعمر ( والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود ) اي هناك من اخبر الحسين بالغيب ان عمر سيقتله ولا يتهنا بالجائزة

فلماذا قالها اذن ؟

هذا الكلام هو اخر حجة يلقيها الحسين عليه السلام فلو لم يقل الحسين هذه الكلمة لوجدت الى اليوم من يقول ان الحسين لم يترك ليزيد اي خيار الا قتله
اذن كلمة الحسين هي حجة للشيعته من بعده وليست عليهم لان الحسين اعطى قاتليه خيار الرجوع حتى لا يتورطون بدمه ويهلكون بسببه ولانه امام رسالي فهو مكلف بهداية الناس لا بهلاكم فلابد انه مكلف ان يمنح الضال كل الفرص للنجاة فطالما هم فزعوا على الحسين لانه يريد ان ( يحرمهم ) من عرش السلطة فكانوا امام خيارين كلاهما مر على نفوسهم اما السلطة او قتله
هنا الحسين قال لهم انتم الان امام خيارين اما قتلي فتهلكوا او السماح لي بالعودة فتنجوا اي اصبحوا بين خيار مر و اخر حلو وكان ينبغي عليهم استثمار هذه الفرصة طالما الحسين وفر عليهم مؤؤنة القتال وحمل وزر قتله ولم ينافسهم على سلطة
فهذه اخر حجة القاه الحسين على القوم لكي يقول للعالم وللتاريخ انهم سوف يقتلوني لانهم يريدون ذلك فاثبت بطلان عقيدة الامويين وفساد راي من يدافع عن خلافتهم

لهذا انتقل الحسين الى مرحلة اخرى في الخطاب

(( لا والله لا اعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد ))

وهذه هي زبدة المخاض لانها جاءت بناء على قوله (( ومثلي لا يبايع مثله ))
فالعبارة
لا والله لا اعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد

جاءت بعد اتمام الحجة فليس من حق اي مكابر ان يطلب من الحسين ان يقر اقرار الذليل او يهرب هروب الجبان بل ينبغي ان يفعل العكس وهو ان يلوم من يريد للحسين ان يفعل هذا او ذاك من اجل يحفظ روحه وكان بقاء الحسين مرهون بقرار من الامويين

والعبارة

ومثلي لا يبايع مثله

جاءت قبل الخروج لتعبر عن موقف الحسين الثابت وبسببه ومن اجله خرج الى الكوفة وليس قتله في كربلاء فخ وقع فيه كما يقراها اصحاب العقول الصغيره

ثم اعطى الحسين قراره الاخير فيهم بعدما قضي الامر

(( تبا لكم ايتها الجماعه وترحا ...أحين استصرختمونا والهين ...فاصرخناكم موجفين ...( عتب على الخيانه ) ...سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم علينا نار اقتدحناها على عدونا وعدوكم ( السلاح الذي اتفقنا معكم ان نقاتل به الفساد تستخدمونه الان لقتل الاصلاح ) ....فاصبحتم البا لاعدائكم على اولياؤكم بغير عدل افشوه فيكم ولا امل اصبح لكم فيهم ...))

الامام يستغرب من هذا الانقلاب لانهم يعلمون ان يزيد هو عدوهم وليس في حكومته اي امل او عدل يجعلهم يقتلون الحسين من اجله فلا هو يفيدهم على المستوى المعنوي و لا يفيدهم عى المستوى المادي .... وسوف تكتشف عظمة كلمة الحسين هذه نضرب مثال من التاريخ الحي فان الذين اثروا عليا على معاوية وان حرمهم علي الغنى المادي انما اغناهم بالغنى المعنوي فاعطاهم اخرة بلا دنيا والذين اثروا معاوية على علي وان حرمهم معاوية الغنى المعنوي ولكنه عوضهم بالغنى المادي واعطاهم دنيا بلا اخرة
ولكن هولاء ما هو عذرهم ويزيد سوف لا يعطيهم لا دنيا ولا اخرة حسب قول الحسين و المرارة الموجودة في كلام الحسين هو انهم فعلوا ذلك عن علم وليس عن جهل لانهم هم الذين كتبوا للحسين ان ينهض لطرد هذا الملعون

(( فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستصحف ولكن اسرعتم اليها كطيرة الدبا وتداعيتم اليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الامة وشذاذ الاحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الاثم ونفثة الشيطان ومطفئي السنن ))

ركز في فصاحة الحسين و دقق في بلاغة الحسين فهو لايقصد بهذا الكلام العسكر الذي يقاتله لان هولاء بهائم تحمل السيوف وليس لها شأن بتحريف الكلم واطفاء السنن

(( ويحكم اهولاء تعضدون وعنا تتخاذلون اجل والله غدر فيكم قديم ( كلام بعيد جدا .... الحسين يصف الغدر قديم اقدم من الطف وكربلاء ) وشجت عليه اصولكم وتأزرت عليه فروعكم فكنتم اخبث ثمر شجي للناظر واكلة للغاصب الا وان الدعي بن الدعي ( لم يصرح الحسين بالاسم مما يعني ان المصداق هنا ليس ابن زياد فقط فيزيد دعي وابيه دعي ووصف لمعاوية انه ابن حرام وصف واضح وصريح قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وانوف حميه ونفوس ابيه من ان تؤثر طاعه اللئام على مصارع الكرام ))

ويتحدث الحسين عن مصيره في هذه الحرب بعدما ذكر غياب التوازن العسكري

(( الا واني زاحف بهذه الاسرة على قلة العدد وخذلان الناصر ))

روعه ان يصف الحسين ان اصحابه حتى جون الافريقي ووهب النصراني وغيرهم انهم من اسرة الحسين

فيقول عن هذا المصير مستشهدا با ابيات الشاعر

(( فان نهزم فهزامون قدما ...وان نهزم فغير مهزمينا ))

اما مصير قتلته

(( اما والله لا تلبثون بعدها الا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده الي ابي عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ))

وفعلا حدث ذلك

وختم الحسين خطبته بالدعاء عليهم

(( اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة والله لا يدع احد منهم الا انتقم لي منه قتلة بقالة وضربة بضربة ))

وصف دقيق لمشهد اعمال المختار مما يدل على مشروعية تلك الاعمال

ثم وجه خطابة الخاص لقائد العسكر عمر بن سعد لعنه الله وسّود وجه بالاخرة

(( أي عمر اتزعم انك تقتلني ويوليك الدعي ــ لم يذكر اسمه الحسين اما لانه يقصد اكثر من شخص فهذه بلاغه او احتقارا لصاحب الاسم ـ بلاد الري وجرجان والله ـ يقسم الحسين مما يدل على اليقين بمن اخبره علم الغيب ـ والله لا تتهنا بذلك عهد معهود فاصنع ما انت صانع فانك لا تفرح بعدي بدنيا ولا اخره ))

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين

المصدر: منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي - من قسم: الحوار العقائدي

---

jpgdg o'fm hgpsdk d,l hg't hg't jpldg

[أبو زينب اليمني]

اللهم ارزقنا شفاعة الحسين عليه السلام يوم الورود.